فصل: تفسير الآية رقم (152)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏152‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ‏}‏ ‏"‏ إِلَهًا ‏"‏ ‏{‏سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ‏}‏ ‏"‏، بِتَعْجِيلِ اللَّهِ لَهُمْ ذَلِكَ ‏"‏وَذِلَّةٌ‏"‏، وَهِيَ الْهَوَانُ، لِعُقُوبَةِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ ‏"‏ ‏{‏فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏ ‏"‏، فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا قَبْلَ آجِلِ الْآخِرَةِ‏.‏

وَكَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ بِمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ هَذَا لِمَنْ مَاتَ مِمَّنِ اتَّخَذَ الْعَجَلَ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَنْ فَرَّ مِنْهُمْ حِينَ أَمَرَهُمْ مُوسَى أَنْ يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَإِنْ كَانَ قَوْلًا لَهُ وَجْهٍ، فَإِنَّ ظَاهِرَ كِتَابِ اللَّهِ، مَعَ تَأْوِيلِ أَكْثَرِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، بِخِلَافِهِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَمَّ بِالْخَبَرِ عَمَّنِ اتَّخَذَ الْعَجَلَ أَنَّهُ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَتَظَاهَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنَ بِأَنَّ اللَّهَ إِذْ رَجَعَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، تَابَ عَلَى عَبَدَةِ الْعِجْلِ مِنْ فِعْلِهِمْ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ قِيلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي كِتَابِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْبَقَرَةِ‏:‏ 54‏]‏، فَفَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ فَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ قَتْلِ بَعْضِهِمْ أَنْفُسِ بَعْضٍ، عَنْ غَضَبٍ مِنْهُ عَلَيْهِمْ بِعِبَادَتِهِمُ لْعَجَلَ‏.‏ فَكَانَ قَتْلُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا هَوَانًا لَهُمْ وَذِلَّةً أَذَلَّهُمُ للَّهُ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَتَوْبَةً مِنْهُمْ إِلَى اللَّهِ قَبْلَهَا‏.‏ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْعَلَ خَبَرًا جَاءَ الْكِتَابُ بِعُمُومِهِ، فِي خَاصٍّ مِمَّا عَمَّهُ الظَّاهِرُ، بِغَيْرِ بُرْهَانٍ مِنْ حُجَّةِ خَبَرٍ أَوْ عَقْلٍ‏.‏ وَلَا نَعْلَمُ خَبَرًا جَاءَ بِوُجُوبِ نَقْلِ ظَاهِرِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ‏}‏ ‏"‏، إِلَى بَاطِنٍ خَاصٍّ وَلَا مِنَ الْعَقْلِ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، فَيَجِبُ إِحَالَةُ ظَاهِرِهِ إِلَى بَاطِنِهِ‏.‏

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ‏}‏ ‏"‏، وَكَمَا جَزَيْتَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ إِلَهًا، مِنْ إِحْلَالِ الْغَضَبِ بِهِمْ، وَالْإِذْلَالِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا عَلَى كُفْرِهِمْ رَبَّهُمْ، وَرِدَّتِهِمْ عَنْ دِينِهِمْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ بِاللَّهِ، كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ مَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ، فَكَذَبَ عَلَيْهِ، وَأَقَرَّ بِأُلُوهِيَّةِ غَيْرِهِ، وَعَبَدَ شَيْئًا سِوَاهُ مِنَ الْأَوْثَانِ، بَعْدَ إِقْرَارِهِ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، وَبَعْدَ إِيمَانِهِ بِهِ وَبِأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ وَقِيلَ ذَلِكَ، إِذَا لَمْ يَتُبْ مِنْ كُفْرِهِ قَبْلَ قَتْلِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ قَالَ‏:‏ تَلَا أَبُو قِلَابَةَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏ ‏"‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ فَهُوَ جَزَاءُ كُلِّ مُفْتَرٍ يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏:‏ أَنْ يُذِلَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ عَارِمٌ قَالَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ قَالَ‏:‏ قَرَأَ أَبُو قِلَابَةَ يَوْمًا هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ هِيَ وَاللَّهِ لِكُلِّ مُفْتَرٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏.‏

قَالَ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، وَحُمَيدٍ‏:‏ «أَنْ قَيْسَ بْنَ عُبَادٍ، وَجَارِيَةَ بْنَ قَدَامَةَ، دَخْلَا عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَا أَرَأَيْتَ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ وَتَدْعُو إِلَيْهِ، أَعَهِدَ عَهْدَهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمْ رَأْيٌ رَأَيْتَهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ مَا لَكُمَا وَلِهَذَا‏؟‏ أَعْرِضَا عَنْ هَذَا‏!‏ فَقَالَا وَاللَّهِ لَا نَعْرِضُ عَنْهُ حَتَّى تُخْبِرَنَا‏!‏ فَقَالَ‏:‏ مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا كِتَابًا فِي قِرَابِ سَيْفِي هَذَا‏!‏ فَاسْتَلَّهُ، فَأَخْرَجَ الْكِتَابَ مِنْ قِرَابِ سَيْفِهِ، وَإِذَا فِيهِ‏:‏ ‏"‏إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا لَهُ حَرَمٌ، وَأَنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمًّا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَكَّةَ، لَا يُحْمَلُ فِيهَا السِّلَاحُ لِقِتَالِ‏.‏ مَنْ أَحْدَثِ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ‏"‏‏.‏ فَلَمَّا خَرَجَا قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ‏:‏ أَمَا تَرَى هَذَا الْكِتَابَ‏؟‏ فَرَجَعَا وَتَرَكَاهُ وَقَالَا إِنَّا سَمِعْنَا اللَّهُ يَقُولُ ‏"‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ‏}‏ ‏"‏، الْآيَةَ، وَإِنَّ الْقَوْمَ قَدِ افْتَرَوْا فِرْيَةً، وَلَا أَدْرِي إِلَّا سَيَنـْزِلُ بِهِمْ ذِلَّة»‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ‏:‏ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ‏}‏ ‏"‏ قَالَ‏:‏ كُلُّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ ذَلِيلٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏153‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ قَابِلٌ مِنْ كُلِّ تَائِبٍ إِلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ أَتَاهُ، صَغِيرَةً كَانَتْ مَعْصِيَتُهُ أَوْ كَبِيرَةً، كُفْرًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ كُفْرٍ، كَمَا قُبِلَ مِنْ عَبَدَةِ الْعِجْلِ تَوْبَتُهُمْ بَعْدَ كُفْرِهِمْ بِهِ بِعِبَادَتِهِمُ لْعِجْلَ وَارْتِدَادِهِمْ عَنْ دِينِهِمْ‏.‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَالَّذِينَ عَمِلُوا الْأَعْمَالَ السَّيِّئَةَ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى طَلَبِ رِضَى اللَّهِ بِإِنَابَتِهِمْ إِلَى مَا يُحِبُّ مِمَّا يَكْرَهُ، وَإِلَى مَا يَرْضَى مِمَّا يَسْخَطُ، مِنْ بَعْدِ سَيِّئِ أَعْمَالِهِمْ، وَصَدَّقُوا بِأَنَّاللَّهَ قَابِلُ تَوْبَةِ الْمُذْنِبِينَ، وَتَائِبٌ عَلَى الْمُنِيبِينَ، بِإِخْلَاصِ قُلُوبِهِمْ وَيَقِينٍ مِنْهُمْ بِذَلِكَ ‏"‏لِغَفُورٌ‏"‏، لَهُمْ، يَقُولُ‏:‏ لَسَاتِرٌ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمُ لسَّيِّئَةَ، وَغَيْرَ فَاضِحِهِمْ بِهَا ‏"‏رَحِيمٌ‏"‏، بِهِمْ، وَبِكُلِّ مَنْ كَانَ مِثْلَهُمْ مِنَ التَّائِبِينَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏154‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ‏}‏ ‏"‏‏.‏ وَلِمَا كَفَّ عَنْهُ وَسَكَنَ‏.‏

وَكَذَلِكَ كَلُّ كَافٍّ عَنْ شَيْءٍ‏:‏ ‏"‏سَاكِتٌ عَنْهُ‏"‏، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلسَّاكِتِ عَنِ الْكَلَامِ ‏"‏سَاكِتٌ‏"‏، لِكَفِّهِ عَنْهُ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرَ عَنْ يُونُسَ الْجُرْمِيِّ أَنَّهُ قَالَ يُقَالُ‏:‏ ‏"‏سَكَتَ عَنْهُ الْحُزْنُ‏"‏، وَكُلُ شَيْءٍ، فِيمَا زَعَمَ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي النَّجْمِ‏:‏

وَهَمَّـتِ الْأَفْعَـى بِـأَنْ تَسِـيحَا *** وَسَـكَتَ الْمُكَّـاءُ أَنْ يَصِيحَـا

‏"‏أَخَذَ الْأَلْوَاحَ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ أَخَذَهَا بَعْدَ مَا أَلْقَاهَا، وَقَدْ ذَهَبَ مِنْهَا مَا ذَهَبَ ‏"‏ ‏{‏وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَفِيمَا نُسِخَ فِيهَا، أَيْ كُتِبَ فِيهَا ‏"‏هُدَى‏"‏ بَيَانٌ لِلْحَقِّ ‏"‏ ‏{‏وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ لِلَّذِينِ يَخَافُونَ اللَّهَ وَيَخْشَوْنَ عِقَابَهُ عَلَى مَعَاصِيهِ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ دُخُولِ ‏"‏اللَّامِ‏"‏ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ‏}‏ ‏"‏، مَعَ اسْتِقْبَاحِ الْعَرَبِ أَنْ يُقَالَ فِي الْكَلَامِ‏:‏ ‏"‏رَهِبْتُ لَكَ‏"‏‏:‏ بِمَعْنَى رَهِبْتُكَ ‏"‏وَأَكْرَمْتُ لَكَ‏"‏، بِمَعْنَى أَكْرَمْتُكَ‏.‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ذَلِكَ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ يُوسُفَ‏:‏ 43‏]‏، أَوْصَلَ الْفِعْلَ بِاللَّامِ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مِنْ أَجْلِ رَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ إِنَّمَا دَخَلَتْ عَقِيبَ الْإِضَافَةِ‏:‏ الَّذِينَ هُمْ رَاهِبُونَ لِرَبِّهِمْ، وَرَاهِبُو رَبِّهِمْ ثُمَّ أُدْخِلَتْ ‏"‏اللَّام‏"‏ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، لِأَنَّهَا عَقِيبُ الْإِضَافَةِ، لَا عَلَى التَّكْلِيفِ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ إِنَّمَا فُعِلَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الِاسْمَ تَقَدَّمَ الْفِعْلَ، فَحَسُنَ إِدْخَالُ ‏"‏اللَّامِ‏"‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ قَدْ جَاءَ مَثَلُهُ فِي تَأْخِيرِ الِاسْمِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ النَّمْلِ‏:‏ 72‏]‏‏.‏

وَذُكِرَ عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الْفَرَزْدَقَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏نَقَدْتُ لَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ‏"‏، يُرِيدُ‏:‏ نَقَدْتُهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَالْكَلَامُ وَاسِعٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏155‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَاخْتَارَ مُوسَى مِنْ قَوْمِهِ سَبْعِينَ رَجُلًا لِلْوَقْتِ وَالْأَجْلِ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ أَنْ يَلْقَاهُ فِيهِ بِهِمْ، لِلتَّوْبَةِ مِمَّا كَانَ مِنْ فِعْلِ سُفَهَائِهِمْ فِي أَمْرِ الْعَجَلِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَأْتِيَهُ فِي نَاسٍ مَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، وَوَعَدَهُمْ مَوْعِدًا، فَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا عَلَى عَيْنِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمْ لِيَعْتَذِرُوا‏.‏ فَلَمَّا أَتَوْا ذَلِكَ الْمَكَانَ قَالُوا‏:‏ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ يَا مُوسَى حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً، فَإِنَّكَ قَدْ كَلَّمْتَهُ، فَأَرِنَاهُ‏!‏ فَأَخَذَتْهُمُ لصَّاعِقَةُ فَمَاتُوا، فَقَامَ مُوسَى يَبْكِي وَيَدْعُو اللَّهَ وَيَقُولُ‏:‏ رَبِ مَاذَا أَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا أَتَيْتُهُمْ وَقَدْ أَهْلَكَتْ خِيَارَهُمْ، لَوْ شِئْتَ أَهْلَكَتْهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ ‏!‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ اخْتَارَ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَبْعِينَ رَجُلًا الْخَيِّرَ فَالْخَيِّرَ، وَقَالَ‏:‏ انْطَلَقُوا إِلَى اللَّهِ فَتُوبُوا إِلَيْهِ مِمَّا صَنَعْتُمْ، وَاسْأَلُوهُ التَّوْبَةَ عَلَى مَنْ تَرَكْتُمْ وَرَاءَكُمْ مِنْ قَوْمِكُمْ، صُومُوا وَتَطَهَّرُوا، وَطَهِّرُوا ثِيَابَكُمْ‏!‏ فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى طُورِ سَيْنَاءَ، لِمِيقَاتٍ وَقَّتَهُ لَهُ رَبُّهُ‏.‏ وَكَانَ لَا يَأْتِيهِ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُ وَعِلْمٍ‏.‏ فَقَالَ السَّبْعُونَ فِيمَا ذُكِرَ لِي حِينَ صَنَعُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَخَرَجُوا مَعَهُ لِلِقَاءِ رَبِّهِ، لِمُوسَى‏:‏ اطْلُبْ لَنَا نَسْمَعُ كَلَامَ رَبِّنَا‏!‏ فَقَالَ‏:‏ أَفْعَلُ‏.‏ فَلَمَّا دَنَا مُوسَى مِنَ الْجَبَلِ، وَقَعَ عَلَيْهِ عَمُودُ الْغَمَامِ، حَتَّى تَغْشَى الْجَبَلُ كُلُّهُ‏.‏ وَدَنَا مُوسَى فَدَخَلَ فِيهِ، وَقَالَ لِلْقَوْمِ‏:‏ ادْنُوَا‏!‏ وَكَانَ مُوسَى إِذَا كَلَّمَهُ اللَّهُ وَقَعَ عَلَى جَبْهَتِهِ نُورٌ سَاطِعٌ، لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ‏!‏ فَضُرِبَ دُونَهُ بِالْحِجَابِ‏.‏ وَدَّنَا الْقَوْمُ، حَتَّى إِذَا دَخَلُوا فِي الْغَمَامِ وَقَعُوا سُجُودًا، فَسَمِعُوهُ وَهُوَ يُكَلِّمُ مُوسَى، يَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ‏:‏ افْعَلْ، وَلَا تَفْعَلْ‏!‏ فَلَمَّا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِهِ، انْكَشَفَ عَنْ مُوسَى الْغَمَامُ‏.‏ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا لِمُوسَى‏:‏ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً‏!‏ فَأَخَذَتْهُمُ لرَّجْفَةُ وَهِيَ الصَّاعِقَةُ فَافْتُلِتَتْ أَرْوَاحُهُمْ، فَمَاتُوا جَمِيعًا، وَقَامَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يُنَاشِدُ رَبَّهُ وَيَدْعُوهُ وَيَرْغَبُ إِلَيْهِ، وَيَقُولُ‏:‏ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ‏!‏ قَدْ سَفَّهُوا‏!‏ أَفَتُهْلِكُ مَنْ وَرَائِي مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ‏؟‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ كَانَ اللَّهُ أَمْرَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ قَوْمِهِ سَبْعِينَ رَجُلًا فَاخْتَارَ سَبْعِينَ رَجُلًا فَبَرَزَ بِهِمْ لِيَدْعُوَا رَبَّهُمْ‏.‏ فَكَانَ فِيمَا دَعَوُا اللَّهَ قَالُوا‏:‏ اللَّهُمَّ أَعْطِنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا بَعْدَنَا‏!‏ فَكَرِهَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ دُعَائِهِمْ، فَأَخَذَتْهُمُ لرَّجْفَةُ‏.‏ قَالَ مُوسَى‏:‏ رَبِ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ‏!‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ مَيْمُونٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ لِمَوْعِدِهِمُ لَّذِي وَعَدَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ اخْتَارَهُمْ لِتَمَامِ الْوَعْدِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إِنَّمَا أَخَذَتْهُمُ لرَّجْفَةُ مِنْ أَجْلِ دَعْوَاهُمْ عَلَى مُوسَى قَتْلَ هَارُونَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عِمَارَةَ بْنِ عَبْدِ السَّلُولِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ‏:‏ انْطَلَقَ مُوسَى وَهَارُونُ وَشِبْرٌ وَشُبَيْرٌ، فَانْطَلَقُوا إِلَى سَفْحِ جَبَلٍ، فَنَامَ هَارُونُ عَلَى سَرِيرٍ، فَتَوَفَّاهُ اللَّهُ‏.‏ فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالُوا لَهُ‏:‏ أَيْنَ هَارُونُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ تَوَفَّاهُ اللَّهُ‏.‏ قَالُوا‏:‏ أَنْتَ قَتَلْتَهُ، حَسَدَتْنَا عَلَى خُلُقِهِ وَلِينِهِ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا قَالَ‏:‏ فَاخْتَارُوا مَنْ شِئْتُمْ‏!‏ قَالَ‏:‏ فَاخْتَارُوا سَبْعِينَ رَجُلًا‏.‏ قَالَ‏:‏ فَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَيْهِ، قَالُوا‏:‏ يَا هَارُونُ، مِنْ قَتْلِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ مَا قَتَلَنِي أَحَدٌ، وَلَكِنَّنِي تَوَفَّانِي اللَّهُ ‏!‏ قَالُوا‏:‏ يَا مُوسَى لَنْ تُعْصَى بَعْدَ الْيَوْمِ‏!‏ قَالَ‏:‏ فَأَخَذَتْهُمُ لرَّجْفَةُ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَجَعَلَ مُوسَى يَرْجِعُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَقَالَ يَا‏:‏ ‏"‏ ‏{‏رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ فَأَحْيَاهُمُ للَّهُ وَجَعَلَهُمْ أَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلُولٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ كَانَ هَارُونُ حَسَنُ الْخُلُقِ مُحَبَّبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَلَمَّا مَاتَ، دَفَنَهُ مُوسَى‏.‏ قَالَ‏:‏ فَلَمَّا أَتَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالُوا لَهُ‏:‏ أَيْنَ هَارُونُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ مَاتَ‏!‏ فَقَالُوا‏:‏ قَتَلْتَهُ‏!‏ قَالَ‏:‏ فَاخْتَارَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا‏.‏ قَالَ‏:‏ فَلَمَّا أَتَوْا الْقَبْرَ قَالَ مُوسَى‏:‏ أَقُتِلْتَ أَوْ مُتَّ‏!‏ قَالَ مُتُّ‏!‏ فأُصْعِقُوا، فَقَالَ مُوسَى‏:‏ رَبِ مَا أَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ‏؟‏ إِذَا رَجَعْتُ يَقُولُونَ‏:‏ أَنْتَ قَتَلْتَهُمْ‏!‏ قَالَ‏:‏ فَأُحْيُوا وَجُعِلُوا أَنْبِيَاءَ‏.‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يَعْنِي الرَّقَاشِيَّ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا‏}‏ ‏"‏، فَقَالَ‏:‏ كَانُوا أَبْنَاءً مَا عَدَا عِشْرِينَ، وَلَمْ يَتَجَاوَزُوا الْأَرْبَعِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ عِشْرِينَ قَدْ ذَهَبَ جَهْلُهُ وَصِبَاهُ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَتَجَاوَزِ الْأَرْبَعِينَ لَمْ يَفْقِدْ مَنْ عَقَلِهِ شَيْئً‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إِنَّمَا أَخَذَتِ الْقَوْمَ الرَّجْفَةُ، لِتَرْكِهِمْ فِرَاقَ عَبَدَةِ الْعِجْلِ، لَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ عَبَدَتْهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا‏}‏ ‏"‏، فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ‏:‏ ‏"‏السُّفَهَاءُ مِنَّا‏"‏، ذَكَرَ لَنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ‏:‏ إِنَّمَا تَنَاوَلَتْهُمُ لرَّجْفَةُ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُزَايِلُوا الْقَوْمَ حِينَ نَصَبُوا الْعَجَلَ، وَقَدْ كَرِهُوا أَنْ يُجَامِعُوهُمْ عَلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا‏}‏ ‏"‏، مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ، عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُجَامِعُوهُمْ عَلَيْهِ، فَأَخَذَتْهُمُ لرَّجْفَةُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَايِنُوا قَوْمَهُمْ حِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَلَمَّا خَرَجُوا وَدَعَوْا، أَمَاتَهُمُ للَّهُ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ‏.‏ فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ لرَّجْفَةُ قَالَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏رَبِ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا‏}‏ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ قَالَ، قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا‏}‏ ‏"‏ و‏"‏الْمِيقَاتُ‏"‏، الْمَوْعِدُ فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ لرَّجْفَةُ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مُوسَى بِالسَّبْعِينَ مِنْ قَوْمِهِ يَدْعُونَ اللَّهَ وَيَسْأَلُونَهُ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمُ الْبَلَاءَ فَلَمْ يَسْتَجِبْ لَهُمْ، عِلِمَ مُوسَى أَنَّهُمْ قَدْ أَصَابُوا مِنَ الْمَعْصِيَةِ مَا أَصَابَهُ قَوْمَهُمْ قَالَ أَبُو سَعْدٍ فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَعَّبٍ الْقُرَظِيُّ قَالَ‏:‏ لَمْ يَسْتَجِبْ لَهُمْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَمْ يَنْهَوْهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَأْمُرُوهُمْ بِالْمَعْرُوفِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَأَخَذَتْهُمُ لرَّجْفَةُ، فَمَاتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمُ للَّهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عَوْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنَّ السَّبْعِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مُوسَى مِنْ قَوْمِهِ، إِنَّمَا أَخَذَتْهُمُ لرَّجْفَةُ، أَنَّهُمْ لَمْ يَرْضَوْا وَلَمْ يَنْهَوْا عَنِ الْعِجْلِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَوْنٌ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ حَيَّانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ نَصْبِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا‏}‏ ‏"‏‏.‏ فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ وَاخْتَارَ مُوسَى مِنْ قَوْمِهِ سَبْعِينَ رَجُلًا فَلَمَّا نـَزَعَ ‏"‏مِنْ‏"‏ أَعْمَلَ الْفِعْلَ، كَمَا قَالَ الْفَرَزْدَقُ‏:‏

وَمِنَّـا الَّـذِي اخْـتِيرَ الرِّجَـالَ سَمَاحَةً *** وَجُـودًا، إِذَا هَـبَّ الرِّيَـاحُ الزَّعَـازِعُ

وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ‏:‏

أَمَـرْتُكَ الْخَـيْرَ، فَـافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ *** فَقَـدْ تَـرَكْتُكَ وَذَا مَـالٍ وَذَا نَشَـبٍ

وَقَالَ الرَّاعِي‏:‏

اخْـتَرْتُكَ النَّـاسَ إِذْ غَثَّـتْ خَلَائِقُهُمْ *** وَاعْتَـلَّ مَنْ كَانَ يُرْجَى عِنْدَهُ السُّولُ

وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ‏:‏ إِنَّمَا اسْتُجِيزَ وُقُوعُ الْفِعْلِ عَلَيْهِمْ إِذَا طُرِحَتْ ‏"‏مِنْ‏"‏، لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِكَ‏:‏ ‏"‏هَؤُلَاءِ خَيْرُ الْقَوْمِ‏"‏ و‏"‏خَيْرٌ مِنَ الْقَوْمِ‏"‏، فَلَمَّا جَازَتِ الْإِضَافَةُ مَكَانَ ‏"‏مِنْ‏"‏ وَلَمْ يَتَغَيَّرِ الْمَعْنَى، استجازُوا‏:‏ أَنْ يَقُولُوا‏:‏ ‏"‏اخْتَرْتُكُمْ رَجُلًا‏"‏، و‏"‏اخْتَرْتُ مِنْكُمْ رَجُلًا‏"‏، وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ اخْتَرْهَا قَلُوصًا سَمِينَةً ***

وَقَالَ الرَّاجِزُ‏:‏

تَحْتَ الَّتِي اخْتَارَ لَهُ اللَّهُ الشَّجَرْ ***

بِمَعْنَى‏:‏ اخْتَارَهَا لَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّجَرِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَوْلَى عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، لِدَلَالَةِ ‏"‏الِاخْتِيَارِ‏"‏ عَلَى طَلَبِ ‏"‏مِنْ‏"‏ الَّتِي بِمَعْنَى التَّبْعِيضِ، وَمِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ أَنْ تَحْذِفَ الشَّيْءَ مِنْ حَشْوِ الْكَلَامِ إِذَا عُرِفَ مَوْضِعُهُ، وَكَانَ فِيمَا أَظْهَرَتْ دَلَالَةٌ عَلَى مَا حَذَفَتْ‏.‏ فَهَذَا مِنْ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ‏"‏الرَّجْفَةِ‏"‏ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهَا، وَأَنَّهَا‏:‏ مَا رَجَفَ بِالْقَوْمِ وَزَعْزَعَهُمْ وَحَرَّكَهُمْ، أَهْلَكَهُمْ بَعْدُ فَأَمَاتَهُمْ، أَوْ أَصْعَقَهُمْ، فَسَلَبَ أَفْهَامَهُمْ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ إِنَّهَا كَانَتْ صَاعِقَةٌ أَمَاتَتْهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ‏}‏ ‏"‏، مَاتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا‏}‏ ‏"‏، اخْتَارَهُمْ مُوسَى لِتَمَامِ الْمَوْعِدِ ‏"‏ ‏{‏فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ‏}‏ ‏"‏، مَاتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمُ للَّهُ‏.‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ قَالَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ، قَالَ أَبُو سَعْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ رُجِفَ بِهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏155‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أَتُهْلِكُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَهْلَكْتَهُمْ بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا، أَيْ‏:‏ بِعِبَادَةِ مَنْ عَبَدَ الْعِجْلَ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ وَكَانَ اللَّهُ إِنَّمَا أَهْلَكَهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِمَّنْ يَعْبُدُ الْعِجْلَ‏.‏ وَقَالَ مُوسَى مَا قَالَ، وَلَا عَلَمَ عِنْدَهُ بِمَا كَانَ مِنْهُمْ مَنْ ذَلِكَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا‏}‏ ‏"‏، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى‏:‏ إِنَّ هَؤُلَاءِ السَّبْعِينَ مِمَّنِ اتَّخَذَ الْعَجَلَ‏!‏ فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ مُوسَى‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ‏}‏ ‏"‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ إِنَّ إِهْلَاكَكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَهْلَكْتَهُمْ، هَلَاكٌ لِمَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِذَا انْصَرَفَتْ إِلَيْهِمْ وَلَيْسُوا مَعِي و‏"‏السُّفَهَاءُ‏"‏ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، كَانُوا الْمُهْلَكِينَ الَّذِينَ سَأَلُوا مُوسَى أَنْ يُرِيَهُمْ رَبَّهُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ لِمَا أَخَذَتِ الرَّجْفَةُ السَّبْعِينَ فَمَاتُوا جَمِيعًا، قَامَ مُوسَى يُنَاشِدُ رَبَّهُ وَيَدْعُوهُ وَيَرْغَبُ إِلَيْهِ، يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏رَبِ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ‏}‏ ‏"‏، قَدْ سَفَّهُوا، أَفَتُهْلِكُ مِنْ وَرَائِي مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا‏؟‏ أَيْ‏:‏ إِنَّ هَذَا لَهُمْ هَلَاكٌ، قَدِ اخْتَرْتُ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا الْخَيِّرَ فَالْخَيِّرَ، أَرْجَعَ إِلَيْهِمْ وَلَيْسَ مِعَى رَجُلٍ وَاحِدٍ‏!‏ فَمَا الَّذِي يُصَدِّقُونَنِي بِهِ، أَوْ يَأْمَنُونَنِي عَلَيْهِ بَعْدَ هَذَا‏؟‏

وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا‏}‏ ‏"‏، أَتُؤَاخِذُنَا وَلَيْسَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ تَرَكَ عِبَادَتَكَ، وَلَا اسْتَبْدَلَ بِكَ غَيْرَكَ‏؟‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ إِنَّ مُوسَى إِنَّمَا حَزِنَ عَلَى هَلَاكِ السَّبْعِينَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا‏}‏ ‏"‏، وَأَنَّهُ إِنَّمَا عَنَى بِـ ‏"‏السُّفَهَاءِ‏"‏ عَبَدَةَ الْعِجْلِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَخَيَّرَ مِنْ قَوْمِهِ لِمَسْأَلَةِ رَبِّهِ مَا أَرَاهُ أَنْ يَسْأَلَ لَهُمْ إِلَّا الْأَفْضَلَ فَالْأَفْضَلَ مِنْهُمْ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْأَفْضَلُ كَانَ عِنْدَهُ مَنْ أَشْرَكَ فِي عِبَادَةِ الْعِجْلِ وَاتَّخَذَهُ دُونَ اللَّهِ إِلَهًا‏.‏

قَالَ‏:‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مُعْتَقِدًا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُعَاقِبُ قَوْمًا بِذُنُوبِ غَيْرِهِمْ، فَيَقُولُ‏:‏ أَتُهْلِكُنَا بِذُنُوبِ مَنْ عَبَدَ الْعِجْلَ، وَنَحْنُ مِنْ ذَلِكَ بُرَآءُ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ‏"‏الْإِهْلَاكِ‏"‏ قَبْضَ الْأَرْوَاحِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْعُقُوبَةِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ النِّسَاءِ‏:‏ 176‏]‏ يَعْنِي‏:‏ مَاتَ فَيَقُولُ‏:‏ أَتُمِيتُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا‏؟‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ‏}‏ ‏"‏، فَإِنَّهُ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ مَا هَذِهِ الْفِعْلَةُ الَّتِي فَعَلَهَا قَوْمِي، مِنْ عِبَادَتِهِمْ مَا عَبَدُوا دُونَكَ، إِلَّا فِتْنَةٌ مِنْكَ أَصَابَتْهُمْ وَيَعْنِي بِـ ‏"‏الفِتْنَةِ‏"‏، الِابْتِلَاءَ وَالِاخْتِبَارَ يَقُولُ‏:‏ ابْتَلَيْتُهُمْ بِهَا، لِيَتَبَيَّنَ الَّذِي يَضِلَّ عَنِ الْحَقِّ بِعِبَادَتِهِ إِيَّاهُ، وَالَّذِي يَهْتَدِي بِتَرْكِ عِبَادَتِهِ‏.‏ وَأَضَافَ إِضْلَالَهُمْ وَهِدَايَتَهُمْ إِلَى اللَّهِ، إِذْ كَانَ مَا كَانَ مِنْهُمْ مَنْ ذَلِكَ عَنْ سَبَبٍ مِنْهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏.‏

وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ‏"‏الْفِتْنَةِ‏"‏ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبَى، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ‏:‏ ‏{‏إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ‏}‏ ‏"‏،‏)‏ قَالَ‏:‏ بَلِيَّتُكَ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا حَبَوَيْهِ الرَّازِّيُّ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏"‏إِلَّا فَتَنَتُكَ‏"‏،‏:‏ إِلَّا بَلِيَّتُكَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، أَخْبَرْنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ بَلِيَّتُكَ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ‏}‏ ‏"‏، إِنْ هُوَ إِلَّا عَذَابُكَ تُصِيبُ بِهِ مَنْ تَشَاءُ، وَتَصْرِفُهُ عَمَّنْ تَشَاءُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ‏}‏ ‏"‏، أَنْتَ فِتْنَتَهُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أَنْتَ وَلِيُّنَا‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ أَنْتَ نَاصِرُنَا‏.‏ ‏"‏فَاغْفِرْ لَنَا‏"‏، يَقُولُ‏:‏ فَاسْتُرْ عَلَيْنَا ذُنُوبَنَا بِتَرْكِكَ عِقَابَنَا عَلَيْهَا ‏"‏وَارْحَمْنَا‏"‏، تَعْطِفُ عَلَيْنَا بِرَحْمَتِكَ ‏"‏ ‏{‏وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ خَيْرُ مَنْ صَفَحَ عَنْ جُرْمٍ، وَسَتَرَ عَلَى ذَنْبٍ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏156‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ مُخْبِرًا عَنْ دُعَاءِ نَبِيِّهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَاكْتُبْ لَنَا‏}‏ ‏"‏، أَيْ‏:‏ اجْعَلْنَا مِمَّنْ كَتَبَتْ لَهُ ‏"‏ ‏{‏فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً‏}‏ ‏"‏، وَهِيَ الصَّالِحَاتُ مِنَ الْأَعْمَالِ ‏"‏ ‏{‏وَفِي الْآخِرَةِ‏}‏ ‏"‏، مِمَّنْ كَتَبْتَ لَهُ الْمَغْفِرَةَ لِذُنُوبِهِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ مَغْفِرَةً‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ إِنَّا تُبْنَا إِلَيْكَ‏.‏

وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، وَعِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَالَ عِمْرَانُ‏:‏ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏"‏ ‏{‏إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ‏}‏ ‏"‏ قَالَ‏:‏ تُبْنَا إِلَيْكَ‏.‏

قَالَ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ‏:‏ تُبْنَا إِلَيْكَ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ تُبْنَا إِلَيْكَ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ سِمَاكٍ‏:‏ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ تُبْنَا إِلَيْكَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ أَحْسَبُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ تُبْنَا إِلَيْكَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ تِبْنًا إِلَيْكَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَصْبَهَانِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ تُبْنَا إِلَيْكَ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَوَكِيعُ بْنُ الْجِرَاحِ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، بِمَثَلِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ تُبْنَا إِلَيْكَ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الْعَوَّامِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ‏:‏ تُبْنَا إِلَيْكَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ، أَخْبَرْنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، مَثَلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ‏}‏ ‏"‏، أَيْ‏:‏ إِنَّا تُبْنَا إِلَيْكَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏هُدْنَا إِلَيْكَ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ تُبْنَا‏.‏

حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ تُبْنَا إِلَيْكَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ تُبْنَا إِلَيْكَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏هُدْنَا إِلَيْكَ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ تُبْنَا إِلَيْكَ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي حُجَيْرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ‏:‏ تُبْنَا إِلَيْكَ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ‏:‏ تُبْنَا إِلَيْكَ‏.‏

وَحَدَّثَتْ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، أَخْبَرْنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ تُبْنَا إِلَيْكَ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا حَبَوَيْهِ أَبُو يَزِيدَ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ‏:‏ إِنَّمَا سُمِّيَتِ ‏"‏الْيَهُودُ‏"‏، لِأَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ ‏"‏هُدْنَا إِلَيْكَ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ‏}‏ ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ تُبْنَا إِلَيْكَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْأَلُ سَعِيدًا‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنًى ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏156‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ اللَّهُ لِمُوسَى‏:‏ هَذَا الَّذِي أَصَبْتَ بِهِ قَوْمَكَ مِنَ الرَّجْفَةِ، عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ خَلْقِي، كَمَا أُصِيبُ بِهِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَصَبْتُهُمْ بِهِ مِنْ قَوْمِكَ ‏"‏ ‏{‏وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَرَحْمَتِي عَمَّتْ خَلْقِي كُلَّهُمْ‏.‏

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَخْرَجُهُ عَامٌّ، وَمَعْنَاهُ خَاصٌّ، وَالْمُرَادُ بِهِ‏:‏ وَرَحْمَتِي وَسِعَتِ الْمُؤْمِنِينَ بِي مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ وَاسْتُشْهِدَ بِالَّذِي بَعْدَهُ مِنَ الْكَلَامِ، وَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ‏}‏ ‏"‏، الْآيَةَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْمُنْقِرِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ، أَخْبَرْنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنَّهُ قَرَأَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ‏}‏ ‏"‏‏.‏ قَالَ‏:‏ جَعَلَهَا اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ‏.‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ قَالَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، قَالَ سُفْيَانُ قَالَ، أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ‏:‏ فَلَمَّا نـَزَلَتْ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ‏}‏ ‏"‏، قَالَ إِبْلِيسُ‏:‏ أَنَا مِنَ ‏"‏الشَّيْءِ‏"‏‏!‏ فَنـَزَعَهَا اللَّهُ مِنْ إِبْلِيسَ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏"‏، فَقَالَ الْيَهُودُ‏:‏ نَحْنُ نَتَّقِي وَنُؤْتِي الزَّكَاةَ وَنُؤْمِنُ بِآيَاتِ رَبِّنَا‏!‏ فَنَزَعَهَا اللَّهُ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ نـَزَعَهَا اللَّهُ عَنْ إِبْلِيسَ، وَعَنِ الْيَهُودِ، وَجَعْلَهَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ لَمَّا نـَزَلَتْ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ‏}‏ ‏"‏، قَالَ إِبْلِيسُ‏:‏ أَنَا مِنْ ‏"‏كُلِّ شَيْءٍ‏!‏‏"‏‏.‏ قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏"‏، الْآيَةَ‏.‏ فَقَالَتِ الْيَهُودُ‏:‏ وَنَحْنُ نَتَّقِي وَنُؤْتِي الزَّكَاةَ‏!‏ فأَنَـزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ نَـزَعَهَا اللَّهُ عَنْ إِبْلِيسَ، وَعَنِ الْيَهُودِ، وَجَعَلَهَا لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ‏:‏ سَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينِ يَتَّقُونَ مِنْ قَوْمِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ‏}‏ ‏"‏، فَقَالَ إِبْلِيسُ‏:‏ أَنَا مِنْ ذَلِكَ ‏"‏الشَّيْءِ‏"‏‏!‏ فأَنَـزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ‏}‏ ‏"‏ مَعَاصِيَ اللَّهِ ‏"‏ ‏{‏وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏"‏، فَتَمَنَّتْهَا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فأَنَـزَلَ اللَّهُ شَرْطًا وَثِيقًا بَيِّنًا، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ‏}‏ ‏"‏، فَهُوَ نَبِيُّكُمْ، كَانَ أُمِّيًّا لَا يَكْتُبُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ، أَخْبَرْنَا خَالِدٌ الْحِذَاءُ، عَنْ أَنِيسِ بْنِ أَبِي الْعُرْيَانِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ فَلَمْ يُعْطِهَا، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ‏}‏ ‏"‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ‏}‏ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلُيَّةَ، وَعَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَنِيسٍ أَبِي الْعُرْيَانِ قَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ أَنِيسٍ أَبِي الْعُرْيَانِ وَقَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ فَلَمْ يُعْطِهَا مُوسَى، قَالَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا‏}‏ ‏"‏، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ كَانَ اللَّهُ كَتَبَ فِي الْأَلْوَاحِ ذِكْرُ مُحَمَّدٍ وَذِكْرُ أُمَّتِهِ، وَمَا ذَخَرَ لَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يَسَّرَ عَلَيْهِمْ فِي دِينِهِمْ، وَمَا وَسَّعَ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَحَلَّ لَهُمْ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ الشِّرْكَ‏.‏ الْآيَةَ‏.‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ ذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ فِي الدُّنْيَا، وَعَلَى الْخُصُوصِ فِي الْآخِرَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرْنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرْنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ‏}‏ ‏"‏، قَالَا وَسَعَتْ فِي الدُّنْيَا الْبَرَّ وَالْفَاجِرَ، وَهِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلَّذِينِ اتَّقَوْا خَاصَّةً‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هِيَ عَلَى الْعُمُومِ، وَهِيَ التَّوْبَةُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ‏}‏ ‏"‏، فَقَالَ‏:‏ سَأَلَ مُوسَى هَذَا، فَقَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ‏}‏ ‏"‏ الْعَذَابُ الَّذِي ذَكَرَ ‏"‏وَرَحْمَتِي‏"‏، التَّوْبَةُ ‏{‏وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ فَرَحِمَتْهُ التَّوْبَةُ الَّتِي سَأَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَتَبَهَا اللَّهُ لَنَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ‏}‏ ‏"‏، فَإِنَّهُ يَقُولُ‏:‏ فَسَأَكْتُبُ رَحْمَتِي الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ وَمَعْنَى ‏"‏أَكْتُبُ‏"‏ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏:‏ أَكُتُبُ فِي اللَّوْحِ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ التَّوْرَاةُ ‏"‏ ‏{‏لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ لِلْقَوْمِ الَّذِينَ يَخَافُونَ اللَّهَ وَيَخْشَوْنَ عِقَابَهُ عَلَى الْكُفْرِ بِهِ وَالْمَعْصِيَةِ لَهُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، فَيُؤَدُّونَ فَرَائِضَهُ، وَيَجْتَنِبُونَ مَعَاصِيَهُ‏.‏ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ بِأَنَّهُمْ يَتَّقُونَهُ‏.‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ الشِّرْكُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ‏}‏ ‏"‏، يَعْنِي الشِّرْكَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ هُوَ الْمَعَاصِي كُلَّهَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏"‏ ‏{‏فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ‏}‏ ‏"‏، مَعَاصِيَ اللَّهِ‏.‏

وَأَمَّا ‏"‏الزَّكَاةُ وَإِيتَاؤُهَا‏"‏، فَقَدْ بَيَّنَا صِفَتَهَا فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ‏.‏

وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ قَالَ فِي ذَلِكَ مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ يُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏.‏

فَكَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بِمَعْنَى أَنَّهُ الْعَمَلُ بِمَا يُزَكِّي النَّفْسَ وَيُطَهِّرُهَا مِنْ صَالِحَاتِ الْأَعْمَالِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏"‏، فَإِنَّهُ يَقُولُ‏:‏ وَلِلْقَوْمِ الَّذِينَ هُمْ بِأَعْلَامِنَا وَأَدِلَّتِنَا يُصَدِّقُونَ وَيُقِرُّونَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏157‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا الْقَوْلُ إِبَانَةٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ أَنَّ الَّذِينَ وَعَدَ مُوسَى نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمُ لرَّحْمَةَ الَّتِي وَصَفَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ‏}‏ ‏"‏، هُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ لِلَّهِ رَسُولٌ وُصِفَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَعْنِي ‏"‏الْأُمِّيَّ‏"‏ غَيْرَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ وَبِذَلِكَ جَاءَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينِ يَتَّقُونَ‏"‏، قَالَ‏:‏ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ‏:‏ لَيْتَنِي خُلِقْتُ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ‏!‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ نَوْفٍ الْحِمْيَرِيِّ قَالَ‏:‏ لِمَا اخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِ رَبِّهِ، قَالَ اللَّهُ لِمُوسَى‏:‏ أَجْعَلُ لَكُمُ لْأَرْضَ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأَجْعَلُ السِّكِّينَةَ مَعَكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، وَأَجْعَلُكُمْ تَقْرَأُونَ التَّوْرَاةَ عَنْ ظَهْرِ قُلُوبِكُمْ، يَقْرَؤُهَا الرَّجُلُ مِنْكُمْ وَالْمَرْأَةُ، وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ‏.‏ فَقَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ قَدْ يَجْعَلُ لَكُمُ لْأَرْضَ طَهُورًا وَمَسْجِدًا‏.‏ قَالُوا‏:‏ لَا نُرِيدُ أَنْ نُصَلِّيَ إِلَّا فِي الْكَنَائِسِ‏!‏ قَالَ‏:‏ وَيَجْعَلُ السِّكِّينَةَ مَعَكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ‏.‏ قَالُوا‏:‏ لَا نُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ كَمَا كَانَتْ، فِي التَّابُوتِ‏!‏ قَالَ‏:‏ وَيَجْعَلُكُمْ تَقْرَأُونَ التَّوْرَاةَ عَنْ ظَهْرِ قُلُوبِكُمْ، وَيَقْرَؤُهَا الرَّجُلُ مِنْكُمْ وَالْمَرْأَةُ، وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ‏.‏ قَالُوا‏:‏ لَا نُرِيدُ أَنْ نَقْرَأَهَا إِلَّا نَظَرًا‏!‏ فَقَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ‏}‏ ‏"‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ قَالَ‏:‏ لِمَا انْطَلَقَ مُوسَى بِوَفْدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَلَّمَهُ اللَّهُ فَقَالَ‏:‏ إِنِّي قَدْ بَسَطْتُ لَهُمُ الْأَرْضَ طَهُورًا وَمَسَاجِدَ يُصَلُّونَ فِيهَا حَيْثُ أَدْرَكَتْهُمُ لصَّلَاةُ، إِلَّا عِنْدَ مِرْحَاضٍ أَوْ قَبْرٍ أَوْ حَمَّامٍ، وَجَعَلْتُ السِّكِّينَةَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَجَعَلَتْهُمْ يَقْرَأُونَ التَّوْرَاةَ عَنْ ظَهْرِ أَلْسِنَتِهِمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَذَكَرَ ذَلِكَ مُوسَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالُوا‏:‏ لَا نَسْتَطِيعُ حَمْلَ السَّكِينَةِ فِي قُلُوبِنَا، فَاجْعَلْهَا لَنَا فِي تَابُوتٍ، وَلَا نَقْرَأُ التَّوْرَاةَ إِلَّا نَظَرًا، وَلَا نُصَلِّي إِلَّا فِي الْكَنِيسَةِ‏!‏ فَقَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ‏}‏ ‏"‏، حَتَّى بَلَغَ ‏"‏ ‏{‏أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ ‏"‏‏.‏ قَالَ‏:‏ فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ‏:‏ يَا رَبِّ، اجْعَلْنِي نَبِيَّهُمْ‏!‏ قَالَ‏:‏ نَبِيُّهُمْ مِنْهُمْ‏!‏ قَالَ‏:‏ رَبِّ اجْعَلْنِي مِنْهُمْ‏!‏ قَالَ‏:‏ لَنْ تُدْرِكَهُمْ‏!‏ قَالَ‏:‏ يَا رَبِّ، أَتَيْتُكَ بِوَفْدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَجَعَلْتَ وِفَادَتَنَا لِغَيْرِنَا‏!‏ فأَنَـزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْأَعْرَافِ‏:‏ 159‏]‏‏.‏ قَالَ نَوْفٌ الْبِكَالِيُّ‏:‏ فَاحْمَدُوا اللَّهَ الَّذِي حَفِظَ غَيْبَتَكُمْ، وَأَخَذَ لَكُمْ بِسَهْمِكُمْ، وَجَعَلَ وِفَادَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ فَإِنِّي أَنُزِلُ عَلَيْكُمُ التَّوْرَاةَ تَقْرَأُونَهَا عَنْ ظَهْرِ أَلْسِنَتِكُمْ، رِجَالُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ وَصِبْيَانُكُمْ‏.‏ قَالُوا‏:‏ لَا نُصَلِّي إِلَّا فِي كَنِيسَةٍ، ثُمَّ ذَكَرَ سَائِرَ الْحَدِيثِ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ هَؤُلَاءِ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ لِمَا قِيلَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏"‏، تَمَنَّتْهَا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فأَنَـزَلَ اللَّهُ شَرْطًا بَيِّنًا وَثِيقًا فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ‏}‏ ‏"‏، وَهُوَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ أُمِّيًّا لَا يَكْتُبُ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ‏"‏الْأُمِّيِّ‏"‏ فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ‏}‏ ‏"‏، فَإِنَّ ‏"‏الْهَاءَ‏"‏ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏يَجِدُونَهُ‏"‏، عَائِدَةٌ عَلَى ‏"‏الرَّسُولِ‏"‏، وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَالَّذِي‏:‏-

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ‏}‏ ‏"‏، هَذَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ‏:‏ لَقِيَتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، فَقُلْتُ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ‏.‏ قَالَ‏:‏ أَجَلْ وَاللَّهِ، إِنَّهُ لِمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ كَصِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ‏:‏ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلُ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا صَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَلَنْ نَقْبِضَهُ حَتَّى نُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا‏:‏ ‏"‏لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ‏"‏، فَنَفْتَحُ بِهِ قُلُوبًا غُلْفًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَأَعْيُنًا عُمْيًا قَالَ عَطَاءٌ‏:‏ ثُمَّ لَقِيتُ كَعْبًا فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَمَا اخْتَلَفَا حَرْفًا، إِلَّا أَنَّ كَعْبًا قَالَ بِلُغَتِهِ‏:‏ قُلُوبًا غُلُوفِيَا، وَآذَانًا صُمُومِيَا، وَأَعْيُنًا عُمُومِيَ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنِي عَطَاءٌ قَالَ‏:‏ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي كَلَامِ كَعْبٍ‏:‏ أَعْيُنًا عُمُومَا، وَآذَانًا صُمُومُا، وَقُلُوبًا غُلُوفَا‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِنَحْوِهِ وَلَيْسَ فِيهِ كَلَامُ كَعْبٍ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ يَجِدُونَ نَعْتَهُ وَأَمْرَهُ وَنُبُوَّتَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏157‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ يَأْمُرُ هَذَا النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ أَتْبَاعَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَلُزُومُ طَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى، فَذَلِكَ ‏"‏الْمَعْرُوفُ‏"‏ الَّذِي يَأْمُرُهُمْ بِهِ ‏"‏ ‏{‏وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ‏}‏ ‏"‏ وَهُوَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالِانْتِهَاءُ عَمَّا نَهَاهُمُ للَّهُ عَنْهُ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ‏}‏ ‏"‏، وَذَلِكَ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تُحَرِّمُهُ مِنَ الْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ وَالْوَصَائِلِ وَالْحَوَّامِي ‏"‏ ‏{‏وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ‏}‏ ‏"‏، وَذَلِكَ لَحْمُ الْخِنـْزِيرِ وَالرِّبَا وَمَا كَانُوا يَسْتَحِلُّونَهُ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ الَّتِي حَرَمَهَا اللَّهُ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ‏}‏ ‏"‏، وَهُوَ لَحْمُ الْخِنْـزِيرِ وَالرِّبَا، وَمَا كَانُوا يَسْتَحِلُّونَهُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ الْمَآكِلِ الَّتِي حَرَمَهَا اللَّهُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏"‏، فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ يَعْنِي بِـ ‏"‏الإِصْرِ‏"‏، الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ الَّذِي كَانَ أَخْذَهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْعَمَلِ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ عَهْدُهُمْ‏.‏

قَالَ حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ‏:‏ عَهْدُهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، أَخْبَرْنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ الْعُهُودُ الَّتِي أَعْطَوْهَا مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ قَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ عَهْدَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ يَضَعُ عَنْهُمْ عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمُ لَّتِي أُخِذَتْ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏"‏، مَا كَانَ اللَّهُ أَخَذَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمِيثَاقِ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ يَضَعُ ذَلِكَ عَنْهُمْ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عُنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ يَضَعُ عَمَّنِ اتَّبَعَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، التَّشْدِيدَ الَّذِي كَانَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي دِينِهِمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏"‏، فَجَاءَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِقَالَةٍ مِنْهُ وَتَجَاوُزٍ عَنْهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ الْبَوْلَ وَنَحْوَهُ، مِمَّا غُلِّظَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ قَالَ‏:‏ شِدَّةُ الْعَمَلِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، قَالَ مُجَاهِدٌ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏"‏ قَالَ‏:‏ مَنِ اتَّبَعَ مُحَمَّدًا وَدِينَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وُضِعَ عَنْهُمْ مَا كَانَ عَلَيْهِمْ مِنَ التَّشْدِيدِ فِي دِينِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ ابْنِ سَيْرَيْنِ قَالَ‏:‏ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لِابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ مَا عَلَيْنَا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ أَنْ نـَزْنِيَ وَنَسْرِقَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى‏!‏ وَلَكِنَّ الْإِصْرَ الَّذِي كَانَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وُضِعَ عَنْكُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ إِصْرُهُمُ لَّذِي جَعَلَهُ عَلَيْهِمْ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ ‏"‏الْإِصْرَ‏"‏ هُوَ الْعَهْدُ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ وَيَضَعُ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الْعَهْدَ الَّذِي كَانَ اللَّهُ أَخَذَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنْ إِقَامَةِ التَّوْرَاةِ وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهَا مِنَ الْأَعْمَالِ الشَّدِيدَةِ، كَقَطْعِ الْجِلْدِ مِنَ الْبَوْلِ، وَتَحْرِيمِ الْغَنَائِمِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ مَفْرُوضَةً، فَنَسَخَهَا حُكْمُ الْقُرْآنِ‏.‏

وَأَمَّا ‏"‏الْأَغْلَالُ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ‏"‏، فَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ بِمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْهُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ ‏"‏الْأَغْلَالَ‏"‏، وَقَرَأَ ‏{‏غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْمَائِدَةِ‏:‏ 64‏]‏‏.‏ قَالَ‏:‏ تِلْكَ الْأَغْلَالُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَدَعَاهُمْ إِلَى أَنْ يُؤْمِنُوا بِالنَّبِيِّ فَيَضَعُ ذَلِكَ عَنْهُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏157‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَالَّذِينَ صَدَّقُوا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، وَأَقَرُّوا بِنُبُوَّتِهِ ‏"‏وَعَزَّرُوهُ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَقَّرُوهُ وَعَظَّمُوهُ وَحَمَوْهُ مِنَ النَّاسِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏وَعَزَّرُوهُ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ حَمَوْهُ وَقَّرُوهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ قَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ‏}‏ ‏"‏‏:‏ ‏"‏عَزَّرُوهُ‏"‏، سَدَّدُوا أَمْرَهُ، وَأَعَانُوا رَسُولَهُ ‏"‏وَنَصَرُوهُ‏"‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏نَصَرُوهُ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَأَعَانُوهُ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَائِهِ، بِجِهَادِهِمْ وَنَصْبِ الْحَرْبِ لَهُمْ ‏"‏ ‏{‏وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ‏}‏ ‏"‏، يَعْنِي الْقُرْآنَ وَالْإِسْلَامَ ‏"‏ ‏{‏أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الَّتِي وَصَفَ بِهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَتْبَاعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هُمُ الْمُنْجِحُونَ الْمُدْرِكُونَ مَا طَلَبُوا وَرَجَوْا بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ فَمَا نَقَمُوا يَعْنِي الْيَهُودَ إِلَّا أَنْ حَسَدُوا نَبِيَّ اللَّهِ، فَقَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ‏}‏ ‏"‏، فَأَمَّا نَصْرُهُ وَتَعْزِيرُهُ فَقَدْ سَبَقْتُمْ بِهِ، وَلَكِنَّ خِيَارَكُمْ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَاتَّبَعَ النُّورَ الَّذِي أُنْـزِلَ مَعَهُ‏.‏

يُرِيدُ قَتَادَةُ بِقَوْلِهِ ‏"‏فَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ حَسَدُوا نَبِيَّ اللَّهِ‏"‏، أَنَّ الْيَهُودَ كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ رَحْمَةً عَلَيْهِمْ لَوِ اتَّبَعُوهُ، لِأَنَّهُ جَاءَ بِوَضْعِ الْإِصْرِ وَالْأَغْلَالِ عَنْهُمْ، فَحَمَلَهُمُ الْحَسَدُ عَلَى الْكُفْرِ بِهِ، وَتَرْكِ قَبُولِ التَّخْفِيفِ، لِغَلَبَةِ خِذْلَانِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏158‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏قُلْ‏"‏، يَا مُحَمَّدُ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ ‏"‏ ‏{‏إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا‏}‏ ‏"‏، لَا إِلَى بَعْضِكُمْ دُونَ بَعْضٍ، كَمَا كَانَ مَنْ قَبْلِي مِنَ الرُّسُلِ، مُرْسَلًا إِلَى بَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ‏.‏ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ أُرْسِلُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ رِسَالَتِي لَيْسَتْ إِلَى بَعْضِكُمْ دُونَ بَعْضٍ، وَلَكِنَّهَا إِلَى جَمِيعِكُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏الَّذِي‏"‏، مِنْ نَعْتِ اسْمِ ‏"‏اللَّهِ‏"‏ وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ قُلْ‏:‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، الَّذِي لَهُ مَلِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، إِلَيْكُمْ‏.‏

وَيَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏ ‏"‏، الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا، وَتَدْبِيرُ ذَلِكَ وَتَصْرِيفُهُ ‏"‏لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأُلُوهَةُ وَالْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، دُونَ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْأَوْثَانِ، إِلَّا لِمَنْ لَهُ سُلْطَانُ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْقَادِرُ عَلَى إِنْشَاءِ خَلْقِ كُلِّ مَا شَاءَ وَإِحْيَائِهِ، وَإِفْنَائِهِ إِذَا شَاءَ إِمَاتَتَهُ ‏"‏ ‏{‏فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ قُلْ لَهُمْ‏:‏ فَصَدِّقُوا بِآيَاتِ اللَّهِ الَّذِي هَذِهِ صَفَّتْهُ، وَأَقِرُّوا بِوَحْدَانِيَّتِهِ، وَأَنَّهُ الَّذِي لَهُ الْأُلُوهَةُ وَالْعِبَادَةُ، وَصَدِّقُوا بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَبْعُوثٌ إِلَى خَلْقِهِ، دَاعٍ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَطَاعَتِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏158‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ أَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ‏}‏ ‏"‏، فَإِنَّهُ مِنْ نَعْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى ‏"‏النَّبِيِّ‏"‏ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏الْأُمِّيِّ‏"‏‏.‏

‏"‏ ‏{‏الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ الَّذِي يُصَدِّقُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَكَلِمَاتِهِ‏"‏‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ وَآيَاتِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ آيَاتِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عَنَى بِذَلِكَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، قَالَ مُجَاهِدٌ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ‏.‏

وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ‏}‏ ‏"‏، فَهُوَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يُصَدِّقُوا بِنُبُوَّةِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ، وَلَمْ يُخَصَّصِ الْخَبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ إِيمَانِهِ مِنْ ‏"‏كَلِمَاتِ اللَّهِ‏"‏ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، بَلْ أَخْبَرَهُمْ عَنْ جَمِيعِ ‏"‏الْكَلِمَاتِ‏"‏، فَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ أَنْ يَعُمَّ الْقَوْلُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْمِنُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ كُلِّهَا، عَلَى مَا جَاءَ بِهِ ظَاهِرُ كِتَابِ اللَّهِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ‏}‏ ‏"‏، فَاهْتَدُوا بِهِ أَيُّهَا النَّاسُ، وَاعْمَلُوا بِمَا أَمَرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ ‏"‏ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ لِكَيْ تَهْتَدُوا فَتُرْشَدُوا وَتُصِيبُوا الْحَقَّ فِي اتِّبَاعِكُمْ إِيَّاهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏159‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى‏}‏ ‏"‏، يَعْنِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ‏"‏أُمَّةٌ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ جَمَاعَةٌ ‏"‏ ‏{‏يَهْدُونَ بِالْحَقِّ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ يَهْتَدُونَ بِالْحَقِّ، أَيْ يَسْتَقِيمُونَ عَلَيْهِ وَيَعْمَلُونَ ‏"‏ ‏{‏وَبِهِ يَعْدِلُونَ‏}‏ ‏"‏، أَيْ‏:‏ وَبِالْحَقِّ يُعْطُونَ وَيَأْخُذُونَ، وَيُنْصِفُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَلَا يَجُورُونَ‏.‏

وَقَدْ قَالَ فِي صِفَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي الْآيَةِ، جَمَاعَةٌ أَقْوَالًا نَحْنُ ذَاكِرُو مَا حَضَرْنَا مِنْهَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ صَدَقَةَ أَبِي الْهُذَيْلِ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ قَوْمٌ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ نَهْرٌ مِنْ شَهْدٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ بَلَغَنِي أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا قَتَلُوا أَنْبِيَاءَهُمْ، كَفَرُوا‏.‏ وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا، تَبَرَّأَ سِبْطٌ مِنْهُمْ مِمَّا صَنَعُوا، وَاعْتَذَرُوا، وَسَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ، فَفَتَحَ اللَّهُ لَهُمْ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ، فَسَارُوا فِيهِ حَتَّى خَرَجُوا مِنْ وَرَاءِ الصِّينِ، فَهُمْ هُنَالِكَ، حُنَفَاءُ مُسْلِمُونَ يَسْتَقْبِلُونَ قِبْلَتَنَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ فَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْإِسْرَاءِ‏:‏ 104‏]‏‏.‏ و‏"‏وَعْدُ الْآخِرَةِ‏"‏، عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، يَخْرُجُونَ مَعَهُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ سَارُوا فِي السَّرْبِ سَنَةً وَنِصْفً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏160‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَرَّقْنَاهُمْ يَعْنِي قَوْمَ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَّقَهُمُ للَّهُ فَجَعَلَهُمْ قَبَائِلَ شَتَّى، اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قَبِيلَةً‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ‏"‏الْأَسْبَاطِ‏"‏، فِيمَا مَضَى، وَمِنْ هُمْ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ تَأْنِيثِ ‏"‏الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ‏"‏، و‏"‏الْأَسْبَاطُ‏"‏ جَمْعُ مُذَكَّرٍ‏.‏ فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ‏:‏ أَرَادَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةً، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ الْفِرَقَ ‏"‏أَسْبَاطٌ‏"‏، وَلَمْ يَجْعَلِ الْعَدَدَ عَلَى ‏"‏أَسْبَاطٍ‏"‏‏.‏

وَكَانَ بَعْضُهُمْ يستخِلُّ هَذَا التَّأْوِيلَ وَيَقُولُ لَا يَخْرُجُ الْعَدَدُ عَلَى غَيْرِ التَّالِي، وَلَكِنَّ ‏"‏الْفِرَقَ‏"‏ قَبْلَ ‏"‏الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ‏"‏، حَتَّى تَكُونَ ‏"‏الِاثْنَتَا عَشْرَةَ‏"‏ مُؤَنَّثَةً عَلَى مَا قَبِلَهَا، وَيَكُونُ الْكَلَامُ‏:‏ وَقَطَّعْنَاهُمْ فِرَقًا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا فَيَصِحُّ التَّأْنِيثُ لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ‏:‏ إِنَّمَا قَالَ ‏"‏الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ‏"‏ بِالتَّأْنِيثِ، و‏"‏السِّبْطُ‏"‏ مُذَكِّرٌ، لِأَنَّ الْكَلَامَ ذَهَبَ إِلَى ‏"‏الْأُمَمِ‏"‏، فَغَلَّبَ التَّأْنِيثَ، وَإِنْ كَانَ ‏"‏السِّبْطُ‏"‏ ذَكَرًا، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ الشَّاعِرِ‏:‏

وَإِنَّ كِلَابًا هَـذِهِ عَشْـرُ أَبْطُـنٍ *** وَأَنْـتَ بَـرِيءٌ مِـنْ قَبَائِلِهَـا الْعَشْـرِ

ذَهَبَ بـ ‏"‏البَطْنِ‏"‏ إِلَى الْقَبِيلَةِ وَالْفَصِيلَةِ، فَلِذَلِكَ جَمَعَ ‏"‏الْبَطْنَ‏"‏ بِالتَّأْنِيثِ‏.‏

وَكَانَ آخَرُونَ مِنْ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُونَ‏:‏ إِنَّمَا أُنِّثَتِ ‏"‏الِاثْنَتَا عَشْرَةَ‏"‏، وَ ‏"‏السِّبْطُ‏"‏ ذِكْرٌ، لِذِكْرِ ‏"‏الْأُمَمِ‏"‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ ‏"‏الِاثْنَتَيْ عِشْرَةَ‏"‏ أُنِّثَتْ لِتَأْنِيثِ ‏"‏الْقِطْعَةِ‏"‏، وَمَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ وَقَطَّعْنَاهُمْ قِطَعًا اثْنَتَيْ عَشْرَةً ثُمَّ تَرْجَمَ عَنِ ‏"‏الْقِطَعِ‏"‏ بِـ ‏"‏الأَسْبَاطِ‏"‏، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تَكُونَ ‏"‏الْأَسْبَاطُ‏"‏ مُفَسِّرَةً عَنْ ‏"‏الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ‏"‏ وَهِيَ جَمْعٌ، لِأَنَّ التَّفْسِيرَ فِيمَا فَوْقَ ‏"‏الْعَشْرِ‏"‏ إِلَى ‏"‏الْعِشْرِينَ‏"‏ بِالتَّوْحِيدِ لَا بِالْجَمْعِ، و‏"‏الْأَسْبَاطُ‏"‏ جَمْعٌ لَا وَاحِدٌ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ‏:‏ ‏"‏عِنْدِي اثْنَتَا عَشْرَةَ امْرَأَةً‏"‏‏.‏ وَلَا يُقَالُ‏:‏ ‏"‏عِنْدِي اثْنَتَا عَشْرَةَ نِسْوَةً‏"‏، فَبَيَّنَ ذَلِكَ أَنَّ ‏"‏الْأَسْبَاطَ‏"‏ لَيْسَتْ بِتَفْسِيرٍ لِلِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَأَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قُلْنَا‏.‏

وَأَمَّا ‏"‏الْأُمَمِ‏"‏، فَالْجَمَاعَاتُ و‏"‏السِّبْطُ‏"‏ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ نَحْوَ ‏"‏الْقَرْنِ‏"‏‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ إِنَّمَا فَرَّقُوا أَسْبَاطًا لِاخْتِلَافِهِمْ فِي دِينِهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏160‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى‏}‏ ‏"‏، إِذْ فَرَّقْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْمَهُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةً، وَتَيَّهْنَاهُمْ فِي التِّيهِ، فَاسْتَسْقَوْا مُوسَى مِنَ الْعَطَشِ وَغَوْرِ الْمَاءِ ‏"‏أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ‏"‏‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا السَّبَبَ الَّذِي كَانَ قَوْمُهُ اسْتَسْقَوْهُ وَبَيَّنَّا مَعْنَى الْوَحْيِ بِشَوَاهِدِهِ‏.‏

‏"‏فَانْبَجَسَتْ‏"‏، فَانْصَبَّتْ وَانْفَجَرَتْ مِنَ الْحَجَرِ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا مِنَ الْمَاءِ، ‏"‏قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ كُلُّ أُنَاسٍ مِنَ الْأَسْبَاطِ الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ ‏"‏مَشْرَبَهُمْ‏"‏، لَا يَدْخُلُ سِبْطٌ عَلَى غَيْرِهِ فِي شُرْبِهِ ‏"‏ ‏{‏وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ‏}‏ ‏"‏، يَكِنُّهُمْ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ وَأَذَاهَا‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ‏"‏الْغَمَامِ‏"‏ فِيمَا مَضَى قَبْلُ، وَكَذَلِكَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الْمَنَّ وَالسَّلْوَى‏}‏ ‏"‏‏.‏

‏"‏ ‏{‏وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى‏}‏ ‏"‏، طَعَامًا لَهُمْ ‏"‏ ‏{‏كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَقُلْنَا لَهُمْ‏:‏ كُلُوا مِنْ حَلَالِ مَا رَزَقْنَاكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ، وَطَيَّبْنَاهُ لَكُمْ ‏"‏ ‏{‏وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ‏}‏ ‏"‏، وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ، تُرِكَ ذِكْرُهُ اسْتِغْنَاءً بِمَا ظَهَرَ عَمَّا تُرِكَ، وَهُوَ‏:‏ ‏"‏فَأَجِمُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا‏:‏ لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ، فَاسْتَبْدَلُوا الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ‏"‏ ‏"‏وَمَا ظَلَمُونَا‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَمَا أَدْخَلُوا عَلَيْنَا نَقْصًا فِي مُلْكِنَا وَسُلْطَانِنَا بِمَسْأَلَتِهِمْ مَا سَأَلُوا، وَفِعْلِهِمْ مَا فَعَلُوا ‏"‏ ‏{‏وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ‏}‏ ‏"‏، أَيْ‏:‏ يَنْقُصُونَهَا حُظُوظَهَا بِاسْتِبْدَالِهِمُ لْأَدْنَى بِالْخَيْرِ، وَالْأَرْذَلَ بِالْأَفْضَلِ‏.‏