فصل: تفسير الآية رقم (38)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَحَلَفَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ حَلِفَهُمْ، لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَكَذَبُوا وَأَبْطَلُوا فِي أَيْمَانِهِمُ الَّتِي حَلَفُوا بِهَا كَذَلِكَ، بَلْ سَيَبْعَثُهُ اللَّهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَعَدًا عَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَهُمْ وَعَدَ عِبَادَهُ، وَاللَّهِ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ‏{‏وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ قُرَيْشٍ لَا يَعْلَمُونَ وَعْدَ اللَّهِ عِبَادَهُ، أَنَّهُ بَاعِثُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ أَحْيَاءً‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ‏}‏ تَكْذِيبًا بِأَمْرِ اللَّه أَوْ بِأَمْرِنَا، فَإِنَّ النَّاسَ صَارُوا فِي الْبَعْثِ فَرِيقَيْنِ‏:‏ مُكَذِّبٌ وَمُصَدِّقٌ، ذُكِّرَ لَنَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ إِنَّ نَاسًا بِهَذَا الْعِرَاقِ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا مَبْعُوثٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ كَذَبَ أُولَئِكَ، إِنَّمَا هَذِهِ الْآيَةُ لِلنَّاسِ عَامَّةً، وَلَعَمْرِي لَوْ كَانَ عَلِيٌّ مَبْعُوثًا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا أَنْكَحْنَا نِسَاءَهُ، وَلَا قَسَّمْنَا مِيرَاثَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ إِنَّ رِجَالًا يَقُولُونَ‏:‏ إِنَّ عَلِيًّا مَبْعُوثٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيَتَأَوَّلُونَ ‏{‏وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّ عَلِيًّا مَبْعُوثٌ، مَا تَزَوَّجْنَا نِسَاءَهُ وَلَا قَسَّمْنَا مِيرَاثَهُ، وَلَكِنَّ هَذِهِ لِلنَّاسِ عَامَّةً‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ‏}‏ قَالَ‏:‏ حَلَفَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ، فَقَالَ‏:‏ وَالَّذِي يُرْسِلُ الرُّوحَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ، فَقَالَ‏:‏ وَإِنَّكَ لِتَزْعُمُ أَنَّكَ مَبْعُوثٌ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ، وَأَقْسَمَ بِاللَّهِ جَهْدَ يَمِينِهِ‏:‏ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ‏:‏ كَانَ لِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ دَيْنٌ، فَأَتَاهُ يَتَقَاضَاهُ، فَكَانَ فِيمَا تَكَلَّمَ بِهِ‏:‏ وَالَّذِي أَرْجُوهُ بَعْدَ الْمَوْتِ إِنَّهُ لِكَذَا، فَقَالَ الْمُشْرِكُ‏:‏ إِنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ تُبْعَثُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَأَقْسَمَ بِاللَّهِ جَهْدَ يَمِينِهِ‏:‏ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ ‏{‏وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ «سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏قَالَ اللَّهُ‏:‏ سَبَّنِي ابْنُ آدَمَ، وَلَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسُبَّنِي، وَكَذَّبَنِي وَلَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكَذِّبَنِي فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ، فَقَالَ ‏{‏وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ‏}‏ قَالَ‏:‏ قُلْتُ ‏{‏بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا‏}‏ وَأَمَّا سَبُّهُ إِيَّايَ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ‏}‏ وَقُلْتُ ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ‏}‏»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏39‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ بَلَى لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ وَعَدَا عَلَيْهِ حَقًّا، لِيُبَيِّنَ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَبْعَثُ مَنْ يَمُوتُ، وَلِغَيْرِهِمُ الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنْ إِحْيَاءِ اللَّهِ خَلَقِهِ بَعْدَ فَنَائِهِمْ، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ جَحَدُوا صِحَّةَ ذَلِكَ، وَأَنْكَرُوا حَقِيقَتَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ فِي قِيلِهِمْ‏:‏ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ لِلنَّاسِ عَامَّةً‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏40- 41‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّا إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَبْعَثَ مَنْ يَمُوتُ فَلَا تَعَبَ عَلَيْنَا وَلَا نَصَبَ فِي إِحْيَائِنَاهُمْ، وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا نَخْلُقُ وَنُكَوِّنُ وَنُحْدِثُ، لِأَنَّا إِذَا أَرَدْنَا خَلْقَهُ وَإِنْشَاءَهُ، فَإِنَّمَا نَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، لَا مُعَانَاةَ فِيهِ، وَلَا كُلْفَةَ عَلَيْنَا‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ يَكُونُ، فَقَرَأَهُ أَكْثَرُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَعَلَى أَنَّ قَوْلَهُ ‏{‏إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ‏}‏ كَلَامٌ تَامٌّ مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ عَمَّا بَعْدَهُ، ثُمَّ يُبْتَدَأُ فَيُقَالُ‏:‏ فَيَكُونُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

يُرِيدُ أَنْ يُعْرِّبَهُ فَيُعْجِمُهْ ***

وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الشَّامِ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ ‏(‏فَيَكُونَ‏)‏ نَصْبًا، عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ ‏{‏أَنْ نَقُولَ لَهُ‏}‏ وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ‏:‏ مَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ إِلَّا أَنْ نَقُولَ لَهُ‏:‏ كُنْ، فَيَكُونُ‏.‏ وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا‏:‏ أُرِيدُ أَنْ آتِيَكَ فَيَمْنَعُنِي الْمَطَرُ، عَطْفًا بِيَمْنَعُنِي عَلَى آتِيكَ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَالَّذِينَ فَارَقُوا قَوْمَهُمْ وَدُورَهُمْ وَأَوْطَانَهُمْ عَدَاوَةً لَهُمْ فِي اللَّهِ عَلَى كُفْرِهِمْ إِلَى آخَرِينَ غَيْرِهِمْ ‏{‏مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مِنْ بَعْدِ مَا نِيلَ مِنْهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ بِالْمَكَارِهِ فِي ذَاتِ اللَّهِ ‏{‏لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لِنُسْكِنَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا مَسْكَنًا يَرْضَوْنَهُ صَالِحًا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ظَلَمَهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ، فَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ حَتَّى لَحِقَ طَوَائِفُ مِنْهُمْ بِالْحَبَشَةِ، ثُمَّ بَوَّأَهُمُ اللَّهُ الْمَدِينَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَجَعَلَهَا لَهُمْ دَارَ هِجْرَةٍ، وَجَعَلَ لَهُمْ أَنْصَارًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ‏:‏ ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ‏{‏لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَدِينَةَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، قَالَ‏:‏ ثني عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ هُمْ قَوْمٌ هَاجَرُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بَعْدَ ظُلْمِهِمْ، وَظَلَمَهُم الْمُشْرِكُونَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ عَنَى بِقَوْلِهِ ‏{‏لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً‏}‏ لَنَرْزُقَهُمْ فِي الدُّنْيَا رِزْقًا حَسَنًا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏(‏لَنُبَوِّئَنَّهُمْ‏)‏ لِنَرْزُقُنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا رِزْقًا حَسَنًا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا هُشَيْمٌ، عَنِالْعَوَّامِ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا أَعْطَى الرَّجُلَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ عَطَاءَهُ يَقُولَُ‏:‏ خُذْ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهِ، هَذَا مَا وَعَدَكَ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا، وَمَا ذَخَرَهُ لَكَ فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلُ‏.‏ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ‏{‏لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ مَعْنَى ‏(‏لَنُبَوِّئَنَّهُمْ‏)‏‏:‏ لَِنُحِلَّنَّهُمْ وَلِنُسْكِنَنَّهُمْ، لِأَنَّ التَّبَوُّءُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْحُلُولُ بِالْمَكَانِ وَالنُّـزُولُ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ‏}‏ وَقِيلَ‏:‏ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَـزَلَتْ فِي أَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ‏:‏ نَـزَلَتْ ‏{‏وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِلَى قَوْلِهِ ‏{‏وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ‏}‏ فِي أَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَثَوَابُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَلَى هِجْرَتِهِمْ فِيهِ فِي الْآخِرَةِ أَكْبَرُ، لِأَنَّ ثَوَابَهُ إِيَّاهُمْ هُنَالِكَ الْجَنَّةُ الَّتِي يَدُومُ نَعِيمُهَا وَلَا يَبِيدُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ اللَّهُ ‏{‏وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ‏}‏ إِي وَاللَّهِ لَمَا يُثِيبُهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ جَنَّتِهِ أَكْبَرُ ‏{‏لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْنَا صِفَتَهُمْ، وَآتَيْنَاهُمُ الثَّوَابَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، الَّذِينَ صَبَرُوا فِي اللَّهِ عَلَى مَا نَابَهُمْ فِي الدُّنْيَا ‏{‏وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَبِاللَّهِ يَثِقُونَ فِي أُمُورِهِمْ، وَإِلَيْهِ يَسْتَنِدُونَ فِي نَوَائِبَ الْأُمُورِ الَّتِي تَنُوبُهُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏43‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ يَا مُحَمَّدُ إِلَى أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ، لِلدُّعَاءِ إِلَى تَوْحِيدِنَا، وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِنَا وَنَهْيِنَا، إِلَّا رِجَالًا مِنْ بَنِي آدَمَ نُوحِي إِلَيْهِمْ وَحْيَنَا لَا مَلَائِكَةً، يَقُولُ‏:‏ فَلَمْ نُرْسِلْ إِلَى قَوْمِكَ إِلَّا مِثْلَ الَّذِي كُنَّا نُرْسِلُ إِلَى مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ مِنْ جِنْسِهِمْ وَعَلَى مِنْهَاجِهِمْ ‏{‏فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ‏}‏ يَقُولُ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ‏:‏ وَإِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ كُنَّا نُرْسِلُ إِلَى مَنْ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ رِجَالٌ مِنْ بَنِي آدَمَ مِثْلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُلْتُمْ‏:‏ هُمْ مَلَائِكَةٌ‏:‏ أَيْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ كَلَّمَهُمْ قَبْلًا فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ، وَهُمُ الَّذِينَ قَدْ قَرَءُوا الْكُتُبَ مِنْ قَبْلِهِمُ‏:‏ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الَّتِي أَنْـزَلَهَا عَلَى عِبَادِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَهْلُ التَّوْرَاةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا الْمُحَارِبِي، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ الْأَعْمَشَ، عَنْ قَوْلِهِ ‏{‏فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ‏}‏ قَالَ‏:‏ سَمِعْنَا أَنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ‏.‏حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ‏:‏ إِنَّ مُحَمَّدًا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ لِمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا رَسُولًا أَنْكَرَتِ الْعَرَبُ ذَلِكَ، أَوْ مَنْ أَنْكَرَ مِنْهُمْ، وَقَالُوا‏:‏ اللَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَسُولُهُ بَشَرًا مِثْلَ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ ‏{‏أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ‏}‏ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ‏:‏ يَعْنِي أَهْلَ الْكُتُبِ الْمَاضِيَةِ، أَبْشَرًا كَانَتِ الرُّسُلُ الَّتِي أَتَتْكُمْ أَمْ مَلَائِكَةً‏؟‏ فَإِنْ كَانُوا مَلَائِكَةً أَنْكَرْتُمْ، وَإِنْ كَانُوا بَشَرًا فَلَا تُنْكِرُوا أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ رَسُولًا قَالَ‏:‏ ثُمَّ قَالَ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى‏}‏ أَيْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا قُلْتُمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ‏{‏فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَحْنُ أَهْلُ الذِّكْرِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الذَّكَرُ‏:‏ الْقُرْآنُ، وَقَرَأَ ‏{‏إِنَّا نَحْنُ نُـزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ‏}‏ وَقَرَأَ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ الْآيَةَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏44‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُـزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَرْسَلْنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَكَيْفَ قِيلَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ، وَمَا الْجَالِبُ لِهَذِهِ الْبَاءِ فِي قَوْلِهِ ‏(‏بِالْبَيِّنَاتِ‏)‏ فَإِنْ قَلْتَ‏:‏ جَالِبُهَا قَوْلُهُ ‏(‏أَرْسَلْنَا‏)‏ وَهِيَ مِنْ صِلَتِهِ، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صِلَةُ ‏"‏مَا‏"‏ قَبْلَ ‏"‏إِلَّا‏"‏ بَعْدَهَا‏؟‏ وَإِنْ قُلْتَ‏:‏ جَالِبُهَا غَيْرُ ذَلِكَ، فَمَا هُوَ‏؟‏ وَأَيْنَ الْفِعْلُ الَّذِي جَلَبَهَا، قِيلَ‏:‏ قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ الْبَاءُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ ‏(‏بِالْبَيِّنَاتِ‏)‏ مِنْ صِلَةِ أَرْسَلْنَا، وَقَالَ‏:‏ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَمَعَ الْجَحْدِ وَالِاسْتِفْهَامِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِمَعْنَى غَيْرِ، وَقَالَ‏:‏ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ غَيْرَ رِجَالٍ نُوحِي إِلَيْهِمْ، وَيَقُولُ عَلَى ذَلِكَ‏:‏ مَا ضَرَبَ إِلَّا أَخُوكَ زَيْدًا، وَهَلْ كَلَّمَ إِلَّا أَخُوكَ عَمْرًا، بِمَعْنَى‏:‏ مَا ضَرَبَ زَيْدًا غَيْرُ أَخِيكَ، وَهَلْ كَلَّمَ عَمْرًا إِلَّا أَخُوكَ‏؟‏ وَيُحْتَجُّ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ أَوْسِ بْنِ حُجْرٍ‏:‏

أَبَنِـيَّ لُبَيْنَـى لَسْـتُمُ بِيَـدٍ *** إِلَّا يَـدٍ لَيْسَـتْ لَهَـا عَضُـدُ

وَيَقُولُ‏:‏ لَوْ كَانَتْ ‏"‏إِلَّا‏"‏ بِغَيْرِ مَعْنًى لَفَسَدَ الْكَلَامُ، لَأَنَّ الَّذِي خَفَضَ الْبَاءَ قَبْلَ إِلَّا لَا يَقْدِرُ عَلَى إِعَادَتِهِ بَعْدَ إِلَّا لِخَفْضِ الْيَدِ الثَّانِيَةِ، وَلَكِنَّ مَعْنَى إِلَّا مَعْنَى غَيْرِ، وَيُسْتَشْهَدُ أَيْضًا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ‏}‏ وَيَقُولُ‏:‏ إِلَّا بِمَعْنَى غَيْرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَكَانَ غَيْرُهُ يَقُولُ‏:‏ إِنَّمَا هَذَا عَلَى كَلَامَيْنِ، يُرِيدُ‏:‏ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا أَرْسَلْنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ، قَالَ‏:‏ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ‏:‏ مَا ضَرَبَ إِلَّا أَخُوكَ زَيْدًا مَعْنَاهُ‏:‏ مَا ضَرَبَ إِلَّا أَخُوكَ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ ضَرَبَ زَيْدًا، وَكَذَلِكَ مَا مَرَّ إِلَّا أَخُوكَ بِزَيْدٍ مَا مَرَّ إِلَّا أَخُوكَ، ثُمَّ يَقُولُ‏:‏ مَرَّ بِزَيْدٍ، وَيَسْتَشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ بِبَيْتِ الْأَعْشَى‏:‏

وَلَيْسَ مُجِـيرًا إِنْ أتَـى الْحَـيَّ خَائِفُ *** وَلَا قَـائِلًا إِلَّا هُـوَ الْمُتَعَيَّبَـا

وَيَقُولُ‏:‏ لَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى كَلِمَةٍ لَكَانَ خَطَأً، لَأَنَّ الْمُتَعَيَّبَا مِنْ صِلَةِ الْقَائِلِ، وَلَكِنْ جَازَ ذَلِكَ عَلَى كَلَامَيْنِ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْآخَرِ‏:‏

نُبِّئْـتُهُمْ عَذَّبُـوا بالنَّـارِ جـارَهُمُ *** وَهَـلْ يُعَـذِّبُ إِلَّا اللَّـهُ بالنَّـارِ

فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ‏:‏ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ أَرْسَلْنَاهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ، وَأَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ‏.‏ وَالْبَيِّنَاتِ‏:‏ هِيَ الْأَدِلَّةُ وَالْحُجَجُ الَّتِي أَعْطَاهَا اللَّهُ رُسُلَهُ أَدِلَّةً عَلَى نُبُوَّتِهِمْ شَاهِدَةً لَهُمْ عَلَى حَقِيقَةِ مَا أَتَوْا بِهِ إِلَيْهِمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏.‏ وَالزُّبُرُ‏:‏ هِيَ الْكُتُبُ، وَهِيَ جَمْعُ زَبُورٌ، مِنْ زَبَرْتُ الْكِتَابَ وَذَبَرْتُهُ‏:‏ إِذَا كَتَبْتُهُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، قَالَ‏:‏ ثني عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الزُّبُرُ‏:‏ الْكُتُبُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْآيَاتُ‏.‏ وَالزُّبُرُ‏:‏ الْكُتُبُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ الزُّبُرُ‏:‏ الْكُتُبُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ‏(‏بِالزُّبُرِ‏)‏ يَعْنِي‏:‏ بِالْكُتُبِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَأَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا الْقُرْآنَ تَذْكِيرًا لِلنَّاسِ وَعِظَةً لَهُمْ، ‏{‏لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لِتُعَرِّفَهُمْ مَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ ‏{‏وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلِيَتَذَكَّرُوا فِيهِ وَيَعْتَبِرُوا بِهِ أَيْ بِمَا أَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ، وَقَدْ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ ثنا الثَّوْرِيُّ، قَالَ‏:‏ قَالَ مُجَاهِدٌ ‏{‏وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يُطِيعُونَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَأَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَامُوا أَنْ يَفْتِنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ الَّذِينَ قَالُوا‏:‏ إِذْ قِيلَ لَهُمْ‏:‏ مَاذَا أَنْـزَلَ رَبُّكُمْ‏:‏ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، صَدًّا مِنْهُمْ لِمَنْ أَرَادَ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ عَلَى كُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ، أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ اللَّهِ مِنْ مَكَانٍ لَا يَشْعُرُ بِهِ، وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيْنَ يَأْتِيهِ، وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ‏:‏ عَنَى بِذَلِكَ نَمْرُودَ بْنَ كَنْعَانَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِلَى قَوْلِهِ ‏{‏أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ نَمْرُودُ بْنُ كَنْعَانَ وَقَوْمُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي قُلْنَاهُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَهْدِيدٌ مِنَ اللَّهِ أَهْلَ الشِّرْكِ بِهِ، وَهُوَ عَقِيبُ قَوْلِهِ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‏}‏ فَكَانَ تَهْدِيدُ مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِحُجَّةِ اللَّهِ الَّذِي جَرَى الْكَلَامُ بِخِطَابِهِ قَبْلَ ذَلِكَ أَحْرَى مِنَ الْخَبَرِ عَمَّنِ انْقَطَعَ ذِكْرُهُ عَنْهُ‏.‏

وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي مَعْنَى السَّيِّئَاتِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، مَا حَدَّثَنَا بِهِ بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ‏}‏‏:‏ أَيِ الشِّرْكَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏46- 47‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ‏}‏‏.‏

يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ ‏{‏أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ‏}‏ أَوْ يُهْلِكَهُمْ فِي تَصَرُّفِهِمْ فِي الْبِلَادِ، وَتَرَدُّدِهِمْ فِي أَسْفَارِهِمْ ‏{‏فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ‏}‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ فَإِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ أَرَادَ أَخْذَهُمْ كَذَلِكَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى وَعَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَا ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِنْ شِئْتُ أَخَذْتُهُ فِي سَفَرٍ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ‏}‏ فِي أَسْفَارِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏{‏أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ التَّقَلُّبُ‏:‏ أَنْ يَأْخُذَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ ‏{‏أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ‏}‏ فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ أَوْ يُهْلِكَهُمْ بِتَخَوُّفٍ، وَذَلِكَ بِنَقْصٍ مِنْ أَطْرَافِهِمْ وَنَوَاحِيهِمُ الشَّيْءَ بَعْدَ الشَّيْءِ حَتَّى يُهْلِكَ جَمِيعَهُمْ، يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ تَخَوَّفَ مَالَ فُلَانٍ الْإِنْفَاقُ‏:‏ إِذَا انْتَقَصَهُ، وَنَحْوَ تَخَوُّفِهِ مِنَ التَّخَوُّفِ بِمَعْنَى التَّنَقُّصِ، قَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

تَخَـوَّفَ السَّـيْرُ مِنْهَـا تَامِكًـا قَـرِدًا *** كَمَـا تَخَـوَّفَ عُـودُ النَّبْعَـةِ السَّـفَنُ

يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَخَوَّفَ السَّيْرُ‏:‏ تَنَقَّصَ سَنَامَهَا‏.‏ وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ هِيَ لُغَةٌ لِأَزْدِ شَنُوءَةَ مَعْرُوفَةٌ لَهُمْ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ‏:‏

تَخَـوَّفَ عَـدْوُهُمْ مَـالِي وَأَهْـدَى *** سَلَاسِـلَ فِـي الْحُـلُوقِ لَهَـا صَلِيـلُ

وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ‏:‏ الْعَرَبُ تَقُولُ‏:‏ تَحَوَّفْتُهُ‏:‏ أَيْ تَنَقَّصْتُهُ، تَحَوُّفًا‏:‏ أَيْ أَخَذْتُهُ مِنْ حَافَّاتِهِ وَأَطْرَافِهِ، قَالَ‏:‏ فَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُهُ، وَقَدْ أَتَى التَّفْسِيرُ بِالْحَاءِ وَهُمَا بِمَعْنًى‏.‏ قَالَ‏:‏ وَمِثْلُهُ مَا قُرِئَ بِوَجْهَيْنِ قَوْلُهُ‏:‏ إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا وَسَبْخًا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبِي، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَهُمْ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ‏}‏ فَقَالُوا‏:‏ مَا نَرَى إِلَّا أَنَّهُ عِنْدَ تَنَقُّصٍ مَا يُرَدِّدُهُ مِنَ الْآيَاتِ، فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ مَا أَرَى إِلَّا أَنَّهُ عَلَى مَا تَنْتَقِصُونَ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ، قَالَ‏:‏ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ عِنْدَ عُمَرَ، فَلَقِيَ أَعْرَابِيًّا، فَقَالَ‏:‏ يَا فُلَانُ مَا فَعَلَ رَبُّكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ قَدْ تَخَيَّفْتُهُ، يَعْنِي تَنَقَّصْتُهُ، قَالَ‏:‏ فَرَجَعَ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ‏:‏ قَدَّرَ اللَّهُ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، قَالَ‏:‏ ثني عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنْ شِئْتُ أَخَذْتُهُ عَلَى أَثَرِ مَوْتِ صَاحِبِهِ وَتَخَوُّفٍ بِذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏عَلَى تَخَوُّفٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ التَّنَقُّصُ، وَالتَّفْزِيعُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ‏}‏ عَلَى تَنَقُّصٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏عَلَى تَخَوُّفٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ تَنَقُّصٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ‏}‏ فَيُعَاقِبُ أَوْ يَتَجَاوَزُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ يُقَالُ‏:‏ التَّخَوُّفُ‏:‏ التَّنَقُّصُ، يَنْتَقِصُهُمْ مِنَ الْبُلْدَانِ مِنَ الْأَطْرَافِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ يَأْخُذُ الْعَذَابُ طَائِفَةً وَيَتْرُكُ أُخْرَى، وَيُعَذِّبُ الْقَرْيَةَ وَيُهْلِكُهَا، وَيَتْرُكُ أُخْرَى إِلَى جَنْبِهَا‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَإِنَّ رَبَّكُمْ إِنْ لَمْ يَأْخُذَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ بِعَذَابٍ مُعَجَّلٍ لَهُمْ، وَأَخْذَهُمْ بِمَوْتٍ وَتَنَقُّصِ بَعْضِهِمْ فِي أَثَرِ بَعْضٍ، لَرَءُوفٌ بِخَلْقِهِ، رَحِيمٌ بِهِمْ، وَمِنْ رَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ بِهِمْ لَمْ يَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ، وَلَمْ يُعَجِّلْ لَهُمُ الْعَذَابَ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُهُمْ وَيُنَقِّصُهُمْ بِمَوْتٍ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ‏}‏‏.‏

اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ ‏(‏أَوَلَمْ يَرَوْا‏)‏ بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ عَنِ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ ‏"‏أَوَلَمْ تَرَوْا‏"‏ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ‏.‏

وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنِ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ، لِأَنَّ ذَلِكَ فِي سِيَاقِ قَصَصِهِمْ، وَالْخَبَرِ عَنْهُمْ، ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ الْخَبَرَ عَنْ ذَهَابِهِمْ عَنْ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَتَرْكِهِمُ النَّظَرَ فِي أَدِلَّتِهِ وَالِاعْتِبَارِ بِهَا، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ‏:‏ أَوْ لَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ، إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ جِسْمٍ قَائِمٍ، شَجَرٍ أَوْ جَبَلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ، يَقُولُ‏:‏ يَرْجِعُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ، فَهُوَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ عَلَى حَالٍ، ثُمَّ يَتَقَلَّصُ، ثُمَّ يَعُودُ إِلَى حَالٍ أُخْرَى فِي آخِرِ النَّهَارِ‏.‏

وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ يَقُولُونَ فِي الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ مَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ‏}‏ أَمَّا الْيَمِينُ‏:‏ فَأَوَّلُ النَّهَارِ، وَأَمَّا الشِّمَالُ‏:‏ فَآخِرُ النَّهَارِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏{‏يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْغُدُوُّ وَالْآصَالُ، إِذَا فَاءَتِ الظِّلَالُ، ظِلَالُ كُلِّ شَيْءٍ بِالْغُدُوِّ سَجَدَتْ لِلَّهِ، وَإِذَا فَاءَتْ بِالْعَشِيِّ سَجَدَتْ لِلَّهِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، تَسْجُدُ الظِّلَالُ لِلَّهِ غُدْوَةً إِلَى أَنْ يَفِئَ الظِّلُّ، ثُمَّ تَسْجُدُ لِلَّهِ إِلَى اللَّيْلِ، يَعْنِي‏:‏ ظِلَّ كُلِّ شَيْءٍ‏.‏

وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُهُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ‏}‏ مَا حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ تَتَمَيَّلُ‏.‏

وَاخْتَلَفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ‏{‏سُجَّدًا لِلَّهِ‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ سُجُودُهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ سُجُودُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ الرَّازِّيُّ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ ‏{‏يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ سَجَدَ ظَلُّ الْمُؤْمِنِ طَوْعًا، وَظِلُّ الْكَافِرِ كَرْهًا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عَنَى بِقَوْلِهِ ‏{‏يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ‏}‏ كُلًّا عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ فِي حَالِ سُجُودِهَا، قَالُوا‏:‏ وَسُجُودُ الْأَشْيَاءِ غَيْرُ ظِلَالِهَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ وَحَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوَدِيُّ، قَالَا ثنا حَكَّامُ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ ثَابِتٍ عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ ‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِذَا فَاءَ الْفَيْءُ تُوَجَّهَ كُلُّ شَيْءٍ سَاجِدًا قِبَلَ الْقِبْلَةِ، مِنْ نَبْتٍ أَوْ شَجَرٍ، قَالَ‏:‏ فَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ الصَّلَاةَ عِنْدَ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الْحُمَّانِيُّ، قَالَ‏:‏ ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، قَالَ‏:‏ ثنا شَرِيكٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ ‏{‏يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ سَجَدَ كُلُّ شَيْءٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلِ الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ بِالسُّجُودِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ظِلَالُ الْأَشْيَاءِ، فَإِنَّمَا يَسْجُدُ ظِلَالُهَا دُونَ الَّتِي لَهَا الظِّلَالُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ ‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ سُجُودُ الظِّلَالِ، ظِلَالُ كُلِّ شَيْءٍ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ، قَالَ‏:‏ سُجُودُ ظِلَالِ الدَّوَابِّ، وَظِلَالِ كُلِّ شَيْءٍ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، قَالَ‏:‏ ثني عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ‏}‏ مَا خَلَقَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عَنْ يَمِينِهِ وَشَمَائِلِهِ، فَلَفَظَ مَا لَفَظَ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ، قَالَ‏:‏ أَلَمْ تَرَ أَنَّكَ إِذَا صَلَّيْتَ الْفَجْرَ، كَانَ مَا بَيْنَ مَطْلَعِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا ظِلًّا ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ الشَّمْسَ دَلِيلًا وَقَبَضَ اللَّهُ الظِّلَّ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ ظِلَالَ الْأَشْيَاءِ هِيَ الَّتِي تَسْجُدُ، وَسُجُودُهَا‏:‏ مَيَلَانُهَا وَدَوَرَانُهَا مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِب، وَنَاحِيَةٍ إِلَى نَاحِيَةٍ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُقَالُ مِنْ ذَلِكَ‏:‏ سَجَدَتِ النَّخْلَةُ إِذَا مَالَتْ، وَسَجَدَ الْبَعِيرُ وَأَسْجَدَ‏:‏ إِذَا أَمِيلَ لِلرُّكُوبِ‏.‏ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى السُّجُودِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَهُمْ دَاخِرُونَ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ وَهُمْ صَاغِرُونَ، يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ دَخَرَ فُلَانٌ لِلَّهِ يَدْخَرُ دَخْرًا وَدُخُورًا‏:‏ إِذَا ذَلَّ لَهُ وَخَضَعَ وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ‏:‏

فَلَـمْ يَبْـقَ إِلَّا داخِـرٌ فِـي مُخَـيِّسٍ *** ومُنْجَحِـرٌ فِـي غَيْرِ أَرْضِكَ فِي جُحْرِ

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَهُمْ دَاخِرُونَ‏}‏ صَاغِرُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَهُمْ دَاخِرُونَ‏}‏‏:‏ أَيْ صَاغِرُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ‏.‏

وَأَمَّا تَوْحِيدُ الْيَمِينِ فِي قَوْلِهِ ‏{‏عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ‏}‏ فَجَمَعَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا جَاءَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُ مَا خَلَقَ مِنْ شَيْءٍ عَنْ يَمِينِهِ‏:‏ أَيْ مَا خَلَقَ، وَشَمَائِلِهِ، فَلَفْظُ ‏"‏مَا‏"‏ لَفَظُ وَاحِدٍ، وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الْجَمْعِ، فَقَالَ‏:‏ عَنِ الْيَمِينِ بِمَعْنَى‏:‏ عَنْ يَمِينِ مَا خَلَقَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَعْنَاهُ فِي الشَّمَائِلِ، وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ‏:‏ إِنَّمَا تَفْعَلُ الْعَرَبُ ذَلِكَ، لِأَنَّ أَكْثَرَ الْكَلَامِ مُوَاجَهَةُ الْوَاحِدِ الْوَاحِدَ، فَيُقَالُ لِلرَّجُلِ‏:‏ خُذْ عَنْ يَمِينِكَ، قَالَ‏:‏ فَكَأَنَّهُ إِذَا وَحَّدَ ذَهَبَ إِلَى وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْمِ، وَإِذَا جَمَعَ فَهُوَ الَّذِي لَا مُسَاءَلَةَ فِيهِ، وَاسْتُشْهِدَ لِفِعْلِ الْعَرَبِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ‏:‏

بِفِـي الشَّـامِتِينَ الصَّخْرُ إِنْ كَانَ هَدَّنِي *** رَزِيَّـةُ شِـبْلَيْ مَخْـدَرٍ فِـي الضَّرَاغِمِ

فَقَالَ‏:‏ بِفِي الشَّامِتِينَ، وَلَمْ يَقُلْ‏:‏ بِأَفْوَاهِ، وَقَوْلُ الْآخَرِ‏:‏

الْـوَارِدُونَ وَتَيْـمٌ فِـي ذُرَا سَـبَإِ *** قَـدْ عَـضَّ أَعْنَـاقَهُمْ جِـلْدُ الْجَوَامِيسِ

وَلَمْ يَقِلْ‏:‏ جُلُودُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلِلَّهِ يَخْضَعُ وَيَسْتَسْلِمُ لِأَمَرِّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ يَدِبُّ عَلَيْهَا، وَالْمَلَائِكَةُ الَّتِي فِي السَّمَوَاتِ، وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنِ التَّذَلُّلِ لَهُ بِالطَّاعَةِ ‏{‏فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ‏}‏ وَظِلَالُهُمْ تَتَفَيَّأُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ‏.‏

وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ‏:‏ اُجْتُزِئَ بِذِكْرِ الْوَاحِدِ مِنَ الدَّوَابِّ عَنْ ذِكْرِ الْجَمِيعِ‏.‏ وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الدَّوَابِّ وَالْمَلَائِكَةِ، كَمَا يُقَالُ‏:‏ مَا أَتَانِي مِنْ رَجُلٍ، بِمَعْنَى‏:‏ مَا أَتَانِي مِنَ الرِّجَالِ‏.‏

وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُ‏:‏ إِنَّمَا قِيلَ‏:‏ مِنْ دَابَّةٍ، لِأَنَّ ‏"‏مَا‏"‏ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَكُونُ عَلَى مَذْهَبِ الَّذِي، فَإِنَّهَا غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ، فَإِذَا أُبْهِمَتْ غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ أَشْبَهَتِ الْجَزَاءَ، وَالْجَزَاءُ يُدْخِلُ مِنْ فِيمَا جَاءَ مِنِ اسْمٍ بَعْدَهُ مِنَ النَّكِرَةِ، فَيُقَالُ‏:‏ مَنْ ضَرَبَهُ مِنْ رَجُلٍ فَاضْرِبُوهُ، وَلَا تُسْقُطُ ‏"‏مِنْ‏"‏ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ كَرَاهِيَةَ أَنْ تُشْبِهَ أَنْ تَكُونَ حَالًا لِمَنْ وَمَا، فَجَعَلُوهُ بِمِنْ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِمَا وَمَنْ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُؤَقَّتَتَيْنِ، فَكَانَ دُخُولُ مِنْ فِيمَا بَعْدَهُمَا تَفْسِيرًا لِمَعْنَاهُمَا، وَكَانَ دُخُولُ مِنْ أَدَلُّ عَلَى مَا لَمْ يُوَقَّتْ مِنْ مَنْ وَمَا، فَلِذَلِكَ لَمْ تُلْغَيَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏50‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ يَخَافُ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةُ الَّتِي فِي السَّمَوَاتِ، وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ، رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، أَنْ يُعَذِّبَهُمْ إِنْ عَصَوَا أَمْرَهُ، وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ، يَقُولُ‏:‏ وَيَفْعَلُونَ مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ، فَيُؤَدُّونَ حُقُوقَهُ، وَيَجْتَنِبُونَ سُخْطَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏51‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَقَالَ اللَّهُ لِعِبَادِهِ‏:‏ لَا تَتَّخِذُوا لِي شَرِيكًا أَيُّهَا النَّاسُ، وَلَا تَعْبُدُوا مَعْبُودَيْنِ، فَإِنَّكُمْ إِذَا عَبَدْتُمْ مَعِي غَيْرِي جَعَلْتُمْ لِي شَرِيكًا، وَلَا شَرِيكَ لِي، إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَمَعْبُودٌ وَاحِدٌ، وَأَنَا ذَلِكَ، ‏{‏فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَإِيَّايَ فَاتَّقَوْا وَخَافُوا عِقَابِي بِمَعْصِيَتِكُمْ إِيَّايَ إِنْ عَصَيْتُمُونِي وَعَبَدْتُمْ غَيْرِي، أَوْ أَشْرَكْتُمْ فِي عِبَادَتِكُمْ لِي شَرِيكًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلِلَّهِ مُلْكُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ، لَا شَرِيكَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، هُوَ الَّذِي خَلَقَهُمْ، وَهُوَ الَّذِي يَرْزُقُهُمْ، وَبِيَدِهِ حَيَاتُهُمْ وَمَوْتُهُمْ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا‏}‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَلَهُ الطَّاعَةُ وَالْإِخْلَاصُ دَائِمًا ثَابِتًا وَاجِبًا، يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ وَصَبَ الدِّينُ يَصِبُ وُصُوبًا وَوَصْبًا كَمَا قَالَ الدِّيلِيُّ‏:‏

لَا أَبْتَغِـي الْحَـمْدَ الْقَلِيـلَ بَقـاؤُهُ *** يَوْمًـا بِـذَمِّ الدَّهْـرِ أَجْـمَعَ وَاصِبًـا

وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ ‏{‏وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ‏}‏، وَقَوْلُ حَسَّانٍ‏:‏

غَيَّرَتْـهُ الـرِّيحُ تَسْـفِي بِـهِ *** وَهَـزِيمٌ رَعْـدُهُ وَاصِـبُ

فَأَمَّا مِنَ الْأَلَمِ، فَإِنَّمَا يُقَالُ‏:‏ وَصَبَ الرَّجُلُ يُوصِبُ وَصْبَا، وَذَلِكَ إِذَا أَعْيَا وَمَلَّ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

لَا يَغْمِـزُ السَّـاقَ مِـنْ أَيْنٍ وَلَا وَصَبٍ *** وَلَا يعَـضُّ عَـلَى شُرْسُـوفِهِ الصَّفَـرُ

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ الْوَاصِبِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ، مَا قُلْنَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ قَيْسٍ عَنِ الْأَغَرِّ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا‏}‏ قَالَ‏:‏ دَائِمًا‏.‏

حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا‏}‏ قَالَ‏:‏ دَائِمًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ يَعْلَى بْنُ النُّعْمَانِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ‏:‏ دَائِمًا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا‏}‏ قَالَ‏:‏ دَائِمًا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا‏}‏ قَالَ‏:‏ دَائِمًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدَةُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ ‏{‏وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا‏}‏ قَالَ‏:‏ دَائِمًا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا‏}‏‏:‏ أَيْ دَائِمًا، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَدَعْ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ إِلَّا عَبَدَهُ طَائِعًا أَوْ كَارِهًا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏(‏وَاصِبًا‏)‏ قَالَ‏:‏ دَائِمًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ ‏{‏عَذَابٌ وَاصِبٌ‏}‏ أَيْ دَائِمٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا‏}‏ قَالَ‏:‏ دَائِمًا، وَالْوَاصِبُ‏:‏ الدَّائِمُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ الْوَاصِبُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏:‏ الْوَاجِبُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثنا ابْنُ عَطِيَّةُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ يَعَلَى بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا‏}‏ قَالَ‏:‏ وَاجِبًا‏.‏

وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ‏:‏ مَعْنَى الدِّين فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏:‏ الْإِخْلَاصُ‏.‏ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَى الدِّين فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْإِخْلَاصُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ الدِّينُ‏:‏ الْإِخْلَاصُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَفَغَيرَ اللَّهِ أَيُّهَا النَّاسُ تَتَّقُونَ، أَيْ تَرْهَبُونَ وَتَحْذَرُونَ أَنْ يَسْلُبَكُمْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ بِإِخْلَاصِكُمُ الْعِبَادَةَ لِرَبِّكُمْ، وَإِفْرَادِكُمُ الطَّاعَةَ لَهُ، وَمَا لَكُمْ نَافِعٌ سِوَاهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ‏}‏‏.‏

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ دُخُولِ الْفَاءِ فِي قَوْلِهِ ‏(‏فَمِنَ اللَّهِ‏)‏ فَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ‏:‏ دَخَلَتِ الْفَاءُ، لِأَنَّ ‏"‏مَا‏"‏ بِمَنْـزِلَةِ ‏"‏مَنْ‏"‏ فَجُعِلَ الْخَبَرُ بِالْفَاءِ‏.‏ وَقَالَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ‏:‏ ‏"‏مَا‏"‏ فِي مَعْنَى جَزَاءٍ، وَلَهَا فِعْلٌ مُضْمَرٌ، كَأَنَّكَ قُلْتَ‏:‏ مَا يَكُنْ بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ، لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فِعْلٍ مَجْزُومٍ، إِنْ ظَهَرَ فَهُوَ جَزْمٌ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَهُوَ مُضْمَرٌ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

إِنَِّ الْعَقْـلُ فِـي أَمْوَالِنَـا لَا نَضِـقْ بِهِ *** ذِرَاعًـا وَإِنْ صَـبْرًا فنَعْـرِفُ لِلصَّبْرِ

وَقَالَ‏:‏ أَرَادَ‏:‏ إِنْ يَكُنِ الْعَقْلَ فَأَضْمِرْهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَإِنْ جَعَلْتَ ‏"‏مَا بِكُمْ‏"‏ فِي مَعْنَى الَّذِي جَازَ، وَجَعَلْتَ صِلَتَهُ بِكُمْ وَ‏"‏مَا‏"‏ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِقَوْلِهِ ‏(‏فَمِنَ اللَّهِ‏)‏ وَأَدْخِلِ الْفَاءَ، كَمَا قَالَ ‏{‏إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ‏}‏ وَكُلُّ اسْمِ وَصْلٍ مِثْلَ مِنْ وَمَا وَالَّذِي، فَقَدْ يَجُوزُ دُخُولُ الْفَاءِ فِي خَبَرِهِ لِأَنَّهُ مُضَارِعٌ لِلْجَزَاءِ وَالْجَزَاءُ قَدْ يُجَابُ بِالْفَاءِ، وَلَا يَجُوزُ أَخُوكَ فَهُوَ قَائِمٌ، لِأَنَّهُ اسْمٌ غَيْرُ مَوْصُولٍ، وَكَذَلِكَ تَقُولُ‏:‏ مَالُكَ لِي، فَإِنْ قُلْتَ‏:‏ مَالُكَ، جَازَ أَنْ تَقُولَ‏:‏ مَالُكَ فَهُوَ لِي، وَإِنْ أَلْقَيْتَ الْفَاءَ فَصَوَابٌ‏.‏

وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ مَا يَكُنْ بِكُمْ فِي أَبْدَانِكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ عَافِيَةٍ وَصِحَّةٍ وَسَلَامَةٍ، وَفِي أَمْوَالِكُمْ مِنْ نَمَاءٍ، فَاللَّهُ الْمُنْعِمُ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ لَا غَيْرُهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَبِيَدِهِ ‏{‏ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِذَا أَصَابَكُمْ فِي أَبْدَانِكُمْ سَقَمٌ وَمَرَضٌ، وَعِلَّةٌ عَارِضَةٌ، وَشَدَّةٌ مِنْ عَيْشٍ ‏{‏فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَإِلَى اللَّهِ تَصْرُخُونَ بِالدُّعَاءِ وَتَسْتَغِيثُونَ بِهِ، لِيَكْشِفَ ذَلِكَ عَنْكُمْ، وَأَصْلُهُ‏:‏ مِنْ جُؤَارِ الثَّوْرِ، يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ جَأَرَ الثَّوْرُ يَجْأَرُ جُؤَارًا، وَذَلِكَ إِذَا رَفَعَ صَوْتًا شَدِيدًا مِنْ جُوعٍ أَوْ غَيْرَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى‏:‏

وَمَـا أَيْبُـلِيٌّ عَـلى هَيْكَـلٍ *** بَنـاهُ وَصَلَّـبَ فِيـهِ وصَـارَا

يُـرَاوِحُ مِـنْ صَلَـوَاتِ الْمَـلِيـ *** كِ طَـوْرًا سُـجُودًا وَطَـوْرًا جُـؤَارًا

يَعْنِي بِالْجُؤَارِ‏:‏ الصِّيَاحَ، إِمَّا بِالدُّعَاءِ، وَإِمَّا بِالْقِرَاءَةِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ تَضْرَعُونَ دُعَاءً‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ‏:‏ الضُّرُّ‏:‏ السُّقْمُ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏54- 55‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ثُمَّ إِذَا وَهَبَ لَكُمْ رَبُّكُمُ الْعَافِيَةَ، وَرَفَعَ عَنْكُمْ مَا أَصَابَكُمْ مِنَ الْمَرَضِ فِي أَبْدَانِكُمْ، وَمِنَ الشِّدَّةِ فِي مَعَاشِكُمْ، وَفَرَّجَ الْبَلَاءَ عَنْكُمْ ‏{‏إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِذَا جَمَاعَةٌ مِنْكُمْ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ شَرِيكًا فِي عِبَادَتِهِمْ، فَيَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، وَيَذْبَحُونَ لَهَا الذَّبَائِحَ شُكْرًا لِغَيْرِ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالْفَرَجِ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنَ الضُّرِّ ‏{‏لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لِيَجْحَدُوا اللَّهَ نِعْمَتَهُ فِيمَا آتَاهُمْ مِنْ كَشْفِ الضُّرِّ عَنْهُمْ ‏{‏فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ‏}‏، وَهَذَا مِنَ اللَّهِ وَعِيدٌ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، وَتَهْدِيدٌ لَهُمْ، يَقُولُ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ تَمَتَّعُوا فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا إِلَى أَنْ تُوَافِيَكُمْ آجَالُكُمْ، وَتَبْلُغُوا الْمِيقَاتَ الَّذِي وَقَّتَهُ لِحَيَاتِكُمْ وَتَمَتُّعِكُمْ فِيهَا، فَإِنَّكُمْ مِنْ ذَلِكَ سَتَصِيرُونَ إِلَى رَبِّكُمْ، فَتَعْلَمُونَ بِلِقَائِهِ وَبَالَ مَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ، وَتَعْرِفُونَ سُوءَ مَغَبَّةِ أَمْرِكُمْ، وَتَنْدَمُونَ حِينَ لَا يَنْفَعُكُمُ النَّدَمُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏56‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهَ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَيَجْعَلُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، لِمَا لَا يَعْلَمُونَ مِنْهُ ضُرًّا وَلَا نَفْعًا نَصِيبًا‏.‏ يَقُولُ‏:‏ حَظًّا وَجَزَاءً مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ، إِشْرَاكًا مِنْهُمْ لَهُ الَّذِي يَعْلَمُونَ أَنَّهُ خَلَقَهُمْ، وَهُوَ الَّذِي يَنْفَعُهُمْ وَيَضُرُّهُمْ دُونَ غَيْرِهِِ‏.‏

كَالَّذِي حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٌٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ ‏{‏وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُمْ وَيَضُرُّهُمْ وَيَنْفَعُهُمْ، ثُمَّ يَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ‏}‏ وَهُمْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ، جَعَلُوا لِأَوْثَانِهِمْ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ، وَجُزْءًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ يَجْعَلُونَهُ لِأَوْثَانِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ جَعَلُوا لِآلِهَتِهِمُ الَّتِي لَيْسَ لَهَا نَصِيبٌ وَلَا شَيْءٌ، جَعَلُوا لَهَا نَصِيبًا مِمَّا قَالَ اللَّهُ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ، يُسَمُّونَ عَلَيْهَا أَسْمَاءَهَا وَيَذْبَحُونَ لَهَا‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏تَاللَّهَ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَاللَّهِ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ الْجَاعِلُونَ لِلْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ نَصِيبًا فِيمَا رَزَقْنَاكُمْ شِرْكًا بِاللَّهِ وَكُفْرًا، لِيَسْأَلْنَّكُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا تَفْتَرُونَ، يَعْنِي‏:‏ تَخْتَلِقُونَ مِنَ الْبَاطِلِ وَالْإِفْكِ عَلَى اللَّهِ بِدَعْوَاكُمْ لَهُ شَرِيكًا، وَتَصْيِيرِكُمْ لِأَوْثَانِكُمْ فِيمَا رَزَقَكُمْ نَصِيبًا، ثُمَّ لِيُعَاقِبْنَّكُمْ عُقُوبَةً تَكُونُ جَزَاءً لِكُفْرَانِكُمْ نِعَمَهُ وَافْتِرَائِكُمْ عَلَيْهِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏57- 58‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمِنْ جَهْلِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَخُبْثِ فِعْلِهِمْ، وَقُبْحِ فِرْيَتِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ، أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لِمَنْ خَلَقَهُمْ وَدَبَّرَهُمْ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ، فَاسْتَوْجَبَ بِنِعَمِهِ عَلَيْهِمُ الشُّكْرَ، وَاسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْحَمْدَ‏:‏ الْبَنَاتِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ وَلَدٌ ذِكْرَ وَلَا أُنْثَى سُبْحَانَهُ، نَـزَّهَ جَلَّ جَلَالُهُ بِذَلِكَ نَفْسَهُ عَمَّا أَضَافُوا إِلَيْهِ وَنَسَبُوهُ مِنَ الْبَنَاتِ، فَلَمْ يَرْضَوْا بِجَهْلِهِمْ إِذْ أَضَافُوا إِلَيْهِ مَا لَا يَنْبَغِي إِضَافَتُهُ إِلَيْهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنَ الْوَلَدِ أَنْ يُضِيفُوا إِلَيْهِ مَا يَشْتَهُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ وَيُحِبُّونَهُ لَهَا، وَلَكِنَّهُمْ أَضَافُوا إِلَيْهِ مَا يَكْرَهُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ وَلَا يَرْضَوْنَهُ لَهَا مِنَ الْبَنَاتِ مَا يَقْتُلُونَهَا إِذَا كَانَتْ لَهُمْ، وَفِي ‏"‏مَا‏"‏ الَّتِي فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ‏}‏ وَجْهَانِ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ‏:‏ النَّصْبُ عَطْفًا لَهَا عَلَى الْبَنَاتِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ إِذَا أُرِيدَ ذَلِكَ‏:‏ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ وَلَهُمُ الْبَنِينَ الَّذِينَ يَشْتَهُونَ، فَتَكُونُ ‏"‏مَا‏"‏ لِلْبَنِينَ، وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ مُبْتَدَأٌ مِنْ قَوْلِهِ ‏{‏وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ‏}‏ فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتَ وَلَهُمُ الْبَنُونَ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَعَلُوا لِلَّهِ الْبَنَاتِ بِوِلَادَةِ مَا يُضِيفُهُ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ لَهُ، ظَلَّ وَجْهُهُ مُسَوَّدًا مِنْ كَرَاهَتِهِ لَهُ ‏{‏وَهُوَ كَظِيمٌ‏}‏ يَقُولُ قَدْ كَظَمَ الْحُزْنَ، وَامْتَلَأَ غَمًّا بِوِلَادَتِهِ لَهُ، فَهُوَ لَا يُظْهِرُ ذَلِكَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، قَالَ‏:‏ ثني عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ‏}‏، ثُمَّ قَالَ ‏{‏وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، يَقُولُ‏:‏ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ تَرْضَوْنَهُنَّ لِي، وَلَا تَرْضَوْنَهُنَّ لِأَنْفُسِكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا وُلِدَ لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ جَارِيَةٌ أَمْسَكَهَا عَلَى هُونٍ، أَوْ دَسَّهَا فِي التُّرَابِ وَهِيَ حَيَّةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ‏}‏ وَهَذَا صَنِيعُ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، أَخْبَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِخُبْثِ صَنِيعِهِمْ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَهُوَ حَقِيقٌ أَنْ يَرْضَى بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ، وَقَضَاءُ اللَّهِ خَيْرُ مِنْ قَضَاءِ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ، وَلَعَمْرِي مَا يَدْرِي أَنَّهُ خَيْرٌ، لَرُبَّ جَارِيَةٍ خَيْرٌ لِأَهْلِهَا مِنْ غُلَامٍ‏.‏ وَإِنَّمَا أَخْبَرَكُمُ اللَّهُ بِصَنِيعِهِمْ لِتَجْتَنِبُوهُ وَتَنْتَهُوا عَنْهُ، وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَغْذُو كَلْبَهُ وَيَئِدُ ابْنَتَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ‏{‏وَهُوَ كَظِيمٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ حَزِينٌ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَهُوَ كَظِيمٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْكَظِيمُ‏:‏ الْكَمِيدُ‏.‏ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏59‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِأَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ يَتَوَارَى هَذَا الْمُبَشَّرُ بِوِلَادَةِ الْأُنْثَى مِنَ الْوَلَدِ لَهُ مِنَ الْقَوْمِ، فَيَغِيبُ عَنْ أَبْصَارِهِمْ ‏{‏مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ مِنْ مَسَاءَتِهِ إِيَّاهُ مُمِيلًا بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَهُ عَلَى هُونٍ‏:‏ أَيْ عَلَى هَوَانٍ، وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي لُغَةِ قُرَيْشٍ فِيمَا ذُكِرَ لِي، يَقُولُونَ لِلْهَوَانِ‏:‏ الْهُونَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْحَطِيئَةِ‏:‏

فَلَمَّـا خَشِـيتُ الْهُـونَ وَالْعَـيْرُ مُمْسِكٌ *** عَـلَى رَغْمِـهِ مَـا أَثْبِتَ الْحَبْلَ حَافِرُهُ

وَبَعْضُ بَنِي تَمِيمٍ جَعَلَ الْهُونَ مَصْدَرًا لِلشَّيْءِ الْهَيِّنِ، ذَكَرَ الْكِسَائِيُّ أَنَّهُ سَمِعَهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ إِنْ كُنْتَ لِقَلِيلِ هُونِ الْمُؤْنَةِ مُنْذُ الْيَوْمَ قَالَ‏:‏ وَسَمِعْتُ‏:‏ الْهَوَانُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى، سَمِعْتُ مِنْهُمْ قَائِلًا يَقُولُ لِبَعِيرٍ لَهُ‏:‏ مَا بِهِ بَأْسٌ غَيْرَ هَوَانِهِ، يَعْنِي خَفِيفَ الثَّمَنِ، فَإِذَا قَالُوا‏:‏ هُوَ يَمْشِي عَلَى هَوْنِهِ، لَمْ يَقُولُوهُ إِلَّا بِفَتْحِ الْهَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ‏{‏وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا‏}‏‏.‏ ‏{‏أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يَدْفِنُهُ حَيًّا فِي التُّرَابِ فَيَئِدُهُ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏{‏أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ‏}‏ يَئِدُ ابْنَتَهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَلَا سَاءَ الْحُكْمُ الَّذِي يَحْكُمُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ، وَذَلِكَ أَنْ جَعَلُوا لِلَّهِ مَا لَا يَرْضَوْنَ لِأَنْفُسِهِمْ، وَجَعَلُوا لِمَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ شِرْكًا فِيمَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ، وَعَبَدُوا غَيْرَ مِنْ خَلَقَهُمْ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏60‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}‏‏.‏

وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ قَوْلَهُ ‏{‏وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ‏}‏، وَالْآيَةَ الَّتِي بَعْدَهَا مِثْلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا لِلَّهِ الْبَنَاتِ، فَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ ‏{‏لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ‏}‏ أَنَّهُ مَثَلٌ، وَعَنَى بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏{‏لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ‏}‏ لِلَّذِينِ لَا يُصَدِّقُونَ بِالْمَعَادِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ‏(‏مَثَلُ السَّوْءِ‏)‏ وَهُوَ الْقَبِيحُ مِنَ الْمَثَلِ، وَمَا يَسُوءُ مَنْ ضُرِبَ لَهُ ذَلِكَ الْمَثَلُ ‏{‏وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى، وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَالْأَطْيَبُ، وَالْأَحْسَنُ، وَالْأَجْمَلُ، وَذَلِكَ التَّوْحِيدُ وَالْإِذْعَانُ لَهُ بِأَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى‏}‏ قَالَ‏:‏ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى‏}‏ الْإِخْلَاصُ وَالتَّوْحِيدُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَاللَّهُ ذُو الْعِزَّةِ الَّتِي لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَعَهَا عُقُوبَةُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، وَلَا عُقُوبَةَ مَنْ أَرَادَ عُقُوبَتَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ إِيَّاهُ، وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَرَادَهُ وَشَاءَهُ، لِأَنَّ الْخَلْقَ خَلْقُهُ، وَالْأَمْرَ أَمْرُهُ، الْحَكِيمُ فِي تَدْبِيرِهِ، فَلَا يَدْخُلُ تَدْبِيرَهُ خَلَلٌ، وَلَا خَطَأٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏61‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْإِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏{‏وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ‏}‏ عُصَاةَ بَنِي آدَمَ بِمَعَاصِيهِمْ ‏{‏مَا تَرَكَ عَلَيْهَا‏}‏ يَعْنِي عَلَى الْأَرْضِ ‏(‏مِنْ دَابَّةٍ‏)‏ تَدِبُّ عَلَيْهَا ‏{‏وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَكِنْ بِحِلْمِهِ يُؤَخِّرُ هَؤُلَاءِ الظَّلَمَةَ فَلَا يُعَاجِلُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ ‏{‏إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِلَى وَقْتِهِمُ الَّذِي وُقِّتَ لَهُمْ، ‏{‏فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَإِذَا جَاءَ الْوَقْتُ الَّذِي وُقِّتَ لِهَلَاكِهِمْ ‏(‏لَا يَسْتَأْخِرُونَ‏)‏ عَنِ الْهَلَاكِ سَاعَةً فَيُمْهَلُونَ ‏(‏وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ‏)‏ لَهُ حَتَّى يَسْتَوْفُوا آجَالَهُمْ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، قَالَ‏:‏ كَادَ الْجُعَلُ أَنْ يُعَذَّبَ بِذَنْبِ بَنِي آدَمَ، وَقَرَأَ ‏{‏لَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَكِيمٍ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ‏:‏ سَمِعَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَجُلًا وَهُوَ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ الظَّالِمَ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ، قَالَ‏:‏ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَقَالَ‏:‏ بَلَى، وَاللَّهِ إِنَّ الْحُبَارَى لِتَمُوتَ فِي وَكْرِهَا هُزَالًا بِظُلْمِ الظَّالِمِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَادُ، قَالَ‏:‏ ثنا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ السُّدُوسِيُّ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ‏:‏ خَطِيئَةُ ابْنِ آدَمَ قَتَلَتِ الْجُعَلَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ‏:‏ كَادَ الْجُعَلُ أَنْ يَهْلِكَ فِي جُحْرِهِ بِخَطِيئَةِ ابْنِ آدَمَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزَّهْرِيِّ، قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَرَى أَنَّهُ إِذَا حَضَرَ أَجْلُهُ فَلَا يُؤَخَّرُ سَاعَةً، وَلَا يُقَدَّمُ، مَا لَمْ يَحْضُرْ أَجْلُهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يُؤَخِّرُ مَا شَاءَ، وَيُقَدِّمُ مَا شَاءَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏62‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَيَجْعَلُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ‏.‏ ‏{‏وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَتَقُولَ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ وَتَفْتَرِيَهُ، أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى، فَأَنَّ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، لِأَنَّهَا تَرْجَمَةٌ عَنِ الْكَذِبِ‏.‏ وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى، الَّذِي يَكْرَهُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ‏.‏ الْبَنَاتُ يَجْعَلُونَهُنَّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَزَعَمُوا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ‏.‏ وَأَمَّا الْحُسْنَى الَّتِي جَعَلُوهَا لِأَنْفُسِهِمْ‏:‏ فَالذُّكُورُ مِنَ الْأَوْلَادِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَئِدُونَ الْإِنَاثَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ، وَيَسْتَبْقُونَ الذُّكُورَ مِنْهُمْ، وَيَقُولُونَ‏:‏ لَنَا الذُّكُورُ وَلِلَّهِ الْبَنَاتُ، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ ‏{‏وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ‏}‏‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى‏}‏ قَالَ‏:‏ قَوْلُ قُرَيْشٍ‏:‏ لَنَا الْبَنُونَ وَلِلَّهِ الْبَنَاتُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ قَوْلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ‏}‏‏:‏ أَيْ يَتَكَلَّمُونَ بِأَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى أَيِ الْغِلْمَانَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى‏}‏ قَالَ‏:‏ الْغِلْمَانُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ حَقًّا وَاجِبًا أَنَّ لِهَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ لِلَّهِ الْبَنَاتُ، الْجَاعِلِينَ لَهُ مَا يَكْرَهُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ، وَلِأَنْفُسِهِمُ الْحُسْنَى عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ النَّارَ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيلَ قَوْلِ اللَّهِ ‏(‏لَا جَرَمَ‏)‏ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ، مَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏(‏لَا جَرَمَ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ بَلَى‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏(‏لَا جَرَمَ‏)‏ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ‏:‏ لَمْ تُنْصَبْ جَرَمَ بِلَا كَمَا نُصِبَتِ الْمِيمُ مِنْ قَوْلِ‏:‏ لَا غُلَامَ لَكَ؛ قَالَ‏:‏ وَلَكِنَّهَا نُصِبَتْ لِأَنَّهَا فِعْلٌ مَاضٍ، مِثْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ قَعَدَ فُلَانٌ وَجَلَسَ، وَالْكَلَامُ‏:‏ لَا رَدَّ لِكَلَامِهِمْ أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ هَكَذَا، جَرَمَ‏:‏ كَسْبٌ، مِثْلُ قَوْلِهِ لَا أُقْسِمُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ‏.‏ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ‏:‏ نُصِبَ جَرَمٌ بِلَا وَإِنَّمَا بِمَعْنَى‏:‏ لَا بُدَّ، وَلَا مَحَالَةَ؛ وَلَكِنَّهَا كَثُرَتْ فِي الْكَلَامِ حَتَّى صَارَتْ بِمَنْـزِلَةِ حَقًّا‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَأَنَّهُمْ مُخَلَّفُونَ مَتْرُوكُونَ فِي النَّارِ، مَنْسِيُّونَ فِيهَا‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ بِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَنْسِيُّونَ مُضَيَّعُونَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ‏:‏ ثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَتْرُوكُونَ فِي النَّارِ، مَنْسِيُّونَ فِيهَا‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ حُصَيْنٌ، أَخْبَرَنَا، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، بِمِثْلِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ‏:‏ ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِمِثْلِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَنْسِيُّونَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدَةُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَأَبُو خَالِدٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ ‏{‏وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَتْرُوكُونَ فِي النَّارِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ الْقَاسِمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏(‏مُفْرَطُونَ‏)‏ قَالَ‏:‏ مَنْسِيُّونَ‏.‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مُضَاعُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا بَدَلٌ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ دَاوُدَ بْنَ أَبِي هِنْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ ‏{‏وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَنْسِيُّونَ فِي النَّارِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أَنَّهُمْ مُعَجَّلُونَ إِلَى النَّارِ مُقَدَّمُونَ إِلَيْهَا، وَذَهَبُوا فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِ الْعَرَبِ‏:‏ أَفْرَطَنَا فُلَانًا فِي طَلَبِ الْمَاءِ، إِذَا قَدَّمُوهُ لِإِصْلَاحِ الدِّلَاءِ وَالْأَرْشِيَةِ، وَتَسْوِيَةِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ عِنْدَ وُرُودِهِمْ عَلَيْهِ فَهُوَ مُفْرَطٌ‏.‏ فَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُ نَفْسُهُ فَهُوَ فَارِطٌ، يُقَالُ‏:‏ قَدْ فَرَطَ فُلَانٌ أَصْحَابَهُ يَفْرُطُهُمْ فَرْطًا وَفُرُوطًا‏:‏ إِذَا تَقَدَّمَهُمْ وَجَمْعُ فَارِطٍ‏:‏ فُرَّاطٌ وَمِنْهُ قَوْلُ الْقَطَامِيِّ‏:‏

وَاسْـتَعْجَلُونَا وَكَـانُوا مِـنْ صَحَابَتِنَـا *** كَمَـا تَعَجَّـلَ فُـرَّاطٌ لِـوُرَّادِ

وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْض» ‏"‏‏:‏ أَيْ مُتَقَدِّمُِكُمْ إِلَيْهِ وَسَابِقُكُمْ ‏"‏حَتَّى تَرِدُوهُ‏"‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مُعْجَّلُونَ إِلَى النَّارِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَدْ أَفْرَطُوا فِي النَّارِ أَيْ مُعْجَلُونَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏.‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ مُبْعَدُونَ فِي النَّارِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبِي، عَنْ أَشْعَثَ السَّمَّانَ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ ‏{‏وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مُخْسَئُونَ مُبْعَدُونَ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الْقَوْلُ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِفْرَاطَ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى التَّقْدِيمِ، إِنَّمَا يُقَالُ فِيمَنْ قَدِمَ مَقْدِمًا لِإِصْلَاحِ مَا يَقْدُمُ إِلَيْهِ إِلَى وَقْتِ وُرُودِ مَنْ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بِمُقَدَّمٍ مَنْ قُدِّمَ إِلَى النَّارِ مِنْ أَهْلِهَا لِإِصْلَاحِ شَيْءٍ فِيهَا لِوَارِدٍ يَرِدُ عَلَيْهَا فِيهَا فَيُوَافِقُهُ مُصْلِحًا، وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ مَنْ قُدِّمَ إِلَيْهَا لِعَذَابٍ يُعَجَّلُ لَهُ‏.‏ فَإِذَا كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ الْإِفْرَاطُ الَّذِي هُوَ تَأْوِيلُ التَّعْجِيلِ فَفَسَدَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَجْهٌ فِي الصِّحَّةِ، صَحَّ الْمَعْنَى الْآخَرُ، وَهُوَ الْإِفْرَاطُ الَّذِي بِمَعْنَى التَّخْلِيفِ وَالتَّرْكِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّهُ يُحْكَى عَنِ الْعَرَبِ‏:‏ مَا أَفْرَطْتُ وَرَائِي أَحَدًا‏:‏ أَيْ مَا خَلَّفْتُهُ؛ وَمَا فَرَّطْتُهُ‏:‏ أَيْ لَمْ أُخَلِّفْهُ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمِصْرَيْنِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ ‏{‏وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ‏}‏ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا، عَلَى مَعْنَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ مِنْ أَفْرَطَ فَهُوَ مُفْرَطٌ‏.‏ وَقَدْ بَيَّنْتُ اخْتِلَافَ قِرَاءَةِ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي التَّأْوِيلِ‏.‏ وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْقَارِئُ‏.‏ ‏"‏وَأَنَّهُمْ مُفَرِّطُونَ‏"‏ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِهَا، بِتَأْوِيلِ‏:‏ أَنَّهُمْ مُفَرِّطُونَ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ الَّذِي كَانَ لِلَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا، مِنْ طَاعَتِهِ وَحُقُوقِهِ، مُضَيِّعُو ذَلِكَ، مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ‏}‏ وَقَرَأَ نَافِعُ بْنُ أَبِي نَعِيمٍ‏:‏ ‏"‏وَأَنَّهُمْ مُفْرِطُونَ‏"‏ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا‏.‏

حَدَّثَنِي بِذَلِكَ يُونُسُ، عَنْ وَرْشٍ عَنْهُ، بِتَأْوِيلِ‏:‏ أَنَّهُمْ مُفْرِطُونَ فِي الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي، مُسْرِفُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مُكْثِرُونَ مِنْهَا، مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ أَفْرَطَ فُلَانٌ فِي الْقَوْلِ‏:‏ إِذَا تَجَاوَزَ حَدَّهُ، وَأَسْرَفَ فِيهِ‏.‏

وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى الْقِرَاءَاتِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قِرَاءَتَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ لِمُوَافَقَتِهَا تَأْوِيلَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ، وَخُرُوجُ الْقِرَاءَاتِ الْأُخْرَى عَنْ تَأْوِيلِهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏63‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏تَاللَّهَ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُقْسِمًا بِنَفْسِهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ إِلَى أُمَمِهَا بِمِثْلِ مَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَى أُمَّتِكَ مِنَ الدُّعَاءِ إِلَى التَّوْحِيدِ لِلَّهِ، وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ، وَالْإِذْعَانِ لَهُ بِالطَّاعَةِ، وَخَلْعِ الْأَنْدَادِ وَالْآلِهَةِ ‏{‏فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَحَسَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مُقِيمِينَ، حَتَّى كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ، وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ مَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ ‏{‏فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَالشَّيْطَانُ نَاصِرُهُمُ الْيَوْمَ فِي الدُّنْيَا، وَبِئْسَ النَّاصِرِ ‏{‏وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ فِي الْآخِرَةِ عِنْدَ وُرُودِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ، فَلَا يَنْفَعُهُمْ حِينَئِذٍ وِلَايَةُ الشَّيْطَانِ، وَلَا هِيَ نَفَعَتْهُمْ فِي الدُّنْيَا، بَلْ ضَرَّتْهُمْ فِيهَا وَهِيَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ أَضَرُّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَنْـزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونُ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَمَا أَنْـزَلْنَا يَا مُحَمَّدُ عَلَيْكَ كِتَابَنَا وَبَعَثْنَاكَ رَسُولًا إِلَى خَلْقِنَا إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ دِينِ اللَّهِ، فَتُعَرِّفَهُمُ الصَّوَابَ مِنْهُ، وَالْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَتُقِيمَ عَلَيْهِمْ بِالصَّوَابِ مِنْهُ حُجَّةَ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَكَ بِهَا‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَهَدًى بَيَانًا مِنَ الضَّلَالَةِ، يَعْنِي بِذَلِكَ الْكِتَابَ، وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ بِهِ، فَيُصَدِّقُونَ بِمَا فِيهِ، وَيُقِرُّونَ بِمَا تَضَمَّنَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ، وَيَعْمَلُونَ بِهِ، وَعَطَفَ بِالْهُدَى عَلَى مَوْضِعٍ لِيُبَيِّنَ، لِأَنَّ مَوْضِعَهَا نَصْبٌّ‏.‏ وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ وَمَا أَنْـزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا بَيَانًا لِلنَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ هُدًى وَرَحْمَةً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏65‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ أَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُنَبِّهٌ خَلْقَهُ عَلَى حُجَجِهِ عَلَيْهِمْ فِي تَوْحِيدِهِ، وَأَنَّهُ لَا تَنْبَغِي الْأُلُوهِيَّةُ إِلَّا لَهُ، وَلَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ لِشَيْءٍ سِوَاهُ‏:‏ أَيُّهَا النَّاسُ مَعْبُودُكُمُ الَّذِي لَهُ الْعِبَادَةُ دُونَ كُلِّ شَيْءٍ، ‏{‏أَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً‏}‏ يَعْنِي‏:‏ مَطَرًا، يَقُولُ‏:‏ فَأَنْبَتَ بِمَا أَنْـزَلَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ مِنَ السَّمَاءِ الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ الَّتِي لَا زَرْعَ بِهَا وَلَا عُشْبَ وَلَا نَبْتَ ‏(‏بَعْدَ مَوْتِهَا‏)‏ بَعْدَ مَا هِيَ مَيِّتَةٌ لَا شَيْءَ فِيهَا ‏(‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً‏)‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ فِي إِحْيَائِنَا الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا بِمَا أَنْـزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ لَدَلِيلًا وَاضِحًا، وَحُجَّةً قَاطِعَةً، عُذْرُ مَنْ فَكَّرَ فِيهِ ‏(‏لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ هَذَا الْقَوْلَ فَيَتَدَبَّرُونَهُ وَيَعْقِلُونَهُ، وَيُطِيعُونَ اللَّهَ بِمَا دَلَّهُمْ عَلَيْهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏66‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَإِنَّ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ لَعِظَةً فِي الْأَنْعَامِ الَّتِي نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ‏(‏نُسْقِيكُمْ‏)‏ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْعِرَاقِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، سِوَى عَاصِمٍ؛ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَبُو جَعْفَرٍ ‏(‏نُسْقِيكُمْ‏)‏ بِضَمِّ النُّونِ‏.‏ بِمَعْنَى‏:‏ أَنَّهُ أَسْقَاهُمْ شَرَابًا دَائِمًا‏.‏ وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَقُولُ‏:‏ الْعَرَبُ تَقُولُ‏:‏ أَسْقَيْنَاهُمْ نَهْرًا، وَأَسْقَيْنَاهُمْ لَبَنًا‏:‏ إِذَا جَعَلَتْهُ شِرْبًا دَائِمًا، فَإِذَا أَرَادُوا أَنَّهُمْ أَعْطَوْهُ شَرْبَةً قَالُوا‏:‏ سَقَيْنَاهُمْ فَنَحْنُ نَسْقِيَهُمْ بِغَيْرِ أَلْفٍ؛ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ سِوَى أَبِي جَعْفَرٍ، وَمِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَاصِمٌ ‏{‏نَسْقِيكُمْ‏}‏ بِفَتْحِ النُّونِ مَنْ سَقَاهُ اللَّهُ، فَهُوَ يَسْقِيهِ، وَالْعَرَبُ قَدْ تُدْخِلُ الْأَلْفَ فِيمَا كَانَ مِنَ السَّقْيِ غَيْرُ دَائِمٍ، وَتَنْـزِعُهَا فِيمَا كَانَ دَائِمًا، وَإِنْ كَانَ أَشْهَرُ الْكَلَامَيْنِ عِنْدَهَا مَا قَالَ الْكِسَائِيُّ، يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ، قَوْلُ لَبِيَدٍ فِي صِفَةِ سَحَابٍ‏:‏

سَـقَى قَـوْمِي بَنِـي مَجْـدٍ وَأَسْـقَى *** نُمَـيْرًا وَالْقَبَـائِلَ مِـنْ هِـلَالِ

فَجَمَعَ اللُّغَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبِأَيَّةِ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، غَيْرَ أَنَّ أَعْجَبَ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ قِرَاءَةُ ضَمِّ النُّونِ لِمَا ذَكَرْتُ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَ الْكَلَامَيْنِ عِنْدَ الْعَرَبِ فِيمَا كَانَ دَائِمًا مِنَ السَّقْيِ أَسْقَى بِالْأَلْفِ فَهُوَ يُسْقِي، وَمَا أَسْقَى اللَّهُ عِبَادَهُ مِنْ بُطُونِ الْأَنْعَامِ فَدَائِمٌ لَهُمْ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ عَنْهُمْ‏.‏ وَأَمَّا قَوْلُهُ ‏{‏مِمَّا فِي بُطُونِهِ‏}‏ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَنْعَامَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهِيَ جَمْعٌ وَالْهَاءُ فِي الْبُطُونِ مُوَحَّدَةٌ، فَإِنَّ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُ‏:‏ النَّعَمُ وَالْأَنْعَامُ شَيْءٌ وَاحِدٌ، لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا جَمْعَانِ، فَرَدَّ الْكَلَامَ فِي قَوْلِهِ ‏{‏مِمَّا فِي بُطُونِهِ‏}‏ إِلَى التَّذْكِيرِ مُرَادًا بِهِ مَعْنَى النَّعَمِ، إِذْ كَانَ يُؤَدِّي عَنِ الْأَنْعَامِ، وَيَسْتَشْهِدُ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِرَجَزِ بَعْضِ الْأَعْرَابِ‏:‏

إِذَا رَأَيْـتَ أَنْجُمًـا مِـنَ الْأَسَـدْ *** جَبْهَتَـهُ أَوِ الْخَـرَاةِ وَالْكَتَـدْ

بَـالَ سُـهَيْلٌ فِـي الفَضِيـخِ فَفَسَـدْ *** وَطَـابَ ألْبَـانُ اللِّقَـاحِ فَـبَرَدْ

وَيَقُولُ‏:‏ رَجَعَ بِقَوْلِهِ ‏"‏فَبَرَدَ‏"‏ إِلَى مَعْنَى اللَّبَنِ، لِأَنَّ اللَّبَنَ وَالْأَلْبَانَ تَكُونُ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، وَفِي تَذْكِيرِ النَّعَمِ قَوْلُ الْآخَرِ‏:‏

أَكُـلَّ عَـامٍ نَعَـمٌ تَحْوُونَـهُ *** يُلْقِحُـهُ قَـومٌ وَتُنْتِجُونَـهُ

فَذِكْرُ النَّعَمِ؛ وَكَانَ غَيْرُهُ مِنْهُمْ يَقُولُ‏:‏ إِنَّمَا قَالَ ‏{‏مِمَّا فِي بُطُونِهِ‏}‏ لِأَنَّهُ أَرَادَ‏:‏ مِمَّا فِي بُطُونِ مَا ذَكَرْنَا وَيُنْشَدُ فِي ذَلِكَ رَجَزًا لِبَعْضِهِمْ‏:‏

مِثْلُ الْفِرَاخِ نُتِفَتْ حَوَاصِلُهُ

وَقَوْلُ الْأَسْوَدِ بْنُ يَعْفُرَ‏:‏

إِنَّ الْمَنِيَّـةَ وَالْحُـتُوفَ كِلَاهُمَـا *** يُـوفِي الْمَخَـارِمَ يَرْقُبَـانِ سَـوَادِي

فَقَالَ‏:‏ كِلَاهُمَا، وَلَمْ يَقُلْ‏:‏ كِلْتَاهُمَا؛ وَقَوْلُ الصَّلْتَانِ الْعَبْدِيِّ‏:‏

إِنَّ السَّـمَاحَةَ وَالْمُـرُوءَةَ ضُمِّنَـا *** قَـبْرًا بِمَـرْوٍ عَـلَى الطَّـرِيقِ الْوَاضِحِ

وَقَوْلُ الْآخَرِ‏:‏

وعَفْـرَاءُ أَدْنَـى النَّـاسِ مِنِّـي مَـوَدَّةً *** وعَفْـرَاءُ عَنِّـي الْمُعْـرِضُ الْمُتَـوَانِي

وَلَمْ يَقِلْ‏:‏ الْمُعْرِضَةُ الْمُتَوَانِيَةُ؛ وَقَوْلُ الْآخَرِ‏:‏

إِذَا النَّـاسُ نَـاسٌ وَالْبِـلَادُ بِغَبْطَـةٍ *** وَإِذْ أُمُّ عَمَّـارٍ صَـدِيقٌ مُسَـاعِفُ

وَيَقُولُ‏:‏ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى هَذَا الشَّيْءِ وَهَذَا الشَّخْصُ وَالسَّوَادُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَيَقُولُ‏:‏ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏{‏فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي‏}‏ بِمَعْنَى‏:‏ هَذَا الشَّيْءِ الطَّالِعِ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ‏}‏ وَلَمْ يَقِلْ ذَكَرَهَا، لِأَنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَ هَذَا الشَّيْءَ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ‏}‏ وَلَمْ يَقُلْ جَاءَتْ‏.‏ وَكَانَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ يَقُولُ‏:‏ قِيلَ ‏{‏مِمَّا فِي بُطُونِهِ‏}‏ لِأَنَّ الْمَعْنَى‏:‏ نُسْقِيكُمْ مِنْ أَيِّ الْأَنْعَامِ كَانَ فِي بُطُونِهِ، وَيَقُولُ‏:‏ فِيهِ اللَّبَنُ مُضْمَرٌ، يَعْنِي أَنَّهُ يُسْقِي مِنْ أَيِّهَا كَانَ ذَا لَبَنٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِكُلِّهَا لَبَنٌ، وَإِنَّمَا يُسْقَى مِنْ ذَوَاتِ اللَّبَنِ‏.‏ وَالْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ أَصَحُّ مَخْرَجًا عَلَى كَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ الثَّالِثِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ نُسْقِيكُمْ لَبَنًا، نُخْرِجُهُ لَكُمْ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ خَالِصًا‏:‏ يَقُولُ‏:‏ خَلَصَ مِنْ مُخَالَطَةِ الدَّمِ وَالْفَرْثِ، فَلَمْ يَخْتَلِطَا بِهِ ‏{‏سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يَسُوغُ لِمَنْ شَرِبَهُ فَلَا يُغَصُّ بِهِ كَمَا يُغَصُّ الْغَاصُّ بِبَعْضِ مَا يَأْكُلُهُ مِنَ الْأَطْعِمَةِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ إِنَّهُ لَمْ يُغَصُّ أَحَدٌ بِاللَّبَنِ قَطُّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏67‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَكُمْ أَيْضًا أَيُّهَا النَّاسُ عِبْرَةٌ فِيمَا نُسْقِيكُمْ مِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ مَا تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا، مَعَ مَا نُسْقِيكُمْ مِنْ بُطُونِ الْأَنْعَامِ مِنَ اللَّبَنِ الْخَارِجِ مِنْ بَيْنِ الْفَرْثِ وَالدَّمِ‏.‏ وَحَذَفَ مِنْ قَوْلِهِ ‏{‏وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ‏}‏ الِاسْمَ، وَالْمَعْنَى مَا وَصَفْتُ، وَهُوَ‏:‏ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ مَا تَتَّخِذُونَ مِنْهُ لِدَلَالَةِ ‏"‏مِنْ‏"‏ عَلَيْهِ، لِأَنَّ ‏"‏مِنْ‏"‏ تَدَخُّلٍ فِي الْكَلَامِ مُبَعِّضَةً، فَاسْتُغْنِيَ بِدَلَالَتِهَا وَمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِمَا يَقْتَضِي مِنْ ذِكْرِ الِاسْمِ مَعَهَا‏.‏ وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ فِي مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ شَيْءٌ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا، وَيَقُولُ‏:‏ إِنَّمَا ذُكِرَتِ الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏تَتَّخِذُونَ مِنْهُ‏}‏ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا الشَّيْءُ، وَهُوَ عِنْدُنَا عَائِدٌ عَلَى الْمَتْرُوكِ، وَهُوَ ‏"‏مَا‏"‏‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏(‏تَتَّخِذُونَ‏)‏ مِنْ صِفَةِ ‏"‏مَا‏"‏ الْمَتْرُوكَةِ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ‏{‏تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عَنَى بِالسَّكَرِ‏:‏ الْخَمْرَ، وَبِالرِّزْقِ الْحَسَنِ‏:‏ التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ، وَقَالَ‏:‏ إِنَّمَا نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، ثُمَّ حُرِّمَتْ بَعْدَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ‏:‏ ثنا أَيُّوبُ بْنُ جَابِرٍ السُّحَيْمِيُّ، عَنِالْأَسْوَدِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا‏}‏ قَالَ‏:‏ السَّكَرُ‏:‏ مَا حُرِّمَ مِنْ شَرَابِهِ، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ‏:‏ مَا أَحِلُّ مِنْ ثَمَرَتِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَسَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ الرَّازِيُّ، قَالَا ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الرِّزْقُ الْحَسَنُ‏:‏ مَا أَحِلُّ مِنْ ثَمَرَتِهَا، وَالسَّكَرُ‏:‏ مَا حُرِّمَ مِنْ ثَمَرَتِهَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ‏:‏ ثنا سُفْيَانُ، عَنِالْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ ثنا شُعْبَةُ، عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ رَجُلًا يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا‏}‏ قَالَ‏:‏ السَّكَرُ‏:‏ مَا حُرِّمَ مِنْ ثَمَرَتَيْهِمَا، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ‏:‏ مَا أُحِلَّ مِنْ ثَمَرَتَيْهِمَا‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو غَسَّانٍ، قَالَ‏:‏ ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا الْأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ‏:‏ ثني عَمْرُو بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ، وَذُكِرَتْ عِنْدَهُ هَذِهِ الْآيَةُ ‏{‏وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا‏}‏ قَالَ‏:‏ السَّكَرُ‏:‏ مَا حُرِّمَ مِنْهُمَا، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ‏:‏ مَا أُحِلَّ مِنْهُمَا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ الْبَصْرِيِّ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا‏}‏ قَالَ‏:‏ فَأَمَّا الرِّزْقُ الْحَسَنُ‏:‏ فَمَا أُحِلَّ مِنْ ثَمَرَتِهِمَا، وَأَمَّا السَّكَرُ‏:‏ فَمَا حُرِّمَ مِنْ ثَمَرَتِهِمَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الْحُمَّانِيُّ، قَالَ‏:‏ ثنا شَرِيكٌ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ الْبَصْرِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا‏}‏ قَالَ‏:‏ السَّكَرُ‏:‏ حَرَامُهُ، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ‏:‏ حَلَالُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ السَّكَرُ‏:‏ مَا حَرُمَ مِنْ ثَمَرَتِهِمَا، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ‏:‏ مَا حَلَّ مِنْ ثَمَرَتِهِمَا‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ الرِّزْقُ الْحَسَنُ‏:‏ الْحَلَالُ، وَالسَّكَرُ‏:‏ الْحَرَامُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ‏{‏تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا حُرِّمَ مِنْ ثَمَرَتِهِمَا، وَمَا أُحِلَّ مِنْ ثَمَرَتِهِمَا‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ‏:‏ ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ‏:‏ السَّكَرُ خَمْرٌ، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ الْحَلَّالُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبِي، عَنْ مِسْعَرٍ وَسُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ‏:‏ الرِّزْقُ الْحَسَنُ‏:‏ الْحَلَالُ، وَالسَّكَرُ‏:‏ الْحَرَامُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا‏}‏ قَالَ‏:‏ السَّكَرُ‏:‏ الْحَرَامُ، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ‏:‏ الْحَلَالُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ ‏{‏تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا‏}‏ قَالَ‏:‏ نَـزَلَ هَذَا وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، فَكَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَنْـزِلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ‏:‏ ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ وَأَبِي رَزِينٍ، قَالُوا‏:‏ هِيَ مَنْسُوخَةٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو قَطَنٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ، وَأَبِي رَزِينٍ بِمِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَهَا تَحْرِيمُ الْخَمْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثنا هَوْذَةُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَوْفٌ، عَنِالْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا‏}‏ قَالَ‏:‏ ذَكَرَ اللَّهُ نِعْمَتَهُ فِي السَّكَرِ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ وَعَوْفٌ، عَنِ الْحُسْنِ، قَالَ السَّكَرَ‏:‏ مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنْهُ، وَالرِّزْقُ‏:‏ مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنْهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ‏:‏ الرِّزْقُ الْحَسَنُ‏:‏ الْحَلَالُ، وَالسَّكَرُ‏:‏ الْحَرَامُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبِي، عَنْ سَلَمَةَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ‏:‏ الرِّزْقُ الْحَسَنُ‏:‏ الْحَلَالُ، وَالسَّكَرُ‏:‏ الْحَرَامُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي يَحْيَى بْنِ الْمُهَلَّبِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ السَّكَرُ‏:‏ الْخَمْرُ، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ، الرُّطَبُ وَالْأَعْنَابُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ‏:‏ ثنا شَرِيكٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ الْخَمْرُ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْخَمْرُ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا، ‏{‏وَرِزْقًا حَسَنًا‏}‏ قَالَ‏:‏ طَعَامًا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا‏}‏ أَمَّا السَّكَرُ‏:‏ فَخُمُورُ هَذِهِ الْأَعَاجِمِ، وَأَمَّا الرِّزْقُ الْحَسَنُ‏:‏ فَمَا تَنْتَبِذُونَ، وَمَا تُخَلِّلُونَ، وَمَا تَأْكُلُونَ، وَنَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَمْ تُحَرَّمُ الْخَمْرُ يَوْمئِذٍ، وَإِنَّمَا جَاءَ تَحْرِيمُهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ أَبِي عُذْرَةَ، قَالَ‏:‏ هَكَذَا سَمِعْتُ قَتَادَةَ ‏{‏تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا‏}‏ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ بِشْرٍ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏(‏سَكَرًا‏)‏ قَالَ‏:‏ هِيَ خُمُورُ الْأَعَاجِمِ، وَنُسِخَتْ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ قَالَ‏:‏ مَا تَنْتَبِذُونَ وَتُخَلِّلُونَ وَتَأْكُلُونَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، قَالَ‏:‏ ثني عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا‏}‏ وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُسَمُّونَ الْخَمْرَ سَكَرًا، وَكَانُوا يَشْرَبُونَهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَرَّ رِجَالٌ بِوَادِي السَّكْرَانِ الَّذِي كَانَتْ قُرَيْشٌ تَجْتَمِعُ فِيهِ، إِذَا تَلَقَّوْا مُسَافِرِيهِمْ إِذَا جَاءُوا مِنَ الشَّامِ، وَانْطَلَقُوا مَعَهُمْ يُشَيِّعُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغُوا وَادِي السَّكْرَانِ ثُمَّ يَرْجِعُوا مِنْهُ، ثُمَّ سَمَّاهَا اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَمْرَ حِينَ حُرِّمَتْ، وَقَدْ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَزْعُمُ أَنَّهَا الْخَمْرُ، وَكَانَ يَزْعُمُ أَنَّ الْحَبَشَةَ يُسَمَّوْنَ الْخَلَّ السَّكَرَ‏.‏ قَوْلُهُ ‏{‏وَرِزْقًا حَسَنًا‏}‏ يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ الْحَلَالِ التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ، وَمَا كَانَ حَلَالًا لَا يُسْكِرُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ السَّكَرُ بِمَنْـزِلَةِ الْخَمْرِ فِي التَّحْرِيمِ، وَلَيْسَ بِخَمْرٍ، وَقَالُوا‏:‏ هُوَ نَقِيعُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إِذَا اشْتَدَّ وَصَارَ يُسْكِرُ شَارِبَهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُكْمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَمْرٌو، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا‏}‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَنْـزِلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَالسَّكَرُ حَرَامٌ مِثْلُ الْخَمْرِ؛ وَأَمَّا الْحَلَالُ مِنْهُ، فَالزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ وَالْخَلُّ وَنَحْوُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، وَعَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَا ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا‏}‏ فَحَرَّمَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ، يَعْنِي بَعْدَ مَا أَنْـزَلَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ ذِكْرِ الْخَمْرِ، وَالْمَيْسِرِ وَالْأَنْصَابِ وَالْأَزْلَامِ، السَّكَرِ مَعَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ لِأَنَّهُ مِنْهُ، قَالَ ‏{‏وَرِزْقًا حَسَنًا‏}‏ فَهُوَ الْحَلَالُ مِنَ الْخَلِّ وَالنَّبِيذِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، فَأَقَرَّهُ اللَّهُ وَجَعَلَهُ حَلَالًا لِلْمُسْلِمِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُوسَى، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ مُرَّةَ عَنِ السَّكَرِ، فَقَالَ‏:‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ‏:‏ هُوَ خَمْرٌ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ‏:‏ السَّكَرُ‏:‏ خَمْرٌ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ‏:‏ ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ السَّكَرُ‏:‏ خَمْرٌ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ‏:‏ ثنا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُغَيَّرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَأَبِي رَزِينٍ، قَالَا السَّكَرُ‏:‏ خَمْرٌ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا‏}‏ يَعْنِي‏:‏ مَا أَسْكَرَ مِنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ ‏{‏وَرِزْقًا حَسَنًا‏}‏ يَعْنِي‏:‏ ثَمَرَتَهَا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْحَلَالُ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحَلَالِ حَتَّى غَيَّرُوهَا فَجَعَلُوا مِنْهَا سَكَرًا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ السَّكَرُ‏:‏ هُوَ كُلُّ مَا كَانَ حَلَالًا شُرْبُهُ، كَالنَّبِيذِ الْحَلَّالِ وَالْخَلِّ وَالرُّطَبِ‏.‏ وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ‏:‏ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي دَاوُدُ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ أَبُو رَوْقٍ‏:‏ ثني قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ‏:‏ أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى ‏{‏تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا‏}‏ أَهْوَ هَذَا السَّكَرُ الَّذِي تَصْنَعُهُ النَّبَطُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا هَذَا خَمْرٌ، إِنَّمَا السَّكَرُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ النَّبِيذُ وَالْخَلُّ وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ‏:‏ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ دَاوُدَ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ‏:‏ وَذَكَرَ مَجَالِدٌ، عَنْ عَامِرٍ، نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ‏:‏ ثنا مَنْدَلٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا كَانُوا يَتَّخِذُونَ مِنَ النَّخْلِ النَّبِيذُ، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ‏:‏ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ مِنَ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ‏:‏ ثنا مَنْدَلٌ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ‏:‏ قُلْتُ لَهُ‏:‏ مَا تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا‏؟‏ قَالَ‏:‏ كَانُوا يَصْنَعُونَ مِنَ النَّبِيذِ وَالْخَلِّ قُلْتُ‏:‏ وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ كَانُوا يَصْنَعُونَ مِنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أُسَامَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ‏:‏ السَّكَرُ‏:‏ النَّبِيذُ وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ‏:‏ التَّمْرُ الَّذِي كَانَ يُؤْكَلُ، وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، الْآيَةُ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، بَلْ حُكْمُهَا ثَابِتٌ‏.‏

وَهَذَا التَّأْوِيلُ عِنْدِي هُوَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ السَّكَرَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى أَحَدِ أَوْجُهٍ أَرْبَعَةٍ‏:‏ أَحُدُهَا‏:‏ مَا أَسْكَرَ مِنَ الشَّرَابِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ مَا طُعِمَ مِنَ الطَّعَامِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

جَعَلْتُ عَيْبَ الْأَكْرَمِينَ سَكَرَا ***

أَيْ طُعْمًا‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ السُّكُونُ، مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ‏:‏

جَعَلَتْ عَيْنُ الْحَرُورِ تَسْكَرُ ***

وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى‏.‏ وَالرَّابِعُ‏:‏ الْمَصْدَرُ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ سَكِرَ فُلَانٌ يَسْكَرُ سُكْرًا وَسَكْرًا وَسَكَرًا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ مَا يُسْكِرُ مِنَ الشَّرَابِ حَرَامًا بِمَا قَدْ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى‏:‏ ‏"‏لَطِيفُ الْقَوْلِ فِي أَحْكَامِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ‏"‏ وَكَانَ غَيْرُ جَائِزٍ لَنَا أَنْ نَقُولَ‏:‏ هُوَ مَنْسُوخٌ، إِذْ كَانَ الْمَنْسُوخُ هُوَ مَا نَفَى حُكْمَهُ النَّاسِخُ، وَمَا لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ الْحُكْمِ بِهِ وَنَاسِخُهُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّكَرَ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْخَمْرِ، وَغَيْرُ مَا يُسْكِرُ مِنَ الشَّرَابِ، حَرَامٌ، إِذْ كَانَ السَّكَرُ أَحَدُ مَعَانِيهِ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَمَنْ نَـزَلَ بِلِسَانِهِ الْقُرْآنُ هُوَ كُلُّ مَا طُعِمَ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَ ذَلِكَ، إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ التَّنْـزِيلِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، أَوْ وَرَدَ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ خَبَرٌ مِنَ الرَّسُولِ، وَلَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ، فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ مَعْنَى السَّكَرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏:‏ هُوَ كُلُّ مَا حَلَّ شُرْبُهُ، مِمَّا يَتَّخِذُ مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ، وَفَسَدَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْخَمْرُ أَوْ مَا يُسْكِرُ مِنَ الشَّرَابِ، وَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ السَّكَرُ نَفْسُهُ، إِذْ كَانَ السَّكَرُ لَيْسَ مِمَّا يُتَّخَذُ مِنَ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ، وَمِنْ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى السُّكُونِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فِيمَا إِنْ وَصَفْنَا لَكُمْ مِنْ نِعَمِنَا الَّتِي آتَيْنَاكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنَ الْأَنْعَامِ وَالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ، لَدَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ وَآيَةٌ بَيِّنَةٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ عَنِ اللَّهِ حُجَجَهُ، وَيَفْهَمُونَ عَنْهُ مَوَاعِظَهُ، فَيَتَّعِظُونَ بِهَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَأَلْهَمَ رَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ النَّحْلَ إِيحَاءً إِلَيْهَا ‏{‏أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ مِمَّا يَبْنُونَ مِنَ السُّقُوفِ، فَرَفَعُوهَا بِالْبِنَاءِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثنا مَرْوَانُ، عَنْ إِسْحَاقَ التَّمِيمِيِّ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي الصَّبَّاحِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَلْهَمَهَا إِلْهَامًا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرُ، قَالَ‏:‏ بَلَغَنِي، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَذَفَ فِي أَنْفُسِهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَصْحَابِهِ، قَوْلَهُ ‏{‏وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَذَفَ فِي أَنْفُسِهَا أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، قَالَ‏:‏ ثني عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ أَمَرَهَا أَنْ تَأْكُلَ مِنَ الثَّمَرَاتِ، وَأَمَرَهَا أَنْ تَتَّبِعَ سُبُلَ رَبِّهَا ذُلَّلَا‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْإِيحَاءِ وَاخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ ‏(‏يَعْرِشُونَ‏)‏

وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي مَعْنَى يَعْرِشُونَ، مَا حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ ‏(‏يَعْرِشُونَ‏)‏ قَالَ‏:‏ الْكَرْمُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏69‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ثُمَّ كُلِي أَيَّتُهَا النَّحْلُ مِنَ الثَّمَرَاتِ، ‏{‏فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَاسْلُكِي طُرُقَ رَبِّكِ ‏(‏ذُلُلًا‏)‏ يَقُولُ‏:‏ مُذَلَّلَةٌ لَكَ، وَالذُّلُلُ‏:‏ جَمْعُ ذَلُولٍ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا‏}‏ قَالَ‏:‏ لَا يَتَوَعَّرُ عَلَيْهَا مَكَانٌ سَلَكَتْهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا‏}‏ قَالَ‏:‏ طُرُقًا ذُلُلًا قَالَ‏:‏ لَا يَتَوَعَّرُ عَلَيْهَا مَكَانٌ سَلَكَتْهُ‏.‏ وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ مُجَاهِدٌ، الذُّلُلُ مِنْ نَعْتِ السُّبُلِ‏.‏

وَالتَّأْوِيلُ عَلَى قَوْلِهِ ‏{‏فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا‏}‏ الذُّلُل لَكِ‏:‏ لَا يَتَوَعَّرُ عَلَيْكِ سَبِيلٌ سَلَكْتِيهِ، ثُمَّ أُسْقِطَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فَنَصَبَ عَلَى الْحَالِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا‏}‏‏:‏ أَيْ مُطِيعَةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏(‏ذُلُلًا‏)‏ قَالَ‏:‏ مُطِيعَةٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الذَّلُولُ‏:‏ الَّذِي يُقَادُ وَيُذْهَبُ بِهِ حَيْثُ أَرَادَ صَاحِبُهُ، قَالَ‏:‏ فَهُمْ يَخْرُجُونَ بِالنَّحْلِ يَنْتَجِعُونَ بِهَا وَيَذْهَبُونَ، وَهِيَ تَتْبَعُهُمْ‏.‏ وَقَرَأَ ‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ الْآيَةَ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ، الذُّلُلُ مِنْ نَعْتِ النِّحَلِ، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ غَيْرُ بَعِيدٍ مِنَ الصَّوَابِ فِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ، غَيْرَ أَنَّا اخْتَرْنَا أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِلسُّبُلِ لِأَنَّهَا إِلَيْهَا أَقْرَبُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِ النَّحْلِ شَرَابٌ، وَهُوَ الْعَسَلُ، مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ، لِأَنَّ فِيهَا أَبْيَضُ وَأَحْمَرُ وَأَسْحَرُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَلْوَانِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ أَسْحَرُ‏:‏ أَلْوَانٌ مُخْتَلِفَةٌ مِثْلُ أَبْيَضَ يَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ‏}‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَا عَادَتْ عَلَيْهِ الْهَاءُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ ‏(‏فِيهِ‏)‏، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عَادَتْ عَلَى الْقُرْآنِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِهَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي الْقُرْآنِ شِفَاءٌ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ أُرِيدَ بِهَا الْعَسَلُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ‏}‏ فَفِيهِ شِفَاءٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْأَدْوَاءِ، وَقَدْ كَانَ يَنْهَى عَنْ تَفْرِيقِ النَّحْلِ، وَعَنْ قَتْلِهَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ‏:‏ «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَنَّ أَخَاهُ اشْتَكَى بَطْنَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ اذْهَبْ فَاسْقِ أَخَاكَ عَسَلًا ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ‏:‏ مَا زَادَهُ إِلَّا شِدَّةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ اذْهَبْ فَاسْقِ أَخَاكَ عَسَلًا فَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ، فَسَقَاهُ، فَكَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ‏"‏»‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ شِفَاءَانِ‏:‏ الْعَسَلُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، وَالْقُرْآنُ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، قَالَ‏:‏ ثني عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ‏}‏ الْعَسَلُ‏.‏

وَهَذَا الْقَوْلُ، أَعْنِي قَوْلَ قَتَادَةَ، أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ‏)‏ فِيهِ‏)‏ فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ عَنِ الْعَسَلِ فَأَنْ تَكُونَ الْهَاءُ مِنْ ذِكْرِ الْعَسَلِ، إِذْ كَانَتْ فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ عَنْهُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ فِي إِخْرَاجِ اللَّهِ مِنْ بُطُونِ هَذِهِ النَّحْلِ‏:‏ الشَّرَابَ الْمُخْتَلِفَ، الَّذِي هُوَ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ، لِدَلَالَةٌ وَحُجَّةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى مَنْ سَخَّرَ النَّحْلَ وَهَدَاهَا لِأَكْلِ الثَّمَرَاتِ الَّتِي تَأْكُلُ، وَاتِّخَاذِهَا الْبُيُوتَ الَّتِي تُنْحَتُ مِنَ الْجِبَالِ وَالشَّجَرِ وَالْعُرُوشِ، وَأَخْرَجَ مِنْ بُطُونِهَا مَا أَخْرَجَ مِنَ الشِّفَاءِ لِلنَّاسِ، أَنَّهُ الْوَاحِدُ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ وَلَا تَصِحُّ الْأُلُوهَةُ إِلَّا لَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏70‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَأَوْجَدَكُمْ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا، لَا الْآلِهَةُ الَّتِي تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ، فَاعْبُدُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ دُونَ غَيْرِهِ ‏{‏ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ يَقْبِضُكُمْ ‏{‏وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَمِنْكُمْ مَنْ يَهْرَمُ فَيَصِيرُ إِلَى أَرْذَلَ الْعُمْرِ، وَهُوَ أَرْدَؤُهُ، يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ رَذُلَ الرَّجُلُ وَفَسُلَ، يُرْذِلُ رَذَالَةً وَرُذُولَةً وَرَذَلْتُهُ أَنَا‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ إِنَّهُ يَصِيرُ كَذَلِكَ فِي خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْفَزَارِيُّ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوَارٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَسَدُ بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نَبَاتَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ‏}‏ قَالَ‏:‏ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّمَا نَرُدُّهُ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِيَعُودَ جَاهِلًا كَمَا كَانَ فِي حَالِ طُفُولَتِهِ وَصِبَاهُ، بَعْدَ عَلَمٍ شَيْئًا‏:‏ يَقُولُ‏:‏ لِئَلَّا يَعْلَمُ شَيْئًا بَعْدَ عِلْمٍ كَانَ يَعْلَمُهُ فِي شَبَابِهِ، فَذَهَبَ ذَلِكَ بِالْكِبَرِ وَنَسِيَ، فَلَا يَعْلَمَ مِنْهُ شَيْئًا، وَانْسَلَخَ مِنْ عَقْلِهِ، فَصَارَ مِنْ بَعْدِ عَقْلٍ كَانَ لَهُ لَا يَعْقِلُ شَيْئًا ‏{‏إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْسَى، وَلَا يَتَغَيَّرُ عِلْمُهُ، عَلِيمٌ بِكُلِّ مَا كَانَ وَيَكُونُ، قَدِيرٌ عَلَى مَا شَاءَ لَا يَجْهَلُ شَيْئًا، وَلَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ أَرَادَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏71‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَاللَّهُ أَيُّهَا النَّاسُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ الَّذِي رَزَقَكُمْ فِي الدُّنْيَا، فَمَا الَّذِينَ فَضَّلَهُمُ اللَّهُ عَلَى غَيْرِهِمْ بِمَا رَزَقَهُمْ ‏{‏بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ بِمُشْرِكِي مَمَالِيكِهِمْ فِيمَا رَزَقَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَزْوَاجِ‏.‏ ‏{‏فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ حَتَّى يَسْتَوُوا هُمْ فِي ذَلِكَ وَعَبِيدُهُمْ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَهُمْ لَا يَرْضَوْنَ بِأَنْ يَكُونُوا هُمْ وَمَمَالِيكُهُمْ فِيمَا رَزَقْتُهُمْ سَوَاءٌ، وَقَدْ جَعَلُوا عَبِيدِي شُرَكَائِي فِي مُلْكِي وَسُلْطَانِي، وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ الَّذِينَ قَالُوا‏:‏ إِنَّ الْمَسِيحَ ابْنُ اللَّهِ مِنَ النَّصَارَى‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الرِّزْقِ الَّذِي رَزَقَهُمْ فِي الدُّنْيَا يَجْحَدُونَ بِإِشْرَاكِهِمْ غَيْرَ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ فِي، سُلْطَانِهِ وَمُلْكِهِ‏؟‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، قَالَ‏:‏ ثني عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَمْ يَكُونُوا يُشْرِكُونَ عَبِيدَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، فَكَيْفَ يُشْرِكُونَ عَبِيدِي مَعِي فِي سُلْطَانِي‏؟‏ فَذَلِكَ قَوْلُهُ ‏{‏أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ هَذِهِ الْآيَةُ فِي شَأْنِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، يَعْنِي بِذَلِكَ نَفْسَهُ، إِنَّمَا عِيسَى عَبْدٌ، فَيَقُولُ اللَّهُ‏:‏ وَاللَّهِ مَا تُشْرِكُونَ عَبِيدَكُمْ فِي الَّذِي لَكُمْ فَتَكُونُوا أَنْتُمْ وَهُمْ سَوَاءٌ، فَكَيْفَ تَرْضَوْنَ لِي بِمَا لَا تَرْضَوْنَ لِأَنْفُسِكُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِثْلُ آلِهَةِ الْبَاطِلِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ‏}‏ وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ، فَهَلْ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ شَارَكَ مَمْلُوكَهُ فِي زَوْجَتِهِ وَفِي فِرَاشِهِ فَتَعْدِلُونَ بِاللَّهِ خَلْقَهُ وَعِبَادَهُ، فَإِنْ لَمْ تَرْضَ لِنَفْسِكَ هَذَا، فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُنَـزَّهَ مِنْهُ مِنْ نَفْسِكَ، وَلَا تَعْدِلَ بِاللَّهِ أَحَدًا مِنْ عِبَادِهِ وَخَلْقِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذَا الَّذِي فُضِّلَ فِي الْمَالِ وَالْوَلَدِ، لَا يُشْرِكُ عَبْدَهُ فِي مَالِهِ وَزَوْجَتِهِ، يَقُولُ‏:‏ قَدْ رَضِيَتُ بِذَلِكَ لِلَّهِ وَلَمْ تَرْضَ بِهِ لِنَفْسِكَ، فَجَعَلْتَ لِلَّهِ شَرِيكًا فِي مُلْكِهِ وَخَلْقِِهِ‏.‏