فصل: تفسير الآية رقم (52):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الشعراوي



.تفسير الآية رقم (52):

{وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52)}
عندنا هنا اللام.. وقد تكون(اللام) للمِلْك كما في الآية. وكما في: المال لزيد، وقد تكون للتخصيص إذا دخلتْ اللام على ما لا يملك، كما نقول: اللجام للفرس، والمفتاح للباب، فالفرس لا يملك اللجام، والباب لا يملك المفتاح. فهذه للتخصيص.
والحق سبحانه يقول هنا: {وَلَهُ مَا فِي السماوات والأرض...} [النحل: 52].
وفي موضع آخر يقول: {لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} [يونس: 68].
وكذلك في: {يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السماوات والأرض} [الحشر: 24].
ومرة يقول: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} [الجمعة: 1].
حينما تكون اللام للملكية قد يكون المملوك مختلفاً ففي قوله: {مَا فِي السماوات والأرض...} [النحل: 52].
يعني: القدر المشترك الموجود فيهما. أي: الأشياء الموجودة في السماء وفي الأرض.
أما في قوله: {مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} [يونس: 68].
أي: الأشياء الموجودة في السماء وليست في الأرض، والأشياء الموجودة في الأرض وليست في السماء، أي: المخصَّص للسماء والمخصَّص للأرض، وهذا ما يُسمُّونه استيعاب الملكية.
وما دام سبحانه له ما في السموات وما في الأرض، فليس لأحد غيره مِلْكية مستقلة، وما دام ليس لأحد غيره ملكية مستقلة. إذن: فليس له ذاتية وجود؛ لأن وجوده الأول موهوبٌ له، وما به قيام وجوده موهوب له.. ولذلك يقولون: مَنْ أراد أن يعاند في الألوهية يجب أن تكون له ذاتية وجود.. وليست هذه إلا لله تعالى.
ونضرب لذلك مثلاً بالولد الصغير الذي يعاند أباه، وهو ما يزال عَالةً عليه. فيقول له: انتظر إلى أن تكبر وتستقلّ بأمرك.. فإذا ما شَبَّ الولد وبلغ وبدأ في الكَسْب أمكن له الاعتماد على نفسه، والاستغناء عن أبيه.
لذلك نقول لمن يعاند في الألوهية: أنت لا تقدر؛ لأن وجودك هِبَة، وقيام وجودك هِبَة، كل شيء يمكن أنْ يُنزع منك.
ولذلك، فالحق سبحانه وتعالى يُنبِّهنا إلى هذه المسألة في قوله تعالى: {كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى أَن رَّآهُ استغنى} [العلق: 6-7].
فهذا الذي رأى نفسه استغنى عن غيره من وجهة نظره إنما هل استغنى حقاً؟.. لا. لم يستغن، بدليل أنه لا يستطيع أنْ يحتفظَ بما يملك.
قوله تعالى: {وَلَهُ مَا فِي السماوات والأرض...} [النحل: 52].
الذي له ما في السموات والأرض، وبه قيام وجوده بقيوميته، فهو سبحانه يُطمئِنك ويقول لك: أنا قيُّوم يعني: قائم على أمرك.. ليس قائماً فقط.. بل قيُّوم بالمبالغة في الفِعْل، وما دام هو سبحانه القائم على أمرك إيجاداً من عَدَم، وإمداداً من عُدم. إذن: يجب أن تكون طاعتُك له سبحانه لا لغيره.
وفي الأمثال يقولون (اللي ياكل لقمتي يسمع كلمتي) فإذا كنتَ أنت عالة في الوجود.
وجودك من الله، وإمدادك من الله، وإبقاء مُقوِّمات حياتك من الله؛ لذلك قال تعالى: {وَلَهُ الدين وَاصِباً} [النحل: 52].
أي: هذه نتيجة؛ لأن لله ما في السموات والأرض، فَلَه الدين واصباً، أي: له الطاعة والخضوع دائماً مستمراً، ومُلْك الله دائم، وهو سبحانه لا يُسلم مُلْكَه لأحد، ولا تزال يد الله في مُلْكه.. وما دام الأمر هكذا فالحق سبحانه يسألهم: {أَفَغَيْرَ الله تَتَّقُونَ} [النحل: 52].
والهمزة هنا استفهام للإنكار والتوبيخ، فلا يجوز أنْ تتقيَ غير الله، لأنه حُمْق لا يليق بك، وقد علمتَ أن لله ما في السموات وما في الأرض، وله الطاعة الدائمة والانقياد الدائم، وبه سبحانه قامت السموات والأرض ومنه سبحانه الإيجاد من عَدَم والإمداد من عُدم.
إذن: فمن الحُمْق أنْ تتقي غيره، وهو أَوْلى بالتقوى، فإنِ اتقيتُم غيره فذلك حُمْق في التصرّف يؤدّي إلى العطَب والهلاك، إنِ اغتررتم بأن الله تعالى أعطاكم نِعَماً لا تُعَدُّ ولا تُحصَى.
ومن نعم الله أن يضمن لعباده سلامة الملكَات وما حولها، فلو سَلِم العقل مثلاً سَلِمت وصَحَّتْ الأمور التي تتعلق به، فيصحّ النظام، وتصحّ التصَرُّفات، ويصحّ الاقتصاد.. وهذه نعمة.
فالنعمة تكون للقلب وتكون للقالب، فللقالب المتعة المادية، وللقلب المتعة المعنوية.. وأهم المتَع المعنوية التي تريح القالب أن يكون للإنسان دينٌ يُوجّهه.. أن يكون له ربٌّ قادر، لا يُعجِزه شيء، فإنْ ضاقتْ به الدنيا، وضاقتْ به الأسباب فإن له رباً يَلجأ إليه فيُسعفه ويكيفه، وهذه هي الراحة الحقيقة.
وقد ضمن لنا الحق سبحانه وتعالى سلامة القالب بما أودع في الكون من مُقوِّمات الحياة في قوله: {وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا..} [فصلت: 10].
أي: اطمئنوا إلى هذا الأمر، فالله سبحانه لا يريد منكم إلا أنْ تُعمِلوا عقولكم المخلوقة لله لِتُفكِّروا في المادة المخلوقة لله، وتنفعلوا لها بالطاقة المخلوقة لله في جوارحكم، وسوف تجدون كلَّ شيء مُيسَّراً لكم.. فالله تعالى ما أراد منكم أنْ تُوجِدوا رزقاً، وإنما أراد أن تُعمِلوا العقل، وتتفاعلوا مع مُعْطيات الكون.
ولكن كيف يتفاعل الإنسان في الحياة؟
هناك أشياء في الوجود خلقها الله سبحانه برحمته وفضله، فهي تفعل لك وإنْ لم تطلب منها أن تفعل، فأنت لا تطلب من الشمس أنْ تطلُع عليك، ولا من الهواء أنْ يَهُبَّ عليك.. إلخ.
وهناك أشياء أخرى تفعل لك إنْ طلبتَ منها، وتفاعلتَ معها، كالأرض إنْ فعلتَ بيدك فحرثْتَ وزرعْتَ ورويْتَ تعطيك ما تريد.
وفي هذا المجال من التفاعل يتفاضل الناس، لا يتفاضلون فيما يُفعل لهم دون انفعال منهم.. لا بل ارتقاء الناس وتفاضُلهم يكون بالأشياء التي تنفعل لهم إنْ فعلوا.. أما الأخرى فتَفعل لكل الناس، فالشمس والهواء والمياه للجميع، للمؤمن وللكافر في أيّ مكان.
إذن: يترقَّى الإنسان بالأشياء التي خلقها الله له، فإذا انفعل معها انفعلتْ له، وإذا تكاسل وتخاذل لم تُعْطِه شيئاً، ولا يستفيد منها بشيء.. ولذلك قد يقول قائل: الكافر عنده كذا وكذا، ويملك كذا وكذا، وهو كافر.. ويتعجّب من القدر الذي أَعطَى هذا، وحرَم المؤمن الموحد منه.
نقول له: نعم أخذ ما أخذ؛ لأنه يشترك معك فيما يُفعل لك وإنْ لم تطلب، ويزيد عليك أنه يعمل ويكدّ وينفعل مع الكون وما أعطاه الله من مُقوِّمات وطاقة، فتنفعل معه وتعطيه، في حين أنك قاعد لا هِمَّة لك.
وكذلك قد يتسامى الارتقاء في الإنسان، فيجعل الشيء الذي يُفعل له دون أن يطلب منه أي: الشيء المسخَّر له يجعله ينفعل له، كما نرى فيما توصَّل إليه العلم من استخدام الطاقة الشمسية مثلاً في تسخين المياه.. هذه الطاقة مُسخَّرة لنا دون جَهْد مِنّا، ولكن ترقِّي الإنسان وطموحه أوصله إلى هذا الارتقاء.. وكُلُّ هذه نِعَم من الله؛ ولذلك قال تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ...}.

.تفسير الآية رقم (53):

{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)}
أمدَّنا الله سبحانه بهذه النعم رحمة منه وفضلاً.. نِعَم تترى لا تُعَد ولا تُحْصَى، ولكن لرتابة النعمة وحلولها في وقتَها يتعوّدها الإنسان، ثم يذهل عن المنعم سبحانه.
ونستطيع أن نضرب لذلك مثلاً بالولد الذي تعطيه مصروفه مثلاً كل أول شهر، تجده لا يحرص على أنْ يلقاك بعد ذلك إلا كل أول شهر، إنما إذا عوَّدته أن يأخذ مصروفه كل يوم تراه في الصباح يحوم حولك، ويُظهِر لك نفسه ليُذكِّرك بالمعلوم.
إذن: رتابة النعمة قد تُذهِلك عن المُنعِم، فلا تتذكره إلا حين الحاجة إليه؛ لذا يُنبِّهنا الحق تبارك وتعالى: إذا أعطيتُ لكم نعمة فإياكم أنْ تغتروا بها.. إياكم أن تُذهِلكم النعمة عن المنعم؛ لأنكم سوف تحكمون على أنفسكم أنه لا مُنعِم غيري، بدليل أنني إذا سلبْتُ النعمة منكم فلن تجدوا غيري تلجأون إليه فستقولون: يا ربّ يا ربّ.
فأنت ستكون شاهداً على نفسك، لن تكذب عليها، فَلِمَنْ تتوجّه إذا أصابك فقر؟ ولمن تتوجَّه إذا أصابك مرض؟ لن تتوجّه إلا إلى الله تقول: يا رب.
{ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضر فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: 53].
فترة الضُّر التي تمرُّ بالإنسان هي التي تلفته إلى الله، والحاجة هي التي تُلجئه إلى المصدر الحقيقي للإمداد، فإذا كانت النعمة قد تُذهِله وتُنسِيه، فالضر يُذكِّره بربّه الذي يملك وحده كَشْف الضر عنه.
ولذلك، فالناس أصحاب اليقين في الله تعالى ساعةَ أنْ يصيبهم ضُرٌّ، يقول: ذكَّرتني بك يا ربّ، يأخذها على أنها نعمة.. كأنها نجدة نجدتْه مما هو فيه من غفلة.. يا ربّ أنت ذكّرتني بك.. أنا كنتُ ناسياً ذاهلاً.. كنت في غفلة.
وساعةَ أنْ يعودَ ويشعر بالتقصير يرفع الله عنه البلاء؛ وذلك يُرفع القضاء عن العبد إنْ رضي به وعلم أن فيه خيراً له.
ولذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم يُنبّهنا لهذه الأحداث التي تصيبنا، فإياكم أن تستقبلوها بالجزع والفزع.. ولكن استقبلوها بالإيمان والرضا، واعلموا أن ربكم يغار عليكم، وهو بهذه الأحداث يلفتكم إليه قهراً عنكم؛ لكي تعودوا إليه وتلجأوا إليه.. لكي تقولوا يا رب.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العزة في الحديث القدسي: (مِنْ عبادي مِنْ أحبهم فأنا أبتليهم ليقولوا يا رب...).
ويقول تعالى في الآية الأخرى: {فلولا إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ...} [الأنعام: 43].
أي: أنه سبحانه يريد منا إذا نزل بنا بلاء وبأس أنْ نتضرّع إليه سبحانه؛ لأن الضراعة إلى الله لَفْتة وتذكير به.. والنبي صلى الله عليه وسلم يُرشِدنا إلى هذه الحقيقة، فالمصاب الحقيقي ليس مَنْ نزل به ضُرٌّ أو أصابه بلاء.. لا.. بل المصاب الحقيقي مَنْ حُرِم الثواب.
إذن: نقول لمن عنده نعمة: احذر أن تُنسيِك النعمة وتُذهلك عن المنعم، أما صاحب البلاء والضر، فسوف يردُّك هذا البلاء، ويُذكّرك هذا الضرّ بالله تعالى، ولن تجدَ غيره تلجأ إليه.
فقوله تعالى: {فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: 53].
أي: تضْرَعون بصراخ وصوت عالٍ كخُوار البقر، لا يُسرّهِ أحد ولا يستحي منه أنْ يُفتضح أمره أمام مَنْ تكبّر عليهم.. ويا ليتكم حين ينتابكم مثل ذلك تعتبرون به وتتعِظُون، وتقولون في لحظة من اللحظات: سوف تلجئنا الأحداث إلى ربنا.. بل بالعكس حينما نكشف عنكم الضر سوف تعودون إلى ما كنتم عليه.
ثم يقول الحق سبحانه: {ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضر....}.

.تفسير الآية رقم (54):

{ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54)}
فمن الناس مَنْ إذا أصابه الله بضُرٍّ أو نزل به بأْسٌ تضرّع وصرخ ولجأ إلى الله ودعاه، وربما سالتْ دموعه، وأخذ يُصلّي ويقول: يا فلان ادْعُ لي الله وكذا وكذا.. فإذا ما كشف الله عنه ضُرَّه عاود الكَرّة من جديد؛ لذلك يقول تعالى في آية أخرى: {وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ...} [يونس: 12].
ومن لُطْف الأداء القرآني هنا أن يقول: {إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} [النحل: 54].
أي: جماعة منكم وليس كلكم، أما الباقي فيمكن أنْ يثبتُوا على الحق، ويعتبروا بما نزل بهم فلا يعودون.. فالناس إذن مختلفون في هذه القضية: فواحد يتضرّع ويلتفت إلى الله من ضُرٍّ واحد أصابه، وآخر يلتفت إلى الله من ضُرّيْن، وهكذا.
وقد وجدنا في الأحداث التي مرَّتْ ببلادنا على أكابر القوم أحداثاً عظاماً تلفتهم إلى الله، فرأينا مَنْ لا يعرف طريق المسجد يُصلّي، ومَنْ لا يفكر في حج بيت الله، ويسرع إليه ويطوف به ويبكى هناك عند الملتزم، وما ألجأهم إلى الله ولفتهم إليه سبحانه إلا ما مرَّت بهم من أحداث.
أليست هذه الأحداث، وهذه الأزمات والمصائب خيراً في حقهم؟.. بلى إنها خير.
وأيضاً قد يُصاب الإنسان بمرض يُلِمّ به، وربما يطول عليه، فيذهب إلى الأطباء، ويدعو الله ويلجأ إليه، ويطلب من الناس الدعاء له بالشفاء، ويعمل كذا وكذا.. فإذا ما كشف الله عنه المرض وأَذِن له بالشفاء قال: أنا اخترتُ الطبيب الحاذق، الطبيب النافع، وعملتُ وعملتُ.. سبحان الله!
لماذا لا تترك الأمر لله، وتُعفِي نفسك من هذه العملية؟
وفي قوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضر عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} [النحل: 54].
صمام أَمْن اجتماعي في الكون، يقول للناس: إياكم أن تأخذوا على غيركم حين تُقدمون إليهم جميلاً فيُنكرونه.. إياكم أنْ تكُّفوا عن عمل الجميل على غيركم؛ لأن هذا الإنكار للجميل قد فعلوه مع أعلى منكم، فعلوه مع الله سبحانه، فلا يُزهدك إنكارهم للجميل في فِعْله، بل تمسَّك به لتكون من أهله.
والحق تبارك وتعالى يضرب لنا مثلاً لإنكار الجميل في قصة سيدنا موسى عليه السلام: {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كالذين آذَوْاْ موسى فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ الله وَجِيهاً} [الأحزاب: 69].
فقد اتهمه قومه وقعدوا يقولون فيه كذباً وبُهْتاناً، فقال موسى: يا ربّ أسألك ألاَّ يُقَال فيَّ ما ليس فيَّ.. فقال تعالى لموسى: أنا لم افعل ذلك لنفسي، فكيف أفعلها لك؟
ولماذا لم يفعلها الحق سبحانه لنفسه؟.. لم يفعلها الحق سبحانه لنفسه ليعطينا نحن أُسْوة في تحمُّل هذا الإنكار، فقد خلق الله الخَلْق ورزقهم ووَسِعهم، ومع ذلك كفروا به، ومع ذلك ما يزال الحق سبحانه خالقاً رازقاً واسعاً لهم.
إذن: في الآية تقنين وأمان للمجتمع أن يتفشى فيه مرض الزُّهْد في عمل الخير.
وقَوْل الحق سبحانه: {بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} [النحل: 54].
تشمل الآية مَنْ أنكر الجميل من المؤمنين، ومن الكافرين.
ولكن لماذا يشركون؟
يقول الحق تبارك وتعالى: {لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ...}.