فصل: تفسير الآيات رقم (31- 32)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآيات رقم ‏[‏31- 32‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ‏}‏‏.‏

يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مُنِيبِينَ إِلَيْهِ‏}‏ تَائِبِينَ رَاجِعِينَ إِلَى اللَّهِ مُقْبِلِينَ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مُنِيبِينَ إِلَيْهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمُنِيبُ إِلَى اللَّهِ‏:‏ الْمُطِيعُ لِلَّهِ، الَّذِي أَنَابَ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ، وَرَجَعَ عَنِ الْأُمُورِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلَ ذَلِكَ، كَانَ الْقَوْمُ كُفَّارًا، فَنَزَعُوا وَرَجَعُوا إِلَى الْإِسْلَامِ‏.‏

وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ فَأَقِمْ وَجْهَكَ يَا مُحَمَّدُ لِلدِّينِ حَنِيفًا، مُنِيبِينَ إِلَيْهِ- إِلَى اللَّهِ- فَالْمُنِيبُونَ حَالٌ مِنَ الْكَافِ الَّتِي فِي وَجْهِكَ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَكَيْفَ يَكُونُ حَالًا مِنْهَا، وَالْكَافُ كِنَايَةٌ عَنْ وَاحِدٍ، وَالْمُنِيبُونَ صِفَةٌ لِجَمَاعَةٍ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ لِأَنَّ الْأَمْرَ مِنَ الْكَافِ كِنَايَةَ اسْمِهِ مِنَ اللَّهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَمْرٌ مِنْهُ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ‏:‏ فَأَقِمْ وَجْهُكَ أَنْتَ وَأُمَّتُكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا لِلَّهِ، مُنِيبِينَ إِلَيْهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَاتَّقُوهُ‏)‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَخَافُوا اللَّهَ وَرَاقَبُوهُ، أَنْ تُفَرِّطُوا فِي طَاعَتِهِ، وَتَرْكَبُوا مَعْصِيَتَهُ ‏{‏وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ بِتَضْيِيعِكُمْ فَرَائِضَهُ، وَرُكُوبِكُمْ مَعَاصِيَهُ، وَخِلَافُكُمُ الدِّينَ الَّذِي دَعَاكُمْ إِلَيْهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ بَدَّلُوا دِينَهُمْ، وَخَالَفُوهُ فَفَارَقُوهُ ‏{‏وَكَانُوا شِيَعًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَكَانُوا أَحْزَابًا فِرَقًا كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا‏}‏‏:‏ وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا‏}‏ إِلَى آخَرِ الْآيَةِ، قَالَ‏:‏ هَؤُلَاءِ يَهُودٌ، فَلَوْ وُجِّهَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ‏}‏ إِلَى أَنَّهُ خَبَرٌ مُسْتَأْنِفٌ مُنْقَطِعٌ عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏}‏، وَأَنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ ‏{‏مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا‏}‏ أَحْزَابًا، ‏{‏كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ‏}‏ كَانَ وَجْهًا يَحْتَمِلُهُ الْكَلَامُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ كُلُّ طَائِفَةٍ وَفِرْقَةٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فَارَقُوا دِينَهُمُ الْحَقَّ، فَأَحْدَثُوا الْبِدَعَ الَّتِي أَحْدَثُوا ‏{‏بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ بِمَا هُمْ بِهِ مُتَمَسِّكُونَ مِنَ الْمَذْهَبِ، فَرِحُونَ مَسْرُورُونَ، يَحْسَبُونَ أَنَّ الصَّوَابَ مَعَهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَإِذَا مَسَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ضُرٌّ، فَأَصَابَتْهُمْ شِدَّةٌ وَجُدُوبٌ وَقُحُوطٌ ‏{‏دَعَوْا رَبَّهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَخْلَصُوا لِرَبِّهِمُ التَّوْحِيدَ، وَأَفْرَدُوهُ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ، وَاسْتَغَاثُوا بِهِ ‏{‏مُنِيبِينَ إِلَيْهِ‏}‏، تَائِبِينَ إِلَيْهِ مِنْ شِرْكِهِمْ وَكُفْرِهِمْ ‏{‏ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً‏}‏ يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ رَبُّهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْهُمْ ذَلِكَ الضُّرَّ، وَفَرَّجَهُ عَنْهُمْ، وَأَصَابَهُمْ بِرَخَاءٍ وَخِصْبٍ وَسَعَةٍ، ‏{‏إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِذَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ‏{‏بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يَعْبُدُونَ مَعَهُ الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏34‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُتَوَعِّدًا لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْهُمْ كَفَرُوا بِهِ‏:‏ لِيَكْفُرُوا بِمَا أَعْطَيْنَاهُمْ، يَقُولُ‏:‏ إِذَا هُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ، كَيْ يَكْفُرُوا‏:‏ أَيْ يَجْحَدُوا النِّعْمَةَ الَّتِي أَنْعَمْتُهَا عَلَيْهِمْ، بِكَشْفِي عَنْهُمُ الضُّرَّ الَّذِي كَانُوا فِيهِ، وَإِبْدَالِي ذَلِكَ لَهُمْ بِالرَّخَاءِ وَالْخِصْبِ وَالْعَافِيَةِ، وَذَلِكَ الرَّخَاءِ وَالسَّعَةِ هُوَ الَّذِي آتَاهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ الَّذِي قَالَ‏:‏ ‏(‏بِمَا آتَيْنَاهُمْ‏)‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَتَمَتَّعُوا‏)‏ يَقُولُ‏:‏ فَتَمَتَّعُوا أَيُّهَا الْقَوْمُ، بِالَّذِي آتَيْنَاكُمْ مِنَ الرَّخَاءِ وَالسَّعَةِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا ‏(‏فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ‏)‏ إِذَا وَرَدْتُمْ عَلَى رَبِّكُمْ مَا تَلْقَوْنَ مِنْ عَذَابِهِ، وَعَظِيمِ عِقَابِهِ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ فِي الدُّنْيَا‏.‏

وَقَدّ قَرَأَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ‏(‏فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏)‏ بِالْيَاءِ، بِمَعْنَى‏:‏ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ، فَقَدْ تَمَتَّعُوا، عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ، فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏35‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُشْرِكُونَ فِي عِبَادَتِنَا الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ كِتَابًا بِتَصْدِيقِ مَا يَقُولُونَ، وَبِحَقِيقَةٍ مَا يَفْعَلُونَ ‏{‏فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَذَلِكَ الْكِتَابُ يَنْطِقُ بِصِحَّةِ شِرْكِهِمْ، وَإِنَّمَا يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ‏:‏ أَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ بِمَا يَقُولُونَ وَيَفْعَلُونَ كِتَابًا، وَلَا أُرْسِلُ بِهِ رَسُولٌ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ افْتَعَلُوهُ وَاخْتَلَقُوهُ؛ اتِّبَاعًا مِنْهُمْ لِأَهْوَائِهِمْ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ كِتَابًا فَهُوَ يَنْطِقُ بِشِرْكِهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيَهُمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِذَا أَصَابَ النَّاسُ مِنَّا خِصْبٌ وَرَخَاءٌ وَعَافِيَةٌ فِي الْأَبْدَانِ وَالْأَمْوَالِ، فَرِحُوا بِذَلِكَ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ مِنَّا شِدَّةٌ مِنْ جَدْبٍ وَقَحْطٍ وَبَلَاءٍ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَبْدَانِ ‏{‏بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ بِمَا أَسْلَفُوا مِنْ سَيِّئِ الْأَعْمَالِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَرَكِبُوا مِنَ الْمَعَاصِي ‏{‏إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِذَا هُمْ يَيْأَسُونَ مِنَ الْفَرَجِ، وَالْقُنُوطِ‏:‏ هُوَ الْإِيَاسُ، وَمِنْهُ قَوْلُ حُمَيْدٍ الْأَرْقَطِ

قَدْ وَجَدُوا الْحَجَّاجَ غَيْرَ قَانِطِ

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ‏}‏ هُوَ جَوَابُ الْجَزَاءِ؛ لِأَنَّ ‏"‏إِذَا‏"‏ نَابَتْ عَنِ الْفِعْلِ بِدَلَالَتِهَا عَلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ‏:‏ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَجَدْتَهُمْ يَقْنَطُونَ، أَوْ تَجِدُهُمْ، أَوْ رَأَيْتَهُمْ، أَوْ تَرَاهُمْ‏.‏ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ‏:‏ إِذَا كَانَتْ ‏"‏إِذَا‏"‏ جَوَابًا لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِمَنْزِلَةِ الْفَاءِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَوْلَمَ يَرَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ عِنْدَ الرَّخَاءِ يُصِيبُهُمْ وَالْخِصْبُ، وَيَيْأَسُونَ مِنَ الْفَرَجِ عِنْدَ شِدَّةٍ تَنَالُهُمْ، بِعُيُونِ قُلُوبِهِمْ، فَيَعْلَمُوا أَنَّ الشِّدَّةَ وَالرَّخَاءَ بِيَدِ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَيُوَسِّعُهُ عَلَيْهِ، وَيَقْدِرُ عَلَى مَنْ أَرَادَ فَيُضَيِّقُهُ عَلَيْهِ ‏{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ فِي بَسْطِهِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ بَسَطَهُ عَلَيْهِ، وَقَدَّرَهُ عَلَى مَنْ قَدَّرَهُ عَلَيْهِ، وَمُخَالَفَتِهِ بَيْنَ مَنْ خَالَفَ بَيْنَهُ مِنْ عِبَادِهِ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ، لَدَلَالَةً وَاضِحَةً لِمَنْ صَدَّقَ حُجَجَ اللَّهِ وَأَقَرَّ بِهَا إِذَا عَايَنَهَا وَرَآهَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ فَأَعْطِ يَا مُحَمَّدُ ذَا الْقَرَابَةِ مِنْكَ حَقَّهُ عَلَيْكَ مِنَ الصِّلَةِ وَالْبِرِّ، وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُمَا فِي ذَلِكَ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ ‏{‏فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ أَنْ تُوَفِّيَهُمْ حَقَّهُمْ إِنْ كَانَ عِنْدَ يُسْرٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ؛ فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا، قُلْ لَهُمُ الْخَيْرَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِيتَاءُ هَؤُلَاءِ حُقُوقَهُمُ الَّتِي أَلْزَمَهَا اللَّهُ عِبَادَهُ خَيْرٌ لِلَّذِينِ يُرِيدُونَ اللَّهَ بِإِتْيَانِهِمْ ذَلِكَ ‏{‏وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مُبْتَغِيًا وَجْهَ اللَّهِ بِهِ، فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُنْجِحُونَ، الْمُدْرِكُونَ طَلَبَاتَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، الْفَائِزُونَ بِمَا ابْتَغَوْا وَالْتَمَسُوا بِإِيتَائِهِمْ إِيَّاهُمْ مَا آتَوْا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏39‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمَا أَعْطَيْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، بَعْضَكُمْ بَعْضًا مِنْ عَطِيَّةٍ؛ لِتَزْدَادَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ بِرُجُوعِ ثَوَابِهَا إِلَيْهِ، مِمَّنْ أَعْطَاهُ ذَلِكَ، ‏{‏فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَلَا يَزْدَادُ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ، لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يُعْطِهِ مَنْ أَعْطَاهُ مُبْتَغِيًا بِهِ وَجْهَهُ ‏{‏وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَمَا أَعْطَيْتُمْ مِنْ صَدَقَةٍ تُرِيدُونَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ، ‏(‏فَأُوْلَئِكَ‏)‏ يَعْنِي الَّذِينَ يَتَصَدَّقُونَ بِأَمْوَالِهِمْ، مُلْتَمِسِينَ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ ‏{‏هُمُ الْمُضْعِفُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ هُمُ الَّذِينَ لَهُمُ الضِّعْفُ مِنَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ‏.‏ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ‏:‏ أَصْبَحَ الْقَوْمُ مُسْمِنِينَ مُعْطِشِينَ، إِذَا سَمِنَتْ إِبِلُهُمْ وَعَطِشَتْ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ مَا يُعْطِي النَّاسَ بَيْنَهُمْ بَعْضَهُمْ بَعْضًا، يُعْطِي الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْعَطِيَّةَ، يُرِيدُ أَنْ يُعْطَى أَكْثَرَ مِنْهَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بِشَارَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ ‏{‏وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ الرَّجُلُ يُعْطِي الرَّجُلَ الْعَطِيَّةَ لِيُثِيبَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى، قَالَ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، مَثَلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ ‏{‏وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الرَّجُلُ يُعْطِي لِيُثَابَ عَلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْهَدَايَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ هِيَ الْهَدَايَا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ يُعْطِي مَالَهُ يَبْتَغِي أَفْضَلَ مِنْهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ هُوَ الرَّجُلُ يُهْدِي إِلَى الرَّجُلِ الْهَدِيَّةَ؛ لِيُثِيبَهُ أَفْضَلُ مِنْهَا‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْمَعْمَرِيُّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ‏:‏ هُوَ الرَّجُلُ يُعْطِي الْعَطِيَّةَ، وَيَهْدِي الْهَدِيَّةَ، لِيُثَابَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، لَيْسَ فِيهِ أَجْرٌ وَلَا وِزْرٌ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا أَعْطَيْتَ مِنْ شَيْءٍ تُرِيدُ مَثَابَةَ الدُّنْيَا، وَمُجَازَاةَ النَّاسِ ذَاكَ الرِّبَا الَّذِي لَا يَقْبَلُهُ اللَّهُ، وَلَا يَجْزِي بِهِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ‏}‏ فَهُوَ مَا يَتَعَاطَى النَّاسُ بَيْنَهُمْ وَيَتَهَادَوْنَ، يُعْطِي الرَّجُلُ الْعَطِيَّةَ؛ لِيُصِيبَ مِنْهُ أَفْضَلَ مِنْهَا، وَهَذَا لِلنَّاسِ عَامَّةً‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ‏}‏ فَهَذَا لِلنَّبِيِّ خَاصَّةً، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ إِلَّا لِلَّهِ، وَلَمْ يَكُنْ يُعْطِي لِيُعْطَى أَكْثَرَ مِنْهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إِنَّمَا عَنَى بِهَذَا الرَّجُلَ يُعْطِي مَالَهُ الرَّجُلَ لِيُعِينَهُ بِنَفْسِهِ، وَيَخْدِمَهُ، وَيَعُودَ عَلَيْهِ نَفْعُهُ، لَا لِطَلَبِ أَجْرٍ مِنَ اللَّهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ ‏{‏وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ الرَّجُلُ يَلْزَقُ بِالرَّجُلِ، فَيَخِفُّ لَهُ وَيَخْدِمُهُ، وَيُسَافِرُ مَعَهُ، فَيَجْعَلُ لَهُ رِبْحَ بَعْضِ مَالِهِ لِيَجْزِيَهُ، وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ الْتِمَاسَ عَوْنِهِ، وَلَمْ يُرِدْ وَجْهَ اللَّهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُوَ إِعْطَاءُ الرَّجُلِ مَالَهُ لِيَكْثُرَ بِهِ مَالُ مَنْ أَعْطَاهُ ذَلِكَ، لَا طَلَبَ ثَوَابِ اللَّهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَلَمْ تَرَ إِلَى الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ‏:‏ لِأُمَوِّلَنَّكَ، فَيُعْطِيهِ، فَهَذَا لَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ يُعْطِيهِ لِغَيْرِ اللَّهِ لِيُثْرِيَ مَالُهُ‏.‏

قَالَ ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْآمُلِيِّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ النَّخْعِيَّ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، يُعْطِي أَحَدُهُمْ ذَا الْقَرَابَةِ الْمَالَ يَكْثُرُ بِهِ مَالُهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً، وَأَمَّا لِغَيْرِهِ فَحَلَالٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي رَوَّادٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ ‏{‏وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ‏}‏ هَذَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذَا الرِّبَا الْحَلَّالُ‏.‏

وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ مَعَانِيهِ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ، ‏(‏لِيَرْبُوَ‏)‏ بِفَتْحِ الْيَاءِ مَنْ يَرْبُو، بِمَعْنَى‏:‏ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ ذَلِكَ الرِّبَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ‏:‏ ‏(‏لِتَرْبُوا‏)‏ بِالتَّاءِ مَنْ تَرْبُوْا وَضَمِّهَا، بِمَعْنَى‏:‏ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِتَرْبُوا أَنْتُمْ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ مَعَ تَقَارُبِ مَعْنَيَيْهِمَا؛ لِأَنَّ أَرْبَابَ الْمَالِ إِذَا أَرَبُوا رَبَا الْمَالُ، وَإِذَا رَبَا الْمَالُ فَبِإِرْبَاءِ أَرْبَابِهِ إِيَّاهُ رِبًا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ‏}‏ فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ قَالُوا فِي تَأْوِيلِهِ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذَا الَّذِي يَقْبَلُهُ اللَّهُ وَيُضْعِفُهُ لَهُمْ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ الْهِبَةُ، يَهَبُ الشَّيْءَ يُرِيدُ أَنْ يُثَابَ عَلَيْهِ أَفْضَلَ مِنْهُ، فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ، لَا يُؤَجَرُ فِيهِ صَاحِبُهُ، وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ‏{‏وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ الصَّدَقَةُ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ ‏{‏فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ‏}‏ قَالَ مَعْمَرٍ‏:‏ قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مَثْلَ ذَلِكَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ، مُعَرِّفَهُمْ قُبْحَ فِعْلِهِمْ، وَخُبْثَ صَنِيعِهِمْ‏:‏ اللَّهُ أَيُّهَا الْقَوْمُ الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِ، هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا، ثُمَّ رَزَقَكُمْ وَخَوَّلَكُمْ، وَلَمْ تَكُونُوا تَمْلِكُونَ قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ هُوَ يُمِيتُكُمْ مِنْ بَعْدِ أَنْ خَلَقَكُمْ أَحْيَاءً، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِكُمْ لِبَعْثِ الْقِيَامَةِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ‏}‏ لِلْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ هَلْ مِنْ آلِهَتِكُمْ وَأَوْثَانِكُمُ الَّتِي تَجْعَلُونَهُمْ لِلَّهِ فِي عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُ شُرَكَاءَ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ، فَيَخْلُقُ، أَوْ يَرْزُقُ، أَوْ يُمِيتُ، أَوْ يَنْشُرُ، وَهَذَا مِنَ اللَّهِ تَقْرِيعٌ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ‏.‏ وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ شُرَكَاءَهُمْ لَا تَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَكَيْفَ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ بَرَّأَ نَفْسَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنِ الْفِرْيَةِ الَّتِي افْتَرَاهَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ بِزَعْمِهِمْ أَنَّ آلِهَتَهُمْ لَهُ شُرَكَاءُ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏(‏سُبْحَانَهُ‏)‏ أَيْ تَنْزِيهًا لِلَّهِ وَتَبْرِئَةً ‏(‏وَتَعَالَى‏)‏ يَقُولُ‏:‏ وَعُلُوًّا لَهُ ‏{‏عَمَّا يُشْرِكُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ عَنْ شِرْكِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ‏}‏ لَا وَاللَّهِ ‏{‏سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ‏}‏ يُسَبِّحُ نَفْسَهُ إِذْ قِيلَ عَلَيْهِ الْبُهْتَانُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ظَهَرَتِ الْمَعَاصِي فِي بَرِّ الْأَرْضِ وَبَحْرِهَا بِكَسْبِ أَيْدِي النَّاسِ مَا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عَنَى بِالْبَرِّ، الْفَلَوَاتِ، وَبِالْبَحْرِ‏:‏ الْأَمْصَارَ وَالْقُرَى الَّتِي عَلَى الْمِيَاهِ وَالْأَنْهَارِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ قَالَ‏:‏ ثَنَا عَثَّامٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا النَّضْرُ بْنُ عَرَبِيٍّ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا‏}‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ إِذَا وَلِيَ سَعَى بِالتَّعَدِّي وَالظُّلْمِ، فَيَحْبِسُ اللَّهُ الْقَطْرَ، فَـ ‏(‏يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ‏)‏ قَالَ‏:‏ ثُمَّ قَرَأَ مُجَاهِدٌ‏:‏ ‏{‏ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ‏}‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَمَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بَحْرُكُمْ هَذَا، وَلَكِنْ كُلُّ قَرْيَةٍ عَلَى مَاءٍ جَارٍ فَهُوَ بَحْرٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبِي، عَنِ النَّضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ ‏{‏ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ بَحْرُكُمْ هَذَا، وَلَكِنْ كُلُّ قَرْيَةٍ عَلَى مَاءٍ جَارٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ فَرُّوخٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ ‏{‏ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْأَمْصَارَ بَحْرًا‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، امْتَلَأَتْ ضَلَالَةً وَظُلْمًا، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ رَجَعَ رَاجِعُونَ مِنَ النَّاسِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ‏}‏ أَمَّا الْبَرُّ فَأَهْلُ الْعَمُودِ، وَأَمَّا الْبَحْرُ فَأَهْلُ الْقُرَى وَالرِّيفِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الذُّنُوبُ، وَقَرَأَ ‏{‏لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا قُرَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَفْسَدَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ، فِي بَحْرِ الْأَرْضِ وَبَرِّهَا بِأَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عَنَى بِالْبَرِّ‏:‏ ظَهْرَ الْأَرْضِ، الْأَمْصَارُ وَغَيْرُهَا، وَالْبَحْرُ‏:‏ الْبَحْرُ الْمَعْرُوفُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي الْبَرِّ‏:‏ ابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ، وَفِي الْبَحْرِ‏:‏ الَّذِي كَانَ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ قَالَ أَبُو بِشْرٍ-يَعْنِي‏:‏ ابْنَ عُلَيَّةَ-‏:‏ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ بِقَتْلِ ابْنِ آدَمَ، وَالَّذِي كَانَ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ ‏{‏ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ‏}‏ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ هَذَا الْبَرُّ، وَالْبَحْرُ أَيُّ فَسَادٍِ فِيهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَقَالَ‏:‏ إِذَا قَلَّ الْمَطَرُ، قُلْ الْغَوْصُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَتَلَ ابْنُ آدَمَ أَخَاهُ، ‏(‏وَالْبَحْرُ‏)‏ قَالَ‏:‏ أَخَذَ الْمَلَكُ السُّفُنَ غَصْبًا‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّ الْفَسَادَ قَدْ ظَهَرَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ عِنْدَ الْعَرَبِ فِي الْأَرْضِ الْقِفَارِ، وَالْبَحْرُ بَحْرَانِ‏:‏ بَحْرٌ مِلْحٌ، وَبَحْرٌ عَذْبٌ، فَهُمَا جَمِيعًا عِنْدَهُمْ بَحْرٌ، وَلَمْ يُخَصِّصْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْخَبَرَ عَنْ ظُهُورِ ذَلِكَ فِي بَحْرٍ دُونَ بَحْرٍ، فَذَلِكَ عَلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ بَحْرٍ عَذْبًا كَانَ أَوْ مِلْحًا‏.‏ إِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، دَخْل الْقُرَى الَّتِي عَلَى الْأَنْهَارِ وَالْبِحَارِ‏.‏

فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا وُصَفْتُ، ظَهَرَتْ مَعَاصِي اللَّهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ مِنْ بَرٍّ وَبَحْرٍ ‏{‏بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ‏}‏‏:‏ أَيْ بِذُنُوبِ النَّاسِ، وَانْتَشَرَ الظُّلْمُ فِيهِمَا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا‏}‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ لِيُصِيبَهُمْ بِعُقُوبَةِ بَعْضِ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوا، وَمَعْصِيَتِهِمُ الَّتِي عَصَوْا ‏(‏لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ كَيْ يُنِيبُوا إِلَى الْحَقِّ، وَيَرْجِعُوا إِلَى التَّوْبَةِ، وَيَتْرُكُوا مَعَاصِي اللَّهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ ‏(‏لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏)‏ قَالَ‏:‏ يَتُوبُونَ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ‏(‏لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏)‏ يَوْمَ بَدْرٍ لَعَلَّهُمْ يَتُوبُونَ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ‏(‏لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏)‏ قَالَ‏:‏ إِلَى الْحَقِّ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏}‏‏:‏ لَعَلَّ رَاجِعًا أَنْ يَرْجِعَ، لَعَلَّ تَائِبًا أَنْ يَتُوبَ، لَعَلَّ مُسْتَعْتِبًا أَنْ يَسْتَعْتِبَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا قُرَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ ‏(‏لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏)‏ قَالَ‏:‏ يَرْجِعُ مَنْ بَعْدَهُمْ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لِيُذِيقَهُمْ‏)‏ فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ ‏(‏لِيُذِيقَهُمْ‏)‏ بِالْيَاءِ، بِمَعْنَى‏:‏ لِيُذِيقَهُمُ اللَّهُ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا، وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ قَرَأَ ذَلِكَ بِالنُّونِ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ مِنَ اللَّهِ عَنْ نَفْسِهِ بِذَلِكَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ‏:‏ سِيرُوا فِي الْبِلَادِ، فَانْظُرُوا إِلَى مَسَاكِنِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ مَنْ قَبْلِكُمْ، وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ، كَيْفَ كَانَ آخِرُ أَمْرِهِمْ، وَعَاقِبَةُ تَكْذِيبِهِمْ رُسُلَ اللَّهِ وَكَفْرِهِمْ، أَلَمْ نُهْلِكْهُمْ بِعَذَابٍِ مِنَّا، وَنَجْعَلْهُمْ عِبْرَةً لِمَنْ بَعَْدَهُمْ، ‏{‏كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِمْ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ كَانُوا مُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مَثَلَهُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏43‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَوَجِّهْ وَجْهَكَ يَا مُحَمَّدُ، نَحْوَ الْوَجْهِ الَّذِي وَجَّهَكَ إِلَيْهِ رَبُّكَ ‏{‏لِلدِّينِ الْقَيِّمِ‏}‏ لِطَاعَةِ رَبِّكَ، وَالْمِلَّةِ الْمُسْتَقِيمَةِ الَّتِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهَا عَنِ الْحَقِّ ‏{‏مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ مِنْ قَبْلِ مَجِيءِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ لَا مَرَدَّ لَهُ لِمَجِيئِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ قَضَى بِمَجِيئِهِ فَهُوَ لَا مَحَالَةَ جَاءَ ‏{‏يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يَوْمَ يَجِيءُ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَصَّدِّعُ النَّاسُ، يَقُولُ‏:‏ يَتَفَرَّقُ النَّاسُ فِرْقَتَيْنِ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ صَدَعْتُ الْغَنَمَ صَدْعَتَيْنِ‏:‏ إِذَا فَرَّقْتَهَا فِرْقَتَيْنِ‏:‏ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ، وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ‏}‏ الْإِسْلَامِ ‏{‏مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ‏}‏ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ، وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ‏.‏

حَدَّثَنِي عَلَيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يَتَفَرَّقُونَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏يَصَّدَّعُونَ‏)‏ قَالَ‏:‏ يَتَفَرَّقُونَ إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِلَى النَّارِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏44‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ أَوْزَارُ كُفْرِهِ، وَآثَامِ جُحُودِهِ نِعَمَ رَبِّهِ، ‏(‏وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا‏)‏‏:‏ يَقُولُ‏:‏ وَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ، فَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ فِيهَا ‏{‏فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَلِأَنْفُسِهِمْ يَسْتَعِدُّونَ، وَيُسَوُّونَ الْمَضْجَعَ لِيَسْلَمُوا مِنْ عِقَابِ رَبِّهِمْ، وَيَنْجُوا مِنْ عَذَابِهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

امْهِـدْ لنفْسِـكَ حـانَ السُّـقْمُ والتَّلَـفُ *** وَلَا تُضِيعَـنَّ نَفْسًا مَا لَهـا خَـلَفُ

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يُسَوُّونَ الْمَضَاجِعَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَالْحُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ الطَّحَّانُ وَابْنُ وَكِيعٍ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَلَائِيُّ، قَالُوا‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَلِيمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي الْقَبْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَلِيمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ لِلْقَبْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَلِيمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي الْقَبْرِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ‏{‏وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ ‏(‏مِنْ فَضْلِهِ‏)‏ الَّذِي وَعَدَ مَنْ أَطَاعَهُ فِي الدُّنْيَا أَنْ يَجْزِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ‏{‏إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّمَا خَصَّ بِجَزَائِهِ مِنْ فَضْلِهِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات دُونَ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، إِنَّهُ لَا يُحِبُّ أَهْلَ الْكُفْرِ بِهِ‏.‏ وَاسْتَأْنَفَ الْخَبَرَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ‏}‏ وَفِيهِ الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْتُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمِنْ أَدِلَّتِهِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، وَحُجَجِهِ عَلَيْكُمْ، عَلَى أَنَّهُ إِلَهُ كُلِّ شَيْءٍ ‏{‏أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ‏}‏ بِالْغَيْثِ وَالرَّحْمَةِ ‏{‏وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ ولِيُنَزِّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَهِيَ الْغَيْثُ الَّذِي يُحْيِي بِهِ الْبِلَادَ، وَلِتَجْرِيَ السُّفُنُ فِي الْبِحَارِ بِهَا بِأَمْرِهِ إِيَّاهَا ‏{‏وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلِتَلْتَمِسُوا مِنْ أَرْزَاقِهِ وَمَعَايِشِكُمُ الَّتِي قَسَّمَهَا بَيْنَكُمْ ‏{‏وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلِتَشْكُرُوا رَبَّكُمْ عَلَى ذَلِكَ، أَرْسَلَ هَذِهِ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ بِالْمَطَرِ‏.‏

وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ‏}‏ مَثَلَ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَطَرُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ‏}‏‏:‏ الْمَطَرُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُسَلِّيًا نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يَلْقَى مِنْ قَوْمِهِ مِنَ الْأَذَى فِيهِ بِمَا لَقِيَ مَنْ قَبْلِهِ مِنْ رُسُلِهِ مَنْ قَوْمِهِمْ، وَمُعَلِّمِهِ سَنَتَهُ فِيهِمْ، وَفِي قَوْمِهِمْ، وَأَنَّهُ سَالِكٌ بِهِ وَبِقَوْمِهِ سَنَتَهُ فِيهِمْ، وَفِي أُمَمِهِمْ‏:‏ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا يَا مُحَمَّدُ مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمُ الْكَفَرَةِ، كَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَى قَوْمِكَ الْعَابِدِي الْأَوْثَانَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ‏{‏فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ بِالْوَاضِحَاتِ مِنَ الْحُجَجِ عَلَى صِدْقِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لِلَّهِ رُسُلٌ، كَمَا جِئْتَ أَنْتَ قَوْمُكَ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَذَّبُوهُمْ، كَمَا كَذَّبَكَ قَوْمُكَ، وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ مَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، كَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ، ‏{‏فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا الْآثَامَ، وَاكْتَسَبُوا السَّيِّئَاتِ مَنْ قَوْمِهِمْ، وَنَحْنُ فَاعِلُو ذَلِكَ كَذَلِكَ بِمُجْرِمِي قَوْمِكَ، ‏{‏وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا رُسُلَهُ، إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا، وَكَذَلِكَ نَفْعَلُ بِكَ وَبِمَنْ آمَنَ بِكَ مِنْ قَوْمِكَ، ‏{‏وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَنَحْنُ نَاصِرُوكَ وَمَنْ آمَنَ بِكَ عَلَى مَنْ كَفَرَ بِكَ، وَمُظَفِّرُوكَ بِهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَتُنْشِئُ الرِّيَاحُ سَحَابًا، وَهِيَ جُمَعُ سَحَابَةٍ، ‏{‏فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَيَنْشُرُهُ اللَّهُ، وَيَجْمَعُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ، وَقَالَ‏:‏ ‏(‏فَيَبْسُطُهُ‏)‏ فَوَحَّدَ الْهَاءَ، وَأُخْرِجَ مُخْرِجَ كِنَايَةِ الْمُذَكَّرِ، وَالسَّحَابُ جَمْعٌ كَمَا وَصَفْتُ، رَدًّا عَلَى لَفْظِ السَّحَابِ، لَا عَلَى مَعْنَاهُ، كَمَا يُقَالُ‏:‏ هَذَا تَمْرٌ جَيِّدٌ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏فَيَبْسُطُهُ‏)‏ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ‏}‏ وَيَجْمَعُهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا‏}‏‏:‏ يَقُولُ‏:‏ وَيَجْعَلُ السَّحَابَ قِطَعًا‏.‏ مُتَفَرِّقَةً‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا‏}‏‏:‏ أَيْ قِطَعًا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَتَرَى الْوَدْقَ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ الْمَطَرَ ‏{‏يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ مِنْ بَيْنِ السَّحَابِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبِي، عَنْ قَطَنٍ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ عبَُيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ‏{‏يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الرِّيَاحُ أَرْبَعٌ‏:‏ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا فَتَقُمُّ الْأَرْض قَمَّا، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ الرِّيحَ الثَّانِيَةَ فَتُثِيرُ سَحَابًا، فَيَجْعَلُهُ فِي السَّمَاءِ كِسَفًا، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ الرِّيحَ الثَّالِثَةَ فَتُؤَلِّفُ بَيْنَهُ، فَيَجْعَلُهُ رُكَامًا، ثُمَّ يَبْعَثُ الرِّيحَ الرَّابِعَةَ فَتُمْطِرُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏فَتَرَى الْوَدْقَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْقَطْرُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَإِذَا صَرَفَ ذَلِكَ الْوَدْقَ إِلَى أَرْضِ مَنْ أَرَادَ صَرْفَهُ إِلَى أَرْضِهِ مِنْ خَلْقِهِ؛ رَأَيْتَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ؛ بِأَنَّهُ صَرَفَ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ وَيَفْرَحُونَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَكَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَصَابَهُمُ اللَّهُ بِهَذَا الْغَيْثِ مِنْ عِبَادِهِ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ هَذَا الْغَيْثُ، مِنْ قَبْلِ هَذَا الْغَيْثِ ‏(‏لَمُبْلِسِينَ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ لِمُكْتَئِبِينَ حَزِنِينَ؛ بِاحْتِبَاسِهِ عَنْهُمْ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ‏}‏‏:‏ أَيُّ قَانِطِينَ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ تَكْرِيرِ ‏"‏مِنْ قَبْلِهِ‏"‏ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ‏}‏ فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ‏:‏ رَدَّ مِنْ قَبْلِهِ عَلَى التَّوْكِيدِ، نَحْوَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ‏}‏‏.‏ وَقَالَ غَيْرُهُ‏:‏ لَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعَ ‏{‏مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ‏}‏ حَرْفًا لَيْسَ مَعَ الثَّانِيَةِ، قَالَ‏:‏ فَكَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ مِنْ قَبْلِ التَّنْزِيلِ مِنْ قَبْلِ الْمَطَرِ، فَقَدِ اخْتَلَفَتَا، وَأَمَّا ‏{‏كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ‏}‏ وَكَّدَ بِأَجْمَعِينَ؛ لِأَنَّ كُلًّا يَكُونُ اسْمًا وَيَكُونُ تَوْكِيدًا، وَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ أَجْمَعُونَ‏.‏ وَالْقَوْلُ عِنْدِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏مِنْ قَبْلِهِ‏)‏ عَلَى وَجْهِ التَّوْكِيدِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏50‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏‏.‏

اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ‏}‏ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةَ، وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ‏:‏ ‏(‏إِلَى أَثَرِ رَحْمَةِ اللَّهِ‏)‏ عَلَى التَّوْحِيدِ، بِمَعْنَى‏:‏ فَانْظُرْ يَا مُحَمَّدُ إِلَى أَثَرِ الْغَيْثِ الَّذِي أَصَابَ اللَّهُ بِهِ مَنْ أَصَابَ مِنْ عِبَادِهِ، كَيْفَ يُحْيِي ذَلِكَ الْغَيْثُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا‏.‏ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ‏:‏ ‏{‏فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ‏}‏ عَلَى الْجِمَاعِ، بِمَعْنَى‏:‏ فَانْظُرْ إِلَى آثارِِ الْغَيْثِ الَّذِي أَصَابَ اللَّه بِهِ مَنْ أَصَابَ، كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فَى ذَلِكَ، أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ إِذَا أَحْيَا الْأَرْضَ بِغَيْثٍ أَنْزَلَهُ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الْغَيْثَ أَحْيَاهَا بِإِحْيَاءِ اللَّهِ إِيَّاهَا بِهِ، وَإِذَا أَحْيَاهَا الْغَيْثُ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُحْيِي بِهِ، فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ‏.‏ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إذًا‏:‏ فَانْظُرْ يَا مُحَمَّدُ، إِلَى آثَارِ الْغَيْثِ الَّذِي يُنَزِّلُ اللَّهُ مِنَ السَّحَابِ، كَيْفَ يُحْيِي بِهَا الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ، فَيُنْبِتُهَا وَيُعْشِبُهَا، مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا وَدُثُورِهَا، ‏{‏إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى‏}‏‏.‏ يَقُولُ جَلَّ ذِكْرِهِ‏:‏ إِنَّ الَّذِي يُحْيِي هَذِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا بِهَذَا الْغَيْثِ، لِمُحْيِي الْمَوْتَى مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِمْ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى قَدِيرٌ، لَا يَعِزُّ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَرَادَهُ، وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فَعْلُ شَيْءٍ شَاءَهُ سُبْحَانَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏51‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا مُفْسِدَةً مَا أَنْبَتَهُ الْغَيْثُ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ، فَرَأَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَصَابَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ الْغَيْثِ الَّذِي حَيِيَتَ بِهِ أَرَضُوهُمْ، وَأَعْشَبَتْ وَنَبَتَتْ بِهِ زُرُوعُهُمْ- مَا أَنْبَتَتْهُ أَرَضُوهُمْ بِذَلِكَ الْغَيْثِ مِنَ الزَّرْعِ مُصْفَرًّا، قَدْ فَسَدَ بِتِلْكَ الرِّيحِ الَّتِي أَرْسَلْنَاهَا، فَصَارَ مِنْ بَعْدِ خُضْرَتِهِ مُصْفَرًّا، لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِ اسْتِبْشَارِهِمْ، وَفَرْحَتِهِمْ بِهِ يَكْفُرُونَ بِرَبِّهِمْ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏52- 53‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنَّكَ‏)‏ يَا مُحَمَّدُ، ‏{‏لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَا تَجْعَلُ لَهُمْ أَسْمَاعًا يَفْهَمُونَ بِهَا عَنْكَ مَا تَقُولُ لَهُمْ، وَإِنَّمَا هَذَا مَثَلٌ مَعْنَاهُ‏:‏ فَإِنَّكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تُفْهِمَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَدْ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى أَسْمَاعِهِمْ، فَسَلَبَهُمْ فَهْمَ مَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ مِنْ مَوَاعِظِ تَنْزِيلِهِ، كَمَا لَا تَقْدِرُ أَنْ تَفْهَمَ الْمَوْتَى الَّذِينَ قَدْ سَلَبَهُمُ اللَّهُ أَسْمَاعَهُمْ، بِأَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ أَسْمَاعًا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَكَمَا لَا تَقْدِرُ أَنْ تُسْمِعَ الصُّمَّ الَّذِينَ قَدْ سُلِبُوا السَّمْعَ- الدُّعَاءَ، إِذَا هُمْ وَلَّوْا عَنْكَ مُدْبِرِينَ، كَذَلِكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تُوَفِّقَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَدْ سَلَبَهُمُ اللَّهُ فَهْمَ آيَاتِ كِتَابِهِ، لِسَمَاعِ ذَلِكَ وَفَهْمِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى‏}‏‏:‏ هَذَا مَثَلٌ ضَرْبَهُ اللَّهُ لِلْكَافِرِ، فَكَمَا لَا يَسْمَعُ الْمَيِّتُ الدُّعَاءَ، كَذَلِكَ لَا يَسْمَعُ الْكَافِرُ، ‏{‏وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَوْ أَنَّ أَصَمَّ وَلَّى مُدْبِرًا ثُمَّ نَادَيْتَهُ لَمْ يَسْمَعْ، كَذَلِكَ الْكَافِرُ لَا يَسْمَعُ، وَلَا يَنْتَفِعُ بِمَا يَسْمَعُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمَا أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ بِمُسَدِّدٍِ مَنْ أَعْمَاهُ اللَّهُ عَنْ الِاسْتِقَامَةِ، وَمَحَجَّةِ الْحَقِّ، فَلَمْ يُوَفِّقْهُ لِإِصَابَةِ الرُّشْدِ، فَصَارَفَهُ عَنْ ضَلَالَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا، وَرُكُوبِهِ الْجَائِرِ مِنَ الطُّرُقِ إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ، يَقُولُ‏:‏ لَيْسَ ذَلِكَ بِيَدِكَ وَلَا إِلَيْكَ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ غَيْرِي؛ لِأَنِّي الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ ‏{‏بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ‏}‏ وَلَمْ يَقِلْ‏:‏ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ مَا وَصَفْتُ، مِنْ أَنَّهُ‏:‏ وَمَا أَنْتَ بِصَارِفِهِمْ عَنْهُ، فَحَمَلَ عَلَى الْمَعْنَى‏.‏ وَلَوْ قِيلَ‏:‏ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ، كَانَ صَوَابًا‏.‏ وَكَانَ مَعْنَاهُ‏:‏ مَا أَنْتَ بِمَانِعِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ‏:‏ مَا تُسْمِعُ السَّمَاعَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ سَامِعُهُ فَيَعْقِلُهُ، إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا، لِأَنَّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا إِذَا سَمِعَ كِتَابَ اللَّهِ تَدَبَّرَهُ وَفَهِمَهُ وَعَقَلَهُ، وَعَمَل بِمَا فِيهِ، وَانْتَهَى إِلَى حُدُودِ اللَّهِ الَّذِي حَدَّ فِيهِ، فَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ السَّمَاعَ النَّافِعَ‏.‏

وَقَوْلُُهُ‏:‏ ‏{‏فَهُمْ مُسْلِمُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَهُمْ خَاضِعُونَ لِلَّهِ بِطَاعَتِهِ، مُتَذَلِّلُونَ لِمَوَاعِظِ كِتَابِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏54‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، مُحْتَجًّا عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى مَا يَشَاءُ‏:‏ ‏{‏اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ‏}‏ أَيُّهَا النَّاسُ ‏(‏مِنْ ضَعْفٍ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ مِنْ نُطْفَةٍ وَمَاءٍ مَهِينٍ، فَأَنْشَأَكُمْ بَشَرًا سَوِيًّا، ‏{‏ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً‏}‏ يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ جَعَلَ لَكُمْ قُوَّةً عَلَى التَّصَرُّفِ، مِنْ بَعْدِ خَلْقِهِ إِيَّاكُمْ مِنْ ضَعْفٍ، وَمِنْ بَعْدِ ضِعْفِكُمْ بِالصِّغَرِ وَالطُّفُولَةِ، ‏{‏ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً‏}‏ يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ أَحْدَثَ لَكُمُ الضَّعْفَ، بِالْهَرَمِ وَالْكِبْرِ عَمَّا كُنْتُمْ عَلَيْهِ أَقْوِيَاءَ فِي شَبَابِكُمْ، وَشَيْبَةً‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ‏}‏ أَيْ مِنْ نُطْفَةٍ ‏{‏ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا‏}‏ الْهَرَمُ ‏(‏وَشَيْبَةً‏)‏ الشَّمْطُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرهُ‏:‏ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ مِنْ ضَعْفٍ وَقُوَّةٍ وَشَبَابٍ وَشَيْبٍ ‏(‏وَهُوَ الْعَلِيمُ‏)‏ بِتَدْبِيرِ خَلْقِهِ ‏(‏الْقَدِيرُ‏)‏ عَلَى مَا يَشَاءُ، لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَرَادَهُ، فَكَمَا فَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، فَكَذَلِكَ يُمِيتُ خَلْقَهُ وَيُحْيِيهِمْ إِذَا شَاءَ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ وَاعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي فَعَلَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ بِقُدْرَتِهِ يُحْيِي الْمَوْتَى إِذَا شَاءَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏55‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَيَوْمَ تَجِيءُ سَاعَةُ الْبَعْثِ، فَيُبْعَثُ الْخَلْقَ مِنْ قُبُورِهِمْ، يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ، وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا، وَيَكْتَسِبُونَ فِيهَا الْآثَامَ، وَإِقْسَامُهُمْ‏:‏ حَلِفُهُمْ بِاللَّهِ ‏{‏مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ‏}‏‏:‏ يَقُولُ‏:‏ يُقْسِمُونَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْبَثُوا فِي قُبُورِهِمْ غَيْرَ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ كَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا كَانُوا يُؤْفِكُونَ، يَقُولُ‏:‏ كَذَّبُوا فِي قَيْلِهِمْ وَقَسَمِهِمْ مَا لَبِثْنَا غَيْرَ سَاعَةٍ، كَمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَكْذِبُونَ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ‏}‏ أَيْ‏:‏ يُكَذِّبُونَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏يُؤفَكُونَ‏)‏ عَنِ الصِّدْقِ، وَيَصُدُّونَ عَنْهُ إِلَى الْكَذِبِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏56‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

كَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ‏:‏ هَذَا مِنَ الْمُقَدَّمِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِيرُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذَا مِنْ مَقَادِيمِ الْكَلَامِ‏.‏ وَتَأْوِيلُهَا‏:‏ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْإِيمَانَ وَالْعِلْمَ‏:‏ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ‏.‏

وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَالْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَكِتَابِهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فِي كِتَابِ اللَّهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فِيمَا كَتَبَ اللَّهُ مِمَّا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّكُمْ تَلْبَثُونَهُ ‏{‏فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَهَذَا يَوْمُ يُبْعَثُ النَّاسُ مِنْ قُبُورِهِمْ ‏{‏وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُ يَكُونُ، وَأَنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ، فَلِذَلِكَ كُنْتُمْ تَكْذِبُونَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏57‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَيَوْمَ يُبْعَثُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ ‏{‏لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ الْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ فِي الدُّنْيَا ‏(‏مَعْذِرَتُهُمْ‏)‏، وَهُوَ قَوْلُهُمْ‏:‏ مَا عَلِمْنَا أَنَّهُ يَكُونُ، وَلَا أَنَّا نُبْعَثُ ‏(‏وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَا هَؤُلَاءِ الظَّلَمَةُ يُسْتَرْجَعُونَ يَوْمئِذٍ عَمَّا كَانُوا يُكَذِّبُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَقَدْ مَثَّلْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ احْتِجَاجًا عَلَيْهِمْ، وَتَنْبِيهًا لَهُمْ عَنْ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ولئنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَئِنْ جِئْتَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ بِآيَةٍ، يَقُولُ‏:‏ بِدَلَالَةٍ عَلَى صِدْقِ مَا تَقُولُ ‏{‏لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لِيَقُولَنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا رِسَالَتَكَ، وَأَنْكَرُوا نُبُوَّتَكَ‏:‏ إِنْ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُصَدِّقُونَ مُحَمَّدًا فِيمَا أَتَاكُمْ بِهِ إِلَّا مُبْطِلُونَ فِيمَا تَجِيئُونَنَا بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏59‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ كَذَلِكَ يَخْتِمُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ مَا تَأْتِيهِمْ بِهِ يَا مُحَمَّدُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْعِبَرِ وَالْعِظَاتِ، وَالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، فَلَا يَفْقَهُونَ عَنِ اللَّهِ حُجَّةً، وَلَا يَفْهَمُونَ عَنْهُ مَا يَتْلُو عَلَيْهِمْ مِنْ آيِ كِتَابِهِ، فَهُمْ لِذَلِكَ فِي طُغْيَانِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏60‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَاصْبِرْ يَا مُحَمَّدُ لِمَا يَنَالُكَ مِنْ أَذَاهُمْ، وَبَلِّغْهُمْ رِسَالَةَ رَبِّكَ، فَإِنَّ وَعْدَ اللَّهِ الَّذِي وَعَدَكَ مِنَ النَّصْرِ عَلَيْهِمْ، وَالظَّفَرِ بِهِمْ، وَتَمْكِينِكَ وَتَمْكِينِ أَصْحَابِكَ وَتُبَّاعِكَ فِي الْأَرْضِ حَقٌّ ‏{‏وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّ حِلْمَكَ وَرَأْيَكَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ بِالْمَعَادِ وَلَا يُصَدِّقُونَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ، فَيُثَبِّطُوكَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَالنُّفُوذِ لِمَا كَلَّفَكَ مِنْ تَبْلِيغِهِمْ رِسَالَتَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْخَوَارِجِ، قَرَأَ خَلْفَ عَلَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏:‏ ‏{‏لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ‏}‏ فَقَالَ عَلَيٌّ‏:‏ ‏{‏فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ‏:‏ نَادَى رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ‏}‏ فَأَجَابَهُ عَلَيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ‏:‏ ‏{‏فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ خَلْفَ عَلَيٍّ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ‏}‏ فَأَنْصَتَ لَهُ عَلَيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى فَهِمَ مَا قَالَ؛ فَأَجَابَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ‏:‏ ‏{‏فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ‏}‏‏.‏

آخَرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الرُّومِ‏.‏