فصل: تفسير الآيات رقم (69- 71)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآيات رقم ‏[‏69- 71‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَاقْصُصْ عَلَى قَوْمِكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَا مُحَمَّدُ خَبَرَ إِبْرَاهِيمَ حِينَ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ‏:‏ أَيُّ شَيْءٍ تَعْبُدُونَ‏؟‏ ‏{‏قَالُوا‏}‏ لَهُ ‏{‏نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَنَظَلُّ لَهَا خَدَمًا مُقِيمِينَ عَلَى عِبَادَتِهَا وَخِدْمَتِهَا‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْعُكُوفِ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ يَقُولُ فِي مَعْنَى ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الصَّلَاةُ لِأَصْنَامِهِمْ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏72- 74‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لَهُمْ‏:‏ هَلْ تَسْمَعُ دُعَاءَكُمْ هَؤُلَاءِ الْآلِهَةُ إِذْ تَدْعُونَهُمْ‏؟‏ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ مَعْنَاهُ‏:‏ هَلْ يَسْمَعُونَ مِنْكُمْ أَوْ هَلْ يَسْمَعُونَ دُعَاءَكُمْ‏.‏ فَحَذَفَ الدُّعَاءَ، كَمَا قَالَ زُهَيْرٌ‏:‏

الْقَـائِدُ الخَـيْلَ مَنْكُوبًـا دَوَابِرُهَـا *** قـدْ أُحْـكِمَتْ حَكَمَـاتُ القِـدِّ وَالْأَبَقَـا

وَقَالَ‏:‏ يُرِيدُ أُحْكِمَتْ حَكَمَاتُ الْأَبْقِ، فَأَلْقَى الْحَكَمَاتِ وَأَقَامَ الْأَبْقَ مُقَامَهَا‏.‏ وَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ‏:‏ الْفَصِيحُ مِنَ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ هُوَ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ زَيْدًا مُتَكَلِّمًا، يُرِيدُونَ‏:‏ سَمِعْتُ كَلَامَ زِيدٍ، ثُمَّ تَعْلَمُ أَنَّ السَّمْعَ لَا يَقَعُ عَلَى الْأَنَاسِيِّ‏.‏ إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى كَلَامِهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ‏:‏ سَمِعْتُ زَيْدًا‏:‏ أَيْ سَمِعْتُ كَلَامَهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَوْ لَمْ يُقَدِّمْ فِي بَيْتِ زُهَيْرٍ حَكَمَاتِ الْقَدِّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْبَقَ بِالْأَبْقِ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ‏:‏ رَأَيْتُ الْأَبْقَ، وَهُوَ يُرِيدُ الْحِكْمَةَ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَوْ تَنْفَعُكُمْ هَذِهِ الْأَصْنَامُ، فَيَرْزُقُونَكُمْ شَيْئًا عَلَى عِبَادَتِكُمُوهَا، أَوْ يَضُرُّونَكُمْ فَيُعَاقِبُونَكُمْ عَلَى تَرْكِكُمْ عِبَادَتهَا بِأَنْ يَسْلُبُوكُمْ أَمْوَالكُمْ، أَوْ يُهْلِكُوكُمْ إِذَا هَلَكْتُمْ وَأَوْلَادَكُمْ ‏{‏قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ‏}‏‏.‏ وَفِي الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ اسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَمَّا تُرِكَ، وَذَلِكَ جَوَابُهُمْ إِبْرَاهِيمُ عَنْ مَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُمْ‏:‏ ‏{‏هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ‏}‏ فَكَانَ جَوَابُهُمْ إِيَّاهُ‏:‏ لَا مَا يَسْمَعُونَنَا إِذَا دَعَوْنَاهُمْ، وَلَا يَنْفَعُونَنَا وَلَا يَضُرُّونَ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ بِذَلِكَ أَجَابُوهُ‏.‏ قَوْلُهُمْ‏:‏ ‏{‏بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ‏}‏ وَذَلِكَ رُجُوعٌ عَنْ مَجْحُودٍ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ مَا كَانَ كَذَا بَلْ كَذَا وَكَذَا، وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ‏:‏ ‏{‏وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ‏}‏ وَجَدْنَا مَنْ قَبْلَنَا، وَلَا يَضُرُّونَ، يدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ بِذَلِكَ أَجَابُوهُ، قَوْلُهُمْ مِنْ آبَائِنَا يَعْبُدُونَهَا وَيَعْكُفُونَ عَلَيْهَا لِخِدْمَتِهَا وَعِبَادَتِهَا، فَنَحْنُ نَفْعَلُ ذَلِكَ اقْتِدَاءً بِهِمْ، وَاتِّبَاعًا لِمِنْهَاجِهِمْ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏75- 77‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِقَوْمِهِ‏:‏ أَفَرَأَيْتُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَامِ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ، يَعْنِي بِالْأَقْدَمِينَ‏:‏ الْأَقْدَمِينَ مِنَ الَّذِينَ كَانَ إِبْرَاهِيمُ يُخَاطِبُهُمْ، وَهُمُ الْأَوَّلُونَ قَبْلَهُمْ مِمَّنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الَّذِينَ كَلَّمَهُمْ إِبْرَاهِيمُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ ‏{‏فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ‏}‏‏.‏ يَقُولُ قَائِلٌ‏:‏ وَكَيْفَ يُوصَفُ الْخَشَبُ وَالْحَدِيدُ وَالنُّحَاسُ بِعَدَاوَةِ ابْنِ آدَمَ‏؟‏ فَإِنَّ مَعْنًى ذَلِكَ‏:‏ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي لَوْ عَبَدْتُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏{‏وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا‏}‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ‏}‏ نَصْبًا عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَالْعَدُوُّ بِمَعْنَى الْجَمْعِ، وَوَحَّدَ لِأَنَّهُ أُخْرِجَ مُخْرِجَ الْمَصْدَرِ، مِثْلَ الْقُعُودِ وَالْجُلُوسِ‏.‏

وَمَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ أَفَرَأَيْتُمْ كُلَّ مَعْبُودٍ لَكُمْ وَلِآبَائِكُمْ، فَإِنِّي مِنْهُ بَرِيءٌ لَا أَعْبُدُهُ، إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏78- 80‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ‏:‏ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ‏{‏الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ‏}‏ لِلصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَيُسَدِّدُنِي لِلرَّشَادِ‏.‏ ‏{‏وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَالَّذِي يَغْذُونِي بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَيَرْزُقُنِي الْأَرْزَاقَ ‏{‏وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَإِذَا سَقِمَ جِسْمِي وَاعْتَلَّ، فَهُوَ يُبْرِئُهُ وَيُعَافِيهِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏81- 82‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ‏:‏ وَالَّذِي يُمِيتُنِي إِذَا شَاءَ ثُمَّ يُحْيِينِي إِذَا أَرَادَ بَعْدَ مَمَاتِي‏.‏ ‏{‏وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ‏}‏ فَرَبِّي هَذَا الَّذِي بِيَدِهِ نَفْعِي وَضَرِّي، وَلَهُ الْقُدْرَةُ وَالسُّلْطَانُ، وَلَهُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ، لَا الَّذِي لَا يَسْمَعُ إِذَا دُعِيَ، وَلَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ‏.‏ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ احْتِجَاجًا عَلَى قَوْمِهِ، فِي أَنَّهُ لَا تَصْلُحُ الْأُلُوهَةُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعُبُودَةُ إِلَّا لِمَنْ يَفْعَلُ هَذِهِ الْأَفْعَالَ، لَا لِمَنْ لَا يُطِيقُ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، عَنِيَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ‏}‏‏:‏ وَالَّذِي أَرْجُو أَنْ يَغْفِرَ لِي قَوْلِي‏:‏ ‏{‏إِنِّي سَقِيمٌ‏}‏ وَقَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا‏}‏ وَقَوْلِيلِسَارَّةَ‏:‏ إِنَّهَا أُخْتِي‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنِّي سَقِيمٌ‏}‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا‏}‏ وَقَوْلُهُلِسَارَّةَ‏:‏ إِنَّهَا أُخْتِي، حِينَ أَرَادَ فِرْعَوْنُ مِنَ الْفَرَاعِنَةِ أَنْ يَأْخُذَهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَوْلَهُ ‏{‏إِنِّي سَقِيمٌ‏}‏ وَقَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا‏}‏ وَقَوْلَهُلِسَارَّةَ‏:‏ إِنَّهَا أُخْتِي‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو تَمِيلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ نَحْوَهُ‏.‏

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ ‏{‏يَوْمَ الدِّينِ‏}‏ يَوْمَ الْحِسَابِ، يَوْمَ الْمُجَازَاةِ‏.‏ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏83- 84‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ مَسْأَلَةِ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ إِيَّاهُ ‏{‏رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ رَبِّ هَبْ لِي نُبُوَّةً‏.‏ ‏{‏وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَاجْعَلْنِي رَسُولًا إِلَى خَلْقِكَ، حَتَّى تُلْحِقَنِي بِذَلِكَ بِعِدَادِ مَنْ أَرْسَلْتَهُ مِنْ رِسْلِكَ إِلَى خَلْقِكَ، وَائْتَمَنْتَهُ عَلَى وَحْيِكَ، وَاصْطَفَيْتَهُ لِنَفْسِكَ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَاجْعَلْ لِي فِي النَّاسِ ذِكْرًا جَمِيلًا وَثَنَاءً حَسَنًا، بَاقِيًا فِيمَنْ يَجِيءُ مِنَ الْقُرُونِ بَعْدِي‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ‏}‏ قَوْلُهُ ‏{‏وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا‏}‏‏.‏ قَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ فَضَلَّهُ بِالْخُلَّةِ حِينَ اتَّخَذَهُ خَلِيلًا فَسَأَلَ اللَّهَ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ‏}‏ حَتَّى لَا تُكَذِّبَنِي الْأُمَمُ، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْيَهُودَ آمَنَتْ بِمُوسَى، وَكَفَرَتْ بِعِيسَى، وَإِنَّ النَّصَارَى آمَنَتْ بِعِيسَى، وَكَفَرَتْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُلُّهُمْ يَتَوَلَّى إِبْرَاهِيمَ؛ قَالَتِ الْيَهُودُ‏:‏ هُوَ خَلِيلُ اللَّهِ وَهُوَ مِنَّا، فَقَطَعَ اللَّهُ وِلَايَتَهُمْ مِنْهُ بَعْدَ مَا أَقَرُّوا لَهُ بِالنُّبُوَّةِ وَآمَنُوا بِهِ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏}‏ ثُمَّ أَلْحَقَ وِلَايَتَهُ بِكُمْ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ فَهَذَا أَجْرُهُ الَّذِي عَجَّلَ لَهُ، وَهِيَ الْحَسَنَةُ، إِذْ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً‏}‏ وَهُوَ اللِّسَانُ الصِّدْقُ الَّذِي سَأَلَ رَبَّهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ اللِّسَانُ الصِّدْقُ‏:‏ الذِّكْرُ الصِّدْقُ، وَالثَّنَاءُ الصَّالِحُ، وَالذِّكْرُ الصَّالِحُ فِي الْآخَرِينَ مِنَ النَّاسِ، مِنَ الْأُمَمِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏85- 89‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ‏}‏‏.‏

يَعْنِي إِبْرَاهِيمُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ‏}‏ أَوْرِثْنِي يَا رَبِّ مِنْ مَنَازِلِ مَنْ هَلَكَ مِنْ أَعْدَائِكَ الْمُشْرِكِينَ بِكَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَسْكِنِّي ذَلِكَ‏.‏ ‏{‏وَاغْفِرْ لِأَبِي‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَاصْفَحْ لِأَبِي عَنْ شِرْكِهِ بِكَ، وَلَا تُعَاقِبْهُ عَلَيْهِ ‏{‏إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّهُ كَانَ مِمَّنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِ الْهُدَى، فَكَفَرَ بِكَ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ اسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَاخْتِلَافَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ، وَالصَّوَابَ عِنْدَنَا مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَا تُذِلَّنِي بِعِقَابِكَ إِيَّايَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ مِنْ قُبُورِهِمْ لِمَوْقِفِ الْقِيَامَةِ‏.‏ ‏{‏يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَا تُخْزِنِي يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَنْ كَفَرَ بِكَ وَعَصَاكَ فِي الدُّنْيَا مَالٌ كَانَ لَهُ فِي الدُّنْيَا، وَلَا بَنُوهُ الَّذِينَ كَانُوا لَهُ فِيهَا، فَيَدْفَعُ ذَلِكَ عَنْهُ عِقَابَ اللَّهِ إِذَا عَاقَبَهُ، وَلَا يُنَجِّيهِ مِنْهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يَبْعَثُونَ، يَوْمَ لَا يَنْفَعُ إِلَّا الْقَلْبُ السَّلِيمُ‏.‏

وَالَّذِي عُنِيَ بِهِ مِنْ سَلَامَةِ الْقَلْبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏:‏ هُوَ سَلَامَةُ الْقَلْبِ مِنَ الشَّكِّ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَوْنٍ، قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِمُحَمَّدٍ‏:‏ مَا الْقَلْبُ السَّلِيمُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ قَائِمَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَا شَكَّ فِيهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَيْسَ فِيهِ شَكٌّ فِي الْحَقِّ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بِقَلْبٍ سَلِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ سَلِيمٌ مِنَ الشِّرْكِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ ‏{‏إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ سَلِيمٌ مِنَ الشِّرْكِ، فَأَمَّا الذُّنُوبُ فَلَيْسَ يَسْلَمُ مِنْهَا أَحَدٌ‏.‏

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْآمُلِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ الْخَالِصُ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏90- 95‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ‏}‏‏.‏

يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ‏}‏ وَأُدْنِيَتِ الْجَنَّةُ وَقُرِّبَتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ اتَّقَوْا عِقَابَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ بِطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا ‏{‏وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَأُظْهِرَتِ النَّارُ لِلَّذِينَ غَوَوْا فَضَّلُوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ‏.‏ ‏{‏وَقِيلَ‏}‏ لِلْغَاوِينَ ‏{‏أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏}‏ مِنَ الْأَنْدَادِ ‏{‏هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ‏}‏ الْيَوْمَ مِنَ اللَّهِ، فَيُنْقِذُونَكُمْ مِنْ عَذَابِهِ ‏{‏أَوْ يَنْتَصِرُونَ‏}‏ لِأَنْفُسِهِمْ، فَيُنْجُونَهَا مِمَّا يُرَادُ بِهَا‏؟‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَرُمِيَ بِبَعْضِهِمْ فِي الْجَحِيمِ عَلَى بَعْضٍ، وَطُرِحَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، مُنْكَبِّينَ عَلَى وُجُوهِهِمْ‏.‏ وَأَصْلُ كُبْكِبُوا‏:‏ كُبِّبُوا، وَلَكِنَّ الْكَافَ كُرِّرَتْ كَمَا قِيلَ‏:‏ ‏{‏بِرِيحٍ صَرْصَرٍ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ بِهِ صِرٌّ، وَنَهْنَهَنِي يُنَهْنِهُنِي، يَعْنِي بِهِ‏:‏ نَهَهَنِي‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏.‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَكُبْكِبُوا‏)‏ قَالَ‏:‏ فَدُهْوِرُوا‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَكُبْكِبُوا فِيهَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَجُمِّعُوا فِيهَا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَكُبْكِبُوا فِيهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ طُرِحُوا فِيهَا‏.‏ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ فَكُبْكِبَ هَؤُلَاءِ الْأَنْدَادُ الَّتِي كَانَتْ تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِي الْجَحِيمِ وَالْغَاوُونَ‏.‏

وَذُكِرَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ الْغَاوُونَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏ الشَّيَاطِينُ‏.‏

ذِكْرُ الرِّوَايَةِ عَمَّنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْغَاوُونَ‏:‏ الشَّيَاطِينُ‏.‏

فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ قَتَادَةَ‏.‏ فَكُبْكِبَ فِيهَا الْكُفَّارُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ الْأَصْنَامَ وَالشَّيَاطِينَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَكُبْكِبَ فِيهَا مَعَ الْأَنْدَادِ وَالْغَاوِينَ جُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ‏.‏ وَجُنُودُهُ‏:‏ كُلٌّ مَنْ كَانَ مِنْ تُبَّاعِهِ، مِنْ ذُرِّيَّتِهِ كَانَ أَوْ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏96- 98‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ هَؤُلَاءِ الْغَاوُونَ وَالْأَنْدَادُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ، وَهُمْ فِي الْجَحِيمِ يَخْتَصِمُونَ‏.‏ ‏{‏تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ تَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا فِي ذَهَابٍ عَنِ الْحَقِّ، إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، يُبِينُ ذَهَابَنَا ذَلِكَ عَنْهُ عَنْ نَفْسِهِ، لِمَنْ تَأْمَّلَهُ وَتُدَبَّرَهُ، أَنَّهُ ضَلَالٌ وَبَاطِلٌ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ يَقُولُ الْغَاوُونَ لِلَّذِينِ يَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏:‏ تَاللَّهَ إِنْ كُنَّا لَفِي ذَهَابٍ عَنِ الْحَقِّ حِينَ نَعْدُلُكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ فَنَعْبُدُكُمْ مِنْ دُونِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ لِتِلْكَ الْآلِهَةِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏99- 102‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ هَؤُلَاءِ الْغَاوِينَ فِي الْجَحِيمِ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ‏}‏ يَعْنِي بِالْمُجْرِمِينَ إِبْلِيسَ، وَابْنَ آدَمَ الَّذِي سَنَّ الْقَتْلَ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِبْلِيسُ وَابْنُ آدَمَ الْقَاتِلُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَلَيْسَ لَنَا شَافِعٌ فَيَشْفَعُ لَنَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْأَبَاعِدِ، فَيَعْفُو عَنَّا، وَيُنْجِينَا مِنْ عِقَابِهِ‏.‏ ‏{‏وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ‏}‏ مِنَ الْأَقَارِبِ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ عُنُوا بِالشَّافِعِينَ، وَبِالصَّدِيقِ الْحَمِيمِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عُنِيَ بِالشَّافِعِينَ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ، وَبِالصَّدِيقِ الْحَمِيمِ‏:‏ النَّسِيبُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ‏{‏وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنَ النَّاسِ، قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ صَدِيقٌ حَمِيمٌ، قَالَ‏:‏ شَقِيقٌ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ كُلُّ هَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي آدَمَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ الْمَسْمَعِيُّ، عَنْ أَخِيهِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْمَسْمَعِيِّ، قَالَ‏:‏ كَانَ قَتَادَةُ إِذَا قَرَأَ‏:‏ ‏{‏فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَعْلَمُونَ وَاللَّهِ أَنَّ الصَّدِيقَ إِذَا كَانَ صَالِحًا نَفَعَ، وَأَنَّ الْحَمِيمَ إِذَا كَانَ صَالِحًا شَفَعَ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَلَوْ أَنَّ لَنَا رَجْعَةً إِلَى الدُّنْيَا فَنُؤْمِنَ بِاللَّهِ فَنَكُونَ بِإِيمَانِنَا بِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏103- 104‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ إِبْرَاهِيمُ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْحُجَجِ الَّتِي ذَكَرْنَا لَهُ لَدَلَالَةً بَيِّنَةً وَاضِحَةً لِمَنِ اعْتَبَرَ، عَلَى أَنَّ سُنَّةَ اللَّهِ فِي خْلَقِهِ الَّذِينَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّةِ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَالْآلِهَةِ، وَيَقْتَدُونَ بِهِمْ فِي ذَلِكَ مَا سَنَّ فِيهِمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، مِنْ كَبْكَبَتِهِمْ وَمَا عَبَدُوا مِنْ دُونِهِ مَعَ جُنُودِ إِبْلِيسَ فِي الْجَحِيمِ، وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ مُؤْمِنِينَ‏.‏ وَإِنَّ رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ لَهْو الشَّدِيدُ الِانْتِقَامِ مِمَّنْ عَبَدَ دُونَهُ، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْ كُفْرِهِ حَتَّى هَلَكَ، الرَّحِيمُ بِمَنْ تَابَ مِنْهُمْ أَنْ يُعَاقِبَهُ عَلَى مَا كَانَ سَلَفَ مِنْهُ قَبْلَ تَوْبَتِهِ مِنْ إِثْمٍ وَجُرْمٍ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏105- 107‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ‏}‏ رُسُلَ اللَّهِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ إِلَيْهِمْ لَمَّا ‏{‏قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ‏}‏ فَتَحْذَرُوا عِقَابَهُ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ، وَتَكْذِيبِكُمْ رُسُلَهُ‏.‏ ‏{‏إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ‏}‏ مِنَ اللَّهِ ‏(‏أَمِينٌ‏)‏ عَلَى وَحْيِهِ إِلَيَّ بِرِسَالَتِهِ إِيَّايَ إِلَيْكُمْ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏108- 110‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَاتَّقُوا عِقَابَ اللَّهِ أَيُّهَا الْقَوْمُ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ، وَأَطِيعُونِي فِي نَصِيحَتِي لَكُمْ، وَأَمْرِي إِيَّاكُمْ بِاتِّقَائِهِ‏.‏ ‏{‏وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَمَا أَطْلُبُ مِنْكُمْ عَلَى نَصِيحَتِي لَكُمْ وَأَمْرِي إِيَّاكُمْ بِاتِّقَاءِ عِقَابِ اللَّهِ بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ، مِنْ ثَوَابٍ وَلَا جَزَاءٍ ‏{‏إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ دُونَكُمْ وَدُونَ جَمِيعِ خَلْقِ اللَّهِ، فَاتَّقُوا عِقَابَ اللَّهِ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ، وَخَافُوا حُلُولَ سَخَطِهِ بِكُمْ عَلَى تَكْذِيبِكُمْ رُسُلَهُ، وَأَطِيعُونِ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَطِيعُونِي فِي نَصِيحَتِي لَكُمْ، وَأَمْرِي إِيَّاكُمْ بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِخَالِقِكُمْ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏111- 113‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ قَوْمُ نُوحٍ لَهُ مُجِيبِيهِ عَنْ قِيلِهِ لَهُمْ‏:‏ ‏{‏إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ‏}‏ قَالُوا‏:‏ أَنُؤْمِنُ لَكَ يَا نُوحُ، وَنُقِرُّ بِتَصْدِيقِكَ فِيمَا تَدْعُونَا إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا اتَّبَعَكَ مِنَّا الْأَرْذَلُونَ دُونَ ذَوِي الشَّرَفِ وَأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ‏.‏ ‏{‏قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏ قَالَ نُوحٌ لِقَوْمِهِ‏:‏ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانَ أَتْبَاعِي يَعْمَلُونَ، إِنَّمَا لِي مِنْهُمْ ظَاهِرُ أَمْرِهِمْ دُونَ بَاطِنِهِ، وَلَمْ أُكَلَّفْ عِلْمَ بَاطِنِهِمْ، وَإِنَّمَا كُلِّفْتُ الظَّاهِرَ، فَمَنْ أَظْهَرَ حَسَنًا ظَنَنْتُ بِهِ حَسَنًا، وَمَنْ أَظْهَرَ سَيِّئًا ظَنَنْتُ بِهِ سَيِّئًا‏.‏ يَقُولُ‏:‏ إِنْ حِسَابُ بَاطِنِ أَمْرِهِمُ الَّذِي خَفِيَ عَنِّي إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ، فَإِنَّهُ يَعْلَمُ سِرَّ أَمْرِهِمْ وَعَلَانِيَتِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِهِمْ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏114- 116‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ نُوحٍ لِقَوْمِهِ‏:‏ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَاتَّبَعَنِي عَلَى التَّصْدِيقِ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏.‏ ‏{‏إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ مِنْ عِنْدِ رَبِّكُمْ أُنْذِرُكُمْ بَأْسَهُ، وَسَطْوَتَهُ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ، مُبِينٌ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ نَذِيرٌ قَدْ أَبَانَ لَكُمْ إِنْذَارَهُ، وَلَمْ يَكْتُمْكُمْ نَصِيحَتَهُ‏.‏ ‏{‏قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ قَالَ لِنُوحٍ قَوْمُهُ‏:‏ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ عَمَّا تَقُولُ، وَتَدْعُو إِلَيْهِ، وَتَعِيبُ بِهِ آلِهَتنَا، لَتَكُونُنَّ مِنَ الْمَشْتُومِينَ، يَقُولُ‏:‏ لَنَشْتُمُكَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏117- 120‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ نُوحٌ‏:‏ ‏{‏رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ‏}‏ فِيمَا أَتَيْتُهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ مِنْ عِنْدِكَ، وَرَدُّوا عَلَيَّ نَصِيحَتِي لَهُمْ‏.‏ ‏{‏فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَاحْكُمْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ حُكْمًا مِنْ عِنْدِكَ تُهْلِكُ بِهِ الْمُبْطِلَ، وَتَنْتَقِمُ بِهِ مِمَّنْ كَفَرَ بِكَ وَجَحَدَ تَوْحِيدَكَ، وَكَذَّبَ رَسُولَكَ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ فَاقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ قَضَاءً‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ‏.‏ ‏(‏وَنَجِّنِي‏)‏ يَقُولُ‏:‏ وَنَجِّنِي مِنْ ذَلِكَ الْعَذَابِ الَّذِي تَأْتِي بِهِ حُكْمًا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ‏.‏ ‏{‏وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَالَّذِينَ مَعِي مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِكَ وَالتَّصْدِيقِ لِي‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَأَنْجَيْنَا نُوحًا وَمِنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- حِينَ فَتَحْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قَوْمِهِمْ، وَأَنْزَلْنَا بَأْسنَا بِالْقَوْمِ الْكَافِرِينَ- فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ، يَعْنِي فِي السَّفِينَةِ الْمُوَقَّرَةِ الْمَمْلُوءَةِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ‏{‏الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ‏}‏ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَعْنِي الْمُوَقَّرَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَشْقَرُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ ‏(‏الْمَشْحُونُ‏)‏‏:‏ الْمُوَقَّرُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَفْرُوغُ مِنْهُ الْمَمْلُوءُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ ‏(‏الْمَشْحُونُ‏)‏ الْمَفْرُوغُ مِنْهُ تَحْمِيلًا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ الْمُحَمَّلُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ‏}‏ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ، وَرَدُّوا عَلَيْهِ النَّصِيحَةَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏121- 122‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ فِيمَا فَعَلْنَا يَا مُحَمَّدُ بِنُوحٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ، حِينَ أَنْزَلْنَا بَأْسَنَا وَسَطْوَتَنَا، بِقَوْمِهِ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ، لَآيَةً لَكَ وَلِقَوْمِكَ الْمُصَدِّقِيكَ مِنْهُمْ وَالْمُكَذِّبِيكَ، فِي أَنَّ سُنَّتَنَا تَنْجِيَةُ رُسُلِنَا وَأَتْبَاعِهِمْ، إِذَا نَزَلَتْ نِقْمَتُنَا بِالْمُكَذِّبِينَ بِهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَإِهْلَاكُ الْمُكَذِّبِينَ بِاللَّهِ، وَكَذَلِكَ سُنَّتِي فِيكَ وَفِي قَوْمِكَ‏.‏ ‏{‏وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَمْ يَكُنْ أَكْثَرُ قَوْمِكَ بِالَّذِينِ يُصَدِّقُونَكَ مِمَّا سَبَقَ فِي قَضَاءِ اللَّهِ أَنَّهُمْ لَنْ يُؤْمِنُوا‏.‏ ‏{‏وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ‏}‏ فِي انْتِقَامِهِ مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ، وَخَالَفَ أَمْرَهُ ‏(‏الرَّحِيمُ‏)‏ بِالتَّائِبِ مِنْهُمْ، أَنْ يُعَاقِبَهُ بَعْدَ تَوْبَتِهِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏123- 127‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏كَذَّبَتْ عَادٌ‏}‏ رُسُلَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ‏.‏ ‏{‏إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ‏}‏ عُقَابَ اللَّهِ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ‏.‏ ‏{‏إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ‏}‏ مِنْ رَبِّي يَأْمُرُكُمْ بِطَاعَتِهِ، وَيُحَذِّرُكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ بِأْسَهُ، ‏(‏أَمِينٌ‏)‏ عَلَى وَحْيِهِ وَرِسَالَتِهِ‏.‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ‏}‏ بِطَاعَتِهِ وَالِانْتِهَاءِ إِلَى مَا يَأْمُرُكُمْ وَيَنْهَاكُمْ ‏(‏وَأَطِيعُونِ‏)‏ فِيمَا آمُرُكُمْ بِهِ مِنَ اتِّقَاءِ اللَّهِ وَتَحْذِيرِكُمْ سَطْوَتَهُ‏.‏ ‏{‏وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَمَا أَطْلُبُ مِنْكُمْ عَلَى أَمْرِي إِيَّاكُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ جَزَاءً وَلَا ثَوَابًا‏.‏ ‏{‏إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَا جَزَائِي وَثَوَابِي عَلَى نَصِيحَتِي إِيَّاكُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏128- 130‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبَرًا عَنْ قِيلِ هُودٍ لِقَوْمِهِ‏:‏ ‏{‏أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ‏}‏ وَالرَّيْعُ‏:‏ كُلُّ مَكَانٍ مُشْرِفٍ مِنَ الْأَرْضِ مُرْتَفِعٍ، أَوْ طَرِيقٍ أَوْ وَادٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ‏:‏

طِـرَاقُ الْخَـوَافِي مُشْـرفٌ فَوْقَ رِيعَةٍ *** نَـدَى لَيْلِـهِ فِـي رِيشِـهِ يَـتَرَقْرَقُ

وَقَوْلُ الْأَعْشَى‏:‏

وَيَهْمَـاءُ قَفْـرٍ تَجَاوَزْتُهَـا *** إِذَا خَـبَّ فِـي رِيعِهَـا آلُهَـا

وَفِيهِ لُغَتَانِ‏:‏ رِيعٌ وَرَيْعٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ بِكُلِّ شَرَفٍ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏بِكُلِّ رِيعٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَجٍّ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ بِكُلِّ طَرِيقٍ‏.‏

حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبِيدِ اللَّهِ الْغَيْلَانَيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الرِّيعُ‏:‏ الثَّنْيَةُ الصَّغِيرَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ عِكْرِمَةُ‏:‏ ‏{‏بِكُلِّ رِيعٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَجٍّ وَوَادٍ، قَالَ‏:‏ وَقَالَ مُجَاهِدٌ ‏{‏بِكُلِّ رِيعٍ‏}‏ بَيْنَ جَبَلَيْنِ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ شَرَفٍ وَمَنْظَرٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بِكُلِّ رِيعٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ بِكُلِّ طَرِيقٍ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بِكُلِّ رِيعٍ‏}‏ بِكُلِّ طَرِيقٍ‏.‏ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ ‏(‏آيَةً‏)‏ بُنْيَانًا، عَلَمًا‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، أَنَّ الْآيَةَ هِيَ الدَّلَالَةُ وَالْعَلَامَةَ بِالشَّوَاهِدِ الْمُغْنِيَةِ عَنْ إِعَادَتِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي أَلْفَاظِهِمْ فِي تَأْوِيلِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ الْآيَةُ‏:‏ عَلَمٌ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ آيَةٌ‏:‏ بُنْيَانٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏(‏آيَةً‏)‏‏:‏ بُنْيَانٌ‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ بُنْيَانُ الْحَمَامِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏تَعْبَثُونَ‏)‏ قَالَ‏:‏ تَلْعَبُونَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏(‏تَعْبَثُونَ‏)‏ قَالَ‏:‏ تَلْعَبُونَ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏تَعْبَثُونَ‏)‏ قَالَ‏:‏ تَلْعَبُونَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ‏}‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْمَصَانِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هِيَ قُصُورٌ مُشَيَّدَةٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ‏}‏ قَالَ‏:‏ قُصُورٌ مُشَيَّدَةٌ، وَبُنْيَانٌ مُخَلَّدٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏(‏مَصَانِعَ‏)‏‏:‏ قُصُورٌ مُشَيَّدَةٌ وَبُنْيَانٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ ‏(‏مَصَانِعَ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ حُصُونٌ وَقُصُورٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَبْرِجَةُ الْحَمَامِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ هِيَ مَآخِذُ لِلْمَاءِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏مَصَانِعَ‏)‏ قَالَ‏:‏ مَآخِذُ لِلْمَاءِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ الْمَصَانِعَ جَمْعُ مَصْنَعَةٍ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ بِنَاءٍ مَصْنَعَةً، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبِنَاءُ كَانَ قُصُورًا وَحُصُونًا مُشَيَّدَةً، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ مَآخِذَ لِلْمَاءِ، وَلَا خَبَرَ يَقْطَعُ الْعُذْرَ بِأَيِّ ذَلِكَ كَانَ، وَلَا هُوَ مِمَّا يُدْرَكُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ‏.‏ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ، مَا قَالَ اللَّهُ‏:‏ إِنَّهُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ كَأَنَّكُمْ تَخْلُدُونَ، فَتَبْقَوْنَ فِي الْأَرْضِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ كَأَنَّكُمْ تَخْلُدُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ قَالَ فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ ‏{‏وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ‏}‏ كَأَنَّكُمْ تَخْلُدُونَ‏.‏

وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ‏:‏ “ لَعَلَّكُمْ “ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ اسْتِفْهَامٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذَا اسْتِفْهَامٌ، يَقُولُ‏:‏ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ حِينَ تَبْنُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ‏؟‏‏.‏

وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَزْعُمُ أَنَّ لَعَلَّكُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى “ كَيْمَا “‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَإِذَا سَطَوْتُمْ سَطَوْتُمْ قَتْلًا بِالسُّيُوفِ، وَضَرْبًا بِالسِّيَاطِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْقَتْلُ بِالسَّيْفِ وَالسِّيَاطِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏131- 135‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ هُودٍ لِقَوْمِهِ مِنْ عَادٍ‏:‏ اتَّقُوا عِقَابَ اللَّهِ أَيُّهَا الْقَوْمُ بِطَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ، وَانْتَهُوا عَنِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ، وَظُلْمِ النَّاسِ، وَقَهْرِهِمْ بِالْغَلَبَةِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَاحْذَرُوا سَخَطَ الَّذِي أَعْطَاكُمْ مِنْ عِنْدِهِ مَا تَعْلَمُونَ، وَأَعَانَكُمْ بِهِ مِنْ بَيْنِ الْمَوَاشِي وَالْبَنِينِ، وَالْبَسَاتِينِ وَالْأَنْهَارِ‏.‏ ‏{‏إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ‏}‏ مِنَ اللَّهِ ‏(‏عَظِيمٍ‏)‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏136- 138‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَتْ عَادٌ لِنَبِيِّهِمْ هُودٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مُعْتَدِلٌ عِنْدَنَا وَعْظُكَ إِيَّانَا، وَتَرْكُكَ الْوَعْظَ، فَلَنْ نُؤْمِنَ لَكَ وَلَنْ نُصَدِّقَكَ عَلَى مَا جِئْتَنَا بِهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ؛ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ سِوَى أَبِي جَعْفَرٍ، وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ‏:‏ ‏{‏إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ مِنْ قَبْلِنَا‏:‏ وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ‏:‏ “ ‏{‏إِنْ هَذَا إِلَّا خَلْقُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ “ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَتَسْكِينِ اللَّامِ بِمَعْنَى‏:‏ مَا هَذَا الَّذِي جِئْتَنَا بِهِ إِلَّا كَذِبُ الْأَوَّلِينَ وَأَحَادِيثُهُمْ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، نَحْوَ اخْتِلَافِ الْقُرَّاءِ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ مَا هَذَا إِلَّا دِينُ الْأَوَّلِينَ وَعَادَتُهُمْ وَأَخْلَاقُهُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ دِينُ الْأَوَّلِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ هَكَذَا خِلْقَةُ الْأَوَّلِينَ، وَهَكَذَا كَانُوا يَحْيَوْنَ وَيَمُوتُونَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ مَا هَذَا إِلَّا كَذِبُ الْأَوَّلِينَ وَأَسَاطِيرُهُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَذِبُهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِنْ هَذَا إِلَّا أَمْرُ الْأَوَّلِينَ وَأَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ ‏{‏إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقُ الْأَوَّلِينَ‏.‏

قَالَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ‏.‏ أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ‏{‏إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ وَيَقُولُ شَيْءٌ اخْتَلَقُوهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ‏:‏ قَالَ عَلْقَمَةُ‏:‏ ‏{‏إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ اخْتِلَاقُ الْأَوَّلِينَ‏.‏

وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ‏:‏ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ‏{‏إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ بِضَمِّ الْخَاءِ وَاللَّامِ، بِمَعْنَى‏:‏ إِنْ هَذَا إِلَّا عَادَةُ الْأَوَّلِينَ وَدِينُهُمْ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا عُوتِبُوا عَلَى الْبُنْيَانِ الَّذِي كَانُوا يَتَّخِذُونَهُ، وَبَطْشِهِمْ بِالنَّاسِ بَطْشَ الْجَبَابِرَةِ، وَقِلَّةِ شُكْرِهِمْ رَبَّهُمْ فِيمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ، فَأَجَابُوا نَبِيَّهُمْ بِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ مَا يَفْعَلُونَ مِنْ ذَلِكَ، احْتِذَاءً مِنْهُمْ سَنَةَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ، وَاقْتِفَاءً مِنْهُمْ آثَارَهُمْ، فَقَالُوا‏:‏ مَا هَذَا الَّذِي نَفْعَلُهُ إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ، يَعْنُونَ بِالْخُلُقِ‏:‏ عَادَةَ الْأَوَّلِينَ‏.‏ وَيَزِيدُ ذَلِكَ بَيَانًا وَتَصْحِيحًا لِمَا اخْتَرْنَا مِنَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّأْوِيلِ، قَوْلُهُمْ‏:‏ ‏{‏وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ‏}‏ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا لَا يُقِرُّونَ بِأَنَّ لَهُمْ رَبًّا يَقْدِرُ عَلَى تَعْذِيبِهِمْ، مَا قَالُوا‏:‏ ‏{‏وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ‏}‏ بَلْ كَانُوا يَقُولُونَ‏:‏ إِنْ هَذَا الَّذِي جِئْتِنَا بِهِ يَا هُودُ إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ، وَمَا لَنَا مِنْ مُعَذَّبٍ يُعَذِّبُنَا، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِالصَّانِعِ، وَيَعْبُدُونَ الْآلِهَةَ، عَلَى نَحْوِ مَا كَانَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ يَعْبُدُونَهَا، وَيَقُولُونَ إِنَّهَا تُقَرِّبُنَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، فَلِذَلِكَ قَالُوا لِهُودٍ وَهُمْ مُنْكِرُونَ نُبُوَّتَهُ‏:‏ ‏{‏سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ‏}‏ ثُمَّ قَالُوا لَهُ‏:‏ مَا هَذَا الَّذِي نَفْعَلُهُ إِلَّا عَادَةَ مَنْ قَبْلَنَا وَأَخْلَاقَهُمْ، وَمَا اللَّهُ مُعَذِّبُنَا عَلَيْهِ‏.‏ كَمَا أَخْبَرَنَا تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ قَبْلَنَا، أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لِرُسُلِهِمْ‏:‏ ‏{‏إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏139- 140‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَكَذَّبَتْ عَادٌ رَسُولَ رَبِّهِمْ هُودًا، وَالْهَاءَ فِي قَوْلِهِ ‏(‏فَكَذَّبُوهُ‏)‏ مِنْ ذِكْرِ هُودٍ‏.‏ ‏(‏فَأَهْلَكْنَاهُمْ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ فَأَهْلَكْنَا عَادًا بِتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَنَا‏.‏ ‏{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ فِي إِهْلَاكِنَا عَادًا بِتَكْذِيبِهَا رَسُولَهَا لَعِبْرَةً وَمَوْعِظَةً لِقَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ، الْمُكَذِّبِيكَ فِيمَا أَتَيْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ‏.‏

يَقُولُ‏:‏ وَمَا كَانَ أَكْثَرُ مَنْ أَهْلَكْنَا بِالَّذِينِ يُؤَمِّنُونَ فِي سَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ‏.‏

‏{‏وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ‏}‏ فِي انْتِقَامِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ، ‏(‏الرَّحِيمُ‏)‏ بِالْمُؤْمِنِينَ بِهِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏141- 145‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ كَذَّبَتْ ثَمُودُ رُسُلَ اللَّهِ، إِذْ دَعَاهُمْ صَالِحٌ أَخُوهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَقَالَ لَهُمْ‏:‏ أَلَّا تَتَّقُونَ عِقَابَ اللَّهِ يَا قَوْمِ عَلَى مَعْصِيَتِكُمْ إِيَّاهُ، وَخِلَافِكُمْ أَمْرَهُ، بِطَاعَتِكُمْ أَمْرَ الْمُفْسِدِينَ فِي أَرْضِ اللَّهِ‏.‏ ‏{‏إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ‏}‏ مِنَ اللَّهِ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ بِتَحْذِيرِكُمْ عُقُوبَتَهُ عَلَى خِلَافِكُمْ أَمْرَهُ ‏(‏أَمِينٌ‏)‏ عَلَى رِسَالَتِهِ الَّتِي أَرْسَلَهَا مَعِي إِلَيْكُمْ‏.‏ ‏(‏فَاتَّقُوا اللَّهَ‏)‏ أَيُّهَا الْقَوْمُ، وَاحْذَرُوا عِقَابَهُ ‏(‏وَأَطِيعُونِ‏)‏ فِي تَحْذِيرَيْ إِيَّاكُمْ، وَأَمْرِ رَبِّكُمْ بِاتِّبَاعِ طَاعَتِهِ‏.‏ ‏{‏وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى نُصْحِي إِيَّاكُمْ، وَإِنْذَارَكُمْ مِنْ جَزَاءٍ وَلَا ثَوَابٍ‏.‏ ‏{‏إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنْ جَزَائِي وَثَوَابِي إِلَّا عَلَى رَبِّ جَمِيعِ مَا فِي السَّمَوَاتِ، وَمَا فِي الْأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ خَلْقٍ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏146- 150‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَا هُنَا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ صَالِحٍ لِقَوْمِهِ مِنْ ثَمُودَ‏:‏ أَيَتْرُكُكُمْ يَا قَوْمِ رَبُّكُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا آمِنِينَ، لَا تَخَافُونَ شَيْئًا‏؟‏‏.‏ ‏{‏فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فِي بَسَاتِينَ وَعُيُونِ مَاءٍ‏.‏ ‏{‏وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ‏}‏ يَعْنِي بِالطَّلْعِ‏:‏ الْكُفُرَّى‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ‏(‏هَضِيمٌ‏)‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ الْيَانِعُ النَّضِيجُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَيْنَعَ وَبَلَغَ فَهُوَ هَضِيمٌ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ هُوَ الْمُتَهَشِّمُ الْمُتَفَتِّتُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ‏}‏ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو فِي حَدِيثِهِ تَهَشَّمَ هَشِيمًا‏.‏ وَقَالَ الْحَارِثُ‏:‏ تَهَشَّمَ تَهَشُّمًا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَبْدَ الْكَرِيمِ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ حِينَ تَطْلُعُ يَقْبِضُ عَلَيْهِ فَيَهْضِمُهُ‏.‏

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ إِذَا مُسَّ تَهَشَّمَ وَتَفَتَّتَ، قَالَ‏:‏ هُوَ مِنَ الرُّطَبِ هَضِيمٌ تَقْبِضُ عَلَيْهِ فَتَهْضِمُهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُوَ الرَّطْبُ اللَّيِّنُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْهَضِيمُ‏:‏ الرَّطْبُ اللَّيِّنُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُوَ الرَّاكِبُ بَعْضُهُ بَعْضًا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏طَلْعُهَا هَضِيمٌ‏}‏ إِذَا كَثُرَ حَمْلُ النَّخْلَةِ فَرَكِبَ بَعْضُهَا بَعْضًا، حَتَّى نَقْصَ َبَعْضُهَا بَعْضًا، فَهُوَ حِينَئِذٍ هَضِيمٌ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ‏:‏ الْهَضِيمُ‏:‏ هُوَ الْمُتَكَسِّرُ مِنْ لِينِهِ وَرُطُوبَتِهِ، وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ هَضَمَ فُلَانٌ حَقَّهُ‏:‏ إِذَا انْتَقَصَهُ وَتَحَيَّفَهُ، فَكَذَلِكَ الْهَضْمُ فِي الطَّلْعِ، إِنَّمَا هُوَ التَّنَقُّصُ مِنْهُ مِنْ رُطُوبَتِهِ وَلِينِهِ إِمَّا بِمَسِّ الْأَيْدِي، وَإِمَّا بِرُكُوبِ بَعْضِهِ بَعْضًا، وَأَصْلُهُ مَفْعُولٌ صُرِفَ إِلَى فَعِيلٍ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَتَتَّخِذُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ‏(‏فَارِهِينَ‏)‏ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ‏:‏ ‏(‏فَارِهِينَ‏)‏ بِمَعْنَى‏:‏ حَاذِقِينَ بِنَحْتِهَا‏.‏

وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ‏:‏ “ فَرِهِينَ “ بِغَيْرِ أَلِفٍ، بِمَعْنَى‏:‏ أَشِرِينَ بَطِرِينَ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عَلَى نَحْوِ اخْتِلَافِ الْقُرَّاءِ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى فَارِهِينَ‏:‏ حَاذِقِينَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَثَّامٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ‏:‏ ‏{‏وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ‏}‏ قَالَ أَحَدُهُمَا‏:‏ حَاذِقِينَ، وَقَالَ الْآخَرُ‏:‏ يَتَجَبَّرُونَ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مَرْوَانُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ‏:‏ ‏{‏وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ حَاذِقِينَ بِنَحْتِهَا‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَارِهِينَ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ حَاذِقِينَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى فَارِهِينَ‏:‏ مُسْتَفْرِهِينَ مُتَجَبِّرِينَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ فَرِهِينَ “ قَالَ‏:‏ يَتَجَبَّرُونَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ‏:‏ فَارِهِينَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَرَأَهُ فَارِهِينَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ كَيِّسِينَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏فَارِهِينَ‏)‏ قَالَ‏:‏ كَيِّسِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ قَرَأَ ‏(‏فَارِهِينَ‏)‏ قَالَ‏:‏ كَيِّسِينَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ فَرِهِينَ‏:‏ أَشِرِينَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَشِرِينَ، وَيُقَالُ‏:‏ كَيِّسِينَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ بُيُوتًا فَرِهِينَ “ قَالَ‏:‏ شَرِهِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِمِثْلِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أَقْوِيَاءُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَرِهِينَ “ قَالَ‏:‏ الْفَرِهُ‏:‏ الْقَوِيُّ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ فَرِهِينَ “ قَالَ‏:‏ مُعْجَبِينَ بِصَنِيعِكُمْ‏.‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَهَا ‏(‏فَارِهِينَ‏)‏ وَقِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ “ فَرِهِينَ “ قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، مُسْتَفِيضَةٌ الْقِرَاءَةُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي عُلَمَاءِ الْقُرَّاءِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ‏.‏ وَمَعْنَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ‏(‏فَارِهِينَ‏)‏‏:‏ حَاذِقِينَ بِنَحْتِهَا، مُتَخَيِّرِينَ لِمَوَاضِعِ نَحْتِهَا، كَيِّسِينَ، مِنَ الْفَرَاهَةِ‏.‏ وَمَعْنَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ “ فَرِهِينَ “‏:‏ مَرِحِينَ أَشِرِينَ‏.‏ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى فَارِهٍ وَفَرِهٍ وَاحِدًا، فَيَكُونُ فَارِهٌ مَبْنِيًّا عَلَى بِنَائِهِ، وَأَصْلُهُ مِنْ فَعِلَ يَفْعَلُ، وَيَكُونُ فَرِهٌ صِفَةً، كَمَا يُقَالُ‏:‏ فُلَانٌ حَاذِقٌ بِهَذَا الْأَمْرِ وَحَذِقٌ‏.‏ وَمِنَ الْفَارِهِ بِمَعْنَى الْمَرَحِ قَوْلُ الشَّاعِرِ عَدِيِّ بْنِ وَادِعٍ الْعَوْفِيِّ مِنَ الْأَزْدِ‏:‏

لَا أَسْـتَكِينُ إِذَا مَـا أزْمَـةٌ أُزِمَـتْ *** وَلَـنْ تَـرَانِي بِخَـيْرٍ فـارِهَ الطَّلَـبِ

أَيْ‏:‏ مَرِحَ الطَّلَبِ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَاتَّقُوا عِقَابَ اللَّهِ أَيُّهَا الْقَوْمُ عَلَى مَعْصِيَتِكُمْ رَبَّكُمْ، وَخِلَافِكُمْ أَمْرَهُ، وَأَطِيعُونِ فِي نَصِيحَتِي لَكُمْ، وَإِنْذَارِي إِيَّاكُمْ عِقَابَ اللَّهِ تَرْشَدُوا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏151- 153‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبَرًا عَنْ قِيلِ صَالِحٍ لِقَوْمِهِ مِنْ ثَمُودَ‏:‏ لَا تُطِيعُوا أَيُّهَا الْقَوْمُ أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي تَمَادِيهِمْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَاجْتِرَائِهِمْ عَلَى سُخْطِهِ، وَهُمُ الرَّهْطُ التِّسْعَةُ الَّذِينَ كَانُوا يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ، وَلَا يُصْلِحُونَ مِنْ ثَمُودَ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي أَرْضِ اللَّهِ بِمَعَاصِيهِ، وَلَا يُصْلِحُونَ، يَقُولُ‏:‏ وَلَا يُصْلِحُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْعَمَلِ بِطَاعَةِ اللَّهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ‏}‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمَسْحُورِينَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنَ الْمَسْحُورِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمَسْحُورِينَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُوسَى بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ‏:‏ كُلُّ مَنْ أَكَلَ مِنْ إِنْسٍ أَوْ دَابَّةٍ فَهُوَ مُسَحَّرٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ لَهُ سَحْرًا يَقْرِي مَا أُكِلَ فِيهِ، وَاسْتُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ لَبِيدٍ‏:‏

فَـإِنْ تَسْـأَلِينَا فِيـمَ نَحْـنُ فإنَّنَـا *** عَصَـافِيرُ مِـنْ هَـذَا الْأَنَـامِ الْمُسَحَّرِ

وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ نَحْوَ هَذَا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ أُخِذَ مِنْ قَوْلِكَ‏:‏ انْتَفَخَ سَحْرُكَ‏:‏ أَيْ أَنَّكَ تَأْكُلُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، فَتُسَحَّرُ بِهِ وَتُعَلَّلُ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ مَعْنَى قَوْلِ لَبِيَدٍ‏:‏ “ مِنْ هَذَا الْأَنَامِ الْمُسَحَّرِ “‏:‏ مِنْ هَذَا الْأَنَامِ الْمُعَلِّلِ الْمَخْدُوعِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَيُرْوَى أَنَّ السِّحْرَ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ كَالْخَدِيعَةِ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي‏:‏ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ الَّذِينَ يُعَلَّلُونَ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مِثْلَنَا، وَلَسْتَ رَبًّا وَلَا مَلِكًا فَنُطِيعُكَ، وَنَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ فِيمَا تَقُولُ‏.‏ وَالْمُسَحَّرُ‏:‏ الْمُفَعَّلُ مِنَ السَّحَرَةِ، وَهُوَ الَّذِي لَهُ سَحَرَةٌ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏154- 156‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبَرًا عَنْ قِيلِ ثَمُودَ لِنَبِيِّهَا صَالِحٍ‏:‏ ‏{‏مَا أَنْتَ يَاصَالِحُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا‏}‏ مِنْ بَنِي آدَمَ، تَأْكُلُ مَا نَأْكُلُ، وَتَشْرَبُ مَا نَشْرَبُ، وَلَسْتَ بِرَبٍّ وَلَا مَلِكٍ، فَعَلَامَ نَتَّبِعُكَ‏؟‏ فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فِي قَيْلِكَ، وَأَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ إِلَيْنَا ‏(‏فَأْتِ بِآيَةٍ‏)‏ يَعْنِي‏:‏ بِدَلَالَةٍ وَحُجَّةٍ عَلَى أَنَّكَ مُحِقٌّ فِيمَا تَقُولُ، إِنْ كُنْتَ مِمَّنْ صَدَقَنَا فِي دَعْوَاهُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ إِلَيْنَا‏.‏

وَقَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلَابِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنْ صَالِحًا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى قَوْمِهِ، فَآمَنُوا بِهِ وَاتَّبَعُوهُ، فَمَاتَ صَالِحٌ، فَرَجَعُوا عَنِ الْإِسْلَامِ، فَأَتَاهُمْ صَالِحٌ، فَقَالَ لَهُمْ‏:‏ أَنَا صَالِحٌ، قَالُوا‏:‏ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَأْتِنَا بِآيَةٍ، فَأَتَاهُمْ بِالنَّاقَةِ، فَكَذَّبُوهُ وَعَقَرُوهَا، فَعَذَّبَهُمُ اللَّهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ صَالِحٌ لِثَمُودَ لَمَّا سَأَلُوهُ آيَةً يَعْلَمُونَ بِهَا صِدْقَهُ، فَأَتَاهُمْ بِنَاقَةٍ أَخْرَجَهَا مِنْ صَخْرَةٍ أَوْ هَضَبَةٍ‏:‏ هَذِهِ نَاقَةٌ يَا قَوْمِ، لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ مِثْلُهُ شِرْبُ يَوْمٍ آخَرَ مَعْلُومٍ، مَا لَكُمْ مِنَ الشِّرْبِ، لَيْسَ لَكُمْ فِي يَوْمِ وَرْدِهَا أَنْ تَشْرَبُوا مِنْ شُرْبِهَا شَيْئًا، وَلَا لَهَا أَنْ تَشْرَبَ فِي يَوْمِكُمْ مِمَّا لَكُمْ شَيْئًا‏.‏ وَيَعْنِي بِالشِّرْبِ‏:‏ الْحَظُّ وَالنَّصِيبُ مِنَ الْمَاءِ، يَقُولُ‏:‏ لَهَا حَظٌّ مِنَ الْمَاءِ، وَلَكُمْ مِثْلُهُ، وَالشُّرْبُ وَالشَّرْبُ وَالشِّرْبُ مَصَادِرُ كُلُّهَا بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ‏.‏

وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا‏:‏ آخِرُهَا أَقَلُّهَا شُرْبًا وَشِرْبًا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَا تَمَسُّوهَا بِمَا يُؤْذِيهَا مِنْ عَقْرٍ وَقَتْلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ‏}‏ لَا تَعْقِرُوهَا‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَيَحِلُّ بِكُمْ مِنَ اللَّهِ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ عَذَابُهُ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏157- 159‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، فَخَالَفَتْ ثَمُودُ أَمْرَ نَبِيِّهَا صَالِحٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَقَرُوا النَّاقَةَ الَّتِي قَالَ لَهُمْ صَالِحٌ‏:‏ لَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ، فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ عَلَى عَقْرِهَا، فَلَمْ يَنْفَعْهُمْ نَدَمُهُمْ، وَأَخَذَهُمْ عَذَابُ اللَّهِ الَّذِي كَانَ صَالِحٌ تَوَعَّدَهُمْ بِهِ فَأَهْلَكَهُمْ‏.‏ ‏(‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً‏)‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ فِي إِهْلَاكِ ثَمُودَ بِمَا فَعَلَتْ مِنْ عَقْرِهَا نَاقَةَ اللَّهِ وَخِلَافِهَا أَمْرَ نَبِيِّ اللَّهِ صَالِحٍ لِعِبْرَةٍ لِمَنِ اعْتَبَرَ بِهِ يَا مُحَمَّدُ مِنْ قَوْمِكَ‏.‏ ‏{‏وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَنْ يُؤْمِنَ أَكْثَرُهُمْ فِي سَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ‏.‏ ‏(‏وَإِنَّ رَبَّكَ‏)‏ يَا مُحَمَّدُ ‏(‏لَهُوَ الْعَزِيزُ‏)‏ فِي انْتِقَامِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ ‏(‏الرَّحِيمُ‏)‏ بِمَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ خَلْقِهِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏160- 164‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ‏}‏ مَنْ أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ مِنَ الرُّسُلِ حِينَ ‏{‏قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ‏}‏ اللَّهَ أَيُّهَا الْقَوْمُ‏.‏ ‏{‏إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ‏}‏ مِنْ رَبِّكُمْ ‏(‏أَمِينٌ‏)‏ عَلَى وَحْيِهِ، وَتَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ‏.‏ ‏(‏فَاتَّقُوا اللَّهَ‏)‏ فِي أَنْفُسِكُمْ، أَنْ يَحِلَّ بِكُمْ عِقَابُهُ عَلَى تَكْذِيبِكُمْ رَسُولَهُ ‏(‏وَأَطِيعُونِ‏)‏ فِيمَا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ‏.‏ ‏{‏وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ‏}‏ مِنْ أَجْرٍ يَقُولُ‏:‏ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى نَصِيحَتِي لَكُمْ وَدَعَايَتِكُمْ إِلَى رَبِّي جَزَاءً وَلَا ثَوَابًا‏.‏ يَقُولُ‏:‏ مَا جَزَائِي عَلَى دَعَايَتِكُمْ إِلَى اللَّهِ، وَعَلَى نُصْحِي لَكُمْ وَتَبْلِيغِ رِسَالَاتِ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏165- 166‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ‏}‏‏.‏

يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ‏}‏‏:‏ أَتَنْكِحُونَ الذُّكْرَانَ مِنْ بَنِي آدَمَ فِي أَدْبَارِهِمْ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَتَدَعُونَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ مِنْ فُرُوجِهِنَّ، فَأَحَلَّهُ لَكُمْ‏.‏ وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ وَتَذَرُونَ مَا أَصْلَحَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ تَرَكْتُمْ أَقْبَالَ النِّسَاءِ إِلَى أَدْبَارِ الرِّجَالِ وَأَدْبَارِ النِّسَاءِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَتَجَاوَزُونَ مَا أَبَاحَ لَكُمْ رَبُّكُمْ، وَأَحَلَّهُ لَكُمْ مِنَ الْفُرُوجِ إِلَى مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ مِنْهَا‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَوْمٌ مُعْتَدُونَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏167- 168‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ قَوْمُ لُوطٍ‏:‏ ‏{‏لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ‏}‏ عَنْ نَهْيِنَا عَنْ إِتْيَانِ الذُّكْرَانِ ‏{‏لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ‏}‏ مِنْ بَيْنٍ أَظْهُرِنَا وَبَلَدِنَا‏.‏ ‏{‏قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ‏}‏ يَقُولُ لَهُمْ لُوطٌ‏:‏ إِنِّي لِعَمَلِكُمُ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ مِنْ إِتْيَانِ الذُّكْرَانِ فِي أَدْبَارِهِمْ مِنَ الْقَالِينَ، يَعْنِي مِنَ الْمُبْغِضِينَ، الْمُنْكِرِينَ فِعْلَهُ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏169- 171‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَاسْتَغَاثَ لُوطٌ حِينَ تَوَعَّدَهُ قَوْمُهُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ بَلَدِهِمْ إِنْ هُوَ لَمْ يَنْتَهِ عَنْ نَهْيِهِمْ عَنْ رُكُوبِ الْفَاحِشَةِ، فَقَالَ ‏{‏رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي‏}‏ مِنْ عُقُوبَتِكَ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا يَعْمَلُونَ مِنْ إِتْيَانِ الذُّكْرَانِ‏.‏ ‏{‏فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ‏}‏ مِنْ عُقُوبَتِنَا الَّتِي عَاقَبْنَا بِهَا قَوْمَ لُوطٍ ‏{‏أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ‏}‏ يَعْنِي فِي الْبَاقِينَ، لِطُولِ مُرُورِ السِّنِينَ عَلَيْهَا، فَصَارَتْ هَرِمَةً، فَإِنَّهَا أُهْلِكَتْ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ لُوطٍ، لِأَنَّهَا كَانَتْ تَدُلُّ قَوْمَهَا عَلَى الْأَضْيَافِ‏.‏ وَقَدْ قِيلَ‏:‏ إِنَّمَا قِيلَ مِنَ الْغَابِرِينَ لِأَنَّهَا لَمْ تَهْلَكْ مَعَ قَوْمِهَا فِي قَرْيَتِهِمْ، وَأَنَّهَا إِنَّمَا أَصَابَهَا الْحَجَرُ بَعْدَ مَا خَرَجَتْ عَنْ قَرْيَتِهِمْ مَعَ لُوطٍ وَابْنَتَيْهِ، فَكَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ بَعْدَ قَوْمِهَا، ثُمَّ أَهْلَكَهَا اللَّهُ بِمَا أَمْطَرَ عَلَى بَقَايَا قَوْمِ لُوطٍ مِنَ الْحِجَارَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ الْمُغْنِيَةِ عَنْ إِعَادَتِهَا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏172- 175‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ثُمَّ أَهْلَكْنَا الْآخَرِينَ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ بِالتَّدْمِيرِ‏.‏ ‏{‏وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا‏}‏ وَذَلِكَ إِرْسَالُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مِنَ السَّمَاءِ‏.‏ ‏{‏فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَبِئْسَ ذَلِكَ الْمَطَرُ مَطَرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ أَنْذَرَهُمْ نَبِيُّهُمْ فَكَذَّبُوهُ‏.‏ ‏(‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً‏)‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ فِي إِهْلَاكِنَا قَوْمَ لُوطٍ الْهَلَاكَ الَّذِي وَصَفْنَا بِتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَنَا، لَعِبْرَةً وَمَوْعِظَةً لِقَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ، يَتَّعِظُونَ بِهَا فِي تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاكَ، وَرَدِّهِمْ عَلَيْكَ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ مِنَ الْحَقِّ ‏{‏وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ‏}‏ فِي سَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ ‏{‏وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ‏}‏ بِمَنْ آمَنَ بِهِ

تفسير الآيات رقم ‏[‏176- 179‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ‏}‏‏.‏ وَالْأَيْكَةُ‏:‏ الشَّجَرُ الْمُلْتَفُّ، وَهِيَ وَاحِدَةُ الْأَيْكِ، وَكُلُّ شَجَرٍ مُلْتَفٍّ فَهُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ أَيْكَةٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ نَابِغَةَ بَنِي ذُبْيَانَ‏:‏

تَجْـلُو بِقَـادِمَتَيْ حَمَامَـةِ أيْكَـةٍ *** بَـرَدًا أُسِـفَّ لِثَاتُـهُ بِـالْإثْمِدِ

وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ‏:‏ هُمْ أَهْلُ مَدْيَنَ فِيمَا ذُكِرَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ ثَنْي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَصْحَابُ الْغَيْضَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْأَيْكَةُ‏:‏ مَجْمَعُ الشَّجَرِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَهْلُ مَدْيَنَ، وَالْأَيْكَةُ‏:‏ الْمُلْتَفُّ مِنَ الشَّجَرِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْأَيْكَةُ‏:‏ الشَّجَرُ، بَعَثَ اللَّهُ شُعَيْبًا إِلَى قَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ مَدْيَنَ، وَإِلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ، قَالَ‏:‏ وَهُمْ أَصْحَابُ لَيْكَةِ، وَلَيْكَةُ وَالْأَيْكَةُ‏:‏ وَاحِدٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ‏:‏ أَلَّا تَتَّقُونَ عِقَابَ اللَّهِ عَلَى مَعْصِيَتِكُمْ رَبّكُمْ‏؟‏‏.‏ ‏{‏إِنِّي لَكُمْ‏}‏ مِنَ اللَّهِ ‏{‏رَسُولٌ أَمِينٌ‏}‏ عَلَى وَحْيِهِ‏.‏ ‏(‏فَاتَّقُوا‏)‏ عِقَابَ ‏(‏اللَّهِ‏)‏ عَلَى خِلَافِكُمْ أَمْرَهُ ‏(‏وَأَطِيعُونِ‏)‏ تَرْشَدُوا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏180- 181‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ‏:‏ ‏(‏وَمَا أَسْأَلُكُمْ‏)‏ عَلَى نُصْحِي لَكُمْ مِنْ جَزَاءٍ وَثَوَابٍ، مَا جَزَائِي وَثَوَابِي عَلَى ذَلِكَ ‏{‏إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ أَوْفُوا الْكَيْلَ‏}‏‏.‏ يَقُولُ‏:‏ أَوْفُوا النَّاسَ حُقُوقَهُمْ مِنَ الْكَيْلِ‏.‏ ‏{‏وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَا تَكُونُوا مِمَّنْ نَقَصَهُمْ حُقُوقَهُمْ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏182- 183‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ‏}‏‏.‏

يَعْنِي بِقَوْلِهِ ‏{‏وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ‏}‏ وَزَنَوْا بِالْمِيزَانِ ‏(‏الْمُسْتَقِيمِ‏)‏ الَّذِي لَا بَخْسَ فِيهِ عَلَى مَنْ وَزَنْتُمْ لَهُ‏.‏ ‏{‏وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَا تُنْقِصُوا النَّاسَ حُقُوقَهُمْ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ‏.‏ ‏{‏وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَا تُكْثِرُوا فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ‏.‏ قَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ كُلَّهُ بِشَوَاهِدِهِ، وَاخْتِلَافِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِيهِ فِيمَا مَضَى، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏