فصل: تفسير الآية رقم (93)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏93‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ مَا السَّبِيلُ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى أَهْلِ الْعُذْرِ، يَا مُحَمَّدُ، وَلَكِنَّهَا عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ فِي التَّخَلُّفِ خِلَافَكَ، وَتَرْكِ الْجِهَادِ مَعَكَ، وَهُمْ أَهْلُ غِنًى وَقُوَّةٍ وَطَاقَةٍ لِلْجِهَادِ وَالْغَزْوِ، نِفَاقًا وَشَكًّا فِي وَعْدِ اللَّهِ وَوَعِيدِهِ ‏{‏رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ رَضُوا بِأَنْ يَجْلِسُوا بَعْدَكَ مَعَ النِّسَاءِ وَهُنَّ

‏"‏ الْخَوَالِفُ ‏"‏ خَلْفَ الرِّجَالِ فِي الْبُيُوتِ، وَيَتْرُكُوا الْغَزْوَ مَعَكَ، ‏{‏وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَخَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ بِمَا كَسَبُوا مِنَ الذُّنُوبِ ‏{‏فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏، سُوءَ عَاقِبَتِهِمْ، بِتَخَلُّفِهِمْ عَنْكَ، وَتَرْكِهِمُ الْجِهَادَ مَعَكَ، وَمَا عَلَيْهِمْ مِنْ قَبِيحِ الثَّنَاءِ فِي الدُّنْيَا، وَعَظِيمِ الْبَلَاءِ فِي الْآخِرَةِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏94‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْقَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ يَعْتَذِرُ إِلَيْكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، هَؤُلَاءِ الْمُتَخَلِّفُونَ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، التَّارِكُونَ جِهَادَ الْمُشْرِكِينَ مَعَكُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، بِالْأَبَاطِيلِ وَالْكَذِبِ، إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ مِنْ سَفَرِكُمْ وَجِهَادِكُمْ ‏"‏قُل‏"‏ لَهُمْ، يَا مُحَمَّدُ، ‏{‏لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَنْ نُصَدِّقَكُمْ عَلَى مَا تَقُولُونَ ‏{‏قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ قَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ، وَأَعْلَمَنَا مَنْ أَمْرِكُمْ مَا قَدْ عَلِمْنَا بِهِ كَذِبَكُمْ ‏{‏وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَسَيَرَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِيمَا بَعْدُ عَمَلَكُمْ، أَتَتُوبُونَ مِنْ نِفَاقِكُمْ، أَمْ تُقِيمُونَ عَلَيْهِ‏؟‏ ‏{‏ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ تَرْجِعُونَ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ ‏{‏إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَالْعَلَانِيَةَ، الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ بَوَاطِنُ أُمُورِكُمْ

وَظَوَاهِرُهَا ‏{‏فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏، فَيُخْبِرُكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ كُلِّهَا سَيِّئِهَا وَحَسَنِهَا، فَيُجَازِيكُمْ بِهَا‏:‏ الْحَسَنُ مِنْهَا بِالْحَسَنِ، وَالسَّيِّئُ مِنْهَا بِالسَّيِّئِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏95‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْإِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ سَيَحْلِفُ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، لَكُمْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ فَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ ‏{‏إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ إِذَا انْصَرَفْتُمْ إِلَيْهِمْ مِنْ غَزْوِكُمْ ‏{‏لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ‏}‏، فَلَا تُؤَنِّبُوهُمْ ‏{‏فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ‏}‏، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ‏:‏ فَدَعَوْا تَأْنِيبَهُمْ، وَخَلُّوْهُمْ وَمَا اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ ‏{‏إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنَّهُمْ نَجَسٌ ‏{‏وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَمَصِيرُهُمْ إِلَى جَهَنَّمَ، وَهِيَ مَسْكَنُهُمُ الَّذِي يَأْوُونَهُ فِي الْآخِرَةِ ‏{‏جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ ثَوَابًا بِأَعْمَالِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ‏.‏

وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، قَالَا مَا‏:‏-

حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا‏}‏، إِلَى‏:‏ ‏{‏بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ‏:‏ أَلَّا تَغْزُو بَنِي الْأَصْفَرِ، لَعَلَّكَ أَنْ تُصِيبَ بِنْتَ عَظِيمِ الرُّومِ، فَإِنَّهُنَّ حِسَانٌ‏!‏ فَقَالَ رَجُلَانِ‏:‏ قَدْ عَلِمْتَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَّ النِّسَاءَ فِتْنَةٌ، فَلَا تَفْتِنَّا بِهِنَّ‏!‏ فَائْذَنْ لَنَا‏!‏ فَأَذِنَ لَهُمَا‏.‏ فَلَمَّا انْطَلَقَا، قَالَ أَحَدُهُمَا‏:‏ إِنْ هُوَ إِلَّا شَحْمَةٌ لِأَوَّلِ آكِلٍ‏!‏ فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، نَزَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى بَعْضِ الْمِيَاهِ‏:‏ ‏{‏لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ التَّوْبَةِ‏:‏ 42‏]‏، وَنَزَلَ عَلَيْهِ‏:‏ ‏{‏عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ التَّوْبَةِ‏:‏ 43‏]‏، وَنَزَلَ عَلَيْهِ‏:‏ ‏{‏لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ التَّوْبَةِ‏:‏ 44‏]‏، وَنَزَلَ عَلَيْهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏‏.‏ فَسَمِعَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِمَّنْ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُمْ وَهُمْ خَلْفَهُمْ، فَقَالَ‏:‏ تَعْلَمُونَ أَنْ قَدْ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَكُمْ قُرْآنٌ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ مَا الَّذِي سَمِعْتَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ مَا أَدْرِي، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ أَنَّهُ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏إِنَّهُمْ رِجْسٌ ‏"‏‏!‏ فَقَالَ رَجُلٌ يُدْعَى‏"‏ مَخْشِيًّا ‏"‏ وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُجْلَدُ مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَأَنِّي لَسْتُ مَعَكُمْ‏!‏

فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ‏:‏ مَا جَاءَ بِكَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْفَعُهُ الرِّيحُ، وَأَنَا فِي الْكِنِّ‏!‏‏!‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ‏:‏ ‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي‏}‏ ‏[‏سُورَةُ التَّوْبَةِ‏:‏ 49‏]‏، ‏{‏وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ التَّوْبَةِ‏:‏ 81‏]‏، وَنَزَلَ عَلَيْهِ فِي الرَّجُلِ الَّذِي قَالَ‏:‏ ‏"‏لَوَدِدْتُ أَنِّي أُجْلَدُ مِائَةَ جَلْدَة‏"‏ قَوْلُ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ التَّوْبَةِ‏:‏ 64‏]‏، فَقَالَ رَجُلٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ‏:‏ لَئِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ كَمَا يَقُولُونَ، مَا فِينَا خَيْرٌ‏!‏ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ‏:‏ أَنْتَ صَاحِبُ الْكَلِمَةِ الَّتِي سَمِعْتُ‏؟‏ ‏"‏ فَقَالَ‏:‏ لَا وَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ‏!‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ التَّوْبَةِ‏:‏ 74‏]‏، وَأَنْزَلَ فِيهِ‏:‏ ‏{‏وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ التَّوْبَةِ‏:‏ 47‏]‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ‏:‏ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ‏:‏ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوكَ، جَلَسَ لِلنَّاسِ‏.‏ فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَ الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَانِيَتَهُمْ، وَبَايَعَهُمْ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَصَدَقْتُهُ حَدِيثِي‏.‏ فَقَالَ كَعْبٌ‏:‏ وَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ، بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ، أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلَكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا، إِنَّ اللَّهَ قَالَ لِلَّذِينِ كَذَبُوا حِينَ أَنَزَلَ الْوَحْيُ، شَرَّ

مَا قَالَ لِأَحَدٍ‏:‏ ‏{‏سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏96‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ يَحْلِفُ لَكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ، اعْتِذَارًا بِالْبَاطِلِ وَالْكَذِبِ ‏{‏لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَإِنْ أَنْتُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، رَضِيتُمْ عَنْهُمْ وَقَبِلْتُمْ مَعْذِرَتَهُمْ، إِذْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ صِدْقَهُمْ مَنْ كَذِبِهِمْ، فَإِنَّ رِضَاكُمْ عَنْهُمْ غَيْرُ نَافِعِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ، لِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مِنْ سَرَائِرَ أَمْرِهُمْ مَا لَا تَعْلَمُونَ، وَمِنْ خَفِيِّ اعْتِقَادِهِمْ مَا تَجْهَلُونَ، وَأَنَّهُمْ عَلَى الْكُفْرِ بِاللَّهِ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ يَعْنِي أَنَّهُمُ الْخَارِجُونَ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ بِاللَّهِ، وَمِنَ الطَّاعَةِ إِلَى الْمَعْصِيَةِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏97‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِوَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ الْأَعْرَابُ أَشَدُّ جُحُودًا لِتَوْحِيدِ اللَّهِ، وَأَشَدُّ نِفَاقًا، مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ فِي الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ‏.‏ وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ، لِجَفَائِهِمْ، وَقَسْوَةِ قُلُوبِهِمْ، وَقِلَّةِ مُشَاهَدَتِهِمْ لِأَهْلِ الْخَيْرِ، فَهُمْ لِذَلِكَ أَقْسَى قُلُوبًا، وَأَقَلُّ عِلْمًا بِحُقُوقِ اللَّهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَأَخْلَقُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَذَلِكَ فِيمَا قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ السُّنَنُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُمْ أَقَلُّ عِلْمًا بِالسُّنَنِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَغْرَاءَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ جَلَسَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى زَيْدِ بْنِ صَوْحَانَ وَهُوَ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ، وَكَانَتْ يَدُهُ قَدْ أُصِيبَتْ يَوْمَ نَهَاوَنْدَ، فَقَالَ‏:‏ وَاللَّهِ إِنَّ حَدِيثَكَ لِيُعْجِبُنِي، وَإِنَّ يَدَكَ لَتُرِيبُنِي‏!‏ فَقَالَ زَيْدٌ‏:‏ وَمَا يُرِيبُكَ مِنْ يَدِي‏؟‏ إِنَّهَا الشِّمَالُ‏!‏ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ‏:‏ وَاللَّهُ مَا أَدْرِي، الْيَمِينَ يَقْطَعُونَ أَمُ الشِّمَالَ‏؟‏ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ‏:‏ صَدَقَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ‏}‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ ‏(‏وَاللَّهُ عَلِيمٌ‏)‏، بِمَنْ يَعْلَمُ حُدُودَ مَا أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ، وَالْمُنَافِقُ مَنْ خَلْقِهُ، وَالْكَافِرُ مِنْهُمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ أَحَدٌ ‏(‏حَكِيمٌ‏)‏، فِي تَدْبِيرِهِ إِيَّاهُمْ، وَفِي حِلْمِهِ عَنْ عِقَابِهِمْ، مَعَ عِلْمِهِ بِسَرَائِرِهِمْ وَخِدَاعِهِمْ أَوْلِيَاءَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏98‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَعَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَعُدُّ نَفَقَتَهُ الَّتِي يُنْفِقُهَا فِي جِهَادِ مُشْرِكٍ، أَوْ فِي مَعُونَةِ مُسْلِمٍ، أَوْ فِي بَعْضِ مَا نَدَبَ اللَّهُ إِلَيْهِ عِبَادَهُ ‏(‏مَغْرَمًا‏)‏، يَعْنِي‏:‏ غُرْمًا لَزِمَهُ، لَا يَرْجُو لَهُ ثَوَابًا، وَلَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ عِقَابًا ‏{‏وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَيَنْتَظِرُونَ بِكُمُ الدَّوَائِرَ، أَنْ تَدُورَ بِهَا الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي إِلَى مَكْرُوهٍ وَمَجِيءِ مَحْبُوبٍ، وَغَلَبَةِ عَدُوٍّ لَكُمْ‏.‏ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ جَعَلَ اللَّهُ دَائِرَةَ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ، وَنُزُولَ الْمَكْرُوهِ بِهِمْ لَا عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَلَا بِكُمْ ‏(‏وَاللَّهُ سَمِيعٌ‏)‏، لِدُعَاءِ الدَّاعِينَ ‏(‏عَلِيمٌ‏)‏ بِتَدْبِيرِهِمْ، وَمَا هُوَ بِهِمْ نَازِلٌ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ، وَمَا هُمْ إِلَيْهِ صَائِرُونَ مِنْ أَلِيمِ عِقَابِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ‏}‏، قَالَ‏:‏ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ إِنَّمَا يُنْفِقُونَ رِيَاءً اتِّقَاءً أَنْ يُغْزَوْا أَوْ يُحَارَبُوا أَوْ يُقَاتَلُوا، وَيَرَوْنَ نَفَقَتَهُمْ مُغْرَمًا‏.‏ أَلَّا تَرَاهُ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ‏}‏‏؟‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَرَأَ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ‏:‏ ‏{‏عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ‏}‏ بِفَتْحِ السِّينِ، بِمَعْنَى النَّعْتِ لِ ‏"‏الدَّائِرَة‏"‏ وَإِنْ كَانَتِ ‏"‏الدَّائِرَة‏"‏ مُضَافَةً إِلَيْهِ، كَقَوْلِهِمْ‏:‏ ‏"‏هُوَ رَجُلُ السَّوْء‏"‏ ‏"‏ وَامْرُؤُ الصِّدْقِ ‏"‏مِنْ كَأَنَّهُ إِذَا فُتِحَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ ‏"‏ سُؤْتُهُ أَسُوءُهُ سَوْءًا وَمَسَاءَةً وَمَسَائِيَةً‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ‏:‏ ‏{‏عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ‏}‏، بِضَمِّ السِّينِ، كَأَنَّهُ جَعَلَهُ اسْمًا، كَمَا يُقَالُ‏:‏ عَلَيْهِ دَائِرَةُ الْبَلَاءِ وَالْعَذَابِ‏.‏ وَمَنْ قَالَ‏:‏ ‏"‏عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السُّوء‏"‏ فَضَمَّ، لَمْ يَقِلْ‏:‏ ‏"‏هَذَا رَجُلُ السُّوء‏"‏ بِالضَّمِّ، وَ‏"‏ الرَّجُلُ السُّوءُ ‏"‏ وَقَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

وَكُنْتُ كَذِئْبِ السَّوْءِ لَمَّا رَأَى دَمًا *** بِصَاحِبِهِ يَوْمًا أَحَالَ عَلَى الدَّمِ

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِفَتْحِ السِّينِ، بِمَعْنَى‏:‏ عَلَيْهِمُ الدَّائِرَةُ الَّتِي تَسُوءُهُمْ سُوءًا‏.‏ كَمَا يُقَالُ‏:‏ ‏"‏هُوَ رَجُلُ صِدْق‏"‏ عَلَى وَجْهِ النَّعْتِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏99‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِأَلَّا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُصَدِّقُ اللَّهَ وَيُقِرُّ بِوَحْدَانِيَّتِهِ، وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَيَنْوِي بِمَا يُنْفِقُ مِنْ نَفَقَةٍ فِي جِهَادِ الْمُشْرِكِينَ، وَفِي سَفَرِهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ‏}‏، وَ‏"‏ الْقُرُبَاتُ ‏"‏جَمْع‏"‏ قُرْبَةٍ ‏"‏ وَهُوَ مَا قَرَّبَهُ مِنْ رِضَا اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ ‏{‏وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ‏}‏، يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ وَيَبْتَغِي بِنَفَقَةِ مَا يُنْفِقُ، مَعَ طَلَبِ قُرْبَتِهِ مِنَ اللَّهِ، دُعَاءَ الرَّسُولِ وَاسْتِغْفَارَهُ لَهُ‏.‏

وَقَدْ دَلَّلْنَا، فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا، عَلَى أَنَّ مِنْ مَعَانِي ‏"‏الصَّلَاة‏"‏ الدُّعَاءَ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ ‏{‏وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ اسْتِغْفَارَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ‏}‏، قَالَ‏:‏ دُعَاءُ الرَّسُولِ‏:‏ قَالَ‏:‏ هَذِهِ ثَنِيَّةُ اللَّهِ مِنَ الْأَعْرَابِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُمْ بَنُو مُقَرِّنٍ، مِنْ مُزَيْنَةَ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ‏:‏ ‏{‏وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا‏}‏، ‏[‏سُورَةُ التَّوْبَةِ‏:‏ 92‏]‏‏.‏ قَالَ‏:‏ هُمْ بَنُو مُقَرَّنٍ، مِنْ مُزَيْنَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا‏}‏، ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ‏}‏ الْآيَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ عَنِ الْبَخْتَرِيِّ بْنِ الْمُخْتَارِ الْعَبْدِيِّ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَعْقِلٍ قَالَ‏:‏ كُنَّا عِشْرَةً وَلَدَ مُقَرَّنٍ، فَنَزَلَتْ فِينَا‏:‏ ‏{‏وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ‏}‏، إِلَى آخَرِ الْآيَةِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ‏}‏، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَلَّا إِنَّ صَلَوَاتِ الرَّسُولِ قُرْبَةٌ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ‏.‏

وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ‏:‏ أَلَّا إِنَّ نَفَقَتَهُ الَّتِي يُنْفِقُهَا كَذَلِكَ، قُرْبَةٌ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ ‏{‏سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ رَحِمَهُ فَأَدْخَلَهُ بِرَحْمَتِهِ الْجَنَّةَ ‏(‏إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ‏)‏، لِمَا اجْتَرَمُوا ‏(‏رَحِيمٌ‏)‏، بِهِمْ مَعَ تَوْبَتِهِمْ وَإِصْلَاحِهِمْ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏100‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَالَّذِينَ سَبَقُوا النَّاسَ أَوَّلًا إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ‏(‏مِنَ الْمُهَاجِرِينَ‏)‏، الَّذِينَ هَاجَرُوا قَوْمَهُمْ وَعَشِيرَتَهُمْ، وَفَارَقُوا مَنَازِلَهُمْ وَأَوْطَانَهُمْ ‏(‏وَالْأَنْصَارِ‏)‏، الَّذِينَ نَصَرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَعْدَائِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَالَّذِينَ سَلَكُوا سَبِيلَهُمْ فِي الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، طَلَبَ رِضَا اللَّهِ ‏{‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ‏}‏‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ‏}‏‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُمُ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، أَوْ أَدْرَكُوا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَامِرٍ‏:‏ ‏{‏وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَنْ أَدْرَكَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عَامِرٍ قَالَ‏:‏ ‏(‏الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ‏)‏، مَنْ أَدْرَكَ الْبَيْعَةَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ ‏(‏الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ‏)‏، الَّذِينَ شَهِدُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ ‏"‏ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُون‏"‏ مَنْ كَانَ قَبْلَ الْبَيْعَةِ إِلَى الْبَيْعَةِ، فَهُمْ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ، وَمَنْ كَانَ بَعْدَ الْبَيْعَةِ، فَلَيْسَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ وَمُطَرِّفٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ‏}‏، هُمُ الَّذِينَ بَايَعُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ قَالَ‏:‏ فَصْلٌ مَا بَيْنَ الْهِجْرَتَيْنِ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ، وَهِيَ بَيْعَةُ الْحُدَيْبِيَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثْنِي قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ وَمُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ هُمُ الَّذِينَ بَايَعُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْثَرُ

أَبُو زُبَيْدٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ، مَنْ أَدْرَكَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ هُمُ الَّذِينَ صَلَّوُا الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عُثْمَانَ الثَّقَفِيِّ عَنْ مَوْلًى لِأَبِي مُوسَى عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ‏:‏ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ، مَنْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْ مَوْلًى لِأَبِي مُوسَى قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُمُ الَّذِينَ صَلَّوُا الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي هِلَالٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ‏:‏ لِمَ سُمُّوا ‏"‏ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ ‏"‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ مَنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعًا، فَهُوَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ‏:‏ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ، الَّذِينَ صَلَّوُا الْقِبْلَتَيْنِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُمُ الَّذِينَ صَلَّوُا الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعًا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا

يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مَثَلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ أَشْعَثَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُمُ الَّذِينَ صَلَّوُا الْقِبْلَتَيْنِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ‏:‏ الَّذِينَ صَلَّوُا الْقِبْلَتَيْنِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُمُ الَّذِينَ صَلَّوُا الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعًا‏.‏

وَأَمَّا الَّذِينَ اتَّبَعُوا الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَالْأَنْصَارِ بِإِحْسَانٍ، فَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّهِ إِسْلَامَهُمْ، وَسَلَكُوا مِنْهَاجَهُمْ فِي الْهِجْرَةِ وَالنُّصْرَةِ وَأَعْمَالِ الْخَيْرِ‏.‏ كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ‏:‏ مَرَّ عُمُرُ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ الْآيَةَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَقْرَأَنِيهَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ لَا تُفَارِقْنِي حَتَّى أَذْهَبَ بِكَ إِلَيْهِ‏!‏ فَأَتَاهُ فَقَالَ‏:‏ أَنْتَ أَقَرَأَتْ هَذَا هَذِهِ الْآيَةَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏!‏ قَالَ‏:‏ وَسَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ ‏!‏ قَالَ‏:‏ ‏[‏نَعَمْ‏!‏‏]‏‏.‏ لَقَدْ كُنْتُ أَرَانَا رُفِعْنَا رَفْعَةً لَا يَبْلُغُهَا أَحَدٌ بَعْدَنَا‏!‏ فَقَالَ أُبَيٌّ‏:‏ تَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ الَّتِي فِي أَوَّلِ الْجُمُعَةِ،

وَأَوْسَطِ الْحَشْرِ، وَآخِرِ الْأَنْفَالِ‏.‏ أَمَّا أَوَّلُ الْجُمُعَةِ‏:‏ ‏{‏وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ‏}‏،، ‏[‏سُورَةُ الْجُمُعَةِ‏:‏ 3‏]‏، وَأَوْسَطُ الْحَشْرِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ الْحَشْرِ‏:‏ 10‏]‏، وَأَمَّا آخِرُ الْأَنْفَالِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ الْأَنْفَالِ‏:‏ 75‏]‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ‏:‏ مَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِرَجُلٍ يَقْرَأُ‏:‏ ‏{‏وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ‏}‏، حَتَّى بَلَغَ‏:‏ ‏{‏وَرَضُوا عَنْهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ وَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَقَالَ‏:‏ مَنْ أَقْرَأَكَ هَذَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ‏!‏ فَقَالَ‏:‏ لَا تُفَارِقُنِي حَتَّى أَذْهَبَ بِكَ إِلَيْهِ‏!‏ فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ عُمَرُ‏:‏ أَنْتَ أَقَرَأْتَ هَذَا هَذِهِ الْآيَةَ هَكَذَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏!‏ قَالَ‏:‏ أَنْتَ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏!‏ قَالَ‏:‏ لَقَدْ كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّا رُفِعْنَا رِفْعَةً لَا يَبْلُغُهَا أَحَدٌ بَعْدَنَا‏!‏ فَقَالَ أُبَيٌّ‏:‏ بَلَى، تَصْدِيقُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ‏:‏ ‏{‏وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ‏}‏، إِلَى‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}‏، وَفِي سُورَةِ الْحَشْرِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ‏}‏، وَفِي الْأَنْفَالِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدٌ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ‏}‏، إِلَى آخَرِ الْآيَةِ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ مَا‏:‏

حَدَّثَنِي بِهِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ هَارُونَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ وَعَنِ ابْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيِّ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ‏}‏، فَرَفَعَ ‏"‏الْأَنْصَار‏"‏ وَلَمْ يُلْحِقِ الْوَاوَ فِي ‏"‏الَّذِين‏"‏ فَقَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ‏"‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ‏}‏ ‏"‏ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ‏}‏‏"‏ فَقَالَ زَيْدٌ‏:‏

أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ‏!‏ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ ائْتُونِي بِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ‏.‏ فَأَتَاهُ، فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ أُبَيٌّ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ‏}‏، فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ إِذًا نُتَابِعُ أُبَيًّا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالْقِرَاءَةُ عَلَى خَفْضِ ‏"‏ الْأَنْصَارِ ‏"‏ عَطْفًا بِهِمْ عَلَى ‏"‏ الْمُهَاجِرِينَ ‏"‏‏.‏

وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ‏:‏ ‏(‏الْأَنْصَارُ‏)‏، بِالرَّفْعِ، عَطْفًا بِهِمْ عَلَى ‏"‏ السَّابِقَيْنِ ‏"‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ غَيْرَهَا الْخَفْضُ فِي ‏(‏الْأَنْصَارِ‏)‏، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقَرَأَةِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ السَّابِقَ كَانَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الْخَبَرَ عَنِ السَّابِقِ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، دُونَ الْخَبَرِ عَنِ الْجَمِيعِ وَإِلْحَاقِ ‏"‏الْوَاو‏"‏ فِي ‏"‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ‏}‏ ‏"‏لِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي مَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا، عَلَى أَن‏"‏ التَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ ‏"‏غَيْر‏"‏ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ‏"‏وَأَمَّا‏"‏ السَّابِقُونَ ‏"‏ فَإِنَّهُمْ مَرْفُوعُونَ بِالْعَائِدِ مِنْ ذِكْرِهِمْ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ‏}‏‏.‏

وَمَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ لِمَا أَطَاعُوهُ، وَأَجَابُوا نَبِيَّهُ إِلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَرَضِيَ عَنْهُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ، لِمَا أَجْزَلَ لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَإِيمَانِهِمْ بِهِ وَبِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ‏}‏، يَدْخُلُونَهَا ‏(‏خَالِدِينَ فِيهَا‏)‏، لَابِثِينَ فِيهَا ‏(‏أَبَدًا‏)‏، لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا ‏{‏ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏101‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِلَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ حَوْلَ مَدِينَتِكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ، وَمَنْ أَهْلِ مَدِينَتِكُمْ أَيْضًا أَمْثَالَهُمْ أَقْوَامٌ مُنَافِقُونَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مَرَنُوا عَلَيْهِ وَدَرِبُوا بِهِ‏.‏

وَمِنْهُ‏:‏ ‏"‏شَيْطَانٌ مَارِدٌ، وَمَرِيد‏"‏ وَهُوَ الْخَبِيثُ الْعَاتِي‏.‏ وَمِنْهُ قِيلَ‏:‏ ‏"‏تَمَرَّدَ فُلَانٌ عَلَى رَبِّه‏"‏ أَيْ‏:‏ عَتَا، وَمُرِّنَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَاعْتَادَهَا‏.‏

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَقَامُوا عَلَيْهِ، لَمْ يَتُوبُوا كَمَا تَابَ الْآخَرُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ‏}‏، أَيْ لَجُّوا فِيهِ، وَأَبَوْا غَيْرَهُ‏.‏

‏(‏لَا تَعْلَمُهُمْ‏)‏، يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَا تَعْلَمُ، يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكَ صِفَتَهُمْ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ،

وَلَكِنَّا نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ‏}‏، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ‏)‏، قَالَ‏:‏ فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَكَلَّفُونَ عِلْمَ النَّاسِ‏؟‏ فُلَانٌ فِي الْجَنَّةِ وَفُلَانٌ فِي النَّارِ‏!‏ فَإِذَا سَأَلْتَ أَحَدَهُمْ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ‏:‏ لَا أَدْرِي‏!‏ لِعَمْرِي أَنْتَ بِنَفْسِكَ أَعْلَمُ مِنْكَ بِأَعْمَالِ النَّاسِ، وَلَقَدْ تَكَلَّفْتُ شَيْئًا مَا تَكَلَّفَتْهُ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَكَ‏!‏ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ‏:‏ ‏{‏وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏،، ‏[‏سُورَةُ الشُّعَرَاءِ‏:‏ 112‏]‏، وَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ‏:‏ ‏{‏بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ هُودٍ‏:‏ 86‏]‏، وَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ‏:‏ ‏{‏لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ‏}‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ سَنُعَذِّبُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ مَرَّتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا فِي الدُّنْيَا، وَالْأُخْرَى فِي الْقَبْرِ‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّتِي فِي الدُّنْيَا، مَا هِيَ‏؟‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هِيَ فَضِيحَتُهُمْ، فَضَحَهُمُ اللَّهُ بِكَشْفِ أُمُورِهِمْ، وَتَبْيِينِ سَرَائِرِهِمْ لِلنَّاسِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرٍو الْعَنْقَزِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ‏}‏، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏عَذَابٌ عَظِيمٌ‏)‏، قَالَ‏:‏ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ‏:‏ اخْرُجْ يَا فُلَانُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ‏.‏ اخْرُجْ، يَا فُلَانُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ‏.‏ فَأَخْرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ نَاسًا مِنْهُمْ، فَضَحَهُمْ‏.‏ فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ وَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاخْتَبَأَ مِنْهُمْ حَيَاءً

أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدِ الْجُمُعَةَ، وَظَنَّ أَنَّ النَّاسَ قَدِ انْصَرَفُوا، وَاخْتَبَئُوا هُمْ مِنْ عُمَرَ ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ بِأَمْرِهِمْ‏.‏ فَجَاءَ عُمَرُ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا النَّاسُ لَمْ يُصَلُّوا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏:‏ أَبْشِرْ، يَا عُمَرُ فَقَدْ فَضَحَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ الْيَوْمَ‏!‏ فَهَذَا الْعَذَابُ الْأَوَّلُ، حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنَ الْمَسْجِدِ‏.‏ وَالْعَذَابُ الثَّانِي عَذَابُ الْقَبْرِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ‏:‏ ‏{‏سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَيُذَكِّرُ الْمُنَافِقِينَ، فَيُعَذِّبُهُمْ بِلِسَانِهِ، قَالَ‏:‏ وَعَذَابُ الْقَبْرِ‏.‏

‏[‏وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَا يُصِيبُهُمْ مِنَ السَّبْيِ وَالْقَتْلِ وَالْجُوعِ وَالْخَوْفِ فِي الدُّنْيَا‏.‏‏]‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْقَتْلُ وَالسِّبَاءُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ‏}‏، بِالْجُوعِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ‏.‏ قَالَ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ‏}‏، يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ وَالْقَاسِمُ وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ‏}‏، قَالَ‏:‏ بِالْجُوعِ وَالْقَتْلِ وَقَالَ يَحْيَى‏:‏ الْخَوْفُ وَالْقَتْلُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ بِالْجُوعِ وَالْقَتْلِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ‏:‏ ‏{‏سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ‏}‏، قَالَ‏:‏ بِالْجُوعِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْجُوعُ وَالْقَتْلُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ سَنُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا فِي الدُّنْيَا، وَعَذَابًا فِي الْآخِرَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ «عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ‏}‏، عَذَابَ الدُّنْيَا، وَعَذَابَ الْقَبْرِ، ‏{‏ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ‏}‏، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَّ إِلَى حُذَيْفَةَ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ سِتَّةٌ مِنْهُمْ تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ، سِرَاجٌ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، يَأْخُذُ فِي كَتِفِ أَحَدِهِمْ حَتَّى تُفْضِيَ إِلَى صَدْرِهِ، وَسِتَّةٌ يَمُوتُونَ مَوْتًا‏.‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَحِمَهُ اللَّهُ، كَانَ إِذَا مَاتَ رَجُلٌ يَرَى أَنَّهُ مِنْهُمْ، نَظَرَ إِلَى حُذَيْفَةَ فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ، وَإِلَّا تَرَكَهُ‏.‏ وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِحُذَيْفَةَ‏:‏ أُنْشِدُكَ اللَّهَ، أَمِنْهُمْ أَنَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا وَاللَّهِ، وَلَا أُومِنُ مِنْهَا أَحَدًا بَعْدَكَ‏!‏»

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ‏}‏، قَالَ‏:‏ عَذَابُ الدُّنْيَا وَعَذَابُ الْقَبْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَا‏:‏ حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ‏}‏، قَالَ‏:‏ عَذَابًا فِي الدُّنْيَا، وَعَذَابًا فِي الْقَبْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ عَذَابُ الدُّنْيَا، وَعَذَابُ الْقَبْرِ، ثُمَّ يَرُدُّونَ إِلَى عَذَابِ النَّارِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ كَانَ عَذَابُهُمْ إِحْدَى الْمَرَّتَيْنِ، مَصَائِبَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ، وَالْمَرَّةَ الْأُخْرَى فِي جَهَنَّمَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ ‏{‏سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَمَّا عَذَابٌ فِي الدُّنْيَا، فَالْأَمْوَالُ وَالْأَوْلَادُ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏، ‏[‏سُورَةُ التَّوْبَةِ‏:‏ 55‏]‏، بِالْمَصَائِبِ فِيهِمْ، هِيَ لَهُمْ عَذَابٌ، وَهِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَجْرٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَعَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ، فِي النَّارِ ‏{‏ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ النَّارُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ إِحْدَى الْمَرَّتَيْنِ الْحُدُودُ، وَالْأُخْرَى عَذَابُ الْقَبْرِ‏.‏

ذُكِرَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ مُرْتَضًى‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ إِحْدَى الْمَرَّتَيْنِ أَخْذُ الزَّكَاةِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَالْأُخْرَى عَذَابُ الْقَبْرِ‏.‏ ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنِ الْحَسَنِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ إِحْدَى الْمَرَّتَيْنِ، عَذَابُهُمْ بِمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْغَيْظِ فِي أَمْرِ الْإِسْلَامِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْعَذَابُ الَّذِي وَعَدَهُمْ مَرَّتَيْنِ فِيمَا بَلَّغَنِي- غَمُّهُمْ بِمَا هُمْ

فِيهِ مِنْ أَمْرِ الْإِسْلَامِ، وَمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْظِ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ حِسْبَةٍ، ثُمَّ عَذَابُهُمْ فِي الْقَبْرِ إِذَا صَارُوا إِلَيْهِ، ثُمَّ الْعَذَابُ الْعَظِيمُ الَّذِي يُرَدُّونَ إِلَيْهِ، عَذَابُ الْآخِرَةِ، وَالْخُلْدُ فِيهِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ يُعَذِّبُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ مَرَّتَيْنِ، وَلَمْ يَضَعْ لَنَا دَلِيلًا يُوَصِّلُ بِهِ إِلَى عِلْمِ صِفَةِ ذَيْنِكَ الْعَذَابَيْنِ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ مَا ذَكَرْنَا عَنِ الْقَائِلِينَ مَا أُنْبِئْنَا عَنْهُمْ‏.‏ وَلَيْسَ عِنْدَنَا عِلْمٌ بِأَيِّ ذَلِكَ مِنْ أَيٍّ‏.‏ غَيْرَ أَنَّ فِي قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ‏}‏، دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الْعَذَابَ فِي الْمَرَّتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا قَبْلَ دُخُولِهِمُ النَّارَ‏.‏ وَالْأَغْلَبُ مِنْ إِحْدَى الْمَرَّتَيْنِ أَنَّهَا فِي الْقَبْرِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ يُرَدُّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ، بَعْدَ تَعْذِيبِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ مَرَّتَيْنِ، إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ، وَذَلِكَ عَذَابُ جَهَنَّمَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏102‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُنَافِقُونَ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ، وَمِنْهُمْ ‏"‏ ‏{‏وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ‏}‏ ‏"‏ يَقُولُ‏:‏ أَقَرُّوا بِذُنُوبِهِمْ ‏{‏خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا‏}‏، يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي خَلَطُوهُ بِالْعَمَلِ السَّيِّئِ‏:‏ اعْتِرَافَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ، وَتَوْبَتَهُمْ مِنْهَا، وَالْآخِرِ السَّيِّئِ‏:‏ هُوَ تَخَلُّفُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ خَرَجَ غَازِيًا، وَتَرْكُهُمُ الْجِهَادَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَكَيْفَ قِيلَ‏:‏ ‏{‏خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا‏}‏، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ‏:‏ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا بِآخَرَ سَيِّئٍ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ‏.‏

فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ‏:‏ قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَجَائِزٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَنْ يَكُونَ ‏"‏بِآخَر‏"‏ كَمَا تَقُولُ ‏"‏اسْتَوَى الْمَاءُ وَالْخَشَبَة‏"‏ أَيْ‏:‏ بِالْخَشَبَةِ، ‏"‏ وَخَلَطْتُ الْمَاءَ وَاللَّبَنَ ‏"‏‏.‏

وَأَنْكَرَ آخَرُ أَنْ يَكُونَ نَظِيرَ قَوْلِهِمْ ‏"‏اسْتَوَى الْمَاءُ وَالْخَشَبَةُ ‏"‏‏.‏ وَاعْتَلَّ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْفِعْلَ فِي‏"‏ الْخَلْطِ ‏"‏عَامِلٌ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَجَائِزٌ تَقْدِيمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَأَنَّ تَقْدِيم‏"‏ الْخَشَبَةِ ‏"‏عَلَى‏"‏ الْمَاءِ ‏"‏غَيْرُ جَائِزٍ فِي قَوْلِهِمْ‏:‏ ‏"‏ اسْتَوَى الْمَاءُ وَالْخَشَبَةُ ‏"‏وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ دَلِيلًا عَلَى مُخَالَفَةِ ذَلِك‏"‏ الْخَلْطِ ‏"‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي‏:‏ أَنَّهُ بِمَعْنَى قَوْلِهِمْ‏:‏ ‏"‏خَلَطْتُ الْمَاءَ وَاللَّبَن‏"‏ بِمَعْنَى‏:‏ خَلَطْتُهُ بِاللَّبَنِ‏.‏

‏"‏ ‏{‏عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏"‏يَقُولُ‏:‏ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِم‏"‏ وَعَسَى ‏"‏مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ‏:‏ سَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنَّهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى مَا وَصَفْتُ ‏"‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏‏"‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ ذُو صَفْحٍ وَعَفْوٍ لِمَنْ تَابَ عَنْ ذُنُوبِهِ، وَسَاتِرٌ لَهُ عَلَيْهَا ‏"‏رَحِيم‏"‏ بِهِ أَنْ يُعَذِّبَهُ بِهَا‏.‏

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَالسَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُنْزِلَتْ فِيهِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ نَزَلَتْ فِي عَشْرَةِ أَنْفُسٍ كَانُوا تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، مِنْهُمْ أَبُو لَبَابَةَ فَرَبْطَ سَبْعَةٌ مِنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ إِلَى السَّوَارِي عِنْدَ مَقْدِمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَوْبَةً مِنْهُمْ مَنْ ذَنْبِهِمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانُوا عَشَرَةَ رَهْطٍ تَخَلَّفُوا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَلَمَّا حَضَرَ رُجُوعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْثَقَ سَبْعَةٌ مِنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ بِسَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَكَانَ مَمَرُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَجَعَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَيْهِمْ‏.‏

فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ هَؤُلَاءِ الْمُوثِقُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي‏؟‏ قَالُوا‏:‏ هَذَا أَبُو لُبَابَةَ وَأَصْحَابٌ لَهُ تَخَلَّفُوا عَنْكَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، ‏[‏وَحَلَفُوا لَا يُطْلِقُهُمْ أَحَدٌ‏]‏، حَتَّى تُطْلِقَهُمْ، وَتَعْذُرَهُمْ‏.‏ فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ‏:‏ وَأَنَا أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَا أُطْلِقُهُمْ وَلَا أَعْذُرُهُمْ، حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُطْلِقُهُمْ، رَغِبُوا عَنِّي وَتَخَلَّفُوا عَنِ الْغَزْوِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ‏!‏ فَلَمَّا بَلَغَهُمْ ذَلِكَ قَالُوا‏:‏ وَنَحْنُ لَا نُطْلِقُ أَنْفُسَنَا حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ الَّذِي يُطْلِقُنَا‏!‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ‏}‏ وَ‏"‏ عَسَى‏"‏ مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ‏.‏ فَلَمَّا نَزَلَتْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطْلَقَهُمْ وَعَذَرَهُمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ كَانُوا سِتَّةً، أَحَدُهُمْ أَبُو لُبَابَةَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ‏}‏، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا غَزْوَةَ تَبُوكَ، فَتَخَلَّفَ أَبُو لُبَابَةَ وَخَمْسَةً مَعَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ ثُمَّ إِنَّ أَبَا لُبَابَةَ وَرَجُلَيْنِ مَعَهُ تَفَكَّرُوا وَنَدِمُوا، وَأَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ، وَقَالُوا‏:‏ ‏"‏نَكُونُ فِي الْكِنِّ وَالطُّمَأْنِينَةِ مَعَ النِّسَاءِ، وَرَسُولُ اللَّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَهُ فِي الْجِهَادِ‏!‏ وَاللَّهِ لَنُوَثِّقَنَّ أَنْفُسَنَا بِالسَّوَارِي، فَلَا نُطْلِقُهَا حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ يُطْلِقُنَا وَيَعْذُرُنَا‏"‏ فَانْطَلَقَ أَبُو لُبَابَةَ وَأَوْثَقَ نَفْسَهُ وَرَجُلَانِ مَعَهُ بِسَوَارِي الْمَسْجِدِ، وَبَقِيَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ لَمْ يُوَثِّقُوا أَنْفُسَهُمْ‏.‏ فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

مِنْ غَزْوَتِهِ، وَكَانَ طَرِيقُهُ فِي الْمَسْجِدِ، فَمَرَّ عَلَيْهِمْ فَقَالَ‏:‏ مَنْ هَؤُلَاءِ الْمُوَثِّقُو أَنْفُسِهِمْ بِالسَّوَارِي‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ هَذَا أَبُو لُبَابَةَ وَأَصْحَابٌ لَهُ، تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَاهَدُوا اللَّهَ أَنْ لَا يُطْلِقُوا أَنْفُسَهُمْ حَتَّى تَكُونَ أَنْتَ الَّذِي تُطْلِقُهُمْ وَتَرْضَى عَنْهُمْ، وَقَدِ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَاللَّهِ لَا أُطْلِقُهُمْ حَتَّى أُومَرَ بِإِطْلَاقِهِمْ، وَلَا أَعْذُرُهُمْ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ يَعْذُرُهُمْ، وَقَدْ تَخَلَّفُوا عَنِّي وَرَغِبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ غَزْوِ الْمُسْلِمِينَ وَجِهَادِهِمْ‏!‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏ وَ‏"‏ عَسَى ‏"‏ مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ فَلَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةَ أَطْلَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَذَرَهُمْ، وَتَجَاوَزَ عَنْهُمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ الَّذِينَ رَبَطُوا أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي كَانُوا ثَمَانِيَةً‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُمُ الثَّمَانِيَةُ الَّذِينَ رَبَطُوا أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي، مِنْهُمْ كَرْدَمٌ وَمِرْدَاسٌ وَأَبُو لُبَابَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ‏:‏ الَّذِينَ رَبَطُوا أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي‏:‏ هِلَالٌ وَأَبُو لُبَابَةَ وَكَرَدْمٌ وَمِرْدَاسٌ وَأَبُو قَيْسٍ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ كَانُوا سَبْعَةً‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ

قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ‏}‏، ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا سَبْعَةَ رَهْطٍ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَأَمَّا أَرْبَعَةٌ فَخَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا‏:‏ جَدُّ بْنُ قَيْسٍ وَأَبُو لُبَابَةَ وَحَرَامٌ وَأَوْسٌ، وَكُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَهُمُ الَّذِينَ قِيلَ فِيهِمْ‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ‏}‏ الْآيَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا‏}‏، قَالَ‏:‏ هُمْ نَفَرٌ مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ، مِنْهُمْ أَبُو لُبَابَةَ وَمِنْهُمْ جَدُّ بْنُ قَيْسٍ تِيبَ عَلَيْهِمْ قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ وَلَيْسُوا بِثَلَاثَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُمْ سَبْعَةٌ، مِنْهُمْ أَبُو لُبَابَةَ كَانُوا تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَلَيْسُوا بِالثَّلَاثَةِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا‏}‏، نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ وَأَصْحَابِهِ، تَخَلَّفُوا عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَتِهِ، وَكَانَ قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ، نَدِمُوا عَلَى تَخَلُّفِهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَقَالُوا‏:‏ ‏"‏نَكُونُ فِي الظِّلَالِ وَالْأَطْعِمَةِ وَالنِّسَاءِ، وَنَبِيُّ اللَّهِ فِي الْجِهَادِ وَاللَّأْوَاءِ‏!‏ وَاللَّهِ لِنُوثِقَنَّ أَنْفُسَنَا بِالسَّوَارِي، ثُمَّ لَا نُطْلِقُهَا حَتَّى يَكُونَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطْلِقُنَا وَيَعْذُرُنَا‏!‏‏"‏ وَأَوْثَقُوا أَنْفُسَهُمْ، وَبَقِيَ ثَلَاثَةٌ، لَمْ يُوثِقُوا أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي‏.‏ فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَتِهِ، فَمَرَّ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَ طَرِيقَهُ، فَأَبْصَرَهُمْ، فَسَأَلَ عَنْهُمْ، فَقِيلَ لَهُ‏:‏ أَبُو لُبَابَةَ وَأَصْحَابُهُ، تَخَلَّفُوا عَنْكَ، يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَصَنَعُوا بِأَنْفُسِهِمْ

مَا تَرَى، وَعَاهَدُوا اللَّهَ أَلَّا يُطْلِقُوا أَنْفُسَهُمْ حَتَّى تَكُونَ أَنْتَ الَّذِي تُطْلِقُهُمْ‏!‏ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَا أُطْلِقُهُمْ حَتَّى أُومَرَ بِإِطْلَاقِهِمْ، وَلَا أَعْذُرُهُمْ حَتَّى يَعْذُرَهُمُ اللَّهُ، قَدْ رَغِبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ غَزْوَةِ الْمُسْلِمِينَ‏!‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ‏}‏، إِلَى‏:‏ ‏{‏عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ‏}‏ وَ‏"‏ عَسَى ‏"‏ مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ فَأَطْلَقَهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ وَعَذَرَهُمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَبُو لُبَابَةَ خَاصَّةً، وَذَنْبُهُ الَّذِي اعْتَرَفَ بِهِ فَتِيبَ عَلَيْهِ فِيهِ، مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ قَالَ لِبَنِي قُرَيْظَةَ مَا قَالَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَبُو لُبَابَةَ إِذْ قَالَ لِقُرَيْظَةَ مَا قَالَ‏:‏ أَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ‏:‏ إِنَّ مُحَمَّدًا ذَابِحُكُمْ إِنْ نَزَلْتُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ‏}‏، فَذَكَرَ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إِنْ نَزَلْتُمْ عَلَى حُكْمِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ «رَبَطَ أَبُو لُبَابَةَ نَفْسَهُ إِلَى سَارِيَةٍ، فَقَالَ‏:‏ لَا أُحِلُّ نَفْسِي حَتَّى يَحُلَّنِي اللَّهُ وَرَسُولُهُ‏!‏ قَالَ‏:‏ فَحَلَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَفِيهِ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا‏}‏ الْآيَةُ»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ بِسَبَبِ تَخَلُّفِهِ عَنْ تَبُوكَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ‏:‏ قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ «كَانَ أَبُو لُبَابَةَ مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَرَبَطَ نَفْسَهُ بِسَارِيَةٍ، فَقَالَ‏:‏ وَاللَّهِ لَا أُحِلُّ نَفْسِي مِنْهَا، وَلَا أَذُوقُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا، حَتَّى أَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ‏!‏ فَمَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَا يَذُوقُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا، حَتَّى خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، قَالَ‏:‏ ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قِيلَ لَهُ‏:‏ قَدْ تِيبَ عَلَيْكَ يَا أَبَا لُبَابَةَ‏!‏ فَقَالَ‏:‏ وَاللَّهِ لَا أُحِلُّ نَفْسِي حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ يَحُلُّنِي‏!‏ قَالَ‏:‏ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَّهُ بِيَدِهِ‏.‏ ثُمَّ قَالَ أَبُو لُبَابَةَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَهْجُرَ دَارَ قَوْمَيِ الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ، وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ‏!‏ قَالَ‏:‏ يَجْزِيكَ يَا أَبَا لُبَابَةَ الثُّلْث»‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْأَعْرَابُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا‏}‏، قَالَ‏:‏ فَقَالَ إِنَّهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي زَيْنَبَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ يَقُولُ‏:‏ مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَرْجَى عِنْدِي لِهَذِهِ

الْأُمَّةِ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ‏}‏، إِلَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمُعْتَرِفِينَ بِخَطَأِ فِعْلِهِمْ فِي تَخَلُّفِهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَرْكِهُمُ الْجِهَادَ مَعَهُ، وَالْخُرُوجِ لِغَزْوِ الرُّومِ، حِينَ شَخَصَ إِلَى تَبُوكَ وَأَنَّ الَّذِينَ نَزَلَ ذَلِكَ فِيهِمْ جَمَاعَةٌ، أَحَدُهُمْ أَبُو لُبَابَةَ‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا‏:‏ ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ‏}‏، فَأَخْبَرَ عَنِ اعْتِرَافِ جَمَاعَةٍ بِذُنُوبِهِمْ، وَلَمْ يَكُنِ الْمُعْتَرِفُ بِذَنْبِهِ الْمُوثِقَ نَفْسَهُ بِالسَّارِيَةِ فِي حِصَارِ قُرَيْظَةَ، غَيْرَ أَبِي لُبَابَةَ وَحْدَهُ‏.‏ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ ‏[‏كَذَلِكَ‏]‏، وَكَانَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ وَصَفَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ‏}‏، بِالِاعْتِرَافِ بِذُنُوبِهِمْ جَمَاعَةً، عُلِمَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ بِذَلِكَ لَيْسَتِ الْوَاحِدَ، فَقَدْ تَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ إِذَا لَمْ تَكُنْ إِلَّا لِجَمَاعَةٍ، وَكَانَ لَا جَمَاعَةَ فَعَلَتْ ذَلِكَ، فِي مَا نَقَلَهُ أَهْلُ السِّيَرِ وَالْأَخْبَارِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، إِلَّا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، صَحَّ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ‏.‏ وَقُلْنَا‏:‏ ‏"‏كَانَ مِنْهُمْ أَبُو لُبَابَة‏"‏ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏103‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْوَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ، خُذْ مِنْ أَمْوَالِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ فَتَابُوا مِنْهَا ‏(‏صَدَقَةً تَطَهِّرُهُمْ‏)‏، مِنْ دَنَسِ ذُنُوبِهِمْ ‏(‏وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا‏)‏، يَقُولُ‏:‏ وَتُنَمِّيهِمْ وَتَرْفَعُهُمْ عَنْ خَسِيسِ مَنَازِلِ أَهْلِ النِّفَاقِ بِهَا، إِلَى مَنَازِلِ أَهْلِ الْإِخْلَاصِ ‏(‏وَصَلِّ عَلَيْهِمْ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ وَادْعُ لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ لِذُنُوبِهِمْ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ مِنْهَا ‏{‏إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنَّ دُعَاءَكَ وَاسْتِغْفَارَكَ طُمَأْنِينَةٌ لَهُمْ، بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ عَفَا عَنْهُمْ وَقَبِلَ تَوْبَتَهُمْ ‏(‏وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ وَاللَّهُ سَمِيعٌ لِدُعَائِكَ إِذَا دَعَوْتَ لَهُمْ، وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ خَلْقِهِ ‏(‏عَلِيمٌ‏)‏، بِمَا تَطْلُبُ بِهِمْ بِدُعَائِكَ رَبَّكَ لَهُمْ، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ عِبَادِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ جَاءُوا بِأَمْوَالِهِمْ يَعْنِي أَبَا لُبَابَةَ وَأَصْحَابَهُ حِينَ أَطْلَقُوا، فَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ أَمْوَالُنَا فَتَصَدَّقْ بِهَا عَنَّا، وَاسْتَغْفِرْ لَنَا‏!‏ قَالَ‏:‏ مَا أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ شَيْئًا‏!‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا‏}‏،

يَعْنِي بِالزَّكَاةِ‏:‏ طَاعَةَ اللَّهِ وَالْإِخْلَاصَ ‏{‏وَصَلِّ عَلَيْهِمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ «لَمَّا أَطْلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا لُبَابَةَ وَصَاحِبَيْهِ، انْطَلَقَ أَبُو لُبَابَةَ وَصَاحِبَاهُ بِأَمْوَالِهِمْ، فَأَتَوْا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا‏:‏ خُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا فَتَصَدَّقْ بِهَا عَنَّا، وَصَلِّ عَلَيْنَا يَقُولُونَ‏:‏ اسْتَغْفِرْ لَنَا وَطَهِّرْنَا‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَا آخُذُ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى أُومَرَ‏.‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ مِنْ ذُنُوبِهِمُ الَّتِي كَانُوا أَصَابُوا‏.‏ فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُزْءًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَتَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُم»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ‏:‏ «لَمَّا أَطْلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا لُبَابَةَ وَالَّذِينَ رَبَطُوا أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي، قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، خُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا صَدَقَةً تُطَهِّرُنَا بِهَا‏!‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ‏}‏ الْآيَةَ»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ قَالَ الَّذِينَ رَبَطُوا أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي حِينَ عَفَا عَنْهُمْ‏:‏ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؛ طَهِّرْ أَمْوَالَنَا‏!‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا‏}‏، وَكَانَ الثَّلَاثَةُ إِذَا اشْتَكَى أَحَدُهُمُ اشْتَكَى الْآخَرَانِ مِثْلَهُ، وَكَانَ عَمِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ، فَلَمْ يَزَلِ الْآخَرُ يَدْعُو حَتَّى عَمِيَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ الْأَرْبَعَةُ‏:‏ جَدُّ بْنُ قَيْسٍ وَأَبُو لُبَابَةَ وَحَرَامٌ وَأَوْسٌ هَمُ الَّذِينَ قِيلَ فِيهِمْ‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ‏}‏، أَيْ وَقَارٌ لَهُمْ، وَكَانُوا وَعَدُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَنْ يُنْفِقُوا وَيُجَاهِدُوا وَيَتَصَدَّقُوا‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، قَالَ‏:‏ «لَمَّا أَطْلَقَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا لُبَابَةَ وَأَصْحَابَهُ، أَتَوْا نَبِيَّ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ فَقَالُوا‏:‏ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، خُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا فَتَصَدَّقَ بِهِ عَنَّا، وَطَهِّرْنَا، وَصَلِّ عَلَيْنَا‏!‏ يَقُولُونَ‏:‏ اسْتَغْفِرْ لَنَا فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ‏:‏ لَا آخُذُ مِنْ أَمْوَالِكُمْ شَيْئًا حَتَّى أُومَرَ فِيهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ‏}‏، مِنْ ذُنُوبِهِمُ الَّتِي أَصَابُوا ‏{‏وَصَلِّ عَلَيْهِمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ‏.‏ فَفَعَلَ نَبِيُّ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِه»‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً‏}‏ أَبُو لُبَابَةَ وَأَصْحَابُهُ ‏{‏وَصَلِّ عَلَيْهِمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ، لِذُنُوبِهِمُ الَّتِي كَانُوا أَصَابُوا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ هَؤُلَاءِ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ مِمَّنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، اعْتَرَفُوا بِالنِّفَاقِ، وَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدِ ارْتَبْنَا وَنَافَقْنَا وَشَكَكْنَا، وَلَكِنْ تَوْبَةٌ جَدِيدَةٌ، وَصَدَقَةٌ نُخْرِجُهَا مِنْ أَمْوَالِنَا‏!‏ فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا‏}‏، بَعْدَ مَا قَالَ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ التَّوْبَةِ‏:‏ 84‏]‏‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ رَفْعِ ‏"‏ تُزَكِّيهِمْ ‏"‏‏.‏

فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ‏:‏ رَفَعَ ‏"‏تُزَكِّيهِمْ بِهَا‏"‏ فِي الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ مِنْ صِفَةِ ‏"‏الصَّدَقَة‏"‏ ثُمَّ جِئْتَ بِهَا تَوْكِيدًا، وَكَذَلِكَ ‏"‏ تُطَهِّرُهُمْ ‏"‏‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ‏:‏ إِنْ كَانَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏تَطَهِّرُهُمْ‏)‏، لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَالِاخْتِيَارُ أَنْ تُجْزَمَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ عَلَى ‏"‏الصَّدَقَة‏"‏ عَائِدٌ، ‏(‏وَتُزَكِّيهِمْ‏)‏، مُسْتَأْنَفٌ‏.‏ وَإِنْ كَانَتِ الصَّدَقَةُ تُطَهِّرُهُمْ وَأَنْتَ تُزَكِّيهِمْ بِهَا، جَازَ أَنْ تَجْزِمَ الْفِعْلَيْنِ وَتَرْفَعَهُمَا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ، أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏(‏تَطَهِّرُهُمْ‏)‏، مِنْ صِلَةِ ‏"‏الصَّدَقَة‏"‏ لِأَنَّ الْقَرَأَةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى رَفْعِهَا، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْ صِلَةِ ‏"‏ الصَّدَقَةِ ‏"‏‏.‏ وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا‏)‏، فَخَبَرٌ مُسْتَأْنَفٌ، بِمَعْنَى‏:‏ وَأَنْتَ تُزَكِّيهِمْ بِهَا، فَلِذَلِكَ رَفَعَ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ‏}‏‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ رَحْمَةٌ لَهُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ رَحْمَةٌ لَهُمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَاهُ‏:‏ إِنَّ صَلَاتَكَ وَقَارٌ لَهُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ‏}‏، أَيْ‏:‏ وَقَارٌ لَهُمْ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَرَأَتْهُ قَرَأَةُ الْمَدِينَةِ‏:‏ ‏"‏إِنَّ صَلَوَاتِكَ سَكَنٌ لَهُم‏"‏ بِمَعْنَى دَعَوَاتِكَ‏.‏

وَقَرَأَ قَرَأَةُ الْعِرَاقِ وَبَعْضُ الْمَكِّيِّينَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ‏}‏، بِمَعْنَى‏:‏ إِنَّ دُعَاءَكَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ عَلَى التَّوْحِيدِ، رَأَوْا أَنَّ قِرَاءَتَهُ بِالتَّوْحِيدِ أَصَحُّ، لِأَنَّ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ مَعْنَى الْجَمْعِ وَكَثْرَةِ الْعَدَدِ مَا لَيْسَ فِي قَوْلِهِ‏:‏‏:‏ ‏"‏ إِنَّ صَلَوَاتِكَ سَكَنٌ لَهُمْ ‏"‏، إِذْ كَانَتِ ‏"‏الصَّلَوَات‏"‏ هِيَ جَمْعٌ لِمَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْعَشْرِ مِنَ الْعَدَدِ، دُونَ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ وَالَّذِي قَالُوا مِنْ ذَلِكَ، عِنْدَنَا كَمَا قَالُوا، وَبِالتَّوْحِيدِ عِنْدَنَا الْقِرَاءَةُ لَا الْعِلَّةُ، لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْعَدَدِ أَكْثَرُ مِنَ ‏"‏الصَّلَوَات‏"‏ وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْخَبَرُ عَنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَوَاتِهِ أَنَّهُ سَكَنٌ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، لَا الْخَبَرُ عَنِ الْعَدَدِ‏.‏ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ التَّوْحِيدُ فِي ‏"‏الصَّلَاة‏"‏ أُولَى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏104‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، أَخْبَرَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ‏:‏ أَنَّ قَبُولَ تَوْبَةِ مَنْ تَابَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَأَخْذَ الصَّدَقَةِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إِذَا أَعْطَوْهَا، لَيْسَا إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ نَبِيَ اللَّهِ حِينَ أَبَى أَنْ يُطْلِقَ مَنْ رَبَطَ نَفْسَهُ بِالسَّوَارِي مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الْغَزْوِ مَعَهُ، وَحِينَ تَرَكَ قَبُولَ صَدَقَتِهِمْ بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ اللَّهُ عَنْهُمْ حِينَ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ، إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ دُونَ مُحَمَّدٍ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا إِنَّمَا يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ مِنْ تَرْكٍ وَإِطْلَاقٍ وَأَخْذِ صَدَقَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِهِ بِأَمْرِ اللَّهِ‏.‏ فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ أَلَمْ يَعْلَمْ هَؤُلَاءِ الْمُتَخَلِّفُونَ عَنِ الْجِهَادِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، الْمُوَثِّقُو أَنْفُسِهِمْ بِالسَّوَارِي، الْقَائِلُونَ‏:‏ ‏"‏لَا نُطْلِقُ أَنْفُسَنَا حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي يُطْلِقُنَا‏"‏ السَّائِلُو رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْذَ صَدَقَةِ أَمْوَالِهِمْ، أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ، وَأَنَّاللَّهَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ تَوْبَةَ مَنْ تَابَ مِنْ عِبَادِهِ أَوْ يَرُدُّهَا، وَيَأْخُذُ صَدَقَةَ مَنْ تَصَدَّقَ مِنْهُمْ أَوْ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ دُونَ مُحَمَّدٍ، فَيُوَجِّهُوا تَوْبَتَهُمْ وَصَدَقَتَهِمْ إِلَى اللَّهِ، وَيَقْصِدُوا بِذَلِكَ قَصْدَ وَجْهِهِ دُونَ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ، وَيُخْلِصُوا التَّوْبَةَ لَهُ، وَيُرِيدُوهُ بِصَدَقَتِهِمْ، وَيَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ‏؟‏ يَقُولُ‏:‏ الْمُرَاجِعُ لِعُبَيْدِهِ إِلَى الْعَفْوِ عَنْهُ إِذَا رَجَعُوا إِلَى طَاعَتِهِ، الرَّحِيمُ بِهِمْ إِذَا هُمْ أَنَابُوا إِلَى رِضَاهُ مِنْ عِقَابِهِ‏.‏

وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ قَالَ الْآخَرُونَ يَعْنِي الَّذِينَ لَمْ يَتُوبُوا مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ‏:‏ هَؤُلَاءِ- يَعْنِي الَّذِينَ تَابُوا- كَانُوا بِالْأَمْسِ مَعَنَا لَا يُكَلَّمُونَ وَلَا يُجَالَسُونَ، فَمَا لَهُمْ‏؟‏ فَقَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي رَجُلٌ كَانَ يَأْتِي حَمَّادًا وَلَمْ يَجْلِسْ إِلَيْهِ قَالَ شُعْبَةُ‏:‏ قَالَ الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ‏:‏ هُوَ قَتَادَةُ، أَوْ ابْنُ قَتَادَةَ، رَجُلٌ مِنْ مُحَارِبٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّائِبِ وَكَانَ جَارَهُ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ‏:‏ مَا مِنْ عَبْدٍ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ إِلَّا وَقَعَتْ فِي يَدِ اللَّهِ، فَيَكُونُ هُوَ الَّذِي يَضَعُهَا فِي يَدِ السَّائِلِ‏.‏ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ مَا تَصَدَّقَ رَجُلٌ بِصَدَقَةٍ إِلَّا وَقَعَتْ فِي يَدِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي يَدِ السَّائِلِ، وَهُوَ يَضَعُهَا فِي يَدِ السَّائِلِ‏.‏ ثُمَّ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ‏:‏ إِنَّ الصَّدَقَةَ تَقَعُ فِي يَدِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي يَدِ السَّائِلِ‏.‏ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ الْقَاسِمِ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «إِنِ اللَّهَ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ وَيَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ، فَيُرَبِّيهَا لِأَحَدِكُمْ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ، حَتَّى إِنَّ اللُّقْمَةَ لِتُصَيِّرُ مِثْلَ أُحُدٍ‏.‏ وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ‏}‏، وَ ‏{‏يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْبَقَرَةِ‏:‏ 276‏]‏»‏.‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْأَقْطَعِ الرَّقِّيِّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا أَرَاهُ إِلَّا قَدْ رَفَعَهُ قَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ‏.‏ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ إِذَا كَانَتْ مَنْ طَيِّبٍ، وَيَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ يَتَصَدَّقُ بِمِثْلِ اللُّقْمَةِ، فَيُرَبِّيهَا اللَّهُ لَهُ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَصِيلَهُ أَوْ مُهْرَهُ، فَتَرْبُو فِي كَفِّ اللَّهِ أَوْ قَالَ‏:‏ فِي يَدِ اللَّهِ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَل»‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ‏}‏، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ‏:‏ «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَتَصَدَّقُ رَجُلٌ بِصَدَقَةٍ فَتَقَعُ فِي يَدِ السَّائِلِ، حَتَّى تَقَعَ فِي يَدِ اللَّهِ»‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ إِنِ اسْتَقَامُوا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏105‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَتَفْسِيرهَا وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏وَقُلْ‏)‏، يَا مُحَمَّدُ، لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ اعْتَرَفُوا لَكَ بِذُنُوبِهِمْ مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الْجِهَادِ مَعَكَ ‏(‏اعْمَلُوا‏)‏، لِلَّهِ بِمَا يُرْضِيهِ، مِنْ طَاعَتِهِ، وَأَدَاءِ فَرَائِضِهِ ‏{‏فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ‏}‏،

يَقُولُ‏:‏ فَسَيَرَى اللَّهُ إِنْ عَمِلْتُمْ عَمَلَكُمْ، وَيَرَاهُ رَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ، فِي الدُّنْيَا ‏(‏وَسَتُرَدُّونَ‏)‏، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَى مَنْ يَعْلَمُ سَرَائِرَكُمْ وَعَلَانِيَتَكُمْ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ بَاطِنِ أُمُورِكُمْ وَظَوَاهِرِهَا ‏{‏فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَيُخْبِرُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، وَمَا مِنْهُ خَالِصًا، وَمَا مِنْهُ رِيَاءً، وَمَا مِنْهُ طَاعَةً، وَمَا مِنْهُ لِلَّهِ مَعْصِيَةً، فَيُجَازِيكُمْ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ جَزَاءَكُمْ، الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ هَذَا وَعِيدٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏106‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِتَفْسِيرهَا إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْكُمْ حِينَ شَخِصْتُمْ لِعَدُوِّكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، آخَرُونَ‏.‏

وَرُفِعَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏آخَرُون‏"‏ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا‏}‏‏.‏

‏{‏وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ مُرْجَئُونَ لِأَمْرِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ‏.‏

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏أَرْجَأْتُهُ أُرْجِئُهُ إِرْجَاءً وَهُوَ مُرْجَأ‏"‏ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِ الْهَمْزِ، وَهُمَا لُغَتَانِ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ‏.‏ وَقَدْ قَرَأَتِ الْقَرَأَةُ بِهِمَا جَمِيعًا‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ عُنِيَ بِهَؤُلَاءِ الْآخَرِينَ، نَفَرٌ مِمَّنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيغَزْوَةِ تَبُوكَ، فَنَدِمُوا عَلَى مَا فَعَلُوا، وَلَمْ يَعْتَذِرُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَقْدَمِهِ، وَلَمْ يُوثِقُوا أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي، فَأَرْجَأَ اللَّهُ أَمْرَهُمْ إِلَى أَنْ صَحَّتْ تَوْبَتُهُمْ، فَتَابَ عَلَيْهِمْ وَعَفَا عَنْهُمْ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ وَكَانَ ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ يَعْنِي‏:‏ مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ

غَزْوَةِ تَبُوكَ لَمْ يُوثِقُوا أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي، أُرْجِئُوا سَبْتَةً، لَا يَدْرُونَ أَيُعَذَّبُونَ أَوْ يُتَابُ عَلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ‏}‏، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ التَّوْبَةِ‏:‏ 117‏]‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَعْنِي قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا‏}‏ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ يَعْنِي مِنْ أَمْوَالِ أَبِي لُبَابَةَ وَصَاحِبَيْهِ فَتَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُمْ، وَبَقِيَ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خَالَفُوا أَبَا لُبَابَةَ، وَلَمْ يُوثَقُوا، وَلَمْ يُذْكَرُوا بِشَيْءٍ، وَلَمْ يَنْزِلْ عَذْرُهُمْ، وَضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ»‏.‏ وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏‏.‏ فَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ‏:‏ هَلَكُوا‏!‏ إِذْ لَمْ يَنْزِلْ لَهُمْ عُذْرٌ، وَجَعَلَ آخَرُونَ يَقُولُونَ‏:‏ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ‏!‏ فَصَارُوا مُرْجَئِينَ لِأَمْرِ اللَّهِ، حَتَّى نَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ‏}‏، الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ إِلَى الشَّامِ ‏{‏مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ‏}‏، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا‏}‏، يَعْنِي الْمُرْجَئِينَ لِأَمْرِ اللَّهِ، نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ التَّوْبَةُ، فَعُمُّوا بِهَا، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ‏}‏، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوِيدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُمُ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُوا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا

عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَمَرَارَةُ بْنُ رَبْعَيٍّ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ‏}‏ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَمَرَارَةُ بْنُ رَبْعَيٍّ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، مِثْلَهُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ‏}‏، هُمُ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُوا عَنِ التَّوْبَةِ يُرِيدُ‏:‏ غَيْرَ أَبِي لُبَابَةَ وَأَصْحَابِهِ وَلِمَ يُنْزِلِ اللَّهُ عُذْرَهُمْ، فَضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ‏.‏ وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ فِرْقَتَيْنِ‏:‏ فِرْقَةٌ تَقُولُ‏:‏ ‏"‏هَلَكُوا‏"‏ حِينَ لَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ فِيهِمْ مَا أَنْزَلَ فِي أَبِي لُبَابَةَ وَأَصْحَابِهِ‏.‏

وَتَقُولُ فِرْقَةٌ أُخْرَى‏:‏ ‏"‏عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ‏!‏‏"‏ وَكَانُوا مُرْجَئِينَ لِأَمْرِ اللَّهِ‏.‏ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ رَحْمَتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ‏}‏ الْآيَةَ، وَأَنْزَلَ‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا‏}‏ الْآيَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّهُمُالثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُواعَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ‏:‏ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَمَرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، رَهْطٌ مِنَ الْأَنْصَارِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُمُ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُوا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ‏}‏، وَهُمُ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُوا، وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُمْ، حَتَّى أَتَتْهُمْ تَوْبَتُهُمْ مِنَ اللَّهِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ‏}‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ إِمَّا أَنْ يَحْجِزَهُمُ اللَّهُ عَنِ التَّوْبَةِ بِخِذْلَانِهِ، فَيُعَذِّبُهُمْ بِذُنُوبِهِمُ الَّتِي مَاتُوا عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ ‏{‏وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَإِمَّا يُوَفِّقُهُمْ لِلتَّوْبَةِ فَيَتُوبُوا مِنْ ذُنُوبِهِمْ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ ‏{‏وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَاللَّهُ ذُو عِلْمٍ بِأَمْرِهِمْ وَمَا هُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ مِنَ التَّوْبَةِ وَالْمُقَامِ عَلَى الذَّنْبِ ‏(‏حَكِيمٌ‏)‏، فِي تَدْبِيرِهِمْ وَتَدْبِيرِ مَنْ سِوَاهُمْ مَنْ خَلْقِهِ، لَا يَدْخُلُ حُكْمَهُ خَلَلٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏107‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلٌ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَالَّذِينَ ابْتَنَوْا مَسْجِدًا ضِرَارًا، وَهُمْ، فِيمَا ذُكِرَ اثْنَا عَشَرَ نَفْسًا مِنَ الْأَنْصَارِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَيَزِيدِ بْنِ رُومَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا‏:‏ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي‏:‏ مِنَ تَبُوكَ حَتَّى نَزَلَ بِذِي أَوَانٍ بَلَدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ‏.‏ وَكَانَأَصْحَابُ مَسْجِدِ الضِّرَارِقَدْ كَانُوا أَتَوْهُ وَهُوَ يَتَجَهَّزُ إِلَى تَبُوكَ، فَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَدْ بَنَيْنَا مَسْجِدًا لِذِي الْعِلَّةِ وَالْحَاجَةِ وَاللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَاللَّيْلَةِ الشَّاتِيَةِ، وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنَا فَتَصِلِي لَنَا فِيهِ‏!‏ فَقَالَ‏:‏ إِنِّي عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ وَحَالِ شُغُلٍ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ قَدْ قَدِمْنَا أَتَيْنَاكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَصَلَّيْنَا لَكُمْ فِيهِ‏.‏ فَلَمَّا نَزَلَ بِذِي أَوَانٍ، أَتَاهُ خَبَرُ الْمَسْجِدِ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالِكَ بْنَ الدُّخْشُمِ أَخَا بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، وَمَعْنَ بْنَ عَدِيٍّ أَوْ أَخَاهُ‏:‏ عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ أَخَا بَنِي الْعِجْلَانِ فَقَالَ‏:‏ انْطَلَقَا إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ الظَّالِمِ أَهْلُهُ فَاهْدِمَاهُ وَحَرِّقَاهُ‏!‏ فَخَرَجَا سَرِيعَيْنِ حَتَّى أَتَيَا بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، وَهُمْ رَهْطُ مَالِكِ بْنِ الدُّخْشُمِ، فَقَالَ مَالِكٌ لَمَعْنٍ‏:‏ أَنْظِرْنِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكَ بِنَارٍ مِنْ أَهْلِي‏!‏ فَدَخَلَ ‏[‏إِلَى‏]‏ أَهْلِهِ، فَأَخَذَ سَعَفًا مِنَ النَّخْلِ، فَأَشْعَلَ فِيهِ نَارًا، ثُمَّ خَرَجَا يَشْتَدَّانِ حَتَّى دَخَلَا الْمَسْجِدَ وَفِيهِ أَهْلُهُ، فَحَرَّقَاهُ وَهَدَمَاهُ، وَتَفَرَّقُوا عَنْهُ‏.‏ وَنَزَلَ فِيهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ مَا نَزَلَ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا‏}‏، إِلَى آخَرِ الْقِصَّةِ‏.‏ وَكَانَ الَّذِينَ بَنَوْهُ

اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا خِذَامُ بْنُ خَالِدٍ مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدٍ، أَحَدِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَمِنْ دَارِهِ أَخْرَجَ مَسْجِدَ الشِّقَاقِ وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ مِنْ بَنِي عُبَيْدٍ، وَهُوَ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ وَمُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ مِنْ بَنِي ضَبِيعَةَ بْنِ زَيْدٍ وَأَبُو حُبَيْبَةَ بْنُ الْأَزْعَرِ مِنْ بَنِي ضَبِيعَةَ بْنِ زَيْدٍ وَعِبَادُ بْنُ حَنِيفٍ أَخُو سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَجَارِيَةُ بْنُ عَامِرٍ وَابْنَاهُ‏:‏ مَجْمَعُ بْنُ جَارِيَةَ وَزَيْدُ بْنُ جَارِيَةَ وَنَبْتَلُّ بْنُ الْحَارِثِ وَهُمْ مِنْ بَنِي ضَبِيعَةَ وَبَحْزَجُ وَهُوَ إِلَى بَنِي ضَبِيعَةَ وَبِجَادُ بْنُ عُثْمَانَ وَهُوَ مِنْ بَنِي ضَبِيعَةَ وَوَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُوَ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ، رَهْطِ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ وَالَّذِينَ ابْتَنَوْا مَسْجِدًا ضِرَارًا لِمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُفْرًا بِاللَّهِ لِمُحَادَّتِهِمْ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُفَرِّقُوا بِهِ الْمُؤْمِنِينَ، لِيُصَلِّيَ فِيهِ بَعْضُهُمْ دُونَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَعْضُهُمْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَخْتَلِفُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ وَيَفْتَرِقُوا ‏{‏وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَإِعْدَادًا لَهُ لِأَبِي عَامِرِ الْكَافِرِ الَّذِي خَالَفَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَكَفَرَ بِهِمَا، وَقَاتَلَ رَسُولَ اللَّهِ ‏(‏مِنْ قَبْلُ‏)‏، يَعْنِي مِنْ قَبْلِ بِنَائِهِمْ ذَلِكَ الْمَسْجِدَ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا عَامِرٍ هُوَ الَّذِي كَانَ حَزَّبَ الْأَحْزَابَ يَعْنِي‏:‏ حَزَّبَ الْأَحْزَابَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا خَذَلَهُ اللَّهُ، لَحِقَ بِالرُّومِ يَطْلُبُ النَّصْرَ مِنْ مَلِكِهِمْ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ، وَكَتَبَ إِلَى أَهْلِ مَسْجِدِ الضِّرَارِ يَأْمُرُهُمْ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ الَّذِي كَانُوا بَنَوْهُ، فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ، لِيُصَلِّيَ فِيهِ، فِيمَا يَزْعُمُ، إِذَا

رَجَعَ إِلَيْهِمْ‏.‏ فَفَعَلُوا ذَلِكَ‏.‏ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ‏}‏‏.‏

‏{‏وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى‏}‏، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَلَيَحْلِفَنَّ بَانُوهُ‏:‏ ‏"‏إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى‏"‏ بِبِنَائِنَاهُ، إِلَّا الرِّفْقَ بِالْمُسْلِمِينَ، وَالْمُنَفِّعَةَ وَالتَّوْسِعَةَ عَلَى أَهْلِ الضَّعْفِ وَالْعِلَّةِ وَمَنْ عَجَزَ عَنِ الْمَصِيرِ إِلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلَاةِ فِيهِ، وَتِلْكَ هِيَ الْفِعْلَةُ الْحَسَنَةُ ‏{‏وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ‏}‏، فِي حَلِفِهِمْ ذَلِكَ، وَقِيلِهِمْ‏:‏ ‏"‏مَا بَنَيْنَاهُ إِلَّا وَنَحْنُ نُرِيدُ الْحُسْنَى‏!‏‏"‏ وَلَكِنَّهُمْ بَنَوْهُ يُرِيدُونَ بِبِنَائِهِ السُّوأَى، ضِرَارًا لِمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُفْرًا بِاللَّهِ، وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِرْصَادًا لِأَبِي عَامِرٍ الْفَاسِقِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا‏}‏، وَهُمْ أُنَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ابْتَنَوْا مَسْجِدًا، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو عَامِرٍ‏:‏ ابْنُوا مَسْجِدَكُمْ، وَاسْتَعِدُّوا بِمَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ سِلَاحٍ، فَإِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ، فَآتِي بِجُنْدٍ مِنَ الرُّومِ، فَأُخْرِجَ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ‏!‏ فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ مَسْجِدِهِمْ، أَتَوُا النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَالُوا‏:‏ قَدْ فَرَغْنَا مِنْ بِنَاءِ مَسْجِدِنَا، فَنُحِبُّ أَنْ تَصَلِّيَ فِيهِ، وَتَدْعُوَ لَنَا بِالْبَرَكَةِ‏!‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ‏:‏ ‏{‏لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ‏}‏، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ لَمَّا بَنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَ قُبَاءٍ، خَرَجَ رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، مِنْهُمْ‏:‏ بَحْزَجُ، جَدُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنِيفٍ وَوَدِيعَةُ بْنُ حِزَامٍ وَمَجْمَعُ بْنُ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيُّ، فَبَنَوْامَسْجِدَ النِّفَاقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَحْزَجَ وَيْلَكَ‏!‏ مَا أَرَدْتَ إِلَى مَا أَرَى‏!‏ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ إِلَّا الْحُسْنَى‏!‏ وَهُوَ كَاذِبٌ، فَصَدَّقَهُ رَسُولُ اللَّهِ وَأَرَادَ أَنْ يَعْذُرَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏}‏، يَعْنِي رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ ‏"‏أَبُو عَامِر‏"‏ كَانَ مُحَارِبًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ قَدِ انْطَلَقَ إِلَى هِرَقْلٍ، فَكَانُوا يَرْصُدُونَ ‏[‏إِذَا قَدِمَ‏]‏ أَبُو عَامِرٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، وَكَانَ قَدْ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ مُحَارِبًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ‏{‏وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ‏}‏،

قَالَ‏:‏ أَبُو عَامِرٍ الرَّاهِبُ انْطَلَقَ إِلَى قَيْصَرَ، فَقَالُوا‏:‏ ‏"‏إِذَا جَاءَ يُصَلِّي فِيه‏"‏ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا‏}‏، قَالَ الْمُنَافِقُونَ ‏{‏لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏}‏ لِأَبِي عَامِرٍ الرَّاهِبِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُوَ أَبُو عَامِرٍ الرَّاهِبُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوِيدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا‏}‏، قَالَ‏:‏ هُمْ بَنُو غَنَمِ بْنِ عَوْفٍ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا‏}‏، قَالَ‏:‏ هُمْ حَيٌّ يُقَالُ لَهُمْ‏:‏ ‏"‏ بَنُو غَنَمٍ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا‏}‏، قَالَ‏:‏ هُمْ حَيٌّ يُقَالُ لَهُمْ‏:‏ ‏"‏ بَنُو غَنَمٍ ‏"‏ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَة قالَتْ‏:‏ ‏{‏وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏}‏،

أَبُو عَامِرٍ الرَّاهِبُ انْطَلَقَ إِلَى الشَّأْمِ، فَقَالَ الَّذِينَ بَنَوْا مَسْجِدَ الضِّرَارِ‏:‏ إِنَّمَا بَنَيْنَاهُ لِيُصَلِّيَ فِيهِ أَبُو عَامِرٍ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا‏}‏ الْآيَةَ، عَمَدَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ، فَابْتَنَوْا مَسْجِدًا بِقُبَاءٍ، لِيُضَاهُوا بِهِ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ لِيُصَلِّيَ فِيهِ‏.‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ دَعَا بِقَمِيصِهِ لِيَأْتِيَهُمْ، حَتَّى أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏}‏، فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ‏:‏ ‏"‏أَبُو عَامِر‏"‏ فَرَّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ، فَقَتَلُوهُ بِإِسْلَامِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ إِذَا جَاءَ صَلَّى فِيهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى‏}‏ الْآيَةَ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا‏}‏، هُمْ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، بَنَوْا مَسْجِدًا بِقُبَاءٍ يُضَارُّونَ بِهِ نَبِيَّ اللَّهِ وَالْمُسْلِمِينَ ‏{‏وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏}‏، كَانُوا يَقُولُونَ‏:‏ إِذَا رَجَعَ أَبُو عَامِرٍ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ مِنَ الرُّومِ صَلَّى فِيهِ‏!‏ وَكَانُوا يَقُولُونَ‏:‏ إِذَا قَدِمَ ظَهَرَ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَسْجِدُ قُبَاءٍ، كَانُوا يُصَلُّونَ فِيهِ كُلُّهُمْ‏.‏ وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الْمُنَافِقِينَ يُقَالُ لَهُ‏:‏ ‏"‏أَبُو عَامِرٍ ‏"‏أَبُو‏:‏ ‏"‏ حَنْظَلَةَ غِسِّيلِ الْمَلَائِكَةِ

وَ ‏"‏صَيْفِي‏"‏ ‏[‏وَاحَقُ‏]‏‏.‏ وَكَانَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، فَخَرَجَ أَبُو عَامِرٍ هَارِبًا هُوَ وَابْنُ عَبْدِ يَالِيلَ مِنْ ثَقِيفٍ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ مِنْ قَيْسٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَحِقُوا بِصَاحِبِ الرُّومِ‏.‏ فَأَمَّا عَلْقَمَةُ وَابْنُ عَبْدِ يَالِيلَ فَرَجَعَا فَبَايَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْلَمَا‏.‏ وَأَمَّا أَبُو عَامِرٍ فَتَنَصَّرَ وَأَقَامَ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَبَنَى نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ مَسْجِدَ الضِّرَارِ لِأَبِي عَامِرٍ، قَالُوا‏:‏ ‏"‏حَتَّى يَأْتِيَ أَبُو عَامِرٍ يُصَلِّي فِيه‏"‏ وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، يُفَرِّقُونَ بِهِ جَمَاعَتِهِمْ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ جَمِيعًا فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ‏.‏ وَجَاءُوا يَخْدَعُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، رُبَّمَا جَاءَ السَّيْلُ، فَيَقْطَعُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْوَادِي، وَيَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ، وَنُصَلِّي فِي مَسْجِدِنَا، فَإِذَا ذَهَبَ السَّيْلُ صَلَّيْنَا مَعَهُمْ‏!‏ قَالَ‏:‏ وَبَنَوْهُ عَلَى النِّفَاقِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَانْهَارَ مَسْجِدُهُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَأَلْقَى النَّاسُ عَلَيْهِ التِّبْنَ وَالْقُمَامَةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏، لِئَلَّا يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ ‏{‏وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ‏}‏ أَبِي عَامِرٍ ‏{‏وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هَارُونُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ لَيْثٍ‏:‏ أَنَّ شَقِيقًا لَمْ يُدْرِكِ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ بَنِي عَامِرٍ، فَقِيلَ لَهُ‏:‏ مَسْجِدُ بَنِي فُلَانٍ لَمْ يُصَلُّوا بَعْدُ‏!‏ فَقَالَ‏:‏ لَا أُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ فِيهِ، فَإِنَّهُ بُنِيَ عَلَى ضِرَارٍ، وَكُلُّ مَسْجِدٍ بُنِيَ ضِرَارًا أَوْ رِيَاءً أَوْ سُمْعَةً، فَإِنَّ أَصْلَهُ يَنْتَهِي إِلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي بُنِيَ عَلَى ضِرَارٍ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏108‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَا تَقُمْ، يَا مُحَمَّدُ، فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي بَنَاهُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ، ضِرَارًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏.‏ ثُمَّ أَقْسَمَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ‏}‏، أَنْتَ ‏(‏فِيهِ‏)‏‏.‏

يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى‏}‏، ابْتُدِئَ أَسَاسُهُ وَأَصْلُهُ عَلَى تَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ ‏{‏مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ‏}‏، ابْتُدِئَ فِي بِنَائِهِ ‏{‏أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أُولَى أَنْ تَقُومَ فِيهِ مُصَلِّيًا‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ‏}‏، مَبْدَأُ أَوَّلِ يَوْمٍ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ‏:‏ ‏"‏لَمْ أَرَهُ مِنْ يَوْمِ كَذَا‏"‏ بِمَعْنَى‏:‏ مَبْدَؤُهُ وَ‏"‏ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ‏"‏يُرَادُ بِهِ‏:‏ مِنْ أَوَّلِ الْأَيَّامِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ ‏"‏ لَقِيتُ كُلَّ رَجُلٍ ‏"‏ بِمَعْنَى كُلِّ الرِّجَالِ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي عَنَاهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ‏)‏‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي فِيهِ مِنْبَرُهُ وَقَبْرُهُ الْيَوْمَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ أَرْسَلَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ أَسْأَلُهُ عَنْالْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، أَيُّ مَسْجِدٍ هُوَ‏؟‏ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ، أَوْ مَسْجِدُ قُبَاءٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَمْرٍو الْعَنْقَزِيُّ، عَنِ الْدَرَاوَرْدِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي سَعِيدٍ قَالُوا‏:‏ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، مَسْجِدُ الرَّسُولِ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى‏؟‏ قَالَ‏:‏ هُوَ مَسْجِدُ الرَّسُولِ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ زَيْدٍ قَالَ‏:‏ هُوَ مَسْجِدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ زَيْدٍ قَالَ‏:‏ هُوَ مَسْجِدُ الرَّسُولِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الْخَرَّاطُ الْمَدَنِيُّ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ مَرَّ بِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ فَقُلْتُ‏:‏ كَيْفَ سَمِعْتَ أَبَاكَ يَقُولُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى‏؟‏ فَقَالَ لِي‏:‏ ‏[‏قَالَ أَبِي‏]‏ «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فِي بَيْتِ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا»‏.‏ ‏[‏فَقُلْتُ‏]‏‏:‏ هَكَذَا سَمِعْتُ أَبَاكَ يَذْكُرُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، هُوَ مَسْجِدُ النَّبِيِّ الْأَعْظَمُ‏.‏

حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ‏:‏ إِنَّ الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، هُوَ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ الْأَكْبَرُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ دَاوُدَ قَالَ‏:‏ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ الْأَعْظَمُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنِ ابْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ‏:‏ هُوَ مَسْجِدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ‏:‏ أَحْسَبُهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ مَسْجِدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ‏}‏، يَعْنِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ‏:‏ ‏{‏لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ‏}‏، هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ‏:‏ مَسْجِدُ قُبَاءٍ، الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، بَنَاهُ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، مَسْجِدُ قُبَاءٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ‏:‏ الَّذِينَ بُنِيَ فِيهِمُ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ هُوَ مَسْجِدُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِصِحَّةِ الْخَبَرِ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ‏.‏

ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ‏:‏ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَقَالَ ابْنُ وَكِيعٍ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ «اخْتَلَفَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَقَالَ أَحَدُهُمَا‏:‏ هُوَ مَسْجِدُ النَّبِيِّ‏!‏ وَقَالَ الْآخَرُ‏:‏ هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ‏!‏ فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَاهُ، فَقَالَ‏:‏ هُوَ مَسْجِدِي هَذَا» اللَّفْظُ لِحَدِيثِ أَبِي كُرَيْبٍ، وَحَدِيثِ سُفْيَانَ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو نَعِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ‏:‏ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى فَقَالَ‏:‏ مَسْجِدِي هَذَا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ «تَمَارَى رَجُلَانِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، فَقَالَ رَجُلٌ‏:‏ هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ‏!‏ وَقَالَ آخَرُ‏:‏ هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏!‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ‏:‏ هُوَ مَسْجِدِي هَذَا»‏.‏

حَدَّثَنِي بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ الْخَوَلَانِيُّ قَالَ‏:‏ قُرِئَ عَلَى شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ‏:‏ تَمَارَى رَجُلَانِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي سَحْبَلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَمِّي أَنِيسَ بْنَ أَبِي يَحْيَى يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، مَسْجِدِي هَذَا، وَفِي كُلٍّ خَيْر»‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي الْحِمَّانِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنِيسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَنِيسُ بْنُ أَبِي يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ‏:‏ أَنَّ رَجُلًا مِنَ بَنِي خُدْرَةَ

وَرَجُلًا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، امْتَرَيَا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَقَالَ الْخُدْرِيُّ‏:‏ هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ‏:‏ هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ‏.‏ فَأَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَاهُ فَقَالَ‏:‏ هُوَ مَسْجِدِي هَذَا، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏108‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يُنَظِّفُوا مَقَاعِدَهُمْ بِالْمَاءِإِذَا أَتَوُا الْغَائِطَ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ بِالْمَاءِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَ‏:‏ ‏{‏فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا‏}‏، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «مَا الطُّهُورُ الَّذِي أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَغْسِلُ أَثَرَ الْغَائِط»‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَهْلِ قُبَاءٍ‏:‏ ‏"‏إِنِ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمُ الثَّنَاءَ فِي الطُّهُورِ، فَمَا تَصْنَعُونَ‏؟‏ ‏"‏ قَالُوا‏:‏ إِنَّا نَغْسِلُ عَنَّا أَثَرَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا‏}‏، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، مَا هَذَا الطُّهُورُ الَّذِي أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِيهِ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ إِنَّا نَسْتَطِيبُ بِالْمَاءِ إِذَا جِئْنَا مِنَ الْغَائِطِ»‏.‏

حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ الْكُرْدِيِّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ‏:‏ «قَامَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ أَلَا أَخْبِرُونِي، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ بِالطُّهُورِ خَيْرًا‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَجِدُ عِنْدَنَا مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاةِ، الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ»‏.‏

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ‏[‏يَحْيَى بْنُ رَافِعٍ‏]‏، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ سَيَّارًا أَبَا الْحَكَمِ غَيْرَ مَرَّةٍ، يُحَدِّثُ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ‏:‏ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ قُبَاءٍ قَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ بِالطَّهُورِ خَيْرًا يَعْنِي قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا‏}‏، قَالُوا‏:‏ إِنَّا نَجِدُهُ مَكْتُوبًا عِنْدَنَا فِي التَّوْرَاةِ، الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ‏[‏يَحْيَى بْنُ رَافِعٍ‏]‏، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ يَحْيَى‏:‏ وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ أَبِيهِ قَال‏:‏ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ قُبَاءٍ‏:‏ «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطَّهُورِ خَيْرًا‏!‏ قَالُوا‏:‏ إِنَّا نَجِدُهُ مَكْتُوبًا عَلَيْنَا فِي التَّوْرَاةِ، الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ‏.‏ وَفِيهِ نَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا‏}‏»‏.‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ صُبَيْحٍ الْيَشْكَرِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أُوَيْسٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ شُرَحْبِيلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ قُبَاءٍ‏:‏ «إِنِّي أَسْمَعُ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمُ الثَّنَاءَ فِي الطَّهُورِ، فَمَا هَذَا الطَّهُورُ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَعْلَمُ شَيْئًا، إِلَّا أَنَّ جِيرَانًا لَنَا مِنَ الْيَهُودِ رَأَيْنَاهُمْ يَغْسِلُونَ أَدْبَارَهُمْ مِنَ الْغَائِطِ، فَغَسَلْنَا كَمَا غَسَلُوا»‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِمَارَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ خُزَيْمَةَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ‏:‏ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانُوا يَغْسِلُونَ أَدْبَارَهُمْ مِنَ الْغَائِطِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَامِرٍ قَالَ‏:‏ كَانَ نَاسٌ مِنَ أَهْلِ قُبَاءٍ يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ، فَنَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُسْلِمٍ الْقُرِّيِّ قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَصُبُّ عَلَى رَأْسِي‏؟‏- وَهُوَ مُحْرِمٌ- قَالَ‏:‏ أَلَمْ تَسْمَعِ اللَّهَ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ‏}‏‏؟‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ دَاوُدَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا‏}‏، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ قُبَاءٍ‏:‏ مَا هَذَا الَّذِي أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ مَا مَنَّا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَهُوَ يَسْتَنْجِي مِنَ الْخَلَاءِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْمَدَنِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيِّ‏:‏ أَن» رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ‏:‏ مَا هَذَا الَّذِي أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ‏:‏ ‏{‏فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ‏}‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ نُوشِكُ أَنْ نَغْسِلَ الْأَدْبَارَ بِالْمَاءِ‏!‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ‏:‏ بَدْءُ حَدِيثِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَهْلِ قُبَاءٍ‏:‏ ‏{‏فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ‏}‏، فَسَأَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا‏:‏ نَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَصْبُغُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَمَعْنِ بْنِ عَدِيٍّ مِنْ بَنِي الْعِجْلَانِ وَأَبِي الدَّحْدَاحِ فَأَمَّا عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ فَهُوَ الَّذِي بَلَغَنَا أَنَّه قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَنِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ‏:‏ ‏{‏فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ‏}‏‏؟‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «نِعْمَ الرِّجَالُ، مِنْهُمْ عَوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ سَمَّى مِنْهُمْ رَجُلًا غَيْرَ عُوَيْمٍ»‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ‏}‏، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَا هَذَا الَّذِي ذَكَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ فِي أَمْرِ الطَّهُورِ، فَأَثْنَى بِهِ عَلَيْكُمْ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ نَغْسِلُ أَثَرَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ سَيَّارًا أَبَا الْحَكَمِ يُحَدِّثُ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ‏:‏ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَوْ قَالَ‏:‏ قَدِمَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطُّهُورِ خَيْرًا أَفَلَا تُخْبِرُونِي‏؟‏ ‏"‏ قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَجِدُ عَلَيْنَا مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاةِ، الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ قَالَ مَالِكٌ‏:‏ يَعْنِي قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا‏}‏، سَأَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَا طُهُورُكُمْ هَذَا الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ‏؟‏

قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنَّا نَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ لَمْ نَدَعْهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَلَا تَدَعُوهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ كَانَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُوَضِّئُونَ سَفِلَتَهُمْ بِالْمَاءِ، يَدْخُلُونَ النَّخْلَ وَالْمَاءُ يَجْرِي فَيَتَوَضَّئُونَ، فَأَثْنَى اللَّهُ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا‏}‏ الْآيَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ أَحْدَثَ قَوْمٌ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ مِنْ أَهْلِ قُبَاءٍ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ‏:‏ ‏{‏فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ‏}‏‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ‏}‏، وَإِنَّمَا هُوَ‏:‏ ‏"‏الْمُتَطَهِّرِين‏"‏ وَلَكِنْ أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الطَّاءِ، فَجُعِلَتْ طَاءً مُشَدَّدَةً، لَقُرْبِ مَخْرَجِ إِحْدَاهُمَا مِنَ الْأُخْرَى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏109‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ‏}‏‏.‏

فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ‏:‏ ‏{‏أَفَمَنْ أُسِّسَ بُنْيَانُهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمَّنْ أُسِّسَ بُنْيَانُهُ‏}‏، عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ فِي الْحَرْفَيْنِ كِلَيْهِمَا‏.‏

وَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ‏}‏ ‏"‏عَلَى وَصْف‏"‏ مَنْ ‏"‏ بِأَنَّهُ الْفَاعِلُ الَّذِي أَسَّسَ بُنْيَانَهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ‏.‏ غَيْرَ أَنَّ قِرَاءَتَهُ بِتَوْجِيهِ الْفِعْلِ إِلَى ‏"‏مَن‏"‏ إِذْ كَانَ هُوَ الْمُؤَسِّسُ أَعْجَبَ إِلَيَّ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذًا‏:‏ أَيُّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَنَوُا الْمَسَاجِدَ خَيْرٌ، أَيُّهَا النَّاسُ، عِنْدَكُمْ‏:‏ الَّذِينَ ابْتَدَءُوا بِنَاءَ مَسْجِدِهِمْ عَلَى اتِّقَاءِ اللَّهِ، بِطَاعَتِهِمْ فِي بِنَائِهِ، وَأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَرِضًا مِنَ اللَّهِ لِبِنَائِهِمْ مَا بَنَوْهُ مِنْ ذَلِكَ، وَفِعْلِهِمْ مَا فَعَلُوهُ- خَيْرٌ، أَمُ الَّذِينَ ابْتَدَءُوا بِنَاءَ مَسْجِدِهِمْ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ‏؟‏

يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏عَلَى شَفَا جُرُفٍ‏}‏، عَلَى حَرْفِ جُرُفٍ‏.‏

وَ ‏"‏الْجَرْف‏"‏ مِنَ الرَّكَايَا، مَا لَمْ يُبْنَ لَهُ جُولٌ

‏(‏هَارٍ‏)‏، يَعْنِي مُتَهَوِّرٍ‏.‏ وَإِنَّمَا هُوَ ‏"‏هَائِر‏"‏ وَلِكُنْهِ قُلِبَ، فَأُخِّرَتْ يَاؤُهَا فَقِيلَ‏:‏ ‏"‏هَار‏"‏ كَمَا قِيلَ‏:‏ ‏"‏هُوَ شَاكِي السِّلَاح‏"‏ وَ‏"‏ شَائِكٍ ‏"‏وَأَصْلُهُ مِن‏"‏ هَارَ يَهُورُ فَهُوَ هَائِرٌ ‏"‏وَقِيلَ‏:‏ ‏"‏ هُوَ مِنْ هَارَ يَهَارُ ‏"‏إِذَا انْهَدَمَ‏.‏ وَمَنْ جَعَلَهُ مِنْ هَذِهِ اللُّغَةِ قَالَ‏:‏ ‏"‏ هِرْتُ يَا جَرْفُ ‏"‏وَمَنْ جَعَلَه‏"‏ مِنْ هَارَ يَهُورُ ‏"‏قَالَ‏:‏ ‏"‏ هُرْتُ يَا جَرْفُ ‏"‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَإِنَّمَا هَذَا مَثَلٌ‏.‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَيُّ هَذَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ‏؟‏ وَأَيُّ هَذَيْنَ الْبِنَاءَيْنِ أَثْبَتُ‏؟‏ أَمَنِ ابْتَدَأَ أَسَاسَ بِنَائِهِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَعَلِمَ مِنْهُ بِأَنَّ بِنَاءَهُ لِلَّهِ طَاعَةً، وَاللَّهُ بِهِ رَاضٍ، أَمْ مَنِ ابْتَدَأَهُ بِنِفَاقٍ وَضَلَالٍ، وَعَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ مِنْهُ بِصَوَابِ فِعْلِهِ مِنْ خَطَئِهِ، فَهُوَ لَا يَدْرِي مَتَى يَتَبَيَّنُ لَهُ خَطَأُ فِعْلِهِ وَعَظِيمُ ذَنْبِهِ، فَيَهْدِمُهُ، كَمَا يَأْتِي الْبِنَاءُ عَلَى جَرْفِ رَكِيَّةٍ لَا حَابِسَ لِمَاءِ السُّيُولِ عَنْهَا وَلِغَيْرِهِ مِنَ الْمِيَاهِ، ثَرِيَّةِ التُّرَابِ مُتَنَاثِرَةٍ، لَا تُلْبِثُهُ السُّيُولُ أَنْ تَهْدِمَهُ وَتَنْثُرَهُ‏؟‏

يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ‏}‏، يَعْنِي فَانْتَثَرَ الْجَرْفُ الْهَارِي بِبِنَائِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ‏.‏ كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏فَانْهَارَ بِهِ‏}‏، يَعْنِي قَوَاعِدَهُ ‏{‏فِي نَارِ جَهَنَّمَ‏}‏‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَانْهَارَ بِهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَخَرَّ بِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ‏}‏، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ‏}‏،

قَالَ‏:‏ وَاللَّهِ مَا تَنَاهَى أَنْ وَقَعَ فِي النَّارِ‏.‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ تَحَفَّرَتْ بُقْعَةٌ مِنْهَا، فَرُئِيَ مِنْهَا الدُّخَانُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ‏.‏ اسْتَأْذَنُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بُنْيَانِهِ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَفَرَغُوا مِنْهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَصَلُّوا فِيهِ الْجُمُعَةَ وَيَوْمَ السَّبْتِ وَيَوْمَ الْأَحَدِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَانْهَارَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَكَانَ قَدِ اسْتَنْظَرَهُمْ ثَلَاثًا، السَّبْتَ وَالْأَحَدَ وَالِاثْنَيْنَ ‏{‏فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ‏}‏، مَسْجِدُ الْمُنَافِقِينَ، انْهَارَ فَلَمْ يَتَنَاهَ دُونَ أَنْ وَقَعَ فِي النَّارِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رِجَالًا حَفَرُوا فِيهِ، فَأَبْصَرُوا الدُّخَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الدَّانَاجِ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ جَابِرٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا‏}‏، قَالَ‏:‏ رَأَيْتُ الْمَسْجِدَ الَّذِي بُنِيَ ضِرَارًا يَخْرُجُ مِنْهُ الدُّخَانُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الدَّانَاجِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي طَلْقٌ الْعَنَزِيُّ،

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ رَأَيْتُ الدُّخَانَ يُخْرِجُ مِنْ مَسْجِدِ الضِّرَارِ‏.‏

حَدَّثَنِي سَلَامُ بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ يَاسِينَ الْكُوفِيُّ قَالَ‏:‏ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يَعْنِي‏:‏ زَمَانَ بَنِي أُمَيَّةَ فَمَرَرْنَا بِالْمَدِينَةِ، فَرَأَيْتُ مَسْجِدَ الْقِبْلَتَيْنِ يَعْنِي مَسْجِدَ الرَّسُولِ وَفِيهِ قِبْلَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَلَمَّا كَانَ زَمَانُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالُوا‏:‏ يَدْخُلُ الْجَاهِلُ فَلَا يَعْرِفُ الْقِبْلَةَ‏!‏ فَهَذَا الْبِنَاءُ الَّذِي تَرَوْنَ، جَرَى عَلَى يَدِ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَلِيٍّ‏.‏ وَرَأَيْتُ مَسْجِدَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ، وَفِيهِ حَجَرٌ يَخْرُجُ مِنْهُ الدُّخَانُ، وَهُوَ الْيَوْمَ مَزْبَلَةٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَاللَّهُ لَا يُوَفِّقُ لِلرَّشَادِ فِي أَفْعَالِهِ، مَنْ كَانَ بَانِيًا بِنَاءَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَمَوْضِعِهِ، وَمَنْ كَانَ مُنَافِقًا مُخَالِفًا بِفِعْلِهِ أَمْرَ اللَّهِ وَأَمْرَ رَسُولِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏110‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ لَا يَزَالُ بُنْيَانُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا ‏(‏رِيبَةً‏)‏، يَقُولُ‏:‏ لَا يَزَالُ مَسْجِدُهُمُ الَّذِي بَنَوْهُ ‏{‏رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ شَكًّا وَنِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ، يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي بِنَائِهِ مُحْسِنِينَ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ إِلَّا أَنْ تَتَصَدَّعَ قُلُوبُهُمْ فَيَمُوتُوا ‏(‏وَاللَّهُ عَلِيمٌ‏)‏، بِمَا عَلَيْهِ هَؤُلَاءِالْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ بَنَوْا مَسْجِدَ الضِّرَارِ، مِنْ شَكِّهِمْ فِي دِينِهِمْ، وَمَا قَصَدُوا فِي بِنَائِهُمُوهُ وَأَرَادُوهُ، وَمَا إِلَيْهِ صَائِرٌ أَمْرُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَفِي الْحَيَاةِ مَا عَاشُوا، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ وَأَمْرِ غَيْرِهِمْ ‏(‏حَكِيمٌ‏)‏، فِي تَدْبِيرِهِ إِيَّاهُمْ، وَتَدْبِيرِ جَمِيعِ خَلْقِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ‏}‏، يَعْنِي شَكًّا ‏{‏إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ‏}‏، يَعْنِي الْمَوْتَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ شَكًّا فِي قُلُوبِهِمْ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ‏}‏، إِلَّا أَنْ يَمُوتُوا‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ حَتَّى يَمُوتُوا‏.‏

حَدَّثَنِي مَطَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الضَّبِّيِّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحُكْمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِلَّا أَنْ يَمُوتُوا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَمُوتُوا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَمُوتُوا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ‏}‏، قَالَا شَكًّا فِي قُلُوبِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الرَّازِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو سِنَانٍ عَنْ حَبِيبٍ‏:‏ ‏{‏لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ غَيْظًا فِي قُلُوبِهِمْ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَمُوتُوا‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الرَّازِيُّ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ حَبِيبٍ‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ‏}‏‏:‏ إِلَّا أَنْ يَمُوتُوا‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ كُفْرٌ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ أَكَفَرَ مُجَمَّعُ بْنُ جَارِيَةَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا وَلَكِنَّهَا حَزَازَةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ حَزَّازَةٌ فِي قُلُوبِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ‏}‏، لَا يَزَالُ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ رَاضِينَ بِمَا صَنَعُوا، كَمَا حُبِّبَ الْعِجْلُ فِي قُلُوبِ أَصْحَابِ مُوسَى‏.‏ وَقَرَأَ‏:‏ ‏{‏وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ الْبَقَرَةِ‏:‏ 93‏]‏ قَالَ‏:‏ حُبَّهُ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا يَزَالُ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ حَتَّى يَمُوتُوا يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏{‏رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ‏}‏، قَالَ شَكًّا‏.‏ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ يَا أَبَا عِمْرَانَ تَقُولُ هَذَا وَقَدْ قَرَأْتَ الْقُرْآنَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ إِنَّمَا هِيَ حَزَازَةٌ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ‏}‏‏.‏

فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قَرَأَةِ الْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ‏:‏ ‏"‏إِلَّا أَنْ تُقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ‏"‏، بِضَمِّ التَّاءِ مِن‏"‏ تُقَطَّعَ ‏"‏ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَبِمَعْنَى‏:‏ إِلَّا أَنْ يُقَطِّعَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قَرَأَةِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ‏}‏، بِفَتْحِ التَّاءِ مَنْ ‏"‏تَقَطَّع‏"‏ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ لِلْقُلُوبِ‏.‏ بِمَعْنَى‏:‏ إِلَّا أَنْ تَتَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ، ثُمَّ حُذِفَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ‏.‏

وَذُكِرَ أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَقْرَأُ‏:‏ ‏"‏إِلَى أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُم‏"‏ بِمَعْنَى‏:‏ حَتَّى تَتَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ‏.‏

وَذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ ‏"‏ وَلَوْ قُطِّعَتْ قُلُوبُهُمْ ‏"‏، وَعَلَى الِاعْتِبَارِ بِذَلِكَ

قَرَأَ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ‏:‏ ‏"‏ إِلَّا أَنْ تُقَطَّعَ ‏"‏، بِضَمِّ التَّاءِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالْقَوْلُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّ الْفَتْحَ فِي التَّاءِ وَالضَّمَّ مُتَقَارِبَا الْمَعْنَى، لِأَنَّ الْقُلُوبَ لَا تَتَقَطَّعُ إِذَا تَقَطَّعَتْ، إِلَّا بِتَقْطِيعِ اللَّهِ إِيَّاهَا، وَلَا يَقْطَعُهَا اللَّهُ إِلَّا وَهِيَ مُتَقَطِّعَةٌ‏.‏ وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْقَرَأَةِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِي قِرَاءَتِهِ‏.‏

وَأَمَّا قِرَاءَةُ ذَلِكَ‏:‏ ‏"‏ إِلَى أَنْ تَقَطَّعَ ‏"‏، فَقِرَاءَةٌ لِمَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ مُخَالِفَةٌ، وَلَا أَرَى الْقِرَاءَةَ بِخِلَافِ مَا فِي مَصَاحِفِهِمْ جَائِزَةً‏.‏