فصل: تفسير الآية رقم (110):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الشعراوي



.تفسير الآية رقم (110):

{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)}
بعد أن بين الله سبحانه وتعالى أن أقصى أماني أهل الكتاب أن يردونا كفارا، وأن هذا حسدا منهم. أراد الله تبارك وتعالى أن يبين لنا ما الذي يكرهه أهل الكتاب.. وقال إن الذي يتعبهم ميزان العدل والحق الذي نتبعه.. منهج الله سبحانه وتعالى.. ولذلك يأمر الله المؤمنين أن يثبتوا ويتمسكوا بالإيمان، وأن يقبلوا على التكليف فهذا أحسن رد عليهم.. والتكاليف التي جاء بها الإسلام منها تكليفات لا تتطلب إلا وقتاً من الزمن وقليلا من الفعل كشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا.
إن شهادة لا إله إلا الله تقال مرة في العمر.. والزكاة والصوم مرة كل عام.. والحج للمستطيع مرة في العمر.. ولكن هناك من العبادات ما يتكرر كل يوم ليعطي المؤمن شحنة اليقين والإيمان ويأخذه من دنياه بالله أكبر خمس مرات في اليوم.. وهذه هي العبادة التي لا تسقط أبدا.. والإنسان سليم والإنسان مريض.. فالمؤمن يستطيع أن يصلي واقفا وأن يصلي جالسا وأن يصلي راقدا.. وأن يجري مراسم الصلاة على قلبه.. لذلك كانت هذه أول عبادة تذكر في قوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصلاة} أي والتفتوا إلى نداءات ربكم للصلاة.. وعندما يرتفع صوت المؤذن بقوله الله أكبر فهذه دعوة للإقبال على الله.. إقبال في ساعة معلومة لتقفوا أمامه سبحانه وتعالى وتكونوا في حضرته يعطيكم الله المدد.. ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى.
ومعنى حزبه أمر.. أي ضاقت به أسبابه فلم يجد مخرجا ولا طريقا إلا أن يلجأ إلى الله.. إذا حدث هذا يتوضأ الإنسان ويصلي ركعتين غير الفريضة.. ثم يدعو ما يشاء فيفرج الله كربه.. إذن: {وَأَقِيمُواْ الصلاة} هي الرد المناسب على كل محاولاتهم ليسلبوكم دينكم.. ذلك أن هذا التكليف المقرر لإعلان الولاء الإيماني لله كل يوم خمس مرات.. نترك كل ما في الدنيا ونتجه إلى الله بالصلاة.. إنها عماد الدين وأساسه.
وقوله تعالى: {وَآتُواْ الزكاة}.. إيتاء الزكاة لا يحدث إلا إذا كان لديهم ما هو زائد عن حاجتك.. فكأن الله سبحانه وتعالى يريدنا أن نضرب في الأرض لنكسب حاجتنا وحاجة من نعول ونزيد.. وبذلك يخرج المسلمون من سيطرة اليهود الإقتصادية التي يستذلون بها المسلمين.
فالمؤمن حين يأتي الزكاة معناه أن حركته اتسعت لتشمل حاجته وحاجة غيره.. ولذلك حتى الفقير يجد في الزائد في أموال المسلمين ما يكفي حاجته.
فلا يذهب إلى اليهودي ليقترض بالربا.. ولذلك فالله سبحانه وتعالى يريد أن يتكامل المسلمون.. بحيث تكفي أموالهم غنيهم وفقيرهم والقادر على العمل منهم وغير القادر. والله تبارك وتعالى يزيد أموال المسلمين بأكثر مما يخرج منها من زكاة.. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه».
وقد سميت (الزكاة) لأنها في ظاهرها نقص وفي حقيقتها زيادة.. والربا ظاهره زيادة وحقيقته نقص.. وفي ذلك يقول الله جل جلاله: {يَمْحَقُ الله الربا وَيُرْبِي الصدقات} [البقرة: 276].
ثم يقول الحق سبحانه: {وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ الله}.. إذن لابد أن يطمئن المؤمن لأن حركة حياته هي ثواب وأجر عند الله تبارك وتعالى.. فإذا صلى فله أجر وإذا زكى فله أجر، وإذا تصدق فله أجر، وإذا صام فله أجر، وإذا حج فله أجر، كل ما يفعله من منهج الله له أجر، وليس أجرا بقدر العمل، بل أضعاف العمل.. وإقرأ قوله تعالى: {مَّثَلُ الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ والله يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261].
وهكذا نعرف أن كل حركة في منهج الله ليس فقط لها أجر عند الله سبحانه وتعالى.. ولكنه أجر مضاعف أضعافا مضاعفة.. وهو أجر ليس بقدرات البشر ولكنه بقدرة الله سبحانه.. ولذلك فهو ليس مضاعفا فقط في عدد المرات ولكنه مضاعف في القدرة أيضا.. فكأن كل إنسان مؤمن لا أجر له في الآخرة.. وإذا أُعطى في الدنيا يُعطي عطاء المثل.. ولكن المؤمن وحده له عطاء الآخرة أضعافا مضاعفة.. وهو عطاء ليس زائلا كعطاء الدنيا ولكنه باق وخالد.
والخير الذي تفعله لن تدخره عندك أو عند من قد ينكره.. ويقول لا شيء لك عندي ولكن الله سيدخره لك.. فانظر إلى الإطمئنان والعمل في يد الله الأمينة، وفي مشيئته التي لا يغفل عنها شيء، وفي قدرته التي تضاعف أضعافا مضاعفة.. وتجده في الوقت الذي تكون في أحوج اللحظات إليه وهو وقت الحساب.
ثم يقول الحق تبارك وتعالى: {الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.. أي لا تعتقد أن هناك شيئا يخفى على الله، أو أن أحدا يستطيع أن يخدع الله؛ فالله سبحانه وتعالى بصير بكل شيء.. ليس بالظاهر منك فقط.. ولكن بما تخفيه في نفسك ولا تطلع عليه أحدا من خلق الله، إنه يعلم كل شيء واقرأ قوله سبحانه وتعالى: {رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يخفى عَلَى الله مِن شَيْءٍ فَي الأرض وَلاَ فِي السمآء} [إبراهيم: 38].
وهكذا نطمئن إلى أن الله بصير بكل شيء، وانظر إلى قوله جل جلاله: (تعملون) لتفهم أهمية العمل.

.تفسير الآية رقم (111):

{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111)}
بعد أن بين الحق تبارك وتعالى كيف أن كل عمل في منهج الله له أجر، وأجر باق وثابت ومضاعف عند الله ومحفوظ بقدرة الله سبحانه.. أراد أن يرد على ادعاءات اليهود والنصارى الذين يحاولون أن يثيروا اليأس في قلوب المؤمنين بالكذب والإحباط علهم ينصرفون عن الإسلام.. لذلك فقد أبلغنا الله سبحانه بما افتروه.
واقرأ قوله تعالى: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نصارى}.. وفي هذه الآية الكريمة يظهر التناقض بين أقوال اليهود والنصارى.. ولقد أوردنا كيف أن اليهود قد قالوا {لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً}.. وقالت النصارى: (لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا).. والله سبحانه وتعالى يفضح التناقض في آية ستأتي في قوله تبارك وتعالى: {وَقَالَتِ اليهود لَيْسَتِ النصارى على شَيْءٍ وَقَالَتِ النصارى لَيْسَتِ اليهود على شَيْءٍ} [البقرة: 113].
ومعنى ذلك أنهم تناقضوا في أقوالهم، فقالت النصارى: إنهم سيدخلون الجنة وحدهم، وقالت اليهود القول نفسه. ثم قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا أو نصرانيا.. ثم قالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء.
ويقول الناس إذا كنت كذوبا فكن ذكورا؛ ذلك أن الذي يكذب تتناقض أقواله لأنه ينسى مادام قد قال غير الحقيقة، ولذلك تجد أن المحقق أو القاضي يظل يسأل المتهم أسئلة مختلفة.. حتى تتناقض أقواله فيعرف أنه يكذب.. فأنت إذا رويت الواقعة كما حدثت فإنك ترويها مائة مرة دون أي خلاف في التفاصيل. ولكنك إذا كذبت تتناقض مع نفسك.. والله سبحانه وتعالى يقول: {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ}.. ما هي الأماني؟.. هي أن تعلق نفسك بأمنية وليس لهذه الأمنية سند من الواقع يوصلك إلى تحقيق هذه الأمنية.. ولكن إذا كان التمني قائما على عمل يوصلك إلى تحقيق الأمنية فهذا شيء آخر.
بعض الناس يقول التمني وإن لم يتحقق فإنه يروح عن النفس.. فقد ترتاح النفس عندما تتعلق بأمل كاذب وتعيش أياما في نوع من السعادة وإن كانت سعادة وهمية.. نقول إن الصدمة التي ستلحق بالإنسان بعد ذلك ستدمره.. ولذلك لا يكون في الكذب أبدا راحة.. فأحلام اليقظة لا تتحقق لأنها لا تقوم على أرضية من الواقع وهي لا تعطي الإنسان إلا نوعا من بعد عن الحقيقة.. ولذلك يقول الشاعر:
مُنَى إِنْ تَكُنْ حقاً تَكُنْ أَحْسَنَ الْمنَى ** وَإِلاّ فَقَدْ عِشْنَا بِهَا زَمَناً رَغْدَا

يعني الأماني لو كانت حقيقة أو تستند إلى الحقيقة فإنها أحسن الأماني لأنها تعيش معك.. فإن لم تكن حقيقة يقول الشاعر:
فقد عشنا بها زمنا رغدا ** أماني من ليلى حسان كأنما

سقتنا بها ليلى على ظمأ بردا

وقوله تعالى: {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} تبين لنا أن الأماني هي مطامع الحمقى لأنها لا تتحقق.. والحق سبحانه يقول: {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ}.. وما هو البرهان؟.. البرهان هو الدليل.. ولا تطلب البرهان إلا من إنسان وقعت معه في جدال واختلفت وجهات النظر بينك وبينه.. ولا تطلب البرهان إلا إذا كنت متأكداً أن محدثك كاذب.. وأنه لن يجد الدليل على ما يدعيه.
هب أن شخصا ادعى أن عليك مالا له.. وطلب منك أن تعيده إليه وأنت لم تأخذ منه مالا.. في هذه الحالة تطلب منه تقديم الدليل.. (فالكمبيالة) التي كتبتها له أو الشيك أو إيصال الأمانة.. وأضعف الإيمان أن تطلب منه شهودا على أنك أخذت منه المال.. ولكن قبل أن تطالبه بالدليل.. يجب أن تكون واثقا من نفسك وأنه فعلا يكذب وأنك لم تأخذ منه شيئا.
إذن فقوله الحق سبحانه: {هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ}.. كلام من الله يؤكد أنهم كاذبون.. وأنهم لو أرادوا أن يأتوا بالدليل.. فلن يجدوا في كتب الله ولا في كلام رسله ما يؤكد ما يدعونه، وإن أضافوه يكن هذا افتراء على الله ويكن هناك الدليل الدامغ على أن هذا ليس من كلام الله ولكنه من افتراءاتهم.
إذن فليس هناك برهان على ما يقولونه.. ولو كان هناك برهان ولو كان في هذا الكلام ولو جزءا من الحقيقة.. ما كان الله سبحانه وتعالى يطالبهم بالدليل.
إذن لا تقول هاتوا برهانكم إلا إذا كنت واثقا أنه لا برهان على ما يقولون؛ لأنك رددت الأمر إليه فيما يدعيه.. وهو يحب أن يثبته ويفعل كل شيء في سبيل الحصول على برهان.. ولا يمكن أن يقول الله: {هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ}.. إلا وهو سبحانه يعلم أنهم يكذبون.. ولذلك قال: {إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.. أي إن كنتم واثقين من أن ما تقولونه صحيح؛ لأن الله يعرف يقينا أنكم تكذبون.

.تفسير الآية رقم (112):

{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)}
بعد أن بين لنا الله تبارك وتعالى كذب اليهود وطالبهم بالدليل على ما قالوه من أنه لن يدخل الجنة إلا اليهود والنصارى جاء بحقيقة القضية ليخبرنا جل جلاله من الذي سيدخل الجنة.. فقال: (بلى).. وعندما تقرأ: (بلى) اعلم أنها حرف جواب ولابد أن يسبقها كلام ونفي.. فساعة يقول لك إنسان ليس لي عليك دين.. إذا قلت له نعم فقد صدقت أنه ليس عليه دين.. ولكن إذا قلت بلى فذلك يعني أن عليه دينا وأنه كاذب فيما قاله.. إذن بلى تأتي جوابا لتثبيت نفي ما تقدم.
هم قالوا {لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نصارى}.. عندما يقول الله لهم بلى فمعنى ذلك أن هذا الكلام غير صحيح.. وأنه سيدخلها غير هؤلاء.. وليس معنى أنه سيدخلها غير اليهود والنصارى.. أن كل يهودي وكل نصراني سيدخل الجنة.. لأن الله سبحانه وتعالى قد حكم حينما جاء الإسلام بأن الذي لا يسلم لا يدخل الجنة.. واقرأ قوله جل جلاله: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخرة مِنَ الخاسرين} [آل عمران: 85].
لماذا لم يقل الله سبحانه وتعالى.. أنه لن يدخلها اليهود ولا النصارى.. لأن القرآن أزلي.. ما معنى أزلي؟.. أي أنه يعالج القضايا منذ بداية الخلق وحتى يوم القيامة.. فالقرآن كلام الله تبارك وتعالى.. فلو أنه قال لن يدخل الجنة إلا من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم لكان في هذا تجاوزٌ.. لأن هناك من آمن بموسى وقت رسالته وعاصره واتبعه وحسن دينه ومات قبل أن يدرك محمدا عليه الصلاة والسلام.. فهل هذا لا يدخل الجنة ويجازى بحسن عمله.. وهناك من النصارى من آمن بعيسى وقت حياته.. وعاصره ونفذ تعاليمه ومنهجه ثم مات قبل أن يُبْعَثَ محمدٌ عليه الصلاة والسلام.. أهذا لن يدخل الجنة؟.. لا.. يدخل وتكون منزلته حسب عمله ويجازى بأحسن الجزاء.. ولكن بعد أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وجاء الإسلام ونزل القرآن، فكل من لم يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم لن يدخل الجنة.. بل ولن يراها.. ولذلك جاء كلام الله دقيقا لم يظلم أحدا من خلقه.
إذن فقوله تعالى: {بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ}.. أي لا يدخل الجنة إلا من أسلم وجهه لله وهو محسن.. فقد يسلم واحد وجهه لله ويكون منافقا يظهر غير ما يبطن.. نقول إن المنافقين لم يكونوا محسنين ولكنهم كانوا مسيئين.
لأن لهم شخصيتين شخصية مؤمنة أمام الناس وشخصية كافرة في الحقيقة أو في قلوبهم.
قوله تعالى: {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ} تدلنا على أن كل شيء أسلم لله لأن الوجه هو أشرف شيء في الإنسان.. فيه التمييز وفيه السمة وفيه التشخص وهو أعلى ما في الجسم.. وحينما عرفوا الإنسان قالوا حيوان ناطق أي حيوان مفكر.. وقال بعضهم حيوان مستوي القامة يعني قامته مرفوعة.. والقامة المرفوعة على بقية الجسم هي الوجه.. والإنسان مرفوع على بقية أجناس الأرض.. إذن هو مرفوع على بقية الأجناس ووجهه مرفوع عليه.. فإذا أسلم وجهه لله يكون قد أسلم أشرف شيء فيه لله.. ولذلك قيل.. أقرب ما يكون العبد لربه وهو ساجد.. لماذا؟.. لأنه جاء بالوجه الذي رفعه الله به وكرمه.. وجعله مساويا لقدميه ليستوي أكمل شيء فيه بأدنى شيء.. فلم يبقى عنده شيء يختال به على الله.
الحق سبحانه وتعالى يقول: {فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ}.. كلمة {أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ}.. دلت على أن الله لم يجعلنا مقهورين.. ولكنه كلفنا وجعلنا مختارين أن نفعل أو لا نفعل.. فإن فعلنا فلنا أجر.. ولأن التكليف من الله سبحانه وتعالى فالمنطقي أن يكون الأجر عند الله.. وألا يوجد خوف أو حزن.. لأن الخوف يكون من شيء سيقع.. والحزن يأتي على شيء قد وقع.. ولا هذه ولا تلك تحدث عندما يكون أجرنا عند الله.
إن الإنسان حين يكون له حق عند مساويه.. فربما يخاف أن ينكر المساوي هذا الحق أو يطمع فيه، أو يحتاج إليه فيدعي عدم أحقيته فيه، ولكن الله سبحانه وتعالى غني عن العالمين.. ولذلك فهو لا يطمع فيما في أيدينا من خير لأنه من عنده.. ولا يطمع فيما معنا من مال لأن عنده خزائن السموات والأرض.
الله سبحانه لا ينكر حقا من حقوقنا لأنه يعطينا من فضله ويزيدنا.. ولذلك فإن ما عند الله لا خوف عليه بل هو يضاعَف ويزداد.. وما عند الله لا حزن عليه.. لأن الإنسان يحزن إذا فاته خير.. ولكن ما عند الله باق لا يفوتك ولا تفوته.. فلا يوجد شيء عند الله سبحانه وتعالى تحزن عليه لأنه فات.. ولذلك كان قول الحق سبحانه وتعالى: {وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.. أدق ما يمكن أن يقال عن حالة المؤمنين في الآخرة.. أنهم يكونون فرحين بما عند الله لا خوف عندهم ولا حزن.