فصل: تفسير الآية رقم (192):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الشعراوي



.تفسير الآية رقم (192):

{وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192)}
إذن فلا أحد من الأصنام قادر على أن ينصر نفسه أو يضمن نصر غيره.
وهكذا نجد الترقي في الحوار على أربع مراحل، أولاَ: لا يخلقون، ثانياً: هم يُخلَقون، ثالثاً: لا ينصرونكم، ورابعاً: ولا ينصرون أنفسهم. ثم تأتي المرحلة الخامسة في قوله الحق: {وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الهدى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ...}.

.تفسير الآية رقم (193):

{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193)}
وعلى ذلك فهي خمس مراحل- إذن-، أكررها لتستقر في الذهن، أولها أنه من الجائز أنه لا يَخلُق، ومن الجائز أن يكون مخلوقاً، ومن الجائز أنه لا يقدر أن ينتصر لغيره لأنه ضعيف، ولا ينتصر لنفسه لأنه أضعف، ومع ذلك إن أردت أن تهديه إلى شيء من ذلك أو إلى شيء من العلم فلا يقبل منك.
وكانوا في الجاهلية حين يفزعهم أمر جسيم ينادونهم ويقولون: يا هبل، يا لات، يا عزى. وإن لم يصبهم أمر سكتوا عن نداء الأصنام؛ لذلك يقول لهم الله من خلال الوحي لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الهدى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامتون} [الأعراف: 193].
أي إن دعوتكم لهم لا تفيد في أي أمر تماماً كصمتكم.
ونلحظ أن الأسلوب هنا مختلف {سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ} فلم يقل: (أدعوتموهم أم صَمَتّم)؛ لأن الفعل يقتضي الحدوث، ولنا أن نعرف أنهم كانوا لا يفزعون إلى آلهتهم إلا عند الأحداث الجسام. أما بقية الوقت فقد كانوا لا يكلمونهم أبداً؛ لذلك جاءت (صامتون) لازمة، لأنها اسم، والاسم يقتضي الثبوت والاستمرار، أما الفعل فيقتضي الحدوث والتجدد.
والحق هنا يبلغ المشركين: سواء عليكم أدعوتموهم أم لم تدعوا، فعدم الاستجابة متحقق فيهم وواقع منهم، وعدم النصر لأنفسهم ولغيرهم متحقق منهم.
ثم يتكلم الحق عن قضية أخرى فيقول: {إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله...}.

.تفسير الآية رقم (194):

{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194)}
و{تَدْعُونَ} لها معنيان، المعنى الأول يعني أنكم قد تتخذونهم آلهة وتعبدونهم، والمعنى الثاني هو أن يقال: (تدعونه) أي تطلب منه شيئاً. والمعنيان يجيئان في هذه الآية: {إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فادعوهم}.
وعنْدَما يسمع الإنسان كلمة (عباد) يفهم أنها من الجنس المتعقل الحي، فكيف تكون الأصنام عباداً؟ وأقول: نحن هنا نأخذها على شهرة اللفظ، أما إذا أردنا تحقيق اللفظ وتعقيده، فالبناء مأخوذ من التذلل والخضوع، ألم يقل موسى لفرعون:؟ {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 22].
أي أذللتهم. وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها تكون الأصنام عباداً أمثالهم في أنهم يُذلون؛ لأن السيل إذا نزل أو هبت الريح نجد هذه الأصنام قد وقعت وتكسرت رقابها، فيهرع المشركون ليأتوا بمن يعيد ترميم هذه الآلهة!! إذن فأنتم أيها المشركون؛ لأنكم مخلوقون بالله قد تملكون قدرة، وقوة تستطيعون بها إن جاء لكم ضر أن تدفعوا الضر عنكم، أما الأصنام فليست لها أدنى قدرة إن جاءها من يحطمها، أو يكسرها، أو يقبلها، فهي أضعف منكم. وبذلك تكون كلمة {عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} لوناً من الترقي.
وعلى فرض أنهم عباد أمثالكم، فالعبد من الأحياء حينما يأتي شيء يستذله، قد يستطيع أن يدفع عن نفسه بعض الشيء إلا إن كان الشيء قويا فوق طاقته. فالمراد والمقصود أنهم عباد أمثالكم أي مذللون ومسخرون ولا يستطيعون دفع شيء عن أنفسهم. وأنت إذا ما نظرت إلى هذه المسألة وأخذت معنى عباد على معناها الإطلاقي، فأنت تعلم أن العبد هو كل مسخر مذلل من العباد.
لكن هناك مذلل ومسخر فيما لا اختيار له فيه، وآخر مذلل ومسخر فيما له فيه اختيار أيضاً، والفرق بين الاثنين أن الكافر فيما له اختيار؛ إما أن يؤمن وإما أن لا يؤمن ويختار الكفر، بل إن الإنسان المؤمن له الاختيار في أن يطيع أو يعصي. ولكن هناك أشياء أخرى تجري على الإنسان لا اختيار له فيها، كأن يمرض ولا يقدر أن يقول: لا لن أمرض، أو قد يأتيه الموت فلا يقدر أن يقول: لن أموت. وقد يهلك ماله أو تحترق داره فلا يستطيع دفع القدر، وكل هذه أمور قهرية يكون الإنسان فيها مذللاً مسخراً، والكافر والمؤمن في هذه الأمور سواء.
والمؤمن يتميز بأنه يتبع منهج الله فيما له فيه اختيار، وهذه فائدة الإيمان، وبذلك يخرج المؤمن عن الاختيار المخلوق لله، إلى مراد الله منه في الحكم، ويستوي بكل شيء مسخر لله، ولذلك نقول للذين يكفرون: كفرتم وتأبيتم بما خلق فيكم من الاختيار عن الإيمان بالله.
وقد جعلها الله لكم بقوله: {... فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29].
وما دام الواحد منكم أيها الكافرون يتأبى ويستكبر على حكم الله، إذن فللواحد منكم أيها الكافرون رياضة على التمرد، فلماذا لا تقول للمرض لن أستسلم لك. ولن يستطيع أحد الكافرين ذلك، لأنه إنما يكفر بما له حق ممنوح من الله في منطقة الاختيار، أما في غير ذلك فالكل عباد مذللون. {إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فادعوهم فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ} [الأعراف: 194].
وقول الحق تبارك وتعالى: {فادعوهم} أي اطلبوا منهم أن يلبوا لكم أي طلب، وهم لن يستجيبوا لكم؛ لأنهم لا يقدرون أبداً. وفي هذا القول لون من التحدي {فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ} لكنهم لن يستجيبوا، فليست لهم قدرة لأن يخرجوا على أمر ربنا ويقولوا سنعطيكم ما تطلبون، لأن طاقتهم وطبيعتهم لا تقدر أن تستجيب.
وبعد أن قال الحق عن الأصنام: إنهم عباد أمثالكم، أراد أن ينزلهم منزلة أدنى من البشر فقال: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ...}.

.تفسير الآية رقم (195):

{أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195)}
وينبه الحق تبارك وتعالى كل مشرك، وكأنه يقول له: أنت لك رجل تمشي بها، ولك يد قد تبطش بها، ولك أذن تسمع، ولك عين تبصر، فهل للأصنام حواس مثل هذه؟. لا، ليست لهم، إذن، فالأصنام أقل منك، فكيف تجعل الأقل إلهاً للأكبر؟ إن هذا هو جوهر الخيبة.
وقوله: {يَمْشُونَ بِهَآ}، و{يَسْمَعُونَ} و{يُبْصِرُونَ} جاءت لأن المشركين صوروا التمثال وله رجلان وله اذنان وله عينان ويضعون في مكان كل عين خرزة لتكون مثل حدقة العين، وحين ينظر إنسان منهم إلى التمثال يخيل إليه أن التمثال ينظر إليه. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى: {... يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} [الأعراف: 198].
وفي قوله تعالى: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا...} [الأعراف: 195].
حين يعرض الحق مثل هذه الأمور بأسلوب الاستفهام. فإنما يريد أن يحقق المسائل عن أقوى طريق، لأن الاستفهام لابد له من إجابة. والكلام من الله عند الكافر يحتمل الصدق ويحتمل الكذب. وإجابة الكافر ستكون قطعاً بعدم استطاعة الأصنام المشي أو اللمس أو الرؤية أو السماع؛ لذلك أراد الحق ألا يكون الحكم من جهته. بل الحكم من جهة المشركين، وفي هذا إقرار منهم. ولذلك يقول الحق مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم. {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الانشراح: 1].
أما كان يستطيع سبحانه وتعالى أن يقول: شرحنا لك صدرك؟ كان يستطيع ذلك. ولكنه يأتي بالاستفهام الذي يكون جوابه: بلى لقد شرحت لي صدري. وينبه قوله تعالى: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا...}
إلى مقارنة الأصنام بالبشر. فالبشر لهم أرجل وأيْدٍ وأعين وآذان، وكل من هذه الجوارح لها عمل تؤديه، وهكذا يتأكد للمشركين أنهم أعلى مرتبة من أصنامهم. فكيف يجوز في عرف العقل أن يكون الأعلى مرتبة مربوباً للأدنى مرتبة؟ إن ذلك لون من الحمق. {... قُلِ ادعوا شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ}
ورسول الله جاء بهذا القول ليدحض إيمانهم بهذه الأصنام التي اتخذوها آلهة وليسفه أحلامهم فيها، وبذلك أعلن العداوة ضدهم- العابدين، والمعبودين- وصارت خصومة واقعة، وسألهم أن يدعوا الشركاء ليكيدوا لرسول الله بالأذى أو التعب أو منع النصر الذي جاء للإسلام، إن كانت عندكم أو عندهم قدرة على ضر أو نفع {قُلِ ادعوا شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ}.
ويتحداهم صلى الله عليه وسلم أن يكيدوا هم وآلهتهم، والكيد هو التدبير الخفي المحكم. وانظروا ما سوف يحدث، ولن يصيب رسول الله بإذن ربه أدنى ضر.
ولذلك نجد الحق سبحانه وتعالى قد أجرى على رسول الله أشياء، ليثبت بها أشياء، وقد قالوا: إن واحداً قد سحر النبي، ولنفرض أن مثل ذلك السحر قد حصل، فكيف ينسحر النبي؟ ونقول: ومن الذي قال: إنه سحر؟.
إن ربنا أعلمه بالساحر وبنوع السحر، وأين وضع الشيء الذي عليه السحر، ليبين لهم أن كيدهم حتى بواسطة شياطينهم مفضوح عند الله. {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ...} [الأنفال: 30].
وهم كانوا قد بيتوا المكر لرسول الله وأرادوا أن يضربوه ضربة واحدة ليتفرق دمه في القبائل، فأوضح ربنا: أنتم بيتم، ولكن مكركم يبور أمام أعينكم. وليثبت لهم أنهم بالمواجهة لن يستطيعوا مصادمته في دعوته. ولا بالتبييت البشري يستطيعون أن يصدموا دعوته، ولا بتبييت الجن- وهم أكثر قدرة على التصرف- يستطيعون مواجهة دعوته. وما داموا قد عرفوا أنهم لن يظهروا على الرسول، ولن يفيد مكرهم أو سحرهم أو كيدهم مع شياطينهم، إذن فلابد أن ييأسوا، ولذلك تحداهم وقال: {... قُلِ ادعوا شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ} [الأعراف: 195].
وأنظره يعني أخره، والقول هنا: لا تؤخروا كيدكم مع شركائكم، بل نفذوا الكيد بسرعة، وقد أمر الحق رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول ذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما آوى إلى ركن شديد؛ لذلك يقول رسول الله بأمر الحق: {إِنَّ وَلِيِّيَ الله الذي نَزَّلَ الكتاب...}.

.تفسير الآية رقم (196):

{إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)}
وما دام الوليّ هو الله، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يبالي بهم، و(الولي) هو الذي يليك، وأنت لا تجعل أحداً يليك إلا أقربهم إلى نفسك، وإلى قلبك، ولا يكون أقربهم إلى نفسك وإلى قلبك، إلا إذا آنست منه نفعاً فوق نفعك، وقوة فوق قوتك، وعلماً فوق علمك، وقول الرسول بأمره سبحانه وتعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ الله...}
أي أنه ناصري على أي كيد يحاول معسكر الشرك أن يصنعه أو يبيته لي. فالله هو ولي الرسول أي ناصره، والقريب منه بصفات الكمال والجلال التي تخصه سبحانه وتعالى، وعندما يكون لمؤمن خصلة ضعف فهو يذهب لمن عنده خصلة قوة، ولذلك قلنا في قصة موسى عليه السلام حين التفت قومه ووجدوا قوم فرعون فقالوا: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}
أي أن جيش فرعون سيدركهم، لأن البحر أمامهم والعدو وراءهم. وليس أمامهم فسحة أمامية للهرب ولا منفذ لهم إلا أن يصمدوا أمام جيش فرعون وهم بلا قوة ولم يكذبهم موسى عليه السلام في قولهم. بل قال لهم يطمئنهم: {كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62].
وهنا خرجت المسألة عن أسباب البشر وانتهت إلى الركن الشديد الذي يأوي إليه الرسل. ولا يقول هذا القول إلا وهو واثق تمام الثقة من نصرة الله، وسبق أن رويت لكم حكاية المرأة الأوروبية التي أسلمت لأنها كانت تقرأ سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كبطل من أبطال العالم، صنع أكبر انقلاب في تاريخ البشرية، ولما مرت في تاريخه صلى الله عليه وسلم، قرأت أن صحابته كانوا يحرسونه من خصومه وأعدائه، إلى أن فوجئوا في يوم ما بأن قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذهبوا عني. فإن الله أنزل عليّ: {والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس...}» [المائدة: 67].
واستوقفت هذه الواقعة هذه المرأة فقالت: إن هذا الرجل إن أراد أن يكذب على الناس جميعاً ما كذب على نفسه، ولا يمكن أن يُسلم نفسه لأعدائه بدون حراسة إلا إذا كان واثقاً من أن الله أنزل عليه هذا، وأنه قادر أن يعصمه، وإلا دخلَ بنفسه في تجربة. والباحثة من هذه الواقعة قد أخذت لفتة العبرة. وفي مثل هذا يقول الحق تبارك وتعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم: {... قُلِ ادعوا شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ} [الأعراف: 195].
وكأنه صلى الله عليه وسلم يستدعيهم إلى التحدي بالمعركة بالمكر والتبييت، وألا يتأخروا عن ذلك وهو واثق من أن الله عز وجل ينصره. {إِنَّ وَلِيِّيَ الله الذي نَزَّلَ الكتاب وَهُوَ يَتَوَلَّى الصالحين} [الأعراف: 196].
وأنزل الحق تبارك وتعالى على رسوله الكتاب المبين ليبلغه للخلق، ولا يمكن أن يسلمه إلى عدو يمنعه من تمام البلاغ عن الله.
لقد أنزل الحق الكتاب على رسوله ليبلغه إلى الكافة ولا يمكن أن يتخلى عنه. {إِنَّ وَلِيِّيَ الله الذي نَزَّلَ الكتاب وَهُوَ يَتَوَلَّى الصالحين}
وقوله: {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصالحين} أي أنه لا يجعل الولاية خصوصية للرسول صلى الله عليه وسلم، بل يقول لكل واحد من أتباعه: كن صالحاً في أي وقت، أمام أي عدو، ستجد الله وهو يتولاك بالنصر، وساعة يعمم الله الحكم؛ فهو ينشر الطمأنينة الإيمانية في قلوب أتباعه صلى الله عليه وسلم. وكل من يحمل من أمر دعوته صلى الله عليه وسلم شيئاً ما سوف يكون له هذا التأييد، وسبحانه الذي جعل رسوله مُبلغاً عنه المنهج، وهو سبحانه يتولى الصالحين لعمارة الكون؛ لأن الله قد جعل الإنسان خليفة ليصلح في الكون، وأول مراتب الإصلاح أن يبقى الصالح على صلاحه، أو أن يزيده صلاحاً إن أمكن.
ويقول سبحانه بعد ذلك: {والذين تَدْعُونَ مِن دُونِهِ...}.