فصل: تفسير الآية رقم (194)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏194‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، مُوَبِّخَهُمْ عَلَى عِبَادَتِهِمْ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ مِنَ الْأَصْنَامِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ‏}‏ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ، آلِهَةً ‏(‏مِنْ دُونِ اللَّهِ‏)‏، وَتَعْبُدُونَهَا، شِرْكًا مِنْكُمْ وَكُفْرًا بِاللَّهِ ‏(‏عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ هُمْ أَمْلَاكٌ لِرَبِّكُمْ، كَمَا أَنْتُمْ لَهُ مَمَالِيكُ‏.‏ فَإِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أَنَّهَا تَضُرُّ وَتَنْفَعُ، وَأَنَّهَا تَسْتَوْجِبُ مِنْكُمُ الْعِبَادَةَ لِنَفْعِهَا إِيَّاكُمْ، فَلْيَسْتَجِيبُوا لِدُعَائِكُمْ إِذَا دَعَوْتُمُوهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ، لِأَنَّهَا لَا تَسْمَعُ دُعَاءَكُمْ، فَأَيْقِنُوا بِأَنَّهَا لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، لِأَنَّ الضُّرَّ وَالنَّفْعَ إِنَّمَا يَكُونَانِ مِمَّنْ إِذَا سُئِلَ سَمِعَ مَسْأَلَةَ سَائِلِهِ وَأَعْطَى وَأَفْضَلَ، وَمَنْ إِذَا شُكِيَ إِلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ سَمِعَ، فَضَرَّ مَنِ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ، وَنَفَعَ مَنْ لَا يَسْتَوْجِبُ الضُّرَّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏195‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَبَدُوا الْأَصْنَامَ مَنْ دُونِهِ، مُعَرِّفَهُمْ جَهْلَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ‏:‏ أَلِأَصْنَامِكُمْ هَذِهِ، أَيُّهَا الْقَوْمُ ‏{‏أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا‏}‏، فَيَسْعَوْنَ مَعَكُمْ وَلَكُمْ فِي حَوَائِجِكُمْ، وَيَتَصَرَّفُونَ بِهَا فِي مَنَافِعِكُمْ ‏{‏أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا‏}‏، فَيَدْفَعُونَ عَنْكُمْ وَيَنْصُرُونَكُمْ بِهَا عِنْدَ قَصْدِ مَنْ يَقْصِدُكُمْ بِشَرٍّ وَمَكْرُوهٍ ‏{‏أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا‏}‏، فَيُعَرِّفُونَكُمْ مَا عَايَنُوا وَأَبْصَرُوا مِمَّا تَغِيبُونَ عَنْهُ فَلَا تَرَوْنَهُ ‏{‏أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا‏}‏، فَيُخْبِرُوكُمْ بِمَا سَمِعُوا دُونَكُمْ مِمَّا لَمْ تَسْمَعُوهُ‏؟‏

يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ فَإِنَّ كَانَتْ آلِهَتُكُمُ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْآلَاتِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا، وَالْمُعَظَّمُ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِنَّمَا يُعَظَّمُ لِمَا يُرْجَى مِنْهُ مِنَ الْمَنَافِعِ الَّتِي تُوصِلُ إِلَيْهِ بَعْضَ هَذِهِ الْمَعَانِي عِنْدَكُمْ، فَمَا وَجْهُ عِبَادَتِكُمْ أَصْنَامَكُمُ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا، وَهِيَ خَالِيَةٌ مَنْ كُلِّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي بِهَا يُوصَلُ إِلَى اجْتِلَابِ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضُّرِّ‏؟‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ‏}‏، ‏[‏قُلْ، يَا مُحَمَّدُ، لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ‏:‏ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ جَعَلْتُمُوهُمْ لِلَّهِ شُرَكَاءَ فِي الْعِبَادَةِ ‏(‏ثُمَّ كِيدُونِ‏)‏، ‏]‏ أَنْتُمْ وَهِيَ ‏(‏فَلَا تُنْظِرُونَ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ فَلَا تُؤَخِّرُونِ بِالْكَيْدِ وَالْمَكْرِ، وَلَكِنْ عَجِّلُوا بِذَلِكَ‏.‏ يُعْلِمُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوهُ، وَأَنَّهُ قَدْ عَصَمَهُ مِنْهُمْ، وَيُعَرِّفُ الْكَفَرَةَ بِهِ عَجْزَ أَوْثَانِهِمْ عَنْ نُصْرَةِ مَنْ بَغَى أَوْلِيَاءَهُمْ بِسُوءٍ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏196‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قُلْ، يَا مُحَمَّدُ، لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ ‏"‏إِنَّ وَلِيِّي‏"‏، نَصِيرِي وَمُعِينِي وَظَهِيرِي عَلَيْكُمْ ‏{‏اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ‏}‏ عَلَيَّ بِالْحَقِّ، وَهُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى مَنْ صَلُحَ عَمَلُهُ بِطَاعَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏197‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا أَيْضًا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ أَنْ يَقُولَهُ لِلْمُشْرِكِينَ‏.‏ يَقُولُ لَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قُلْ لَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ نَصِيرِي وَظَهِيرِي، وَالَّذِينَ تَدْعُونَ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْآلِهَةِ، لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ، وَلَا هُمْ مَعَ عَجْزِهِمْ عَنْ نُصْرَتِكُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى نُصْرَةِ أَنْفُسِهِمْ، فَأَيُّ هَذَيْنِ أَوْلَى بِالْعِبَادَةِ وَأَحَقُّ بِالْأُلُوهَةِ‏؟‏ أَمَنْ يَنْصُرُ وَلَيَّهُ وَيَمْنَعُ نَفْسَهُ مِمَّنْ أَرَادَهُ، أَمْ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ نَصْرَ وَلَيَّهُ وَيَعْجِزُ عَنْ مَنْعِ نَفْسَهُ مِمَّنْ أَرَادَهُ وَبَغَاهُ بِمَكْرُوهٍ‏؟‏

تفسير الآية رقم ‏[‏198‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قُلْ لِلْمُشْرِكِينَ‏:‏ وَإِنْ تَدْعُوا، أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ، آلِهَتَكُمْ إِلَى الْهُدَى وَهُوَ الِاسْتِقَامَةُ إِلَى السَّدَادِ ‏(‏لَا يَسْمَعُوا‏)‏، يَقُولُ‏:‏ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ ‏{‏وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ‏}‏‏.‏

وَهَذَا خِطَابٌ مِنَ اللَّهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ وَتَرَى، يَا مُحَمَّدُ، آلِهَتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ وَلِذَلِكَ وَحَّدَ‏.‏ وَلَوْ كَانَ أَمَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِطَابِ الْمُشْرِكِينَ، لَقَالَ‏:‏ ‏"‏وَتَرَوْنَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكُم‏"‏‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ فِي ذَلِكَ مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يُنَظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ‏.‏

وَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُ السُّدِّيِّ هَذَا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُون‏"‏، قَوْلَ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا‏}‏‏.‏ وَقَدْ كَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي ذَلِكَ، مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ‏}‏، مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى‏.‏ وَكَأَنَّ مُجَاهِدًا وَجَّهَ مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ وَتَرَى الْمُشْرِكِينَ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ فَهُوَ وَجْهٌ، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ عَنِ الْآلِهَةِ، فَهُوَ بِوَصْفِهَا أَشْبَهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ‏}‏‏؟‏ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ يَنْظُرُ إِلَى شَيْءٍ وَلَا يَرَاهُ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ إِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ لِلشَّيْءِ إِذَا قَابَلَ شَيْئًا أَوْ حَاذَاهُ‏:‏ ‏"‏هُوَ يُنْظَرُ إِلَى كَذَا‏"‏، وَيُقَالُ‏:‏ ‏"‏مَنْزِلُ فُلَانٍ يَنْظُرُ إِلَى مَنْزِلِي‏"‏ إِذَا قَابَلَهُ‏.‏ وَحُكِيَ عَنْهَا‏:‏ ‏"‏إِذَا أَتَيْتَ مَوْضِعَ كَذَا وَكَذَا، فَنَظَرَ إِلَيْكَ الْجَبَلُ، فَخُذْ يَمِينًا أَوْ شَمَالًا‏"‏‏.‏ وَحُدِّثْتُ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ‏:‏ قَالَ الْكِسَائِي‏:‏ ‏"‏الْحَائِطُ يَنْظُرُ إِلَيْك‏"‏ إِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْكَ حَيْثُ تَرَاهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

إِذَا نَظَرْتَ بِلَادَ بَنِي تَمِيمٍ *** بِعَيْنٍ أَوْ بِلَادَ بَنِي صُبَاحِ

يُرِيدُ‏:‏ تَقَابَلَ نَبْتُهَا وَعُشْبُهَا وَتَحَاذَى‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَمَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ وَتَرَى، يَا مُحَمَّدُ، آلِهَةَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، يُقَابِلُونَكَ وَيُحَاذُونَكَ، وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَكَ، لِأَنَّهُ لَا أَبْصَارَ لَهُمْ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ ‏"‏وَتَرَاهُم‏"‏، وَلَمْ يَقُلْ‏:‏ ‏"‏وَتَرَاهَا‏"‏، لِأَنَّهَا صُوَرٌ مُصَوَّرَةٌ عَلَى صُوَرِ بَنِي آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏199‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ‏:‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ تَأْوِيلُهُ‏:‏ ‏{‏خُذِ الْعَفْوَ‏}‏ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ، وَهُوَ الْفَضْلُ وَمَا لَا يُجْهِدُهُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏خُذِ الْعَفْوَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ وَأَعْمَالِهِمْ بِغَيْرِ تَحَسُّسٍ‏.‏

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏خُذِ الْعَفْوَ‏}‏ قَالَ‏:‏ عَفْوَ أَخْلَاقِ النَّاسِ، وَعَفْوَ أُمُورِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏خُذِ الْعَفْوَ‏}‏،‏.‏‏.‏ الْآيَةَ‏.‏ قَالَ عُرْوَةُ‏:‏ أَمْرُ اللَّهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ‏:‏ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ إِلَّا فِي أَخْلَاقِ النَّاسِ‏:‏ ‏{‏خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ‏}‏، الْآيَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ بَلَّغَنِي عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏خُذِ الْعَفْوَ‏}‏، مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ وَأَعْمَالِهِمْ بِغَيْرِ تَحَسُّسٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ‏:‏ ‏{‏خُذِ الْعَفْوَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ، وَاللَّهِ لَآخُذَنَّهُ مِنْهُمْ مَا صَحِبْتُهُمْ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدَُةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ‏:‏ إِنَّمَا أَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏خُذِ الْعَفْوَ‏}‏، مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏خُذِ الْعَفْوَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ وَأَعْمَالِهِمْ، مِنْ غَيْرِ تَحَسُّسٍ أَوْ تَجَسُّسٍ، شَكَّ أَبُو عَاصِمٍ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ خُذِ الْعَفْوَ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَهُوَ الْفَضْلُ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَأَمَرَ بِذَلِكَ قَبْلَ نَزُولِ الزَّكَاةِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ الزَّكَاةُ نُسِخَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ‏{‏خُذِ الْعَفْوَ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ خُذْ مَا عَفَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَمَا أَتَوْكَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَخُذْهُ‏.‏ فَكَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ بَرَاءَةٌ بِفَرَائِضِ الصَّدَقَاتِ وَتَفْصِيلِهَا وَمَا انْتَهَتِ الصَّدَقَاتُ إِلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ‏.‏ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏خُذِ الْعَفْوَ‏}‏، أَمَّا ‏"‏الْعَفْو‏"‏‏:‏ فَالْفَضْلُ مِنَ الْمَالِ، نَسَخَتْهَا الزَّكَاةُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏خُذِ الْعَفْوَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ خُذْ مَا عَفَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ‏.‏ وَهَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ ذَلِكَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَفْوِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، وَتَرْكِ الْغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ قِتَالَهُمْ عَلَيْهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏خُذِ الْعَفْوَ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَمَرَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ عَشْرَ سِنِينَ بِمَكَّةَ‏.‏ قَالَ‏:‏ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يَقْعُدَ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ، وَأَنْ يَحْصُرَهُمْ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ التَّوْبَةِ‏:‏ 5، ‏]‏ الْآيَةَ، كُلَّهَا‏.‏ وَقَرَأَ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ التَّوْبَةِ‏:‏ سُورَةُ التَّحْرِيمِ‏:‏ 9‏]‏ قَالَ‏:‏ وَأَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً‏}‏، ‏[‏سُورَةُ التَّوْبَةِ‏:‏ 123‏]‏ بَعْدَمَا كَانَ أَمَرَهُمْ بِالْعَفْوِ‏.‏ وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ الْجَاثِيَةِ‏:‏ 14‏]‏ ثُمَّ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا الْإِسْلَامَ أَوِ الْقَتْلَ، فَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةَ الْعَفْوَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ خُذِ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ، وَاتْرُكِ الْغِلْظَةَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ‏:‏ أُمِرَ بِذَلِكَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُشْرِكِينَ‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَتْبَعَ ذَلِكَ تَعْلِيمَهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَاجَّتَهُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْكَلَامِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ‏}‏، وَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا‏}‏، فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ تَأْدِيبِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِشْرَتِهِمْ بِهِ، أَشْبَهُ وَأُولَى مِنَ الِاعْتِرَاضِ بِأَمْرِهِ بِأَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ أَفَمَنْسُوخٌ ذَلِكَ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ لَا دَلَالَةَ عِنْدِنَا عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، إِذْ كَانَ جَائِزًا أَنْ يَكُونَ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْرِيفِهِ عِشْرَةَ مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِقِتَالِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مُرَادًا بِهِ تَأْدِيبُ نَبِيِّ اللَّهِ وَالْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا فِي عِشْرَةِ النَّاسِ، وَأَمْرِهِمْ بِأَخْذِ عَفْوِ أَخْلَاقِهِمْ، فَيَكُونُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْلِهِمْ نَزَلَ تَعْلِيمًا مِنَ اللَّهِ خَلْقَهُ صِفَةَ عِشْرَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، ‏[‏إِذَا‏]‏ لَمْ يَجِبِ اسْتِعْمَالُ الْغِلْظَةِ وَالشِّدَّةِ فِي بَعْضِهِمْ، فَإِذَا وَجَبَ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ فِيهِمْ، اسْتَعْمَلَ الْوَاجِبَ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏خُذِ الْعَفْوَ‏}‏، أَمْرًا بِأَخْذِهِ مَا لَمْ يَجِبْ غَيْرُ الْعَفْوِ، فَإِذَا وَجَبَ غَيْرُهُ أُخِذَ الْوَاجِبُ وَغَيْرُ الْوَاجِبِ إِذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ‏.‏ فَلَا يُحْكَمُ عَلَى الْآيَةِ بِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، لِمَا قَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي نَظَائِرِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِنَا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ‏}‏، فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ النَّخَعِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حُسَيْنُ الْجُعْفِيُّ، «عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ‏}‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ مَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ الْعَالِمَ‏!‏ قَالَ‏:‏ ثُمَّ قَالَ جِبْرِيلُ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ‏.‏»

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أُمِّي قَالَ‏:‏ «لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ‏}‏ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، وَتَصِلَ مَنْ قَطَّعَك»‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ‏:‏ ‏{‏وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ بِالْمَعْرُوفِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَمَّا الْعُرْفُ‏:‏ فَالْمَعْرُوفُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ‏}‏، أَيْ‏:‏ بِالْمَعْرُوفِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالْعُرْفِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، مَصْدَرٌ فِي مَعْنَى‏:‏ ‏"‏الْمَعْرُوف‏"‏‏.‏

يُقَالُ‏:‏ ‏"‏أَوْلَيْتُهُ عُرْفًا، وَعَارِفًا، وَعَارِفَة‏"‏ كُلُّ ذَلِكَ بِمَعْنَى‏:‏ ‏"‏الْمَعْرُوف‏"‏‏.‏

فَإِذَا كَانَ مَعْنَى الْعُرْفِ ذَلِكَ، فَمِنْ ‏"‏الْمَعْرُوف‏"‏ صِلَةُ رَحِمِ مَنْ قَطَعَ، وَإِعْطَاءُ مَنْ حَرَمَ، وَالْعَفْوُ عَمَّنْ ظَلَمَ‏.‏ وَكُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ أَوْ نَدَبَ إِلَيْهِ، فَهُوَ مِنَ الْعُرْفِ‏.‏ وَلَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى دُونَ مَعْنًى، فَالْحَقُّ فِيهِ أَنْ يُقَالَ‏:‏ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْمُرَ عِبَادَهُ بِالْمَعْرُوفِ كُلِّهِ، لَا بِبَعْضِ مَعَانِيهِ دُونَ بَعْضٍ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ‏}‏، فَإِنَّهُ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْرِضَ عَمَّنْ جَهِلَ‏.‏ وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا مِنَ اللَّهِ نَبِيَّهُ، فَإِنَّهُ تَأْدِيبٌ مِنْهُ عَزَّ ذِكْرُهُ لِخَلْقِهِ بِاحْتِمَالِ مَنْ ظَلَمَهُمْ أَوِ اعْتَدَى عَلَيْهِمْ، لَا بِالْإِعْرَاضِ عَمَّنْ جَهِلَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ، وَلَا بِالصَّفْحِ عَمَّنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَجَهِلَ وَحْدَانِيَّتَهُ، وَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ حَرْبٌ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَخْلَاقٌ أَمَرَ اللَّهُ بِهَا نَبِيَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَلَّهُ عَلَيْهَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏200‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ‏}‏، وَإِمَّا يُغْضِبَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ غَضَبٌ يَصُدُّكَ عَنِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْجَاهِلِينَ، وَيَحْمِلُكَ عَلَى مُجَازَاتِهِمْ‏.‏ ‏{‏فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَاسْتَجِرْ بِاللَّهِ مِنْ نَزْغِهِ ‏(‏إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ الَّذِي تَسْتَعِيذُ بِهِ مِنْ نَزْعِ الشَّيْطَانِ ‏(‏سَمِيعٌ‏)‏ لِجَهْلِ الْجَاهِلِ عَلَيْكَ، وَلِاسْتِعَاذَتِكَ بِهِ مِنْ نَزْغِهِ، وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ خَلْقِهِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ ‏(‏عَلِيمٌ‏)‏ بِمَا يُذْهِبُ عَنْكَ نَزْغَ الشَّيْطَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ خَلْقِهِ، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ‏}‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ فَكَيْفَ بِالْغَضَبِ يَا رَبِّ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّ هَذَا الْعَدُوَّ مَنِيعٌ وَمَرِيدٌ‏.‏

وَأَصْلُ ‏"‏النَّزْغ‏"‏‏:‏ الْفَسَادُ، يُقَالُ‏:‏ ‏"‏نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنَ الْقَوْم‏"‏، إِذَا أَفْسَدَ بَيْنَهُمْ وَحَمَّلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ‏.‏ وَيُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏نَزَغَ يَنْزِغ‏"‏، وَ‏"‏ نَغَزَ يَنْغَزُ ‏"‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏201‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا‏}‏، اللَّهَ مِنْ خَلْقِهِ، فَخَافُوا عِقَابَهُ، بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ ‏{‏إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِذَا أَلَمَّ بِهِمْ لَمَمٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، مِنْ غَضَبٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَصُدُّ عَنْ وَاجِبِ حَقِّ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، تَذَكَّرُوا عِقَابَ اللَّهِ وَثَوَابَهُ، وَوَعْدَهُ وَوَعِيدَهُ، وَأَبْصَرُوا الْحَقَّ فَعَمِلُوا بِهِ، وَانْتَهَوْا إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ فِيمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ، وَتَرَكُوا فِيهِ طَاعَةَ الشَّيْطَانِ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏طَيْف‏"‏‏.‏

فَقَرَأْتُهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ‏:‏ ‏(‏طَائِفٌ‏)‏، عَلَى مِثَالِ ‏"‏فَاعِل‏"‏‏.‏

وَقَرَأَهُ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ‏:‏ ‏"‏طَيْفٌ مِنَ الشَّيْطَان‏"‏‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فِي فَرْقٍ مَا بَيْنَ ‏"‏الطَّائِف‏"‏ وَ‏"‏ الطَّيْفِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ‏:‏ ‏"‏الطَّائِف‏"‏ وَ‏"‏ الطَّيْفُ ‏"‏سَوَاءٌ، وَهُوَ مَا كَانَ كَالْخَيَالِ وَالشَّيْءُ يُلِمُّ بِكَ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُون‏"‏ الطَّيْفُ ‏"‏مُخَفَّفًا عَن‏"‏ طَيِّفْ ‏"‏مَثْل‏"‏ مَيْتٌ ‏"‏وَ‏"‏ مَيِّت‏"‏‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ‏:‏ ‏"‏الطَّائِف‏"‏‏:‏ مَا طَافَ بِكَ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ‏.‏ وَأَمَّا ‏"‏الطَّيْف‏"‏‏:‏ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ اللَّمَمِ وَالْمَسِّ‏.‏

وَقَالَ أُخَرُ مِنْهُمْ‏:‏ ‏"‏الطَّيْف‏"‏‏:‏ اللَّمَمُ، وَ‏"‏ الطَّائِفُ ‏"‏‏:‏ كُلُّ شَيْءٍ طَافَ بِالْإِنْسَانِ‏.‏

وَذُكِرَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏الطَّيْف‏"‏‏:‏ الْوَسْوَسَةُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏طَأَئِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ‏}‏، لِأَنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ تَأَوَّلُوا ذَلِكَ بِمَعْنَى الْغَضَبِ وَالزَّلَّةِ تَكُونُ مِنَ الْمُطِيفِ بِهِ‏.‏ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، كَانَ مَعْلُومًا إِذْ كَانَ ‏"‏الطَّيْف‏"‏ إِنَّمَا هُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ ‏"‏طَافَ يُطِيف‏"‏ أَنَّ ذَلِكَ خَبَّرٌ مِنَ اللَّهِ عَمَّا يَمَسُّ الَّذِينَ اتَّقَوْا مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّمَا يَمَسُّهُمْ مَا طَافَ بِهِمْ مِنْ أَسْبَابِهِ، وَذَلِكَ كَالْغَضَبِ وَالْوَسْوَسَةِ‏.‏ وَإِنَّمَا يَطُوفُ الشَّيْطَانُ بِابْنِ آدَمَ لِيَسْتَزِلَّهُ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ، أَوْ لِيُوَسْوِسَ لَهُ‏.‏ وَالْوَسْوَسَةُ وَالِاسْتِزْلَالُ هُوَ ‏"‏الطَّائِفُ مِنَ الشَّيْطَان‏"‏‏.‏

وَأَمَّا ‏"‏الطَّيْف‏"‏ فَإِنَّمَا هُوَ الْخَيَالُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ ‏"‏طَافَ يُطِيف‏"‏، وَيَقُولُ‏:‏ لَمْ أَسْمَعْ فِي ذَلِكَ ‏"‏طَافَ يُطِيف‏"‏ وَيَتَأَوَّلَهُ بِأَنَّهُ بِمَعْنَى ‏"‏الْمَيِّت‏"‏ وَهُوَ مِنَ الْوَاوِ‏.‏

وَحَكَى الْبَصْرِيُّونَ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ سَمَاعًا مِنَ الْعَرَبِ‏:‏ ‏"‏طَافَ يُطِيف‏"‏، وَ‏"‏ طِفْتُ أَطِيفُ ‏"‏، وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ‏:‏

أَنَّى أَلَمَّ بِكَ الْخَيَالُ يَطِيفُ *** وَمَطَافُهُ لَكَ ذِكْرَةٌ وَشُعُوفُ

*

وَأَمَّا التَّأْوِيلُ، فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ذَلِكَ ‏"‏الطَّائِف‏"‏ هُوَ الْغَضَبُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ‏:‏ ‏{‏إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ وَ‏"‏ الطَّيْفُ ‏"‏‏:‏ الْغَضَبُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏إِذَا مَسَّهُمْ طَيْفٌ مِنَ الشَّيْطَان‏"‏ قَالَ‏:‏ هُوَ الْغَضَبُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ الْغَضَبُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏إِذَا مَسَّهُمْ طَيْفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا‏)‏ قَالَ‏:‏ هُوَ الْغَضَبُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْغَضَبُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُوَ اللَّمَّةُ وَالزَّلَّةُ مِنَ الشَّيْطَانِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا‏}‏، وَ‏"‏ الطَّائِفُ ‏"‏‏:‏ اللَّمَّةُ مِنَ الشَّيْطَانِ ‏{‏فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ نَزْغٌ مِنَ الشَّيْطَانِ ‏(‏تَذْكُرُوا‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِذَا زَلُّوا تَابُوا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ مُتَقَارِبَا الْمَعْنَى، لِأَنَّ ‏"‏الْغَضَب‏"‏ مِنِ اسْتِزْلَالِ الشَّيْطَانِ، وَ‏"‏ اللَّمَّةُ ‏"‏ مِنَ الْخَطِيئَةِ أَيْضًا مِنْهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ طَائِفِ الشَّيْطَانِ‏.‏ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا وَجْهَ لِخُصُوصِ مَعْنًى مِنْهُ دُونَ مَعْنًى، بَلِ الصَّوَابُ أَنْ يَعُمَّ كَمَا عَمَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، فَيُقَالُ‏:‏ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا عَرَضَ لَهُمْ عَارِضٌ مِنْ أَسْبَابِ الشَّيْطَانِ، مَا كَانَ ذَلِكَ الْعَارِضُ، تَذَكَّرُوا أَمْرَ اللَّهِ وَانْتَهَوْا إِلَى أَمْرِهِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ‏}‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ هُدَى اللَّهِ وَبَيَانَهُ وَطَاعَتَهُ فِيهِ، فَمُنْتَهُونَ عَمَّا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ طَائِفُ الشَّيْطَانِ‏.‏ كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِذَا هُمْ مُنْتَهُونَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، آخِذُونَ بِأَمْرِ اللَّهِ، عَاصُونَ لِلشَّيْطَانِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏202‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَإِخْوَانُ الشَّيَاطِينِ تَمُدُّهُمُ الشَّيَاطِينُ فِي الْغَيِّ‏.‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏يَمُدُّونَهُمْ‏)‏، يَزِيدُونَهُمْ، ثُمَّ لَا يَنْقُصُونَ عَمَّا نَقَصَ عَنْهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ‏.‏

وَإِنَّمَا هَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ فَرِيقَيِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، بِأَنَّ فَرِيقَ الْإِيمَانِ وَأَهْلَ تَقْوَى اللَّهِ إِذَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ تَذَكَّرُوا عَظَمَةَ اللَّهِ وَعِقَابَهُ، فَكَفَّتُهُمْ رَهْبَتُهُ عَنْ مَعَاصِيهِ، وَرَدَّتُهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ إِلَى اللَّهِ مِمَّا كَانَ مِنْهُمْ زَلَّةً وَأَنَّ فَرِيقَ الْكَافِرِينَ يَزِيدُهُمُ الشَّيْطَانُ غَيًّا إِلَى غَيِّهِمْ إِذَا رَكِبُوا مَعْصِيَةً مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ، وَلَا يَحْجِزُهُمْ تَقْوَى اللَّهِ، وَلَا خَوْفَ الْمَعَادِ إِلَيْهِ عَنِ التَّمَادِي فِيهَا وَالزِّيَادَةِ مِنْهَا، فَهُوَ أَبَدًا فِي زِيَادَةٍ مِنْ رُكُوبِ الْإِثْمِ، وَالشَّيْطَانُ يَزِيدُهُ أَبَدًا، لَا يُقَصِّرُ الْإِنْسِيُّ عَنْ شَيْءٍ مِنْ رُكُوبِ الْفَوَاحِشِ، وَلَا الشَّيْطَانُ مِنْ مَدِّهِ مِنْهُ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَا الْإِنْسُ يُقَصِّرُونَ عَمَّا يَعْمَلُونَ مِنَ السَّيِّئَاتِ، وَلَا الشَّيَاطِينُ تُمْسِكُ عَنْهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ هُمُ الْجِنُّ، يُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الْإِنْسِ ‏{‏ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَا يَسْأَمُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ‏}‏، إِخْوَانُ الشَّيَاطِينِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، يَمُدُّهُمُ الشَّيْطَانُ فِي الْغَيِّ ‏{‏ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ‏}‏،

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ‏:‏ وَإِخْوَانُهُمْ مِنَ الْجِنِّ، يَمُدُّونَ إِخْوَانَهُمْ مِنَ الْإِنْسِ ‏{‏ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ‏}‏، يَقُولُ لَا يُقَصِّرُ الْإِنْسَانُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَ‏"‏ الْمَدُّ ‏"‏ الزِّيَادَةُ، يَعْنِي‏:‏ أَهْلَ الشِّرْكِ، يَقُولُ‏:‏ لَا يُقَصِّرُ أَهْلُ الشِّرْكِ، كَمَا يُقَصِّرُ الَّذِينَ اتَّقَوْا، لَا يَرْعَوُونَ، لَا يَحْجِزُهُمُ الْإِيمَانُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ مُجَاهِدٌ ‏(‏وَإِخْوَانُهُمْ‏)‏، مِنَ الشَّيَاطِينِ ‏{‏يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ‏}‏، اسْتِجْهَالًا يَمُدُّونَ أَهْلَ الشِّرْكِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ الْأَعْرَافِ‏:‏ 179‏]‏‏.‏ قَالَ‏:‏ فَهَؤُلَاءِ الْإِنْسُ‏.‏ يَقُولُ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِخْوَانُ الشَّيَاطِينِ، يَمُدُّهُمُ الشَّيَاطِينُ فِي الْغَيِّ ‏{‏ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏(‏وَإِخْوَانُهُمْ‏)‏، مِنَ الشَّيَاطِينِ‏.‏ ‏{‏يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ‏}‏، اسْتِجْهَالًا‏.‏

وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ‏}‏، بِمَعْنَى‏:‏ وَلَا الشَّيَاطِينُ يُقَصِّرُونَ فِي مَدِّهِمْ إِخْوَانَهُمْ مِنَ الْغَيِّ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ‏}‏، عَنْهُمْ، وَلَا يَرْحَمُونَهُمْ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَقَدْ بَيَّنَّا أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ‏.‏ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا مَا اخْتَرْنَا مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَاهُ، لِأَنَّ اللَّهَ وَصَفَ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا أَهْلَ الْإِيمَانِ بِهِ، وَارْتِدَاعَهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ وَمَا يَكْرَهُهُ إِلَى مَحَبَّتِهِ عِنْدَ تَذَكُّرِهِمْ عَظَمَتَهُ، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ الْخَبَرَ عَنْ إِخْوَانِ الشَّيَاطِينِ وَرُكُوبِهِمْ مَعَاصِيهِ، فَكَانَ الْأَوْلَى وَصْفُهُمْ بِتَمَادِيهِمْ فِيهَا، إِذْ كَانَ عَقِيبَ الْخَبَرِ عَنْ تَقْصِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْهَا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏يَمُدُّونَهُمْ‏)‏، فَإِنَّ الْقَرَأَةُ اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَتِهِ‏.‏

فَقَرَأَهُ بَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ‏:‏ ‏"‏يُمِدُّونَهُم‏"‏ بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ ‏"‏أَمْدَدْت‏"‏‏.‏

وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ‏:‏ ‏(‏يَمُدُّونَهُمْ‏)‏، بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ ‏"‏مَدَدْت‏"‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا‏:‏ ‏(‏يَمُدُّونَهُمْ‏)‏، بِفْتُحِ الْيَاءِ، لِأَنَّ الَّذِي يَمُدُّ الشَّيَاطِينُ إِخْوَانَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّمَا هُوَ زِيَادَةٌ مِنْ جِنْسِ الْمَمْدُودِ، وَإِذَا كَانَ الَّذِي مَدَّ مِنْ جِنْسِ الْمَمْدُودِ، كَانَ كَلَامُ الْعَرَبِ ‏"‏مَدَدْت‏"‏ لَا ‏"‏أَمْدَدْت‏"‏‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏يُقْصِرُونَ‏)‏، فَإِنَّ الْقَرَأَةُ عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ‏:‏ ‏"‏أَقَصَرْتُ أُقْصِر‏"‏‏.‏ وَلِلْعَرَبِ فِيهِ لُغَتَانِ‏:‏ ‏"‏قَصَرْتُ عَنِ الشَّيْء‏"‏ وَ‏"‏ أَقَصَّرْتُ عَنْهُ ‏"‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏203‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَإِذَا لَمْ تَأْتِ، يَا مُحَمَّدُ، هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِآيَةٍ مِنَ اللَّهِ ‏{‏قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ قَالُوا‏:‏ هَلَّا اخْتَرْتَهَا وَاصْطَفَيْتَهَا‏.‏ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 179‏]‏ يَعْنِي‏:‏ يَخْتَارُ وَيَصْطَفِي‏.‏ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ بِشَوَاهِدِهِ‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ هَلَّا افْتَعَلْتَهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ وَاخْتَلَقْتَهَا‏؟‏ بِمَعْنَى‏:‏ هَلَّا اجْتَبَيْتَهَا اخْتِلَاقًا‏؟‏ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ‏:‏ ‏"‏لَقَدِ اخْتَارَ فَلَانٌ هَذَا الْأَمْرَ وَتَخَيَّرَهُ اخْتِلَاقًا‏"‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا أَجْتَبَيْتَهَا‏}‏، أَيْ‏:‏ لَوْلَا أَتَيْتَنَا بِهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ‏؟‏ هَذَا قَوْلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا‏}‏ قَالُوا‏:‏ لَوْلَا اقْتَضَبْتَهَا‏!‏ قَالُوا‏:‏ تُخْرِجُهَا مِنْ نَفْسِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا‏}‏ قَالُوا‏:‏ لَوْلَا تَقَوَّلْتَهَا، جِئْتَ بِهَا مِنْ عِنْدِكَ‏؟‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَوْلَا تَلَقَّيْتَهَا وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى‏:‏ لَوْلَا أَحْدَثْتَهَا فَأَنْشَأْتَهَا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَوْلَا أَحْدَثْتَهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ لَوْلَا جِئْتَ بِهَا مِنْ نَفْسِكَ‏!‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ هَلَّا أَخَذْتَهَا مِنْ رَبِّكَ وَتَقَبَّلْتَهَا مِنْهُ‏؟‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَوْلَا تَقَبَّلْتَهَا مِنَ اللَّهِ‏!‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَوْلَا تَلَقَّيْتَهَا مِنْ رَبِّكَ‏!‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَوْلَا أَخَذْتَهَا أَنْتَ فَجِئْتَ بِهَا مِنَ السَّمَاءِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ‏:‏ تَأْوِيلُهُ‏:‏ هَلَّا أَحْدَثْتَهَا مِنْ نَفْسِكَ‏!‏ لِدَلَالَةِ قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ‏}‏، فَبَيَّنَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَمَرَ نَبِيَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِأَنْ يُجِيبَهُمْ بِالْخَبَرِ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَتَّبِعُ مَا يُنْزِلُ عَلَيْهِ رَبُّهُ وَيُوحِيهِ إِلَيْهِ، لَا أَنَّهُ يُحْدِثُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ قَوْلًا وَيُنْشِئُهُ فَيَدْعُو النَّاسَ إِلَيْهِ‏.‏

وَحُكِيَ عَنِ الْفِرَاءِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏اجْتَبَيْتُ الْكَلَام‏"‏ وَ‏"‏ اخْتَلَقْتُهُ ‏"‏، وَ‏"‏ ارْتَجَلْتُه‏"‏‏:‏ إِذَا افْتَعَلْتُهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحَارِثُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ عَنْهُ‏.‏

قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ‏:‏ وَكَانَ أَبُو زَيْدٍ يَقُولُ‏:‏ إِنَّمَا تَقُولُ الْعَرَبُ ذَلِكَ لِلْكَلَامِ يَبْتَدِئُهُ الرَّجُلُ، لَمْ يَكُنْ أَعَدَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ‏.‏ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ‏:‏ وَ‏"‏ اخْتَرَعْتُهُ ‏"‏ مِثْلُ ذَلِكَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏203‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قُلْ، يَا مُحَمَّدُ، لِلْقَائِلِينَ لَكَ إِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ‏:‏ ‏"‏هَلَّا أَحْدَثْتَهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ‏!‏‏"‏‏:‏ إِنْ ذَلِكَ لَيْسَ لِي، وَلَا يَجُوزُ لِي فِعْلَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَمَرَنِي بِاتِّبَاعِ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ عِنْدِهِ، فَإِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي، لِأَنِّي عَبْدُهُ، وَإِلَى أَمْرِهِ أَنْتَهِي، وَإِيَّاهُ أُطِيعُ‏.‏ ‏{‏هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ هَذَا الْقُرْآنُ وَالْوَحْيُ الَّذِي أَتُلُوهُ عَلَيْكُمْ ‏"‏بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُم‏"‏، يَقُولُ‏:‏ حُجَجٌ عَلَيْكُمْ، وَبَيَانٌ لَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ‏.‏

وَاحِدَتُهَا ‏"‏بَصِيرَة‏"‏، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ الْجَاثِيَةِ‏:‏ 20‏]‏‏.‏‏.‏

وَإِنَّمَا ذَكَرَ ‏"‏هَذَا‏"‏ وَوَحَّدَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ‏}‏، لِمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ الْقُرْآنُ وَالْوَحْيُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَهُدًى‏)‏، يَقُولُ‏:‏ وَبَيَانٌ يَهْدِي الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ ‏(‏وَرَحْمَةٌ‏)‏، رَحِمَ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَنْقَذَهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالْهَلَكَةِ ‏(‏لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ هُوَ بَصَائِرُ مِنَ اللَّهِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِمَنْ آمَنَ، يَقُولُ‏:‏ لِمَنْ صَدَّقَ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ تَنْزِيلُ اللَّهِ وَوَحْيُهُ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ، دُونَ مَنْ كَذَّبَ بِهِ وَجَحَدَهُ وَكَفَرَ بِهِ، بَلْ هُوَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ عَمًى وَخِزْيٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏204‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ، الْمُصَدِّقِينَ بِكِتَابِهِ، الَّذِينَ الْقُرْآنُ لَهُمْ هُدًى وَرَحْمَةٌ‏:‏ ‏(‏إِذَا قُرِئَ‏)‏، عَلَيْكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، ‏{‏الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَصْغُوا لَهُ سَمْعَكُمْ، لِتَتَفَهَّمُوا آيَاتِهِ، وَتَعْتَبِرُوا بِمَوَاعِظِهِ ‏(‏وَأَنْصِتُوا‏)‏، إِلَيْهِ لِتَعْقِلُوهُ وَتَتَدَبَّرُوهُ، وَلَا تَلْغُوا فِيهِ فَلَا تَعْقِلُوهُ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لِيَرْحَمَكُمْ رَبُّكُمْ بِاتِّعَاظِكُمْ بِمَوَاعِظِهِ، وَاعْتِبَارِكُمْ بِعِبَرِهِ، وَاسْتِعْمَالِكُمْ مَا بَيَّنَهُ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ فَرَائِضِهِ فِي آيِهِ‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْحَالِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِالِاسْتِمَاعِ لِقَارِئِ الْقُرْآنِ إِذَا قَرَأَ وَالْإِنْصَاتِ لَهُ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ذَلِكَ حَالُ كَوْنِ الْمُصَلِّي فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ إِمَامٍ يَأْتَمُّ بِهِ، وَهُوَ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ، عَلَيْهِ أَنْ يَسْمَعَ لِقِرَاءَتِهِ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ فِي ذَلِكَ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ قَالَ‏:‏ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ‏:‏ كُنَّا يُسَلِّمُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الصَّلَاةِ‏:‏ ‏"‏سَلَامٌ عَلَى فُلَانٍ، وَسَلَامٌ عَلَى فُلَان‏"‏‏.‏ قَالَ‏:‏ فَجَاءَ الْقُرْآنُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْهِجْرِيِّ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ‏}‏، وَالْآيَةُ الْأُخْرَى، أُمِرُوا بِالْإِنْصَاتِ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا قَرَأَ شَيْئًا قَرَأَهُ، فَنَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ‏:‏ صَلَّى ابْنُ مَسْعُودٍ، فَسَمِعَ نَاسًا يَقْرَأُونَ مَعَ الْإِمَامِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ‏:‏ أَمَا آنَ لَكُمْ أَنْ تَفْقَهُوا‏!‏ أَمَا آنَ لَكُمْ أَنْ تَعْقِلُوا‏؟‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏، كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ‏.‏

حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْجَرِيرِيُّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ قَالَ‏:‏ رَأَيْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ وَعَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يَتَحَدَّثَانِ وَالْقَاصُّ يَقُصُّ، فَقُلْتُ‏:‏ أَلَا تَسْتَمِعَانِ إِلَى الذِّكْرِ وَتَسْتَوْجِبَانِ الْمَوْعُودَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَنَظَرَا إِلَيَّ، ثُمَّ أَقْبَلَا عَلَى حَدِيثِهِمَا‏.‏ قَالَ‏:‏ فَأَعَدْتُ، فَنَظَرَا إِلَيَّ، ثُمَّ أَقْبَلَا عَلَى حَدِيثِهِمَا‏.‏ قَالَ‏:‏ فَأَعَدْتُ الثَّالِثَةَ قَالَ‏:‏ فَنَظَرَا إِلَيَّ فَقَالَا إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏ قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ فِي رَفْعِ الْأَصْوَاتِ وَهُمْ خَلْفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الصَّلَاةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ إِسْمَاعِيلَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي الصَّلَاةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي الصَّلَاةِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي الصَّلَاةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ حُمَيْدًا الْأَعْرَجَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي الصَّلَاةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِمِثْلِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ وَابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ وَأَبُو خَالِدٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ‏:‏ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ وَابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي صَلَاتِهِمْ بِحَوَائِجِهِمْ أَوَّلَ مَا فُرِضَتْ عَلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ مَا تَسْمَعُونَ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَيَسْأَلُهُمْ‏:‏ كَمْ صَلَّيْتُمْ‏؟‏ كَمْ بَقِيَ‏؟‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏، وَقَالَ غَيْرُهُ‏:‏ كَانُوا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ فِي الصَّلَاةِ حِينَ يَسْمَعُونَ ذِكْرَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ وَالْمُحَارِبِيُّ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ‏:‏ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ وَرَجُلٌ يَقْرَأُ، فَنَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنِ الْهِجْرِيِّ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذَا فِي الصَّلَاةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ حُرَيْثٍ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ‏:‏ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏ قَالَ‏:‏ إِذَا قُرِئَ فِي الصَّلَاةِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ فِي الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ هَذَا فِي الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ أَنَّهُ كَرِهَ إِذَا مَرَّ الْإِمَامُ بِآيَةِ خَوْفٍ أَوْ بِآيَةِ رَحْمَةٍ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ مِمَّنْ خَلْفَهُ شَيْئًا‏.‏ قَالَ‏:‏ السُّكُوتُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ قَالَ‏:‏ لَا بَأْسَ إِذَا قَرَأَ الرَّجُلُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَنْ يَتَكَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذَا إِذَا قَامَ الْإِمَامُ لِلصَّلَاةِ ‏{‏فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ‏:‏ لَا يَقْرَأُ مَنْ وَرَاءَ الْإِمَامِ فِيمَا يَجْهَرُ بِهِ مِنَ الْقِرَاءَةِ، تَكْفِيهِمْ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يُسْمِعْهُمْ صَوْتَهُ، وَلَكِنَّهُمْ يَقْرَءُونَ فِيمَا لَمْ يَجْهَرْ بِهِ سِرًّا فِي أَنْفُسِهِمْ‏.‏ وَلَا يَصْلُحُ لِأَحَدٍ خَلْفَهُ أَنْ يَقْرَأَ مَعَهُ فِيمَا يَجْهَرُ بِهِ سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً‏.‏ قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنِ ابْنِ هُبَيْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً‏}‏، هَذَا فِي الْمَكْتُوبَةِ‏.‏ وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ قَصَصٍ أَوْ قِرَاءَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا هِيَ نَافِلَةٌ‏.‏ إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، وَقَرَأَ وَرَاءَهُ أَصْحَابُهُ، فَخَلَطُوا عَلَيْهِ قَالَ‏:‏ فَنَزَلَ الْقُرْآنُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏}‏، فَهَذَا فِي الْمَكْتُوبَةِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْأَمْرُ بِالْإِنْصَاتِ لِلْإِمَامِ فِي الْخُطْبَةِ إِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فِي خُطْبَةٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْإِنْصَاتُ لِلْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ وَابْنُ أَبِي عَتَبَةَ، عَنِ الْعَوَّامِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ فِي خُطْبَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ عَنِيَ بِذَلِكَ‏:‏ الْإِنْصَاتَ فِي الصَّلَاةِ، وَفِي الْخُطْبَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي حَمْزَةَ، يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي الصَّلَاةِ، وَالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هَارُونُ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ وَجَبَ الصُّمُوتُ فِي اثْنَتَيْنِ، عِنْدَ الرَّجُلِ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ يُصَلِّي، وَعِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ يَخْطُبُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ‏}‏، وَجَبَ الْإِنْصَاتُ فِي اثْنَتَيْنِ، فِي الصَّلَاةِ وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ، وَالْجُمُعَةِ وَالْإِمَامِ يَخْطُبُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا مَنْ سَمِعَ الْحَسَنَ يَقُولُ‏:‏ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَعِنْدَ الذِّكْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ وَجَبَ الْإِنْصَاتُ فِي اثْنَتَيْنِ‏:‏ فِي الصَّلَاةِ، وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ ثَابِتَ بْنَ عَجْلَانَ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْإِنْصَاتُ‏:‏ يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَفِيمَا يَجْهَرُ بِهِ الْإِمَامُ مِنَ الصَّلَاةِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ ‏[‏عَوْنٍ‏]‏ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ فِي الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ الذِّكْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ‏:‏ أَوْجَبَ الْإِنْصَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏}‏، وَفِي الصَّلَاةِ مِثْلُ ذَلِكَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ أُمِرُوابِاسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ إِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ، وَكَانَ مَنْ خَلْفُهُ مِمَّنْ يَأْتَمُّ بِهِ يَسْمَعُهُ، وَفِي الْخُطْبَةِ‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِصِحَّةِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏«إِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا»‏"‏، وَإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ ‏[‏عَلَى‏]‏ مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ الْإِمَامِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، الِاسْتِمَاعَ وَالْإِنْصَاتَ لَهَا، مَعَ تَتَابُعِ الْأَخْبَارِ بِالْأَمْرِ بِذَلِكَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ لَا وَقْتَ يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ وَالْإِنْصَاتُ لِسَامِعِهِ، مِنْ قَارِئِهِ، إِلَّا فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، عَلَى اخْتِلَافٍ فِي إِحْدَاهُمَا، وَهِيَ حَالَةُ أَنْ يَكُونَ خَلْفَ إِمَامٍ مُؤْتَمٍّ بِهِ‏.‏ وَقَدْ صَحَّ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏«إِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَانْصِتُوا»‏"‏ فَالْإِنْصَاتُ خَلْفَهُ لِقِرَاءَتِهِ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ كَانَ بِهِ مُؤْتَمًّا سَامِعًا قِرَاءَتَهُ، بِعُمُومِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

تفسير الآية رقم ‏[‏205‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏(‏وَاذْكُرْ‏)‏ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ الْمُنْصِتُ لِلْقُرْآنِ، إِذَا قُرِئَ فِي صَلَاةٍ أَوْ خُطْبَةٍ، ‏(‏رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ اتَّعِظْ بِمَا فِي آيِ الْقُرْآنِ، وَاعْتَبِرْ بِهِ، وَتَذَكَّرْ مَعَادَكَ إِلَيْهِ عِنْدَ سَمَاعِكَهُ ‏(‏تَضَرُّعًا‏)‏، يَقُولُ‏:‏ افْعَلْ ذَلِكَ تَخَشُّعًا لِلَّهِ وَتَوَاضُعًا لَهُ‏.‏ ‏(‏وَخِيفَةً‏)‏، يَقُولُ‏:‏ وَخَوْفًا مِنَ اللَّهِ أَنْ يُعَاقِبَكَ عَلَى تَقْصِيرٍ يَكُونُ مِنْكَ فِي الِاتِّعَاظِ بِهِ وَالِاعْتِبَارِ، وَغَفْلَةٍ عَمَّا بَيْنَ اللَّهِ فِيهِ مِنْ حُدُودِهِ‏.‏ ‏{‏وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَدُعَاءٌ بِاللِّسَانِ لِلَّهِ فِي خَفَاءٍ لَا جِهَارَ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ لِيَكُنْ ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ اسْتِمَاعِكَ الْقُرْآنَ فِي دُعَاءٍ إِنْ دَعَوْتَ غَيْرَ جِهَارٍ، وَلَكِنْ فِي خَفَاءٍ مِنَ الْقَوْلِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ‏}‏، لَا يَجْهَرُ بِذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ‏}‏، الْآيَةَ قَالَ‏:‏ أَمَرُوا أَنْ يَذْكُرُوهُ فِي الصُّدُورِ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَيَّانَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ‏}‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏يَقُولُ اللَّهُ إِذَا ذَكَرَنِي عَبْدِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِذَا ذَكَرَنِي عَبْدِي وَحْدَهُ ذَكَرْتُهُ وَحْدِي، وَإِذَا ذَكَّرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي أَحْسَنَ مِنْهُمْ وَأَكْرَم‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ يُؤْمَرُ بِالتَّضَرُّعِ فِي الدُّعَاءِ وَالِاسْتِكَانَةِ، وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ وَالنِّدَاءُ وَالصِّيَاحُ بِالدُّعَاءِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ‏}‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِالْبُكَرِ والْعَشِيَّاتِ‏.‏

وَأَمَّا ‏"‏الْآصَال‏"‏ فَجَمْعٌ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِيهَا‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هِيَ جَمْعُ ‏"‏أَصِيل‏"‏، كَمَا ‏"‏الْأَيْمَان‏"‏ جَمْعُ ‏"‏يَمِين‏"‏، وَ‏"‏ الْأَسْرَارُ ‏"‏جَمْع‏"‏ سَرِيرٍ ‏"‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ‏:‏ هِيَ جُمَعُ ‏"‏أُصُل‏"‏، وَ‏"‏ الْأُصُلُ ‏"‏جَمْع‏"‏ أَصِيلٍ ‏"‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ‏:‏ هِيَ جُمَعُ ‏"‏أُصُل‏"‏ وَ‏"‏ أَصِيلٍ ‏"‏‏.‏ قَالَ‏:‏ وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْت‏"‏ الْأُصُلُ ‏"‏جَمْعًا ل‏"‏ الْأَصِيلِ ‏"‏، وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ وَاحِدًا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَالْعَرَبُ تَقُولُ‏:‏ ‏"‏ قَدْ دَنَا الْأُصُلُ ‏"‏ فَيَجْعَلُونَهُ وَاحِدًا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ جَمْعُ ‏"‏أَصِيل‏"‏ وَ‏"‏ أُصُلٍ ‏"‏، لِأَنَّهُمَا قَدْ يُجْمَعَانِ عَلَى أَفْعَالٍ‏.‏ وَأَمَّا‏"‏ الْآصَالُ ‏"‏، فَهِيَ فِيمَا يُقَالُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ‏:‏ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ‏}‏، فَإِنَّهُ يَقُولُ‏:‏ وَلَا تَكُنْ مِنَ اللَّاهِينَ إِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ عَنْ عِظَاتِهِ وَعِبَرِهِ، وَمَا فِيهِ مِنْ عَجَائِبِهِ، وَلَكِنْ تَدَبَّرْ ذَلِكَ وَتَفَهَّمْهُ، وَأَشْعِرْهُ قَلْبَكَ بِذِكْرٍ لِلَّهِ، وَخُضُوعٍ لَهُ، وَخَوْفٍ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ عَلَيْكَ، إِنْ أَنْتَ غَفَلْتَ عَنْ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ‏}‏ قَالَ‏:‏ بِالْبُكَرِ وَالْعَشِيِّ ‏{‏وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُعَرَّفُ بْنُ وَاصِلٍ السَّعْدِيُّ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ لِغُلَامِهِ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ‏:‏ آصَلْنَا بَعْدُ‏؟‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ مُجَاهِدٌ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ‏)‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏الْغُدُو‏"‏، آخِرُ الْفَجْرِ، صَلَاةُ الصُّبْحِ ‏(‏وَالْآصَالُ‏)‏، آخِرُ الْعَشِيِّ، صَلَاةُ الْعَصْرِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَكُلُّ ذَلِكَ لَهَا وَقْتٌ، أَوَّلُ الْفَجْرِ وَآخِرُهُ‏.‏ وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي ‏"‏سُورَةِ آلِ عِمْرَان‏"‏‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 41‏]‏‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ ‏"‏الْعَشِي‏"‏‏:‏ مَيْلُ الشَّمْسِ إِلَى أَنْ تَغَيبَ، وَ‏"‏ الْإِبْكَارُ ‏"‏‏:‏ أَوَّلُ الْفَجْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، سُئِلَ عَنْ ‏[‏صَلَاةِ الْفَجْرَ، فَقَالَ‏:‏ إِنَّهَا لَفِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا يَقُومُ عَلَيْهَا‏]‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ثُمَّ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ‏}‏، الْآيَةَ ‏[‏سُورَةُ النُّورِ‏:‏ 36‏]‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً‏}‏، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ‏}‏، أَمَرَ اللَّهُ بِذِكْرِهِ، وَنَهَى عَنِ الْغَفْلَةِ‏.‏ أَمَّا ‏"‏بِالْغُدُو‏"‏‏:‏ فَصَلَاةُ الصُّبْحِ ‏"‏وَالْآصَال‏"‏‏:‏ بِالْعَشِيِّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏206‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ لَا تَسْتَكْبِرْ، أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ الْمُنْصِتُ لِلْقُرْآنِ، عَنْ عِبَادَةِ رَبِّكَ، وَاذْكُرْهُ إِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ، فَإِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنِ التَّوَاضُعِ لَهُ وَالتَّخَشُّعِ، وَذَلِكَ هُوَ ‏"‏الْعِبَادَة‏"‏‏.‏ ‏(‏وَيُسَبِّحُونَهُ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ وَيُعَظِّمُونَ رَبَّهُمْ بِتَوَاضُعِهِمْ لَهُ وَعِبَادَتِهِمْ ‏(‏وَلَهُ يَسْجُدُونَ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ وَلِلَّهِ يُصَلُّونَ وَهُوَ سُجُودُهُمْ فَصَلُّوا أَنْتُمْ أَيْضًا لَهُ، وَعَظِّمُوهُ بِالْعِبَادَةِ، كَمَا يَفْعَلُهُ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ مَلَائِكَتِهِ‏.‏ آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ