فصل: تفسير الآية رقم (106)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏106‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ‏:‏ “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ“، يَقُولُ‏:‏ لِيَشْهَدْ بَيْنَكُمْ “ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ “، يَقُولُ‏:‏ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ “ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ “، يَقُولُ‏:‏ ذَوَا رُشْدٍ وَعَقْلٍ وَحِجًى مِنَ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْجُبَيْرِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُم‏"‏ ‏[‏سُورَةُ الطَّلَاقِ‏:‏ 2‏]‏، قَالَ‏:‏ ذَوَيْ عَقْلٍ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ “ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ “‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عَنَى بِهِ‏:‏ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ‏:‏ شَاهِدَانِ “ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ “، مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا عِِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْقَزَّازُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ “، مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَابْنُ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ “، قَالَ‏:‏ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُهُ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ “ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ “، قَالَ‏:‏ مِنَ الْمِلَّةِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، بِمِثْلِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ‏:‏ مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ عُبَيْدَةَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ “ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ “، قَالَ‏:‏ مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ عُبَيْدَةَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ وَقَالَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ “ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ “، قَالَ‏:‏ ذَوَا عَدْلٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ “، قَالَ‏:‏ مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ‏:‏ “ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ “، أَيْ‏:‏ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ عَنَى بِذَلِكَ‏:‏ ذَوَا عَدْلٍ مِنْ حَيِّ الْمُوصِي‏.‏ وَذَلِكَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَعُبَيْدَةَ وَعِدَّةٍ غَيْرِهِمَا‏.‏

وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ “ الِاثْنَيْنِ “ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، مَا هِيَ، وَمَا هُمَا‏؟‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُمَا شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى وَصِيَّةِ الْمُوصِي‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُمَا وَصِيَّانِ‏.‏

وَتَأْوِيلُ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمَا شَاهِدَانِ‏.‏ قَوْلَهُ‏:‏ “ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ “، لِيَشْهَدْ شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ عَلَى وَصِيَّتِكُمْ‏.‏

وَتَأْوِيلُ الَّذِينَ قَالُوا‏:‏ “ هُمَا وَصِيَّانِ لَا شَاهِدَانِ “ قَوْلُهُ‏:‏ “ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ “، بِمَعْنَى الْحُضُورِ وَالشُّهُودِ لِمَا يُوصِيهِمَا بِهِ الْمَرِيضُ، مِنْ قَوْلِكَ‏:‏ “ شَهِدْتُ وَصِيَّةَ فُلَانٍ “، بِمَعْنَى حَضَرْتُهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِقَوْلِهِ‏:‏ “ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ “، تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ، دُونَ مَنْ تَأَوَّلَهُ أَنَّهُمَا مِنْ حَيِّ الْمُوصِي‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ، عَمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِخِطَابِهِمْ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ‏}‏ “ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَصْرِفَ مَا عَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِلَى الْخُصُوصِ إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا‏.‏ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعَائِدُ مِنْ ذِكْرِهُ عَلَى الْعُمُومِ، كَمَا كَانَ ذِكْرُهُمُ ابْتِدَاءً عَلَى الْعُمُومِ‏.‏

وَأَوْلَى الْمَعْنَيَيْنِ بِقَوْلِهِ‏:‏ “ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ “ الْيَمِينُ، لَا “ الشَّهَادَةُ “ الَّتِي يَقُومُ بِهَا مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِغَيْرِهِ، لِمَنْ هِيَ عِنْدَهُ، عَلَى مَنْ هِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحُكَّامِ‏.‏ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ لِلَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ حُكْمًا يَجِبُ فِيهِ عَلَى الشَّاهِدِ الْيَمِينُ، فَيَكُونُ جَائِزًا صَرْفُ “ الشَّهَادَةِ “ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، إِلَى “ الشَّهَادَةِ “ الَّتِي يَقُومُ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَالْأَئِمَّةِ‏.‏

وَفِي حُكْمِ الْآيَةِ فِي هَذِهِ، الْيَمِينَ عَلَى ذَوِي الْعَدْلِ وَعَلَى مَنْ قَامَ مَقَامَهُمْ، بِالْيَمِينِ بِقَوْلِهِ “ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ “ أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، مِنْ أَنَّ “ الشَّهَادَةَ “ فِيهِ‏:‏ الْأَيْمَانُ، دُونَ الشَّهَادَةِ الَّتِي يُقْضَى بِهَا لِلْمَشْهُودِ لَهُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَفَسَادِ مَا خَالَفَهُ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَهَلْ وَجَدْتَ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَمِينًا تَجِبُ عَلَى الْمُدَّعِي، فَتُوَجِّهُ قَوْلَكَ فِي الشَّهَادَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى الصِّحَّةِ‏؟‏

فَإِنْ قُلْتَ‏:‏ “ لَا “، تَبَيَّنَ فَسَادَ تَأْوِيلِكَ ذَلِكَ عَلَى مَا تَأَوَّلْتَ، لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ الْمُقْسِمَانِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا “، هُمَا الْمُدَّعِيَانِ‏.‏

وَإِنْ قُلْتَ‏:‏ “ بَلَى “، قِيلَ لَكَ‏:‏ وَفِي أَيِّ حُكْمٍ لِلَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ وَجَدْنَا ذَلِكَ فِي أَكْثَرِ الْمَعَانِي‏.‏ وَذَلِكَ فِي حُكْمِ الرَّجُلِ يَدَّعِي قِبَلَ رَجُلٍ مَالَا فَيُقِرُّ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قِبَلَهُ ذَلِكَ، وَيَدَّعِي قَضَاءَهُ‏.‏ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الدِّينِ، وَالرَّجُلِ يُعَرِّفُ فِي يَدِ الرَّجُلِ السِّلْعَةَ، فَيَزْعُمُ الْمُعَرَّفُ فِي يَدِهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنَ الْمُدَّعِي، أَوْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ وَهَبَهَا لَهُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ إِحْصَاؤُهُ‏.‏ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِيَيْنِ اللَّذَيْنِ عَثَرَا عَلَى الْخَائِنَيْنِ فِيمَا خَانَا فِيهِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الرَّافِعِ قَوْلَهُ‏:‏ “ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ “، وَقَوْلَهُ‏:‏ “ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ “‏.‏

فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ‏:‏ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ “ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ “، شَهَادَةُ اثْنَيْنِ ذَوِي عَدْلٍ، ثُمَّ أُلْقِيَتْ “ الشَّهَادَةُ “، وَأُقِيمَ “ الِاثْنَانِ “ مَقَامَهَا، فَارْتَفَعَا بِمَا كَانَتِ “ الشَّهَادَةُ “ بِهِ مُرْتَفِعَةً لَوْ جُعِلَتْ فِي الْكَلَامِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَذَلِكَ فِي حَذْفِ مَا حُذِفَ مِنْهُ، وَإِقَامَةِ مَا أُقِيمَ مَقَامَ الْمَحْذُوفِ نَظِيرُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ يُوسُفَ‏:‏ 82‏]‏، وَإِنَّمَا يُرِيدُ‏:‏ وَاسْأَلْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ، وَانْتَصَبَتِ “ الْقَرْيَةُ “ بِانْتِصَابِ “ الْأَهْلِ “، وَقَامَتْ مَقَامَهُ، ثُمَّ عُطِفَ قَوْلُهُ‏:‏ “ أَوْ آخَرَانِ “ عَلَى “ الِاثْنَيْنِ “‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ‏:‏ رُفِعَ “ الِاثْنَانِ “ بِ “ الشَّهَادَةِ “، أَيْ‏:‏ لِيُشْهِدْكُمُ اثْنَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرٌ مِنْهُمْ‏:‏ رُفِعَتِ “ الشَّهَادَةُ “، بِ “ إِذَا حَضَرَ “‏.‏ وَقَالَ‏:‏ إِنَّمَا رُفِعَتْ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَالَ‏:‏ “ إِذَا حَضَرَ “ فَجَعَلَهَا “ شَهَادَةً “ مَحْذُوفَةً مُسْتَأْنَفَةً، لَيْسَتْ بِالشَّهَادَةِ الَّتِي قَدْ رُفِعَتْ لِكُلِّ الْخَلْقِ، لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ “ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ “، وَهَذِهِ شَهَادَةٌ لَا تَقَعُ إِلَّا فِي هَذَا الْحَالِ، وَلَيْسَتْ مِمَّا يَثْبُتُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ “ الشَّهَادَةُ “ مَرْفُوعَةٌ بِقَوْلِهِ‏:‏ “ إِذَا حَضَرَ “، لِأَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ “ إِذَا حَضَرَ “، بِمَعْنَى‏:‏ عِنْدَ حُضُورِ أَحَدِكُمُ الْمَوْتَ، وَ“ الِاثْنَانِ “ مَرْفُوعٌ بِالْمَعْنَى الْمُتَوَهَّمِ، وَهُوَ‏:‏ أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ فَاكْتَفَى مِنْ قِيلِ‏:‏ “ أَنْ يَشْهَدَ “، بِمَا قَدْ جَرَى مِنْ ذِكْرِ “ الشَّهَادَةِ “ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ “‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ “ الشَّهَادَةَ “ مَصْدَرٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَ“ الِاثْنَانِ “ اسْمٌ، وَالِاسْمُ لَا يَكُونُ مَصْدَرًا‏.‏ غَيْرُ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَضَعُ الْأَسْمَاءَ مَوَاضِعَ الْأَفْعَالِ‏.‏ فَالْأَمْرُ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَصَرْفُ كُلِّ ذَلِكَ إِلَى أَصَحِّ وُجُوهِهِ مَا وَجَدْنَا إِلَيْهِ سَبِيلًا أَوْلَى بِنَا مِنْ صَرْفِهِ إِلَى أَضْعَفِهَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏106‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ‏:‏ لِيَشْهَدْ بَيْنَكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ، عَدْلَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ، نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ وَبِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ‏:‏ “ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ “، مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ، سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ‏:‏ “ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ “، مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو حَفْصٍ الْجُبَيْرِيُّ، عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُمَا قَالَا فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ “، قَالَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ قَالَ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ، مِثْلَ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ‏:‏ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ إِنْ كَانَ قُرْبَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَشْهَدَهُمْ، وَإِلَّا أَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، قَالَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدٍ‏:‏ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، قَالَ‏:‏ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا عِِمْرَانُ بْنُ مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ‏}‏ “، مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَمِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ شُرَيْحٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ “ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، قَالَ‏:‏ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ بِأَرْضِ غُرْبَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مُسْلِمًا يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا، فَشَهَادَتُهُمْ جَائِزَةٌ‏.‏ فَإِنْ جَاءَ رَجُلَانِ مُسْلِمَانِ فَشَهِدَا بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا، أُجِيزَتْ شَهَادَةُ الْمُسْلِمَيْنِ، وَأُبْطِلَتْ شَهَادَةُ الْآخَرَيْنِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ شُرَيْحٍ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ لَا يُجِيزُ شَهَادَةَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عَلَى مُسْلِمٍ إِلَّا فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَا يُجِيزُ شَهَادَتَهُمَا عَلَى الْوَصِيَّةِ إِلَّا إِذَا كَانُوا فِي سَفَرٍ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ قَالَا حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ‏:‏ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إِلَّا فِي سَفَرٍ، وَلَا تَجُوزُ فِي سَفَرٍ إِلَّا فِي وَصِيَّةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ شُرَيْحٍ، نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْأَسَدِيِّ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ كَتَبَ هِشَامُ بْنُ هُبَيْرَةَ لِمَسْلَمَةَ عَنْشَهَادَةِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَكَتَبَ‏:‏ “ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِلَّا فِي وَصِيَّةٍ، وَلَا يَجُوزُ فِي وَصِيَّةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلَ مُسَافِرًا “‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَشْهَبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، قَالَ‏:‏ مِنْ غَيْرِ الْمِلَّةِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، بِمِثْلِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ عُبَيْدَةَ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ‏:‏ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِلَّةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ‏:‏ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الصَّلَاةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ‏:‏ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ‏:‏ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِلَّةِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُرَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ‏:‏ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، قَالَ‏:‏ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ، سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ ‏[‏قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، قَالَ‏:‏ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ‏]‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ “ أَوْ آخَرَانِ مَنْ غَيْرِكُمْ “، مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ‏:‏ “ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ “، قَالَ‏:‏ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى قَالَ قَالَ شُرَيْحٌ‏:‏ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إِلَّا فِي وَصِيَّةٍ، وَلَا تَجُوزُ فِي وَصِيَّةٍ إِلَّا فِي سَفَرٍ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ‏:‏ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بِدَقُوقَا هَذِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَحَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدَهُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَدِمَا الْكُوفَةَ، فَأَتَيَا الْأَشْعَرِيَّ فَأَخْبَرَاهُ، وَقَدِمَا بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ، فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ‏:‏ هَذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏!‏ فَأَحْلَفَهُمَا وَأَمْضَى شَهَادَتَهُمَا‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةِ الْأَزْرَقِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ‏:‏ أَنْ أَبَا مُوسَى قَضَى بِهَا بِدَقُوقَا‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، شَاهِدَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ “ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ “، مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ‏:‏ قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِِ‏:‏ “ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ “ الْآيَةَ كُلَّهَا، قَالَ‏:‏ كَانَ ذَلِكَ فِي رَجُلٍ تُوُفِّيَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَالْأَرْضُ حَرْبٌ، وَالنَّاسُ كُفَّارٌ، إِلَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ النَّاسُ يَتَوَارَثُونَ بِالْوَصِيَّةِ، ثُمَّ نُسِخَتِ الْوَصِيَّةُ وَفُرِضَتِ الْفَرَائِضُ، وَعَمِلَ الْمُسْلِمُونَ بِهَا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِ حَيِّكُمْ وَعَشِيرَتِكُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ الْجَهْمِ قَالَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، قَالَ‏:‏ شَاهِدَانِ مِنْ قَوْمِكُمْ وَمِنْ غَيْرِ قَوْمِكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ‏:‏ مَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ كَافِرٍ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ، إِنَّمَا هِيَ فِي الْمُسْلِمِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ‏:‏ “ ‏{‏اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ‏}‏ “، أَيْ‏:‏ مِنْ عَشِيرَتِهِ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، قَالَ‏:‏ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، قَالَ‏:‏ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ حَيِّكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، قَالَ‏:‏ مِنْ غَيْرِ حَيِّكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، قَالَ‏:‏ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ حَيِّهِ يَعْنِي‏:‏ مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، قَالَ‏:‏ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكَ، وَمِنْ غَيْرِ قَوْمِكَ، كُلُّهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ قَوْلُهُ‏:‏ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، قَالَ‏:‏ مُسْلِمَيْنِ مِنْ غَيْرِ حَيِّكُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ “ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ‏}‏ “، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ‏}‏ “، قُلْتُ‏:‏ أَرَأَيْتَ الِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَ اللَّهُ، مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَرْءِ الْمُوصِي، أَهُمَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَمْ هُمَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ‏؟‏ وَأَرَأَيْتَ الْآخَرَيْنِ اللَّذَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا، أَتَرَاهُمَا مِنْ ‏[‏غَيْرِ‏]‏ أَهْلِ الْمَرْءِ الْمُوصِي، أَمْ هُمَا مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ‏؟‏ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ‏:‏ لَمْ نَسْمَعْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَنْ أَئِمَّةِ الْعَامَّةِ، سُنَّةً أَذْكُرُهَا، وَقَدْ كُنَّا نَتَذَاكَرُهَا أُنَاسًا مِنْ عُلَمَائِنَا أَحْيَانًا، فَلَا يَذْكُرُونَ فِيهَا سُنَّةً مَعْلُومَةً، وَلَا قَضَاءً مِنْ إِمَامٍ عَادِلٍ، وَلَكِنَّهُ يَخْتَلِفُ فِيهَا رَأْيُهُمْ‏.‏ وَكَانَ أَعْجَبَهُمْ فِيهَا رَأْيًا إِلَيْنَا، الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ‏:‏ هِيَ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الْمِيرَاثِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يَشْهَدُ بَعْضُهُمُ الْمَيِّتَ الَّذِي يَرِثُونَهُ، وَيَغِيبُ عَنْهُ بَعْضُهُمْ، وَيَشْهَدُ مَنْ شَهِدَهُ عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ لِذَوِي الْقُرْبَى، فَيُخْبِرُونَ مَنْ غَابَ عَنْهُ مِنْهُمْ بِمَا حَضَرُوا مِنْ وَصِيَّةٍ‏.‏ فَإِنْ سَلَّمُوا جَازَتْ وَصِيَّتُهُ، وَإِنِ ارْتَابُوا أَنْ يَكُونُوا بَدَّلُوا قَوْلَ الْمَيِّتِ، وَآثَرُوا بِالْوَصِيَّةِ مَنْ أَرَادُوا مِمَّنْ لَمْ يُوصِ لَهُمُ الْمَيِّتُ بِشَيْءٍ، حَلَفَ اللَّذَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَهِيَ صَلَاةُ الْمُسْلِمِينَ، “ ‏{‏فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ‏}‏ “‏.‏ فَإِذَا أَقْسَمَا عَلَى ذَلِكَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَأَيْمَانُهُمَا، مَا لَمْ يُعْثَرْ عَلَى أَنَّهُمَا ‏[‏اِسْتَحَقَّا إِثْمًا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏]‏، قَامَ آخَرَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ، مِنَ الْخَصْمِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ الْأَوَّلَانِ الْمُسْتَحْلِفَانِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا ‏[‏أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِكُمَا‏]‏، عَلَى تَكْذِيبِكُمَا أَوْ إِبْطَالِ مَا شَهِدْتُمَا بِهِ “ ‏{‏وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ‏}‏ “ “ ‏{‏ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ‏}‏ “، الْآيَةَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ، تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ‏:‏ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَرَّفَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ، شَهَادَةَ اثْنَيْنِ مِنْ عُدُولِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ اثْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ‏.‏ وَلَا وَجْهَ لِأَنْ يُقَالُ فِي الْكَلَامِ صِفَةُ شَهَادَةِ مُؤْمِنَيْنِ مِنْكُمْ، أَوْ رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ، وَإِنَّمَا يُقَالُ‏:‏ صِفَةُ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ مِنْ عَشِيرَتِكُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ أَوْ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ‏.‏

فَإِذْ كَانَ لَا وَجْهَ لِذَلِكَ فِي الْكَلَامِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ صَرْفُ مَعْنَى كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِلَّا إِلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهِ‏.‏

وَقَدْ دَلََّلْنَا قَبْلُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى‏:‏ “ ‏{‏ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ‏}‏ “، إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ وَمِلَّتِكُمْ، بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ لِمَنْ وَفِّقَ لِفَهْمِهِ‏.‏

وَإِذْ صَحَّ ذَلِكَ بِمَا دَلَّلْنَا عَلَيْهِ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، إِنَّمَا هُوَ‏:‏ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ وَمِلَّتِكُمْ‏.‏ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَسَوَاءً كَانَ الْآخَرَانِ اللَّذَانِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِنَا، يَهُودِيَّيْنِ كَانَا أَوْ نَصْرَانِيَّيْنِ أَوْ مَجُوسِيَّيْنِ أَوْ عَابِدَيْ وَثَنٍ، أَوْ عَلَى أَيِّ دِينٍ كَانَا‏.‏ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يُخَصِّصْ آخَرِينَ مِنْ أَهْلِ مِلَّةٍ بِعَيْنِهَا دُونَ مِلَّةٍ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَا مِنْ ‏[‏غَيْرِ‏]‏ أَهْلِ الْإِسْلَامِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏106‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ‏:‏ صِفَةُ شَهَادَةِ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، أَوْ رَجُلَانِ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ، إِنْ أَنْتُمْ سَافَرْتُمْ ذَاهِبِينَ وَرَاجِعِينَ فِي الْأَرْضِ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى السَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قِيلَ لِلْمُسَافِرِ‏:‏ “ الضَّارِبُ فِي الْأَرْضِ “‏.‏

“ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ “، يَقُولُ‏:‏ فَنَزَلَ بِكُمُ الْمَوْتُ‏.‏

وَوَجَّهَ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى مَعْنَى التَّعْقِيبِ دُونَ التَّخْيِيرِ، وَقَالُوا‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ، اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ إِنْ وُجِدَا، فَإِنْ لَمْ يُوجِدَا فَآخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مَنْ فَعَلَهُ، لِأَنَّهُ وَجَّهَ مَعْنَى “ الشَّهَادَةِ “ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ “، إِلَى مَعْنَى الشَّهَادَةِ الَّتِي تُوجِبُ لِلْقَوْمِ قِيَامَ صَاحِبِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، أَوْ يُبْطِلُهَا‏.‏

ذِكْرُ بَعْضِ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا عِِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْقَزَّازُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ‏}‏ “، مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَمِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، قَالَ‏:‏ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، إِذَا كَانَ بِبِلَادٍ لَا يَجِدُ غَيْرَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ شُرَيْحٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ “ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ “ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، قَالَ‏:‏ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ بِأَرْضِ غُرْبَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مُسْلِمًا يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، أَوْ مَجُوسِيًّا، فَشَهَادَتُهُمْ جَائِزَةٌ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ “ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ‏}‏ “، قَالَ‏:‏ هَذَا فِي الْحَضَرِ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، فِي السَّفَرِ “ ‏{‏إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ‏}‏ “، هَذَا، الرَّجُلُ يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ فِي سَفَرِهِ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَدْعُو رَجُلَيْنِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ، فَيُوصِي إِلَيْهِمَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمَا قَالَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ “ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ‏}‏ “ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ إِذَا حَضَرَ الرَّجُلَ الْوَفَاةُ فِي سَفَرٍ، فَيُشْهِدُ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَرَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ “ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ‏}‏ “ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ‏}‏ “، فَهَذَا لِمَنْ مَاتَ وَعِنْدَهُ الْمُسْلِمُونَ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ عَدْلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ‏}‏ “، فَهَذَا لِمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

وَوَجَّهَ ذَلِكَ آخَرُونَ إِلَى مَعْنَى التَّخْيِيرَ، وَقَالُوا‏:‏ إِنَّمَا عَنَى بِالشَّهَادَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، الْأَيْمَانَ عَلَى الْوَصِيَّةِ الَّتِي أَوْصَى إِلَيْهِمَا، وَائْتِمَانَ الْمَيِّتِ إِيَّاهُمَا عَلَى مَا ائْتَمَنَهُمَا عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ لِيُؤَدِّيَاهُ إِلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، إِنِ ارْتِيبَ بِهِمَا‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَقَدْ يَتَّمِنُ الرَّجُلُ عَلَى مَالِهِ مَنْ رَآهُ مَوْضِعًا لِلْأَمَانَةِ مِنْ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ فِي السِّفْرِ وَالْحَضَرِ‏.‏ وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ بَعْضِ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ فِيمَا مَضَى، وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّتَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏106‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ‏:‏ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ، إِنْ شَهِدَ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ، أَوْ كَانَ أَوْصَى إِلَيْهِمَا أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فِي سَفَرٍ فَحَضَرَتْكُمُ الْمَنِيَّةُ، فَأَوْصَيْتُمْ إِلَيْهِمَا، وَدَفَعْتُمْ إِلَيْهِمَا مَا كَانَ مَعَكُمْ مِنْ مَالٍ وَتَرِكَةٍ لِوَرَثَتِكُمْ‏.‏ فَإِذَا أَنْتُمْ أَوْصَيْتُمْ إِلَيْهِمَا وَدَفَعْتُمْ إِلَيْهِمَا مَا كَانَ مَعَكُمْ مِنْ مَالٍ، فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ، فَأَدَّيَا إِلَى وَرَثَتِكُمْ مَا اتَّمَنْتُمُوهُمَا وَادَّعَوْا عَلَيْهِمَا خِيَانَةً خَانَاهَا مِمَّا اتُّمِنَا عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا حِينَئِذٍ أَنْ تَحْبِسُوهُمَا يَقُولُ‏:‏ تَسْتَوْقِفُونَهُمَا بَعْدَ الصَّلَاةِ‏.‏ وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ اجْتُزِئَ بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنْهُ عَلَى مَا حُذِفَ، وَهُوَ‏:‏ “ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ، وَقَدْ أَسْنَدْتُمْ وَصِيَّتَكُمْ إِلَيْهِمَا، وَدَفَعْتُمْ إِلَيْهِمَا مَا كَانَ مَعَكُمْ مِنْ مَالٍ “، فَإِنَّكُمْ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ “ ‏{‏فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ‏}‏ “، يَقُولُ‏:‏ فَيَحْلِفَانِ بِاللَّهِ إِنِ اتَّهَمْتُمُوهُمَا بِخِيَانَةٍ فِيمَا اتُّمِنَا عَلَيْهِ مِنْ تَغْيِيرِ وَصِيَّةٍ أَوْصَى إِلَيْهِمَا بِهَا أَوْ تَبْدِيلِهَا وَ“ الِارْتِيَابُ “، هُوَ الِاتِّهَامُ “ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا “، يَقُولُ‏:‏ يَحْلِفَانِ بِاللَّهِ لَا نَشْتَرِي بِأَيْمَانِنَا بِاللَّهِ ثَمَنًا، يَقُولُ‏:‏ لَا نَحْلِفُ كَاذِبِينَ عَلَى عِوَضٍ نَأْخُذُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى مَالٍ نَذْهَبُ بِهِ، أَوْ لِحَقٍّ نَجْحَدُهُ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ أَوْصَى إِلَيْنَا وَلِيُّهُمْ وَمَيِّتُهُمْ‏.‏

وَ “ الْهَاءُ “ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ بِهِ “، مِنْ ذِكْرِ “ اللَّهِ “، وَالْمَعْنِيُّ بِهِ الْحَلِفُ وَالْقَسَمُ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ قَدْ جَرَى قَبْلَ ذَلِكَ ذِكْرُ الْقَسَمِ بِهِ، فَعُرِفَ مَعْنَى الْكَلَامِ، اكْتُفِيَ بِهِ مِنْ إِعَادَةِ ذِكْرِ الْقَسَمِ وَالْحَلِفِ‏.‏

“ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى “، يَقُولُ‏:‏ يُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَا نَطْلُبُ بِإِقْسَامِنَا بِاللَّهِ عِوَضًا فَنَكْذِبُ فِيهَا لِأَحَدٍ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي نُقْسِمُ بِهِ لَهُ ذَا قَرَابَةٍ مِنَّا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهَ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ‏}‏ “، فَهَذَا لِمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ فَإِنِ ارْتِيبَ فِي شَهَادَتِهِمَا، اسْتُحْلِفَا بَعْدَ الصَّلَاةِ بِاللَّهِ‏:‏ لَمْ نَشْتَرِ بِشَهَادَتِنَا ثَمَنًا قَلِيلًا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ “ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ “، مِنْ صَلَاةِ الْآخَرِينَ‏.‏ وَمَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ أَوْ آخَرَانِ مَنْ غَيْرِكُمْ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ، إِنِ ارْتَبْتُمْ بِهِمَا، فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى‏.‏

وَاخْتَلَفُوا فِي “ الصَّلَاةِ “ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ‏:‏ “ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ “‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا عَنِ الشَّعْبِيِّ‏:‏ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بِدَقُوقَا، فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَقَدِمَا الْكُوفَةَ، فَأَتَيَا الْأَشْعَرِيَّ فَأَخْبَرَاهُ، وَقَدِمَا بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ، فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ‏:‏ هَذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏!‏ قَالَ‏:‏ فَأَحْلَفَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ‏:‏ بِاللَّهِ مَا خَانَا وَلَا كَذَبَا وَلَا بَدَّلَا وَلَا كَتْمًا، وَلَا غَيَّرَا، وَإِنَّهَا لَوَصِيَّةُ الرَّجُلِ وَتَرِكَتُهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَأَمْضَى شَهَادَتَهُمَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، قَالَ‏:‏ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ بِأَرْضِ الشِّرْكِ، فَأَوْصَى إِلَى رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُمَا يَحْلِفَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، بِمِثْلِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ “ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ‏}‏ “ إِلَى “ ‏{‏فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ‏}‏ “، فَهَذَا رَجُلٌ مَاتَ بِغُرْبَةٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَتَرَكَ تَرِكَتَهُ، وَأَوْصَى بِوَصِيَّتِهِ، وَشَهِدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ رَجُلَانِ‏.‏ فَإِنِ ارْتِيبَ فِي شَهَادَتِهِمَا، اسْتُحْلِفَا بَعْدَ الْعَصْرِ‏.‏ وَكَانَ يُقَالُ‏:‏ عِنْدَهَا تَصِيرُ الْأَيْمَانُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ أَنَّهُمَا قَالَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ “ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ‏}‏ “، قَالَا إِذَا حَضَرَ الرَّجُلُ الْوَفَاةَ فِي سَفَرٍ، فَلْيُشْهِدْ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَرَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ‏.‏ فَإِذَا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ، فَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْوَرَثَةُ قُبِلَ قَوْلُهُمَا، وَإِنِ اتَّهَمُوهُمَا أُحْلِفًا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ‏:‏ بِاللَّهِ مَا كَذَبْنَا وَلَا كَتَمْنَا وَلَا خُنَّا وَلَا غَيَّرْنَا‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْقَطَّانِ قَالَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا قَالَ، حَدَّثَنَا عَامِرٌ‏:‏ أَنَّ رَجُلًا تُوُفِّيَ بِدَقُوقَا، فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ إِلَّا رَجُلَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ مَنْ أَهْلِهَا‏.‏ فَأَحْلَفَهُمَا أَبُو مُوسَى دُبُرَ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ‏:‏ بِاللَّهِ مَا كَتَمَا وَلَا غَيَّرَا، وَأَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ‏.‏ فَأَجَازَهَا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ يُسْتَحْلَفَانِ بَعْدَ صَلَاةِ أَهْلِ دِينِهِمَا وَمِلَّتِهِمَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ “ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ‏}‏ “ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ‏}‏ “، قَالَ‏:‏ هَذَا فِي الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ، يُوصِي وَيَشْهَدُ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا لَهُ وَعَلَيْهِ، قَالَ‏:‏ هَذَا فِي الْحَضَرِ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “ فِي السَّفَرِ “ ‏{‏إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ‏}‏ “، هَذَا، الرَّجُلُ يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ فِي سَفَرِهِ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَدْعُو رَجُلَيْنِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ، فَيُوصِي إِلَيْهِمَا، وَيَدْفَعُ إِلَيْهِمَا مِيرَاثَهُ‏.‏ فَيُقْبَلَانِ بِهِ‏.‏ فَإِنْ رَضِيَ أَهْلُ الْمَيِّتِ الْوَصِيَّةَ وَعَرَفُوا مَالَ صَاحِبِهِمْ، تَرَكُوا الرَّجُلَيْنِ‏.‏ وَإِنِ ارْتَابُوا، رَفَعُوهُمَا إِلَى السُّلْطَانِ‏.‏ فَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ “ ‏{‏تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ‏}‏ “‏.‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْعِلْجَيْنِ حِينَ انْتُهِيَ بِهِمَا إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي دَارِهِ، فَفَتَحَ الصَّحِيفَةَ، فَأَنْكَرَ أَهْلُ الْمَيِّتِ، وَخَوَّنُوهُمَا‏.‏ فَأَرَادَ أَبُو مُوسَى أَنْ يَسْتَحْلِفَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ “ إِنَّهُمَا لَا يُبَالِيَانِ صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَلَكِنِ اسْتَحْلِفْهُمَا بَعْدَ صَلَاتِهِمَا فِي دِينِهِمَا، فَيُوقَفُ الرَّجُلَانِ بَعْدَ صَلَاتِهِمَا فِي دِينِهِمَا، وَيَحْلِفَانِ بِاللَّهِ‏:‏ لَا نَشْتَرِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ، أَنَّ صَاحِبَهُمْ لَبِهَذَا أَوْصَى، وَأَنَّ هَذِهِ لِتَرِكَتِهِ‏.‏ فَيَقُولُ لَهُمَا الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَا‏:‏ إِنَّكُمَا إِنْ كُنْتُمَا كَتَمْتُمَا أَوْ خُنْتُمَا فَضَحْتُكُمَا فِي قَوْمِكُمَا، وَلَمْ تَجُزْ لَكُمَا شَهَادَةٌ، وَعَاقَبْتُكُمَا‏!‏ فَإِذَا قَالَ لَهُمَا ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ “ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ “‏.‏ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَرَّفَ “ الصَّلَاةَ “ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِإِدْخَالِ “ الْأَلِفِ وَاللَّامِ “ فِيهَا، وَلَا تُدْخِلُهُمَا الْعَرَبُ إِلَّا فِي مَعْرُوفٍ، إِمَّا فِي جِنْسٍ، أَوْ فِي وَاحِدٍ مَعْهُودٍ مَعْرُوفٍ عِنْدَ الْمُتَخَاطِبِينَ‏.‏ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَكَانَتِ “ الصَّلَاةُ “ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مُجْمَعًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِهَا جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهَا صَلَاةُ الْمُسْتَحْلَفِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، لِأَنَّ لَهُمْ صَلَوَاتٍ لَيْسَتُ وَاحِدَةً، فَيَكُونُ مَعْلُومٌ أَنَّهَا الْمَعْنِيَّةُ بِذَلِكَ‏.‏ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، صَحَّ أَنَّهَا صَلَاةٌ بِعَيْنِهَا مِنْ صَلَوَاتِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

صَحِيحًا عَنْهُ أَنَّهُ إِذْ لَاعَنَ بَيْنَ الْعَجْلَانِيَيْنِ، لَاعَنَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الصَّلَوَاتِ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الَّتِي عُنِيَتْ بِقَوْلِهِ‏:‏ “ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ “، هِيَ الصَّلَاةُ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَيَّرُهَا لِاسْتِحْلَافِ مَنْ أَرَادَ تَغْلِيظَ الْيَمِينِ عَلَيْهِ‏.‏ هَذَا مَعَ مَا عِنْدَ أَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ مِنْ تَعْظِيمِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَذَلِكَ لِقُرْبِهِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ‏.‏

وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا “، مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا‏}‏ “، قَالَ‏:‏ نَأْخُذُ بِهِ رَشْوَةً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏106‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ‏:‏ ‏{‏وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ‏}‏، بِإِضَافَةِ “ الشَّهَادَةِ “ إِلَى “ اللَّهِ “، وَخَفْضِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى يَعْنِي‏:‏ لَا نَكْتُمُ شَهَادَةً لِلَّهِ عِنْدَنَا‏.‏

وَذُكِرَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ كَاَلَّذِي‏:‏-

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عَامِرٍ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ‏:‏ ‏"‏وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةً آللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِين‏"‏ بِقَطْعِ “ الْأَلْفِ “، وَخَفْضِ اسْمِ اللَّهِ، هَكَذَا حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ وَكِيعٍ‏.‏

وَكَأَنَّ الشَّعْبِيَّ وَجَّهَ مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى‏:‏ أَنَّهُمَا يُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا، وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةً عِنْدَنَا‏.‏ ثُمَّ ابْتَدَأَ يَمِينًا بِاسْتِفْهَامٍ‏:‏ بِاللَّهِ أَنَّهُمَا إِنِ اشْتَرَيَا بِأَيْمَانِهِمَا ثَمَنًا أَوْ كَتَمَا شَهَادَتَهُ عِنْدَهُمَا، لَمِنَ الْآثِمِينَ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ رِوَايَةٌ تُخَالِفُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَذَلِكَ مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ التَّغْلِبِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ‏:‏ أَنَّهُ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ‏}‏ قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ‏:‏ يُنَوِّنُ “ شَهَادَةً “ وَيَخْفِضُ “ اللَّهِ “ عَلَى الِاتِّصَالِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَدْ رَوَاهَا بَعْضُهُمْ بِقَطْعِ “ الْأَلِفِ “ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَحِفْظِي أَنَا لِقِرَاءَةِ الشَّعْبِيِّ بِتَرْكِ الِاسْتِفْهَامِ‏.‏

وَقَرَأَهَا بَعْضُهُمْ‏:‏ ‏{‏وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ‏}‏، بِتَنْوِينِ “ الشَّهَادَةِ “، وَنَصْبِ اسْمِ “ اللَّهِ “ بِمَعْنَى‏:‏ وَلَا نَكْتُمُ اللَّهَ شَهَادَةً عِنْدَنَا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقِرَاءَاتِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ‏}‏، بِإِضَافَةِ “ الشَّهَادَةِ “ إِلَى اسْمِ “ اللَّهِ “، وَخَفْضِ اسْمِ “ اللَّهِ “ لِأَنَّهَا الْقِرَاءَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ فِي قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ الَّتِي لَا تَتَنَاكَرُ صِحَّتَهَا الْأُمَّةُ‏.‏

وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا‏.‏

حَدَّثَنِي بِذَلِكَ يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ زَيْدٍ، عَنْهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏107‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ‏)‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ “ فَإِنْ عُثِرَ “، فَإِنِ اطُّلِعَ مِنْهُمَا أَوْ ظَهَرَ‏.‏

وَأَصْلُ “ الْعَثْرِ “، الْوُقُوعُ عَلَى الشَّيْءِ وَالسُّقُوطُ عَلَيْهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ‏:‏ “ عَثَرَتْ إِصْبَعُ فُلَانٍ بِكَذَا “، إِذَا صَدَمَتْهُ وَأَصَابَتْهُ وَوَقَعَتْ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى مَيْمُونِ بْنِ قَيْسٍ‏:‏

بِذَاتِ لَوْثٍ عَفَرْنَاةٍ إِذَا عَثَرَتْ *** فَالتَّعْسُ أَدْنَى لَهَا مِنْ أَنْ أَقُولَ لَعَا

يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ “ عَثَرَتْ “، أَصَابَ مَنْسِمُ خُفِّهَا حَجَرًا أَوْ غَيْرَهُ‏.‏ ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ وَاقِعٍ عَلَى شَيْءٍ كَانَ عَنْهُ خَفِيًّا، كَقَوْلِهِمْ‏:‏

عَثَرَتْ عَلَى الْغَزْلِ بِأَخَرَةٍ *** فَلَمْ تَدَعْ بِنَجْدٍ قَرَدَةَ

بِمَعْنَى‏:‏ وَقَعَتْ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ “ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا “، فَإِنَّهُ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَإِنَّ اطَّلَعَ مِنَ الْوَصِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَ اللَّهَ أَمْرَهُمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدَ حَلِفِهِمَا بِاللَّهِ‏:‏ ‏{‏لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ‏}‏، ‏{‏عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَوْجَبَا بِأَيْمَانِهِمَا الَّتِي حَلَفَا بِهَا إِثْمًا، وَذَلِكَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا كَاذِبَيْنِ فِي أَيْمَانِهِمَا بِاللَّهِ مَا خُنَّا وَلَا بَدَّلْنَا وَلَا غَيَّرْنَا‏.‏ فَإِنَّ وُجِدَا قَدْ خَانَا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ شَيْئًا، أَوْ غَيَّرَا وَصِيَّتَهُ، أَوْ بَدَّلَا فَأَثِمَا بِذَلِكَ مَنْ حَلِفِهِمَا بِرَبِّهِمَا “ ‏{‏فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا‏}‏ “، يَقُولُ، يَقُومُ حِينَئِذٍ مَقَامَهُمَا مِنْ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ، الْأَوْلَيَانِ الْمُوصَى إِلَيْهِمَا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، قَالَ‏:‏ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ بِأَرْضِ الشِّرْكِ، فَأَوْصَى إِلَى رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُمَا يَحْلِفَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ‏.‏ فَإِذَا اطُّلِعَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ حَلِفِهِمَا أَنَّهُمَا خَانَا شَيْئًا، حَلَفَ أَوْلِيَاءُ الْمَيِّتِ أَنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ اسْتَحَقُّوا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، بِمِثْلِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ “ ‏{‏تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ‏}‏ “، فَإِنِ ارْتِيبَ فِي شَهَادَتِهِمَا اسْتَحْلَفَا بَعْدَ الصَّلَاةِ بِاللَّهِ‏:‏ مَا اشْتَرَيْنَا بِشَهَادَتِنَا ثَمَنًا قَلِيلًا‏.‏ فَإِنِ اطَّلَعَ الْأَوْلِيَاءُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَيْنِ كَذَبَا فِي شَهَادَتِهِمَا، قَامَ رَجُلَانِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ فَحَلَفَا بِاللَّهِ‏:‏ “ إِنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرَيْنِ بَاطِلَةٌ، وَإِنَّا لَمْ نَعْتَدْ “‏.‏ فَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ “ ‏{‏فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا‏}‏ “، يَقُولُ‏:‏ إِنِ اطُّلِعَ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَيْنِ كَذَبَا “ فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا “، يَقُولُ‏:‏ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ، فَحَلَفَا بِاللَّهِ‏:‏ “ إِنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرَيْنِ بَاطِلَةٌ، وَإِنَّا لَمْ نَعْتَدْ “، فَتَرُدُّ شَهَادَةُ الْكَافِرَيْنِ، وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَوْلِيَاءِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ “ ‏{‏فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا‏}‏ “، أَيْ‏:‏ اطُّلِعَ مِنْهُمَا عَلَى خِيَانَةٍ أَنَّهُمَا كَذَبَا أَوْ كَتَمَا‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِالْأَيْمَانِ فَنَقَلَهَا إِلَى الْآخَرِيْنِ، بَعْدَ أَنْ عُثِرَ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ إِنَّمَا أُلْزِمُهُمَا الْيَمِينَ، إِذَا ارْتِيبَ فِي شَهَادَتِهِمَا عَلَى الْمَيِّتِ فِي وَصِيَّتِهِ أَنَّهُ أَوْصَى بِغَيْرِ الَّذِي يَجُوزُ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ، أَوْ أَوْصَى أَنْ يُفَضِّلَ بَعْضَ وَلَدِهِ بِبَعْضِ مَالِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ “ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ‏}‏ “ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ‏}‏ “، مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ “ ‏{‏إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ‏}‏ “ إِلَى‏:‏ “ ‏{‏فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ‏}‏ “، يَقُولُ‏:‏ فَيَحْلِفَانِ بِاللَّهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ حَلَفَا عَلَى شَيْءٍ يُخَالِفُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مِنَ الْفَرِيضَةِ، يَعْنِي اللَّذَيْنِ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ “ ‏{‏فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا‏}‏ “، مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ، فَيَحْلِفَانِ بِاللَّهِ‏:‏ “ مَا كَانَ صَاحِبُنَا لِيُوصِيَ بِهَذَا “، أَوْ‏:‏ “ إِنَّهُمَا لَكَاذِبَانِ، وَلَشَهَادَتُِنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا “‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ يُوقَفُ الرَّجُلَانِ بَعْدَ صَلَاتِهِمَا فِي دِينِهِمَا، يَحْلِفَانِ بِاللَّهِ‏:‏ ‏{‏لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ‏}‏ “، إِنَّ صَاحِبَكُمْ لَبِهَذَا أَوْصَى، وَإِنَّ هَذِهِ لَتَرِكَتُهُ‏:‏ فَإِذَا شَهِدَا، وَأَجَازَ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُمَا عَلَى مَا شَهِدَا، قَالَ لِأَوْلِيَاءِ الرَّجُلِ‏:‏ اذْهَبُوا فَاضْرِبُوا فِي الْأَرْضِ وَاسْأَلُوا عَنْهُمَا، فَإِنْ أَنْتُمْ وَجَدْتُمْ عَلَيْهِمَا خِيَانَةً، أَوْ أَحَدًا يَطْعُنُ عَلَيْهِمَا، رَدَدْنَا شَهَادَتَهُمَا‏.‏ فَيَنْطَلِقُ الْأَوْلِيَاءُ فَيَسْأَلُونَ، فَإِنْ وَجَدُوا أَحَدًا يَطْعُنُ عَلَيْهِمَا، أَوْ هُمَا غَيْرُ مَرْضِيَّيْنِ عِنْدَهُمْ، أَوْ اطُّلِعَ عَلَى أَنَّهُمَا خَانَا شَيْئًا مِنَ الْمَالِ وَجَدُوهُ عِنْدَهُمَا، أَقْبَلَ الْأَوْلِيَاءُ فَشَهِدُوا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَحَلَفُوا بِاللَّهِ‏:‏ “ لَشَهَادَتُنَا أَنَّهُمَا لَخَائِنَانِ مُتَّهَمَانِ فِي دِينِهِمَا مَطْعُونٌ عَلَيْهَا، أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا بِمَا شَهِدَا، وَمَا اعْتَدَيْنَا “‏.‏ فَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ “ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ “‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ إِنَّمَا أُلْزِمَ الشَّاهِدَانِ الْيَمِينَ، لِأَنَّهُمَا ادَّعَيَا أَنَّهُ أَوْصَى لَهُمَا بِبَعْضِ الْمَالِ‏.‏ وَإِنَّمَا يُنْقَلُ إِلَى الْآخَرِينَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، إِذَا ارْتَابُوا بِدَعْوَاهُمَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا عِِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْقَزَّازُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ“، قَالَ‏:‏ زَعَمَا أَنَّهُ أَوْصَى لَهُمَا بِكَذَا وَكَذَا “ ‏{‏فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا‏}‏ “‏.‏ أَيْ بِدَعْوَاهُمَا لِأَنْفُسِهِمَا “ ‏{‏فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ‏}‏ “، أَنَّ صَاحِبَنَا لَمْ يُوصِ إِلَيْكُمَا بِشَيْءٍ مِمَّا تَقُولَانِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ أُلْزِمَا الْيَمِينَ فِي ذَلِكَ بِاتِّهَامِ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ إِيَّاهُمَا فِيمَا دَفَعَ إِلَيْهِمَا الْمَيِّتُ مِنْ مَالِهِ، وَدَعْوَاهُمْ قَبْلَهُمَا خِيَانَةَ مَالٍ مَعْلُومِ الْمَبْلَغِ، وَنُقِلَتْ بَعْدُ إِلَى الْوَرَثَةِ عِنْدَ ظُهُورِ الرِّيبَةِ الَّتِي كَانَتْ مِنَ الْوَرَثَةِ فِيهِمَا، وَصِحَّةِ التُّهْمَةِ عَلَيْهِمَا بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَيَحْلِفُ الْوَارِثُ حِينَئِذٍ مَعَ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ عَلَيْهِمَا، أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا، إِنَّمَا صَحَّحَ دَعْوَاهُ إِذَا حُقِّقَ حَقُّهُ أَوْ‏:‏ الْإِقْرَارُ يَكُونُ مِنَ الشُّهُودِ بِبَعْضِ مَا ادَّعَى عَلَيْهِمَا الْوَارِثُ أَوْ بِجَمِيعِهِ، ثُمَّ دَعْوَاهُمَا فِي الَّذِي أَقَرَّا بِهِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ مَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ دَعَوَاهُمَا إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، ثُمَّ لَا يَكُونُ لَهُمَا عَلَى دَعْوَاهُمَا تِلْكَ بَيِّنَةٌ، فَيُنْقَلُ حِينَئِذٍ الْيَمِينُ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ، لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ حُكْمًا يَجِبُ فِيهِ الْيَمِينُ عَلَى الشُّهُودِ، ارْتِيبَ بِشَهَادَتِهِمَا أَوْ لَمْ يُرْتَبْ بِهَا، فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ نَظِيرًا لِذَلِكَ وَلَا-إِذَا لَمْ نَجِدْ ذَلِكَ كَذَلِكَ- صَحَّ بِخَبَرٍ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْأُمَّةِ‏.‏ لِأَنَّ اسْتِحْلَافَ الشُّهُودِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، فَيَكُونُ أَصْلًا مُسَلَّمًا‏.‏ وَالْقَوْلُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا أَوْ نَظِيرًا لِأَصْلٍ فِيمَا تَنَازَعَتْ فِيهِ الْأُمَّةُ، كَانَ وَاضِحًا فَسَادُهُ‏.‏

وَإِذَا فَسَدَ هَذَا الْقَوْلُ بِمَا ذَكَرْنَا، فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ اسْتُحْلِفَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا ادَّعَيَا عَلَى الْمَيِّتِ وَصِيَّةً لَهُمَا بِمَالٍ مِنْ مَالِهِ، أَفْسَدُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ لَا خِلَافَ بَيْنِهِمْ فِي أَنَّ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّمُدَّعِيًا لَوْ ادَّعَى فِي مَالِ مَيِّتٍ وَصِيَّةً، أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ وَرَثَةِ الْمُدَّعِي فِي مَالِهِ الْوَصِيَّةَ مَعَ أَيْمَانِهِمْ، دُونَ قَوْلِ مُدَّعِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ‏.‏ وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْيَمِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الشُّهُودِ إِذَا ارْتِيبَ بِهِمَا، وَإِنَّمَا نُقِلَ الْأَيْمَانُ عَنْهُمْ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ، إِذَا عُثِرَ عَلَى أَنَّ الشُّهُودَ اسْتَحَقُّوا إِثْمًا فِي أَيْمَانِهِمْ‏.‏ فَمَعْلُومٌ بِذَلِكَ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ قَالَ‏:‏ “ أُلْزِمَ الْيَمِينَ الشُّهُودُ، لِدَعْوَاهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَصِيَّةً أَوْصَى بِهَا لَهُمُ الْمَيِّتُ مِنْ مَالِهِ “‏.‏

عَلَى أَنَّ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ هُوَ التَّأْوِيلُ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِهِ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، بَيْنَ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ وَبِسَبَبِهِمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ «خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِمٌ‏.‏ فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ، فَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ، فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ ثُمَّ وُجِدَ الْجَامُ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا‏:‏ اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ‏!‏ فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ فَحَلَفَا‏:‏ “ ‏{‏لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا‏}‏ “، وَأَنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ‏:‏ “ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ‏}‏ “»‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ بَاذَّانِ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ ابْنَةِ أَبِي طَالِبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «عَنْ تَمِيمٍ الدَّرِايِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ “ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ‏}‏ “، قَالَ‏:‏ بَرِئَ النَّاسُ مِنْهَا غَيْرِي وَغَيْرَ عَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ وَكَانَا نَصْرَانِيَّيْنِ يَخْتَلِفَانِ إِلَى الشَّأْمِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ‏.‏ فَأَتَيَا الشَّأْمَ لِتِجَارَتِهِمَا، وَقَدِمَ عَلَيْهِمَا مَوْلًى لِبَنِي سَهْمٍ يُقَالُ لَهُ بُرَيْلُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ بِتِجَارَةٍ، وَمَعَهُ جَامُ فِضَّةٍ يُرِيدُ بِهِ الْمَلِكَ، وَهُوَ عُظْمُ تِجَارَتِهِ، فَمَرِضَ، فَأَوْصَى إِلَيْهِمَا، وَأَمَرَهُمَا أَنْ يُبَلِّغَا مَا تَرَكَ أَهْلَهُ‏.‏ قَالَ تَمِيمٌ‏:‏ فَلَمَّا مَاتَ أَخَذْنَا ذَلِكَ الْجَامَ فَبِعْنَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَسَّمْنَاهُ أَنَا وَعَدِيُّ بْنُ بَدَّاءٍ، ‏[‏فَلَمَّا قَدِمَنَا إِلَى أَهْلِهِ، دَفَعَنَا إِلَيْهِمْ مَا كَانَ مَعَنَا، وَفَقَدُوا الْجَامَ، فَسَأَلُوا عَنْهُ‏]‏، فَقُلْنَا‏:‏ مَا تَرَكَ غَيْرَ هَذَا، وَمَا دَفَعَ إِلَيْنَا غَيْرَهُ‏:‏ قَالَ تَمِيمٌ‏:‏ فَلَمَّا أَسْلَمْتُ بَعْدَ قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، تَأَثَّمْتُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَتَيْتُ أَهْلَهُ فَأَخْبَرْتُهُمُ الْخَبَرَ، وَأَدَّيْتُ إِلَيْهِمْ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَأَخْبَرْتُهُمْ أَنَّ عِنْدَ صَاحِبِي مِثْلَهَا‏!‏ فَوَثَبُوا إِلَيْهِ، فَأَتَوْا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ فَسَأَلَهُمُ الْبَيِّنَةَ، فَلَمْ يَجِدُوا‏.‏ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَحْلِفُوهُ بِمَا يُعَظَّمُ بِهِ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ، فَحَلَفَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ “ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ‏}‏ “ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ‏}‏ “، فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْهُمْ فَحَلَفَا، فَنُزِعَتْ الْخَمْسُمِائَةٍ مِنْ عَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ‏.‏»

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ وَابْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِ قَالَ، وَثَنَا الْحَجَّاجُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ‏:‏ “ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ‏}‏ “ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ «كَانَ عَدِيٌّ وَتَمِيمُ الدَّارِيُّ، وَهُمَا مِنْ لَخْمٍ، نَصْرَانِيَّانِ، يَتَّجِرَانِ إِلَى مَكَّةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ‏.‏ فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوَّلَا مَتْجَرَهُمَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَدِمَ ابْنُ أَبِي مَارِيَةَ، مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْمَدِينَةَ، وَهُوَ يُرِيدُ الشَّأْمَ تَاجِرًا، فَخَرَجُوا جَمِيعًا، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، مَرِضَ ابْنُ أَبِي مَارِيَةَ، فَكَتَبَ وَصِيَّتَهُ بِيَدِهِ ثَمَّ دَسَّهَا فِي مَتَاعِهِ، ثُمَّ أَوْصَى إِلَيْهِمَا‏.‏ فَلَمَّا مَاتَ فَتَحَا مَتَاعَهُ، فَأَخَذَا مَا أَرَادَا، ثُمَّ قَدِمَا عَلَى أَهْلِهِ فَدَفَعَا مَا أَرَادَا، فَفَتَحَ أَهْلُهُ مَتَاعَهُ، فَوَجَدُوا كِتَابَهُ وَعَهْدَهُ وَمَا خَرَجَ بِهِ، وَفَقَدُوا شَيْئًا، فَسَأَلُوهُمَا عَنْهُ، فَقَالُوا‏:‏ هَذَا الَّذِي قَبَضْنَا لَهُ وَدَفَعَ إِلَيْنَا‏.‏ قَالَ لَهُمَا أَهْلُهُ‏:‏ فَبَاعَ شَيْئًا أَوْ ابْتَاعَهُ‏؟‏ قَالَا لَا‏!‏ قَالُوا‏:‏ فَهَلْ اسْتَهْلَكَ مِنْ مَتَاعِهِ شَيْئًا‏؟‏ قَالَا لَا‏!‏ قَالُوا‏:‏ فَهَلْ تَجَرَ تِجَارَةً‏؟‏ قَالَا لَا‏!‏ قَالُوا‏:‏ فَإِنَّا قَدْ فَقَدْنَا بَعْضَهُ‏!‏ فَاتُّهِمَا، فَرَفَعُوهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ “ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ‏}‏ “ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ‏}‏ “‏.‏ قَالَ‏:‏ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَحْلِفُوهُمَا فِي دُبُرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ‏:‏ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، مَا قَبَضْنَا لَهُ غَيْرَ هَذَا، وَلَا كَتَمْنَا “‏.‏ قَالَ‏:‏ فَمَكَثَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَا، ثُمَّ ظُهِرَ مَعَهُمَا عَلَى إِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ مَنْقُوشٍ مُمَوَّهٍ بِذَهَبٍ، فَقَالَ، أَهْلُهُ‏:‏ هَذَا مِنْ مَتَاعِهِ‏؟‏ قَالَا نَعَمْ، وَلَكِنَّا اشْتَرَيْنَا مِنْهُ، وَنَسِينَا أَنْ نَذْكُرُهُ حِينَ حَلَفْنَا، فَكَرِهْنَا أَنْ نُكَذِّبَ أَنْفُسَنَا‏!‏ فَتَرَافَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الْأُخْرَى‏:‏ “ ‏{‏فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ‏}‏ “، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ أَنْ يَحْلِفَا عَلَى مَا كَتَمَا وَغَيَّبَا وَيَسْتَحِقَّانِهِ‏.‏ ثُمَّ إِنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ أَسْلَمَ وَبَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يَقُولُ‏:‏ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ‏:‏ أَنَا أَخَذْتُ الْإِنَاء»‏!‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ‏}‏ “، الْآيَةَ كُلَّهَا‏.‏ قَالَ‏:‏ هَذَا شَيْءٌ ‏[‏كَانَ‏]‏ حِينَ لَمْ يَكُنِ الْإِسْلَامُ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتِ الْأَرْضُ كُلُّهَا كُفْرًا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ “ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ‏}‏ “، مِنَ الْمُسْلِمِينَ “ ‏{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ “ ‏{‏إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ‏}‏ “، قَالَ‏:‏ كَانَ الرَّجُلُ يَخْرُجُ مُسَافِرًا، وَالْعَرَبُ أَهْلُ كَفْرٍ، فَعَسَى أَنْ يَمُوتَ فِي سَفَرِهِ، فَيُسْنِدُ وَصِيَّتَهُ إِلَى رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ “ ‏{‏فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ‏}‏ “، فِي أَمْرِهِمَا‏.‏ إِذَا قَالَ الْوَرَثَةُ‏:‏ كَانَ مَعَ صَاحِبِنَا كَذَا وَكَذَا، فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ‏:‏ مَا كَانَ مَعَهُ إِلَّا هَذَا الَّذِي قُلْنَا “ ‏{‏فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا‏}‏ “، أَنَمَا حَلَفَا عَلَى بَاطِلٍ وَكَذِبٍ “ ‏{‏فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ‏}‏ “ بِالْمَيِّتِ “ ‏{‏فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ‏}‏ “، ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ مَعَ صَاحِبِنَا كَذَا وَكَذَا، قَالَ هَؤُلَاءِ‏:‏ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ‏!‏ قَالَ‏:‏ ثُمَّ عُثِرَ عَلَى بَعْضِ الْمَتَاعِ عِنْدَهُمَا، فَلَمَّا عُثِرَ عَلَى ذَلِكَ رُدَّتِ الْقَسَامَةُ عَلَى وَارِثِهِ، فَأَقْسَمَا، ثُمَّ ضَمِنَ هَذَانَ‏.‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ “ ‏{‏ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ‏}‏ “، فَتُبْطَلُ أَيْمَانُهُمْ “ ‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ‏}‏ “، الْكَاذِبِينَ، الَّذِينَ يَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ قَدِمَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ وَصَاحِبٌ لَهُ، وَكَانَا يَوْمَئِذٍ مُشْرِكَيْنِ، وَلَمْ يَكُونَا أَسْلَمَا، فَأَخْبَرَا أَنَّهُمَا أَوْصَى إِلَيْهِمَا رَجُلٌ، وَجَاءَا بِتَرِكَتِهِ‏.‏ فَقَالَ أَوْلِيَاءُ الْمَيِّتِ‏:‏ كَانَ مَعَ صَاحِبِنَا كَذَا وَكَذَا، وَكَانَ مَعَهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ‏!‏ وَقَالَ الْآخَرَانِ‏:‏ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا الَّذِي جِئْنَا بِهِ‏!‏ فَحَلَفَا خَلْفَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ عُثِرَ عَلَيْهِمَا بَعْدُ وَالْإِبْرِيقُ مَعَهُمَا‏.‏ فَلَمَّا عُثِرَ عَلَيْهِمَا، رُدَّتِ الْقَسَامَةُ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ بِاَلَّذِي قَالُوا مَعَ صَاحِبِهِمْ، ثُمَّ ضَمِنَهُمَا الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ الْأَوْلَيَانِ‏.‏

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُعَاذُ بْنُ مُوسَى الْجَعْفَرِيُّ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ بُكَيْرٌ، قَالَ مُقَاتِلٌ‏:‏ أَخَذْتُ هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحُسْنِ وَالضَّحَّاكِ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ “ ‏{‏اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ‏}‏ “، أَنَّ رَجُلَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ مِنْ أَهْلِ دَارَيْنِ، أَحَدُهُمَا تَمِيمِيٌّ، وَالْآخِرُ يَمَانِيٌّ، صَاحَبَهُمَا مَوْلًى لِقُرَيْشٍ فِي تِجَارَةٍ، فَرَكِبُوا الْبَحْرَ، وَمَعَ الْقُرَشِيِّ مَالٌ مَعْلُومٌ قَدْ عَلِمَهُ أَوْلِيَاؤُهُ، مِنْ بَيْنِ آنِيَةٍ وَبَزٍّ وَرِقَةٍ‏.‏ فَمَرِضَ الْقُرَشِيُّ، فَجَعْلَ وَصِيَّتَهُ إِلَى الدَّارِيَّيْنِ، فَمَاتَ، وَقَبَضَ الدَّارِيَّانِ الْمَالَ وَالْوَصِيَّةَ، فَدَفَعَاهُ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ، وَجَاءَا بِبَعْضِ مَالِهِ، وَأَنْكَرَ الْقَوْمُ قِلَّةَ الْمَالِ، فَقَالُوا لِلْدَارِيَّيْنِ‏:‏ إِنَّ صَاحِبَنَا قَدْ خَرَجَ مَعَهُ بِمَالٍ أَكْثَرَ مِمَّا أَتَيْتُمُونَا بِهِ، فَهَلْ بَاعَ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا، فَوُضِعَ فِيهِ، وَهَلْ طَالَ مَرَضُهُ فَأَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ‏؟‏ قَالَا لَا‏!‏ قَالُوا‏:‏ فَإِنَّكُمَا خُنْتُمَانَا‏!‏ فَقَبَضُوا الْمَالَ، وَرَفَعُوا أَمْرَهُمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ “ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ‏}‏ “ إِلَى آخَرِ الْآيَةِ‏.‏ فَلَمَّا نَزَلَ‏:‏ أَنْ يُحْبَسَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ، أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَحَلَفَا بِاللَّهِ رَبِّ السَّمَوَاتِ‏:‏ “ مَا تَرَكَ مَوْلَاكُمْ مِنَ الْمَالِ إِلَّا مَا أَتَيْنَاكُمْ بِهِ، وَإِنَّا لَا نَشْتَرِي بِأَيْمَانِنَا ثَمَنًا قَلِيلًا مِنَ الدُّنْيَا، وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى، وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ “‏.‏ فَلَمَّا حَلَفَا خَلَّى سَبِيلَهُمَا‏.‏ ثُمَّ إِنَّهُمْ وَجَدُوا بَعْدَ ذَلِكَ إِنَاءً مِنْ آنِيَةِ الْمَيِّتِ، فَأُخِذَ الدَّارِيَّانِ، فَقَالَا اشْتَرَيْنَاهُ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ‏!‏ وَكَذَبَا، فَكُلِّفَا الْبَيِّنَةَ، فَلَمْ يَقْدِرَا عَلَيْهَا‏.‏ فَرَفَعُوا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ “ فَإِنْ عُثِرَ “، يَقُولُ‏:‏ فَإِنِ اطُّلِعَ “ ‏{‏عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا‏}‏ “، يَعْنِي الدَّارِيَّيْنِ، إِنْ كَتَمَا حَقًّا “ فَآخَرَانِ “، مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ “ ‏{‏يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ‏}‏ “، ‏{‏فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ‏}‏‏:‏ “ إِنَّ مَالَ صَاحِبِنَا كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَإِنَّ الَّذِي يُطْلَبُ قِبَلَ الدَّارِيَيْنِ لَحَقٌّ، ‏{‏وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ‏}‏ “، هَذَا قَوْلُ الشَّاهِدَيْنِ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ “ ‏{‏ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا‏}‏ “، يَعْنِي‏:‏ الدَّارِيَّيْنِ وَالنَّاسَ، أَنْ يَعُودُوا لِمِثْلِ ذَلِكَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي رَوَيْنَا، دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى صِحَّةٍ مَا قُلْنَا، مِنْ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِالْيَمِينِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْلِ دَعْوَى وَرَثَتِهِ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِمَا الْوَصِيَّةَ، خِيَانَةً فِيمَا دَفَعَ الْمَيِّتُ مِنْ مَالِهِ إِلَيْهِمَا، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَبْرَأُ فِيهِ الْمُدَّعَى ذَلِكَ قِبَلَهُ إِلَّا بِيَمِينٍ وَأَنَّ نَقْلَ الْيَمِينِ إِلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ بِمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، بَعْدَ أَنْ عَثَرَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ ‏[‏أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا‏]‏، فِي أَيْمَانِهِمَا، ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى كَذِبِهِمَا فِيهَا، إِنِ الْقَوْمَ ادَّعَوْا فِيمَا صَحَّ أَنَّهُ كَانَ لِلْمَيِّتِ دَعْوًى مِنَ انْتِقَالِ مِلْكٍ عَنْهُ إِلَيْهِمَا بِبَعْضِ مَا تَزُولُ بِهِ الْأَمْلَاكُ، مِمَّا يَكُونُ الْيَمِينُ فِيهَا عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ دُونَ الْمُدَّعَى، وَتَكُونُ الْبَيِّنَةُ فِيهَا عَلَى الْمُدَّعِي وَفَسَادِ مَا خَالَفَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا قُلْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ‏.‏

وَفِيهَا أَيْضًا، الْبَيَانُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى “ الشَّهَادَةِ “ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ إِنَّمَا هِيَ الْيَمِينُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ النُّورِ‏:‏ 6‏]‏‏.‏ فَالشَّهَادَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، مَعْنَاهَا الْقَسَمُ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ “ أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ “، وَكَذَلِكَمَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ “ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ “إِنَّمَا هُوَ‏:‏ قَسَمٌ بَيْنَكُمْ “ ‏{‏إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ‏}‏ “، أَنْ يُقْسِمَ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ، إِنْ كَانَا اتُّمِنَا عَلَى مَالٍ فَارْتِيبَ بِهِمَا، أَوْ اتُّمِنَ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ فَاتُّهِمَا‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ، لَمَّا ذَكَرَ نَقْلَ الْيَمِينِ مِنَ اللَّذَيْنِ ظُهِرَ عَلَى خِيَانَتِهِمَا إِلَى الْآخَرَيْنِ، قَالَ‏:‏ “ ‏{‏فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا‏}‏ “‏.‏ وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَوْلِيَاءَ الْمَيِّتِ الْمُدَّعِينَ قِبَلَ اللَّذَيْنِ ظُهِرَ عَلَى خِيَانَتِهِمَا، غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَا شُهَدَاءُ، بِمَعْنَى الشَّهَادَةِ الَّتِي يُؤْخَذُ بِهَا فِي الْحُكْمِ حَقُّ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِمُدَّعٍ‏.‏ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ لِلَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ حُكْمٌ قَضَى فِيهِ لِأَحَدٍ بِدَعْوَاهُ وَيَمِينِهِ عَلَى مُدَّعًى عَلَيْهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا إِقْرَارٍ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا بُرْهَانٍ‏.‏ فَإِذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ “ ‏{‏لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا‏}‏ “، إِنَّمَا مَعْنَاهُ‏:‏ قَسَمُنَا أَحَقُّ مِنْ قَسَمِهِمَا وَكَانَ قَسَمُ اللَّذَيْنِ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا أَثِمَا، هُوَ الشَّهَادَةُ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا‏}‏ “ صَحَّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ “ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ “، بِمَعْنَى‏:‏ “ الشَّهَادَةِ “ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا‏}‏ “، وَأَنَّهَا بِمَعْنَى الْقَسَمِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ‏}‏ “‏.‏

فَقَرَأَ ذَلِكَ قَرَأَةُ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّأْمِ‏:‏ مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ، بِضَمِّ “ التَّاءِ “‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُمْ قَرَءُوا ذَلِكَ‏:‏ مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ، بِفَتْحِ “ التَّاءِ “‏.‏

وَاخْتَلَفَتْ أَيْضًا فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ “ الْأَوْلَيَانِ “‏.‏

فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالشَّأْمِ وَالْبَصْرَةِ‏:‏ ‏(‏الْأَوْلَيَانِ‏)‏‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ‏:‏ ‏(‏الْأَوَّلِينَ‏)‏‏.‏

وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ‏:‏ ‏"‏ مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوَّلَانِ ‏"‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ‏}‏ “، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِضَمِّ “ التَّاءِ “، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقَرَأَةِ عَلَيْهِ، مَعَ مُشَايَعَةِ عَامَّةِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى صِحَّةِ تَأْوِيلِهِ، وَذَلِكَ إِجْمَاعُ عَامَّتِهِمْ عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَهُ‏:‏ فَآخَرَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ، الَّذِينَ اسْتَحَقَّ الْمُؤْتَمَنَانِ عَلَى مَالِ الْمَيِّتِ الْإِثْمَ فِيهِمْ، يَقُومَانِ مَقَامَ الْمُسْتَحِقَّيْ الْإِثْمِ فِيهِمَا، بِخِيَانَتِهِمَا مَا خَانَا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا قَائِلِي ذَلِكَ، أَوْ أَكْثَرَ قَائِلِيهِ، فِيمَا مَضَى قَبْلُ، وَنَحْنُ ذَاكِرُو بَاقِيهِمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ “ ‏{‏شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ‏}‏ “، أَنْ يَمُوتَ الْمُؤْمِنُ فَيَحْضُرُ مَوْتَهُ مُسْلِمَانِ أَوْ كَافِرَانِ، لَا يَحْضُرُهُ غَيْرُ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ‏.‏ فَإِنْ رَضِيَ وَرَثَتُهُ مَا عَاجَلَ عَلَيْهِ مِنْ تَرِكَتِهِ فَذَاكَ، وَحَلَفَ الشَّاهِدَانِ إِنِ اتُّهِمَا‏:‏ إِنَّهُمَا لَصَادِقَانِ “ ‏{‏فَإِنْ عُثِرَ‏}‏ “ وُجِدَ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏، حَلَفَ الِاثْنَانِ الْأَوْلَيَانِ مِنَ الْوَرَثَةِ، فَاسْتَحَقَّا وَأَبْطَلَا أَيْمَانَ الشَّاهِدَيْنِ‏.‏

وَأَحْسَبُ أَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِفَتْحِ “ التَّاءِ “، أَرَادُوا أَنْ يُوَجِّهُوا تَأْوِيلَهُ إِلَى‏:‏ “ ‏{‏فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا‏}‏ “، مَقَامَ الْمُؤْتَمَنَيْنِ اللَّذَيْنِ عُثِرَ عَلَى خِيَانَتِهِمَا فِي الْقَسَمِ، وَ“ الِاسْتِحْقَاقِ بِهِ عَلَيْهِمَا “، دَعَوَاهُمَا قِبَلَهُمَا مِنَ “ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ “ عَلَى الْمُؤْتَمَنَيْنِ عَلَى الْمَالِ عَلَى خِيَانَتِهِمَا الْقِيَامَ مَقَامَهُمَا فِي الْقَسَمِ وَالِاسْتِحْقَاقِ، الْأَوْلَيَانِ بِالْمَيِّتِ‏.‏ وَكَذَلِكَ كَانَتْ قِرَاءَةُ مَنْ رُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنْهُ، فَقَرَأَ ذَلِكَ‏:‏ ‏"‏مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَق‏"‏ بِفَتْحِ “ التَّاءِ “ وَ“ الْأَوْلَيَانِ “، عَلَى مَعْنَى‏:‏ الْأَوْلَيَانِ بِالْمَيِّتِ وَمَالِهِ‏.‏ وَذَلِكَ مَذْهَبٌ صَحِيحٌ، وَقِرَاءَةٌ غَيْرُ مَدْفُوعَةٍ صِحَّتُهَا، غَيْرُ أَنَّا نَخْتَارُ الْأُخْرَى، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مَنَّ الْقَرَأَةِ عَلَيْهَا، مَعَ مُوَافَقَتِهَا التَّأْوِيلَ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكُرِيْبٌ، عَنْ عَلِيٍّ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ‏:‏ ‏"‏ مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ وَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ‏:‏ ‏"‏ مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ ‏"‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَمَّا أَوْلَى الْقِرَاءَاتِ بِالصَّوَابِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ الْأَوْلَيَانِ “ عِنْدِي، فَقِرَاءَةُ مِنْ قَرَأَ‏:‏ ‏(‏الْأَوْلَيَانِ‏)‏ لِصِحَّةِ مَعْنَاهَا‏.‏ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى‏:‏ “ ‏{‏فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ‏}‏ “‏:‏ فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِي اسْتُحِقَّ‏]‏ فِيهِمُ الْإِثْمُ، ثُمَّ حُذِفَ “ الْإِثْمُ “، وَأُقِيمَ مَقَامَهُ “ الْأَوْلَيَانِ “، لِأَنَّهُمَا هُمَا اللَّذَانِ ظَلَمَا وَأَثِمَا فِيهِمَا، بِمَا كَانَ مِنْ خِيَانَةِ اللَّذَيْنِ اسْتَحَقَّا الْإِثْمَ، وَعُثِرَ عَلَيْهِمَا بِالْخِيَانَةِ مِنْهُمَا فِيمَا كَانَ اتَّمَنَهُمَا عَلَيْهِ الْمَيِّتُ، كَمَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ فِعْلِ الْعَرَبِ مِثْلَ ذَلِكَ، مِنْ حَذْفِهِمُ الْفِعْلَ اجْتِزَاءً بِالِاسْمِ، وَحَذْفِهِمُ الِاسْمَ اجْتِزَاءً بِالْفِعْلِ‏.‏ وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ “ ‏{‏شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ‏}‏ “، وَمَعْنَاهُ‏:‏ أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ، وَكَمَا قَالَ‏:‏ “ ‏{‏فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا‏}‏ “، فَقَالَ‏:‏ “ بِهِ “، فَعَادَ بِالْهَاءِ عَلَى اسْمِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى‏:‏ لَا نَشْتَرِي بِقَسَمِنَا بِاللَّهِ، فَاجْتُزِئَ بِالْعَوْدِ عَلَى اسْمِ اللَّهِ بِالذِّكْرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ‏:‏ “ لَا نَشْتَرِي بِالْقَسَمِ بِاللَّهِ “، اسْتِغْنَاءً بِفَهْمِ السَّامِعِ بِمَعْنَاهُ عَنْ ذِكْرِ اسْمِ الْقَسَمِ‏.‏ وَكَذَلِكَ اجْتُزِئَ، بِذِكْرِ “ الْأَوْلَيَيْنِ “ مِنْ ذِكْرِ “ الْإِثْمِ “ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ الْخَائِنَانِ لِخِيَانَتِهِمَا إِيَّاهُمَا، إِذْ كَانَ قَدْ جَرَى ذِكْرُ ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى السَّامِعَ عِنْدَ سَمَاعِهِ إِيَّاهُ عَنْ إِعَادَتِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ “ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا “‏.‏

وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ ‏(‏الْأَوَّلِينَ‏)‏، فَإِنَّهُمْ قَصَدُوا فِي مَعْنَاهُ إِلَى التَّرْجَمَةِ بِهِ عَنِ “ الَّذِينَ “، فَأَخْرَجُوا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْجَمْعِ، إِذْ كَانَ “ الَّذِينَ “ جَمِيعًا، وَخَفْضًا، إِذْ كَانَ “ الَّذِينَ “ مَخْفُوضًا، وَذَلِكَ وَجْهٌ مِنَ التَّأْوِيلِ، غَيْرُ أَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ لِلشَّيْءِ “ أَوَّلُ “، إِذَا كَانَ لَهُ آخِرُ هُوَ لَهُ أَوَّلُ‏.‏ وَلَيْسَ لِلَّذِينِ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْإِثْمُ، آخِرُهُمْ لَهُ أَوَّلُ‏.‏ بَلْ كَانَتْ أَيْمَانُ اللَّذَيْنِ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا قَبْلَ أَيْمَانِهِمْ، فَهُمْ إِلَى أَنْ يَكُونُوا إِذْ كَانَتْ أَيْمَانُهُمْ آخِرًا أَوْلَى أَنْ يَكُونُوا “ آخِرَيْنِ “، مِنْ أَنْ يَكُونُوا “ أَوَّلَيْنِ “، وَأَيْمَانُهُمْ آخِرَةٌ لِأُولَى قَبْلَهَا‏.‏

وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الَّتِي حُكِيَتْ عَنِ الْحَسَنِ‏;‏ فَقِرَاءَةٌ عَنْ قِرَاءَةِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقَرَأَةِ شَاذَّةٌ، وَكَفَى بِشُذُوذِهَا عَنْ قِرَاءَتِهِمْ دَلِيلًا عَلَى بُعْدِهَا مِنَ الصَّوَابِ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الرَّافِعِ لِقَوْلِهِ‏:‏ “ الْأَوْلَيَانِ “، إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ‏.‏

فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَزْعُمُ أَنَّهُ رُفِعَ ذَلِكَ، بَدَلًا مِنْ‏:‏ “ آخَرَانِ “ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا‏}‏ “‏.‏ وَقَالَ‏:‏ إِنَّمَا جَازَ أَنْ يُبْدَلَ “ الْأَوْلَيَانِ “، وَهُوَ مَعْرِفَةٌ، مِنْ “ آخَرَانِ “ وَهُوَ نَكِرَةٌ، لِأَنَّهُ حِينَ قَالَ‏:‏ “ ‏{‏يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ‏}‏ “، كَانَ كَأَنَّهُ قَدْ حَدَّهُمَا حَتَّى صَارَا كَالْمَعْرِفَةِ فِي الْمَعْنَى، فَقَالَ‏:‏ “ الْأَوْلَيَانِ “، فَأَجْرَى الْمُعَرَّفَةُ عَلَيْهِمَا بَدَلًا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا يَجْرِي عَلَى الْمَعْنَى كَثِيرٌ، وَاسْتَشْهَدَ لِصِحَّةِ قَوْلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الرَّاجِزِ‏:‏

عَلَيَّ يَوْمَ يَمْلِكُ الْأُمُورَا *** صَوْمُ شُهُورٍ وَجَبَتْ نُذُورَا

وَبَادِنًا مُقَلَّدًا مَنْحُورَا

قَالَ‏:‏ فَجَعَلَهُ‏:‏ عَلَيَّ وَاجِبٌ، لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى قَدْ أُوْجِبَ‏.‏

وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يُنْكِرُ ذَلِكَ وَيَقُولُ‏:‏ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ “ الْأَوْلَيَانِ “ بَدَلًا مِنْ‏:‏ “ آخَرَانِ “، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ نَسَقَ “ فَيُقْسِمَانِ “ عَلَى “ يَقُومَانِ “ فِي قَوْلِهِ “ فَآخَرَانِ يَقُومَانِ “، فَلَمْ يَتِمَّ الْخَبَرُ بَعْدَ “ مِنْ “‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَا يَجُوزُ الْإِبْدَالُ قَبْلَ إِتْمَامِ الْخَبَرِ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ غَيْرُ جَائِزٍ‏:‏ “ مَرَرْتُ بِرَجُلٍ قَامَ زَيْدٍ وَقَعَدَ “، وَ“ زِيدٌ “ بَدَلٌ مِنْ “ رَجُلٍ “‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ‏:‏ “ الْأَوْلَيَانِ “ مَرْفُوعَانِ بِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ‏)‏ وَأَنَّهُمَا وُضِعَا مَوْضِعَ الْخَبَرِ عَنْهُمَا، فَعَمِلَ فِيهِمَا مَا كَانَ عَامِلًا فِي الْخَبَرِ عَنْهُمَا‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ “ فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْإِثْمُ بِالْخِيَانَةِ “، فَوَضَعَ “ الْأَوْلَيَانِ “ مَوْضِعَ “ الْإِثْمِ “ كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ‏:‏ ‏{‏أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ التَّوْبَةِ‏:‏ 19‏]‏، وَمَعْنَاهُ‏:‏ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَإِيمَانِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَكَمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ الْبَقَرَةِ‏:‏ 93‏]‏، وَكَمَا قَالَ بَعْضُ الْهُذَلِيِّينَ‏.‏

يُمَشِّي بَيْنَنَا حَانُوتُ خَمْرٍ *** مِنَ الْخُرْسِ الصَّرَاصِرَةِ الْقِطَاطِ

وَهُوَ يَعْنِي‏:‏ صَاحِبُ حَانُوتِ خَمْرٍ، فَأَقَامَ “ الْحَانُوتُ “ مَقَامَهُ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ “ الْحَانُوتَ “، لَا يَمْشِي‏!‏ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى سَامِعِهِ مَا قَصَدَ إِلَيْهِ مِنْ مَعْنَاهُ، حَذَفَ “ الصَّاحِبَ “، وَاجْتَزَأَ بِذِكْرِ “ الْحَانُوتِ “ مِنْهُ‏.‏ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ “ ‏{‏مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ‏}‏ “، إِنَّمَا هُوَ مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ فِيهِمْ خِيَانَتُهُمَا، فَحُذِفَتِ “ الْخِيَانَةُ “ وَأُقِيمَ “ الْمُخْتَانَانِ “، مَقَامَهَا‏.‏ فَعَمِلَ فِيهِمَا مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الْمَحْذُوفِ وَلَوْ ظَهَرَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ “ عَلَيْهِمْ “ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَإِنَّ مَعْنَاهَا‏:‏ فِيهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ الْبَقَرَةِ‏:‏ 102‏]‏، يَعْنِي‏:‏ فِي مُلْكِ سُلَيْمَانَ، وَكَمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ طه‏:‏ 71‏]‏‏.‏ فَ “ فِي “ تُوضَعُ مَوْضِعَ “ عَلَى “، وَ“ عَلَى “ فِي مَوْضِعِ “ فِي “، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُعَاقِبُ صَاحِبَتَهَا فِي الْكَلَامِ،

وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

مَتَى مَا تُنْكِرُوهَا تَعْرِفُوهَا *** عَلَى أَقْطَارِهَا عَلَقٌ نَفِيثُ

وَقَدْ تَأَوَّلَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ “ ‏{‏فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ‏}‏ “، أَنَّهُمَا رَجُلَانِ آخَرَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ رَجُلَانِ أَعْدَلُ مِنَ الْمُقْسِمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ شُرَيْحٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ “ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ “، قَالَ‏:‏ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ بِأَرْضِ غُرْبَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مُسْلِمًا يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا، أَوْ مَجُوسِيًّا، فَشَهَادَتُهُمْ جَائِزَةٌ‏.‏ فَإِنْ جَاءَ رَجُلَانِ مُسْلِمَانِ فَشَهِدَا بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمْ، أُجِيزَتْ شَهَادَةُ الْمُسْلِمَيْنِ، وَأُبْطِلَتْ شَهَادَةُ الْآخَرَيْنِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ “ فَإِنْ عُثِرَ “، أَيِ‏:‏ اطَّلَعَ مِنْهُمَا عَلَى خِيَانَةٍ، عَلَى أَنَّهُمَا كَذَبَا أَوْ كَتَمَا، فَشَهِدَ رَجُلَانِ هُمَا أَعْدَلُ مِنْهُمَا بِخِلَافِ مَا قَالَا أُجِيزَتْ شَهَادَةُ الْآخَرَيْنِ، وَأُبْطِلَتْ شَهَادَةُ الْأَوَّلَيْنِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ‏:‏ ‏"‏مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوَّلَيْن‏"‏ قَالَ، كَيْفَ يَكُونُ “ الْأَوْلَيَانِ “، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ الْأَوْلَيَانِ صَغِيرَيْنِ‏؟‏

حَدَّثَنَا هَنَّادٌ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ كَانَ يَقْرَأُ‏:‏ ‏{‏مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوَّلَيْنِ‏}‏ قَالَ، وَقَالَ‏:‏ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ الْأَوْلَيَانِ صَغِيرَيْنِ، كَيْفَ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا‏؟‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِيمَا أَرَى، إِلَى نَحْوِ الْقَوْلِ الَّذِي حَكَيْتُ عَنْ شُرَيْحٍ وَقَتَادَةَ، مِنْ أَنَّ ذَلِكَ رَجُلَانِ آخَرَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يَقُومَانِ مَقَامَ النَّصْرَانِيَّيْنِ، أَوْ عَدْلَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ هُمَا أَعْدَلُ وَأَجْوَزُ شَهَادَةً مِنَ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَوْ الْمُقْسِمَيْنِ‏.‏

وَفِي إِجْمَاعِ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنْ لَا حُكْمَ لِلَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَجِبُ فِيهِ عَلَى شَاهِدِ يَمِينٌ فِيمَا قَامَ بِهِ مِنَ الشَّهَادَةِ، دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ هَذَا التَّأْوِيلِ الَّذِي قَالَهُ الْحَسَنُ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ “ ‏{‏فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا‏}‏ “ أَوْلَى بِهِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ “ الْأَوْلَيَانِ “، فَإِنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَنَا‏:‏ الْأَوْلَى بِالْمَيِّتِ مِنَ الْمُقْسِمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَالْأَوْلَى‏.‏ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ‏:‏ الْأَوْلَى بِالْيَمِينِ مِنْهُمَا فَالْأَوْلَى ثُمَّ حَذَفَ “ مِنْهُمَا “، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ فَتَقُولُ‏:‏ “ فُلَانٌ أَفْضَلُ “، وَهِيَ تُرِيدُ‏:‏ “ أَفْضَلُ مِنْكَ “، وَذَلِكَ إِذَا وُضِعَ “ أَفْعَلُ “ مَوْضِعَ الْخَبَرِ‏.‏ وَإِنْ وَقَعَ مَوْقِعَ الِاسْمِ وَأُدْخِلَتْ فِيهِ “ الْأَلِفُ وَاللَّامُ “، فَعَلُوا ذَلِكَ أَيْضًا، إِذَا كَانَ جَوَابًا لِكَلَامٍ قَدْ مَضَى، فَقَالُوا‏:‏ “ هَذَا الْأَفْضَلُ، وَهَذَا الْأَشْرَفُ “، يُرِيدُونَ‏:‏ هُوَ الْأَشْرَفُ مِنْكَ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ الْأَوْلَيَانِ بِالْمَيِّتِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏107‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَيُقْسِمُ الْآخَرَانِ اللَّذَانِ يَقُومَانِ مَقَامَ اللَّذَيْنِ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا بِخِيَانَتِهِمَا مَالَ الْمَيِّتِ، الْأَوْلَيَانِ بِالْيَمِينِ وَالْمَيِّتِ مِنَ الْخَائِنَيْنِ‏:‏ “لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا“، يَقُولُ‏:‏ لَأَيْمَانُنَا أَحَقُّ مِنْ أَيْمَانِ الْمُقْسِمَيْنِ الْمُسْتَحِقَّيْنِ الْإِثْمَ، وَأَيْمَانِهُمَا الْكَاذِبَةِ فِي أَنَّهُمَا قَدْ خَانَا فِي كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِ مَيِّتِنَا، وَكَذَا فِي أَيْمَانِهِمَا الَّتِي حَلَفَا بِهَا “ وَمَا اعْتَدَيْنَا “، يَقُولُ‏:‏ وَمَا تَجَاوَزْنَا الْحَقَّ فِي أَيْمَانِنَا‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَى “ الِاعْتِدَاءِ “، الْمُجَاوَزَةُ فِي الشَّيْءِ حَدَّهُ‏.‏

“ ‏{‏إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ‏}‏ “ يَقُولُ‏:‏ “ إِنَّا إِنْ كُنَّا اعْتَدَيْنَا فِي أَيْمَانِنَا، فَحَلَفْنَا مُبْطِلَيْنِ فِيهَا كَاذِبَيْنِ “ لَمِنَ الظَّالِمِينَ “، يَقُولُ‏:‏ لَمِنْ عِدَادِ مَنْ يَأْخُذُ مَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ، وَيَقْتَطِعُ بِأَيْمَانِهِ الْفَاجِرَةِ أَمْوَالَ النَّاسِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏108‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ‏)‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ “ ذَلِكَ “، هَذَا الَّذِي قُلْتُ لَكُمْ فِي أَمْرِ الْأَوْصِيَاءِ إِذَا ارْتَبْتُمْ فِي أَمْرِهِمْ، وَاتَّهَمْتُمُوهُمْ بِخِيَانَةٍ لِمَالِ مَنْ أَوْصَى إِلَيْهِمْ، مِنْ حَبْسِهِمْ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَاسْتِحْلَافِكُمْ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا ادَّعَى قِبَلَهُمْ أَوْلِيَاءُ الْمَيِّتِ “ أَدْنَى “ لَهُمْ “ أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا “، يَقُولُ‏:‏ هَذَا الْفِعْلُ، إِذَا فَعَلْتُمْ بِهِمْ، أَقْرَبُ لَهُمْ أَنْ يَصْدُقُوا فِي أَيْمَانِهِمْ، وَلَا يَكْتُمُوا، وَيُقِرُّوا بِالْحَقِّ وَلَا يَخُونُوا “ ‏{‏أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ‏}‏ “، يَقُولُ‏:‏ أَوْ يَخَافُ هَؤُلَاءِ الْأَوْصِيَاءُ إِنْ عُثِرَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا إِثْمًا فِي أَيْمَانِهِمْ بِاللَّهِ، أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانُهُمْ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ، بَعْدَ أَيْمَانِهِمُ الَّتِي عُثِرَ عَلَيْهَا أَنَّهَا كَذِبٌ، فَيَسْتَحِقُّوا بِهَا مَا ادَّعَوْا قِبَلَهُمْ مِنْ حُقُوقِهِمْ، فَيَصْدُقُوا حِينَئِذٍ فِي أَيْمَانِهِمْ وَشَهَادَتِهِمْ، مَخَافَةَ الْفَضِيحَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَحَذَرًا أَنْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِمْ مَا خَانُوا فِيهِ أَوْلِيَاءَ الْمَيِّتِ وَوَرَثَتَهُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الرِّوَايَةُ بِذَلِكَ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَنَحْنُ ذَاكِرُو الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ “ ‏{‏فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا‏}‏ “، يَقُولُ‏:‏ إِنِ اطُّلِعَ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَيْنِ كَذَبَا “ ‏{‏فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا‏}‏ “، يَقُولُ‏:‏ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ، فَحَلَفَا بِاللَّهِ أَنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرَيْنِ بَاطِلَةٌ، وَأَنَا لَمْ نَعْتَدْ، فَتُرَدُّ شَهَادَةُ الْكَافِرَيْنِ، وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَوْلِيَاءِ‏.‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتِيَ الْكَافِرُونَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا، أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ‏.‏ وَلَيْسَ عَلَى شُهُودِ الْمُسْلِمِينَ أَقْسَامٌ، وَإِنَّمَا الْأَقْسَامُ إِذَا كَانُوا كَافِرِيْنَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ “ ‏{‏ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ‏}‏ “ الْآيَةَ، يَقُولُ‏:‏ ذَلِكَ أَحْرَى أَنْ يَصْدُقُوا فِي شَهَادَتِهِمْ، وَأَنْ يَخَافُوا الْعَقِبَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ‏}‏ “، قَالَ‏:‏ فَتُبْطَلُ أَيْمَانُهُمْ، وَتُؤْخَذُ أَيْمَانُ هَؤُلَاءِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ ‏[‏مَعْنَى ذَلِكَ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ‏.‏ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا، عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا، فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا‏]‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ يُوقَفُ الرَّجُلَانِ بَعْدَ صَلَاتِهِمَا فِي دِينِهِمَا، فَيَحْلِفَانِ بِاللَّهِ‏:‏ “ ‏{‏لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ‏}‏، أَنَّ صَاحِبَكُمْ لَبِهَذَا أَوْصَى، وَأَنَّ هَذِهِ لَتَرِكَتُهُ “‏.‏ فَيَقُولُ لَهُمَا الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَا‏:‏ “ إِنَّكُمَا إِنْ كُنْتُمَا كَتَمْتُمَا أَوْ خُنْتُمَا، فَضَحْتُكُمَا فِي قَوْمِكُمَا، وَلَمْ أَجِزْ لَكُمَا شَهَادَةٌ، وَعَاقَبْتُكُمَا “‏.‏ فَإِنْ قَالَ لَهُمَا ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏108‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَخَافُوا اللَّهَ، أَيُّهَا النَّاسُ، وَرَاقِبُوهُ فِي أَيْمَانِكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِهَا كَاذِبَةً، وَأَنْ تُذْهِبُوا بِهَا مَالَ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْكُمْ مَالُهُ، وَأَنْ تَخُونُوا مِنَ اتَّمَنَكُمْ “ وَاسْمَعُوا “، يَقُولُ‏:‏ اسْمَعُوا مَا يُقَالُ لَكُمْ وَمَا تُوعَظُونَ بِهِ، فَاعْمَلُوا بِهِ، وَانْتَهُوا إِلَيْهِ “ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ “، يَقُولُ‏:‏ وَاللَّهُ لَا يُوَفِّقُ مَنْ فَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ، فَخَالَفَهُ وَأَطَاعَ الشَّيْطَانَ وَعَصَى رَبَّهُ‏.‏

وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ‏:‏ “ الْفَاسِقُ “، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، هُوَ الْكَاذِبُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ “ ‏{‏وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ‏}‏ “، الْكَاذِبِينَ، يَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ‏.‏

وَلَيْسَ الَّذِي قَالَ ابْنُ زَيْدٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدِي بِمَدْفُوعٍ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَمَّ الْخَبَرَ بِأَنَّهُ لَا يَهْدِي جَمِيعَ الْفُسَّاقِ، وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْهُمْ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ بِخَبَرٍ وَلَا عَقْلٍ، فَذَلِكَ عَلَى مَعَانِي “ الْفِسْقِ “ كُلِّهَا، حَتَّى يُخَصِّصَ شَيْئًا مِنْهَا مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ، فَيُسَلِّمُ لَهُ‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حُكْمِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، هَلْ هُوَ مَنْسُوخٌ، أَوْ هُوَ مُحْكَمٌ ثَابِتٌ‏؟‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ مَنْسُوخٌ

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ هِيَ مَنْسُوخَةٌ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ هِيَ مَنْسُوخَةٌ يَعْنِي هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ “ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ‏}‏ “، الْآيَةَ‏.‏

وَقَالَ جَمَاعَةٌ‏:‏ هِيَ مَحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ‏.‏ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ أَكْثَرِهِمْ فِيمَا مَضَى‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ غَيْرُ مَنْسُوخٍ وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ، مِنْ لَدُنْ بَعْثِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، أَنَّ مَنِ ادُّعِيَ عَلَيْهِ دَعْوَى مِمَّا يَمْلِكُهُ بَنُو آدَمَ، أَنَّالْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يُبَرِّئُهُ مِمَّا ادُّعِيَ عَلَيْهِ إِلَّا الْيَمِينُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ تُصَحِّحُ دَعْوَاهُ وَأَنَّهُ إِنِ اعْتَرَفَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى ‏[‏عَلَيْهِ‏]‏ سِلْعَةً لَهُ، فَادَّعَى أَنَّهَا لَهُ دُونَ الَّذِي فِي يَدِهِ، فَقَالَ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ‏:‏ “ بَلْ هِيَ لِي، اشْتَرَيْتُهَا مِنْ هَذَا الْمُدَّعِي “، أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ، دُونَ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ مَعَ يَمِينِهِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ بَيِّنَةٌ تُحَقِّقُ بِهِ دَعْوَاهُ الشِّرَاءَ مِنْهُ‏.‏

فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ حُكْمَ اللَّهِ الَّذِي لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَكَانَتِ الْآيَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِيهِمَا أَمْرَ وَصِيَّةِ الْمُوصِي إِلَى عَدْلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ إِلَى آخَرَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمْ، إِنَّمَا أَلْزَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ، الْوَصِيَّيْنِ الْيَمِينَ حِينَ ادَّعَى عَلَيْهِمَا الْوَرَثَةُ مَا ادَّعَوْا، ثُمَّ لَمْ يَلْزَمْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمَا شَيْئًا إِذْ حَلَفَا، حَتَّى اعْتَرَفَتِ الْوَرَثَةُ فِي أَيْدِيهِمَا مَا اعْتَرَفُوا مِنَ الْجَامِ أَوْ الْإِبْرِيقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَزَعَمَا أَنَّهُمَا اشْتَرَيَاهُ مِنْ مَيِّتِهِمْ، فَحِينَئِذٍ أَلْزَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَثَةَ الْمَيِّتِ الْيَمِينَ، لِأَنَّ الْوَصِيَّيْنِ تَحَوَّلَا مُدَّعِيَيْنِ بِدَعْوَاهُمَا مَا وَجَدَا فِي أَيْدِيهِمَا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ أَنَّهُ لَهُمَا، اشْتَرَيَا ذَلِكَ مِنْهُ، فَصَارَا مُقِرَّيْنِ بِالْمَالِ لِلْمَيِّتِ، مُدَّعِيَيْنَ مِنْهُ الشِّرَاءَ، فَاحْتَاجَا حِينَئِذٍ إِلَى بَيِّنَةٍ تُصَحِّحُ دَعْوَاهُمَا، وَصَارَتْ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ رَبِّ السِّلْعَةِ، أَوْلَى بِالْيَمِينِ مِنْهُمَا‏.‏ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ “ ‏{‏فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا‏}‏ “، الْآيَةَ‏.‏

فَإِذْ كَانَ تَأْوِيلُ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا وَجْهَ لِدَعْوَى مُدَّعٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقْضَى عَلَى حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، إِلَّا بِخَبَرٍ يَقْطَعُ الْعُذْرَ‏:‏ إِمَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَوْ مِنْ عِنْدِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ بِوُرُودِ النَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ بِذَلِكَ‏.‏ فَأَمَّا وَلَا خَبَرَ بِذَلِكَ، وَلَا يَدْفَعُ صِحَّتَهُ عَقْلٌ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ‏.‏