فصل: تفسير الآية رقم (17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الشعراوي



.تفسير الآية رقم (17):

{لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17)}
فلو أردنا اللهو لفعلناه، فنحن نقدر على كل شيء، وقوله: {إِن كُنَّا فَاعِلِينَ...} [الأنبياء: 17] تدل على أن ذلك لن يحدث.
فمعنى اللهو هو أن تنصرف إلى عمل لا هدف له ولا فائدة منه، فالإنسان اللاهي يترك الأمر المهم ويذهب إلى الأمر غير المهم، فاللهو واللعب حركتان من حركات الجوارح، ولكنها حركات لا مقصد لها إلا الحركة في ذاتها، فليس لها هدف كمالي نسعي له في الحركة، ولذلك فاللهو واللعب دون هدف يسمى عَبَثاً.
وهذا يمتنع في حق الله سبحانه وتعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل...}.

.تفسير الآية رقم (18):

{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)}
ما دام أنهم فعلوا اللهو واللعب، وخانوا نِعَم الله في السماء والأرض فليعلموا أن هذا الحال لن يستمر، فالحق سبحانه يُملي للباطل ويُوسع له حتى يزحف ويمتد، حتى إذا أخذه أخْذ عزيز مقتدر، وقذف عليه بالحق.
فقوله: {بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل..} [الأنبياء: 18] القذف: الرَّمْي بشدة مثل القذائف المدمرة {فَيَدْمَغُهُ..} [الأنبياء: 18] يقال: دمغه أي: أصاب دماغه. والدماغ أشرف أعضاء الإنسان ففيه المخ، وهو ميزان المرء، فإنْ كان المخ سليماً أمكن إصلاح أيِّ عطل آخر، أما إنْ تعطل المخ فلا أملَ في النجاة بعده.
لذلك جعل الحق سبحانه وتعالى عَظْمة الدماغ أغوى عظام الجسم لتحفظ هذا العضو الهام، والأطباء لا يحكمون على شخص بالموت- مثلاً- إذا توقف القلب؛ لأن القلب يجري له تدليك معين فيعود إلى عمله كذلك التنفس، أما إنْ توقف المخ فقد مات صاحبه، فهو الخلية الأولى والتي تحتفظ بآخر مظاهر الحياة في الجسم؛ لذلك يقولون: موت إكلينيكي.
وللمخ يصل خلاصة الغذاء، وهو المخدوم الأعلى بين الأعضاء، فالجسم يأخذ من الغذاء ما يكفي طاقته الاحتراقية في العمل، وما زاد على طاقته يُختزَن على شكل دهون يتغذّى عليها الجسم، حين لا يوجد الطعم، فإذا ما انتهى الدُّهْن تغذَّى على اللحم، ثم على العَظْمِ لِيُوفِّر للمخ ما يحتاجه، فهو السيد في الجسم، ومن بعده تتغذّى باقي الأعضاء.
إذن: كل شيء في الجسم يخدم المخ؛ لأنه أَعْلَى الأعضاء، أما النبات مثلاً فيخدم أسفله، فإذا جَفَّ الماء في التربة ولم يجد النبات الغذاءَ الكافي يتغذى على أعلاه فيذبل أولاً، ثم تتساقط الأوراق، ثم تجفّ الفروع الصغيرة، ثم الجذع، ثم الجذر.
ومن ذلك قول سيدنا زكريا عليه السلام: {قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ العظم مِنِّي واشتعل الرأس شَيْباً...} [مريم: 4] فالعَظْم آخر مخزَن للغذاء في الجسم، فَوهَنُ العظم دليل على أن المسألة أوشكتْ على النهاية.
إذن: فقوله تعالى: {فَيَدْمَغُهُ...} [الأنبياء: 18] أي: يصيبه في أهم الأعضاء وسيدها والمتحكم فيها، لا عضو آخر يمكن أنْ يُجبر؛ لذلك يقول بعدها {فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ...} [الأنبياء: 18] زاهق: يعني خارج بعنف.
وقوله تعالى: {وَلَكُمُ الويل مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18] يعني: أيها الإنسان المغتَرّ بلججه وعناده في الباطل، ووقف بعقله وقلبه ليصادم الحق، سنقذف بالحق على باطلك، فنصيب دماغه فيزهق، ساعتها ستقول: يا ويلتي كما سبق أنْ قالوا: {قَالُواْ ياويلنآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 14] حينما يباشرون العذاب.
ومعنى: {تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18] تكذبون كذباً افترائياً، كما لو رأيت شخصاً جميلاً، فتقول: وجهه يَصِفُ الجمال، يعني: إنْ كنت تريد وَصْفاً للجمال، فانظر إلى وجهه يعطيك صورة للجمال، كما جاء في قوله تعالى: {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الكذب...} [النحل: 62] يعني: إنْ أردت أنْ تعرف الكذب بعينه، فاسمع كلامهم وما قالتْه ألسنتهم.
كما يقولون: حديث خرافة، وأصل هذه المقولة رجل اسمه خرافة، كان يقول: أنا عندي سهم إنْ أطلقُته على الظَّبي يسير وراءه، فإن التفت يميناً سار وراءه، فإنْ ذهب شمالاً ذهب وراءه، فإنْ صعد الجبل صعد وراءه، فإنْ نزل نزل وراءه. وكأن سهمه صاروخ مُوجَّه كالذي نراه اليوم!! فسار كلامه مثالاً يُضرب للكذب.
لذلك قال الشاعر:
حَدِيثُ خُرَافَةٍ يا أُمَّ عَمْرو

فإنْ أردتَ تعريفاً للكذب فأنا لا أُعرِّفه لك بأنه قوْلٌ لا يوافق الواقع، إنما اسمع إلى كلامهم، فهو أصدق وَصْف للكذب؛ لأنه كذب مكشوف مفضوح.
ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنعام: 100] أي: يكذبون ويفترون على الله.
وقد يقول قائل: لماذا يُملِي الله للباطل حتى يتمرَّد ويعلو، ثم يعلو عليه الحق فيدمغه؟
نقول: الحكمة من هذا أنْ تتم الابتلاءات، والناس لا نتعشق الحق إلا إذا رأتْ بشاعة الباطل، ولا تعرف منزلة العدل إلا حين ترى بشاعة الظلم، وبضدها تتميز الأشياء، كما قال الشاعر:
فَالوجْهُ مِثْلُ الصبُّحْ مُبيضٌ ** وَالشَّعْر مِثْلُ الليْلِ مُسْودُ

ضِدَّان لَمَّا استْجمْعاً حَسْناً ** والضِّدُّ يُظهِرُ حُسْنَه الضِّدُ

إذن: لا نعرف جمال الحق إلا بقُبْح الباطل، ولا حلاوة الإيمان إلا بمرارة الكفر. {وَلَهُ مَن فِي السماوات والأرض...}.

.تفسير الآية رقم (19):

{وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19)}
سبق أن أخبر الحق سبحانه أنه خلق السماء والأرض وما بينهما، وهذا ظَرْف، فما المظروف فيه؟ المظروف فيه هم الخَلْق، وهم أيضاً لله: {وَلَهُ مَن فِي السماوات والأرض...} [الأنبياء: 19] وإنْ كان من الخَلْق مَنْ ميَّزه الله بالاختيار يؤمن أو يكفر، يطيع أو يعصي، فإنْ كان مختاراً في أمور التكليف فهو مقهورة: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا...} [الأحزاب: 72].
فاختارت التسخير على الاختيار الذي لا طاقة لها به.
أما الإنسان فقد دعاه عقله إلى حملها وفضَّل الاختيار، ورأى أنه سيُوجه هذه الأمانة التوجيه السليم {وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب: 72].
فوصفه رَبُّه بأنه كان في هذا العمل ظلوماً جهولاً؛ لأنه لا يدري عاقبة هذا التحمل. فإنْ قلتَ: فما ميزة طاعة السماوات والأرض وهي مضطرة؟ نقول: هي مضطرة باختيارها، فقد خيَّرها الله فاختارت الاضطرار.
وقوله: {وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ...} [الأنبياء: 19] أي ليسوا أمثالكم يكذبون ويكفرون، بل هم في عبادة دائمة لا تنقطع، والمراد هنا الملائكة؛ لأنهم {لاَّ يَعْصُونَ الله ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
{وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ} [الأنبياء: 19] من حسر: يعني ضَعُفَ وكَلّ وتعب وأصابه الملل والإعياء.
ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك: 4] أي: كليل ضعيف، لا يَقْوي على مواجهة الضوء الشديد كما لو واجهت بعينيك ضوءَ الشمس أو ضوء سيارة مباشر، فإنه يمنعك من الرؤية؛ لأن الضوء الأصل فيه أن نرى به ما لا نراه.
وفي آية أخرى يقول تعالى: {لَّن يَسْتَنكِفَ المسيح أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ وَلاَ الملائكة المقربون...} [النساء: 172] لأن عِزَّهم في هذه المسألة. {يُسَبِّحُونَ الليل...}.

.تفسير الآية رقم (20):

{يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)}
فهؤلاء الملائكة يعبدون الله ويسبحونه، لا يصيبهم ضَعْف، ولا يصيبهم فُتُور، ولا يشعرون بالملل من العبادة والتنزيه له سبحانه: فالملائكة لا تتكبر عن عبادته والخضوع له.
والحق سبحانه يقول: {إِنَّ الذين عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206].
ثم يقول الحق تبارك وتعالى: {أَمِ اتخذوا آلِهَةً..}.

.تفسير الآية رقم (21):

{أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21)}
أي: فما لهم أعرضوا عن كل هذه الحقائق؟ ألهم آلهة غيري وأنا خالق السماء والأرض، وهي لي بمَنْ فيها من الإنس والجن والملائك’؟ فالجميع عَبْد لي يُسبِّح بحمدي، فما الذي أعجبهم في غيري فأعرضوا عني، وانصرفوا إليه؟ أهو أحسن مني، أو أقرب إليهم مني؟
كأن الحق تبارك وتعالى يستنكر انصرافهم عن الإله الحق الذي له كل هذا الملك، وله كل هذه الأيادي والنِّعَم.
وقوله تعالى: {هُمْ يُنشِرُونَ} [الأنبياء: 21] أي: لهم قدرة على إحياء الموتى وبَعثْهم. وشيء من هذا كله لم يحدث؛ لأنه: {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ...}.

.تفسير الآية رقم (22):

{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)}
فمَع انصرافكم عن الإله الحق الذي له مًُلْك السماء والأرض، وله تُسبِّح جميع المخلوقات، لا يوجد إله آخر {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا...} [الأنبياء: 22] أي: ما زال الكلام مرتبطاً بالسماء والأرض {لَفَسَدَتَا...} [الأنبياء: 22] السماء والأرض، وهما ظرفان لكلِّ شيء من خَلْق الله.
ومعنى {إِلاَّ الله...} [الأنبياء: 22] إلا: أداة استثناء تُخرِج ما بعدها عن حكم ما قبلها كما لو قلتَ: جاء القوم إلا محمد، فقد أخرجتَ محمداً عن حكم القوم وهو المجيء، فلو أخذنا الآية على هذا المعنى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا...} [الأنبياء: 22] يعني: لو كان هناك آلهة، الله خارج عنها لفسدت السماوات والأرض.
إذن: ما الحال لو قلنا: لو كان هناك آلهة والله معهم؟ معنى ذلك أنها لا تفسد. فإلا إنْ حققت وجود الله، فلم تمنع الشَّركة مع الله، وليس هذا مقصود الآية، فالآية تقرر أنه لا إله غيره.
إذن:(إلا) هنا ليست أداةَ استثناء. إنما هي اسم بمعنى(غير) كما جاء في قوله تعالى: {وَأُوحِيَ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ...} [هود: 36].
فالمعنى: لو كان فيهما آلهة موصوفة بأنها غير الله لَفسدتَا، فامتنع أن يكون هناك شريك.
وهناك آية أخرى: {قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً} [الإسراء: 42].
الحق سبحانه وتعالى يعطينا القسمة العقلية في القرآن: فلنفرض جدلاً أن هناك آلهة أخرى: {قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً..} [الإسراء: 42] أي: لو حدث هذا {لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً} [الإسراء: 42].
السبيل: الطريق، أي طلبوا طريقاً إلى ذي العرش أي: إلى الله، لماذا؟ إما ليجادلوه ويصاولوه، كيف أنه أخذ الألوهية من خلف ظهورهم، وإمّا ليتقربوا إليه ويأخذوا ألوهية من باطنه، وقوة في ظل قوته، كما أعطى الله تعالى قوة فاعلة للنار مثلاً من باطن قوته تعالى، فالنار لا تعمل من نفسها، ولكن الفاعل الحقيقي هو الذي خلق النار، بدليل أنه لو أراد سبحانه لَسِلَبها هذه القدرة، كما جاء في قول الحق سبحانه وتعالى: {قُلْنَا يانار كُونِي بَرْداً وسلاما على إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69].
وقوله: {مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ...} [المؤمنون: 91] وهذه الآية الكريمة وأمثالها تثبت أنه سبحانه موجود وواحد.
أما على اعتبار أن(إلا) استثناء فهي تثبت أنه موجود، إنما معه شريك، وليس واحداً. فهي- إذن- اسم بمعنى غير، ولما كانت مبنية بناء الحروف ظهر إعرابها على ما بعدها(لو كان فيهما آلهة إلا اللهُ) فيكون إعراب(غيرُ) إعرابَ(إلا) الذي ظهر على لفظ الجلالة(الله).
لكن، لماذا تفسد السماء والأرض إنْ كان فيهما آلهة غير الله؟
قالوا: لأنك في هذه المسألة أمام أمرين: إما أن تكون هذه الآلهة مستوية في صفات الكمال، أو واحد له صفات الكمال والآخر له صفة نقص. فإنْ كان لهم صفات الكمال، اتفقوا على خَلْق الأشياء أم اختلفوا؟
إنْ كانوا متفقين على خَلْق شيء، فهذا تكرار لا مُبرِّر له، فواحد سيخلق، والآخر لا عملَ له، ولا يجتمع مؤثران على أثر واحد.
فإن اختلفوا على الخَلْق: يقول أحدهم: هذه لي. ويقول الآخر: هذه لي، فقد علا بعضهم على بعض.
أما إنْ كان لأحدهم صفة الكمال، وللآخر صفة النقص، فصاحب النقص لا يصحّ أن يكونَ إلهاً. وهكذا الحق سبحانه وتعالى يُصرِّف لنا الأمثال ويُوضِّحها ليجلي هذه الحقيقة بالعقل وبالنقل: لا إله إلا الله، واتخاذ آلهة معه سبحانه أمر باطل.
كذلك يردُّ على الذين يدعون مع الله آلهة أخرى مثل مَنْ قالوا: العزيرُ ابن الله ومَنْ قالوا: المسيح ابن الله. ومَن اتخذوا الملائكة آلهة من دون الله: {أولئك الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوسيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ..} [الإسراء: 57].
إن هؤلاء الذين تدعُونهم مع الله يطلبون إليه وسيلة، ويتقرّبون إليه سبحانه، وينظرون أيّهم أقرب إلى الله من الآخر، فكيف يكونون آلهة؟
ثم يقول تعالى: {فَسُبْحَانَ الله رَبِّ العرش...} [الأنبياء: 22] أي: تنزيهاً لله عَمَّا قال هؤلاء: {عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: 22] أي: يُلحِدون ويكذبون ويفترون.
والعرش: هو السرير الذي يجلس عليه الملك، وهو علامة الملْك والسيطرة، كما في قوله تعالى عن ملكة سبأ على لسان الهدهد: {إِنِّي وَجَدتُّ امرأة تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23] فحين يقول سبحانه: {رَبِّ العرش} [الأنبياء: 22] ينصرف إلى عرشه تعالى، الذي لا يعلو عليه، ولا ينازعه عَرْش آخر. ثم يقول الحق سبحانه عن ذاته سبحانه: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا...}.