فصل: تفسير الآية رقم (221):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الشعراوي



.تفسير الآية رقم (221):

{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}
إن الحق يقول: {وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ}، وهذه أول لبنة في بناء الأسرة وبناء المجتمع، لأنها لو لم تكن مؤمنة، فماذا سوف يحدث؟ إنها ستشرف على تربية الطفل الوليد إشرافاً يتناسب مع إشراكها، وأنت مهمتك كأب ومرب لن تتأتى إلا بعد مدة طويلة تكون فيها المسائل قد غُرست في الوليد، فإياك أن يكون الرجل مؤمنا والمرأة مشركة؛ لأن هذا يخل بنظام الأسرة فعمل الأم مع الوليد يؤثر في أوليات تكوينه إنه يؤثر في قيمه، وتكوين أخلاقه. وهذا أمر يبدأ من لحظة أن يرى ويعي، والطفل يقضي سنواته الأولى في حضن أمه، وبعد ذلك يكبر؛ فيكون في حضن أبيه، فإذا كانت الأم مشركة والأب مؤمنا فإن الإيمان لن يلحقه إلا بعد أن يكون الشرك قد أخذ منه وتمكن وتسلط عليه.
ونعرف أن الطفولة في الإنسان هي أطول أعمار الطفولة في الكائنات كلها، فهناك طفولة تمكث ساعتين اثنتين مثل طفولة الذباب، وهناك طفولة أخرى تستغرق شهراً، وأطول طفولة إنما تكون في الإنسان؛ لأن هذه الطفولة مناسبة للمهمة التي سيقوم بها الإنسان، كل الطفولات التي قبلها طفولات لها مهمة سهلة جدا، إنما الإنسان هو الذي ستأتي منه القيم، لهذا كانت طفولته طويلة؛ إنها تستمر حتى فترة بلوغ الحلم. والحق هو القائل: {وَإِذَا بَلَغَ الأطفال مِنكُمُ الحلم فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا استأذن الذين مِن قَبْلِهِمْ كذلك يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 59].
فكأن الطفل يظل طفلاً إلى أن يبلغ الحلم، فكم سنة إذن ستمر على الطفل؟. وكم سنة سوف يتغذى هذا الطفل من ينابيع الشرك إن كانت أمه مشركة؟ إنها فترة طويلة لا يمكن له من بعد ذلك أن يكون مؤمنا غير مضطرب الملكات. وإن صلح مثل هذا الإنسان أن يكون مؤمنا فسيقوم إيمانه على القهر والقسر والولاية للأب وسيكون مثل هذا الإيمان عملية شكلية وليست مرتكزة ولا معتمدة على أساس صادق.
ونحن نعرف أن الثمرات التي ننعم نحن بأكلها لا يكون نضجها إلا حين تنضج البذرة التي تتكوّن منها شجرة جديدة، وقبل ذلك تكون مجرد فاكهة فِجة وليس لها طعم. وقد أراد الحق أن ينبهنا إلى هذا الأمر ليحرص الإنسان على أن يستبقى الثمرة إلى أن تنضج ويصير لها بذور.
إن المرأة لا تكون ثمرة طيبة إلا إذا أنجبت مثلها ولداً صالحا نافعا، يريد الحق للنشء أن يكون غير مضطرب الإيمان؛ لذلك يقول: {وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ} أي إياكم أن تنخدعوا بالمعايير الهابطة النازلة، وعلى كل منكم أن يأخذ حكم الله: {وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} لأن إعجاب الإنسان بالمرأة بصرف النظر عن الإيمان سيكون إعجابا قصير العمر.
إن عمر الاستمتاع بالجمال الحسي للمرأة إن جمعنا لحظاته فلن يزيد مجموعه عن شهر من مجموع سنوات الزواج. فكل أسبوع يتم لقاء قد يستغرق دقائق وبعدها يذبل الجمال، وتبقى القيم هي المتحكمة، ونحن نجد المرأة حين تتزوج، ثم يبطئ الحمل فإنها تعاني من القلق وكذلك أهلها.
إن الرجل إن كان قد تزوجها للوسامة والقسامة والقوام والعينين، فهذا كله سيبرد ويهدأ بعد فترة، ثم توجد مقاييس أخرى لاستبقاء الحياة، وعندما يلتفت إليها الإنسان ولا يجدها فهو يغرق في الندم؛ لأنها لم تكن في باله وقت أن اختار.
لذلك تريد المرأة أن تُمكن لنفسها بأن يكون عندها ولد لتربط الرجل بها، وحتى يقول المجتمع: (عليك أن تتحملها من أجل الأولاد)! فالرجل بعد الزواج يريد قيماً أخرى غير القيم الحسية التي كانت ناشئة أولاً، لذلك يحذرنا الله قائلاً: {وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ}. وجاء قوله {حتى يُؤْمِنَّ} لأن الإسلام يَجُبُّ ما قبله ما دامت قد آمنت فقد انتهت المسألة.
وانظروا إلى دقة قوله سبحانه: {وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ} أي إنّ الأمة المسلمة خير من حرة مشركة، {وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} لقد جاء قول الحق هنا بمقاييس الإعجاب الحسي. ليلفتنا إلى أننا لا يصح أن نهمل مقاييس خالدة ونأخذ مقاييس بائدة وزائلة.
ثم يقول الحق: (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) وهذا هو النظير في الخطاب وهو ليس متقابلا فهو لم يخاطب المؤمنات ألا ينكحن المشركين، إنما قال {وَلاَ تُنْكِحُواْ المشركين حتى يُؤْمِنُواْ} وتلك دقة في الأداء هنا؛ لأن الرجل له الولاية في أن يُنْكح، فيأمره بقوله: لا تُنكح، لكن المرأة ليس لها ولاية أن تُنكح نفسها. فنحن نعرف القاعدة الشرعية التي تقول: (لا نكاح إلا بولي)، وهو لم يوجه حديثه للنساء؛ لأن المرأة تتحكم فيها عاطفتها لكن وليها ينظر للأمر من مجموعة زوايا أخرى تحكم الموقف.
صحيح أننا نستأذن الفتاة البكر كي نضمن أن عاطفتها ليست مصدودة عن هذا الزواج، لكن الأب أو ولي الأمر الرجل يقيس المسائل بمقاييس أخرى، فلو تركنا للفتاة مقياسها لتهدم الزواج بمجرد هدوء العاطفة، وساعة تأتي المقاييس العقلية الأخرى فلن تجد ذلك الزواج مناسباً لها فتفشل الحياة الزوجية. لذلك يطالبنا الإسلام أن نستشير المرأة، كي لا نأتيها بواحد تكرهه، ولكن الذي يزوجها إلى ذلك الرجل هو وليها؛ لأن له المقاييس العقلية والاجتماعية والخلقية التي قد لا تنظر إليها الفتاة؛ فقد يبهرها في الشاب قوامه وحسن شكله وجاذبية حديثه، لكن عندما تدخل المسألة في حركة الحياة ودوامتها قد تجده إنساناً غير جدير بها.
ولكي تكون المسألة مزيجاً من عاطفة بنت، وعقل أب، وخبرة أم، كان لابد من استشارة الفتاة، وأن يستنير الأب برأي الأم، ثم يقول الأب رأيه أخيراً، وكل زواج يأتي بهذا الأسلوب فهو زواج يحالفه التوفيق، لأن المعايير كلها مشتركة، لا يوجد معيار قد اختل؛ فالأب بنى حكما على أساس موافقة الابنة، أما إذا رفضت الفتاة وكانت معايير الأب صحيحة، لكن الابنة ليس لها تقبل لهذا الرجل؛ لذلك فلا يصح أن يتم هذا الزواج.
وكثير من الزيجات قد فشلت لأننا لم نجد من يطبق منهج الله في الدخول إلى الزواج. وحين لا يطبقون منهج الله في الدخول إلى الزواج ثم يُقَابَلون بالفشل فهم يصرخون منادين قواعد الإسلام لتنقذهم.
ونقول لهم: وهل دخلتم الزواج على دين الله؟ إنكم مادمتم قد دخلتم الزواج بآرائكم المعزولة عن منهج الله فلتحلوا المسألة بآرائكم. فالدين ليس مسئولاً إلا عمن يدخل بمقاييسه، لكن أن تدخل على الزواج بغير مقاييس الله ثم تريد من الله أو من القائمين على أمر الله أن يحلوا لك المشاكل فذلك ظلم منك لنفسك وللقائمين على أمر الله. وإن لم تحدث مثل هذه المشكلات لكنا قد اتهمنا منهج الله. ولقلنا: قد تركنا منهج الله وسعدنا في حياتنا. ولذلك كان لابد أن تقع المشكلات.
إذن فقول الحق سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ} هذه قضية لها سبب، لكن العبرة فيها بعموم موضوعها لا بخصوص سببها، لقد كان السبب فيها هو ما روى أنه كان هناك صحابي اسمه مرثد بن أبي مرثد الغنوي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليخرج منها ناسا من المسلمين. وكان يهوى امرأة في الجاهلية اسمها (عناق) وكانت تحبه، وساعة رأته أرادت أن تخلو به فقال لها: ويحك إن الإسلام قد حال بيننا، فقالت له: تزوجني، فقال لها: أتزوجك لكن بعد أن أستأمر وأستأذن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما استأمره نزل قوله تعالى: {وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ}.
وقيل إن قوله تعالى: {وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} نزلت في خنساء وليدة سوداء كانت لحذيفة بن اليمان، فقال لها حذيفة: يا خنساء قد ذكرت في الملأ الأعلى مع سوادك ودمامتك وأنزل الله ذكرك في كتابه، فأعتقها حذيفة وتزوجها.
ويتابع الحق فيقول: {وَلاَ تُنْكِحُواْ المشركين حتى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْْ}. إن المقاييس واحدة في اختيار شريك الحياة، إنها الرغبة في بناء الحياة الأسرية على أساس من الخير، وغاية كل شيء هي التي تحدد قيمته، وليست الوسيلة هي التي تحدد قيمة الشيء، فقد تسير في سبيل وطريق خطر وغايته فيها خير، وقد تسير في سبيل مفروش بالورود والرياحين وغايته شر، ولذلك يقول الحق: {أولئك يَدْعُونَ إِلَى النار والله يدعوا إِلَى الجنة والمغفرة بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}.
والذين يدعون إلى النار هم أهل الشرك. أما الله فهو يدعو إلى الجنة، والمغفرة تأتي بإذن الله أي بتيسير الله وتوفيقه. ونعرف جميعاً الحكمة التي قالها الإمام (علي) كرم الله وجهه: لا خير في خير بعده النار، ولا شر في شر بعده الجنة.
وقوله الحق؛ {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} ترد كثيراً، هذا التذكر ماذا يفعل؟ إن التذكر يُشعرك بأن القضية كانت معلومة والغفلة هي التي طرأت، لكن الغفلة إذا تنبهت إليها، فهي تذكرك ما كنت قد نسيته من قبل، لكن إن طالت الغفلة، نُسى الأصل فهذه هي الطامة، التي تنطمس بها المسألة.
إذن فالتذكر يشمل مراحل: المرحلة الأولى: أن تعرف إن لم تكن تعرف، أو تعلم إن كنت تجهل، والمرحلة الثانية: هي أن تتذكر إن كنت ناسياً، أو توائم بين ما تعلم وبين ما تعمل؛ فالتذكر يوحي لك بأن توائم ما بين معرفتك وسلوكك حتى لا تقع في الجهل، والجهل معناه أن تعلم ما يناقض الحقيقة. لقد أراد الله أن يصون الإنسان الذي اختار الإيمان عندما حرم عليه الزواج بواحدة من أهل الشرك.
إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يضمن لمن جعله خليفة في الأرض عقيدة واحدة يصدر عنها السلوك الإنساني؛ لأن العقائد إن توزعت حسب الأهواء فسيتوزع السلوك حسب الأهواء. وحين يتوزع السلوك تتعاند حركة الحياة ولا تتساند.
فيريد الحق سبحانه وتعالى أن يضمن وحدة العقيدة بدون مؤثر يؤثر فيها؛ فشرط في بناء اللبنة الأولى للأسرة ألاّ ينكح مؤمن مشركة؛ لأن المشركة في مثل هذه الحالة ستتولى حضانة الطفل لمدة طويلة هي كما قلنا أطول أعمار الطفولة في الكائن الحي. ولو كان الأب مؤمناً والأم مشركة فالأب سيكون مشغولاً بحركة الحياة فتتأصل عن طريق الأم معظم القيم التي تتناقض مع الإيمان.
وأراد الحق سبحانه وتعالى أيضا ألا تتزوج المؤمنة مشركاً؛ لأنها بحكم زواجها من مشرك ستنتقل إليه وإلى بيئته المشركة وإلى أسرته. وسينشأ طفلها الوليد في بيئة شركية فتتأصل فيه الأشياء القيمية التي تناقض الإيمان. ويريد الحق سبحانه وتعالى بهذه الصيانة، أي بعدم زواج المؤمن من مشركة، وبعدم زواج المؤمنة من مشرك، أن يحمي الحاضن الأول للطفولة. وحين يحمي الحاضن الأول للطفولة يكون الينبوع الأول الذي يصدر عنه تربية عقيدة الطفل ينبوعا واحداً، فلا يتذبذب بين عقائد متعددة. لذلك جاء قول الحق: {وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ المشركين حتى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أولئك يَدْعُونَ إِلَى النار والله يدعوا إِلَى الجنة والمغفرة بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [البقرة: 221].
كل ذلك حتى يصون الحق البيئة التي ينشأ فيها الوليد الجديد.
وعلينا أن نفهم أن الحق سبحانه وتعالى رخص للمؤمنين في أن ينكحوا أهل الكتاب بقوله الحق: {اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ متخذي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخرة مِنَ الخاسرين} [المائدة: 5].
وقد وقف العلماء من مسألة ترخيص الحق للمؤمنين في أن يتزوجوا من أهل الكتاب موقفين: الموقف الأول: هو موقف مانع؛ لأن بعض العلماء رأى أن أهل الكتاب قد ينحرفون في معتقداتهم إلى ما يجعلهم في الشرك، وقالوا: وهل هناك شرك أكثر من أن تُدعى الربوبية لبشر؟ والموقف الثاني: أجاز بعض العلماء أن يتزوج الإنسان من كتابية ويجب عليه أن يسألها أهي تدين بألوهية أحد من البشر أم تدين بالله الواحد القهار؟ فإن كانت المسألة مجرد الخلاف في الرسول فالأمر يهون، أما إن كانت تؤمن بألوهية أحد من البشر بجانب الله فقد دخلت في الشرك وعلى المؤمن أن يحتاط.
وإذا كان للرجل الولاية وله أن يتزوج بكتابية فهو غالباً ما ينقلها إلى بيئته هو وستكون البيئة المؤثرة واحدة، ووجود الولاية للأب مع الوجود في البيئة الإيمانية سيؤثر ويخفف من تأثير الأم الكتابية على أولادها، وإن كان على الإنسان أن يتيقظ إلى أن هناك مسالك تتطلف وتتسلل ناحية الشرك، فمن الخير أن يبتعد المسلم عن ذلك، وأن يتزوج ويعصم ويعفّ فتاة مسلمة.
وحين يحمي الحق سبحانه وتعالى الحضانة الأولى للطفل فهو يريد أن يربي في الطفل عدم التوزع، وعدم التمزق، وعدم التنافر بين ملكاته. وحين نضمن للطفل التواجد والنشأة في بيئة متآلفة فهو ينشأ طفلاً سوياً. والإسلام يريد أن يحافظ على سويَّة هذا الطفل. ويقول بعض الناس: ولماذا لا نوجد محاضن جماعية؟ وكأنهم بذلك يريدون أن يحلوا الإشكال.
نقول لهم: إن الإشكال لم يحل عند الذين فعلوا ذلك من قبلنا، ولذلك فعندما نقرأ مؤلفاتهم مثل كتاب (أطفال بلا أسر) فسنجد أن الطفولة عندهم معذبة. ولماذا نذهب بعيداً؟ إننا عندما نتتبع كيفية النشأة الجماعية للأطفال في إسرائيل فالبحوث العلمية تؤكد على أن الأطفال يعيشون في بؤس رهيب لدرجة أن التبول اللاإرادي ينتشر بينهم حتى سن الشباب.
وكيف يغيب عن بالنا أن الطفل يظل حتى تصل سنه إلى عامين أو أكثر وهو يطلب ألا يشاركه في أمه أحد، حتى وإن كان أخاً له فهو يغار منه فما بالك بأطفال متعددين تقوم امرأة ليست أمهم برعايتهم؟ ولا يغني عن حنان الأم حنان مائة مربية؛ فليس للمربيات جميعاً قلب الأم التي ولدت الطفل، فالحنانُ الذي تعطيه الأم ليس حناناً شكلياً ولا وظيفياً، ولكنه طبيعة حياة خلقها الله لتعطي العطاء الصحيح، لذلك لابد من إعطاء الطفل فترة يشعر فيها بأن أمه التي ولدته له وحده، ولا يشاركه فيها أحد حتى لو كان أخا له، وتمر عليه فترة بعد أن يخرج من مهد الطفولة الأولى إلى الشارع ليجد حركة الحياة، ويجد القائمين على حركة الحياة هم الرجال وآباء أمثاله من الأطفال فيجب بعد ذلك أن ينسب إلى أب له كيان معروف في المجتمع الخارجي.
فمن مقومات تكوين الطفل أن يشعر أن له أمّاً لا يشاركه فيها أحد، وأن له أباً لا يشاركه فيه أحد. وإن شاركه فيهما أحد فهم إخوته ويضمهم ويشملهم جميعا حنان الأم ورعاية الأب. لقد اعترف أهل العلم بتربية الأطفال أن احتياج الطفل لأمه هو احتياج هام وأساسي للتربية لمدة عامين وبضعة من الشهور، والحق تبارك وتعالى حين أنزل على رسوله قبل أربعة عشر قرناً من الآن؛ القول الحكيم الصادق بين هذه الحقيقة واضحة في أجلى صورها: {وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً حتى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أوزعني أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعلى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذريتي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المسلمين} [الأحقاف: 15].
إن الأم هي الحاضنة الطبيعية للطفل كما أرادها الحق. إذن، فالحق يريد أن يحمي اللبنة الأولى في تكوين المجتمع وهي الأسرة في البناء العَقَدي من أن تتأثر بالشرك، ويريد أن يحفظ للأسرة كياناً سليماً.
ويعالج الحق بعد ذلك قضية التواصل مع المرأة أثناء فترة الحيض فيأتي التشريع ليقنن هذه المسألة لأن الإسلام جاء وفي الجو الاجتماعي تياران: تيار يرى أن الحائض هي امرأة تعاني من قذارة، لذلك لا يمكن للزوج أن يأكل معها أو يسكن معها أو يعاشرها أو يعيش معها في بيت واحد وكذلك أبناؤه. وتيار آخر يرى المرأة في فترة الحيض امرأة عادية لا فرق بينها وبين كونها غير حائض أي تباشر حياتها الزوجية مع زوجها دون تحوط أو تحفظ. كان الحال إذن متأرجحا بين الإفراط والتفريط، فجاء الإسلام ليضع حداً لهذه المسألة فيقول الحق سبحانه وتعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المحيض قُلْ هُوَ أَذًى فاعتزلوا النسآء فِي المحيض...}.