فصل: تفسير الآية رقم (75)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏75‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ اَلْمُوقِنِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ‏}‏ ‏"‏، وَكَمَا أَرَيْنَاهُ اَلْبَصِيرَةَ فِي دِينِهِ، وَالْحَقَّ فِي خِلَافِهِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ اَلضَّلَالِ، نُرِيهِ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَعْنِي مُلْكَهُ‏.‏

وَزِيدَتْ فِيهِ ‏"‏اَلتَّاء‏"‏ كَمَا زِيدَتْ فِي ‏"‏اَلْجَبَرُوت‏"‏ مِنْ ‏"‏اَلْجَبْر‏"‏ وَكَمَا قِيلَ‏:‏ ‏"‏رَهَبُوتٌ خَيْرٌ مِنْ رَحْمُوتٍ ‏"‏، بِمَعْنَى‏:‏ رَهْبَةٌ خَيْرٌ مِنْ رَحْمَةٍ‏.‏ وَحُكِيَ عَنْ اَلْعَرَبِ سَمَاعًا‏:‏ ‏"‏ لَهُ مَلَكُوتُ اَلْيَمَنِ وَالْعِرَاقِ ‏"‏، بِمَعْنَى‏:‏ لَهُ مُلْكُ ذَلِكَ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ اَلتَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ‏"‏‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ نُرِيهِ خَلْقَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي اَلْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏ ‏"‏، أَيْ‏:‏ خَلْقَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏ ‏"‏، أَيْ‏:‏ خَلْقَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ‏"‏ وَلِيَكُونَ مِنَ اَلْمُوقِنِينَ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏ ‏"‏، يَعْنِي بِـ ‏"‏ مَلَكُوتِ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ‏"‏، خَلْقَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ‏"‏اَلْمَلَكُوت‏"‏ اَلْمُلْكُ، بِنَحْوِ اَلتَّأْوِيلِ اَلَّذِي تَأَوَّلْنَاهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ هُوَ اَلْمُلْكُ، غَيْرَ أَنَّهُ بِكَلَامِ اَلنَّبَطِ‏:‏ ‏"‏ مَلَكُوتًا ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ وَكِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ اِبْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ هِيَ بِالنَّبَطِيَّةِ‏:‏ ‏"‏ مَلَكُوتًا ‏"‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ آيَاتُ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ اَلسَّرِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ آيَاتُ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اَللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ آيَاتٌ‏.‏

حَدَّثَنِي اَلْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ تَفَرَّجَتْ لِإِبْرَاهِيمَ اَلسَّمَاوَاتُ اَلسَّبْعُ حَتَّى اَلْعَرْشِ، فَنَظَرَ فِيهِنَّ، وَتَفَرَّجَتْ لَهُ اَلْأَرْضُونَ اَلسَّبْعُ، فَنَظَرَ فِيهِنَّ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ اَلْمُفَضَّلِ قَالَ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ اَلسُّدِّيِّ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ اَلْمُوقِنِينَ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ أُقِيمَ عَلَى صَخْرَةٍ وَفُتِحَتْ لَهُ اَلسَّمَاوَاتُ، فَنَظَرَ إِلَى مُلْكِ اَللَّهِ فِيهَا، حَتَّى نَظَرَ إِلَى مَكَانِهِ فِي اَلْجَنَّةِ‏.‏ وَفُتِحَتْ لَهُ اَلْأَرْضُونَ حَتَّى نَظَرَ إِلَى أَسْفَلِ اَلْأَرْضِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي اَلدُّنْيَا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ اَلْعَنْكَبُوتِ‏:‏ 27‏]‏، يَقُولُ‏:‏ آتَيْنَاهُ مَكَانَهُ فِي اَلْجَنَّةِ، وَيُقَالُ‏:‏ ‏"‏أَجْرَه‏"‏ اَلثَّنَاءَ اَلْحَسَنَ‏.‏

حَدَّثَنَا اَلْقَاسِمُ قَالَ حَدَّثَنَا اَلْحُسَيْنُ قَالَ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ فُرِجَتْ لَهُ اَلسَّمَاوَاتُ فَنُظِرَ إِلَى مَا فِيهِنَّ، حَتَّى اِنْتَهَى بَصَرُهُ إِلَى اَلْعَرْشِ، وَفُرِجَتْ لَهُ اَلْأَرْضُونَ اَلسَّبْعُ فَنَظَرَ مَا فِيهِنَّ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ كَشَفَ لَهُ عَنْ أَدِيمِ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى نَظَرَ إِلَيْهِنَّ عَلَى صَخْرَةٍ، وَالصَّخْرَةُ عَلَى حُوتٍ، وَالْحُوتُ عَلَى خَاتَمِ رَبِّ اَلْعِزَّةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ‏.‏

حَدَّثَنَا هَنَّادٌ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ‏:‏ لَمَّا رَأَى إِبْرَاهِيمُ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، رَأَى عَبْدًا عَلَى فَاحِشَةٍ، فَدَعَا عَلَيْهِ، فَهَلَكَ‏.‏ ثُمَّ رَأَى آخَرَ عَلَى فَاحِشَةٍ، فَدَعَا عَلَيْهِ فَهَلَكَ‏.‏ ثُمَّ رَأَى آخَرَ عَلَى فَاحِشَةٍ، فَدَعَا عَلَيْهِ فَهَلَكَ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ أَنْزِلُوا عَبْدِي لَا يُهْلِكُ عِبَادِي ‏!‏

حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ لَمَّا رَفَعَ اَللَّهُ إِبْرَاهِيمَ فِي اَلْمَلَكُوتِ فِي اَلسَّمَاوَاتِ، أُشْرِفَ فَرَأَى عَبْدًا يَزْنِي، فَدَعَا عَلَيْهِ، فَهَلَكَ‏.‏ ثُمَّ رُفِعَ فَأُشْرِفُ، فَرَأَى عَبْدًا يَزْنِي، فَدَعَا عَلَيْهِ، فَهَلَكَ‏.‏ ثُمَّ رَفَعَ فَأُشْرِفُ، فَرَأَى عَبْدًا يَزْنِي، فَدَعَا عَلَيْهِ، فَنُودِيَ‏:‏ عَلَى رِسْلِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ، فَإِنَّكَ عَبْدٌ مُسْتَجَابٌ لَكَ، وَإِنِّي مِنْ عَبْدِي عَلَى ثَلَاثٍ‏:‏ إِمَّا أَنْ يَتُوبَ إِلَيَّ فَأَتُوبُ عَلَيْهِ، وَإِمَّا أَنْ أُخْرِجَ مِنْهُ ذَرِّيَّةً طَيِّبَةً، وَإِمَّا أَنْ يَتَمَادَى فِيمَا هُوَ فِيهِ، فَأَنَا مِنْ وَرَائِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ اَلْوَهَّابِ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أُسَامَةَ‏:‏ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ اَلرَّحْمَنِ حَدَّثَ نَفْسَهُ أَنَّهُ أَرْحَمُ اَلْخَلْقِ، وَأَنَّ اَللَّهَ رَفَعَهُ حَتَّى أُشْرِفَ عَلَى أَهْلِ اَلْأَرْضِ، فَأَبْصَرَ أَعْمَالَهُمْ‏.‏ فَلَمَّا رَآهُمْ يَعْمَلُونَ بِالْمَعَاصِي قَالَ‏:‏ اَللَّهُمَّ دَمِّرْ عَلَيْهِمْ‏!‏ فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ‏:‏ أَنَا أَرْحَمُ بِعِبَادِي مِنْكَ، اِهْبِطْ، فَلَعَلَّهُمْ أَنْ يَتُوبُوا إِلَيَّ وَيُرَاجِعُوا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ، مَا أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ أَرَاهُ مِنَ اَلنُّجُومِ وَالْقَمَرِ وَالشَّمْسِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ وَكِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ اَلْأَحْمَرُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ اَلضَّحَّاكِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ اَلشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ اَلشَّمْسُ وَالْقَمَرُ‏.‏

حَدَّثَنَا اَلْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏ ‏"‏، يَعْنِي بِهِ‏:‏ اَلشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلْأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ خُبِّئَ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَبَّارٍ مِنَ اَلْجَبَابِرَةِ، فَجُعِلَ لَهُ رِزْقُهُ فِي أَصَابِعِهِ، فَإِذَا مَصَّ أُصْبُعًا مِنْ أَصَابِعِهِ وَجَدَ فِيهَا رِزْقًا‏.‏ فَلَمَّا خَرَجَ، أَرَاهُ اَللَّهُ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏.‏ فَكَانَ مَلَكُوتُ اَلسَّمَاوَاتِ‏:‏ اَلشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ، وَمَلَكُوتُ اَلْأَرْضِ‏:‏ اَلْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالْبِحَارُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اَللَّهِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فُرَّ بِهِ مِنْ جَبَّارٍ مُتْرَفٍ، فَجُعِلَ فِي سِرْبٍ، وَجُعِلَ رِزْقُهُ فِي أَطْرَافِهِ، فَجَعْلَ لَا يَمُصُّ إِصْبَعًا مِنْ أَصَابِعِهِ إِلَّا وَجَدَ فِيهَا رِزْقًا‏.‏ فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ اَلسَّرَبِ، أَرَاهُ اَللَّهُ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ، فَأَرَاهُ شَمْسًا وَقَمَرًا وَنُجُومًا وَسَحَابًا وَخَلْقًا عَظِيمًا، وَأَرَاهُ مَلَكُوتَ اَلْأَرْضِ، فَأَرَاهُ جِبَالًا وَبُحُورًا وَأَنْهَارًا وَشَجَرًا وَمِنْ كُلِّ اَلدَّوَابِّ وَخَلْقًا عَظِيمًا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى اَلْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ عَنَى اَللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏ ‏"‏، أَنَّهُ أَرَاهُ مُلْكَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَذَلِكَ مَا خَلَقَ فِيهِمَا مِنَ اَلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَالشَّجَرِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عَظِيمِ سُلْطَانِهِ فِيهِمَا، وَجَلَّى لَهُ بَوَاطِنَ اَلْأُمُورِ وَظَوَاهِرَهَا، لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ مَعْنَى ‏"‏ اَلْمَلَكُوتِ ‏"‏، فِي كَلَامِ اَلْعَرَبِ، فِيمَا مَضَى قَبْلُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَلِيَكُونَ مِنَ اَلْمُوقِنِينَ‏}‏ ‏"‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ أَرَاهُ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، لِيَكُونَ مِمَّنْ يُقِرُّ بِتَوْحِيدِ اَللَّهِ، وَيَعْلَمُ حَقِيقَةَ مَا هَدَاهُ لَهُ وَبَصَّرَهُ إِيَّاهُ، مِنْ مَعْرِفَةِ وَحْدَانِيَّتِهِ، وَمَا عَلَيْهِ قَوْمُهُ مِنَ اَلضَّلَالَةِ، مِنْ عِبَادَتِهِمُ اَلْأَصْنَامَ، وَاِتِّخَاذِهِمْ إِيَّاهَا آلِهَةً دُونَ اَللَّهِ تَعَالَى‏.‏

وَكَانَ اِبْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَلِيَكُونَ مِنَ اَلْمُوقِنِينَ‏}‏ ‏"‏، أَنَّهُ جَلَّى لَهُ اَلْأَمْرَ سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ، فَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ اَلْخَلَائِقِ‏.‏ فَلَمَّا جَعَلَ يَلْعَنُ أَصْحَابَ اَلذُّنُوبِ، قَالَ اَللَّهُ‏:‏ إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ هَذَا‏!‏ فَرَدَّهُ اَللَّهُ كَمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ‏.‏

فَتَأْوِيلُ ذَلِكَ عَلَى هَذَا اَلتَّأْوِيلِ‏:‏ أَرَيْنَاهُ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لِيَكُونَ مِمَّنْ يُوقِنُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ حِسًّا لَا خَبَرًا‏.‏

حَدَّثَنِي اَلْعَبَّاسُ بْنُ اَلْوَلِيدِ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا اِبْنُ جَابِرٍ قَالَ وَحَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ أَيْضًا قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ اَللَّجْلَاجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَبْدَ اَلرَّحْمَنِ بْنَ عَائِشَ اَلْحَضْرَمِيُّ «يَقُولُ‏:‏ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ‏:‏ مَا رَأَيْتُكَ أَسْفَرَ وَجْهًا مِنْكَ اَلْغَدَاةَ‏!‏ قَالَ‏:‏ وَمَالِي، وَقَدْ تَبَدَّى لِي رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ‏:‏ فِيمَ يَخْتَصِمُ اَلْمَلَأُ اَلْأَعْلَى، يَا مُحَمَّدُ‏؟‏ قُلْتُ‏:‏ أَنْتَ أَعْلَمُ ‏[‏يَا رَبِّ‏]‏ ‏!‏ فَوَضْعُ يَدُهُ بَيْنَ كَتِفِي فَوَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ، فَعَلِمْتُ مَا فِي اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏.‏ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ اَلْآيَةَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ اَلْمُوقِنِينَ‏}‏ ‏"‏‏.‏»

تفسير الآية رقم ‏[‏76‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اَللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّيفَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ اَلْآفِلِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَلَمَّا وَارَاهُ اَللَّيْلُ وَغَيَّبَهُ‏.‏

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏جَنَّ عَلَيْهِ اَللَّيْلُ ‏"‏، وَ‏"‏ جَنَّهُ اَللَّيْلُ ‏"‏، وَ‏"‏ أَجَنَّهُ ‏"‏، وَ‏"‏ أَجَنَّ عَلَيْهِ ‏"‏‏.‏ وَإِذَا أَلْقَيْت‏"‏ عَلَى ‏"‏، كَانَ اَلْكَلَامُ بِالْأَلِفِ أَفْصَحَ مِنْهُ بِغَيْرِ ‏"‏اَلْأَلِفِ ‏"‏، ‏"‏ أَجَنَّهُ اَللَّيْلُ ‏"‏، أَفْصَحُ مَنْ ‏"‏أَجَنَّ عَلَيْه‏"‏ وَ‏"‏ جَنَّ عَلَيْهِ اَللَّيْلُ ‏"‏، أَفْصَحُ مَنْ ‏"‏جَنَّهُ ‏"‏، وَكُلُّ ذَلِكَ مَقْبُولٌ مَسْمُوعٌ مِنَ اَلْعَرَبِ‏.‏‏"‏ جَنَّهُ اَللَّيْلُ ‏"‏، فِي أَسَدٍ ‏"‏وَأَجَنَّهُ وَجَنَّه‏"‏ فِي تَمِيمٍ‏.‏ وَالْمَصْدَرُ مِنْ‏:‏ ‏"‏جَنَّ عَلَيْهِ ‏"‏، ‏"‏ جِنًّا وَجُنُونًا وجَنَانًا ‏"‏، وَمِنْ ‏"‏أَجَن‏"‏ ‏"‏ إِجْنَانًا ‏"‏‏.‏ وَيُقَالُ‏:‏ ‏"‏أَتَى فَلَانٌ فِي جِنِّ اَللَّيْلِ ‏"‏‏.‏ وَ‏"‏ اَلْجِن‏"‏ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُمُ اِسْتَجَنُّوا عَنْ أَعْيُنِ بَنِي آدَمَ فُلَا يَرَوْنَ‏.‏ وَكُلُّ مَا تَوَارَى عَنْ أَبْصَارِ اَلنَّاسِ، فَإِنَّ اَلْعَرَبَ تَقُولُ فِيهِ‏:‏ ‏"‏ قَدْ جَنَّ ‏"‏، وَمِنْهُ قَوْلُ اَلْهُذَلِيِّ‏:‏

وَمَاءٍ وَرَدْتُ قُبَيْلَ الْكَرَى *** وَقَدْ جَنَّهُ السَّدَفُ الْأَدْهَمُ

وَقَالَ عَبِيدٌ‏:‏

وَخَرْقٍ تَصِيحُ اَلْبُومُ فِيهِ مَعَ اَلصَّدَى *** مَخُوفٍ إِذَا مَا جَنَّهُ اللَّيْلُ مَرْهُوبِ

وَمِنْهُ‏:‏ ‏"‏أَجْنَنْتُ اَلْمَيِّتَ ‏"‏، إِذَا وَارَيْتَهُ فِي اَللَّحْدِ، وَ‏"‏ جَنَّنْتُهُ ‏"‏، وَهُوَ نَظِيرُ ‏"‏ جُنُونِ اَللَّيْلِ ‏"‏، فِي مَعْنَى غَطَّيْتُهُ‏.‏ وَمِنْهُ قِيلَ لِلتُّرْسِ ‏"‏مِجَن‏"‏ لِأَنَّهُ يُجَنُّ مَنِ اِسْتَجَنَّ بِهِ فَيُغَطِّيهِ وَيُوَارِيهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏رَأَى كَوْكَبًا‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ أَبْصَرَ كَوْكَبًا حِينَ طَلَعَ ‏"‏ ‏{‏قَالَ هَذَا رَبِّي‏}‏ ‏"‏، فَرُوِيَ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ، مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي بِهِ اَلْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ اَلْمُوقِنِينَ‏}‏ ‏"‏، يَعْنِي بِهِ اَلشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ ‏"‏ ‏{‏فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اَللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي‏}‏ ‏"‏، فَعَبَدَهُ حَتَّى غَابَ، فَلِمَا غَابَ قَالَ‏:‏ لَا أُحِبُّ اَلْآفِلِينَ ‏"‏فَلَمَّا رَأَى اَلْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّيَ ‏"‏، فَعَبَدَهُ حَتَّى غَابَ، فَلِمَا غَابَ قَالَ‏:‏ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لِأَكُونَنَّ مِنَ اَلْقَوْمِ اَلضَّالِّين‏"‏ فَلَمَّا رَأَى اَلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ ‏"‏ فَعَبَدَهَا حَتَّى غَابَتْ، فَلَمَّا غَابَتْ قَالَ‏:‏ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اَللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ اَلْآفِلِينَ‏}‏ ‏"‏، عَلِمَ أَنَّ رَبَّهُ دَائِمٌ لَا يَزُولُ‏.‏ فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ‏}‏ ‏"‏، رَأَى خَلْقًا هُوَ أَكْبَرُ مِنَ اَلْخُلُقَيْنِ اَلْأَوَّلَيْنَ وَأَنْوَرُ‏.‏

وَكَانَ سَبَبُ قِيلِ إِبْرَاهِيمَ ذَلِكَ، مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ اَلْفَضْلِ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِيمَا ذَكَرَ لَنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ آزَرَ كَانَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ كُوثَى، مِنْ قَرْيَةٍ بِالسَّوَادِ، سَوَادِ اَلْكُوفَةِ، وَكَانَ إِذْ ذَاكَ مَلِكُ اَلْمَشْرِقِ اَلنَّمْرُودُ، فَلَمَّا أَرَادَ اَللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ إِبْرَاهِيمَ ‏[‏عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ، خَلِيلَ اَلرَّحْمَنِ، حُجَّةً عَلَى قَوْمِهِ‏]‏، وَرَسُولًا إِلَى عِبَادِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ نَبِيٌّ إِلَّا هُودٌ وَصَالِحٌ، فَلَمَّا تَقَارَبَ زَمَانُ إِبْرَاهِيمَ اَلَّذِي أَرَادَ اَللَّهُ مَا أَرَادَ، أَتَى أَصْحَابُ اَلنُّجُومِ نمرودَ فَقَالُوا لَهُ‏:‏ تَعَلَّمْ، أَنَّا نَجِدُ فِي عِلْمِنَا أَنَّ غُلَامًا يُولَدُ فِي قَرْيَتِكَ هَذِهِ يُقَالُ لَهُ ‏"‏إِبْرَاهِيمُ ‏"‏، يُفَارِقُ دِينَكُمْ، وَيَكْسِرُ أَوْثَانَكُمْ، فِي شَهْرِ كَذَا وَكَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا وَكَذَا‏.‏ فَلَمَّا دَخَلَتِ اَلسُّنَّةُ اَلَّتِي وَصَفَ أَصْحَابُ اَلنُّجُومِ لِنَمْرُودَ، بَعَثَ نَمْرُودُ إِلَى كُلِّ اِمْرَأَةٍ حُبْلَى بِقَرْيَتِهِ فَحَبَسَهَا عِنْدَهُ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ اِمْرَأَةِ آزَرَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِحَبَلِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتِ اِمْرَأَةً حَدَثةً، فِيمَا يُذْكَرُ، لَمْ تَعْرِفِ اَلْحَبَلَ فِي بَطْنِهَا، وَلِمَا أَرَادَ اَللَّهُ أَنْ يُبَلِّغَ بِوَلَدِهَا، يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ كُلَّ غُلَامٍ وُلِدَ فِي ذَلِكَ اَلشَّهْرِ مِنْ تِلْكَ اَلسَّنَةِ، حَذَرًا عَلَى مُلْكِهِ‏.‏ فَجَعْلَ لَا تَلِدُ اِمْرَأَةً غُلَامًا فِي ذَلِكَ اَلشَّهْرِ مِنْ تِلْكَ اَلسَّنَةِ، إِلَّا أَمَرَ بِهِ فَذُبِحَ‏.‏ فَلَمَّا وَجَدَتْ أَمُّ إِبْرَاهِيمَ اَلطَّلْقَ خَرَجَتْ لَيْلًا إِلَى مَغَارَةٍ كَانَتْ قَرِيبًا مِنْهَا، فَوَلَدَتْ فِيهَا إِبْرَاهِيمَ، وَأَصْلَحَتْ مِنْ شَأْنِهِ مَا يُصْنَعُ بِالْمَوْلُودِ، ثُمَّ سَدَّتْ عَلَيْهِ اَلْمَغَارَةَ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا، ثُمَّ كَانَتْ تُطَالِعُهُ فِي اَلْمَغَارَةِ فَتَنْظُرُ مَا فَعَلَ، فَتَجِدُهُ حَيًّا يَمُصُّ إِبْهَامَهُ، يَزْعُمُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ اَللَّهَ جَعَلَ رِزْقَ إِبْرَاهِيمَ فِيهَا وَمَا يَجِيئُهُ مِنْ مَصِّهِ‏.‏ وَكَانَ آزَرُ، فِيمَا يَزْعُمُونَ، سَأَلَ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ عَنْ حَمْلِهَا مَا فَعَلَ، فَقَالَتْ‏:‏ وَلَدَتْ غُلَامًا فَمَاتَ‏!‏ فَصَدَّقَهَا، فَسَكَتَ عَنْهَا‏.‏ وَكَانَ اَلْيَوْمَ، فِيمَا يَذْكُرُونَ، عَلَى إِبْرَاهِيمَ فِي اَلشَّبَابِ كَالشَّهْرِ، وَالشَّهْرُ كَالسَّنَةِ‏.‏ فَلَمْ يَلْبَثْ إِبْرَاهِيمُ فِي اَلْمَغَارَةِ إِلَّا خَمْسَةَ عَشَرَ شَهْرًا حَتَّى قَالَ لِأُمِّهِ‏:‏ أَخْرِجِينِي أَنْظُرُ‏!‏ فَأَخْرَجَتْهُ عِشَاءً فَنَظَرَ، وَتَفَكَّرَ فِي خَلْقِ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَقَالَ‏:‏ ‏"‏ إِنَّ اَلَّذِي خَلَقَنِي وَرَزَقَنِي وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي لَرَبِّي، مَا لِي إِلَهٌ غَيْرُهُ ‏"‏‏!‏ ثُمَّ نَظَرَ فِي اَلسَّمَاءِ فَرَأَى كَوْكَبًا، قَالَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏هَذَا رَبِّي‏}‏ ‏"‏، ثُمَّ اِتَّبَعَهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ بِبَصَرِهِ حَتَّى غَابَ، فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏لَا أُحِبُّ اَلْآفِلِينَ‏}‏ ‏"‏، ثُمَّ طَلَعَ اَلْقَمَرُ فَرَآهُ بَازِغًا، قَالَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏هَذَا رَبِّي‏}‏ ‏"‏، ثُمَّ اِتَّبَعَهُ بِبَصَرِهِ حَتَّى غَابَ، فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ اَلْقَوْمِ اَلضَّالِّينَ‏}‏‏"‏ ‏!‏ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ اَلنَّهَارُ وَطَلَعَتِ اَلشَّمْسُ، أَعْظَمَ اَلشَّمْسَ، وَرَأَى شَيْئًا هُوَ أَعْظَمُ نُورًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ رَآهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ‏}‏ ‏"‏‏!‏ فَلَمَّا أَفْلَتَ قَالَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِئٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ اَلْمُشْرِكِينَ‏}‏ ‏"‏‏.‏ ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى أَبِيهِ آزَرَ وَقَدٍّ اِسْتَقَامَتْ وُجْهَتُهُ، وَعَرَفَ رَبَّهُ، وَبَرِئَ مِنْ دِينِ قَوْمِهِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُبَادِئْهُمْ بِذَلِكَ‏.‏ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ اِبْنُهُ، وَأَخْبَرَتْهُ أَمُّ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ اِبْنُهُ، وَأَخْبَرَتْهُ بِمَا كَانَتْ صَنَعَتْ مِنْ شَأْنِهِ، فَسُرَّ بِذَلِكَ آزَرُ وَفَرِحَ فَرَحًا شَدِيدًا‏.‏ وَكَانَ آزَرُ يَصْنَعُ أَصْنَامَ قَوْمِهِ اَلَّتِي يَعْبُدُونَهَا، ثُمَّ يُعْطِيهَا إِبْرَاهِيمَ يَبِيعُهَا، فَيَذْهَبُ بِهَا إِبْرَاهِيمُ، فِيمَا يَذْكُرُونَ، فَيَقُولُ‏:‏ ‏"‏ مَنْ يَشْتَرِي مَا يَضُرُّهُ وَلَا يَنْفَعُهُ ‏"‏، فَلَا يَشْتَرِيهَا مِنْهُ أَحَدٌ‏.‏ فَإِذَا بَارَتْ عَلَيْهِ، ذَهَبَ بِهَا إِلَى نَهْرٍ فَصَوَّبَ فِيهِ رُؤُوسَهَا، وَقَالَ‏:‏ ‏"‏ اِشْرَبِي ‏"‏، اِسْتِهْزَاءً بِقَوْمِهِ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ اَلضَّلَالَةِ، حَتَّى فَشَا عَيْبُهُ إِيَّاهَا وَاسْتِهْزَاؤُهُ بِهَا فِي قَوْمِهِ وَأَهْلِ قَرْيَتِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَلَغَ نمرودَ اَلْمَلِكِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَنْكَرَ قَوْمٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ اَلرِّوَايَةِ هَذَا اَلْقَوْلَ اَلَّذِي رُوِيَ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ وَعَمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ، مِنْ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ قَالَ لِلْكَوْكَبِ أَوْ لِلْقَمَرِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏هَذَا رَبِّي‏}‏ ‏"‏، وَقَالُوا‏:‏ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ نَبِيٌّ اِبْتَعَثَهُ بِالرِّسَالَةِ، أَتَى عَلَيْهِ وَقْتٌ مِنَ اَلْأَوْقَاتِ وَهُوَ بَالِغٌ إِلَّا وَهُوَ لِلَّهِ مُوَحِّدٌ، وَبِهِ عَارِفٌ، وَمِنْ كُلِّ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ بَرِيءٌ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ بَعْضُ اَلْأَوْقَاتِ وَهُوَ بِهِ كَافِرٌ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْتَصَّهُ بِالرِّسَالَةِ، لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى فِيهِ إِلَّا وَفِي غَيْرِهِ مَنْ أَهْلَ اَلْكُفْرِِ بِهِ مِثْلَهُ، وَلَيْسَ بَيْنَ اَللَّهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ مُنَاسِبَةٌ، فَيُحَابِيهِ بِاخْتِصَاصِهِ بِالْكَرَامَةِ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَإِنَّمَا أَكْرَمُ مَنْ أَكْرَمَ مِنْهُمْ لِفَضْلِهِ فِي نَفْسِهِ، فَأَثَابَهُ لِاسْتِحْقَاقِهِ اَلثَّوَابَ بِمَا أَثَابَهُ مِنَ اَلْكَرَامَةِ‏.‏ وَزَعَمُوا أَنَّ خَبَرَ اَللَّهِ عَنْ قِيلِ إِبْرَاهِيمَ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ اَلْكَوْكَبَ أَوِ اَلْقَمَرَ أَوِ اَلشَّمْسَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏هَذَا رَبِّي‏}‏ ‏"‏، لَمْ يَكُنْ لِجَهْلِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ رَبُّهُ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ اَلْإِنْكَارِ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رَبَّهُ، وَعَلَى اَلْعَيْبِ لِقَوْمِهِ فِي عِبَادَتِهِمُ اَلْأَصْنَامَ، إِذْ كَانَ اَلْكَوْكَبُ وَالْقَمَرُ وَالشَّمْسُ أَضْوَأَ وَأَحْسَنَ وَأَبْهَجَ مِنَ اَلْأَصْنَامِ، وَلَمْ تَكُنْ مَعَ ذَلِكَ مَعْبُودَةً، وَكَانَتْ آفِلَةً زَائِلَةً غَيْرَ دَائِمَةٍ، وَالْأَصْنَامُ اَلَّتِي ‏[‏هِيَ‏]‏ دُونَهَا فِي اَلْحُسْنِ وَأَصْغَرُ مِنْهَا فِي اَلْجِسْمِ، أَحَقُّ أَنْ لَا تَكُونَ مَعْبُودَةً وَلَا آلِهَةً‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لَهُمْ، مُعَارَضَةً، كَمَا يَقُولُ أَحَدُ اَلْمُتَنَاظِرَيْنِ لِصَاحِبِهِ مُعَارِضًا لَهُ فِي قَوْلٍ بَاطِلٍ قَالَ بِهِ بِبَاطِلٍ مِنَ اَلْقَوْلِ، عَلَى وَجْهِ مُطَالَبَتِهِ إِيَّاهُ بِالْفُرْقَانِ بَيْنَ اَلْقَوْلَيْنِ اَلْفَاسِدَيْنِ عِنْدَهُ، اَللَّذَيْنِ يُصَحِّحُ خَصْمُهُ أَحَدَهُمَا وَيَدَّعِي فَسَادَ اَلْآخَرِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ‏:‏ بَلْ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ فِي حَالِ طُفُولَتِهِ، وَقَبْلَ قِيَامِ اَلْحُجَّةِ عَلَيْهِ‏.‏ وَتِلْكَ حَالٌ لَا يَكُونُ فِيهَا كُفْرٌ وَلَا إِيمَانٌ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ‏:‏ إِنَّمَا مَعْنَى اَلْكَلَامِ‏:‏ أَهَذَا رَبِّي‏؟‏ عَلَى وَجْهِ اَلْإِنْكَارِ وَالتَّوْبِيخِِِِ، أَيْ‏:‏ لَيْسَ هَذَا رَبِّي‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ قَدْ تَفْعَلُ اَلْعَرَبُ مَثَلَ ذَلِكَ، فَتُحْذِفُ ‏"‏اَلْأَلِف‏"‏ اَلَّتِي تَدُلُّ عَلَى مَعْنَى اَلِاسْتِفْهَامِ‏.‏ وَزَعَمُوا أَنَّ مِنْ ذَلِكَ قَوْلَ اَلشَّاعِرِ‏:‏

رَفَوْنِي وَقَالُوا‏:‏ يَا خُوَيْلِدُ، لَا تُرَعْ ‏!‏ *** فَقُلْتُ، وأَنْكَرْتُ الْوُجُوهَ‏:‏ هُمُ هُمُ‏؟‏

يَعْنِي‏:‏ أَهُمْ هُمْ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَوْسٍ‏:‏

لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي، وَإِنْ كُنْتُ دَارِيًا، *** شُعَيْثَ بنَ سَهْمٍ أَمْ شُعَيْثَ بْنَ مِنْقَرِ

بِمَعْنَى‏:‏ أَشُعَيْثُ بْنُ سَهْمٍ‏؟‏ فَحَذَفَ ‏"‏اَلْأَلِفَ ‏"‏، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ‏.‏ وَأَمَّا تَذْكِير‏"‏ هَذَا ‏"‏فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ فَلَمَّا رَأَى اَلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّيَ ‏"‏، فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَعْنَى‏:‏ هَذَا اَلشَّيْءُ اَلطَّالِعُ رَبِّيَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَفِي خَبَرِ اَللَّهِ تَعَالَى عَنْ قِيلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أَفَلَ اَلْقَمَرُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ اَلْقَوْمِ اَلضَّالِّينَ‏}‏ ‏"‏، اَلدَّلِيلُ عَلَى خَطَأِ هَذِهِ اَلْأَقْوَالِ اَلَّتِي قَالَهَا هَؤُلَاءِ اَلْقَوْمُ، وَأَنَّ اَلصَّوَابَ مِنَ اَلْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، اَلْإِقْرَارُ بِخَبَرِ اَللَّهِ تَعَالَى اَلَّذِي أَخْبَرَ بِهِ عَنْهُ، وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا عَدَاهُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ فَلَمَّا أَفَلَ ‏"‏، فَإِنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ فَلَمَّا غَابَ وَذَهَبَ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ اَلْفَضْلِ قَالَ قَالَ اِبْنُ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏"‏ اَلْأُفُولُ ‏"‏، اَلذَّهَابُ‏.‏

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏ أَفَلَ اَلنَّجْمُ يَأْفُلُ وَيَأْفِلُ أُفُولًا وَأَفْلًا ‏"‏، إِذَا غَابَ، وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي اَلرُّمَّةِ‏:‏

مَصَابِيحُ لَيْسَتْ بِالَّلَوَاتِي تَقُودُهَا *** نُجُومٌ، وَلَا بالْآفِلَاتِ الدَّوَالِكِ

وَيُقَالُ‏:‏ ‏"‏أَيْنَ أَفْلَتَ عَنَّا‏"‏ بِمَعْنَى‏:‏ أَيْنَ غِبْتَ عَنَّا‏؟‏

تفسير الآية رقم ‏[‏77‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا رَأَى اَلْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لِأَكُونَنَّ مِنَ اَلْقَوْمِ اَلضَّالِّينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَلَمَّا طَلَعَ اَلْقَمَرُ فَرَآهُ إِبْرَاهِيمُ طَالِعًا، وَهُوَ ‏"‏ بُزُوغُهُ ‏"‏‏.‏

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏ بَزَغَتِ اَلشَّمْسُ تَبْزُغُ بُزُوغًا ‏"‏، إِذَا طَلَعَتْ، وَكَذَلِكَ اَلْقَمَرُ‏.‏

‏"‏ ‏{‏قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ فَلَمَّا غَابَ ‏"‏ قَالَ ‏"‏، إِبْرَاهِيمُ، ‏"‏ ‏{‏لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي‏}‏ ‏"‏، وَيُوَفِّقْنِي لِإِصَابَةِ اَلْحَقِّ فِي تَوْحِيدِهِ ‏"‏ ‏{‏لَأَكُونَنَّ مِنَ اَلْقَوْمِ اَلضَّالِّينَ‏}‏ ‏"‏، أَيْ‏:‏ مِنَ اَلْقَوْمِ اَلَّذِينَ أَخْطَؤُوا اَلْحَقَّ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ يُصِيبُوا اَلْهُدَى، وَعَبَدُوا غَيْرَ اَللَّهِ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ‏"‏ اَلضَّلَالِ ‏"‏، فِي غَيْرِ هَذَا اَلْمَوْضِعِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا اَلْمَوْضِعِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏78‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا رَأَى اَلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّيهَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ ‏"‏ ‏{‏فَلَمَّا رَأَى اَلشَّمْسَ بَازِغَةً‏}‏ ‏"‏، فَلِمَا رَأَى إِبْرَاهِيمُ اَلشَّمْسَ طَالِعَةً، قَالَ‏:‏ هَذَا اَلطَّالِعُ رَبِّي ‏"‏ ‏{‏هَذَا أَكْبَرُ‏}‏ ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ هَذَا أَكْبَرُ مِنَ اَلْكَوْكَبِ وَالْقَمَرِ فَحَذَفَ ذَلِكَ لِدَلَالَةِ اَلْكَلَامِ عَلَيْهِ ‏"‏ ‏{‏فَلَمَّا أَفَلَتْ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ فَلَمَّا غَابَتْ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِقَوْمِهِ ‏"‏ ‏{‏يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ‏}‏ ‏"‏، أَيْ‏:‏ مِنْ عِبَادَةِ اَلْآلِهَةِ وَالْأَصْنَامِ وَدُعَائِهِ إِلَهًا مَعَ اَللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏79‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ اَلْمُشْرِكِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اَللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ‏:‏ أَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ اَلْحَقُّ وَعَرَفَهُ، شَهِدَ شَهَادَةَ اَلْحَقِّ، وَأَظْهَرَ خِلَافَ قَوْمِهِ أَهْلِ اَلْبَاطِلِ وَأَهْلِ اَلشِّرْكِ بِاَللَّهِ، وَلَمْ يَأْخُذْهُ فِي اَللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَلَمْ يَسْتَوْحِشْ مَنْ قِيلِ اَلْحَقِّ وَالثَّبَاتِ عَلَيْهِ، مَعَ خِلَافِ جَمِيعِ قَوْمِهِ لِقَوْلِهِ، وَإِنْكَارِهِمْ إِيَّاهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُمْ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ‏}‏ ‏"‏ مَعَ اَللَّهِ اَلَّذِي خَلَقَنِي وَخَلَقَكُمْ فِي عِبَادَتِهِ مِنْ آلِهَتِكُمْ وَأَصْنَامِكُمْ، إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي فِي عِبَادَتِي إِلَى اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، اَلدَّائِمِ اَلَّذِي يَبْقَى وَلَا يَفْنَى، وَيُحْيِي وَيُمِيتُ لَا إِلَى اَلَّذِي يَفْنَى وَلَا يَبْقَى، وَيَزُولُ وَلَا يَدُومُ، وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ‏.‏

ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَنَّ تَوْجِيهَهُ وَجَّهَهُ لِعِبَادَتِهِ، بِإِخْلَاصِ اَلْعِبَادَةِ لَهُ، وَالِاسْتِقَامَةِ فِي ذَلِكَ لِرَبِّهِ عَلَى مَا يُحِبُّ مِنَ اَلتَّوْحِيدِ، لَا عَلَى اَلْوَجْهِ اَلَّذِي يُوَجَّهُ لَهُ وَجْهُهُ مَنْ لَيْسَ بِحَنِيفٍ، وَلَكِنَّهُ بِهِ مُشْرِكٌ، إِذْ كَانَ تَوْجِيهُ اَلْوَجْهِ عَلَى غَيْرِ اَلتَّحَنُّفِ غَيْرَ نَافِعِ مُوَجِّهِهِ، بَلْ ضَارُّهُ وَمُهْلِكُهُ ‏"‏ ‏{‏وَمَا أَنَا مِنَ اَلْمُشْرِكِينَ‏}‏ ‏"‏، وَلَسْتُ مِنْكُمْ، أَيْ‏:‏ لَسْتُ مِمَّنْ يَدِينُ دِينَكُمْ، وَيَتَّبِعُ مِلَّتَكُمْ أَيُّهَا اَلْمُشْرِكُونَ‏.‏

وَبِنَحْوِ اَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ اِبْنُ زَيْدٍ يَقُولُ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ اِبْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ لِإِبْرَاهِيمَ‏:‏ تَرَكْتَ عِبَادَةَ هَذِهِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ‏}‏ ‏"‏، فَقَالُوا‏:‏ مَا جِئْتَ بِشَيْءٍ‏!‏ وَنَحْنُ نَعْبُدُهُ ونتوجُّهُهُ‏!‏ فَقَالَ‏:‏ لَا حَنِيفًا‏!‏‏!‏ قَالَ‏:‏ مُخْلِصًا، لَا أُشْرِكُهُ كَمَا تُشْرِكُونَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏80‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اَللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَجَادَلَ إِبْرَاهِيمُ قَوْمَهُ فِي تَوْحِيدِ اَللَّهِ وَبَرَاءَتِهِ مِنَ اَلْأَصْنَامِ، وَكَانَ جِدَالُهُمْ إِيَّاهُ قَوْلُهُمْ‏:‏ أَنَّ آلِهَتَهُمُ اَلَّتِي يَعْبُدُونَهَا خَيْرٌ مِنْ إِلَهِهِ‏.‏ قَالَ إِبْرَاهِيمُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أَتُحَاجُّونِّي فِي اَللَّهِ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ أَتُجَادِلُونَنِي فِي تَوْحِيدِي اَللَّهَ وَإِخْلَاصِي اَلْعَمَلَ لَهُ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ آلِهَةٍ ‏"‏ ‏{‏وَقَدْ هَدَانِ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَقَدْ وَفَّقَنِي رَبِّي لِمُعَرِفَةِ وَحْدَانِيَّتِهِ، وَبَصَّرَنِي طَرِيقَ اَلْحَقِّ حَتَّى أَيْقَنْتُ أَنْ لَا شَيْءَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ سِوَاهُ ‏"‏ ‏{‏وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَا أَرْهَبُ مِنْ آلِهَتِكُمُ اَلَّتِي تَدْعُونَهَا مِنْ دُونِهِ شَيْئًا يَنَالُنِي بِهِ فِي نَفْسِي مِنْ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ‏:‏ ‏"‏إِنَّا نَخَافُ أَنْ تَمَسَّكَ آلِهَتُنَا بِسُوءٍ مِنْ بَرَصٍ أَوْ خَبَلٍ، لِذِكْرِكَ إِيَّاهَا بِسُوء‏"‏ ‏!‏ فَقَالَ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ‏:‏ لَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ مِنْ هَذِهِ اَلْآلِهَةِ أَنْ تَنَالَنِي بِضُرٍّ وَلَا مَكْرُوهٍ، لِأَنَّهَا لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ ‏"‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَكِنَّ خَوْفِي مِنَ اَللَّهِ اَلَّذِي خَلَقَنِي وَخَلَقَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَإِنَّهُ إِنْ شَاءَ أَنْ يَنَالَنِي فِي نَفْسِي أَوْ مَالِي بِمَا شَاءَ مِنْ فَنَاءٍ أَوْ بَقَاءٍ، أَوْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، نَالَنِي بِهِ، لِأَنَّهُ اَلْقَادِرُ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

وَبِنَحْوِ اَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ اِبْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ‏:‏

حَدَّثَنَا اَلْقَاسِمُ قَالَ حَدَّثَنَا اَلْحُسَيْنُ قَالَ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اَللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ‏"‏‏}‏، قَالَ‏:‏ دَعَا قَوْمُهُ مَعَ اَللَّهِ آلِهَةً، وَخَوَّفُوهُ بِآلِهَتِهِمْ أَنْ يُصِيبَهُ مِنْهَا خَبَلٌ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أتحاجوني فِي اَللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ قَدْ عَرَفْتُ رَبِّي، لَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ‏.‏

‏"‏ ‏{‏وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَعِلْمُ رُبِّيَ كُلُّ شَيْءٍ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَيْسَ كَالْآلِهَةِ اَلَّتِي لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَا تَفْهَمُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا هِيَ خَشَبَةٌ مَنْحُوتَةٌ، وَصُورَةٌ مُمَثِّلَةٌ ‏"‏ ‏{‏أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ أَفَلَا تَعْتَبِرُونَ، أَيُّهَا اَلْجَهَلَةُ، فَتَعْقِلُوا خَطَأً مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ، مِنْ عِبَادَتِكُمْ صُورَةً مُصَوَّرَةً وَخَشَبَةً مَنْحُوتَةً، لَا تَقْدِرُ عَلَى ضُرٍّ وَلَا عَلَى نَفْعٍ، وَلَا تَفْقَهُ شَيْئًا وَلَا تَعْقِلُهُ وَتَرَكَكُمْ عِبَادَةَ مَنْ خَلْقَكُمْ وَخَلْقَ كُلَّ شَيْءٍ، وَبِيَدِهِ اَلْخَيْرُ، وَلَهُ اَلْقُدْرَةُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَالْعَالِمُ لِكُلِّ شَيْءٍ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏81‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاَللَّهِمَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ اَلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا جَوَابُ إِبْرَاهِيمَ لِقَوْمِهِ حِينَ خَوَّفُوهُ مِنْ آلِهَتِهِمْ أَنْ تَمَسَهُ، لِذِكْرِهِ إِيَّاهَا بِسُوءٍ فِي نَفْسِهِ بِمَكْرُوهٍ، فَقَالَ لَهُمْ‏:‏ وَكَيْفَ أَخَافُ وَأَرْهَبُ مَا أَشْرَكْتُمُوهُ فِي عِبَادَتِكُمْ رَبَّكُمْ فَعَبَدْتُمُوهُ مِنْ دُونِهِ، وَهُوَ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ‏؟‏ وَلَوْ كَانَتْ تَنْفَعُ أَوْ تَضُرُّ، لَدَفَعَتْ عَنْ أَنْفُسِهَا كَسْرِي إِيَّاهَا وَضَرْبِي لَهَا بِالْفَأْسِ‏!‏ وَأَنْتُمْ لَا تَخَافُونَ اَللَّهَ اَلَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ، وَهُوَ اَلْقَادِرُ عَلَى نَفْعِكُمْ وَضُرِّكُمْ فِي إِشْرَاكِكِمْ فِي عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُ ‏"‏ ‏{‏مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا‏}‏ ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ مَا لَمْ يُعْطِكُمْ عَلَى إِشْرَاكِكُمْ إِيَّاهُ فِي عِبَادَتِهِ حُجَّةً، وَلَمْ يَضَعْ لَكُمْ عَلَيْهِ بُرْهَانًا، وَلَمْ يَجْعَلْ لَكُمْ بِهِ عُذْرًا ‏"‏ ‏{‏فَأَيُّ اَلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ أَنَا أَحَقُّ بِالْأَمْنِ مِنْ عَاقِبَةِ عِبَادَتِي رَبِّي مُخْلِصًا لَهُ اَلْعِبَادَةَ، حَنِيفًا لَهُ دِينِي، بَرِيئًا مِنْ عِبَادَةِ اَلْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، أَمْ أَنْتُمُ اَلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مَنْ دُونِ اَللَّهِ أَصْنَامًا لَمْ يَجْعَلِ اَللَّهُ لَكُمْ بِعِبَادَتِكُمْ إِيَّاهَا بُرْهَانًا وَلَا حُجَّةً ‏"‏ ‏{‏إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ صِدْقَ مَا أَقُولُ، وَحَقِيقَةَ مَا أَحْتَجُّ بِهِ عَلَيْكُمْ، فَقُولُوا وَأَخْبِرُونِي‏:‏ أَيُّ اَلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ‏؟‏

وَبِنَحْوِ اَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ يَقُولُ فِيمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ قَالَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاَللَّهِ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ كَيْفَ أَخَافَ وَثَنًا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اَللَّهِ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، وَلَا تَخَافُونَ أَنْتُمُ اَلَّذِي يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، وَقَدْ جَعَلْتُمْ مَعَهُ شُرَكَاءَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ‏؟‏ ‏"‏ ‏{‏فَأَيُّ اَلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏"‏، أَيْ‏:‏ بِالْأَمْنِ مِنْ عَذَابِ اَللَّهِ فِي اَلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اَلَّذِي يَعْبُدُ اَلَّذِي بِيَدِهِ اَلضُّرُّ وَالنَّفْعُ، أَمِ اَلَّذِي يَعْبُدُ مَا لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ‏؟‏ يَضْرِبُ لَهُمُ اَلْأَمْثَالَ، وَيُصَرِّفُ لَهُمُ اَلْعِبَرَ، لِيَعْلَمُوا أَنَّ اَللَّهَ هُوَ أَحَقُّ أَنْ يُخَافَ وَيُعْبَدَ مِمَّا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي اَلْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اَلرَّبِيعِ قَالَ‏:‏ أَفْلَجَ اَللَّهُ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَاصَمَهُمْ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ اَلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ‏{‏‏"‏‏؟‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏"‏‏}‏ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي اَلْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُُُ إِبْرَاهِيمَ حِينَ سَأَلَهُمْ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أَيُّ اَلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ‏}‏ ‏"‏، هِيَ حُجَّةُ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اَللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ حِينَ سَأَلَهُمْ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَأَيُّ اَلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ‏}‏ ‏"‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ وَهِيَ حُجَّةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ‏.‏

حَدَّثَنَا اَلْقَاسِمُ قَالَ حَدَّثَنَا اَلْحُسَيْنُ قَالَ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَأَيُّ اَلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏"‏، أَمَنْ يَعْبُدُ رَبًّا وَاحِدًا، أَمْ مَنْ يَعْبُدُ أَرْبَابًا كَثِيرَةً‏؟‏ يَقُولُ قَوْمُهُ‏:‏ اَلَّذِينَ آمَنُوا بِرَبٍّ وَاحِدٍ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ اِبْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَأَيُّ اَلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏"‏، أَمَنْ خَافَ غَيْرَ اَللَّهِ وَلَمْ يَخَفْهُ، أَمْ مَنْ خَافَ اَللَّهَ وَلَمْ يَخَفْ غَيْرَهُ‏؟‏ فَقَالَ اَللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، اَلْآيَةَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏82‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ اَلْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اِخْتَلَفَ أَهْلُ اَلتَّأْوِيلِ فِي اَلَّذِي أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا اَلْقَوْلَ أَعْنِي‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، اَلْآيَةَ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هَذَا فَصْلُ اَلْقَضَاءِ مِنَ اَللَّهِ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَيْنَ مَنْ حَاجَّهُ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ أَهْلِ اَلشِّرْكِ بِاَللَّهِ، إِذْ قَالَ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ اَلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏"‏‏؟‏ فَقَالَ اَللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، فَاصِلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ‏:‏ اَلَّذِينَ صَدَّقُوا اَللَّهَ وَأَخْلَصُوا لَهُ اَلْعِبَادَةَ، وَلَمْ يَخْلِطُوا عِبَادَتَهُمْ إِيَّاهُ وَتَصْدِيقَهُمْ لَهُ بِظُلْمٍ يَعْنِي‏:‏ بَشِرْكٍ وَلَمْ يُشْرِكُوا فِي عِبَادَتِهِ شَيْئًا، ثُمَّ جَعَلُوا عِبَادَتَهُمْ لِلَّهِ خَالِصًا، أَحَقُّ بِالْأَمْنِ مِنْ عِقَابِهِ مَكْرُوهَ عِبَادَتِهِ رَبَّهُ، مِنَ اَلَّذِينَ يُشْرِكُونَ فِي عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ اَلْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ، فَإِنَّهُمُ اَلْخَائِفُونَ مِنْ عِقَابِهِ مَكْرُوهَ عِبَادَتِهِمْ أَمَّا فِي عَاجِلِ اَلدُّنْيَا فَإِنَّهُمْ وَجِلُونَ مِنْ حُلُولِ سَخَطِِ اَللَّهِِ بِهِمْ، وَأَمَّا فِي اَلْآخِرَةِ، فَإِنَّهُمُ اَلْمُوقِنُونَ بِأَلِيمِ عَذَابِ اَللَّهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ اَلْفَضْلِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ يَقُولُ اَللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، أَيْ‏:‏ اَلَّذِينَ أَخْلَصُوا كَإِخْلَاصِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِبَادَةِ اَللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ ‏"‏ ‏{‏وَلَمْ يَلْبِسُوا أَيْمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، أَيْ‏:‏ بِشِرْكٍ ‏"‏ ‏{‏أُولَئِكَ لَهُمُ اَلْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ‏}‏ ‏"‏، اَلْأَمْنُ مِنَ اَلْعَذَابِ، وَالْهُدَى فِي اَلْحُجَّةِ بِالْمَعْرِفَةِ وَالِاسْتِقَامَةِ‏.‏ يَقُولُ اَللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ‏}‏ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ اِبْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَأَيُّ اَلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏"‏، قَالَ فَقَالَ اَللَّهُ وَقَضَى بَيْنَهُمْ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ بِشِرْكٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أُولَئِكَ لَهُمُ اَلْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ‏}‏ ‏"‏، فَأَمَّا اَلذُّنُوبُ فَلَيْسَ يَبْرِأُ مِنْهَا أَحَدٌ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هَذَا جَوَابٌ مِنْ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِبْرَاهِيمَ، حِينَ قَالَ لَهُمْ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أَيُّ اَلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ‏}‏ ‏"‏‏؟‏ فَقَالُوا لَهُ‏:‏ اَلَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ فَوَحَّدُوهُ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ، إِذَا لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا اَلْقَاسِمُ قَالَ حَدَّثَنَا اَلْحُسَيْنُ قَالَ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَأَيُّ اَلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏"‏، أَمَنْ يَعْبُدُ رَبًّا وَاحِدًا أَمْ مَنْ يَعْبُدُ أَرْبَابًا كَثِيرَةً‏؟‏ يَقُولُ قَوْمُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، بِعِبَادَةِ اَلْأَوْثَانِ، وَهِيَ حُجَّةُ إِبْرَاهِيمَ ‏"‏ أُولَئِكَ لَهُمُ اَلْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ‏"‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى اَلْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ هَذَا خَبَرٌ مِنَ اَللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ أَوْلَى اَلْفَرِيقَيْنِ بِالْأَمْنِ، وَفَصْلُ قَضَاءٍ مِنْهُ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قَوْمِهِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مِنْ قَوْلِ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ اَلَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ اَلْأَوْثَانَ وَيُشْرِكُونَهَا فِي عِبَادَةِ اَللَّهِ، لَكَانُوا قَدْ أَقَرُّوا بِالتَّوْحِيدِ وَاتَّبَعُوا إِبْرَاهِيمَ عَلَى مَا كَانُوا يُخَالِفُونَهُ فِيهِ مِنَ اَلتَّوْحِيدِ، وَلَكِنَّهُ كَمَا ذَكَرْتَ مِنْ تَأْوِيلِهِ بَدِيًّا‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ اَلتَّأْوِيلِ فِي اَلْمَعْنَى اَلَّذِي عَنَاهُ اَللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ بِشِرْكٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا اِبْنُ إِدْرِيسَ قَالَ حَدَّثَنَا اَلْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، «عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ اَلْآيَةُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَلَّا تَرَوْنَ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اَلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‏}‏»، ‏[‏سُورَةُ لُقْمَانَ‏:‏ 13‏]‏‏؟‏

قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ اِبْنُ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنِيهِ أَوَّلًا أَبِي، عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ، عَنِ اَلْأَعْمَشِ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ قِيلَ لَهُ‏:‏ مِنَ اَلْأَعْمَشِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏!‏

حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى اَلرَّمْلِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنِ اَلْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، «عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى اَلْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اَللَّهِ، مَا مَنَّا أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ‏؟‏ فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ لَيْسَ بِذَلِكَ، أَلَا تَسْمَعُونَ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ إِنَّ اَلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم»‏؟‏

حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ اَلْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، «عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ اَلْآيَةُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا‏:‏ أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَيْسَ كَمَا تَظُنُّونَ، وَإِنَّمَا هُوَ مَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ‏:‏ ‏{‏لَا تُشْرِكْ بِاَللَّهِ إِنَّ اَلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‏}‏»‏.‏

حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ اَلْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، «عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ اَلْآيَةُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى اَلنَّاسِ، فَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اَللَّهِ، وَأَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ إِنَّهُ لَيْسَ كَمَا تَعْنُونَ، أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ اَلْعَبْدُ اَلصَّالِحُ‏:‏ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاَللَّهِ إِنَّ اَلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‏؟‏ إِنَّمَا هُوَ اَلشِّرْك»‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ اَلْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ بِشِرْكٍ‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ بِشِرْكٍ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ وَكِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ اَلْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ «قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ اَلْآيَةُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا‏:‏ أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ‏؟‏ فَقَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَيْسَ بِذَلِكَ، أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْلَ لُقْمَانَ‏:‏ إِنَّ اَلشِّرْكَ لِظُلْمٌ عَظِيم»‏؟‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ وَكِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ وَابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ اَلشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنِ اَلْأَسْودِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ بِشِرْكٍ‏.‏

حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ بِشِرْكٍ‏.‏

حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ اَلطَّائِيِّ، عَنْ أَبِي اَلْأَشْعَرِ اَلْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ‏:‏ أَنَّ زَيْدَ بْنَ صُوحَانَ سَأَلَ سَلْمَانَ فَقَالَ‏:‏ يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ، آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اَللَّهِ قَدْ بَلَغَتْ مِنِّي كُلَّ مَبْلَغٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏ ‏!‏ فَقَالَ سَلْمَانُ‏:‏ هُوَ اَلشِّرْكُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏.‏ فَقَالَ زَيْدٌ‏:‏ مَا يَسُرُّنِي بِهَا أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهَا مِنْكَ، وَأَنَّ لِي مِثْلَ كُلِّ شَيْءٍ أَمْسَيْتُ أَمْلِكُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ وَكِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي اَلْأَشْعَرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ‏:‏ بِشِرْكٍ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ بَشَّارٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا نُسَيرُ بْنُ دُعْلُوقٍ، عَنْ كُرْدُوسٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ بِشِرْكٍ‏.‏

حَدَّثَنِي اَلْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ اَلْكُوفِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عِيسَى، عَنْ حُذَيْفَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ بِشِرْكٍ‏.‏

حَدَّثَنِي اَلْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا عَارِمٌ أَبُو اَلنُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ اَلسَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَغَيْرِهِ‏:‏ أَنْ اِبْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ بِشِرْكٍ‏.‏

حَدَّثَنِي اَلْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ بِكُفْرٍ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِالشِّرْكِ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اَلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‏}‏‏.‏ ‏[‏سُورَةُ لُقْمَانَ‏:‏ 13‏]‏

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْجَهْضَمِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ اَلْمُسَيِّبِ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ بْنَ اَلْخَطَّابِ قَرَأَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، فَلَمَّا قَرَأَهَا فَزِعَ، فَأَتَى أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقَالَ‏:‏ يَا أَبَا اَلْمُنْذِرِ، قَرَأْتُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اَللَّهِ، مَنْ يَسْلَمُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ مَا هِيَ‏؟‏ فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ فَأَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ غَفَرَ اَللَّهُ لَكَ‏!‏ أَمَا سَمِعْتَ اَللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اَلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‏}‏‏؟‏ إِنَّمَا هُوَ‏:‏ وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِشِرْكٍ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ وَكِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَهْرَانَ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ دَخَلَ مَنْزِلَهُ فَقَرَأَ فِي اَلْمُصْحَفِ، فَمَرَّ بِهَذِهِ اَلْآيَةِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، فَأَتَى أُبَيًّا فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ‏:‏ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ، إِنَّمَا هُوَ اَلشِّرْكُ‏.‏

حَدَّثَنِي اَلْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا اَلْحَجَّاجُ بْنُ اَلْمِنْهَالِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَهْرَانَ، عَنْ ‏[‏اِبْنِ مِهْرَانَ‏]‏‏:‏ أَنَّ عُمَرَ بْنَ اَلْخَطَّابِ كَانَ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ نَشَرَ اَلْمُصْحَفَ فَقَرَأَهُ، فَدَخْلَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَرَأَ، فَأَتَى عَلَى هَذِهِ اَلْآيَةِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ اَلْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ‏}‏ ‏"‏، فَانْفَتَلَ وَأَخَذَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ أَتَى أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقَالَ‏:‏ يَا أَبَا اَلْمُنْذِرِ فَتَلَا هَذِهِ اَلْآيَةَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏ وَقَدْ تَرَى أَنَا نَظْلِمُ، وَنَفْعَلُ وَنَفْعَلُ‏!‏ فَقَالَ‏:‏ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِذَاكَ، يَقُولُ اَللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اَلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‏}‏، إِنَّمَا ذَلِكَ اَلشِّرْكُ‏.‏

حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَمْرِو بْنِ سَالِمٍ قَالَ‏:‏ قَرَأَ عُمَرُ بْنُ اَلْخَطَّابِ هَذِهِ اَلْآيَةَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ‏!‏ فَقَالَ أُبَيٌّ‏:‏ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ، ذَاكَ اَلشِّرْكُ‏!‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ وَكِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ، عَنِ اِبْنِ سَالِمٍ قَالَ‏:‏ قَرَأَ عُمَرُ بْنُ اَلْخَطَّابِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ بِشِرْكٍ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ وَكِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ وَكِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اَللَّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ بِشِرْكٍ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، أَيْ‏:‏ بِشِرْكٍ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ وَكِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ بِعِبَادَةِ اَلْأَوْثَانِ‏.‏

حَدَّثَنِي اَلْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ اَلْمُفَضَّلِ قَالَ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ اَلسُّدِّيِّ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ بِشِرْكٍ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اَلْأَعْلَى قَالَ أَخْبَرَنَا اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ اِبْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ بِشِرْكٍ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلْأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ اَلْأَعْمَشِ‏:‏ أَنْ اِبْنَ مَسْعُودٍ «قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى اَلْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اَللَّهِ، مَا مَنَّا أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ‏؟‏ فَقَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَ لُقْمَانَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اَلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‏}‏»‏؟‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ، عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بِزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ عِبَادَةُ اَلْأَوْثَانِ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ وَكِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ بِشِرْكٍ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ قَالَ قَالَ اِبْنُ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ بِشِرْكٍ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَلَمْ يَخْلِطُوا إِيمَانَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ مَعَانِي اَلظُّلْمِ، وَذَلِكَ‏:‏ فِعْلُ مَا نَهَى اَللَّهُ عَنْ فِعْلِهِ، أَوْ تَرْكُ مَا أَمَرَ اَللَّهُ بِفِعْلِهِ، وَقَالُوا‏:‏ اَلْآيَةُ عَلَى اَلْعُمُومِ، لِأَنَّ اَللَّهَ لَمْ يَخُصَّ بِهِ مَعْنَىً مِنْ مَعَانِي اَلظُّلْمِ‏.‏

قَالُوا‏:‏ فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ‏:‏ أَفَلَا أَمْنَ فِي اَلْآخِرَةِ، مِنْ لَهُ الأمن فى الآخرة‏؟‏ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَعْصِ اَللَّهَ فِي صَغِيرَةٍ وَلَا كَبِيرَةٍ، وَإِلَّا لِمَنْ لَقِيَ اَللَّهَ وَلَا ذَنْبَ لَهُ‏؟‏

قُلْنَا‏:‏ إِنَّ اَللَّهَ عَنَى بِهَذِهِ اَلْآيَةِ خَاصًّا مِنْ خَلْقِهِ دُونَ اَلْجَمِيعِ مِنْهُمْ، وَاَلَّذِي عَنَى بِهَا وَأَرَادَهُ بِهَا، خَلِيلَهُ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ إِذَا لَقِيَ اَللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا فَهُوَ فِي مَشِيئَتِهِ إِذَا كَانَ قَدْ أَتَى بَعْضَ مَعَاصِيهِ اَلَّتِي لَا تَبْلُغُ أَنْ تَكُونَ كُفْرًا، فَإِنْ شَاءَ لَمْ يُؤَمِّنْهُ مِنْ عَذَابِهِ، وَإِنْ شَاءَ تَفَضَّلَ عَلَيْهِ فَعَفَا عَنْهُ‏.‏

قَالُوا‏:‏ وَذَلِكَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ اَلسَّلَفِ، وَإِنْ كَانُوا مُخْتَلِفِينَ فِي اَلْمَعْنِيِّ بِالْآيَةِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عُنِيَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عُنِيَ بِهَا اَلْمُهَاجِرُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ‏:‏ عَنَى بِهَذِهِ اَلْآيَةِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ اَلرَّحْمَنِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ وَكِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ اَلرَّبِيعِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عَلَاقَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ‏:‏ هَذِهِ اَلْآيَةُ لِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً، لَيْسَ لِهَذِهِ اَلْأُمَّةِ مِنْهَا شَيْءٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ‏:‏ عُنِيَ بِهَا اَلْمُهَاجِرُونَ خَاصَّةً‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ وَكِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ اَلرَّبِيعِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ هِيَ لِمَنْ هَاجَرَ إِلَى اَلْمَدِينَةِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى اَلْقَوْلَيْنِ بِالصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ، مَا صَحَّ بِهِ اَلْخَبَرُ «عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ اَلْخَبَرُ اَلَّذِي رَوَاهُ اِبْنُ مَسْعُودٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ اَلظُّلْمُ اَلَّذِي ذَكَرَهُ اَللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي هَذَا اَلْمَوْضِعِ، هُوَ اَلشِّرْكُ‏.‏»

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أُولَئِكَ لَهُمُ اَلْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ‏}‏ ‏"‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ هَؤُلَاءِ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَخْلِطُوا إِيمَانَهُمْ بِشِرْكٍ ‏"‏ ‏{‏لَهُمُ اَلْأَمْنُ ‏"‏يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ مِنْ عَذَابِ اَللَّه‏"‏ وَهُمْ مُهْتَدُونَ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَهُمُ اَلْمُصِيبُونَ سَبِيلَ اَلرَّشَادِ، وَالسَّالِكُونَ طَرِيقَ اَلنَّجَاةِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏83‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ‏"‏، قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِمُخَاصِمِيهِ مِنْ قَوْمِهِ اَلْمُشْرِكِينَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أَيُّ اَلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ‏}‏ ‏"‏، أَمَنْ يَعْبُدُ رَبًّا وَاحِدًا مُخْلِصًا لَهُ اَلدِّينُ وَالْعِبَادَةُ، أَمْ مَنْ يَعْبُدُ أَرْبَابًا كَثِيرَةً‏؟‏ وَإِجَابَتُهُمْ إِيَّاهُ بِقَوْلِهِمْ‏:‏ ‏"‏ بَلْ مَنْ يَعْبُدُ رَبًّا وَاحِدًا أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ‏"‏، وَقَضَاؤُهُمْ لَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ قَطْعُ عُذْرِهِمْ وَانْقِطَاعُ حُجَّتِهِمْ، وَاسْتِعْلَاءُ حُجَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمْ‏.‏ فَهِيَ اَلْحُجَّةُ اَلَّتِي آتَاهَا اَللَّهُ إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ، كَاَلَّذِي‏:‏-

حَدَّثَنِي اَلْحَارِثُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلْعَزِيزِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ اَلثَّوْرِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ هِيَ ‏"‏ ‏{‏اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي اَلْحَارِثُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلْعَزِيزِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ قَالَ إِبْرَاهِيمُ حِينَ سَأَلَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أَيُّ اَلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ هِيَ حَجَّةُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ لَقَّنَّاهَا إِبْرَاهِيمَ وَبَصَّرْنَاهُ إِيَّاهَا وَعَرَّفْنَاهُ ‏"‏ ‏{‏عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ‏}‏ ‏"‏‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ اَلْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ‏}‏ ‏"‏، بِإِضَافَةِ ‏"‏اَلدَّرَجَات‏"‏ إِلَى ‏"‏ مِنْ ‏"‏، بِمَعْنَى‏:‏ نَرْفَعُ اَلدَّرَجَاتِ لِمَنْ نَشَاءُ‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ اَلْكُوفَةِ ‏{‏نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ‏}‏ بِتَنْوِينِ ‏"‏ اَلدَّرَجَاتِ ‏"‏، بِمَعْنَى‏:‏ نَرْفَعُ مَنْ نَشَاءُ دَرَجَاتٍ‏.‏

وَ ‏"‏اَلدَّرَجَات‏"‏ جَمْعُ ‏"‏ دَرَجَةٍ ‏"‏، وَهِيَ اَلْمَرْتَبَةُ‏.‏ وَأَصْلُ ذَلِكَ مَرَاقِي اَلسُّلَّمِ وَدَرَجَهُ، ثُمَّ تُسْتَعْمَلُ فِي اِرْتِفَاعِ اَلْمَنَازِلِ وَالْمَرَاتِبِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ اَلْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ‏:‏ هُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَئِمَّةٌ مِنَ الْقَرَأَةِ، مُتَقَارِبٌ مَعْنَاهُمَا‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ رُفِعَتْ دَرَجَتُهُ، فَقَدْ رُفِعَ فِي اَلدُّرْجِ وَمَنْ رَفَعَ فِي اَلدُّرَجِ، فَقَدْ رُفِعَتْ دَرَجَتُهُ‏.‏ فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ اَلْقَارِئُ فَمُصِيبٌ اَلصَّوَابَ فِي ذَلِكَ‏.‏

فَمَعْنَى اَلْكَلَامِ إذًا‏:‏ ‏"‏ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ ‏"‏، فَرَفَعْنَا بِهَا دَرَجَتَهُ عَلَيْهِمْ، وَشَرَّفْنَاهُ بِهَا عَلَيْهِمْ فِي اَلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ‏.‏ فَأَمَّا فِي اَلدُّنْيَا، فَآتَيْنَاهُ فِيهَا أَجْرَهُ وَأَمَّا فِي اَلْآخِرَةِ، فَهُوَ مِنَ اَلصَّالِحِينَ ‏"‏ ‏{‏نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ‏}‏ ‏"‏، أَيْ بِمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ‏}‏ ‏"‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ إِنَّ رَبَّكَ، يَا مُحَمَّدُ، ‏"‏حَكِيمٌ ‏"‏، فِي سِيَاسَتِهِ خَلْقَهُ، وَتَلْقِينِهِ أَنْبِيَاءَهُ اَلْحُجَجَ عَلَى أُمَمِهِمُ اَلْمُكَذِّبَةِ لَهُمْ، اَلْجَاحِدَةِ تَوْحِيدَ رَبِّهِمْ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَدْبِيرِه‏"‏ عَلِيمٌ ‏"‏، بِمَا يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمْرُ رُسُلِهِ وَالْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ، مِنْ ثَبَاتِ اَلْأُمَمِ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُمْ، وَهَلَاكِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، أَوَإِنَابَتِهِمْ وَتَوْبَتِهِمْ مِنْهُ بِتَوْحِيدِ اَللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَتَصْدِيقِ رُسُلِهِ، وَالرُّجُوعِ إِلَى طَاعَتِهِ‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ فأتَسِ، يَا مُحَمَّدُ، فِي نَفْسِكَ وَقَوْمِكَ اَلْمُكَذِّبِيكَ، وَالْمُشْرِكِينَ، بِأَبِيكَ خَلِيلِي إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَنُوبُكَ مِنْهُمْ صَبْرَهُ، فَإِنِّي بِاَلَّذِي يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمْرُكَ وَأَمْرُهُمْ عَالِمٌ، وَبِالتَّدْبِيرِ فِيكَ وَفِيهِمْ حَكِيمٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏84‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي اَلْمُحْسِنِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَجَزَيْنَا إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى طَاعَتِهِ إِيَّانَا، وَإِخْلَاصِهِ تَوْحِيدَ رَبِّهِ، وَمُفَارَقَتِهِ دِينَ قَوْمِهِ اَلْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ، بِأَنَّ رَفَعْنَا دَرَجَتَهُ فِي عِلِّيِّينَ، وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي اَلدُّنْيَا، وَوَهَبْنَا لَهُ أَوْلَادًا خَصَصْنَاهُمْ بِالنُّبُوَّةِ، وَذُرِّيَّةً شَرَّفْنَاهُمْ مِنَّا بِالْكَرَامَةِ، وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى اَلْعَالَمِينَ، مِنْهُمُ‏:‏ اِبْنُهُ إِسْحَاقُ، وَابْنُ اِبْنِهِ يَعْقُوبُ ‏"‏ كُلًّا هَدَيْنَا ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ هَدَيْنَا جَمِيعَهُمْ لِسَبِيلِ اَلرَّشَادِ، فَوَفَّقْنَاهُمْ لِلْحَقِّ وَالصَّوَابِ مِنَ اَلْأَدْيَانِ ‏"‏ ‏{‏وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَهَدْيُنَا لِمِثْلِ اَلَّذِي هَدَيْنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مِنَ اَلْحَقِّ وَالصَّوَابِ، فَوَفَّقْنَاهُ لَهُ نُوحًا، مِنْ قَبْلِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ‏.‏

‏"‏ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ ‏"‏، وَ‏"‏ اَلْهَاءُ ‏"‏اَلَّتِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ‏}‏ ‏"‏، مِنْ ذِكْرِ نُوحٍ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَكَرَ فِي سِيَاقِ اَلْآيَاتِ اَلَّتِي تَتْلُو هَذِهِ اَلْآيَةَ لُوطًا فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَإِسْمَاعِيلَ وَاَلْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى اَلْعَالَمِينَ‏}‏ ‏"‏‏.‏ وَمَعْلُومٌ أَنْ لُوطًا لَمْ يَكُنْ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ‏.‏ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ مَعْطُوفًا عَلَى أَسْمَاءِ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، كَانَ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِالذَّرِّيَّةِ ذَرِّيَّةَ إِبْرَاهِيمَ، لَمَا دَخَلَ يُونُسُ وَلُوطٌ فِيهِمْ‏.‏ وَلَا شَكَّ أَنَّ لُوطًا لَيْسَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَلَكِنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ، فَلِذَلِكَ وَجَبَ أَنْ تَكُون‏"‏ اَلْهَاءُ ‏"‏فِي‏"‏ اَلذُّرِّيَّةِ ‏"‏ مِنْ ذِكْرِ نُوحٍ‏.‏

فَتَأْوِيلُ اَلْكَلَامِ‏:‏ وَنُوحًا وُفَّقْنَا لِلْحَقِّ وَالصَّوَابِ مِنْ قَبْلِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، وَهَدْينَا أَيْضًا مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ، دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ‏.‏

وَ ‏"‏دَاوُدُ ‏"‏، هُوَ دَاوُدُ بْنُ إِيشَا وَ‏"‏ سُلَيْمَان‏"‏ هُوَ اِبْنُهُ‏:‏ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ وَ‏"‏ أَيُّوبُ ‏"‏، هُوَ أَيُّوبُ بْنُ مُوصَ بْنِ رُزَاحَ بْنِ عِيصَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَ‏"‏ يُوسُفُ ‏"‏، هُوَ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَ‏"‏ مُوسَى ‏"‏، هُوَ مُوسَى بْنُ عُمْرَانَ بْنِ يَصْهَرَ بْنِ قَاهَثَ بْنِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ وَ‏"‏ هَارُونُ ‏"‏، أَخُو مُوسَى‏.‏

‏"‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نَجْزِي اَلْمُحْسِنِينَ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ جَزَيْنَا نُوحًا بِصَبْرِهِ عَلَى مَا اُمْتُحِنَ بِهِ فِينَا، بِأَنْ هَدَيْنَاهُ فَوَفَّقْنَاهُ لِإِصَابَةِ اَلْحَقِّ اَلَّذِي خَذَلْنَا عَنْهُ مَنْ عَصَانَا فَخَالَفَ أَمْرَنَا وَنَهْيَنَا مِنْ قَوْمِهِ، وَهَدَيْنَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ مَنْ ذَكَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ مِنْ أَنْبِيَائِهِ لِمِثْلِ اَلَّذِي هَدَيْنَاهُ لَهُ‏.‏ وَكَمَا جَزَيْنَا هَؤُلَاءِ بِحُسْنِ طَاعَتِهِمْ إِيَّانَا وَصَبْرِهِمْ عَلَى اَلْمِحَنِ فِينَا، كَذَلِكَ نَجْزِي بِالْإِحْسَانِ كُلَّ مُحْسِنٍ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏85‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ اَلصَّالِحِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَهَدَيْنَا أَيْضًا لِمِثْلِ اَلَّذِي هَدَيْنَا لَهُ نُوحًا مِنَ اَلْهُدَى وَالرَّشَادِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ‏:‏ زَكَرِيَّا بْنَ إدُّو بْنَ بَرْخِيَّا، وَيَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، وَعِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ اِبْنَةِ عِمْرَانَ بْنِ يَاشَهْمَ بْنِ أَمُونَ بْنِ حِزْقِيَا، وَإِلْيَاسَ‏.‏

وَاخْتَلَفُوا فِي ‏"‏ إِلْيَاسَ ‏"‏‏.‏

فَكَانَ اِبْنُ إِسْحَاقَ يَقُولُ‏:‏ هُوَ إِلْيَاسُ بْنُ يَسَّى بْنِ فَنُحَاصَ بْنِ الْعِيزَارِ بْنِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ، اِبْنِ أَخِي مُوسَى نَبِيِّ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَكَانَ غَيْرُهُ يَقُولُ‏:‏ هُوَ إِدْرِيسُ‏.‏ وَمِمَّنْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْهُ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏إِدْرِيسُ ‏"‏، هُو‏"‏ إِلْيَاسُ ‏"‏، وَ‏"‏ إِسْرَائِيلُ ‏"‏، هُوَ ‏"‏ يَعْقُوبُ ‏"‏‏.‏

وَأَمَّا أَهْلُ اَلْأَنْسَابِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ ‏"‏إِدْرِيسُ ‏"‏، جَدُّ نُوحِ بْنِ لَمَّكَ بْنِ متوشَلَخَ بْنِ أَخْنُوخَ، وَ‏"‏ أَخْنُوخ‏"‏ هُوَ ‏"‏ إِدْرِيسُ بْنُ يَرُدُّ بْنُ مهلَائيلَ ‏"‏‏.‏ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ‏.‏

وَاَلَّذِي يَقُولُ أَهْلُ اَلْأَنْسَابِ أَشْبَهَ بِالصَّوَابِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَسَبَ ‏"‏إِلْيَاس‏"‏ فِي هَذِهِ اَلْآيَةِ إِلَى ‏"‏نُوحٍ ‏"‏، وَجَعَلَهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، وَ‏"‏ نُوح‏"‏ اِبْنُ إِدْرِيسَ عِنْدَ أَهْلِ اَلْعِلْمِ، فَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ جَدَّ أَبِيهِ مَنْسُوبًا إِلَى أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏كُلٌّ مِنَ اَلصَّالِحِينَ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ مَنْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ هَؤُلَاءِ اَلَّذِينَ سَمَّيْنَا‏"‏ مِنَ اَلصَّالِحِينَ ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ زَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏86‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِسْمَاعِيلَ وَاَلْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى اَلْعَالَمِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَهَدَيْنَا أَيْضًا مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ ‏"‏إِسْمَاعِيل‏"‏ وَهُوَ‏:‏ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ‏"‏ وَاَلْيَسَعُ ‏"‏، هُوَ اَلْيَسَعُ بْنُ أخْطُوبَ بْنِ اَلْعَجُوزِ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ اِسْمِهِ‏.‏

فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ اَلْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ‏:‏ ‏{‏وَاَلْيَسَعَ‏}‏ بِلَامٍ وَاحِدَةٍ مُخَفَّفَةٌ‏.‏

وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ ‏"‏يَفْعَلُ ‏"‏، مِنْ قَوْلِ اَلْقَائِلِ‏:‏ ‏"‏ وَسِعَ يَسَعُ ‏"‏‏.‏ وَلَا تَكَادُ اَلْعَرَبُ تُدْخِلُ ‏"‏اَلْأَلِفَ وَاللَّام‏"‏ عَلَى اِسْمٍ يَكُونُ عَلَى هَذِهِ اَلصُّورَةِ أَعْنِي عَلَى ‏"‏يَفْعَل‏"‏ لَا يَقُولُونَ‏:‏ ‏"‏رَأَيْتُ الْيزِيد‏"‏ وَلَا ‏"‏أَتَانِي الْيَحْيَى‏"‏ وَلَا ‏"‏ مَرَرْتُ بِالْيَشْكُرِ ‏"‏، إِلَّا فِي ضَرُورَةِ شِعْرٍ، وَذَلِكَ أَيْضًا إِذَا تُحُرِّيَ بِهِ اَلْمَدْحُ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏

وَجَدْنَا الْوَلِيدَ بْنَ الْيَزِيدَ مُبَارَكًا *** شَدِيدًا بِأَحْنَاءِ الْخِلَافَةِ كَاهِلُهْ

فَأَدْخَلَ فِي ‏"‏الْيَزِيد‏"‏ اَلْأَلِفَ وَاللَّامَ، وَذَلِكَ لِإِدْخَالِهِ إِيَّاهُمَا فِي ‏"‏اَلْوَلِيدِ ‏"‏، فَأَتْبَعَه‏"‏ الْيَزِيدَ ‏"‏ بِمِثْلِ لَفْظِهِ‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ قَرَأَةِ اَلْكُوفِيِّينَ‏:‏ ‏{‏وَاللَّيْسَعَ‏}‏ بِلَامَيْنِ، وَبِالتَّشْدِيدِ، وَقَالُوا‏:‏ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ، كَانَ أَشْبَهَ بِأَسْمَاءِ اَلْعَجَمِ، وَأَنْكَرُوا اَلتَّخْفِيفَ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ لَا نَعْرِفُ فِي كَلَامِ اَلْعَرَبِ اِسْمًا عَلَى ‏"‏يَفْعَل‏"‏ فِيهِ أَلِفٌ وَلَامٌ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ اَلْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِلَامٍ وَاحِدَةٍ مُخَفَّفَةٍ، لِإِجْمَاعِ أَهْلِ اَلْأَخْبَارِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ اَلْمَعْرُوفُ مِنِ اِسْمِهِ، دُونَ اَلتَّشْدِيدِ، مَعَ أَنَّهُ اِسْمٌ أَعْجَمِيٌّ، فَيَنْطِقُ بِهِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ‏.‏ وَإِنَّمَا يُعْلَمُ دُخُولُ ‏"‏اَلْأَلِفِ وَاللَّام‏"‏ فِيمَا جَاءَ مِنْ أَسْمَاءِ اَلْعَرَبِ عَلَى ‏"‏يَفْعَلُ ‏"‏‏.‏ وَأَمَّا اَلِاسْمُ اَلَّذِي يَكُونُ أَعْجَمِيًّا، فَإِنَّمَا يُنْطَقُ بِهِ عَلَى مَا سَمَّوْا بِهِ‏.‏ فَإِنْ غُيِّرَ مِنْهُ شَيْءٌ إِذَا تَكَلَّمَتِ اَلْعَرَبُ بِهِ، فَإِنَّمَا يُغَيَّرُ بِتَقْوِيمِ حَرْفٍ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ حَذْفٍ وَلَا زِيَادَةٍ فِيهِ وَلَا نُقْصَانٍ‏.‏ وَ‏"‏ اللَّيْسَع‏"‏ إِذَا شَدَّدَ، لَحِقَتْهُ زِيَادَةٌ لَمْ تَكُنْ فِيهِ قَبْلَ اَلتَّشْدِيدِ‏.‏ وَأُخْرَى، أَنَّهُ لَمْ يُحْفَظْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ اَلْعِلْمِ عِلْمَنَا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ اِسْمُهُ ‏"‏لِيَسَعُ ‏"‏‏.‏ فَيَكُونُ مُشَدَّدًا عِنْدَ دُخُول‏"‏ اَلْأَلِفِ وَاللَّامِ ‏"‏ اَللَّتَيْنِ تَدْخُلَانِ لِلتَّعْرِيفِ‏.‏

وَ ‏"‏يُونُس‏"‏ هُوَ‏:‏ يُونُسُ بنُ مَتَّى ‏"‏وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا ‏"‏، مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ وَنُوحًا، لَهُمْ بَيَّنَّا اَلْحَقَّ وَوَفَّقْنَاهُمْ لَهُ، وَفَضَّلْنَا جَمِيعَهُم‏"‏ عَلَى اَلْعَالَمِينَ ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ عَلَى عَالَمِ أَزْمَانِهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏87‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَهَدَيْنَا أَيْضًا مِنْ آبَاءٍ هَؤُلَاءِ اَلَّذِينَ سَمَّاهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏"‏وَمِنْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ‏"‏، آخَرِينَ سِوَاهُمْ، لَمْ يُسَمِّهِمْ، لِلْحَقِّ وَالدِّينِ اَلْخَالِصِ اَلَّذِي لَا شِرْكَ فِيهِ، فَوَفَّقْنَاهُمْ لَه‏"‏ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَاخْتَرْنَاهُمْ لِدِينِنَا وَبَلَاغِ رِسَالَتِنَا إِلَى مَنْ أَرْسَلْنَاهُمْ إِلَيْهِ، كَاَلَّذِي اِخْتَرْنَا مِمَّنْ سَمَّيْنَا‏.‏

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏اِجْتَبَى فَلَانٌ لِنَفْسِهِ كَذَا ‏"‏، إِذَا اِخْتَارَهُ وَاصْطَفَاهُ، ‏"‏ يَجْتَبِيهِ اِجْتِبَاءً ‏"‏‏.‏

وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اَللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏"‏ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ ‏"‏، قَالَ‏:‏ أَخْلَصْنَاهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي اَلْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

‏"‏ ‏{‏وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَسَدَّدْنَاهُمْ فَأَرْشَدْنَاهُمْ إِلَى طَرِيقٍ غَيْرِ مُعْوَجٍّ، وَذَلِكَ دِينُ اَللَّهِ اَلَّذِي لَا عِوَجَ فِيهِ، وَهُوَ اَلْإِسْلَامُ اَلَّذِي اِرْتَضَاهُ اَللَّهُ رَبُّنَا لِأَنْبِيَائِهِ، وَأَمَرَ بِهِ عِبَادَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏88‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ هُدَى اَللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُمِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏ذَلِكَ هُدَى اَللَّهِ‏}‏ ‏"‏، هَذَا اَلْهُدَى اَلَّذِي هَدَيْتُ بِهِ مَنْ سُمِّيَتُ مِنَ اَلْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، فَوَفَّقْتُهُمْ بِهِ لِإِصَابَةِ اَلدِّينِ اَلْحَقِّ اَلَّذِي نَالُوا بِإِصَابَتِهِمْ إِيَّاهُ رِضَا رَبِّهِمْ، وَشَرَفِ اَلدُّنْيَا، وَكَرَامَةِ اَلْآخِرَةِ، هُوَ ‏"‏هُدَى اَللَّهِ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ هُوَ تَوْفِيقُ اَللَّهِ وَلُطْفُهُ، اَلَّذِي يُوَفِّقُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ، وَيَلْطُفُ بِهِ لِمَنْ أَحَبَّ مِنْ خَلْقِهِ، حَتَّى يُنِيبَ إِلَى طَاعَةِ اَللَّهِ، وَإِخْلَاصِ اَلْعَمَلِ لَهُ، وَإِقْرَارِهِ بِالتَّوْحِيدِ، وَرَفْضِ اَلْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَام‏"‏ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَوْ أَشْرَكَ هَؤُلَاءِ اَلْأَنْبِيَاءُ اَلَّذِينَ سَمَّيْنَاهُمْ، بِرَبِّهِمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ، فَعَبَدُوا مَعَهُ غَيْرَهُ ‏"‏ لَحَبِطَ عَنْهُمْ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ لِبَطَلَ فَذَهَبَ عَنْهُمْ أَجْرُ أَعْمَالِهِمُ اَلَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَ، لِأَنَّ اَللَّهَ لَا يَقْبَلُ مَعَ اَلشِّرْكِ بِهِ عَمَلًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏89‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ اَلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ اَلْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏أُولَئِكَ ‏"‏، هَؤُلَاءِ اَلَّذِينَ سَمَّيْنَاهُمْ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، نُوحًا وَذُرِّيَّتَهُ اَلَّذِينَ هَدَاهُمْ لِدِينِ اَلْإِسْلَامِ، وَاخْتَارَهُمْ لِرِسَالَتِهِ إِلَى خَلْقِهِ، هُم‏"‏ اَلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ اَلْكِتَابَ ‏"‏، يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ صُحُفَ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى، وَزَبُورَ دَاوُدَ، وَإِنْجِيلَ عِيسَى صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ‏"‏ وَالْحُكْمَ ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ اَلْفَهْمَ بِالْكِتَابِ، وَمَعْرِفَةَ مَا فِيهِ مِنَ اَلْأَحْكَامِ‏.‏ وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي ذَلِكَ مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي اَلْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبَانُ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏"‏وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ‏"‏، قَالَ‏:‏ ‏"‏ اَلْحُكْمُ ‏"‏، هُوَ اَللُّبُّ‏.‏

وَعَنَى بِذَلِكَ مُجَاهِدٌ، إِنْ شَاءَ اَللَّهُ، مَا قُلْتُ، لِأَنَّ ‏"‏اَللُّب‏"‏ هُوَ ‏"‏ اَلْعَقْلُ ‏"‏، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ‏:‏ أَنَّ اَللَّهَ آتَاهُمُ اَلْعَقْلَ بِالْكِتَابِ، وَهُوَ بِمَعْنَى مَا قُلْنَا أَنَّهُ اَلْفَهْمُ بِهِ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ‏"‏اَلنُّبُوَّة‏"‏ وَ‏"‏ اَلْحُكْمِ ‏"‏، فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِمَا، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏89‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَإِنْ يَكْفُرْ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ، بِآيَاتِ كِتَابِي اَلَّذِي أَنْزَلْتُهُ إِلَيْكَ فَيَجْحَدُ هَؤُلَاءِ اَلْمُشْرِكُونَ اَلْعَادِلُونَ بِرَبِّهِمْ، كَاَلَّذِي‏:‏-

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ إِنْ يَكْفُرُوا بِالْقُرْآنِ‏.‏

ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْلُ اَلتَّأْوِيلِ فِي اَلْمَعْنِيِّ بِـ ‏"‏ هَؤُلَاءِ ‏"‏‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عُنِيَ بِهِمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ وَعَنَى بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ‏}‏ ‏"‏، اَلْأَنْصَارَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اَللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ أَهْلُ مَكَّةَ ‏"‏ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا ‏"‏، أَهْلَ اَلْمَدِينَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ وَكِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ اَلضَّحَّاكِ، ‏"‏ ‏{‏فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ اَلْأَنْصَارُ‏.‏

حَدَّثَنِي اَلْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ مَغْرَاءَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ اَلضَّحَّاكِ‏:‏ ‏"‏فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ ‏"‏، قَالَ‏:‏ إِنْ يَكْفُرْ بِهَا أَهْلُ مَكَّة‏"‏ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا ‏"‏، أَهْلَ اَلْمَدِينَةِ اَلْأَنْصَارَ ‏"‏ لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ اَلْمُفَضَّلِ قَالَ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ اَلسُّدِّيِّ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ إِنْ تَكْفُرْ بِهَا قُرَيْشٌ ‏"‏ ‏{‏فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا‏}‏ ‏"‏، اَلْأَنْصَارَ‏.‏

حَدَّثَنَا اَلْقَاسِمُ قَالَ حَدَّثَنَا اَلْحُسَيْنُ قَالَ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ‏}‏ ‏"‏، أَهْلُ مَكَّةَ ‏"‏ ‏{‏فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ‏}‏ ‏"‏، أَهَّلَ اَلْمَدِينَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ‏"‏، قَالَ‏:‏ كَانَ أَهْلُ اَلْمَدِينَةِ قَدْ تَبَوَّءُوا اَلدَّارَ وَالْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ فَلَمَّا أَنْزَلَ اَللَّهُ عَلَيْهِمُ اَلْآيَاتِ، جَحَدَ بِهَا أَهْلُ مَكَّةَ‏.‏ فَقَالَ اَللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ‏}‏ ‏"‏‏.‏ قَالَ عَطِيَّةُ‏:‏ وَلَمْ أَسْمَعْ هَذَا مِنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ، وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ مِنْ غَيْرِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي اَلْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ‏}‏ ‏"‏، يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ إِنْ يَكْفُرُوا بِالْقُرْآنِ ‏"‏ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ‏"‏، يَعْنِي أَهْلَ اَلْمَدِينَةِ وَالْأَنْصَارَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا أَهْلُ مَكَّةَ، فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا اَلْمَلَائِكَةَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ وَكِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ هُمُ اَلْمَلَائِكَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَعَبْدُ اَلْوَهَّابِ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، مِثْلَهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ عَنَى بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ ‏"‏، يَعْنِي قُرَيْشًا وَبِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا‏}‏ ‏"‏، اَلْأَنْبِيَاءَ اَلَّذِينَ سَمَّاهُمْ فِي اَلْآيَاتِ اَلَّتِي مَضَتْ قَبْلَ هَذِهِ اَلْآيَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ‏}‏ ‏"‏، يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ ‏"‏ ‏{‏فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ‏}‏ ‏"‏، وَهُمُ اَلْأَنْبِيَاءُ اَلثَّمَانِيَةَ عَشَرَ اَلَّذِينَ قَالَ اَللَّهُ‏:‏ أُولَئِكَ اَلَّذِينَ هَدَى اَللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلْأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ يَعْنِي قَوْمَ مُحَمَّدٍ‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ‏}‏ ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ اَلنَّبِيِّينَ اَلَّذِينَ قَصَّ قَبْلَ هَذِهِ اَلْآيَةِ قَصَصَهُمْ‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أُولَئِكَ اَلَّذِينَ هَدَى اَللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ‏}‏ ‏"‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى هَذِهِ اَلْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ عَنَى بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ‏}‏ ‏"‏، كُفَّارَ قُرَيْشٍ ‏"‏ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ‏"‏، يَعْنِي بِهِ اَلْأَنْبِيَاءَ اَلثَّمَانِيَةَ عَشَرَ اَلَّذِينَ سَمَّاهُمُ اَللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي اَلْآيَاتِ قَبْلَ هَذِهِ اَلْآيَةِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ اَلْخَبَرَ فِي اَلْآيَاتِ قَبْلَهَا عَنْهُمْ مَضَى، وَفِي اَلَّتِي بَعْدَهَا عَنْهُمْ ذَكَرَ، فَمَا بَيْنَهَا بِأَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْهُمْ، أَوْلَى وَأَحَقُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ غَيْرِهِمْ‏.‏

فَتَأْوِيلُ اَلْكَلَامِ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ‏:‏ فَإِنَّ كُفْرَ قَوْمِكَ مِنْ قُرَيْشٍ، يَا مُحَمَّدُ، بِآيَاتِنَا، وَكَذَّبُوا وَجَحَدُوا حَقِيقَتَهَا، فَقَدِ اِسْتَحْفَظْنَاهَا وَاسْتَرْعَيْنَا اَلْقِيَامَ بِهَا رُسُلَنَا وَأَنْبِيَاءَنَا مِنْ قَبْلِكَ، اَلَّذِينَ لَا يَجْحَدُونَ حَقِيقَتَهَا، وَلَا يُكَذِّبُونَ بِهَا، وَلَكِنَّهُمْ يُصَدِّقُونَ بِهَا وَيُؤْمِنُونَ بِصِحَّتِهَا‏.‏

وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا ‏"‏، رَزَقْنَاهَا قَوْمًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏90‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ اَلَّذِينَ هَدَى اَللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أُولَئِكَ‏}‏ ‏"‏، هَؤُلَاءِ اَلْقَوْمُ اَلَّذِينَ وَكَّلْنَا بِآيَاتِنَا وَلَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ، هُمُ اَلَّذِينَ هَدَاهُمُ اَللَّهُ لِدِينِهِ اَلْحَقِّ، وَحَفِظَ مَا وَكَّلُوا بِحِفْظِهِ مِنْ آيَاتِ كِتَابِهِ، وَالْقِيَامِ بِحُدُودِهِ، وَاتِّبَاعِ حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ مِنْ أَمْرِ اَللَّهِ، وَالِانْتِهَاءِ عَمَّا فِيهِ مِنْ نَهْيِهِ، فَوَفَّقَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِذَلِكَ ‏"‏فَبِهُدَاهُمُ اِقْتَدِهْ ‏"‏، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَبِالْعَمَلِ اَلَّذِي عَمِلُوا، وَالْمِنْهَاجِ اَلَّذِي سَلَكُوا، وَبِالْهُدَى اَلَّذِي هَدَيْنَاهُمْ، وَالتَّوْفِيقِ اَلَّذِي وَفَّقْنَاهُم‏"‏ اِقْتَدِهْ ‏"‏، يَا مُحَمَّدُ، أَيْ‏:‏ فَاعْمَلْ، وَخُذْ بِهِ وَاسْلُكْهُ، فَإِنَّهُ عَمَلٌ لِلَّهِ فِيهِ رِضًا، وَمِنْهَاجٌ مَنْ سَلَكَهُ اِهْتَدَى‏.‏

وَهَذَا اَلتَّأْوِيلُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ‏}‏ ‏"‏، أَنَّهُمُ اَلْأَنْبِيَاءُ اَلْمُسَمَّوْنَ فِي اَلْآيَاتِ اَلْمُتَقَدِّمَةِ‏.‏ وَهُوَ اَلْقَوْلُ اَلَّذِي اِخْتَرْنَاهُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا عَلَى تَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ‏:‏ أَنَّ اَلْقَوْمَ اَلَّذِينَ وُكِّلُوا بِهَا هُمْ أَهْلُ اَلْمَدِينَةِ أَوْ‏:‏ أَنَّهُمْ هُمُ اَلْمَلَائِكَةُ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ‏}‏ ‏"‏، اِعْتِرَاضًا بَيْنَ اَلْكَلَامَيْنِ، ثُمَّ رَدُّوا قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أُولَئِكَ اَلَّذِينَ هَدَى اَللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ‏}‏ ‏"‏، عَلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أُولَئِكَ اَلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ اَلْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ‏}‏ ‏"‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا اَلْقَاسِمُ قَالَ حَدَّثَنَا اَلْحُسَيْنُ قَالَ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ‏}‏ ‏"‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أُولَئِكَ اَلَّذِينَ هَدَى اَللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ‏}‏ ‏"‏، يَا مُحَمَّدُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ اِبْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أُولَئِكَ اَلَّذِينَ هَدَى اَللَّهُ‏}‏ ‏"‏، يَا مُحَمَّدُ، ‏"‏ ‏{‏فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ‏}‏ ‏"‏، وَلَا تَقْتَدِ بِهَؤُلَاءِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ اَلْمُفَضَّلِ قَالَ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ اَلسُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ‏{‏أُولَئِكَ اَلَّذِينَ هَدَى اَللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ‏}‏ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا ‏{‏عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ‏}‏ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ ثُمَّ قَالَ فِي اَلْأَنْبِيَاءِ اَلَّذِينَ سَمَّاهُمْ فِي هَذِهِ اَلْآيَةِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ‏}‏ ‏"‏‏.‏

وَمَعْنَى‏:‏ ‏"‏اَلِاقْتِدَاء‏"‏ فِي كَلَامِ اَلْعَرَبِ، بِالرَّجُلِ‏:‏ اِتِّبَاعُ أَثَرِهِ، وَالْأَخْذُ بِهَدْيهِ‏.‏ يُقَالُ‏:‏ ‏"‏فَلَانٌ يَقْدُو فُلَانًا ‏"‏، إِذَا نَحَا نَحْوَهُ، وَاتَّبَعَ أَثَرَهُ، ‏"‏ قِدَةً، وَقُدْوَةً وَقِدْوَةً وقِدْيَةً ‏"‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏90‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًاإِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏قُل‏"‏ لِهَؤُلَاءِ اَلَّذِينَ أَمَرْتُكَ أَنْ تُذَكِّرَهُمْ بِآيَاتِي، أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ، مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏لَا أَسْأَلُكُمْ‏}‏ ‏"‏، عَلَى تَذْكِيرِي إِيَّاكُمْ، وَالْهُدَى اَلَّذِي أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ، وَالْقُرْآنِ اَلَّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ، عِوَضًا أَعْتَاضُهُ مِنْكُمْ عَلَيْهِ، وَأَجْرًا آخُذُهُ مِنْكُمْ، وَمَا ذَلِكَ مِنِّي إِلَّا تَذْكِيرٌ لَكُمْ، وَلِكُلِّ مَنْ كَانَ مَثَلَكُمْ مِمَّنْ هُوَ مُقِيمٌ عَلَى بَاطِلٍ، بَأْسَ اَللَّهِ أَنْ يَحِلَّ بِكُمْ، وَسَخَطَهُ أَنْ يَنْزِلَ بِكُمْ عَلَى شِرْكِكُمْ بِهِ وَكُفْرِكُمْ وَإِنْذَارٌ لِجَمِيعِكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، لِتَذْكُرُوا وتَنْزَجِرُوا‏.‏