فصل: تفسير الآية رقم (26)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْـزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْجَهَلَةِ مِنَ الْعَرَبِ الَّذِينَ كَانُوا يَتَعَرَّوْنَ لِلطَوَافِ، اتِّبَاعًا مِنْهُمْ أَمْرَ الشَّيْطَانِ، وَتَرْكًا مِنْهُمْ طَاعَةَ اللَّهِ، فَعَرَّفَهُمُ انْخِدَاعَهُمْ بِغُرُورِهِ لَهُمْ، حَتَّى تَمَكَّنَ مِنْهُمْ فَسَلَبَهُمْ مِنْ سِتْرِ اللَّهِ الَّذِي أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ، حَتَّى أَبْدَى سَوْآتِهِمْ وَأَظْهَرَهَا مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، مَعَ تَفَضُّلِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِتَمْكِينِهِمْ مِمَّا يَسْتُرُونَهَا بِهِ، وَأَنَّهُمْ قَدْ سَارَ بِهِمْ سِيرَتَهُ فِي أَبَوَيْهِمْ آدَمَ وَحَوَّاءَاللَّذَيْنِ دَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ حَتَّى سَلَبَهُمَا سِتْرَ اللَّهِ الَّذِي كَانَ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمَا حَتَّى أَبْدَى لَهُمَا سَوْآتِهِمَا فَعَرَّاهُمَا مِنْهُ‏:‏ ‏{‏يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْـزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا‏}‏، يَعْنِي بِإِنـْزَالِهِ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، خَلْقَهُ لَهُمْ، وَرِزْقَهُ إِيَّاهُمْ وَ“ اللِّبَاسُ “ مَا يَلْبَسُونَ مِنَ الثِّيَابِ ‏{‏يُوَارِي سَوْآتِكُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ يَسْتُرُ عَوْرَاتِكُمْ عَنْ أَعْيُنِكُمْ وَكَنَّى بِـ “ السَّوْءَاتِ “، عَنِ الْعَوْرَاتِ‏.‏

وَاحِدَتُهَا “ سَوْءَةٌ “، وَهِيَ “ فَعْلَةٌ “ مِنَ “ السَّوءِ “، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ “ سَوْءَةً “، لِأَنَّهُ يَسُوءُ صَاحِبَهَا انْكِشَافُهَا مِنْ جَسَدِهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

خَـرَقُوا جَـيْبَ فَتَـاتِهِمُ *** لَـمْ يُبَـالُوا سَـوْءَةَ الرَّجُلَـهْ

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ نَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، وَلَا يَلْبَسُ أَحَدُهُمْ ثَوْبًا طَافَ فِيهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَدَنِيُّ قَالَ، سَمِعَتْ مُجَاهِدًا يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْـزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا‏}‏، قَالَ‏:‏ أَرْبَعُ آيَاتٍ نـَزَلَتْ فِي قُرَيْشٍ‏.‏ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ إِلَّا عُرَاةً‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عَوْفٍ قَالَ‏:‏ سَمِعَتْ مَعْبَدًا الْجُهَنِيَّ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْـزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا‏}‏، قَالَ‏:‏ اللِّبَاسُ الَّذِي تَلْبَسُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْـزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَطُوفُ عُرَاةً، لَا يَلْبَسُ أَحَدُهُمْ ثَوْبًا طَافَ فِيهِ‏.‏ وَقَدْ كَانَ نَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَسَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ مَعْبَدٍ الجُهَنِيِّ‏:‏ ‏{‏يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْـزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ اللِّبَاسُ الَّذِي يُوَارِي سَوْآتِكُمْ‏:‏ وَهُوَ لَبُوسُكُمْ هَذِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ هِيَ الثِّيَابُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ، اللِّبَاسُ‏:‏ الثِّيَابُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَدْ أَنْـزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَعْنِي ثِيَابَ الرَّجُلِ الَّتِي يَلْبَسُهَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَرِيشًا‏)‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةُ الْأَمْصَارِ‏:‏ ‏(‏وَرِيشًا‏)‏، بِغَيْرِ “ أَلِفٍ “‏.‏

وَذُكِرَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ‏:‏ أَنَّهُمَا كَانَا يَقْرَآنِهِ‏:‏ “ وَرِيَاشًا “‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ أَبَانَ الْعَطَّارِ قَالَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ‏:‏ أَنْ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ قَرَأَهَا‏:‏ “ وَرِيَاشًا “‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ‏:‏ ‏(‏وَرِيشًا‏)‏ بِغَيْرِ “ أَلِفٍ “، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقَرَأَةِ عَلَيْهَا‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرٌ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ‏:‏ أَنَّهُ قَرَأَهُ‏:‏ “ وَرِيَاشًا “‏.‏

فَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ‏:‏ “ وَرِيَاشًا “ فَإِنَّهُ مُحْتَمِلٌ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ جَمْعَ “ الرِّيشِ “، كَمَا تَجْمَعُ “ الذِّئْبُ “، “ ذِئَابًا “، وَ“ الْبِئْرُ “ “ بِئَارًا “‏.‏

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ مَصْدَرًا، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ “ رَاشَهُ اللَّهُ يَرِيشُهُ رِيَاشًا وَرِيشًا “، كَمَا يُقَالُ‏:‏ “ لَبِسَهُ يَلْبَسُهُ لِبَاسًا وَلِبْسًا “، وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْضُهُمْ‏:‏

فَلَمَّـا كَشَـفْنَ اللِّبْسَ عَنْـهُ مَسَـحْنَهُ *** بِـأَطْرَافِ طَفْـلٍ زَانَ غَيْـلًا مُوَشَّـمَا

بِكَسْرِ “ اللَّامِ “ مِنَ “ اللَّبْسِ “‏.‏

وَ “ الرِّيَاشُ “، فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، الْأَثَاثُ، وَمَا ظَهَرَ مِنَ الثِّيَابِ مِنَ الْمَتَاعِ مِمَّا يُلْبَسُ أَوْ يُحْشَى مِنْ فِرَاشٍ أَوْ دِثَارٍ‏.‏

وَ “ الرِّيشُ “ إِنَّمَا هُوَ الْمَتَاعُ وَالْأَمْوَالُ عِنْدَهُمْ‏.‏ وَرُبَّمَا اسْتَعْمَلُوهُ فِي الثِّيَابِ وَالْكُسْوَةِ دُونَ سَائِرِ الْمَالِ‏.‏ يَقُولُونَ‏:‏ “ أَعْطَاهُ سَرْجًا بِرِيشِهِ “، وَ“ رَحْلًا بِرِيشِهِ “، أَيْ بِكُسْوَتِهِ وَجِهَازِهِ‏.‏ وَيَقُولُونَ‏:‏ “ إِنَّهُ لَحَسَنُ رِيشِ الثِّيَابِ “، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ “ الرِّيَاشُ “ فِي الْخِصْبِ وَرَفَاهَةِ الْعَيْشِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ‏:‏ “ الرِّيَاشُ “، الْمَالُ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَرِيشًا‏)‏، يَقُولُ‏:‏ مَالًا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏(‏وَرِيشًا‏)‏، قَالَ‏:‏ الْمَالُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ “ وَرِيَاشًا “، قَالَ‏:‏ أَمَّا “ رِيَاشًا “، فَرِيَاشُ الْمَالِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَدَنِيُّ قَالَ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ‏:‏ “ الرِّيَاشُ “، الْمَالُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَوْلُهُ‏:‏ “ وَرِيَاشًا “، يَعْنِي، الْمَالُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ‏:‏ هُوَ اللِّبَاسُ وَرَفَاهَةُ الْعَيْشِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ “ وَرِيَاشًا “، قَالَ‏:‏ “ الرِّيَاشُ “، اللِّبَاسُ وَالْعَيْشُ وَالنَّعِيمُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَسَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ مَعْبَدٍ الجُهَنِيِّ‏:‏ “ وَرِيَاشًا “، قَالَ‏:‏ “ الرِّيَاشُ “، الْمَعَاشُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ، أَخْبَرْنَا عَوْفٌ قَالَ، قَالَ مَعْبَدٌ الجُهَنِيُّ‏:‏ “ وَرِيَاشًا “، قَالَ‏:‏ هُوَ الْمَعَاشُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ “ الرِّيشُ “، الْجَمَالُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ وَرِيَاشًا “، قَالَ‏:‏ “ الرِّيشُ “، الْجَمَالُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ “ لِبَاسُ التَّقْوَى “، هُوَ الْإِيمَانُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَلِبَاسُ التَّقْوَى‏}‏، هُوَ الْإِيمَانُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَلِبَاسُ التَّقْوَى‏}‏، الْإِيمَانُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، أَخْبَرَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏وَلِبَاسُ التَّقْوَى‏}‏، الْإِيمَانُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُوَ الْحَيَاءُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَسَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ مَعْبَدٍ الجُهَنِيِّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلِبَاسُ التَّقْوَى‏}‏، الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ، هُوَ الْحَيَاءُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ، أَخْبَرْنَا عَوْفٌ قَالَ، قَالَ مَعْبَدٌ الجُهَنِيُّ، فَذِكْرَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ مَعْبَدٍ، بِنَحْوِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُوَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ‏}‏، قَالَ‏:‏ لِبَاسُ التَّقْوَى‏:‏ الْعَمَلُ الصَّالِحُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ ذَلِكَ هُوَ السَّمْتُ الْحَسَنُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى، عَنْ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَلِبَاسُ التَّقْوَى‏}‏، قَالَ‏:‏ السَّمْتُ الْحَسَنُ فِي الْوَجْهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَجَّاجِ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَيْهِ قَمِيصٌ قُوهِيٌّ مَحْلُولُ الزِّرِّ، وَسَمِعْتُهُ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، وَيَنْهَى عَنِ اللَّعِبِ بِالْحَمَامِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقَوْا اللَّهَ فِي هَذِهِ السَّرَائِرِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ “ «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا عَمِلَ أَحَدٌ قَطُّ سِرًّا إِلَّا أَلْبَسُهُ اللَّهُ رِدَاءَ عَلَانِيَةٍ، إِنَّ خَيْرًا فَخَيْرًا، وَإِنَّ شَرًّا فَشَرًا، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ “ وَرِيَاشًا “ وَلَمْ يَقْرَأْهَا‏:‏ ‏(‏وَرِيشًا‏)‏ ‏{‏وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ السَّمْتُ الْحَسَن»‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُوَ خَشْيَةُ اللَّهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَدَنِيُّ قَالَ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏لِبَاسُ التَّقْوَى‏}‏، خَشْيَةُ اللَّهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ ‏{‏لِبَاسُ التَّقْوَى‏}‏، فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، سَتْرُ الْعَوْرَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلِبَاسُ التَّقْوَى‏}‏، يَتَّقِي اللَّهَ، فَيُوَارِي عَوْرَتَهُ، ذَلِكَ “ لِبَاسُ التَّقْوَى “‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْمَكِّيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ‏:‏ ‏{‏وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ‏}‏، بِرَفْعِ “ وَلِبَاسُ “‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْمَدِينَةِ‏:‏ “ ‏{‏وَلِبَاسَ التَّقْوَى‏}‏ “، بِنَصْبِ “ اللِّبَاسِ “، وَهِيَ قِرَاءَةُ بَعْضِ قَرَأَةِ الْكُوفِيِّينَ‏.‏

فَمِنْ نَصْبَ‏:‏ “ وَلِبَاسَ “، فَإِنَّهُ نَصَبَهُ عَطْفًا عَلَى “ الرِّيشِ “، بِمَعْنَى‏:‏ قَدْ أَنْـزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا، وَأَنْـزَلْنَا لِبَاسَ التَّقْوَى‏.‏

وَأَمَّا الرَّفْعُ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ مُخْتَلِفُونَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي ارْتَفَعَ بِهِ “ اللِّبَاسُ “‏.‏

فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ‏:‏ هُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏ذَلِكَ خَيْرٌ‏)‏‏.‏ وَقَدْ اسْتَخْطَأَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ وَقَالَ‏:‏ هَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ عَلَى “ اللِّبَاسِ “ فِي الْجُمْلَةِ عَائِدٌ، فَيَكُونُ “ اللِّبَاسُ “ إِذَا رُفِعَ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَجُعِلَ “ ذَلِكَ خَيْرٌ “ خَبَرًا‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ‏:‏ ‏(‏وَلِبَاسُ‏)‏، يُرْفَعُ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَلِبَاسُ التَّقْوَى خَيْرٌ، وَيُجْعَلُ “ ذَلِكَ “ مِنْ نَعْتِهِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي رَافِعِ “ اللِّبَاسِ “، لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلرَّفْعِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا بِـ “ خَيْرٌ “، وَإِذَا رُفِعَ بِـ “ خَيْرٌ “ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ وَجْهٌ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ “ اللِّبَاسَ “ نَعْتًا، لَا أَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى “ اللِّبَاسِ “ مِنْ ذِكْرِهِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏ذَلِكَ خَيْرٌ‏)‏، فَيَكُونُ خَيْرٌ مَرْفُوعًا بِـ “ ذَلِكَ “، وَ“ ذَلِكَ “، بِهِ‏.‏

فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَا رُفِعَ “ لِبَاسُ التَّقْوَى “‏:‏ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ الَّذِي قَدْ عَلِمْتُمُوهُ، خَيْرٌ لَكُمْ يَا بَنِي آدَمَ، مِنْ لِبَاسِ الثِّيَابِ الَّتِي تُوَارِي سَوْآتِكُمْ، وَمِنَ الرِّيَاشِ الَّتِي أَنْـزَلْنَاهَا إِلَيْكُمْ، هَكَذَا فَالْبَسُوهُ‏.‏

وَأَمَّا تَأْوِيلُ مَنْ قَرَأَهُ نَصْبًا، فَإِنَّهُ‏:‏ “ يَا بَنَى آدَمَ قَدْ أَنْـزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسَ التَّقْوَى “، هَذَا الَّذِي أَنْـزَلْنَا عَلَيْكُمْ مِنَ اللِّبَاسِ الَّذِي يُوَارِي سَوْآتِكُمْ، وَالرِّيشِ، وَلِبَاسُ التَّقْوَى خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ التَّعَرِّي وَالتَّجَرُّدِ مِنَ الثِّيَابِ فِي طَوَافِكُمْ بِالْبَيْتِ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَالْبَسُوا مَا رَزَقَكُمُ اللَّهُ مِنَ الرِّيَاشِ، وَلَا تُطِيعُوا الشَّيْطَانَ بِالتَّجَرُّدِ وَالتَّعَرِّي مِنَ الثِّيَابِ، فَإِنَّ ذَلِكَ سُخْرِيَةٌ مِنْهُ بِكُمْ وَخُدْعَةٌ، كَمَا فَعَلَ بِأَبَوَيْكُمْ آدَمَ وَحَوَّاءَ، فَخُدَعَهُمَا حَتَّى جَرَّدَهُمَا مِنْ لِبَاسِ اللَّهِ الَّذِي كَانَ أَلْبَسَهُمَا بِطَاعَتِهِمَا لَهُ، فِي أَكْلِ مَا كَانَ اللَّهُ نَهَاهُمَا عَنْ أَكْلِهِ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرَةِ الَّتِي عَصَيَاهُ بِأَكْلِهَا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، أَعْنِي نَصْبَ قَوْلِهِ‏:‏ “ وَلِبَاسَ التَّقْوَى “، لِصِحَّةِ مَعْنَاهُ فِي التَّأْوِيلِ عَلَى مَا بَيَّنْتُ، وَأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا ابْتَدَأَ الْخَبَرَ عَنْ إِنْـزَالِهِ اللِّبَاسَ الَّذِي يُوَارِي سَوْآتِنَا وَالرِّيَاشِ، تَوْبِيخًا لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَتَجَرَّدُونَ فِي حَالِ طَوَافِهِمْ بِالْبَيْتِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِأَخْذِ ثِيَابِهِمْ وَالِاسْتِتَارِ بِهَا فِي كُلِّ حَالٍ، مَعَ الْإِيمَانِ بِهِ وَاتِّبَاعِ طَاعَتِهِ وَيُعَلِّمُهُمْ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ خَيْرٌ مَنْ كُلِّ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مَنْ كُفْرِهِمْ بِاَللَّهِ، وَتَعَرِّيهِمْ، لَا أَنَّهُ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ بَعْضَ مَا أَنْـزَلَ إِلَيْهِمْ خَيْرٌ مِنْ بَعْضٍ‏.‏

وَمَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، الْآيَاتُ الَّتِي بَعُدَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ‏{‏‏)‏ وَمَا بَعْدُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏‏}‏ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ‏{‏‏)‏، فَإِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يَأْمُرُ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِأَخْذِ الزِّينَةِ مِنَ الثِّيَابِ، وَاسْتِعْمَالِ اللِّبَاسِ وَتَرْكِ التَّجَرُّدِ وَالتَّعَرِّي، وَبِالْإِيمَانِ بِهِ، وَاتِّبَاعِ أَمْرِهِ وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، وَيَنْهَى عَنِ الشِّرْكِ بِهِ وَاتِّبَاعِ أَمْرِ الشَّيْطَانِ، مُؤَكَّدًا فِي كُلِّ ذَلِكَ مَا قَدْ أَجْمَلَهُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏‏}‏ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ‏)‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصِّحَّةِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ “ ‏{‏وَلِبَاسُ التَّقْوَى‏}‏ “، اسْتِشْعَارُ النُّفُوسِ تَقْوَى اللَّهِ، فِي الِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَعَاصِيهِ، وَالْعَمَلُ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ طَاعَتِهِ، وَذَلِكَ يَجْمَعُ الْإِيمَانَ، وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ، وَالْحَيَاءَ، وَخَشْيَةَ اللَّهِ، وَالسَّمْتَ الْحَسَنَ، لِأَنَّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ كَانَ بِهِ مُؤْمِنًا، وَبِمَا أَمَرَهُ بِهِ عَامِلًا وَمِنْهُ خَائِفًا، وَلَهُ مُرَاقَبًا، وَمِنْ أَنْ يُرَى عِنْدَ مَا يَكْرَهُهُ مِنْ عِبَادِهِ مُسْتَحْيِيًا‏.‏ وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ ظَهَرَتْ آثَارُ الْخَيْرِ فِيهِ، فَحَسُنَ سَمْتُهُ وَهَدْيُهُ، وَرُئِيَتْ عَلَيْهِ بَهْجَةُ الْإِيمَانِ وَنُورُهُ‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا‏:‏ عَنَى بِـ “ لِبَاسُ التَّقْوَى “، اسْتِشْعَارَ النَّفْسِ وَالْقَلْبِ ذَلِكَ لِأَنَّ “ اللِّبَاسَ “، إِنَّمَا هُوَ ادِّرَاعُ مَا يُلْبَسُ، وَاجْتِيَابُ مَا يُكْتَسَى، أَوْ تَغْطِيَةُ بَدَنِهِ أَوْ بَعْضِهِ بِهِ‏.‏ فَكُلُّ مَنِ ادَّرَعَ شَيْئًا وَاجْتَابَهُ حَتَّى يُرَى عَيْنُهُ أَوْ أَثَرُهُ عَلَيْهِ، فَهُوَ لَهُ “ لَابِسٌ “‏.‏ وَلِذَلِكَ جَعَلَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الرِّجَالَ لِلنِّسَاءِ لِبَاسًا، وَهُنَّ لَهُمْ لِبَاسًا، وَجَعْلَ اللَّيْلَ لِعِبَادِهِ لِبَاسًا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ تَأْوِيلِهِ، إِذَا قُرِئَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلِبَاسُ التَّقْوَى‏}‏، رَفْعًا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَلِبَاسُ التَّقْوَى‏}‏، الْإِيمَانُ ‏(‏ذَلِكَ خَيْرٌ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ ذَلِكَ خَيْرٌ مِنَ الرِّيَاشِ وَاللِّبَاسِ يُوَارِي سَوْآتِكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلِبَاسُ التَّقْوَى‏}‏، قَالَ‏:‏ لِبَاسُ التَّقْوَى خَيْرٌ، وَهُوَ الْإِيمَانُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْتُ لَكُمْ أَنِّي أَنْـزَلْتُهُ إِلَيْكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ، مِنَ اللِّبَاسِ وَالرِّيَاشِ، مِنْ حُجَجِ اللَّهِ وَأَدِلَّتِهِ الَّتِي يُعْلِمُ بِهَا مَنْ كَفَّرَ صِحَّةَ تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَخَطَأَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنَ الضَّلَالَةِ ‏(‏لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ‏)‏، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ جَعَلْتُ ذَلِكَ لَهُمْ دَلِيلًا عَلَى مَا وَصَفْتُ، لِيَذَّكَّرُوا فَيَعْتَبِرُوا وَيُنِيبُوا إِلَى الْحَقِّ وَتَركِ الْبَاطِلِ، رَحْمَةً مِنِّي بِعِبَادِي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏27‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ يَا بَنِي آدَمَ، لَا يَخْدَعَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ فَيُبْدِي سَوْآتِكُمْ لِلنَّاسِ بِطَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ عِنْدَ اخْتِبَارِهِ لَكُمْ، كَمَا فَعَلَ بِأَبَوَيْكُمْ آدَمَ وَحَوَّاءَعِنْدَ اخْتِبَارِهِ إِيَّاهُمَا فَأَطَاعَاهُ وَعَصَيَا رَبَّهُمَا، فَأَخْرَجَهُمَا- بِمَا سَبَّبَ لَهُمَا مِنْ مَكْرِهِ وَخُدَعِهِ- مِنَ الْجَنَّةِ، وَنَـزَعَ عَنْهُمَا مَا كَانَ أَلْبَسَهُمَا مِنَ اللِّبَاسِ، لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا بِكَشْفِ عَوْرَتِهِمَا، وَإِظْهَارِهَا لِأَعْيُنِهِمَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُسْتَتِرَةً‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ مَعْنَى “ الْفِتْنَةِ “، الِاخْتِبَارُ وَالِابْتِلَاءُ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ‏.‏

وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ “ اللِّبَاسِ “ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ نَـزَعَهُ عَنْ أَبَوَيْنَا، وَمَا كَانَ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ كَانَ ذَلِكَ أَظْفَارًا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ لَمْ يَذَّكَّرْ قَوْلَهُ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فِي ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ ‏{‏يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا‏}‏، قَالَ‏:‏ لِبَاسَ كُلِّ دَابَّةٍ مِنْهَا، وَلِبَاسُ الْإِنْسَانِ الظُّفْرُ، فَأَدْرَكَتْ آدَمَ التَّوْبَةُ عِنْدَ ظُفُرِهِ أَوْ قَالَ‏:‏ أَظْفَارُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، عَنْ نَضْرٍ أَبِي عُمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ تُرِكَتْ أَظْفَارُهُ عَلَيْهِ زِينَةً وَمَنَافِعَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ قَالَ، أَخْبَرْنَا مُخَلَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ لِبَاسُهُمَا الظُّفْرَ، فَلَمَّا أَصَابَا الْخَطِيئَةَ نـُزِعَ عَنْهُمَا، وَتُرِكَتِ الْأَظْفَارُ تَذْكِرَةً وَزِينَةً‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ لِبَاسُهُ الظُّفْرَ، فَانْتَهَتْ تَوْبَتُهُ إِلَى أَظْفَارِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ كَانَ لِبَاسَهُمَا نُورًا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ‏:‏ ‏{‏يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا‏}‏، النُّورَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ لِبَاسُ آدَمَ وَحَوَّاءَنُورًا عَلَى فُرُوجِهِمَا، لَا يَرَى هَذَا عَوْرَةَ هَذِهِ، وَلَا هَذِهِ عَوْرَةَ هَذَا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إِنَّمَا عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا‏}‏، يَسْلُبُهُمَا تَقْوَى اللَّهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا‏}‏، قَالَ‏:‏ التَّقْوَى‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا‏}‏، قَالَ‏:‏ التَّقْوَى‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَذَّرَ عِبَادَهُ أَنْ يَفْتِنَهُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا فَتَنَ أَبَوَيْهِمْ آدَمَ وَحَوَّاءَ، وَأَنْ يُجَرِّدَهُمْ مِنْ لِبَاسِ اللَّهِ الَّذِي أَنْـزَلَهُ إِلَيْهِمْ، كَمَا نـَزَعَ عَنْ أَبَوَيْهِمْ لِبَاسَهُمَا‏.‏ “ اللِّبَاسُ “ الْمُطْلَقُ مِنَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ إِضَافَةٍ إِلَى شَيْءٍ فِي مُتَعَارَفِ النَّاسِ، وَهُوَ مَا اجْتَابَ فِيهِ اللَّابِسُ مِنْ أَنْوَاعِ الكُسِيِّ، أَوْ غَطَّى بَدَنَهُ أَوْ بَعْضَهُ‏.‏

وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ آدَمَ وَحَوَّاءَمِنْ لِبَاسِهِمَا الَّذِي نَـزَعَهُ عَنْهُمَا الشَّيْطَانُ، هُوَ بَعْضُ مَا كَانَا يُوَارِيَانِ بِهِ أَبْدَانَهُمَا وَعَوْرَتَهُمَا‏.‏ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ ظُفُرًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَانَ ذَلِكَ نُورًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَا خَبَرَ عِنْدَنَا بِأَيِ ذَلِكَ تَثْبُتُ بِهِ الْحُجَّةُ، فَلَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ أَصْوَبُ مِنْ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا‏}‏‏.‏

وَأَضَافَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِلَى إِبْلِيسَ إِخْرَاجَ آدَمَ وَحَوَّاءَمِنَ الْجَنَّةِ، وَنَـزَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِمَا مِنَ اللِّبَاسِ عَنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هُوَ الْفَاعِلُ ذَلِكَ بِهِمَا عُقُوبَةً عَلَى مَعْصِيَتِهِمَا إِيَّاهُ، إِذْ كَانَ الَّذِي كَانَ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ عَنْ تَسْنِيَةِ ذَلِكَ لَهُمَا بِمَكْرِهِ وَخِدَاعِهِ، فَأُضِيفَ إِلَيْهِ أَحْيَانًا بِذَلِكَ الْمَعْنَى، وَإِلَى اللَّهِ أَحْيَانًا بِفِعْلِهِ ذَلِكَ بِهِمَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏27‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ‏:‏ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَرَاكُمْ هُوَ، وَ“ الْهَاءُ “ فِي “ إِنَّهُ “ عَائِدَةٌ عَلَى الشَّيْطَانِ وَ“ قَبِيلُهُ “، يَعْنِي‏:‏ وَصِنْفُهُ وَجِنْسُهُ الَّذِي هُوَ مِنْهُ وَاحِدٌ جَمَعَ جِيلًا وَهُمُ الْجِنُّ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْجِنُّ وَالشَّيَاطِينُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ “ قَبِيلُهُ “، نَسْلُهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَ أَنْتُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ، الشَّيْطَانَ وَقَبِيلَهُ ‏{‏إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ جَعَلَنَا الشَّيَاطِينَ نُصَرَاءَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَا يُوَحِّدُونَ اللَّهَ وَلَا يُصَدِّقُونَ رُسُلَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏28‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاَللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ ذُكِرَ أَنَّ مَعْنَى “ الْفَاحِشَةِ “، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ الْكِنْدِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَيَّاةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاَللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، يَقُولُونَ‏:‏ “ نَطُوفُ كَمَا وَلَدَتْنَا أُمَّهَاتُنَا “، فَتَضَعُ الْمَرْأَةُ عَلَى قُبُلِهَا النِّسْعَةَ أَوْ الشَّيْءَ، فَتَقُولُ‏:‏

الْيَـوْمَ يَبْـدُو بَعْضُـهُ أَوْ كُلُّـهُ *** فَمَـا بَـدَا مِنْـهُ فَـلَا أُحِلُّـهُ

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا‏}‏، فَاحِشَتُهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مُفَضَّلٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاَللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ قَبِيلَةٌ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، فَإِذَا قِيلَ‏:‏ لِمَ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا، وَاَللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً‏}‏، قَالَ‏:‏ طَوَافُهُمْ بِالْبَيْتِ عُرَاةً‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا‏}‏، قَالَ‏:‏ فِي طَوَافِ الْحُمْسِ فِي الثِّيَابِ، وَغَيْرُهِمْ عُرَاةً‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ نِسَاؤُهُمْ يَطُفْنَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، فَتِلْكَ الْفَاحِشَةُ الَّتِي وَجَدُوا عَلَيْهَا آبَاءَهُمْ‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ‏}‏، الْآيَةَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إذًا‏:‏ وَإِذَا فَعَلَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ، الَّذِينَ جَعَلَ اللَّهُ الشَّيَاطِينَ لَهُمْ أَوْلِيَاءً، قَبِيحًا مِنَ الْفِعْلِ، وَهُوَ “ الْفَاحِشَةُ “، وَذَلِكَ تَعَرِّيهِمْ لِلطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَتَجَرُّدُهُمْ لَهُ، فَعُذِلُوا عَلَى مَا أَتَوْا مِنْ قَبِيحِ فِعْلِهِمْ وَعُوتِبُوا عَلَيْهِ، قَالُوا‏:‏ “ وَجَدْنَا عَلَى مِثْلِ مَا نَفْعَلُ آبَاءَنَا، فَنَحْنُ نَفْعَلُ مِثْلَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ، وَنَقْتَدِي بِهَدْيِهِمْ، وَنَسْتَنُّ بِسُنَّتِهِمْ، وَاَللَّهُ أَمَرَنَا بِهِ، فَنَحْنُ نَتَّبِعُ أَمْرَهُ فِيهِ “‏.‏

يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ “ قُلْ “، يَا مُحَمَّدُ، لَهُمْ‏:‏ “ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ‏}‏ “، يَقُولُ‏:‏ لَا يَأْمُرُ خَلْقَهُ بِقَبَائِحِ الْأَفْعَالِ وَمُسَاوِيهَا “ أَتَقُولُونَ “، أَيُّهَا النَّاسُ، “ ‏{‏عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ‏}‏ “، يَقُولُ‏:‏ أَتُرْوُونَ عَلَى اللَّهِ أَنَّهُ أَمَرَكُمْ بِالتَّعَرِّي وَالتَّجَرُّدِ مِنَ الثِّيَابِ وَاللِّبَاسِ لِلطَّوَافِ، وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ‏؟‏

تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ‏:‏ ‏(‏قُلْ‏)‏، يَا مُحَمَّدُ، لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ بِالْفَحْشَاءِ كَذِبًا عَلَى اللَّهِ‏:‏ مَا أَمَرَ رَبِّي بِمَا تَقُولُونَ، بَلْ ‏{‏أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ بِالْعَدْلِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ‏}‏، بِالْعَدْلِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ‏}‏، وَالْقِسْطُ‏:‏ الْعَدْلُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏، فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ‏.‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ وَجِّهُوا وُجُوهَكُمْ حَيْثُ كُنْتُمْ فِي الصَّلَاةِ إِلَى الْكَعْبَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏، إِلَى الْكَعْبَةِ حَيْثُمَا صَلَّيْتُمْ، فِي الْكَنِيسَةِ وَغَيْرِهَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِذَا صَلَّيْتُمْ فَاسْتَقْبِلُوا الْكَعْبَةَ، فِي كَنَائِسِكُمْ وَغَيْرِهَا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏، هُوَ “ الْمَسْجِدُ “، الْكَعْبَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْكَعْبَةُ، حَيْثُمَا كُنْتَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَقِيمُوهَا لِلْقِبْلَةِ، هَذِهِ الْقِبْلَةُ الَّتِي أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهَا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عَنَى بِذَلِكَ‏:‏ وَاجْعَلُوا سُجُودَكُمْ لِلَّهِ خَالِصًا، دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ فِي الْإِخْلَاصِ، أَنْ لَا تَدْعُوا غَيْرَهُ، وَأَنْ تُخْلِصُوا لَهُ الدِّينَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، مَا قَالَهُ الرَّبِيعُ‏:‏ وَهُوَ أَنَّ الْقَوْمَ أُمِرُوا أَنْ يَتَوَجَّهُوا بِصَلَاتِهِمْ إِلَى رَبِّهِمْ، لَا إِلَى مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، وَأَنْ يَجْعَلُوا دُعَاءَهُمْ لِلَّهِ خَالِصًا، لَا مُكَاءً وَلَا تَصْدِيَةً‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا خَاطَبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَوْمًا مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ كَنَائِسَ وَبِيَعٍ، وَإِنَّمَا كَانَتِ الْكَنَائِسُ وَالْبِيَعُ لِأَهْلِ الْكِتَابَيْنِ‏.‏ فَغَيْرُ مَعْقُولٍ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ لَا يُصَلِّي فِي كَنِيسَةٍ وَلَا بِيعَةٍ‏:‏ “ وَجِّهْ وَجْهَكَ إِلَى الْكَعْبَةِ فِي كَنِيسَةٍ أَوْ بِيعَةٍ “‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏}‏، فَإِنَّهُ يَقُولُ‏:‏ وَاعْمَلُوا لِرَبِّكُمْ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَالطَّاعَةَ، لَا تَخْلِطُوا ذَلِكَ بِشِرْكٍ، وَلَا تَجْعَلُوا فِي شَيْءٍ مِمَّا تَعْمَلُونَ لَهُ شَرِيكًا، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعُ‏:‏ ‏{‏وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَنْ تُخْلِصُوا لَهُ الدِّينَ وَالدَّعْوَةَ وَالْعَمَلَ، ثُمَّ تُوَجِّهُونَ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏29- 30‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ‏}‏‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ تَأْوِيلُهُ‏:‏ كَمَا بَدَأَكُمْ أَشْقِيَاءً وَسُعَدَاءً، كَذَلِكَ تَبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَدَأَ خَلْقَ ابْنِ آدَمَ مُؤْمِنًا وَكَافِرًا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ التَّغَابُنِ‏:‏ 2‏]‏، ثُمَّ يُعِيدُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا بَدَأَ خَلْقَهُمْ، مُؤْمِنًا وَكَافِرًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَبْعَثُ الْمُؤْمِنَ مُؤْمِنًا، وَالْكَافِرَ كَافِرًا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الضُّرَيْسِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ‏:‏ يُبْعَثُونَ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، الْمُؤْمِنُ عَلَى إِيمَانِهِ، وَالْمُنَافِقُ عَلَى نِفَاقِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ‏:‏ عَادُوا إِلَى عِلْمِهِ فِيهِمْ، أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ فِيهِمْ‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ‏}‏‏؟‏ أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ‏}‏‏؟‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ رُدُّوا إِلَى عِلْمِهِ فِيهِمْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ الْأَهْوَازِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَنِ ابْتَدَأَ اللَّهُ خَلْقَهُ عَلَى الشِّقْوَةِ صَارَ إِلَى مَا ابْتَدَأَ اللَّهُ خَلْقَهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّ عَمَلَ بِأَعْمَالِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، كَمَا أَنَّ إِبْلِيسَ عَمِلَ بِأَعْمَالِ أَهْلِ السَّعَادَةِِ، ثُمَّ صَارَ إِلَى مَا ابْتُدِئَ عَلَيْهِ خَلْقُهُ‏.‏ وَمَنِ ابْتُدِئَ خَلْقُهُ عَلَى السَّعَادَةِ، صَارَ إِلَى مَا ابْتُدِئَ عَلَيْهِ خَلْقُهُ، وَإِنْ عَمَلَ بِأَعْمَالِ أَهَّلِ الشَّقَاءِ، كَمَا أَنَّ السَّحَرَةَ عَمِلَتْ بِأَعْمَالِ أَهْلِ الشَّقَاءِ، ثُمَّ صَارُوا إِلَى مَا ابْتُدِئَ عَلَيْهِ خَلْقُهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ وِقَاءِ بْنِ إِيَاسٍ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَبْعَثُ الْمُسْلِمَ مُسْلِمًا، وَالْكَافِرَ كَافِرًا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو دُكَيْنٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَبْعَثُ الْمُسْلِمَ مُسْلِمًا، وَالْكَافِرَ كَافِرًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْوَضَّاحِ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَمَا كَتَبَ عَلَيْكُمْ تَكُونُونَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ، كَمَا خَلَقْنَاكُمْ، فَرِيقٌ مُهْتَدُونَ، وَفَرِيقٌ ضَالٌّ، كَذَلِكَ تَعُودُونَ وَتَخْرُجُونَ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «تُبْعَثُ كُلُّ نَفْسٍ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْه»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَمَا كَتَبَ عَلَيْكُمْ تَكُونُونَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ، يُبْعَثُ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِنًا، وَالْكَافِرُ كَافِرًا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ‏}‏، شَقِيًّا وَسَعِيدًا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا سُوَيدٌ قَالَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قِرَاءَةً عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ كَمَا خَلَقَكُمْ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا، تَعُودُونَ بَعْدَ الْفَنَاءِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَمَا بَدَأَكُمْ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا فَأَحْيَاكُمْ، كَذَلِكَ يُمِيتُكُمْ، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَمَا بَدَأَكُمْ فِي الدُّنْيَا، كَذَلِكَ تَعُودُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحْيَاءً‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ بَدَأَ خَلْقَهُمْ وَلَمْ يَكُونُوا شَيْئًا، ثُمَّ ذَهَبُوا، ثُمَّ يُعِيدُهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى‏}‏، يَقُولُ‏:‏ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، كَذَلِكَ تَعُودُونَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ‏}‏، يُحْيِيكُمْ بَعْدَ مَوْتِكُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَمَا خَلَقَهُمْ أَوَّلًا كَذَلِكَ يُعِيدُهُمْ آخِرًا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ مَنْ قَالَ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ كَمَا بَدَأَكُمُ اللَّهُ خَلْقًا بَعْدَ أَنْ لَمَّ تَكُونُوا شَيْئًا، تَعُودُونَ بَعْدَ فَنَائِكُمْ خَلْقًا مِثْلَهُ، يَحْشُرُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أُمِرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يُعْلِمَ بِمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْمًا مُشْرِكِينَ أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، لَا يُؤْمِنُونَ بِالْمَعَادِ، وَلَا يُصَدِّقُونَ بِالْقِيَامَةِ‏.‏ فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى الْإِقْرَارِ بِأَنَّ اللَّهَ بَاعِثُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمُثِيبُ مَنْ أَطَاعَهُ، وَمُعَاقِبُ مَنْ عَصَاهُ‏.‏ فَقَالَ لَهُ‏:‏ قُلْ لَهُمْ‏:‏ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ، وَأَنْ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ، وَأَنِ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَأَنْ أَقِرُّوا بِأَنْ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَتَرَكَ ذِكْرَ “ وَأَنْ أَقِرُّوا بِأَنْ “‏.‏ كَمَا تَرَكَ ذِكْرَ “ أَنْ “ مَعَ “ أَقِيمُوا “، إِذْ كَانَ فِيمَا ذَكَرَ دَلَالَةٌ عَلَى مَا حُذِفَ مِنْهُ‏.‏

وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا وَجْهَ لِأَنْ يُؤْمَرَ بِدُعَاءِ مَنْ كَانَ جَاحِدًا النُّشُورَ بَعْدَ الْمَمَاتِ، إِلَى الْإِقْرَارِ بِالصِّفَةِ الَّتِي عَلَيْهَا يُنْشَرُ مَنْ نُشِرَ، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالدُّعَاءِ إِلَى ذَلِكَ مَنْ كَانَ بِالْبَعْثِ مُصَدِّقًا، فَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ جَاحِدًا، فَإِنَّمَا يُدْعَى إِلَى الْإِقْرَارِ بِهِ، ثُمَّ يُعَرَّفُ كَيْفَ شَرَائِطُ الْبَعْثِ‏.‏ عَلَى أَنَّ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي‏:‏-

حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ، حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «يُحْشَرُ النَّاسُ عُرَاةً غُرْلًا وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ ثُمَّ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ‏:‏ 104‏]‏»

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَوْعِظَةٍ، فَقَالَ‏:‏ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً غُرْلًا ‏{‏كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ‏}‏ »‏.‏

مَا يُبَيِّنُ صِحَّةَ الْقَوْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ أَنَّ الْخَلْقَ يَعُودُونَ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خَلْقًا أَحْيَاءً، كَمَا بَدَأَهُمْ فِي الدُّنْيَا خَلْقًا أَحْيَاءً‏.‏

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ “ بَدَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ يَبْدَؤُهُمْ وَأَبْدَأَهُمْ يُبْدِئُهُمْ إِبْدَاءً “، بِمَعْنَى خَلْقِهِمْ، لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ‏.‏

ثُمَّ ابْتَدَأَ الْخَبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّا سَبَقَ مَنْ عِلْمِهُ فِي خَلْقِهِ، وَجَرَى بِهِ فِيهِمْ قَضَاؤُهُ، فَقَالَ‏:‏ هَدَى اللَّهُ مِنْهُمْ فَرِيقًا فَوَفَّقَهُمْ لِصَالِحِ الْأَعْمَالِ فَهُمْ مُهْتَدُونَ، وَحَقَّ عَلَى فَرِيقٍ مِنْهُمُ الضَّلَالَةُ عَنِ الْهُدَى وَالرَّشَادِ، بِاتِّخَاذِهِمُ الشَّيْطَانُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا‏.‏

وَإِذَا كَانَ التَّأْوِيلُ هَذَا، كَانَ “ الْفَرِيقُ “ الْأَوَّلُ مَنْصُوبًا بِإِعْمَالِ “ هَدَى “ فِيهِ، وَ“ الْفَرِيقُ “، الثَّانِي بِوُقُوعِ قَوْلِهِ‏:‏ “ حَقَّ “ عَلَى عَائِدِ ذِكْرِهِ فِي “ عَلَيْهِمْ “، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا‏}‏، ‏[‏سُورَةُ الْإِنْسَانِ‏:‏ 31‏]‏

وَمَنْ وَجَّهَ تَأْوِيلِ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ‏:‏ كَمَا بَدَأَكُمْ فِي الدُّنْيَا صِنْفَيْنِ‏:‏ كَافِرًا، وَمُؤْمِنًا، كَذَلِكَ تَعُودُونَ فِي الْآخِرَةِ فَرِيقَيْنِ‏:‏ فَرِيقًا هَدَى، وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ، نَصَبَ “ فَرِيقًا “، الْأَوَّلُ بِقَوْلِهِ‏:‏ “ تَعُودُونَ “، وَجَعَلَ الثَّانِي عَطْفًا عَلَيْهِ‏.‏ وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَابَ عِنْدَنَا مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏30‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ الْفَرِيقَ الَّذِي حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ، إِنَّمَا ضَلُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَجَارُوا عَنْ قَصْدِ الْمَحَجَّةِ، بِاتِّخَاذِهِمُ الشَّيَاطِينَ نُصَرَاءً مِنْ دُونِ اللَّهِ، وظُهراءً، جَهْلًا مِنْهُمْ بِخَطَأِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ فَعَلُوْا ذَلِكَ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ عَلَى هُدًى وَحَقٍّ، وَأَنَّ الصَّوَابَ مَا أَتَوْهُ وَرَكِبُوا‏.‏

وَهَذَا مِنْ أَبِينِ الدَّلَالَةِ عَلَى خَطَأِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا عَلَى مَعْصِيَةٍ رَكِبَهَا أَوْ ضَلَالَةٍ اعْتَقَدَهَا، إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهَا بَعْدَ عِلْمٍ مِنْهُ بِصَوَابِ وَجْهِهَا، فَيَرْكَبُهَا عِنَادًا مِنْهُ لِرَبِّهِ فِيهَا‏.‏ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ بَيْنَ فَرِيقِ الضَّلَالَةِ الَّذِي ضَلَّ وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ هَادٍ، وَفَرِيقِ الْهُدَى، فَرْقٌ‏.‏ وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ أَسْمَائِهُمَا وَأَحْكَامِهُمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَعَرَّوْنَ عِنْدَ طَوَافِهِمْ بِبَيْتِهِ الْحَرَامِ، وَيَبْدُونَ عَوْرَاتِهِمْ هُنَالِكَ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَالْمُحَرِّمِينَ مِنْهُمْ أَكَلَ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَلَالِ رِزْقِهِ، تَبَرُّرًا عِنْدَ نَفْسِهِ لِرَبِّهِ‏:‏ ‏{‏يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ‏}‏، مِنَ الْكِسَاءِ وَاللِّبَاسِ ‏{‏عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا‏}‏، مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْتُكُمْ، وَحَلَلْتُهُ لَكُمْ ‏(‏وَاشْرَبُوا‏)‏، مِنْ حَلَالِ الْأَشْرِبَةِ، وَلَا تُحَرِّمُوا إِلَّا مَا حَرَّمْتُ عَلَيْكُمْ فِي كِتَابِي أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِيِنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَطُفْنَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ‏:‏ بِغَيْرِ ثِيَابٍ إِلَّا أَنْ تَجْعَلَ الْمَرْأَةُ عَلَى فَرْجِهَا خِرْقَةً، فِيمَا وُصِفَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَتَقُولُ‏:‏

الْيَـوْمَ يَبْـدُو بَعْضُـهُ أَوْ كُلُّـهُ *** فَمَـا بَـدَا مِنْـهُ فَـلا أُحِلُّـهُ

قَالَ‏:‏ فَنَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ كَانُوا يَطُوفُونَ عُرَاةً، الرِّجَالُ بِالنَّهَارِ، وَالنِّسَاءُ بِاللَّيْلِ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَقُولُ‏:‏

الْيَـوْمَ يَبْـدُو بَعْضُـهُ أَوْ كُلُّـهُ *** فَمَـا بَـدَا مِنْـهُ فَـلا أُحِلُّـهُ

فَقَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏(‏خُذُوا زِينَتَكُمْ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ الثِّيَابُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ مُسْلِمًا الْبَطِينَ يُحَدِّثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانَةً قَالَ غُنْدَرٌ‏:‏ وَهِيَ عُرْيَانَةٌ قَالَ، وَهْبٌ‏:‏ كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَقَدْ أَخْرَجَتْ صَدْرَهَا وَمَا هُنَالِكَ قَالَ غُنْدَرٌ‏:‏ وَتَقُولُ‏:‏ “ مَنْ يُعِيرُنِي تِطْوافًا “، تَجْعَلُهُ عَلَى فَرْجِهَا وَتَقُولُ‏:‏

الْيَـوْمَ يَبْـدُو بَعْضُـهُ أَوْ كُلُّـهُ *** فَمَـا بَـدَا مِنْـهُ فَـلا أُحِلُّـهُ

فَأَنْـزَلَ اللَّهُ ‏{‏يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَلْبَسُوا ثِيَابَهُمْ وَلَا يَتَعَرُّوا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏ الْآيَةَ “ قَالَ‏:‏ كَانَ رِجَالٌ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِالزِّينَةِ وَ“ الزِّينَةُ “، اللِّبَاسُ، وَهُوَ مَا يُوَارِي السَّوْءَةَ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ جَيِّدِ الْبَزِّ وَالْمَتَاعِ فَأُمِرُوا أَنْ يَأْخُذُوا زِينَتَهُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ وَابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ‏:‏ ‏(‏خُذُوا زِينَتَكُمْ‏)‏، قَالَ‏:‏ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، فَأُمِرُوا أَنْ يَلْبَسُوا ثِيَابَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي عَمْرُو قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏، الْبِسُوا ثِيَابَكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرْنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ نَاسٌ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغَيَّرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏{‏خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، فَأَمَرُوا أَنْ يَلْبَسُوا الثِّيَابَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا وَارَى الْعَوْرَةَ وَلَوْ عَبَاءَةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا يُوَارِي عَوْرَتَكَ، وَلَوْ عَبَاءَةٌ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏، فِي قُرَيْشٍ، لِتَرْكِهِمُ الثِّيَابَ فِي الطَّوَافِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏{‏خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ الثِّيَابُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حَبَّابٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ‏:‏ ‏{‏خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ الشَّمْلَةُ مِنَ الزِّينَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ‏:‏ ‏{‏خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ الثِّيَابُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، فَطَافَتِ امْرَأَةٌ بِالْبَيْتِ وَهِيَ عُرْيَانَةٌ فَقَالَتْ‏:‏

الْيَـوْمَ يَبْـدُو بَعْضُـهُ أَوْ كُلُّـهُ *** فَمَـا بَـدَا مِنْـهُ فَـلا أُحِلُّـهُ

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ حَيٌّ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا قَدِمَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا يَقُولُ‏:‏ “ لَا يَنْبَغِي أَنْ أَطُوفَ فِي ثَوْبٍ قَدْ دَنِسْتُ فِيهِ “، فَيَقُولُ‏:‏ مَنْ يُعِيرُنِي مِئْزَرًا‏؟‏ فَإِنَّ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا طَافَ عُرْيَانًا، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ فِيهِ مَا تَسْمَعُونَ‏:‏ ‏{‏خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَا يُوَارِي الْعَوْرَةَ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيُّ‏:‏ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، إِلَّا الْحُمْسَ، قُرَيْشًا وَأَحْلَافَهُمْ‏.‏ فَمَنْ جَاءَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَضَعَ ثِيَابَهُ وَطَافَ فِي ثِيَابٍ أَحْمَسٍ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ ثِيَابَهُ‏.‏ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُعِيرُهُ مِنَ الْحُمْسِ، فَإِنَّهُ يُلْقِي ثِيَابَهُ وَيَطُوفُ عُرْيَانًا‏.‏ وَإِنْ طَافَ فِي ثِيَابِ نَفْسِهِ، أَلْقَاهَا إِذَا قَضَى طَوَافَهُ، يُحَرِّمُهَا، فَيَجْعَلُهَا حَرَامًا عَلَيْهِ‏.‏ فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏‏.‏

وَبِهِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ‏:‏ الشَّمْلَةُ، مِنَ الزِّينَةِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏، الْآيَةَ، كَانَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَالْأَعْرَابِ إِذَا حَجُّوا الْبَيْتَ يَطُوفُونَ بِهِ عُرَاةً لَيْلًا فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَلْبَسُوا ثِيَابَهُمْ، وَلَا يَتَعَرَّوْا فِي الْمَسْجِدِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ ‏(‏خُذُوا زِينَتَكُمْ‏)‏، قَالَ‏:‏ زِينَتُهُمْ، ثِيَابُهُمُ الَّتِي كَانُوا يَطْرَحُونَهَا عِنْدَ الْبَيْتِ وَيَتَعَرَّوْنَ‏.‏

وَحَدَّثَنِي بِهِ مَرَّةً أُخْرَى بِإِسْنَادِهِ، عَنِ ابْنِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانُوا إِذَا جَاءُوا الْبَيْتَ فَطَافُوا بِهِ، حَرُمَتْ عَلَيْهِمْ ثِيَابُهُمُ الَّتِي طَافُوا فِيهَا‏.‏ فَإِنْ وَجَدُوا مَنْ يُعِيرُهُمْ ثِيَابًا، وَإِلَّا طَافُوا بِالْبَيْتِ عُرَاةً‏.‏ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ ثِيَابُ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ، الْآيَةَ‏.‏

وَكَاَلَّذِي قُلْنَا أَيْضًا قَالُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا‏}‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ أَحَلَّ اللَّهُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ، مَا لَمْ يَكُنْ سَرَفًا أَوْ مَخِيلَةً‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ‏}‏، فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ كَانَ الَّذِينَ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً يُحَرِّمُونَ عَلَيْهِمُ الْوَدَكَ مَا أَقَامُوا بِالْمَوْسِمِ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ‏:‏ ‏{‏وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَا تُسْرِفُوا فِي التَّحْرِيمِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ قَالَ، سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا‏}‏، قَالَ‏:‏ أَمَرَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا وَيَشْرَبُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَلَا تُسْرِفُوا‏)‏، لَا تَأْكُلُوا حَرَامًا، ذَلِكَ الْإِسْرَافُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنِ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُتَعَدِّينَ حَدَّهُ فِي حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ، الْغَالِّينَ فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ أَوْ حَرَّمَ، بِإِحْلَالِ الْحَرَامِ وَبِتَحْرِيمِ الْحَلَالِ، وَلَكِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُحَلَّلَ مَا أَحَلَّ وَيُحَرَّمَ مَا حَرَّمَ، وَذَلِكَ الْعَدْلُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏32‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قُلْ، يَا مُحَمَّدُ، لِهَؤُلَاءِ الْجَهَلَةِ مِنَ الْعَرَبِ الَّذِينَ يَتَعَرَّوْنَ عِنْدَ طَوَافِهِمْ بِالْبَيْتِ، وَيُحَرِّمُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ مِنْ طَيِّبَاتِ الرِّزْقِ‏:‏ مَنْ حَرَّمَ، أَيُّهَا الْقَوْمُ، عَلَيْكُمْ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي خَلَقَهَا لِعِبَادِهِ أَنْ تَتَزَيَّنُوا بِهَا وَتَتَجَمَّلُوا بِلِبَاسِهَا، وَالْحَلَالَ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ الَّذِي رَزَقَ خَلْقَهُ لِمَطَاعِمِهِمْ وَمَشَارِبِهِمْ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ‏:‏ بِـ “ الطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ “، بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ “ الزِّينَةَ “ مَا قُلْنَا‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ “ الطَّيِّبَاتُ مِنَ الرِّزْقِ “ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، اللَّحْمُ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَأْكُلُونَهُ فِي حَالِ إِحْرَامِهِمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ‏}‏، وَهُوَ الْوَدَكُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ‏}‏، الَّذِي حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ كَانُوا إِذَا حَجُّوا أَوْ اعْتَمَرُوا، حَرَّمُوا الشَّاةَ عَلَيْهِمْ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا‏.‏

وَحَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ مَرَّةً أُخْرَى قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ‏}‏ إِلَى آخَرَ الْآيَةِ، قَالَ‏:‏ كَانَ قَوْمٌ يُحَرِّمُونَ مَا يَخْرُجُ مِنَ الشَّاةِ، لَبَنَهَا وَسَمْنَهَا وَلَحْمَهَا، فَقَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ‏}‏، قَالَ‏:‏ وَالزِّينَةُ مِنَ الثِّيَابِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ لَمَّا بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا فَقَالَ‏:‏ “ هَذَا نَبِيِّي، هَذَا خِيَارِي، اسْتَنُّوا بِهِ “، خُذُوا فِي سُنَنِهِ وَسَبِيلِهِ، لَمْ تُغْلِقْ دُونَهُ الْأَبْوَابُ، وَلَمْ تُقَمْ دُونَهُ الْحَجَبَةُ، وَلَمْ يُغْدَ عَلَيْهِ بِالْجِفَانِ، وَلَمْ يُرْجَعْ عَلَيْهِ بِهَا، وَكَانَ يَجْلِسُ بِالْأَرْضِ، وَيَأْكُلُ طَعَامَهُ بِالْأَرْضِ، وَيَلْعَقُ يَدَهُ، وَيَلْبَسُ الْغَلِيظَ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيُرْدِفُ بَعْدَهُ، وَكَانَ يَقُولُ‏:‏ “ «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» “‏.‏ قَالَ الْحَسَنُ‏:‏ فَمَا أَكْثَرَ الرَّاغِبِينَ عَنْ سَنَتِهِ، التَّارِكِينَ لَهَا‏!‏ ثُمَّ إِنَّ عُلُوجًا فُسَّاقًا، أَكَلَةَ الرِّبَا وَالْغُلُولِ، قَدْ سَفَّهَهُمْ رَبِّيَ وَمَقَتَهُمْ، زَعَمُوا أَنَّ لَا بَأْسَ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَكَلُوا وَشَرِبُوا، وَزَخْرَفُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ، يَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ‏}‏، وَإِنَّمَا جُعِلَ ذَلِكَ لِأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ، قَدْ جَعَلَهَا مَلَاعِبَ لِبَطْنِهِ وَفَرْجِهِ، مِنْ كَلَامٍ لَمْ يَحْفَظْهُ سُفْيَانُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عَنَى بِذَلِكَ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تُحَرِّمُ مِنَ الْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ‏}‏، وَهُوَ مَا حَرَّمَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ‏:‏ الْبَحِيَرَةِ، وَالسَّائِبَةِ، وَالْوَصِيلَةِ، وَالْحَامِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَحْرِمُونَ أَشْيَاءً أَحَلَّهَا اللَّهُ مِنَ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا‏}‏، ‏[‏سُورَةُ يُونُسَ‏:‏ 59‏]‏، وَهُوَ هَذَا، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏32‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قُلْ، يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرْتُكَ أَنْ تَقُولَ لَهُمْ‏:‏ ‏{‏مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ‏}‏، إِذْ عَيُّوا بِالْجَوَابِ، فَلَمْ يَدْرُوا مَا يُجِيبُونَكَ‏:‏ زِينَةُ اللَّهِ الَّتِي أَخْرُجُ لِعِبَادِهِ، وَطَيِّبَاتُ رِزْقِهِ، لِلَّذِينِ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَاتَّبَعُوا مَا أْنْـزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ شَرِكَهُمْ فِي ذَلِكَ فِيهَا مِنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَخَالَفَ أَمْرَ رَبِّهِ، وَهِيَ لِلَّذِينِ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَشْرَكُهُمْ فِي ذَلِكَ يَوْمئِذٍ أَحَدٌ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَخَالَفَ أَمْرَ رَبِّهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ شَارَكَ الْمُسْلِمُونَ الْكُفَّارَ فِي الطَّيِّبَاتِ، فَأَكَلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ طَعَامِهَا، وَلَبِسُوا مِنْ خِيَارِ ثِيَابِهَا، وَنَكَحُوا مِنْ صَالِحِ نِسَائِهَا، وَخَلَصُوا بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

وَحَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى مَرَّةً أُخْرَى بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِعَيْنِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏، يَعْنِي‏:‏ يُشَارِكُ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ فِي الطَّيِّبَاتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، ثُمَّ يُخْلِصُ اللَّهُ الطَّيِّبَاتِ فِي الْآخِرَةِ لِلَّذِينِ آمَنُوا، وَلَيْسَ لِلْمُشْرِكِينَ فِيهَا شَيْءٌ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ قَالَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ قُلْ هِيَ فِي الْآخِرَةِ خَالِصَةٌ لِمَنْ آمَنَ بِي فِي الدُّنْيَا، لَا يَشْرَكُهُمْ فِيهَا أَحَدٌ فِي الْآخِرَةِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ الزِّينَةَ فِي الدُّنْيَا لِكُلِّ بَنِي آدَمَ، فَجَعَلَهَا اللَّهُ خَالِصَةً لِأَوْلِيَائِهِ فِي الْآخِرَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سَلَمَةَ بْنَ نُبَيْطٍ، عَنْ

الضَّحَّاكِ‏:‏ ‏{‏قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى يَشْرَكُونَكُمْ فِيهَا فِي الدُّنْيَا، وَهِيَ لِلَّذِينِ آمَنُوا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏، خَالِصَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ، لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا الْكُفَّارَ‏.‏ فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَقَدْ شَارَكُوهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏، مَنْ عَمِلَ بِالْإِيمَانِ فِي الدُّنْيَا خَلُصَتْ لَهُ كَرَامَةُ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ تَرَكَ الْإِيمَانَ فِي الدُّنْيَا قَدِمَ عَلَى رَبِّهِ لَا عُذْرَ لَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏، يَشْتَرِكُ فِيهَا مَعَهُمُ الْمُشْرِكُونَ ‏{‏خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏، لِلَّذِينِ آمَنُوا‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ الْمُشْرِكُونَ يُشَارِكُونَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا فِي اللِّبَاسِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَخْلُصُ اللِّبَاسُ وَالطَّعَامُ وَالشَّرَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلَيْسَ لِلْمُشْرِكِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ نَصِيبٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ الدُّنْيَا يُصِيبُ مِنْهَا الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَيَخْلُصُ خَيْرُ الْآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلَيْسَ لِلْكَافِرِ فِيهَا نَصِيبٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ ‏{‏قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هَذِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلَّذِينِ آمَنُوا، لَا يَشْرَكُهُمْ فِيهَا أَهْلُ الْكُفْرِ، وَيَشْرَكُونَهُمْ فِيهَا فِي الدُّنْيَا‏.‏ وَإِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلَيْسَ لَهُمْ فِيهَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ‏.‏

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي ذَلِكَ بِمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ، وَحَبَوَيْهِ الرَّازِيُّ أَبُو يَزِيدَ، عَنْ يَعْقُوبَ الْقُمِّيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏{‏قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَنْتَفِعُونَ بِهَا فِي الدُّنْيَا، وَلَا يَتْبَعُهُمْ إِثْمُهَا‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ “ خَالِصَةً “‏.‏

فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قَرَأَةِ الْمَدِينَةِ‏:‏ “ خَالِصَةٌ “، بِرَفْعِهَا، بِمَعْنَى‏:‏ قُلْ هِيَ خَالِصَةٌ لِلَّذِينِ آمَنُوا‏.‏

وَقَرَأَهُ سَائِرُ قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ‏:‏ ‏(‏خَالِصَةً‏)‏، بِنَصْبِهَا عَلَى الْحَالِ مِنْ “ لَهُمْ “، وَقَدْ تُرِكَ ذِكْرُهَا مِنَ الْكَلَامِ اكْتِفَاءً مِنْهَا بِدَلَالَةِ الظَّاهِرِ عَلَيْهَا، عَلَى مَا قَدْ وَصَفَتْ فِي تَأْوِيلِ الْكَلَامِ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ قُلْ هِيَ لِلَّذِينِ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مُشْتَرَكَةً، وَهِيَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ خَالِصَةً‏.‏ وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ بِالنَّصْبِ، جَعَلَ خَبَرَ “ هِيَ “ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لِلَّذِينِ آمَنُوا‏)‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ عِنْدِي بِالصِّحَّةِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ نَصْبًا، لِإِيثَارِ الْعَرَبِ النَّصْبَ فِي الْفِعْلِ إِذَا تَأَخَّرَ بَعْدَ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ، وَإِنْ كَانَ الرَّفْعُ جَائِزًا، غَيْرُ أَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ فِي كَلَامِهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏32‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ كَمَا بَيَّنْتُ لَكُمُ الْوَاجِبَ عَلَيْكُمْ فِي اللِّبَاسِ وَالزِّينَةِ، وَالْحَلَّالَ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ، وَالْحَرَامَ مِنْهَا، وَمَيَّزْتُ بَيْنَ ذَلِكَ لَكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ، كَذَلِكَ أُبَيِّنُ جَمِيعَ أَدِلَّتِي وَحُجَجِي، وَأَعْلَامَ حَلَالِي وَحَرَامِي وَأَحْكَامِي، لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ مَا يُبَيَّنُ لَهُمْ، وَيُفْقَهُونَ مَا يُمَيَّزُ لَهُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ‏:‏ قُلْ، يَا مُحَمَّدُ، لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَتَجَرَّدُونَ مِنْ ثِيَابِهِمْ لِلطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَيُحَرِّمُونَ أَكْلَ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ مَنْ رِزْقِهُ‏:‏ أَيُّهَا الْقَوْمُ، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْ مَا تُحَرِّمُونَهُ، بَلْ أَحَلَّ ذَلِكَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَطَيَّبَهُ لَهُمْ، وَإِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْقَبَائِحَ مِنَ الْأَشْيَاءِ وَهِيَ “ الْفَوَاحِشُ “ “ مَا ظَهَرَ مِنْهَا “، فَكَانَ عَلَانِيَةً “ وَمَا بَطَنَ “، مِنْهَا فَكَانَ سِرًّا فِي خَفَاءٍ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي ذَلِكَ مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ قَالَ، سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ‏}‏، قَالَ‏:‏ “ مَا ظَهَرَ مِنْهَا “، طَوَافُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ عُرَاةٍ “ وَمَا بَطَنَ “، الزِّنَا‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْتُ اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالرِّوَايَاتِ فِيمَا مَضَى، فَكَرِهْتُ إِعَادَتَهُ‏.‏

وَأَمَّا “ الْإِثْمُ “، فَإِنَّهُ الْمَعْصِيَةُ، “ وَالْبَغْيُ “ الْاسْتِطَالَةُ عَلَى النَّاسِ‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَعَ الْإِثْمِ وَالْبَغْيِ عَلَى النَّاسِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ‏}‏، أَمَّا “ الْإِثْمُ “ فَالْمَعْصِيَةُ وَ“ الْبَغْيُ “، أَنْ يَبْغِيَ عَلَى النَّاسِ بِغَيْرِ الْحَقِّ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ قَالَ، سَمِعْتُ مُجَاهِدًا فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ‏}‏، قَالَ‏:‏ نَهَى عَنِ “ الْإِثْمِ “، وَهِيَ الْمَعَاصِي كُلِّهَا وَأَخْبَرَ أَنَّ الْبَاغِيَ بَغْيُهُ كَائِنٌ عَلَى نَفْسِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ وَالشَّرَكَ بِهِ، أَنْ تَعْبُدُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا غَيْرَهُ ‏(‏مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا‏)‏، يَقُولُ‏:‏ حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَنْ تَجْعَلُوا مَعَهُ فِي عِبَادَتِهِ شِرْكًا لِشَيْءٍ لَمْ يَجْعَلْ لَكُمْ فِي إِشْرَاكِكُمْ إِيَّاهُ فِي عِبَادَتِهِ حُجَّةً وَلَا بُرْهَانًا، وَهُوَ “ السُّلْطَانُ “ ‏{‏وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَأَنَّ تَقُولُوا إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِالتَّعَرِّي وَالتَّجَرُّدِ لِلطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ أَكَلَ هَذِهِ الْأَنْعَامِ الَّتِي حَرَّمْتُمُوهَا وسَيَّبْتُمُوهَا وَجَعَلْتُمُوهَا وَصَائِلَ وَحَوَامِيَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَا تَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُ، أَوْ أَمَرَ بِهِ، أَوْ أَبَاحَهُ، فَتُضِيفُوا إِلَى اللَّهِ تَحْرِيمَهُ وَحَظْرَهُ وَالْأَمْرَ بِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ دُونَ مَا تَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُ، أَوْ تَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِهِ، جَهْلًا مِنْكُمْ بِحَقِيقَةِ مَا تَقُولُونَ وَتُضِيفُونَهُ إِلَى اللَّهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏34‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَهَدُّدًا لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا‏:‏ “ ‏{‏وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاَللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا‏}‏ “ وَوَعِيدًا مِنْهُ لَهُمْ عَلَى كَذِبِهِمْ عَلَيْهِ، وَعَلَى إِصْرَارِهِمْ عَلَى الشَّرَكِ بِهِ وَالْمَقَامِ عَلَى كُفْرِهِمْ وَمُذَكِّرًا لَهُمْ مَا أَحَلَّ بِأَمْثَالِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُمْ‏:‏ ‏{‏وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَلِكُلِّ جَمَاعَةٍ اجْتَمَعَتْ عَلَى تَكْذِيبِ رُسُلِ اللَّهِ، وَرَدِ نَصَائِحِهِمْ، وَالشِّرْكِ بِاَللَّهِ، مَعَ مُتَابَعَةِ رَبِّهِمْ حُجَجِهِ عَلَيْهِمْ “ أَجَلٌ “، يَعْنِي‏:‏ وَقْتٌ لِحُلُولِ الْعُقُوبَاتِ بِسَاحَتِهِمْ، وَنُـزُولِ الْمُثُلَاتِ بِهِمْ عَلَى شِرْكِهِمْ ‏(‏فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ فَإِذَا جَاءَ الْوَقْتُ الَّذِي وَقَّتَهُ اللَّهُ لِهَلَاكِهِمْ، وَحُلُولِ الْعِقَابِ بِهِمْ ‏{‏لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَا يَتَأَخَّرُونَ بِالْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يُمَتَّعُونَ بِالْحَيَاةِ فِيهَا عَنْ وَقْتِ هَلَاكِهِمْ وَحِينَ حُلُولِ أَجْلِ فَنَائِهِمْ، سَاعَةً مِنْ سَاعَاتِ الزَّمَانِ ‏(‏وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَا يَتَقَدَّمُونَ بِذَلِكَ أَيْضًا عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُمْ وَقْتًا لِلْهَلَاكِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏35‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُعَرِّفًا خَلْقَهُ مَا أَعَدَّ لِحِزْبِهِ وَأَهْلِ طَاعَتِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، وَمَا أَعَدَّ لِحِزْبِ الشَّيْطَانِ وَأَوْلِيَائِهِ وَالْكَافِرِينَ بِهِ وَبِرُسُلِهِ‏:‏ ‏{‏يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنْ يَجِئْكُمْ رُسُلِي الَّذِينَ أُرْسِلُهُمْ إِلَيْكُمْ بِدُعَائِكُمْ إِلَى طَاعَتِي، وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِي وَنَهْيِي “ مِنْكُمْ “، يَعْنِي‏:‏ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، وَمِنْ عَشَائِرِكُمْ وَقَبَائِلِكُمْ ‏(‏يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي‏)‏، يَقُولُ‏:‏ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ كِتَابِي، وَيُعَرِّفُونَكُمْ أَدِلَّتِي وَأَعْلَامِي عَلَى صِدْقِ مَا جَاءُوكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي، وَحَقِيقَةَ مَا دَعَوْكُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِي ‏{‏فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَمَنْ آمَنَ مِنْكُمْ بِمَا أَتَاهُ بِهِ رُسُلِي مِمَّا قَصَّ عَلَيْهِ مِنْ آيَاتِي، وَصَدَّقَ، وَاتَّقَى اللَّهَ فَخَافَهُ بِالْعَمَلِ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ وَالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ‏(‏وَأَصْلَحَ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ وَأَصْلَحَ أَعْمَالَهُ الَّتِي كَانَ لَهَا مُفْسِدًا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ بِالتَّحَوُّبِ مِنْهَا ‏(‏فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ إِذَا وَرَدُوا عَلَيْهِ ‏(‏وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ‏)‏، عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنْ دُنْيَاهُمُ الَّتِي تَرَكُوهَا، وَشَهَوَاتِهِمُ الَّتِي تَجَنَّبُوهَا، اتِّبَاعًا مِنْهُمْ لِنَهْيِ اللَّهِ عَنْهَا، إِذَا عَايَنُوا مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ مَا عَايَنُوا هُنَالِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ، حَدَّثَنَا هَيَّاجٌ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي سَيَّارٍ السُّلَمِيِّ قَالَ، إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ آدَمَ وَذُرِّيَّتَهُ فِي كَفِّهِ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الرُّسُلِ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ‏:‏ 52‏]‏، ثُمَّ بَثَّهُمْ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ مَا جَوَابُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ‏}‏‏؟‏

قِيلَ‏:‏ قَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ‏:‏ الْجَوَابُ مُضْمَرٌ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ظَهَرَ مِنَ الْكَلَامِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ‏}‏‏.‏ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ حِينَ قَالَ‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ‏}‏، كَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ فَأَطِيعُوهُمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ‏:‏ الْجَوَابُ‏:‏ “ فَمَنِ اتَّقَى “، لِأَنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ فَمَنِ اتَّقَى مِنْكُمْ وَأَصْلَحَ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، تَبْعِيضُهُ الْكَلَامَ، فَكَانَ فِي التَّبْعِيضِ اكْتِفَاءٌ مِنْ ذِكْرِ “ مِنْكُمْ “‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَأَمَّا مَنْ كَذَّبَ بِإِيتَاءِ رُسُلِي الَّتِي أَرْسَلْتُهَا إِلَيْهِ، وَجَحَدَ تَوْحِيدِي، وَكَفَرَ بِمَا جَاءَ بِهِ رُسُلِي، وَاسْتَكْبَرَ عَنْ تَصْدِيقِ حُجَجِي وَأَدِلَّتِي ‏{‏فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ هُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ مَاكِثُونَ، لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا أَبَدًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَمَنْ أَخْطَأُ فِعْلًا وَأَجْهَلُ قَوْلًا وَأَبْعَدُ ذَهَابًا عَنِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ ‏{‏مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مِمَّنِ اخْتَلَقَ عَلَى اللَّهِ زُورًا مِنَ الْقَوْلِ، فَقَالَ إِذَا فَعَلَ فَاحِشَةً‏:‏ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا بِهَا ‏(‏أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ أَوْ كَذَّبَ بِأَدِلَّتِهِ وَأَعْلَامِهِ الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَنُبُوَّةِ أَنْبِيَائِهِ، فَجَحَدَ حَقِيقَتَهَا وَدَافَعَ صِحَّتَهَا ‏(‏أُولَئِكَ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَافْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَذَّبَ بِآيَاتِهِ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ يَصِلُ إِلَيْهِمْ حَظُّهُمْ مِمَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُمْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ ذَلِكَ “ النَّصِيبِ “، الَّذِي لَهُمْ فِي “ الْكِتَابِ “، وَمَا هُوَ‏؟‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ عَذَابُ اللَّهِ الَّذِي أَعَدَّهُ لِأَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، أَيْ مِنَ الْعَذَابِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مَا كَتَبَ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ، أَخْبَرْنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنَ الْعَذَابِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنْ أَبِي سَهْلٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ‏:‏ مِنَ الْعَذَابِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ‏:‏ مِنَ الْعَذَابِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نُصِيبُهُمْ مِمَّا سَبَقَ لَهُمْ مِنَ الشَّقَاءِ وَالسَّعَادَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَعِيدٍ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنَ الشِّقْوَةِ وَالسَّعَادَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، كَشَقِيٍّ وَسَعِيدٍ‏.‏

حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْحَسَنِ ابْنِ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيِّ، عَنِ الْحَكَمِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُوَ مَا سَبَقَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنْ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، مَا كُتِبَ لَهُمْ مِنَ الشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شِبْلٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، مَا كُتِبَ عَلَيْهِمْ مِنَ الشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ، كَشَقِيٍّ وَسَعِيدٍ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، مِنَ الشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا قَدْ سَبَقَ مِنَ الْكِتَابِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا سَبَقَ لَهُمْ فِي الْكِتَابِ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَمْرٍو وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنَ الشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ مَا قُضِيَ أَوْ قُدِّرَ عَلَيْهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، يَنَالُهُمْ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَعْمَالِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سُمَيْعٍ، عَنْ بَكْرٍ الطَّوِيلِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، قَالَ‏:‏ قَوْمٌ يَعْمَلُونَ أَعْمَالًا لَا بُدَ لَهُمْ مِنْ أَنْ يَعْمَلُوهَا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ، أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ كِتَابِهِمُ الَّذِي كُتِبَ لَهُمْ أَوْ عَلَيْهِمْ، بِأَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ، مَنْ عَمِلَ خَيْرًا جُزِيَ بِهِ، وَمَنْ عَمِلَ شَرًّا جُزِيَ بِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٌ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنْ أَحْكَامِ الْكِتَابِ، عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوا وَأَسْلَفُوا‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، أَيْ‏:‏ أَعْمَالُهُمْ، أَعْمَالُ السُّوءِ الَّتِي عَمِلُوهَا وَأَسْلَفُوهَا‏.‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ قَالَ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ، قَالَ أَبِي‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، زَعَمَ قَتَادَةُ‏:‏ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوا‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْعَمَلِ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ إِنْ عَمِلَ مِنْ ذَلِكَ نَصِيبَ خَيْرٍ جُزِيَ خَيْرًا، وَإِنْ عَمِلَ شَرًّا جُزِيَ مِثْلَهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِمَّا وُعِدُوا فِي الْكِتَابِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ‏.‏

قَالَ حَدَّثَنَا زَيْدٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ مَا وُعِدُوا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا وَعَدُوا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا وُعِدُوا فِيهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا وُعِدُوا مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ‏:‏ مَا وُعِدُوا فِيهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا وُعِدُوا فِيهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا وُعِدُوا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَنَالُهُمْ مَا سَبَقَ لَهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى مَنِ افْتَرَى عَلَيْهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ يَنَالُهُمْ مَا كُتِبَ عَلَيْهِمْ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ قَدْ كُتِبَ لِمَنْ يَفْتَرِي عَلَى اللَّهِ أَنَّ وَجْهَهُ مُسْوَدٌّ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نُصِيبُهُمْ مِمَّا كُتِبَ لَهُمْ مِنَ الرِّزْقِ وَالْعُمْرِ وَالْعَمَلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، مِمَّا كُتِبَ لَهُمْ مِنَ الرِّزْقِ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي صَخْرٍ، عَنِ الْقُرَظِيِّ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، قَالَ‏:‏ عَمَلُهُ وَرِزْقُهُ وَعُمْرُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْأَرْزَاقِ وَالْأَعْمَارِ، فَإِذَا فَنِيَ هَذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ، وَقَدْ فَرَغُوا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ، مِمَّا كَتَبَ لَهُمْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ فِي الدُّنْيَا، وَرِزْقٍ وَعَمَلٍ وَأَجَلٍ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلَهَ‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏}‏، فَأَبَانَ بِإِتْبَاعِهِ ذَلِكَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏، أَنَّ الَّذِي يَنَالُهُمْ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ مَا كَانَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا أَنْ يَنَالَهُمْ، لِأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ يَنَالُهُمْ إِلَى وَقْتِ مَجِيئِهِمْ رُسُلُهُ لِتَقْبِضَ أَرْوَاحَهُمْ‏.‏ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ نَصِيبَهُمْ مِنَ الْكِتَابِ، أَوْ مِمَّا قَدْ أُعِدَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، لَمْ يَكُنْ مَحْدُودًا بِأَنَّهُ يَنَالُهُمْ إِلَى مَجِيءِ رُسُلِ اللَّهِ لِوَفَاتِهِمْ، لِأَنَّ رُسُلَ اللَّهِ لَا تَجِيئُهُمْ لِلْوَفَاةِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّ عَذَابَهُمْ فِي الْآخِرَةِ لَا آخَرَ لَهُ وَلَا انْقِضَاءَ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ قَضَى عَلَيْهِمْ بِالْخُلُودِ فِيهِ‏.‏ فَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ مَعْنَاهُ مَا اخْتَرْنَا مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا‏}‏، إِلَى أَنْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا‏.‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، أَوْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ، يَنَالُهُمْ حُظُوظُهُمُ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَهُمْ، وَسَبَقَ فِي عِلْمِهِ لَهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَعَمَلٍ وَأَجَلٍ وَخَيْرٍ وَشَرٍّ فِي الدُّنْيَا، إِلَى أَنْ تَأْتِيَهُمْ رُسُلُنَا لِقَبْضِ أَرْوَاحَهُمْ‏.‏ فَإِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا، يَعْنِي مَلَكُ الْمَوْتِ وَجُنْدُهُ ‏(‏يَتَوَفَّوْنَهُمْ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ يَسْتَوْفُونَ عَدَدَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَةِ ‏{‏قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ قَالَتِ الرُّسُلُ‏:‏ أَيْنَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَدْعُونَهُمْ أَوْلِيَاءَ مَنْ دُونِ اللَّهِ وَتَعْبُدُونَهُمْ، لَا يَدْفَعُونَ عَنْكُمْ مَا قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ خَالِقُكُمْ وَخَالِقُهُمْ، وَمَا قَدْ نـَزَلَ بِسَاحَتِكُمْ مِنْ عَظِيمِ الْبَلَاءِ‏؟‏ وَهَلَّا يُغِيثُونَكُمْ مِنْ كَرْبِ مَا أَنْتُمْ فِيهِ فَيُنْقِذُونَكُمْ مِنْهُ‏؟‏ فَأَجَابَهُمُ الْأَشْقِيَاءُ فَقَالُوا‏:‏ ضَلَّ عَنَّا أَوْلِيَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مَنْ دُونِ اللَّهِ‏.‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏ضَلُّوا‏)‏، جَارُوا وَأَخَذُوا غَيْرَ طَرِيقِنَا، وَتَرَكُونَا عِنْدَ حَاجَتِنَا إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَنْفَعُونَا‏.‏ يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَشَهِدَ الْقَوْمُ حِينَئِذٍ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ بِاَللَّهِ، جَاحِدِينَ وَحْدَانِيَّتَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ قِيلِهِ لِهَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَيْهِ، الْمُكَذِّبِينَ آيَاتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ لَهُمْ حِينَ وَرَدُوا عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ادْخُلُوا، أَيُّهَا الْمُفْتَرُونَ عَلَى رَبِّكُمْ، الْمُكَذِّبُونَ رُسُلَهُ، فِي جَمَاعَاتٍ مِنْ ضُرَبَائِكُمْ ‏(‏قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ قَدْ سَلَفَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ “ ‏{‏مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ‏}‏ “، وَمَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ هِيَ فِي النَّارِ، قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَإِنَّمَا يَعْنِي بِـ “ الْأُمَمِ “، الْأَحْزَابَ وَأَهْلَ الْمِلَلِ الْكَافِرَةِ ‏{‏كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا‏}‏، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ كُلَّمَا دَخَلَتِ النَّارَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ مِلَّةٍ لَعَنَتْ أُخْتَهَا، يَقُولُ‏:‏ شَتَمَتِ الْجَمَاعَةَ الْأُخْرَى مِنْ أَهْلِ مِلَّتِهَا، تَبَرِّيًا مِنْهَا‏.‏

وَإِنَّمَا عَنَى بِـ “ الْأُخْتِ “، الْأُخُوَّةَ فِي الدِّينِ وَالْمِلَّةِ، وَقِيلَ‏:‏ “ أُخْتَهَا “، وَلَمْ يَقِلْ‏:‏ “ أَخَاهَا “، لِأَنَّهُ عَنَى بِهَا “ أُمَّةً “ وَجَمَاعَةً أُخْرَى، كَأَنَّهُ قِيلَ‏:‏ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُمَّةً أُخْرَى مِنْ أَهْلِ مِلَّتِهَا وَدِينِهَا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ كُلَّمَا دَخَلَ أَهْلُ مِلَّةٍ لَعَنُوا أَصْحَابَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الدِّينِ، يَلْعَنُ الْمُشْرِكُونَ الْمُشْرِكِينَ، وَالْيَهُودُ الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى النَّصَارَى، وَالصَّابِئُونَ الصَّابِئِينَ، وَالْمَجُوسُ الْمَجُوسَ، تَلْعَنُ الْآخِرَةُ الْأُولَى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ حَتَّى إِذَا تَدَارَكَتِ الْأُمَمُ فِي النَّارِ جَمِيعًا، يَعْنِي اجْتَمَعَتْ فِيهَا‏.‏

يُقَالُ‏:‏ “ قَدْ ادَّارَكُوا “، وَ“ تَدَارَكُوا “، إِذَا اجْتَمَعُوا‏.‏

يَقُولُ‏:‏ اجْتَمَعَ فِيهَا الْأَوَّلُونَ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ الْكَافِرَةِ وَالْآخِرُونَ مِنْهُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ مُحَاوَرَةِ الْأَحْزَابِ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ الْكَافِرَةِ فِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَإِذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ الْمِلَلِ الْكَافِرَةِ فِي النَّارِ فَادَّارَكُوا، قَالَتْ أُخْرَى أَهْلِ كُلِّ مِلَّةٍ دَخَلَتِ النَّارَ الَّذِينَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا بَعْدَ أُولَى مِنْهُمْ تَقَدَّمَتْهَا وَكَانَتْ لَهَا سَلَفًا وَإِمَامًا فِي الضَّلَالَةِ وَالْكُفْرِ لِأُوْلَاهَا الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُمْ فِي الدُّنْيَا‏:‏ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا عَنْ سَبِيلِكَ، وَدَعَوْنَا إِلَى عِبَادَةِ غَيْرِكَ، وَزَيَّنُوا لَنَا طَاعَةَ الشَّيْطَانِ، فَآتِهِمُ الْيَوْمَ مِنْ عَذَابِكَ الضِّعْفَ عَلَى عَذَابِنَا، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ “ ‏{‏قَالَتْ أُخْرَاهُمْ‏}‏ “، الَّذِينَ كَانُوا فِي آخِرِ الزَّمَانِ “ لِأُوْلَاهُمْ “، الَّذِينَ شَرَعُوا لَهُمْ ذَلِكَ الدِّينَ ‏{‏رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ‏}‏‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ‏}‏، فَإِنَّهُ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ جَوَابِهِ لَهُمْ، يَقُولُ‏:‏ قَالَ اللَّهُ لِلَّذِينِ يَدْعُونَهُ فَيَقُولُونَ‏:‏ “ ‏{‏رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ‏}‏ “‏:‏ لِكُلِّكُمْ، أَوَّلُكُمْ وَآخِرُكُمْ، وَتَابَعُوكُمْ ومُتَّبَعُوكُمْ “ ضِعْفٌ “، يَقُولُ‏:‏ مُكَرَّرٌ عَلَيْهِ الْعَذَابُ‏.‏

وَ “ ضِعْفُ الشَّيْءِ “، مِثْلُهُ مَرَّةٌ‏.‏

وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ‏}‏، مُضَعَّفٌ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏لِكُلٍّ ضِعْفٌ‏}‏، لِلْأُولَى، وَلِلْآخِرَةِ ضِعْفٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ، حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏ضِعْفًا مِنَ النَّارِ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَفَاعِي‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ‏}‏، قَالَ‏:‏ حَيَّاتٍ وَأَفَاعِي‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ إِنَّ “ الْمُضَعَّفُ “، فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، مَا كَانَ ضِعْفَيْنِ، وَ“ الْمُضَاعَفُ “، مَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَكِنَّكُمْ، يَا مَعْشَرَ أَهْلِ النَّارِ، لَا تَعْلَمُونَ مَا قَدْرُ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكُمْ مِنَ الْعَذَابِ، فَلِذَلِكَ تَسْأَلُ الضِّعْفَ مِنْهُ الْأُمَّةُ الْكَافِرَةُ الْأُخْرَى لِأُخْتِهَا الْأُولَى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏39‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَقَالَتْ أُولَى كُلِّ أُمَّةٍ وَمِلَّةٍ سَبَقَتْ فِي الدُّنْيَا، لَأُخْرَاهَا الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ، وحَدَثُوا بَعْدَ زَمَانِهِمْ فِيهَا، فَسَلَكُوا سَبِيلَهُمْ وَاسْتَنُّوا سُنَّتَهُمْ‏:‏ ‏{‏فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ‏}‏، وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا حَلَّ بِنَا مِنْ عُقُوبَةِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَعْصِيَتِنَا إِيَّاهُ وَكُفْرِنَا بِآيَاتِهِ، بَعْدَمَا جَاءَتْنَا وَجَاءَتْكُمْ بِذَلِكَ الرُّسُلُ وَالنُّذُرُ، فَهَلْ أَنَبْتُمْ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَارْتَدَعْتُمْ عَنْ غَوَايَتِكُمْ وَضَلَالَتِكُمْ‏؟‏ فَانْقَضَتْ حُجَّةُ الْقَوْمِ وخُصِمُوا وَلَمْ يُطِيقُوا جَوَابًا بِأَنْ يَقُولُوا‏:‏ “ فُضِّلْنَا عَلَيْكُمْ إِذْ اعْتَبَرْنَا بِكُمْ فَآمَنَّا بِاَللَّهِ وَصَدَّقْنَا رُسُلَهُ “، قَالَ اللَّهُ لِجَمِيعِهِمْ‏:‏ فَذُوقُوا جَمِيعَكُمْ، أَيُّهَا الْكَفَرَةُ، عَذَابَ جَهَنَّمَ، بِمَا كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا تَكْسِبُونَ مِنَ الْآثَامِ وَالْمَعَاصِي، وَتَجْتَرِحُونَ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْإِجْرَامِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ، سَمِعْتُ عُمْرَانَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ‏:‏ ‏{‏وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ فَمَا فَضْلُكُمْ عَلَيْنَا، وَقَدْ بَيَّنَ لَكُمْ مَا صَنَعَ بِنَا، وَحُذِّرْتُمْ‏؟‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ‏}‏، فَقَدْ ضَلَلْتُمْ كَمَا ضَلَلْنَا‏.‏

وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي هَذَا بِمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنَ التَّخْفِيفِ مِنَ الْعَذَابِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنْ تَخْفِيفٍ‏.‏

وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلٌ لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِينَ‏:‏ “ ‏{‏فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ‏}‏ “ لِمَنْ قَالُوا ذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ تَوْبِيخٌ مِنْهُمْ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ قَبْلَ تِلْكَ الْحَالِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ دُخُولُ “ كَانَ “ فِي الْكَلَامِ‏.‏ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ تَوْبِيخًا لَهُمْ عَلَى قَيْلِهِمُ الَّذِي قَالُوا لِرَبِّهِمْ‏:‏ “ ‏{‏فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ‏}‏ “، لَكَانَ التَّوْبِيخُ أَنْ يُقَالَ‏:‏ “ فَمَا لَكَمَ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ، فِي تَخْفِيفِ الْعَذَابِ عَنْكُمْ، وَقَدْ نَالَكُمْ مِنَ الْعَذَابِ مَا قَدْ نَالَنَا “، وَلَمْ يَقِلْ‏:‏ “ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ “‏.‏