فصل: تفسير الآية رقم (62)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏62‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَوَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَمْ مَا تُشْرِكُونَ بِاللَّهِ خَيْرٌ، أَمِ الَّذِي يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ، وَيَكْشِفُ السُّوءَ النَّازِلَ بِهِ عَنْهُ‏؟‏

كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَيَكْشِفُ السُّوءَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الضُّرُّ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَيَسْتَخْلِفُ بَعْدَ أُمَرَائِكُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْكُمْ خُلَفَاءَ أَحْيَاءَ يَخْلُفُونَهُمْ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ أَإِلُّهُ مَعَ اللَّهِ سِوَاهُ يَفْعَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بِكُمْ، وَيُنْعِمُ عَلَيْكُمْ هَذِهِ النِّعَمَ‏؟‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ تَذَكُّرًا قَلِيلًا مِنْ عَظْمَةِ اللَّهِ وَأَيَادِيهِ عِنْدَكُمْ تُذَكَّرُونَ، وَتُعْتَبَرُونَ حُجَجَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ يَسِيرًا، فَلِذَلِكَ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ غَيْرَهُ فِي عِبَادَتِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏63‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِأَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَمْ مَا تُشْرِكُونَ بِاللَّهِ خَيْرٌ، أَمِ الَّذِي يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ إِذَا ضَلَلْتُمْ فِيهِمَا الطَّرِيقَ، فَأَظْلَمَتْ عَلَيْكُمُ السُّبُلُ فِيهِمَا‏؟‏

كَمًّا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ‏}‏ وَالظُّلُمَاتُ فِي الْبَرِّ ضَلَالُهُ الطَّرِيقَ، وَالْبَحْرِ ضَلَالُهُ طَرِيقَهُ وَمَوْجَهُ وَمَا يَكُونُ فِيهِ‏.‏ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَالَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ نُشُرًا لَمُوتَانِ الْأَرْضِ بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ، يَعْنِي‏:‏ قُدَّامَ الْغَيْثِ الَّذِي يُحْيِي مَوَاتَ الْأَرْضِ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَإِلُّهُ مَعَ اللَّهِ سِوَى اللَّهِ يَفْعَلُ بِكُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَتَعْبُدُوهُ مِنْ دُونِهِ، أَوْ تُشْرِكُوهُ فِي عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُ ‏(‏تَعَالَى اللَّهُ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ لِلَّهِ الْعُلُوُّ وَالرِّفْعَةُ عَنْ شِرْكِكُمُ الَّذِي تُشْرِكُونَ بِهِ، وَعِبَادَتِكُمْ مَعَهُ مَا تَعْبُدُونَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِأَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَمْ مَا تُشْرِكُونَ أَيُّهَا الْقَوْمُ خَيْرٌ، أَمِ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، فَيُنْشِئُهُ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ، وَيَبْتَدِعُهُ ثُمَّ يُفْنِيهِ إِذَا شَاءَ، ثُمَّ يُعِيدُهُ إِذَا أَرَادَ كَهَيْئَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُفْنِيَهُ، وَالَّذِي يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَيُنْزِلُ مِنْ هَذِهِ الْغَيْثَ، وَيُنْبِتُ مِنْ هَذِهِ النَّبَاتَ لِأَقْوَاتِكُمْ، وَأَقْوَاتِ أَنْعَامِكُمْ ‏(‏أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ‏)‏ سِوَى اللَّهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ‏؟‏ وَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ إِلَهًا غَيْرَ اللَّهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ فَ ‏(‏قُلْ‏)‏ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ ‏{‏هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ‏}‏ أَيْ حُجَّتَكُمْ عَلَى أَنَّ شَيْئًا سِوَى اللَّهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ‏(‏إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏)‏ فِي دَعْوَاكُمْ‏.‏ وَ‏"‏مَنِ‏"‏ الَّتِي فِي “ أَمَّنْ “ وَ“ مَا “ مُبْتَدَأٌ فِي قَوْلِهِ‏:‏ أَمَّا يُشْرِكُونَ، وَالْآيَاتِ بَعْدَهَا إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ‏}‏ بِمَعْنَى “ الَّذِي “، لَا بِمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لَا يَدْخُلُ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏65- 66‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏قُلْ‏)‏ يَا مُحَمَّدُ لِسَائِلِيكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَنِ السَّاعَةِ مَتَى هِيَ قَائِمَةٌ ‏{‏لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ‏}‏ الَّذِي قَدِ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ، وَحَجَبَ عَنْهُ خَلْقَهُ غَيْرُهُ، وَالسَّاعَةُ مِنْ ذَلِكَ ‏(‏وَمَا يَشْعُرُونَ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ وَمَا يَدْرِي مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ خَلْقِهِ مَتَى هُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ لِقِيَامِ السَّاعَةِ‏.‏

وَقَدْ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ‏:‏ قَالَتْ عَائِشَة‏:‏ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُخْبِرُ النَّاسَ بِمَا يَكُونُ فِي غَدٍ، فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ، وَاللَّهُ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ‏}‏‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ رَفْعِ اللَّهِ، فَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ‏:‏ هُوَ كَمَا تَقُولُ‏:‏ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ‏.‏ وَفِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ قَلِيلًا بَدَلًا مِنَ الْأَوَّلِ، لِأَنَّكَ نَفَيْتَهُ عَنْهُ وَجَعَلْتَهُ لِلْآخَرِ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ‏:‏ إِنْ شِئْتَ أَنْ تَتَوَهَّمَ فِي “ مَنِ “ الْمَجْهُولَ، فَتَكُونُ مَعْطُوفَةً عَلَى‏:‏ قُلْ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ “ مِنْ “ مَعْرِفَةً، وَنَزَلَ مَا بَعْدَ “ إِلَّا “ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ عَطْفًا وَلَا يَكُونُ بَدَلًا لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَنْفِيٌّ، وَالثَّانِي مُثْبَتٌ، فَيَكُونُ فِي النَّسَقِ كَمَا تَقُولُ‏:‏ قَامَ زَيْدٌ إِلَّا عَمْرٌو، فَيَكُونُ الثَّانِي عَطْفًا عَلَى الْأَوَّلِ، وَالتَّأْوِيلُ جَحَدَ، وَلَا يَكُونُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ جَحْدًا، أَوِ الْجَحْدُ خَبَرًا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَكَذَلِكَ ‏{‏مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ‏}‏ وَقَلِيلًا، مَنْ نَصَبَ فَعَلَى الِاسْتِثْنَاءِ فِي عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُ، وَمَنْ رَفَعَ فَعَلَى الْعَطْفِ، وَلَا يَكُونُ بَدَلًا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ‏}‏ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ سِوَى أَبِي جَعْفَرٍ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ‏:‏ ‏(‏بَلِ ادَّارَكَ‏)‏ بِكَسْرِ اللَّامِ مِنْ “ بَلْ “ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ مِنَ “ ادَّارَكَ “، بِمَعْنَى‏:‏ بَلْ تَدَارَكَ عِلْمُهُمْ، أَيْ تَتَابَعَ عِلْمُهُمْ بِالْآخِرَةِ هَلْ هِيَ كَائِنَةٌ أَمْ لَا ثُمَّ أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الدَّالِ كَمَا قِيلَ‏:‏ ‏{‏اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ‏}‏ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ مِنْ إِعَادَتِهِ‏.‏

وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ مَكَّةَ‏:‏ “ بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ “ بِسُكُونِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْأَلِفِ، بِمَعْنَى هَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ عِلْمَ الْآخِرَةِ‏.‏ وَكَانَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ يُنْكِرُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ‏:‏ “ بَلْ أَدْرَكَ “ وَيَقُولُ‏:‏ إِنَّ “ بَلْ “ إِيجَابٌ، وَالِاسْتِفْهَامُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِنْكَارٌ‏.‏ وَمَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ “ بَلْ أَدْرَكَ “ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَمْ يُدْرِكْ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَبِالِاسْتِفْهَامِ قَرَأَ ذَلِكَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُ أَنَّ أَبَا عَمْرٍو أَنْكَرَهُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي ذَكَرْتُ عَنِ الْمَكِّيِّينَ أَنَّهُمْ قَرَءُوهُ، ذُكِرَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَرَأَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي مَوْضِعٍ بَلْ‏:‏ أَمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَرَأَ “ أَمْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ “ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَقْرَأُ بِإِثْبَاتِ يَاءٍ فِي بَلْ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ “ أَدَّارَكَ “ بِفَتْحِ أَلِفِهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِفْهَامِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ‏.‏

حَدَّثَنَا حَمِيدُ بْنُ مُسْعِدَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ “ بَلَى أَدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ “‏:‏ أَيْ لَمْ يُدْرِكْ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ “ بَلَى أَدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ “ إِنَّمَا هُوَ اسْتِفْهَامٌ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ‏.‏ وَكَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَجَّهَ ذَلِكَ إِلَى أَنَّ مَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الِاسْتِهْزَاءِ بِالْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَاتِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ، الْقِرَاءَتَانِ اللَّتَانِ ذُكِرَتْ إِحْدَاهُمَا عَنْ قَرَأَةِ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ، وَهِيَ “ بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ “ بِسُكُونِ لَامِ بَلْ، وَفَتْحِ أَلِفِ أَدْرَكَ، وَتَخْفِيفِ دَالِهَا، وَالْأُخْرَى مِنْهُمَا عَنْ قَرَأَةِ الْكُوفَةِ، وَهِيَ ‏(‏بَلِ ادَّارَكَ‏)‏ بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ مِنَ ادَّارَكَ؛ لِأَنَّهُمَا الْقِرَاءَتَانِ الْمَعْرُوفَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ عِنْدَنَا‏.‏ فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الَّتِي ذُكِرْتُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةَ الْمَعْنَى وَالْإِعْرَابِ، فَخِلَافٌ لِمَا عَلَيْهِ مَصَاحِفُ الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي بَلَى زِيَادَةُ يَاءٍ فِي قِرَاءَاتِهِ لَيْسَتْ فِي الْمَصَاحِفِ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ قِرَاءَةٌ لَا نَعْلَمُهَا قَرَأَ بِهَا أَحَدٌ مِنْ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ‏.‏ وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الَّتِي ذُكِرَتْ عَنِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ، فَإِنَّ الَّذِي قَالَ فِيهَا أَبُو عَمْرٍو قَوْلٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُحَقِّقُ بِبَلْ مَا بَعْدَهَا لَا تَنْفِيهِ، وَالِاسْتِفْهَامُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِنْكَارٌ لَا إِثْبَاتٌ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَخْبَرَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ مِنَ السَّاعَةِ فِي شَكٍّ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ‏}‏‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَأَيْقَنُوهَا إِذْ عَايَنُوهَا حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمْ يَقِينُهُمْ بِهَا، إِذْ كَانُوا بِهَا فِي الدُّنْيَا مُكَذِّبِينَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ “ بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ “ قَالَ‏:‏ بَصَّرَهُمْ فِي الْآخِرَةِ حِينَ لَمَّ يَنْفَعْهُمُ الْعِلْمُ وَالْبَصَرُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَاهُ‏:‏ بَلْ غَابَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ “ بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ “ يَقُولُ‏:‏ غَابَ عِلْمُهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ ضَلَّ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَلَيْسَ لَهُمْ فِيهَا عِلْمٌ، ‏{‏هُمْ مِنْهَا عَمُونَ‏}‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ لَمْ يَبْلُغْ لَهُمْ فِيهَا عِلْمٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ يَقْرَؤُهَا‏:‏ “ بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ “ قَالَ‏:‏ لَمْ يَبْلُغْ لَهُمْ فِيهَا عِلْمٌ، وَلَا يَصِلُ إِلَيْهَا مِنْهُمْ رَغْبَةٌ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ بَلْ أَدْرَكَ‏:‏ أَمْ أَدْرَكَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ “ بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ “ قَالَ‏:‏ أَمْ أَدْرَكَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عُثْمَانُ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ “ بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ “ قَالَ‏:‏ أَمْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ، مِنْ أَيْنَ يُدْرِكُ عِلْمُهُمْ‏؟‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ “ بَلْ أَدْرَكَ “ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ ‏{‏وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ‏}‏ بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ نَفْسَ وَقْتِ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ حِينَ يُبْعَثُونَ، فَلَا يَنْفَعُهُمْ عِلْمُهُمْ بِهِ حِينَئِذٍ، فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُمْ مِنْهَا فِي شَكٍّ، بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُّونَ‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْتُ‏:‏ هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، عَلَى الْقِرَاءَةِ الَّتِي ذَكَرْتُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَظْهَرَ مَعَانِيَهُ‏.‏ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، كَانَ فِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ قَدِ اسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنْهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ، بَلْ يَشْعُرُونَ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ، فَالْكَلَامُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ، بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ بِذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ، بَلْ هُمْ فِي الدُّنْيَا فِي شَكٍّ مِنْهَا‏.‏ وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ ‏(‏بَلِ ادَّارَكَ‏)‏ بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ، فَالْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ مُجَاهِدٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى بَلْ‏:‏ أَمْ، وَالْعَرَبُ تَضَعُ أَمْ مَوْضِعَ بَلْ، وَمَوْضِعَ بَلْ‏:‏ أَمْ، إِذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ اسْتِفْهَامٌ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

فَوَاللَّـهِ مـا أَدْرِي أَسَـلْمَى تَغَـوَّلَتْ *** أَمِ النَّـوْمُ أَمْ كُـلٌّ إِلَـيَّ حَـبِيبُ

يَعْنِي بِذَلِكَ بَلْ كُلٌّ إِلَيَّ حَبِيبٌ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ، بَلْ تَدَارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ‏:‏ يَعْنِي تَتَابَعَ عِلْمِهِمْ فِي الْآخِرَةِ‏:‏ أَيْ بِعِلْمِ الْآخِرَةِ‏:‏ أَيْ لَمْ يَتَتَابَعْ بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمُوهُ، بَلْ غَابَ عِلْمُهُمْ عَنْهُ، وَضَلَّ فَلَمْ يَبْلُغُوهُ وَلَمْ يُدْرِكُوهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ بَلْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ فِي شَكٍّ مِنْ قِيَامِهَا، لَا يُوقِنُونَ بِهَا وَلَا يُصَدِّقُونَ بِأَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ ‏{‏بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ بَلْ هُمْ مِنَ الْعِلْمِ بِقِيَامِهَا عَمُونَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏67- 68‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ‏:‏ أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ مِنْ قُبُورِنَا أَحْيَاءَ، كَهَيْئَتِنَا مِنْ بَعْدِ مَمَاتِنَا بَعْدَ أَنْ كُنَّا فِيهَا تُرَابًا قَدْ بَلِينَا‏؟‏ ‏{‏لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَقَدْ وَعَدَنَا هَذَا مِنْ قَبْلِ مُحَمَّدٍ وَاعِدُونَ، وَعَدُوا ذَلِكَ آبَاءَنَا، فَلَمْ نَرَ لِذَلِكَ حَقِيقَةً، وَلَمْ نَتَبَيَّنْ لَهُ صِحَّةً ‏{‏إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ قَالُوا‏:‏ مَا هَذَا الْوَعْدُ إِلَّا مَا سَطَرَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْأَكَاذِيبِ فِي كُتُبِهِمْ، فَأَثْبَتُوهُ فِيهَا وَتَحَدَّثُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ صِحَّةٌ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏69- 70‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةَ الْمُجْرِمِينَ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏قُلْ‏)‏ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْأَنْبَاءِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ‏:‏ ‏{‏سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا‏}‏ إِلَى دِيَارِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ رُسُلِ اللَّهِ وَمَسَاكِنِهِمْ كَيْفَ هِيَ، أَلَمْ يُخَرِّبْهَا اللَّهُ، وَيُهْلِكْ أَهْلَهَا بِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُمْ، وَرَدِّهِمْ عَلَيْهِمْ نَصَائِحَهُمْ فَخَلَتْ مِنْهُمُ الدِّيَارُ وَتَعَفَّتْ مِنْهُمُ الرُّسُومُ وَالْآثَارُ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ عَاقِبَةَ إِجْرَامِهِمْ، وَذَلِكَ سُنَّةُ رَبِّكُمْ فِي كُلِّ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ فِي تَكْذِيبِ رُسُلِ رَبِّهِمْ، وَاللَّهُ فَاعِلٌ ذَلِكَ بِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ لَمْ تُبَادِرُوا الْإِنَابَةَ مِنْ كُفْرِكُمْ وَتَكْذِيبِكُمْ رَسُولَ رَبِّكُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ‏)‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَلَا تَحْزَنُ عَلَى إِدْبَارِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَنْكَ وَتَكْذِيبِهِمْ لَكَ ‏{‏وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَا يَضِقْ صَدْرُكَ مِنْ مَكْرِهِمْ بِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُكَ عَلَيْهِمْ، وَمُهْلِكُهُمْ قَتْلًا بِالسَّيْفِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏71- 72‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَيَقُولُ مُشْرِكُو قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ، الْمُكَذِّبُوكَ فِيمَا أَتَيْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ‏:‏ ‏(‏مَتَى‏)‏ يَكُونُ ‏(‏هَذَا الْوَعْدُ‏)‏ الَّذِي تَعِدُنَاهُ مِنَ الْعَذَابِ، الَّذِي هُوَ بِنَا فِيمَا تَقُولُ حَالٌّ، ‏(‏إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏)‏ فِيمَا تَعِدُونَنَا بِهِ ‏{‏قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ‏}‏ يَقُولُ جَلَّ جَلَالُهُ‏:‏ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ‏:‏ عَسَى أَنْ يَكُونَ اقْتَرَبَ لَكُمْ وَدَنَا ‏{‏بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ‏}‏ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ اقْتَرَبَ لَكُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ اقْتَرَبَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ رَدِفَ‏:‏ أُعْجِلَ لَكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَزِفَ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبِيدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏رَدِفَ لَكُمْ‏)‏ اقْتَرَبَ لَكُمْ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ دُخُولِ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏رَدِفَ لَكُمْ‏)‏ وَكَلَامُ الْعَرَبِ الْمَعْرُوفِ‏:‏ رَدِفَهُ أَمْرٌ، وَأَرْدَفَهُ، كَمَا يُقَالُ‏:‏ تَبِعَهُ وَأَتْبَعَهُ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ‏:‏ أَدْخَلَ اللَّامَ فِي ذَلِكَ فَأَضَافَ بِهَا الْفِعْلَ كَمَا يُقَالُ‏:‏ ‏{‏لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ‏}‏ و ‏{‏لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ‏}‏‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ‏:‏ أَدْخَلَ اللَّامَ فِي ذَلِكَ لِلْمَعْنَى؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ دَنَا لَهُمْ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

فَقُلْتُ لَهَا الْحَاجَاتُ يَطْرَحْنَ بِالْفَتَى ***

فَأَدْخَلَ الْبَاءَ فِي يَطْرَحْنَ، وَإِنَّمَا يُقَالُ طَرْحَتُهُ، لِأَنَّ مَعْنَى الطَّرْحِ‏:‏ الرَّمْيُ، فَأَدْخَلَ الْبَاءَ لِلْمَعْنَى، إِذْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ يَرْمِينَ بِالْفَتَى، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ أَوْلَاهُمَا عِنْدِي بِالصَّوَابِ، وَقَدْ مَضَى الْبَيَانُ عَنْ نَظَائِرِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْكِتَابِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ تَكْرَارِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏تَسْتَعْجِلُونَ‏)‏ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنَ الْعَذَابِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏73- 74‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنَّ رَبَّكَ‏)‏ يَا مُحَمَّدُ ‏{‏لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ‏}‏ بِتَرْكِهِ مُعَاجَلَتَهُمْ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَكُفْرِهِمْ بِهِ، وَذُو إِحْسَانٍ إِلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ نِعَمِهِ عِنْدَهُمْ ‏{‏وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ‏}‏ لَا يَشْكُرُونَهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ إِحْسَانِهِ وَفَضْلِهِ عَلَيْهِمْ، فَيُخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ، وَلَكِنَّهُمْ يُشْرِكُونَ مَعَهُ فِي الْعِبَادَةِ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَمَنْ لَا فَضْلَ لَهُ عِنْدَهُمْ وَلَا إِحْسَانٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ضَمَائِرَ صُدُورِ خَلْقِهِ، وَمَكْنُونَ أَنْفُسِهِمْ، وَخَفِيَّ أَسْرَارِهِمْ، وَعَلَانِيَةَ أُمُورِهِمُ الظَّاهِرَةِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مُحْصِيهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى يُجَازِيَ جَمِيعَهُمْ بِالْإِحْسَانِ إِحْسَانًا وَبِالْإِسَاءَةِ جَزَاءَهَا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ السِّرُّ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏75- 76‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَا مِنْ‏)‏ مَكْتُومِ سِرٍّ وَخَفِيِّ أَمْرٍ يَغِيبُ عَنْ أَبْصَارِ النَّاظِرِينَ ‏{‏فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ‏}‏ وَهُوَأُمُّ الْكِتَابِ الَّذِي أَثْبَتَ رَبُّنَا فِيهِ كُلَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ لَدُنِ ابْتَدَأَ خَلْقَ خَلْقِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏.‏ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏مُبِينٍ‏)‏ أَنَّهُ يَبِينُ لِمَنْ نَظَرَ إِلَيْهِ، وَقَرَأَ مَا فِيهِ مِمَّا أَثْبَتَ فِيهِ رَبُّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَا مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، سِرٌّ وَلَا عَلَانِيَةٌ إِلَّا يَعْلَمُهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلْتُهُ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْحُقَّ، فِي أَكْثَرِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي اخْتَلَفُوا فِيهَا، وَذَلِكَ كَالَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِ عِيسَى، فَقَالَتِ الْيَهُودُ فِيهِ مَا قَالَتْ، وَقَالَتِ النَّصَارَى فِيهِ مَا قَالَتْ، وَتَبَرَّأَ لِاخْتِلَافِهِمْ فِيهِ هَؤُلَاءِ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي اخْتَلَفُوا فِيهَا، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ‏:‏ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَيْكُمُ الْحَقَّ فِيمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ فَاتَّبِعُوهُ، وَأَقِرُّوا لِمَا فِيهِ، فَإِنَّهُ يَقُصُّ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ، وَيَهْدِيكُمْ إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏77- 78‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَهُدًى، يَقُولُ‏:‏ لَبَيَانٌ مِنَ اللَّهِ، بَيَّنَ بِهِ الْحَقَّ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ خَلْقُهُ مِنْ أُمُورِ دِينِهِمْ ‏{‏وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَرَحْمَةٌ لِمَنْ صَدَّقَ بِهِ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ، ‏{‏إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنْ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِحُكْمِهِ فِيهِمْ، فَيَنْتَقِمُ مِنَ الْمُبْطِلِ مِنْهُمْ، وَيُجَازِي الْمُحْسِنَ مِنْهُمُ الْمُحِقَّ بِجَزَائِهِ، ‏(‏وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ وَرَبُّكَ الْعَزِيزُ فِي انْتِقَامِهِ مِنَ الْمُبْطِلِ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ، لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى مَنْعِهِ مِنَ الِانْتِقَامِ مِنْهُ إِذَا انْتَقَمَ، الْعَلِيمُ بِالْمُحِقِّ الْمُحْسِنِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُخْتَلِفِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَمِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُبْطِلِ الضَّالِّ عَنِ الْهُدَى‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏79- 80‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ فَفُوِّضْ إِلَى اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ أُمُورَكَ، وَثِقْ بِهِ فِيهَا، فَإِنَّهُ كَافِيكَ‏.‏ ‏{‏إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ‏}‏ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ، وَفَكَّرَ مَا فِيهِ بِعَقْلٍ، وَتَدَبَّرَهُ بِفَهْمٍ، أَنَّهُ الْحَقُّ، دُونَ مَا عَلَيْهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، الْمُخْتَلِفُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَدُونَ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْأَوْثَانِ، الْمُكَذِّبُوكَ فِيمَا أَتَيْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ، يَقُولُ‏:‏ فَلَا يَحْزُنْكَ تَكْذِيبُ مَنْ كَذَّبَكَ، وَخِلَافُ مَنْ خَالَفَكَ، وَامْضِ لِأَمْرِ رَبِّكَ الَّذِي بَعَثَكَ بِهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّكَ يَا مُحَمَّدُ لَا تَقْدِرُ أَنْ تُفْهِمَ الْحَقَّ مَنْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ فَأَمَاتَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ خَتَمَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَفْهَمَهُ ‏{‏وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَا تَقْدِرُ أَنْ تُسْمِعَ ذَلِكَ مَنْ أَصَمَّ اللَّهُ عَنْ سَمَاعِهِ سَمْعَهُ ‏{‏إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِذَا هُمْ أَدْبَرُوا مُعْرِضِينَ عَنْهُ، لَا يَسْمَعُونَ لَهُ لِغَلَبَةِ دَيْنِ الْكُفْرِ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَلَا يُصْغُونَ لِلْحَقِّ، وَلَا يَتَدَبَّرُونَهُ، وَلَا يُنْصِتُونَ لِقَائِلِهِ، وَلَكِنَّهُمْ يُعْرِضُونَ عَنْهُ، وَيُنْكِرُونَ الْقَوْلَ بِهِ، وَالِاسْتِمَاعَ لَهُ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏81- 82‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْإِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ‏}‏‏.‏

اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ‏:‏ ‏(‏وَمَا أَنْتَ بِهَادِي‏)‏ بِالْيَاءِ وَالْأَلِفِ وَإِضَافَتِهِ إِلَى الْعُمْيِ بِمَعْنَى‏:‏ لَسْتَ يَا مُحَمَّدُ بِهَادِي مَنْ عَمِيَ عَنِ الْحَقِّ ‏{‏عَنْ ضَلَالَتِهِمْ‏}‏‏.‏ وَقِرَاءَةُ عَامَّةِ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ “ وَمَا أَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ “ بِالتَّاءِ وَنَصْبِ الْعُمْيِ، بِمَعْنَى‏:‏ وَلَسْتَ تَهْدِيهِمْ ‏{‏عَنْ ضَلَالَتِهِمْ‏}‏ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِيهِمْ إِنْ شَاءَ‏.‏

وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى مَشْهُورَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ‏.‏ وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ مَا وَصَفْتُ ‏(‏وَمَا أَنْتَ‏)‏ يَا مُحَمَّدُ ‏(‏بِهَادِي‏)‏ مَنْ أَعْمَاهُ اللَّهُ عَنِ الْهُدَى وَالرَّشَادِ فَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً أَنْ يَتَبَيَّنَ سَبِيلَ الرَّشَادِ عَنْ ضَلَالَتِهِ الَّتِي هُوَ فِيهَا إِلَى طَرِيقِ الرَّشَادِ وَسَبِيلِ الرَّشَادِ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَا تَقْدِرُ أَنْ تُفْهِمَ الْحَقَّ وَتُوَعِّيَهِ أَحَدًا إِلَّا سَمْعَ مَنْ يُصَدِّقُ بِآيَاتِنَا، يَعْنِي بِأَدِلَّتِهِ وَحُجَجِهِ وَآيِ تَنْزِيلِهِ ‏(‏فَهُمْ مُسْلِمُونَ‏)‏ فَإِنَّ أُولَئِكَ يَسْمَعُونَ مِنْكَ مَا تَقُولُ وَيَتَدَبَّرُونَهُ، وَيُفَكِّرُونَ فِيهِ، وَيَعْمَلُونَ بِهِ، فَهُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ مِثْلَ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏(‏وَقَعَ‏)‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ حَقَّ عَلَيْهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِذَا وَجَبَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ حَقَّ الْعَذَابُ‏.‏

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ الْقَوْلُ‏:‏ الْعَذَابُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ قَوْلَنَا فِي مَعْنَى الْقَوْلِ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ‏}‏ وَالْقَوْلُ‏:‏ الْغَضَبُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ حَفْصَةَ، قَالَتْ‏:‏ سَأَلْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ، عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ‏}‏ فَقَالَ‏:‏ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نُوحٍ ‏{‏أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ‏}‏ قَالَتْ‏:‏ فَكَأَنَّمَا كَانَ عَلَى وَجْهِي غِطَاءٌ فَكُشِفَ‏.‏

وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ‏:‏ خُرُوجُ هَذِهِ الدَّابَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا حِينَ لَا يَأْمُرُ النَّاسُ بِمَعْرُوفٍ وَلَا يَنْهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ حِينَ لَا يَأْمُرُونَ بِمَعْرُوفٍ وَلَا يَنْهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْمُلَائِيُّ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ‏}‏ قَالَ‏:‏ ذَاكَ إِذَا تُرِكَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ حِينَ لَا يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْمَقْدِسِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَطِيَّةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِذَا لَمَّ يَعْرِفُوا مَعْرُوفًا، وَلَمْ يُنْكِرُوا مُنْكِرًا‏.‏

وَذُكِرَ أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهَا الدَّابَّةُ مَكَّةُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ صَدْعٍ فِي الصَّفَا، كَجَرْيِ الْفَرَسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَمَا خَرَجَ ثُلُثُهَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، عَنِ الْفُرَاتِ الْقَزَّازِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ الْغِفَارِيِّ، قَالَ‏:‏ إِنَّ الدَّابَّةَ حِينَ تَخْرُجُ يَرَاهَا بَعْضُ النَّاسِ فَيَقُولُونَ‏:‏ وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْنَا الدَّابَّةَ، حَتَّى يَبْلُغَ ذَلِكَ الْإِمَامَ، فَيَطْلُبُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ ثُمَّ تَخْرُجُ فَيَرَاهَا النَّاسُ، فَيَقُولُونَ‏:‏ وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْنَاهَا، فَيَبْلُغُ ذَلِكَ الْإِمَامَ فَيَطْلُبُ فَلَا يَرَى شَيْئًا، فَيَقُولُ‏:‏ أَمَا إِنِّي إِذَا حَدَثَ الَّذِي يَذْكُرُهَا قَالَ‏:‏ حَتَّى يُعِدَّ فِيهَا الْقَتْلَ، قَالَ‏:‏ فَتَخْرُجُ، فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ دَخَلُوا الْمَسْجِدَ يُصَلُّونَ، فَتَجِيءُ إِلَيْهِمْ فَتَقُولُ‏:‏ الْآنَ تُصَلُّونَ، فَتَخْطِمُ الْكَافِرَ، وَتَمْسَحُ عَلَى جَبِينِ الْمُسْلِمِ غِرَّةً، قَالَ‏:‏ فَيَعِيشُ النَّاسُ زَمَانًا يَقُولُ هَذَا‏:‏ يَا مُؤْمِنُ، وَهَذَا‏:‏ يَا كَافِرُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ، عَنْ وَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ، وَأَبِي سُفْيَانَ، ثَنَا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ لِلدَّابَّةِ ثَلَاثُ خَرْجَاتٍ‏:‏ خَرْجَةٌ فِي بَعْضِ الْبَوَادِي ثُمَّ تَكْمُنُ، وَخَرْجَةٌ فِي بَعْضِ الْقُرَى حِينَ يُهْرِيقَ فِيهَا الْأُمَرَاءُ الدِّمَاءَ، ثُمَّ تَكْمُنُ، فَبَيْنَا النَّاسُ عِنْدَ أَشْرَفِ الْمَسَاجِدِ وَأَعْظَمِهَا وَأَفْضَلِهَا، إِذِ ارْتَفَعَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ، فَانْطَلَقَ النَّاسُ هِرَابًا، وَتَبَقَّى طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَقُولُونَ‏:‏ إِنَّهُ لَا يُنْجِينَا مِنَ اللَّهِ شَيْءٌ، فَتَخْرُجُ عَلَيْهِمُ الدَّابَّةُ تَجْلُو وُجُوهَهُمْ مِثْلَ الْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ، ثُمَّ تَنْطَلِقُ فَلَا يُدْرِكُهَا طَالِبٌ وَلَا يَفُوتُهَا هَارِبٌ، وَتَأْتِي الرَّجُلَ يُصَلِّي، فَتَقُولُ‏:‏ وَاللَّهِ مَا كُنْتَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ، فَيَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَتَخْطِمُهُ، قَالَ‏:‏ تَجْلُو وَجْهَ الْمُؤْمِنِ، وَتَخْطِمُ الْكَافِرَ، قُلْنَا‏:‏ فَمَا النَّاسُ يَوْمَئِذٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ جِيرَانٌ فِي الرِّبَاعِ، وَشُرَكَاءُ فِي الْأَمْوَالِ، وَأَصْحَابٌ فِي الْأَسْفَارِ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ يَبِيتُ النَّاسُ يَسِيرُونَ إِلَى جَمْعٍ، وَتَبِيتُ دَابَّةُ الْأَرْضِ تُسَايِرُهُمْ، فَيُصْبِحُونَ وَقَدْ خَطَمَتْهُمْ مِنْ رَأْسِهَا وَذَنَبِهَا، فَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا مَسَحَتْهُ، وَلَا مِنْ كَافِرٍ وَلَا مُنَافِقٍ إِلَّا تَخْبِطُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْخَيْبَرِيُّ، عَنْ حَيَّانِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ حِمْصَةَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ‏:‏ لَوْ شِئْتُ لَانْتَعَلْتُ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ، فَلَمْ أَمَسَّ الْأَرْضَ قَاعِدًا حَتَّى أَقِفَ عَلَى الْأَحْجَارِ الَّتِي تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ بَيْنِهَا، وَلَكَأَنِّي بِهَا قَدْ خَرَجَتْ فِي عَقِبِ رَكْبٍ مِنَ الْحَاجِّ، قَالَ‏:‏ فَمَا حَجَجْتُ قَطُّ إِلَّا خِفْتُ تَخْرُجُ بِعَقِبِنَا‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْآمُلِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ‏:‏ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، وَكَانَ مَنْزِلُهُ قَرِيبًا مِنَ الصَّفَا، رَفَعَ قَدَمَهُ وَهُوَ قَائِمٌ، وَقَالَ‏:‏ لَوْ شِئْتُ لَمْ أَضَعْهَا حَتَّى أَضَعَهَا عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي تَخْرُجُ مِنْهُ الدَّابَّةُ‏.‏

حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ رُوَّادِ بْنِ الْجِرَاحِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، «عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ وَذَكَرَ الدَّابَّةَ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ‏:‏ قَلَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنْ أَيْنَ تَخْرُجُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ “ مِنْ أَعْظَمِ الْمَسَاجِدِ حُرْمَةً عَلَى اللَّهِ، بَيْنَمَا عِيسَى يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَمَعَهُ الْمُسْلِمُونَ، إِذْ تَضْطَرِبُ الْأَرْضُ تَحْتَهُمْ، تُحَرِّكَ الْقِنْدِيلَ، وَيَنْشَقُّ الصَّفَا مِمَّا يَلِي الْمَسْعَى، وَتَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنَ الصَّفَا، أَوَّلُ مَا يَبْدُو رَأْسُهَا، مُلَمَّعَةٌ ذَاتُ وَبَرٍ وَرِيشٍ، لَمْ يُدْرِكْهَا طَالِبٌ، وَلَنْ يَفُوتَهَا هَارِبٌ، تَسِمُ النَّاسَ مُؤْمِنٌ وَكَافِرٌ، أَمَّا الْمُؤْمِنُ فَتَتْرُكُ وَجْهَهُ كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، وَتَكْتُبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مُؤْمِنٌ، وَأَمَّا الكافِرُ فَتَنْكُتُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُكْتَةً سَوْدَاءَ كَافِرٌ “‏.‏»

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «“ تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مَعَهَا خَاتَمُ سُلَيْمَانَ وَعَصَا مُوسَى، فَتَجْلُو وَجْهَ الْمُؤْمِنِ بِالْعَصَا، وَتَخْتِمُ أَنْفَ الْكَافِرِ بِالْخَاتَمِ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ لَيَجْتَمِعُونَ فَيَقُولُ هَذَا‏.‏ يَا مُؤْمِنُ، وَيَقُولُ هَذَا‏:‏ يَا كَافِرُ “‏.‏»

قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ‏:‏ هِيَ دَابَّةٌ ذَاتُ زَغَبٍ وَرِيشٍ، وَلَهَا أَرْبَعُ قَوَائِمَ تَخْرُجُ مِنْ بَعْضِ أَوْدِيَةِ تُهَامَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ‏:‏ إِنَّهَا تَنْكُتُ فِي وَجْهِ الْكَافِرِ نُكْتَةً سَوْدَاءَ، فَتَفْشُو فِي وَجْهِهِ، فَيَسْوَدُّ وَجْهُهُ، وَتَنْكُتُ فِي وَجْهِ الْمُؤْمِنِ نُكْتَةً بَيْضَاءَ فَتَفْشُو فِي وَجْهِهِ، حَتَّى يَبْيَضَّ وَجْهُهُ، فَيَجْلِسُ أَهْلُ الْبَيْتِ عَلَى الْمَائِدَةِ، فَيَعْرِفُونَ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ، وَيَتَبَايَعُونَ فِي الْأَسْوَاقِ، فَيَعْرِفُونَ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ‏.‏

حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، قَالَا‏:‏ ثَنَا ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ‏:‏ تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ شِعْبٍ، فَيَمَسُّ رَأْسُهَا السَّحَابَ، وَرِجْلَاهَا فِي الْأَرْضِ مَا خَرَجَتَا، فَتَمُرُّ بِالْإِنْسَانِ يُصَلِّي، فَتَقُولُ‏:‏ مَا الصَّلَاةُ مِنْ حَاجَتِكَ فَتَخْطِمُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ تَخْرُجُ دَابَّةُ الْأَرْضِ وَمَعَهَا خَاتَمُ سُلَيْمَانَ وَعَصَا مُوسَى، فَأَمَّا الْكَافِرُ فَتَخْتِمُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ بِخَاتَمِ سُلَيْمَانَ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَتَمْسَحَ وَجْهَهُ بِعَصَا مُوسَى فَيَبْيَضُّ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏تُكَلِّمُهُمْ‏}‏ فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ‏:‏ ‏{‏تُكَلِّمُهُمْ‏}‏ بِضَمِّ التَّاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، بِمَعْنَى تُخْبِرُهُمْ وَتُحَدِّثُهُمْ، وَقَرَأَهُ أَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرٍو‏:‏ “ تَكْلِمُهُمْ “ بِفَتْحِ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ بِمَعْنَى‏:‏ تَسِمُهُمْ‏.‏

وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتُجِيزُ غَيْرَهَا فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ تُحَدِّثُهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ‏}‏ وَهِيَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ “ تَحَدُّثُهُمْ “ تَقُولُ لَهُمْ‏:‏ ‏{‏أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏تُكَلِّمُهُمْ‏)‏ قَالَ‏:‏ كَلَامُهَا تُنْبِئُهُمْ ‏{‏أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ‏}‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ‏}‏ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ وَالشَّامِ‏:‏ “ إِنَّ النَّاسَ “ بِكَسْرِ الْأَلِفِ مِنْ “ إِنَّ “ عَلَى وَجْهِ الِابْتِدَاءِ بِالْخَبَرِ عَنِ النَّاسِ أَنَّهُمْ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يُوقِنُونَ؛ وَهِيَ وَإِنْ كُسِرَتْ فِي قِرَاءَةِ هَؤُلَاءِ فَإِنَّ الْكَلَامَ لَهَا مُتَنَاوَلٌ‏.‏ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ‏:‏ ‏(‏أَنَّ النَّاسَ كَانُوا‏)‏ بِفَتْحِ أَنَّ بِمَعْنَى‏:‏ تُكَلِّمُهُمْ بِأَنَّ النَّاسَ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ نُصِبَ بِوُقُوعِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏83- 84‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَيَوْمَ نَجْمَعُ مِنْ كُلِّ قَرْنٍ وَمِلَّةٍ فَوْجًا، يَعْنِي جَمَاعَةً مِنْهُمْ، وَزُمْرَةً ‏{‏مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِأَدِلَّتِنَا وَحُجَجِنَا، فَهُوَ يَحْبِسُ أَوَّلَهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ، لِيَجْتَمِعَ جَمِيعُهُمْ، ثُمَّ يُسَاقُونَ إِلَى النَّارِ‏.‏

وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ الشِّيعَةَ عِنْدَ الْحَشْرِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا‏}‏ قَالَ‏:‏ زُمْرَةً‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا‏}‏ قَالَ‏:‏ زُمْرَةً زُمْرَةً ‏(‏فَهُمْ يُوزَعُونَ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ فَهُمْ يُدْفَعُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَهُمْ يُوزَعُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَحْبِسُ أَوَّلَهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏فَهُمْ يُوزَعُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ وَزْعَةً تَرُدُّ أُولَاهُمْ عَلَى أُخْرَاهُمْ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏يُوزَعُونَ‏)‏ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِشَوَاهِدِهِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ حَتَّى إِذَا جَاءَ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجٌ مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَاجْتَمَعُوا قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏(‏أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي‏)‏ أَيْ‏:‏ بِحُجَجِي وَأَدِلَّتِي ‏{‏وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَمْ تَعْرِفُوهَا حَقَّ مَعْرِفَتِهَا، ‏{‏أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏ فِيهَا مِنْ تَكْذِيبٍ أَوْ تَصْدِيقٍ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏85- 86‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَوَجَبَ السَّخَطُ وَالْغَضَبُ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِهِ ‏(‏بِمَا ظَلَمُوا‏)‏ يَعْنِي بِتَكْذِيبِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ، يَوْمَ يُحْشَرُونَ ‏{‏فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ‏:‏ فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ بِحُجَّةٍ يَدْفَعُونَ بِهَا عَنْ أَنْفُسِهِمْ عَظِيمَ مَا حَلَّ بِهِمْ وَوَقَعَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْقَوْلِ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِآيَاتِنَا تَصْرِيفَنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَمُخَالَفَتَنَا بَيْنَهُمَا بِتَصْيِيرِنَا هَذَا سَكَنًا لَهُمْ يَسْكُنُونَ فِيهِ وَيَهْدَءُونَ، رَاحَةَ أَبْدَانِهِمْ مِنْ تَعَبِ التَّصَرُّفِ وَالتَّقَلُّبِ نَهَارًا، وَهَذَا مُضِيئًا يُبْصِرُونَ فِيهِ الْأَشْيَاءَ وَيُعَايِنُونَهَا فَيَتَقَلَّبُونَ فِيهِ لِمَعَايِشِهِمْ، فَيَتَفَكَّرُوا فِي ذَلِكَ، وَيَتَدَبَّرُوا، وَيَعْلَمُوا أَنَّ مُصَرِّفَ ذَلِكَ كَذَلِكَ هُوَ الْإِلَهُ الَّذِي لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إِمَاتَةُ الْأَحْيَاءِ، وَإِحْيَاءُ الْأَمْوَاتِ بَعْدَ الْمَمَاتِ، كَمَا لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ الذَّهَابُ بِالنَّهَارِ وَالْمَجِيءُ بِاللَّيْلِ، وَالْمَجِيءُ بِالنَّهَارِ وَالذَّهَابُ بِاللَّيْلِ مَعَ اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمَا ‏{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ فِي تَصْيِيرِنَا اللَّيْلَ سَكَنًا، وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا لَدَلَالَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى مَا آمَنُوا بِهِ مِنَ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَحَجَّةً لَهُمْ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏87‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ‏}‏‏.‏

اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ‏}‏ وَقَدْ ذَكَّرْنَا اخْتِلَافَهُمْ فِيمَا مَضَى، وَبَيَّنَا الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِشَوَاهِدِهِ، غَيْرَ أَنَّا نَذْكُرُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بَعْضَ مَا لَمْ يُذْكَرْ هُنَاكَ مِنَ الْأَخْبَارِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ‏.‏

ذِكْرُ بَعْضِ مَنْ لَمْ يُذْكَرْ فِيمَا مَضَى قَبْلُ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ‏}‏ قَالَ كَهَيْئَةِ الْبُوقِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ الصُّورُ‏:‏ الْبُوقُ قَالَ‏:‏ هُوَ الْبُوقُ صَاحِبُهُ آخِذٌ بِهِ يَقْبِضُ قَبْضَتَيْنِ بِكَفَّيْهِ عَلَى طَرْفِ الْقَرْنِ، بَيْنَ طَرْفِهِ وَبَيْنَ فِيهِ قَدْرُ قَبْضَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، قَدْ بَرَكَ عَلَى رُكْبَةِ إِحْدَى رِجْلَيْهِ، فَأَشَارَ، فَبَرَكَ عَلَى رُكْبَةِ يَسَارِهِ مُقْعِيًا عَلَى قَدَمِهَا، عَقِبُهَا تَحْتَ فَخِذِهِ وَأَلْيَتِهِ، وَأَطْرَافُ أَصَابِعِهَا فِي التُّرَابِ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ الصُّورُ كَهَيْئَةِ الْقَرْنِ قَدْ رَفَعَ إِحْدَى رُكْبَتَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَخَفَضَ الْأُخْرَى، لَمْ يُلْقِ جُفُونَ عَيْنِهِ عَلَى غَمْضٍ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ مُسْتَعِدًّا مُسْتَجِدًّا، قَدْ وَضَعَ الصُّورَ عَلَى فِيهِ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ أَنْ يَنْفُخَ فِيهِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ الْمَدَنِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ‏:‏ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الصُّورُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ “ قَرْنٌ “، قَالَ‏:‏ وَكَيْفَ هُوَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ “ قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فِيهِ ثَلَاثُ نَفَخَاتٍ‏:‏ الْأُولَى‏:‏ نَفْخَةُ الْفَزَعِ، وَالثَّانِيَةُ‏:‏ نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَالثَّالِثَةُ‏:‏ نَفْخَةُ الْقِيَامِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ بِالنَّفْخَةِ الْأُولَى، فَيَقُولُ‏:‏ انْفُخْ نَفْخَةَ الْفَزَعِ، فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ الْفَزَعِ، فَيَفْزَعُ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ، إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، وَيَأْمُرُهُ اللَّهُ فَيَمُدُّ بِهَا وَيُطَوِّلُهَا، فَلَا يَفْتُرُ، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ‏}‏ فَيُسَيِّرُ اللَّهُ الْجِبَالَ، فَتَكُونُ سَرَابًا، وَتُرَجُّ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا رَجًّا، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ‏}‏ فَتَكُونُ الْأَرْضُ كَالسَّفِينَةِ الْمُوثَقَةِ فِي الْبَحْرِ، تَضْرِبُهَا الْأَمْوَاجُ، تُكْفَأُ بِأَهْلِهَا، أَوْ كَالْقِنْدِيِلِ الْمُعَلَّقِ بِالْوَتَرِ، تُرَجِّحُهُ الْأَرْيَاحُ، فَتَمِيدُ النَّاسُ عَلَى ظَهْرِهَا، فَتَذْهَلُ الْمَرَاضِعُ، وَتَضَعُ الْحَوَامِلُ، وَتَشِيبُ الْوِلْدَانُ، وَتَطِيرُ الشَّيَاطِينُ هَارِبَةً، حَتَّى تَأْتِيَ الْأَقْطَارَ، فَتَتَلَقَّاهَا الْمَلَائِكَةُ، فَتَضْرِبُ وُجُوهَهَا، فَتَرْجِعُ، وَيُوَلِّي النَّاسُ مُدْبِرِينَ يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَهُوَ الَّذِي يَقُوُلُ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ‏}‏ فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ تَصَدَّعَتِ الْأَرْضُ مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ، فَرَأَوْا أَمْرًا عَظِيمًا، فَأَخَذَهُمْ لِذَلِكَ مِنَ الْكَرْبِ مَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، ثُمَّ نَظَرُوا إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا هِيَ كَالْمُهْلِ، ثُمَّ خُسِفَ شَمْسُهَا وَقَمَرُهَا، وَانْتَثَرَتْ نُجُومُهَا، ثُمَّ كُشِطَتْ عَنْهُمْ “‏.‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ “ وَالْأَمْوَاتُ لَا يَعْلَمُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ حِينَ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ “ أُولَئِكَ الشُّهَدَاءُ، وَإِنَّمَا يَصِلُ الْفَزَعُ إِلَى الْأَحْيَاءِ، أُولَئِكَ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، وَقَاهُمُ اللَّهُ فَزَعَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَآمَنَهُمْ، وَهُوَ عَذَابُ اللَّهِ يَبْعَثُهُ عَلَى شِرَارِ خَلْقِهِ “‏.‏»

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ “ «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا فَرَغَ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، خَلَقَ الصُّوْرَ فَأَعْطَاهُ مَلَكًا، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيهِ، شَاخِصٌ بِبَصَرِهِ إِلَى الْعَرْشِ، يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ “‏.‏ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الصُّورُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ “ قَرْنٌ “، قُلْتُ‏:‏ فَكَيْفَ هُوَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ “ عَظِيمٌ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ عِظَمَ دَائِرَةِ فِيهِ، لَكَعَرْضِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَأْمُرُهُ فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ الْفَزَعِ، فَيَفْزَعُ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه» “، ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي كُرَيْبٍ عَنِ الْمُحَارِبِيِّ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ “ كَالسَّفِينَةِ الْمُرْفَأَةِ فِي الْبَحْرِ “‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَنُفِخَ فِي صُورِ الْخَلْقِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ‏)‏ أَيْ فِي الْخَلْقِ‏.‏ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالشَّيَاطِينِ، مِنْ هَوْلِ مَا يُعَايِنُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَكَيْفَ قِيلَ‏:‏ ‏(‏فَفَزِعَ‏)‏، فَجَعَلَ فَزِعَ وَهِيَ فِعْلٌ مَرْدُودَةٌ عَلَى يُنْفَخُ، وَهِيَ يُفْعَلُ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ الْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَصْلُحُ فِيهَا إِذَا، لِأَنَّ إِذَا يَصْلُحُ مَعَهَا فَعَلَ وَيَفْعَلُ، كَقَوْلِكَ‏:‏ أَزُورُكَ إِذَا زُرْتِنِي، وَأَزُورُكَ إِذَا تَزُورُنِي، فَإِذَا وُضِعَ مَكَانَ إِذَا يَوْمَ أُجْرِيَ مَجْرَى إِذَا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ فَأَيْنَ جَوَابُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ‏}‏‏؟‏ قِيلَ‏:‏ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُضْمَرًا مَعَ الْوَاوِ، كَأَنَّهُ قِيلَ‏:‏ وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ، وَذَلِكَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ‏.‏ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَتْرُوكًا اكْتُفِيَ بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ مِنْهُ، كَمَا قِيلَ‏:‏ ‏{‏وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا‏}‏ فَتُرِكَ جَوَابُهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ‏)‏ قِيلَ‏:‏ إِنَّالَّذِينَ اسْتَثْنَاهُمُ اللَّهُمِنَ الْفَزَعِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ أَنْ يَنَالَهُمُ الْفَزَعُ يَوْمَئِذٍ الشُّهَدَاءُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، وَإِنْ كَانُوا فِي عِدَادِ الْمَوْتَى عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَبِذَلِكَ جَاءَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْخَبَرِ الْمَاضِي‏.‏

وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُمُ الشُّهَدَاءُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَكَلٌّ أَتَوْهُ صَاغِرِينَ‏.‏

وَبِمَثَلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ صَاغِرِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ صَاغِرِينَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الدَّاخِرُ‏:‏ الصَّاغِرُ الرَّاغِمُ، قَالَ‏:‏ لِأَنَّ الْمَرْءَ الَّذِي يَفْزَعُ إِذَا فَزِعَ إِنَّمَا هِمَّتُهُ الْهَرَبُ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي فَزِعَ مِنْهُ، قَالَ‏:‏ فَلَمَّا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَزِعُوا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَنْجَى‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ‏}‏ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ‏:‏ “ وَكُلٌّ آتُوهُ “ بِمَدِّ الْأَلِفِ مِنْ أَتَوْهُ عَلَى مِثَالِ فَاعِلُوهُ سِوَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَإِنَّهُ قَرَأَهُ‏:‏ “ وَكُلٌّ أَتُوهُ “ عَلَى مِثَالِ فَعَلُوهُ، وَاتَّبَعَهُ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ، وَاعْتَلَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ عَلَى مِثَالِ فَاعِلُوهُ بِإِجْمَاعِ الْقُرَّاءِ عَلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَكُلُّهُمْ آتِيهِ‏)‏ قَالُوا‏:‏ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ “ آتُوهُ “ فِي الْجَمْعِ‏.‏ وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا عَلَى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ رَدُّوهُ عَلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏فَفَزِعَ‏)‏ كَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى‏:‏ وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَأَتَوْهُ كُلُّهُمْ دَاخِرِينَ، كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ‏:‏ رَأَى وَفَرَّ وَعَادَ وَهُوَ صَاغِرٌ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ، وَمُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏88‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِصُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏(‏وَتَرَى الْجِبَالَ‏)‏ يَا مُحَمَّدُ ‏(‏تَحْسَبُهَا‏)‏ قَائِمَةً ‏{‏وَهِيَ تَمُرُّ‏}‏‏.‏

كَالَّذِي حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً‏}‏ يَقُولُ‏:‏ قَائِمَةً‏.‏ وَإِنَّمَا قِيلَ‏:‏ ‏{‏وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ‏}‏ لِأَنَّهَا تُجْمَعُ ثُمَّ تَسِيرُ، فَيَحْسَبُ رَائِيهَا لِكَثْرَتِهَا أَنَّهَا وَاقِفَةً، وَهِيَ تَسِيرُ سَيْرًا حَثِيثًا، كَمَا قَالَ الْجَعْدِيُّ‏:‏

بِـأَرْعَنَ مِثْـلَ الطَّـوْدِ تَحْسَـبُ أَنَّهُـمْ *** وُقُـوفٌ لِحِـاجٍ وَالرِّكَـابُ تُهَمْلِـجُ

قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ‏}‏ وَأَوْثَقَ خَلْقَهُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَحْكَمَ كُلَّ شَيْءٍ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَأَوْثَقَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَوْثَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَسَوَّى‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏(‏أَتْقَنَ‏)‏ أَوْثَقَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ ذُو عِلْمٍ وَخِبْرَةٍ بِمَا يَفْعَلُ عِبَادُهُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَطَاعَةٍ لَهُ وَمَعْصِيَةٍ، وَهُوَ مُجَازِي جَمِيعِهِمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى الْخَيْرِ الْخَيْرَ، وَعَلَى الشَّرِّ الشَّرَّ نَظِيرَهُ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏89- 90‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏(‏مَنْ جَاءَ‏)‏ اللَّهَ بِتَوْحِيدِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَقَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُوقِنًا بِهِ قَلْبُهُ ‏(‏فَلَهُ‏)‏ مِنْ هَذِهِ الْحَسَنَةِ عِنْدَ اللَّهِ ‏(‏خَيْرٌ‏)‏ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ الْخَيْرُ أَنْ يُثِيبَهُ اللَّهُ ‏(‏مِنْهَا‏)‏ الْجَنَّةَ، وَيُؤَمِّنَهُ ‏(‏مِنْ فَزَعٍ‏)‏ الصَّيْحَةِ الْكُبْرَى، وَهِيَ النَّفْخُ فِي الصُّورِ‏.‏ ‏(‏وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ وَمَنْ جَاءَ بِالشِّرْكِ بِهِ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَجُحُودِ وَحْدَانِيَّتِهِ ‏{‏فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ‏}‏ فِي نَارِ جَهَنَّمَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنِي الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْبَجَلِيُّ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا زَرْعَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ- قَالَ يَحْيَى‏:‏ أَحْسَبُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «“ ‏{‏مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ وَهِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ‏{‏وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ‏}‏ قَالَ‏:‏ وَهِيَ الشِّرْكُ “‏.‏»

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَنْ جَاءَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ‏{‏وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ‏}‏، قَالَ‏:‏ بِالشِّرْكِ‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَنْ جَاءَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ‏{‏وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ‏}‏ وَهُوَ الشِّرْكُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ‏)‏ قَالَ‏:‏ بِالشِّرْكِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ‏)‏ قَالَ‏:‏ كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ ‏(‏وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ‏)‏ قَالَ‏:‏ الشِّرْكُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ‏.‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ وَسَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ فِيهَا الشِّرْكُ، يَعْنِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ أَبِي الْمُحَجَّلِ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ كَانَ يَحْلِفُ مَا يَسْتَثْنِي، أَنَّ ‏(‏مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ‏)‏ قَالَ‏:‏ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ‏(‏وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ‏)‏ قَالَ‏:‏ الشِّرْكُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الشِّرْكُ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَفْصٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَكَانَ رَجُلًا غَزَّاءً، قَالَ‏:‏ بَيْنَا هُوَ فِي بَعْضِ خَلَوَاتِهِ حَتَّى رَفَعَ صَوْتَهُ‏:‏ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ قَالَ‏:‏ فَرَدَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ‏:‏ مَا تَقُولُ يَا عَبْدَ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَقُولُ مَا تَسْمَعُ، قَالَ‏:‏ أَمَا إِنَّهَا الْكَلِمَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏(‏مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ‏)‏ قَالَ‏:‏ الْإِخْلَاصُ ‏(‏وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ‏)‏ قَالَ‏:‏ الشِّرْكُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ‏)‏ يَعْنِي‏:‏ الشِّرْكُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ الشِّرْكُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ‏}‏ قَالَ‏:‏ السَّيِّئَةُ‏:‏ الشِّرْكُ الْكُفْرُ‏.‏

حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ‏:‏ ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْعَدَنِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ‏)‏ قَالَ‏:‏ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ‏{‏وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ‏}‏ قَالَ‏:‏ السَّيِّئَةُ‏:‏ الشِّرْكُ‏.‏ قَالَ الْحَكَمُ‏:‏ قَالَ عِكْرِمَةُ‏:‏ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ السَّيِّئَةُ فَهُوَ الشِّرْكُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا‏}‏ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا‏}‏ فَمِنْهَا وَصَلَ إِلَيْهِ الْخَيْرُ، يَعْنِي ابْنُ عَبَّاسٍ بِذَلِكَ‏:‏ مِنَ الْحَسَنَةِ وَصَلَ إِلَى الَّذِي جَاءَ بِهَا الْخَيْرُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حُسَيْنٌ الشَّهِيدُ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ لَهُ مِنْهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ‏:‏ مَنْ جَاءَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا خَيْرًا‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَهُ مِنْهَا حَظٌّ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ لَهُ مِنْهَا خَيْرٌ؛ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ خَيْرًا مِنَ الْإِيمَانِ فَلَا وَلَكِنْ مِنْهَا خَيْرٌ يُصِيبُ مِنْهَا خَيْرًا‏.‏

حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَكَمُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ لَيْسَ شَيْءٌ خَيْرًا مِنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَكِنْ لَهُ مِنْهَا خَيْرٌ‏.‏

وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِالْوَاحِدَةِ عَشْرًا، فَهَذَا خَيْرٌ مِنْهَا‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ‏}‏ فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ‏:‏ “ وَهُمْ مِنْ فَزَعِ يَوْمِئِذٍ آمِنُونَ “ بِإِضَافَةِ فَزَعٍ إِلَى الْيَوْمِ‏.‏ وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ‏:‏ ‏{‏مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ‏}‏ بِتَنْوِينِ فَزَعٍ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، غَيْرَ أَنَّ الْإِضَافَةَ أَعْجَبُ إِلَيَّ، لِأَنَّهُ فَزَعٌ مَعْلُومٌ‏.‏ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ مَعْرِفَةً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي سِيَاقِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ‏}‏ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ عُنِيَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ‏}‏ مِنَ الْفَزَعِ الَّذِي قَدْ جَرَى ذِكْرُهُ قَبْلَهُ‏.‏ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ لَا شَكَّ أَنَّهُ مَعْرِفَةٌ، وَأَنَّ الْإِضَافَةَ إِذَا كَانَ مَعْرِفَةً بِهِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِ الْإِضَافَةِ؛ وَأُخْرَى أَنَّ ذَلِكَ إِذَا أُضِيفَ فَهُوَ أَبْيَنُ أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ أَمَانِهِ مِنْ كُلِّ أَهْوَالِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْهُ إِذَا لَمْ يُضَفْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُضَفْ كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَيْهِ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَمَانَ مِنْ فَزَعِ بَعْضِ أَهْوَالِهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏.‏ يُقَالُ لَهُمْ‏:‏ هَلْ تَجْزُونَ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، إِذْ كَبَّكُمُ اللَّهُ لِوُجُوهِكُمْ فِي النَّارِ، وَإِلَّا جَزَاءَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي الدُّنْيَا بِمَا يُسْخِطُ رَبَّكُمْ؛ وَتَرَكَ “ يُقَالُ لَهُمْ “ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏91‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَاوَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ قُلْ ‏{‏إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ‏}‏ وَهِيَ مَكَّةُ ‏{‏الَّذِي حَرَّمَهَا‏}‏ عَلَى خَلْقِهِ أَنْ يَسْفِكُوا فِيهَا دَمًا حَرَامًا، أَوْ يَظْلِمُوا فِيهَا أَحَدًا، أَوْ يُصَادُ صَيْدُهَا، أَوْ يُخْتَلَى خَلَاهَا دُونَ الْأَوْثَانِ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا‏}‏ يَعْنِي‏:‏ مَكَّةَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ وَلِرَبِّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا مْلُكًا‏.‏ فَإِيَّاهُ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ، لَا مَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا‏.‏ وَإِنَّمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا‏}‏ فَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ دُونَ سَائِرِ الْبُلْدَانِ، وَهُوَ رَبُّ الْبِلَادِ كُلِّهَا، لِأَنَّهُ أَرَادَ تَعْرِيفَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ، بِذَلِكَ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ، وَإِحْسَانَهُ إِلَيْهِمْ، وَأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَعْبُدُوهُ هُوَ الَّذِي حَرَّمَ بَلَدُهُمْ، فَمَنَعَ النَّاسَ مِنْهُمْ، وَهُمْ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ يَأْكُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، لَا مَنْ لَمْ تَجْرِ لَهُ عَلَيْهِمْ نِعْمَةٌ، وَلَا يَقْدِرُ لَهُمْ عَلَى نَفْعٍ وَلَا ضَرٍّ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أُسْلِمَ وَجْهِيَ لَهُ حَنِيفًا، فَأَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ دَانُوا بِدِينِ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ وَجَدِّكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ، لَا مَنْ خَالَفَ دَيْنَ جَدِّهِ الْمُحِقِّ، وَدَانَ دِينَ إِبْلِيسَ عَدُوِّ اللَّهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏92‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِوَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قُلْ ‏{‏إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ‏}‏ وَ ‏{‏أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ ‏{‏وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَمَنْ تَبِعَنِي وَآمَنَ بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ، فَسَلَكَ طَرِيقَ الرَّشَادِ ‏{‏فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَإِنَّمَا يَسْلُكُ سَبِيلَ الصَّوَابِ بِاتِّبَاعِهِ إِيَّايَ، وَإِيمَانِهِ بِي، وَبِمَا جِئْتُ بِهِ لِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ بِإِيمَانِهِ بِي، وَبِمَا جِئْتُ بِهِ يَأْمَنُ نِقْمَتَهُ فِي الدُّنْيَا وَعَذَابَهُ فِي الْآخِرَةِ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ ضَلَّ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ وَمَنْ جَارَ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ بِتَكْذِيبِهِ بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ‏{‏فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِمَنْ ضَلَّ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، وَكَذَّبَكَ، وَلَمْ يُصَدِّقْ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ عِنْدِي‏:‏ إِنَّمَا أَنَا مِمَّنْ يُنْذِرُ قَوْمَهُ عَذَابَ اللَّهِ وَسَخَطَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَقَدْ أَنْذَرْتُكُمْ ذَلِكَ مَعْشَرَ كَفَّارِ قُرَيْشٍ، فَإِنْ قَبِلْتُمْ وَانْتَهَيْتُمْ عَمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ مِنْكُمْ مِنَ الشِّرْكِ بِهِ، فَحُظُوظُ أَنْفُسِكُمْ تُصِيبُونَ، وَإِنْ رَدَدْتُمْ وَكَذَّبْتُمْ فَعَلَى أَنْفُسِكُمْ جَنَيْتُمْ، وَقَدْ بَلَّغْتُكُمْ مَا أُمِرْتُ بِإِبْلَاغِهِ إِيَّاكُمْ، وَنَصَحْتُ لَكُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏93‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَاوَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏قُلْ‏)‏ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ لَكَ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ‏:‏ ‏{‏مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏‏:‏ ‏(‏الْحَمْدُ لِلَّهِ‏)‏ عَلَى نِعْمَتِهِ عَلَيْنَا بِتَوْفِيقِهِ إِيَّانَا لِلْحَقِّ الَّذِي أَنْتُمْ عَنْهُ عَمُونَ، سَيُرِيكُمْ رَبُّكُمْ آيَاتِ عَذَابِهِ وَسَخَطِهِ، فَتَعْرِفُونَ بِهَا حَقِيقَةَ نُصْحِي كَانَ لَكُمْ، وَيَتَبَيَّنُ صِدْقُ مَا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ مِنَ الرَّشَادِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَفِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالرِّزْقِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي أَنْفُسِكُمْ وَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالرِّزْقِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمَا رَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ، وَلَكِنْ لَهُمْ أَجْلٌ هُمْ بَالِغُوهُ، فَإِذَا بَلَغُوهُ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ‏.‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ فَلَا يَحْزُنْكَ تَكْذِيبُهُمْ إِيَّاكَ، فَإِنِّي مِنْ وَرَاءِ إِهْلَاكِهِمْ، وَإِنِّي لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ، فَأَيْقِنْ لِنَفْسِكَ بِالنَّصْرِ، وَلِعَدُوِّكَ بِالذُّلِّ وَالْخِزْيِ‏.‏

آخَرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ النَّمْلِ

وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَبِهِ الثِّقَةُ وَالْعِصْمَةُ‏.‏