فصل: الجزء التاسع عشر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


الجزء التاسع عشر

تَفْسِيرُ سُورَةِ الْأَحْزَابِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 2‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ‏}‏ بِطَاعَتِهِ، وَأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَوَاجِبِ حُقُوقِهِ عَلَيْكَ، وَالِانْتِهَاءِ عَنْ مَحَارِمِهِ، وَانْتِهَاكِ حُدُودِهِ ‏{‏وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ‏}‏ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَكَ‏:‏ اطْرُدْ عَنْكَ أَتْبَاعَكَ مِنْ ضُعَفَاءَ الْمُؤْمِنِينَ بِكَ حَتَّى نُجَالِسُكَ ‏(‏وَالمُنِافِقِينَ‏)‏ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ لَكَ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَالنَّصِيحَةَ لَكَ، وَهُمْ لَا يَأْلُونَكَ وَأَصْحَابَكَ وَدِينَكَ خَبَالًا فَلَا تَقْبَلْ مِنْهُمْ رَأَيًا، وَلَا تَسْتَشِرْهُمْ مُسْتَنْصِحًا بِهِمْ، فَإِنَّهُمْ لَكَ أَعْدَاءٌ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ ذُو عِلْمٍ بِمَا تُضْمِرُهُ نُفُوسُهُمْ، وَمَا الَّذِي يَقْصِدُونَ فِي إِظْهَارِهِمْ لَكَ النَّصِيحَةَ، مَعَ الَّذِي يَنْطَوُونَ لَكَ عَلَيْهِ، حَكِيمٌ فِي تَدْبِيرِ أَمْرِكَ وَأَمْرِ أَصْحَابِكَ وَدِينِكَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَدْبِيرِ جَمِيعِ خَلْقِهِ ‏{‏وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَاعْمَلْ بِمَا يُنْزِلُ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنْ وَحْيِهِ، وَآيِ كِتَابِهِ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُ بِهِ أَنْتَ وَأَصْحَابَكَ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِكُمْ وَأُمُورِ عِبَادِهِ خَبِيرًا أَيْ‏:‏ ذَا خِبْرَةٍ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَهُوَ مُجَازِيكُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَا وَعَدَكُمْ مِنَ الْجَزَاءِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏}‏ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏}‏ أَيْ هَذَا الْقُرْآنَ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْل فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَفُوِّضْ إِلَى اللَّهِ أَمْرَكَ يَا مُحَمَّدُ، وَثِقْ بِهِ ‏{‏وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَحَسْبُكَ بِاللَّهِ فِيمَا يَأْمُرُكَ وَكِيلًا وَحَفِيظًا بِكَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏}‏‏.‏

اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ ‏{‏مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عَنَى بِذَلِكَ تَكْذِيبَ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ، وَصَفُوا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ ذُو قَلْبَيْنِ، فَنَفَى اللَّهُ ذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ وَكَذَّبَهُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَفْصُ بْنُ نُفَيْلٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، قَالَ‏:‏ قُلْنَا لِابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ‏}‏ مَا عَنَى بِذَلِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَصَلَّى، فَخَطَرَ خَطِرَةً فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يَصِلُونَ مَعَهُ‏:‏ إِنَّ لَهُ قَلْبَيْنِ، قَلْبًا مَعَكُمْ، وَقَلْبًا مَعَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ‏{‏مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ‏}‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عَنَى بِذَلِكَ‏:‏ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَ يُدْعَى ذَا الْقَلْبَيْنِ مِنْ دَهْيِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُسَمَّى مِنْ دَهْيِهِ ذَا الْقَلْبَيْنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي شَأْنِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِنْ رَجُلًا مِنْ بَنِي فِهْرٍ، قَالَ‏:‏ إِنَّ فِي جَوْفِي قَلْبَيْنِ، أَعْقِلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَفْضَلُ مِنْ عَقْلِ مُحَمَّدٍ، وَكَذَبَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ‏}‏ قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ كَانَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُسَمَّى ذَا الْقَلْبَيْنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ مَا تَسْمَعُونَ‏.‏

قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ‏:‏ كَانَ رَجُلٌ يَقُولُ‏:‏ لِي نَفْسٌ تَأْمُرُنِي، وَنَفْسٌ تَنْهَانِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ مَا تَسْمَعُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خَصِيفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ‏:‏ كَانَ رَجُلٌ يُسَمَّى ذَا الْقَلْبَيْنِ، فَنَزَلَتْ ‏{‏مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ‏}‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عَنَى بِذَلِكَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ مِنْ أَجْلِ أَنْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَبَنَّاهُ، فَضَرَبَ اللَّهُ بِذَلِكَ مَثَلًا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزَّهْرِيِّ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ بَلَغَنَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، ضُرِبَ لَهُ مَثَلًا يَقُولُ‏:‏ لَيْسَ ابْنُ رَجُلٍ آخَرَ ابْنَكَ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ ذَلِكَ تَكْذِيبٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلَ مَنْ قَالَ‏:‏ لِرَجُلٍ فِي جَوْفِهِ قَلْبَانِ يَعْقِلُ بِهِمَا، عَلَى النَّحْوِ الَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَكْذِيبًا مِنَ اللَّهِ لِمَنْ وَصَفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، وَأَنْ يَكُونَ تَكْذِيبًا لِمَنْ سَمَّى الْقُرَشِيَّ الَّذِي ذُكِرَ أَنَّهُ سُمِّيَ ذَا الْقَلْبَيْنِ مِنْ دَهْيِهِ، وَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ فَهُوَ نَفْيٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ خَلْقِهِ مِنَ الرِّجَالِ أَنْ يَكُونُوا بِتِلْكَ الصِّفَةِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ أَيُّهَا الرِّجَالُ نِسَاءَكُمُ اللَّائِي تَقُولُونَ لَهُنَّ‏:‏ أَنْتُنَّ عَلَيْنَا كَظُهُورِ أُمَّهَاتِنَا أُمَّهَاتَكُمْ، بَلْ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ قَبَلِكُمْ كَذِبًا، وَأَلْزَمَكُمْ عُقُوبَةًَ لَكُمْ كَفَّارَةً‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ‏}‏‏:‏ أَيْ مَا جَعَلَهَا أُمَّكَ؛ فَإِذَا ظَاهَرَ الرَّجُلُ مِنِ امْرَأَتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْهَا أُمَّهُ، وَلَكِنْ جَعْلَ فِيهَا الْكَفَّارَةَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ مَنِ ادَّعَيْتُ أَنَّهُ ابْنُكَ- وَهُوَ ابْنُ غَيْرِكَ- ابْنَكَ بِدَعْوَاكَ‏.‏

وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ تَبَنِّيهِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ‏.‏

ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حِينَ مَنَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَلَيْهِ، يُقَالُ لَهُ‏:‏ زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، كَانَ تَبَنَّاهُ، فَقَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ وَهُوَ يَذْكُرُ الْأَزْوَاجَ وَالْأُخْتَ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْأَزْوَاجَ لَمْ تَكُنْ بِالْأُمَّهَاتِ أُمَّهَاتُكُمْ، وَلَا أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءُكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ‏}‏ وَمَا جَعَلَ دَعِيَّكَ ابْنَكَ، يَقُولُ‏:‏ إِذَا ادَّعَى رَجُلٌ رَجُلًا وَلَيْسَ بِابْنِهِ ‏{‏ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ‏}‏ الْآيَةَ، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ‏:‏ «‏"‏مَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ مُتَعَمِّدًا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ‏"‏»‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ أَشْعَثَ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ‏:‏ لَيْسَ فِي الْأَدْعِيَاءِ زِيدٌ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ هَذَا الْقَوْلَ وَهُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِه‏:‏ أَنْتَ عَلِيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَدُعَاؤُهُ مَنْ لَيْسَ بِابْنِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ، إِنَّمَا هُوَ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، لَا يُثْبِتُ بِهَذِهِ الدَّعْوَى نَسَبَ الَّذِي ادَّعَيْتَ بُنُوَّتَهُ، وَلَا تَصِيرُ الزَّوْجَةُ أَمًّا بِقَوْلِ الرَّجُلِ لَهَا‏:‏ أَنْتِ عَلِيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ‏{‏وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَاللَّهُ هُوَ الصَّادِقُ الَّذِي يَقُولُ الْحَقَّ، وَبِقَوْلِهِ يَثْبُتُ نَسَبُ مَنْ أَثْبَتَ نَسَبَهُ، وَبِهِ تَكَونُ الْمَرْأَةُ لِلْمَوْلُودِ، أَمًّا إِذَا حَكَمَ بِذَلِكَ ‏{‏وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَاللَّهُ يُبَيِّنُ لِعِبَادِهِ سَبِيلَ الْحَقِّ، وَيُرْشِدُهُمْ لِطَرِيقِ الرَّشَادِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ انْسُبُوا أَدْعِيَاءَكُمُ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ أَنْسَابَهُمْ بِكُمْ لِآبَائِهِمْ، يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَلْحِقْ نَسَبَ زَيْدٍ بِأَبِيهِ حَارِثَةَ، وَلَا تَدْعُهُ زَيْدًا بْنَ مُحَمَّدٍ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ دُعَاؤُكُمْ إِيَّاهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَعْدَلُ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَصْدَقُ وَأَصْوَبُ مِنْ دُعَائِكُمْ إِيَّاهُمْ لِغَيْرِ آبَائِهِمْ وَنَسَبَنْكُمُوهُمْ إِلَى مَنْ تَبَنَّاهُمْ وادَّعَاهُمْ وَلَيْسُوا لَهُ بَنِينَ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ‏}‏‏:‏ أَيْ أَعْدَلُ عِنْدَ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَإِنْ أَنْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَ أَدْعِيَائِكُمْ مَنْ هُمْ فَتَنْسِبُوهُمْ إِلَيْهِمْ، وَلَمْ تُعَرِّفُوهُمْ، فَتُلْحِقُوهُمْ بِهِمْ، ‏{‏فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَهُمْ إِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ، إِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ، وَمَوَالِيكُمْ إِنْ كَانُوا مُحَرِّرِيكُمْ وَلَيْسُوا بِبَنِيكُمْ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ‏}‏‏:‏ أَيْ أَعْدَلُ عِنْدَ اللَّهِ ‏{‏فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ‏}‏ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا مَنْ أَبَوْهُ فَإِنَّمَا هُوَ أَخُوكَ وَمَوْلَاكَ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ قَالَ أَبُو بَكْرَةَ‏:‏ قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ‏}‏ فَأَنَا مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ، وَأَنَا مِنْ إِخْوَانِكُمْ فِي الدِّينِ، قَالَ‏:‏ قَالَ أَبِي‏:‏ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ حَمَّارًا لَانْتَمَى إِلَيْهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ وَلَا وِزْرَ فِي خَطَأٍ يَكُونُ مِنْكُمْ فِي نِسْبَةِ بَعْضِ مَنْ تَنْسُبُونَهُ إِلَى أَبِيهِ، وَأَنْتُمْ تَرَوْنَهُ ابْنَ مَنْ يَنْسُبُونَهُ إِلَيْهِ، وَهُوَ ابْنٌ لِغَيْرِهِ ‏{‏وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَكِنَّ الْإِثْمَ وَالْحَرَجَ عَلَيْكُمْ فِي نِسْبَتِكُمُوهُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَهُ ابْنَ غَيْرِ مَنْ تَنْسُبُونَهُ إِلَيْهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِذَا دَعَوْتَ الرَّجُلَ لِغَيْرِ أَبِيهِ، وَأَنْتَ تَرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ ‏{‏وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ‏}‏ يَقُولُ اللَّهُ‏:‏ لَا تَدْعُهُ لِغَيْرِ أَبِيهِ مُتَعَمَّدًا‏.‏ أَمَّا الْخَطَأُ فَلَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِهِ ‏{‏وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَالْعَمْدُ مَا أَتَى بَعْدَ الْبَيَانِ وَالنَّهْيِ فِي هَذَا وَغَيْرِهِ، و‏"‏مَا‏"‏ الَّتِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ‏}‏ خُفِضَ رَدًّا عَلَى ‏"‏مَا‏"‏ الَّتِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ‏}‏ وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جَنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ، وَلَكِنْ فِيمَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا‏}‏ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَكَانَ اللَّهُ ذَا سَتْرٍ عَلَى ذَنْبِ مَنْ ظَاهَرَ زَوْجَتَهُ فَقَالَ الْبَاطِلَ وَالزَّوْرَ مِنَ الْقَوْلِ، وَذَمَّ مَنْ ادَّعَى وَلَدَ غَيْرِهِ ابْنًا لَهُ، إِذَا تَابَا وَرَاجِعَا أَمْرَ اللَّهِ، وَانْتَهَيَا عَنْ قِيلِ الْبَاطِلِ بَعْدَ أَنْ نَهَاهُمَا رَبُّهُمَا عَنْهُ، ذَا رَحْمَةٍ بِهِمَا أَنْ يُعَاقِبَهُمَا عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ تَوْبَتِهِمَا مِنْ خَطِيئَتِهِمَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏(‏النَّبِيُّ‏)‏ مُحَمَّدٌ ‏{‏أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَحَقُّ بِالْمُؤْمِنِينَ بِهِ ‏(‏مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏)‏، أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ بِمَا يَشَاءُ مِنْ حُكْمٍ، فَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ ‏{‏النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏}‏ كَمَا أَنْتَ أَوْلَى بِعَبْدِكَ مَا قَضَى فِيهِمْ مِنْ أَمْرٍ جَازَ، كَمَا كُلَّمَا قَضَيْتَ عَلَى عَبْدِكَ جَازَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ أَبٌ لَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا فَلِيحٌ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏"‏ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ‏{‏النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏}‏ وَأَيُّمَا مُؤْمِنٌ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَعَصَبَتِهِ مَنْ كَانُوا، وَإِنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَلْيَأْتِنِي وَأَنَا مَوْلَاهُ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي مُوسَى إِسْرَائِيلَ بْنِ مُوسَى، قَالَ‏:‏ قَرَأَ الْحَسَنُ هَذِهِ الْآيَةَ ‏{‏النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَ الْحَسَنُ‏:‏ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ‏"‏ قَالَ الْحَسَنُ‏:‏ وَفِي الْقِرَاءَةِ الْأُولَى ‏{‏أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ ‏{‏النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ‏}‏ وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏"‏أَيُّمَا رَجُلٌ تَرَكَ ضَيَاعًا فَأَنَا أَوْلَى بِهِ، وَإِنْ تَرَكَ مَالًا فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ‏"‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَحُرْمَةُ أَزْوَاجِهِ حُرْمَةُ أُمَّهَاتِهِمْ عَلَيْهِمْ، فِي أَنَّهُنَّ يَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ نِكَاحُهُنَّ مِنْ بَعْدِ وَفَاتِهِ، كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ نِكَاحُ أُمَّهَاتِهِمْ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ‏}‏ يُعَظِّمُ بِذَلِكَ حَقَّهُنَّ، وَفِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ‏:‏ ‏{‏وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ‏}‏ مُحَرَّمَاتٌ عَلَيْهِمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَأَوَّلُوا الْأَرْحَامِ الَّذِينَ وَرَّثْتَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، هُمْ أَوْلَى بِمِيرَاثِ بَعْضٍِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ أَنْ يَرِثَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، بِالْهِجْرَةِ وَالْإِيمَانِ دُونَ الرَّحِمِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ‏}‏ لَبِثَ الْمُسْلِمُونَ زَمَانًا يَتَوَارَثُونَ بِالْهِجْرَةِ، وَالْأَعْرَابِيُّ الْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، فَخَلَطَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، فَصَارَتِ الْمَوَارِيثُ بِالْمِلَلِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَوَّلَ مَا كَانَتِ الْهِجْرَةُ، وَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِذَا لَمْ يَأْتِ رَحِمٌ لِهَذَا يَحُولُ دُونَهُمْ، قَالَ‏:‏ فَكَانَ هَذَا أَوَّلًا فَقَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِلَّا أَنْ تُوصُوا لَهُمْ ‏{‏كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا‏}‏ أَنَّ أُولِي الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُهَاجِرُونَ لَا يَتَوَارَثُونَ إِنْ كَانُوا أُولِي رَحِمٍ، حَتَّى يُهَاجِرُوا إِلَى الْمَدِينَةَ، وَقَرَأَ قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وِلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَفَسَادٌ كَبِيرٌ‏}‏ فَكَانُوا لَا يَتَوَارَثُونَ، حَتَّى إِذَا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ، انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ، وَكَثُرَ الْإِسْلَامُ، وَكَانَ لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ أَنْ يَكُونَ عَلَى الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ وَمِنْ مَعَهُ إِلَّا أَنْ يُهَاجِرَ؛ قَالَ‏:‏ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ بَعَثَ‏:‏ «‏"‏اغْدُوَا عَلَى اسْمِ اللَّهِ لَا تَغْلُوا وَلَا تُوَلُّوا، ادْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوكُمْ فَاقْبَلُوا وَادْعُوهُمْ إِلَى الْهِجْرَةِ، فَإِنْ هَاجَرُوا مَعَكُمْ، فَلَهُمْ مَا لَكُمْ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْكُمْ، فَإِنْ أَبَوْا وَلَمْ يُهَاجِرُوا وَاخْتَارُوا دَارَهُمْ فأقِرُّوهُمْ فِيهَا، فَهُمْ كَالْأَعْرَابِ تَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَ لَهُمْ فِي هَذَا الْفَيْءِ نَصِيبٌ‏"‏»‏.‏ قَالَ‏:‏ فَلَمَّا جَاءَ الْفَتْحُ، وَانْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏«لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْح»‏"‏ وَكَثُرَ الْإِسْلَامُ، وَتَوَارَثَ النَّاسُ عَلَى الْأَرْحَامِ حَيْثُ كَانُوا، وَنَسْخَ ذَلِكَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ، وَكَانَ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ نَصِيبٌ، وَإِنْ أَقَامُوا وَأَبَوْا، وَكَانَ حَقُّهُمْ فِي الْإِسْلَامِ وَاحِدًا، الْمُهَاجِرُ وَغَيْرُ الْمُهَاجِرِ وَالْبَدَوِيُّ وَكُلُّ أَحَدٍ، حِينَ جَاءَ الْفَتْحُ‏.‏

فَمَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ‏:‏ وَأَوَّلُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ بِبَعْضِهِمْ أَنَّ يَرِثُوهُمْ بِالْهِجْرَةِ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ مِنْ صِلَةِ الْأَرْحَامِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ، أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ، مِمَّنْ لَمْ يُؤْمِنْ، وَلَمْ يُهَاجِرْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا‏}‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ إِلَّا أَنْ تُوصُوا لِذَوِي قَرَابَتِكُمْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْهِجْرَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا‏}‏ قَالُوا‏:‏ يُوصِي لِقَرَابَتِهِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدَةَ، قَالَ‏:‏ قَرَأَتُ عَلَى ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا‏}‏ قَالَ‏:‏ لِلْقَرَابَةِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَصِيَّةٌ، وَلَا مِيرَاثَ لَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا‏}‏ قَالَ‏:‏ إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَصِيَّةً، وَلَا مِيرَاثَ لَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ ‏{‏إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا‏}‏ قَالَ‏:‏ وَصِيَّةًً‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِعَطَاءٍ‏:‏ مَا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا‏}‏ فَقَالَ‏:‏ الْعَطَاءُ، فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ الْمُؤْمِنُ لِلْكَافِرِ بَيْنَهُمَا قُرَابَةٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ عَطَاؤُهُ إِيَّاهُ حِبَاءٌ وَوَصِيَّةٌ لَهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ إِلَّا أَنْ تَمَسَّكُوا بِالْمَعْرُوفِ بَيْنَكُمْ بِحَقِّ الْإِيمَانِ وَالْهِجْرَةِ وَالْحَلِفِ، فَتُؤْتُونَهُمْ حَقَّهُمْ مِنَ النُّصْرَةِ وَالْعَقْلِ عَنْهُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا‏}‏ قَالَ‏:‏ حُلَفَاؤُكُمُ الَّذِينَ وَالَى بَيْنَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، إِمْسَاكٌ بِالْمَعْرُوفِ وَالْعَقْلُ وَالنَّصْرُ بَيْنَهُمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أَنْ تُوصُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَصِيَّةً‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِلَّا أَنْ تُوصُوا لَهُمْ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمُ الَّذِينَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَعْرُوفًا مِنَ الْوَصِيَّةِ لَهُمْ، وَالنُّصْرَةِ وَالْعَقْلِ عَنْهُمْ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَعْرُوفِ الَّذِي قَدْ حَثَّ اللَّهُ عَلَيْهِ عِبَادَهُ‏.‏

وَإِنَّمَا اخْتَرْتُ هَذَا الْقَوْلَ، وَقُلْتُ‏:‏ هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مَنْ قِيلِ مَنْ قَالَ‏:‏ عَنَى بِذَلِكَ الْوَصِيَّةَ لِلْقَرَابَةِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، لِأَنَّ الْقَرِيبَ مِنَ الْمُشْرِكِ وَإِنْ كَانَ ذَا نَسَبٍ فَلَيْسَ بِالْمَوْلَى، وَذَلِكَ أَنَّ الشِّرْكَ يَقْطَعُ وِلَايَةَ مَا بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْمُشْرِكِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ‏}‏ وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنِ اتِّخَاذِهِمْ أَوْلِيَاءَ، ثُمَّ يَصِفُهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنَّهُمْ لَهُمْ أَوْلِيَاءٌ‏.‏ وَمَوْضِعُ ‏"‏أَنْ‏"‏ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا‏}‏ نَصْبٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَمَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ، إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمُ الَّذِينَ لَيْسُوا بِأُولِي أَرْحَامٍ مِنْكُمْ مَعْرُوفًا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ كَانَ أُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، أَيْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَسْطُورًا أَيْ مَكْتُوبًا، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ‏:‏

فِي الصُّحُفِ الْأُولَى الَّتِي كَانَ سَطَرْ

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا‏}‏‏:‏ أَيْ أَنَّ أُولِي الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا‏:‏ لَا يَرِثُ الْمُشْرِكُ الْمُؤْمِنَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا، إِذْ كَتَبْنَا كُلَّ مَا هُوَ كَائِنٌ فِي الْكِتَابِ ‏{‏وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ‏}‏ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا، وَيَعْنِي بِالْمِيثَاقِ‏:‏ الْعَهْدَ، وَقَدْ بَيَّنَا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ ‏(‏وَمِنْكَ‏)‏ يَا مُحَمَّدُ ‏{‏وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَخَذَنَا مِنْ جَمِيعِهِمْ عَهْدًا مُؤَكَّدًا أَنْ يُصَدِّقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ‏:‏ «‏"‏كُنْتُ أَوَّلُ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْخَلْقِ، وَآخِرُهُمْ فِي الْبَعْث» ‏"‏، ‏{‏وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا‏}‏ مِيثَاقٌ أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّينَ، خُصُوصًا أَنْ يُصَدِّقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَأَنْ يَتْبَعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو هِلَالٍ، قَالَ‏:‏ كَانَ قَتَادَةُ إِذَا تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ‏{‏وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ النَّبِيِّينَ فِي الْخُلُقِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي ظَهْرِ آدَمَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمِيثَاقُ الْغَلِيظُ‏:‏ الْعَهْدُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَخَذْنَا مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ مِيثَاقَهُمْ كَيْمَا أَسْأَلُ الْمُرْسَلِينَ عَمَّا أَجَابَتْهُمْ بِهِ أُمَمُهُمْ، وَمَا فَعَلَ قَوْمُهُمْ فِيمَا أَبْلَغُوهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ مِنَ الرِّسَالَةِ‏.‏

وَبِنَحْوِ قَوْلِنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمُبَلِّغِينَ الْمُؤَدِّينَ مِنَ الرُّسُلِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمُبَلِّغِينَ الْمُؤَدِّينَ مِنَ الرُّسُلِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ الرُّسُلُ الْمُؤَدِّينَ الْمُبَلِّغِينَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ بِاللَّهِ مِنَ الْأُمَمِ عَذَابًا مُوجِعًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ‏}‏ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَى جَمَاعَتِكُمْ وَذَلِكَ حِينَ حُوصِرَ الْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الْخَنْدَقِ ‏{‏إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ‏}‏‏:‏ جُنُودُ الْأَحْزَابِ‏:‏ قُرَيْشٌ، وغَطَفَانُ، وَيَهُودُ بُنِي النَّضِيرِ ‏{‏فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا‏}‏ وَهِيَ فِيمَا ذُكِرَ‏:‏ رِيحُ الصَّبَا‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَتِ الْجَنُوبُ لِلشَّمَالِ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ‏:‏ انْطَلِقِي نَنْصُرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الشَّمَالُ‏:‏ إِنَّ الْحُرَّةَ لَا تَسْرِي بِاللَّيْلِ، قَالَ‏:‏ فَكَانَتِ الرِّيحُ الَّتِي أُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الصَّبَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنْي الزُّبَيْرُ-يَعْنِي‏:‏ ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ- قَالَ‏:‏ ثَنِي رُبَيْحُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ‏:‏ «قُلْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ، فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ تَقَولُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏نَعَمْ، قُولُوا‏:‏ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا‏"‏، فَضَرَبَ اللَّهُ وُجُوهَ أَعْدَائِهِ بِالرِّيحِ، فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ بِالرِّيحِ»‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ أَرْسَلَنِي خَالِي عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ لَيْلَةَ الْخَنْدَقِ فِي بَرْدٍ شَدِيدٍ وَرِيحٍ، إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ‏:‏ ائْتِنَا بِطَعَامٍ وَلِحَافٍ قَالَ‏:‏ فَاسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَذِنَ لِي وَقَالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ لَقِيتَ مِنْ أَصْحَابِي فَمُرْهُمْ يَرْجِعُوا‏"‏‏.‏ قَالَ‏:‏ فَذَهَبْتُ وَالرِّيحُ تَسْفِي كُلَّ شَيْءٍ، فَجَعَلْتُ لَا أَلْقَى أَحَدًا إِلَّا أَمَرَتْهُ بِالرُّجُوعِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ‏:‏ فَمَا يَلْوِي أَحَدٌ مِنْهُمْ عُنُقَهُ؛ قَالَ‏:‏ وَكَانَ مَعِي تُرْسٌ لِي، فَكَانَتِ الرِّيحُ تَضْرِبُهُ عَلَيَّ، وَكَانَ فِيهِ حَدِيدٌ، قَالَ‏:‏ فَضَرَبَتْهُ الرِّيحُ حَتَّى وَقَعَ بَعْضُ ذَلِكَ الْحَدِيدِ عَلَى كَفِّي، فَأَنْفَذَهَا إِلَى الْأَرْضِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ‏:‏ قَالَ‏:‏ ثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، قَالَ‏:‏ قَالَ فَتًى مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ‏:‏ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، رَأَيْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحِبْتُمُوهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ يَا ابْنَ أَخِي، قَالَ‏:‏ فَكَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ وَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا نَجْهَدُ، قَالَ الْفَتَى‏:‏ وَاللَّهِ لَوْ أَدْرَكْنَاهُ مَا تَرَكْنَاهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ، لَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَعْنَاقِنَا‏.‏ قَالَ حُذَيْفَةُ‏:‏ يَا ابْنَ أَخِي، وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَنْدَقِ، وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ هَوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرُ لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْمُ‏؟‏ يَشْرُطُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ يَرْجِعْ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ‏"‏، فَمَا قَامَ أَحَدٌ، ثُمَّ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ مَثَلَهُ، فَمَا قَامَ مِنَّا رَجُلٌ، ثُمَّ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرُ لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْمُ ثُمَّ يَرْجِعُ- يَشْتَرِطُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجْعَةَ- أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ‏"‏ فَمَا قَامَ رَجُلٌ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَشِدَّةِ الْجُوعِ، وَشِدَّةِ الْبَرْدِ؛ فَلَمَّا لَمَّ يَقُمْ أَحَدٌ، دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَكُنْ لِي بُدٌّ مِنَ الْقِيَامِ حِينَ دَعَانِي، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏يَا حُذَيْفَةُ اذْهَبْ فَادْخُلْ فِي الْقَوْمِ فَانْظُرْ، وَلَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنَا‏"‏‏.‏ قَالَ‏:‏ فَذَهَبْتُ فَدَخَلْتُ فِي الْقَوْمِ، وَالرِّيحُ وَجُنُودُ اللَّهِ تَفْعَلُ بِهِمْ مَا تَفْعَلُ، لَا تُقِرُّ لَهُمْ قِدْرًا وَلَا نَارًا وَلَا بِنَاءً؛ فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ‏:‏ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لِيَنْظُرُ امْرُؤٌ مَنْ جَلِيسُهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ‏:‏ فَأَخَذْتُ بِيَدِ الرَّجُلِ الَّذِي إِلَى جَنْبِي، فَقُلْتُ‏:‏ مَنْ أَنْتَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ؛ ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ‏:‏ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّكُمْ وَاللَّهِ مَا أَصْبَحْتُمْ بِدَارِ مَقَامٍ، وَلَقَدْ هَلَكَ الْكُرَاعُ وَالْخُفُّ، وَاخْتَلَفَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ، وَبَلَغَنَا عَنْهُمُ الَّذِي نَكِرَهُ، وَلَقِيَنَا مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ مَا تَرَوْنَ، وَاللَّهِ مَا يَطْمَئِنُّ لَنَا قِدْرٌ، وَلَا تَقُومُ لَنَا نَارٌ، وَلَا يَسْتَمْسِكُ لَنَا بِنَاءٍ، فَارْتَحَلُوا فَإِنِّي مُرْتَحِلٌ، ثُمَّ قَامَ إِلَى جَمَلِهِ وَهُوَ مَعْقُولٌ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ فَوَثَبَ بِهِ عَلَى ثَلَاثٍ، فَمَا أَطْلَقَ عِقَالَهُ إِلَّا وَهُوَ قَائِمٌ‏.‏ وَلَوْلَا عَهْدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ أَنْ لَا تُحْدِثَ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِينِي، لَوْ شِئْتُ لِقَتَلْتُهُ بِسَهْمٍ؛ قَالَ حُذَيْفَةُ‏:‏ فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي مِرْطٍ لِبَعْضِ نِسَائِهِ؛ فَلَمَّا رَآنِي أَدْخَلَنِي بَيْنَ رِجْلَيْهِ، وَطَرَحَ عَلَيَّ طَرَفَ الْمِرْطِ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ وَإِنِّي لَفِيهِ؛ فَلَمَّا سَلَّمَ أَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ، وَسَمِعَتْ غَطَفَانُ بِمَا فَعَلَتْ قُرَيْشٌ، فَانْشَمَرُوا رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْأَحْزَابُ‏:‏ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ، وَقُرَيْظَةُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ رِيحُ الصِّبَا أُرْسِلَتْ عَلَى الْأَحْزَابِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، حَتَّى كَفَأَتْ قُدُورَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِهَا، وَنَزَعَتْ فَسَاطِيطَهُمْ حَتَّى أَظْعَنَتْهُمْ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ وَلَمْ تُقَاتِلْ يَوْمئِذٍ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ، قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَوْمَ الْأَحْزَابِ وَقَدْ حُصِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا فَخَنْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ بِقُرَيْشٍ وَمِنْ تَبِعَهُ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى نَزَلُوا بِعَقْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْبَلَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، أَحَدُ بَنِي بَدْرٍ وَمِنْ تَبِعَهُ مِنَ النَّاسِ حَتَّى نَزَلُوا بِعَقْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَاتَبَتِ الْيَهُودُ أَبَا سُفْيَانَ وَظَاهَرُوهُ، فَقَالَ حَيْثُ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ‏}‏ فَبَعْثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرُّعْبَ وَالرِّيحَ، فَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا أَطْفَأَهَا اللَّهُ، حَتَّى لَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ سَيِّدَ كُلِّ حَيٍّ يَقُولُ‏:‏ يَا بَنِي فُلَانٍ هَلُمَّ إِلَيَّ، حَتَّى إِذَا اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ فَقَالَ‏:‏ النِّجَاءُ النِّجَاءُ، أُتِيْتُمْ، لِمَا بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الرُّعْبِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ‏}‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ كَانَ يَوْمُ أَبِي سُفْيَانَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا‏}‏ وَالْجُنُودُ‏:‏ قُرَيْشٌ وَغَطَفَان وَبَنُو قُرَيْظَةَ، وَكَانَتِ الْجُنُودُ الَّتِي أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَعَ الرِّيحِ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَكَانَ اللَّهُ بِأَعْمَالِكُمْ يَوْمئِذٍ، وَذَلِكَ صَبْرُهُمْ عَلَى مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْجَهْدِ وَالشِّدَّةِ، وَثَبَاتِهِمْ لِعَدُوِّهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ- بَصِيرًا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، يُحْصِيهِ عَلَيْهِمْ، لِيَجْزِيَهُمْ عَلَيْهِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏10- 12‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا، إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودُ الْأَحْزَابِ مِنْ فَوْقِكُمْ، وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ إِنَّ الَّذِينَ أَتَوْهُمْ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، أَبُو سُفْيَانَ فِي قُرَيْشٍ وَمَنْ مَعَهُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ‏}‏ قَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ فِي أَهْلِ نَجْدٍ ‏{‏وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ‏}‏ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ، قَالَ‏:‏ وَوَاجَهَتْهُمْ قُرَيْظَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة، ذَكَرْتُيَوْمَ الْخَنْدَقِ وَقَرَأَتُ ‏{‏إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ‏}‏ قَالَتْ‏:‏ هُوَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَمَّنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ عَبِيدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَعَنِ الزَّهْرِيِّ، وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ حَزْمٍ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَعَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَائِنَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ حَدِيثِ الْخَنْدَقِ أَنَّ نَفَرًا مِنَ الْيَهُودِ، مِنْهُمْ سَلَامُ بْنُ أَبِي الْحَقِيقِ النَّضِرِيُّ، وحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ النَّضِرِيُّ، وَكِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحَقِيقِ النَّضِرِيُّ، وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ الْوَائِلِيُّ، وَأَبُو عَمَّارٍ الْوَائِلِيُّ، فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، وَنَفَرٍ مِنْ بَنِي وَائِلٍ، وَهُمُ الَّذِينَ حَزَّبُوا الْأَحْزَابَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَجُوا حَتَّى قَدِمُوا مَكَّةََ عَلَى قُرَيْشٍ، فَدَعَوْهُمْ إِلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا‏:‏ إِنَّا سَنَكُونُ مَعَكُمْ عَلَيْهِ حَتَّى نَسْتَأْصِلَهُ، فَقَالَتْ لَهُمْ قُرَيْشٌ‏:‏ يَا مَعْشَرَ يَهُودٍ، إِنَّكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، وَالْعِلْمِ بِمَا أَصْبَحْنَا نَخْتَلِفُ فِيهِ نَحْنُ وَمُحَمَّدٌ، أَفَدِينُنَا خَيْرٌ أَمْ دِينُهُ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ بَلْ دِينِكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ، وَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْهُ قَالَ‏:‏ فَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا‏}‏ فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ لِقُرَيْشٍ، سَرَّهُمْ مَا قَالُوا، وَنَشِطُوا لِمَا دَعَوْهُمْ لَهُ مِنْ حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاجْتَمَعُوا لِذَلِكَ وَاتَّعَدُوا لَهُ، ثُمَّ خَرَجَ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِنْ الْيَهُودِ، حَتَّى جَاءُوا غَطَفَانَ مِنْ قَيْسِ عَيْلَانَ، فَدَعَوْهُمْ إِلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّهُمْ سَيَكُونُونَ مَعَهُمْ عَلَيْهِ، وَأَنَّ قُرَيْشًا قَدْ تَابَعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَاجْتَمَعُوا فِيهِ، فَأَجَابُوهُمْ فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ وَقَائِدُهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَخَرَجَتْ غَطَفَانُ وَقَائِدُهَا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ فِي بَنِي فَزَارَةَ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرِّيِّ فِي بَنِي مُرَّةَ، وَمِسْعَرُ بْنُ رُخَيْلَةَ بْنِ نُوَيْرَةَ بْنِ طَرِيفِ بْنِ سُحْمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ خَلَاوَةَ بْنِ أَشْجَعَ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ، فِيمَنْ تَابَعَهُ مَنْ قَوْمِهِ مِنْ أَشْجَعَ؛ فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا اجْتَمَعُوا لَهُ مِنَ الْأَمْرِ ضَرَبَ الْخَنْدَقَ عَلَى الْمَدِينَةِ؛ فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخَنْدَقِ، أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ حَتَّى نَزَلَتْ بِمُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ مِنْ رُومَةٍ بَيْنَ الْجَرْفِ وَالْغَابَةِ فِي عَشْرَةِ آلَافٍ مِنْ أَحَابِيشِهِمْ، وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ، وَأَقْبَلَتْ غَطَفَانُ وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، حَتَّى نَزَلُوا بِذَنَبِ نَقْمِي إِلَى جَانِبٍ أُحُدٍ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ حَتَّى جَعَلُوا ظُهُورَهُمْ إِلَى سَلْعٍ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَضَرَبَ هُنَالِكَ عَسْكَرَهُ، وَالْخَنْدَقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْمِ، وَأَمَرَ بِالذَّرَارِيِّ وَالنِّسَاءِ، فَرُفِعُوا فِي الْآطَامِ، وَخَرَجَ عَدُوُّ اللَّهِ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ النَّضِرِيُّ، حَتَّى أَتَى كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ الْقُرَظِيُّ، صَاحِبُ عَقْدِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَعَهْدِهِمْ، وَكَانَ قَدْ وَادَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمِهِ، وَعَاهَدَهُ عَلَى ذَلِكَ وَعَاقَدَهُ، فَلَمَّا سَمِعَ كَعْبٌ بِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، أَغْلَقَ دُونَهُ حِصْنُهُ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ، فَنَادَاهُ حُيَيٍّ‏:‏ يَا كَعْبُ افْتَحْ لِي، قَالَ‏:‏ وَيْحَكَ يَا حُيَيُّ، إِنَّكَ امْرُؤٌ مَشْئُومٌ، إِنِّي قَدْ عَاهَدْتُ مُحَمَّدًا، فَلَسْتُ بِنَاقِضٍ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَلَمْ أَرَ مِنْهُ إِلَّا وَفَاءً وَصِدْقًا؛ قَالَ‏:‏ وَيْحَكَ افْتَحْ لِي أُكَلِّمُكَ، قَالَ‏:‏ مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، قَالَ‏:‏ وَاللَّهِ إِنْ أَغْلَقْتُ دُونِي إِلَّا تَخَوَّفْتُ عَلَى جَشِيشَتِكَ أَنْ آكُلَ مَعَكَ مِنْهَا، فَأَحْفَظُ الرَّجُلَ، فَفَتَحَ لَهُ، فَقَالَ‏:‏ يَا كَعْبٌ جِئْتُكَ بِعِزِّ الدَّهْرِ، وَبِبَحْرٍ طَمٍّ، جِئْتُكَ بِقُرَيْشٍ عَلَى قَادَاتِهَا وَسَادَاتِهَا، حَتَّى أَنْزَلْتُهُمْ بِمُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ مِنْ رُومَةَ، وَبِغَطَفَانَ عَلَى قَادَاتِهَا وَسَادَاتِهَا حَتَّى أَنْزَلْتُهُمْ بِذَنَبٍ نقمى إِلَى جَانِبِ أُحُدٍ، قَدْ عَاهَدُونِي وَعَاقَدُونِي أَلَّا يَبْرَحُوا حَتَّى يَسْتَأْصِلُوا مُحَمَّدًا وَمِنْ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ‏:‏ جِئْتَنِي وَاللَّهِ بِذُلِّ الدَّهْرِ، وَبِجِهَامٍ قَدْ هَرَاقَ مَاءَهُ، يُرْعِدُ وَيَبْرُقُ، لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، فَدَعْنِي وَمُحَمَّدًا وَمَا أَنَا عَلَيْهِ، فَلَمْ أَرَ مِنْ مُحَمَّدٍ إِلَّا صِدْقًا وَوَفَاءً؛ فَلَمْ يَزَلْ حُيَيٌّ بِكَعْبٍ يَفْتِلُهُ فِي الذُّرْوَةِ وَالْغَارِبِ حَتَّى سَمَحَ لَهُ عَلَى أَنْ أَعْطَاهُمْ عَهْدًا مِنَ اللَّهِ وَمِيثَاقًا لَئِنْ رَجَعَتْ قُرَيْشٌ وغَطَفَانُ وَلَمْ يُصِيبُوا مُحَمَّدًا أَنْ أَدْخَلَ مَعَكَ فِي حِصْنِكَ حَتَّى يُصِيبَنِي مَا أَصَابَكَ، فَنَقَضَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ عَهْدَهُ، وَبَرِئَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ، فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ، وَإِلَى الْمُسْلِمِينَ، بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ، أَحَدَ بَنِي الْأَشْهَلِ، وَهُوَ يَوْمئِذٍ سَيِّدُ الْأَوْسِ، وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ دَيْلَمٍ أَخِي بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَهُوَ يَوْمئِذٍ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، وَمَعَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ أَخُو بِلْحَرْثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَخَوَّاتَ بْنَ جُبَيرٍ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏انْطَلَقُوا حَتَّى تَنْظُرُوا أَحَقٌّ مَا بَلَغَنَا عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْ لَا‏؟‏ فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَالْحَنُوا لِي لَحْنًا أَعْرِفُهُ، وَلَا تَفُتُّوا فِي أَعْضَادِ النَّاسِ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى الْوَفَاءِ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَاجْهُرُوا بِهِ لِلنَّاسِ‏"‏ فَخَرَجُوا حَتَّى أَتَوْهُمْ، فَوَجَدُوهُمْ عَلَى أَخْبَثِ مَا بَلَغَهُمْ عَنْهُمْ، وَنَالُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا‏:‏ لَا عَهْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ وَلَا عَقْدَ، فَشَاتَمَهُمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَشَاتَمُوهُ، وَكَانَ رَجُلًا فِيهِ حِدَّةٌ، فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ‏:‏ دَعْ عَنْكَ مُشَاتِمَتِهِمْ، فَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَرْبَى مِنَ الْمُشَاتَمَةِ، ثُمَّ أَقْبَلَ سَعْدٌ وَسَعْدٌ وَمِنْ مَعَهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالُوا‏:‏ عَضَلٍ وَالْقَارَّةِ‏:‏ أَيْ كَغَدْرِ عَضَلٍ وَالْقَارَّةِ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابُ الرَّجِيعِ خَبِيبُ بْنُ عَدِيٍّ وَأَصْحَابَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، وَعَظُمَ عِنْدَ ذَلِكَ الْبَلَاءُ، وَاشْتَدَّ الْخَوْفُ، وَأَتَاهُمْ عَدُوُّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، حَتَّى ظَنَّ الْمُسْلِمُونَ كُلَّ ظَنٍّ، وَنَجَمَ النِّفَاقُ مِنْ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ، حَتَّى قَالَ مُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ‏:‏ كَانَ مُحَمَّدٌ يَعِدُنَا أَنْ نَأْكُلَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَأَحَدُنَا لَا يَقْدِرُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْغَائِطِ، وَحَتَّى قَالَ أَوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ بُيُوتَنَا لَعَوْرَةٌ مِنَ الْعَدُوِّ، وَذَلِكَ عَنْ مَلَإٍ مِنْ رِجَالِ قَوْمِهِ، فَأْذَنْ لَنَا فَلْنَرْجِعْ إِلَى دَارِنَا، وَإِنَّهَا خَارِجَةٌ مِنْ الْمَدِينَةِ، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْقَوْمِ حَرْبٌ إِلَّا الرَّمْيَ بِالنُّبْلِ وَالْحِصَارِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ‏}‏ فَالَّذِينَ جَاءُوهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ‏:‏ قُرَيْظَةُ، وَالَّذِينَ جَاءُوهُمْ مِنْ أَسْفَلِ مِنْهُمْ‏:‏ قُرَيْشٌ وغَطَفَانُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَحِينَ عَدَلَتِ الْأَبْصَارُ عَنْ مَقَرِّهَا، وَشَخَصَتْ طَامِحَةً‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ‏}‏‏:‏ شَخَصَتْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ نَبَتِ الْقُلُوبُ عَنْ أَمَاكِنِهَا مِنَ الرُّعْبِ وَالْخَوْفِ، فَبَلَغَتْ إِلَى الْحَنَاجِرِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُوِيدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ ‏{‏وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنَ الْفَزَعِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ الْكَاذِبَةَ، وَذَلِكَ كَظَنِّ مَنْ ظَنَّ مِنْهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغْلَبُ، وَأَنَّ مَا وَعَدَهُ اللَّهُ مِنَ النَّصْرِ أَنْ لَا يَكُونَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ ظُنُونِهِمُ الْكَاذِبَةِ الَّتِي ظَنَّهَا مَنْ ظَنَّ مِمَّنْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَسْكَرِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ ‏{‏وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا‏}‏ قَالَ‏:‏ ظُنُونًا مُخْتَلِفَةً‏:‏ ظَنَّ الْمُنَافِقُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ يُسْتَأْصَلُونَ، وَأَيْقَنَ الْمُؤْمِنُونَ أَنَّ مَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ حَقٌّ، أَنَّهُ سَيُظْهِرُهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا‏}‏ فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ، وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ‏:‏ ‏(‏الظُّنُونَا‏)‏ بِإِثْبَاتِ الْأَلْفِ، وَكَذَلِكَ ‏{‏وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا- فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا‏}‏ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ وَكَانَ اعْتِلَالُ الْمُعْتَلِّ فِي ذَلِكَ لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ بِإِثْبَاتِ الْأَلْفِ فِي هَذِهِ الْأَحْرُفِ كُلِّهَا وَكَانَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ يُثْبِتُ الْأَلْفَ فِيهِنَّ فِي الْوَقْفِ، وَيَحْذِفُهَا فِي الْوَصْلِ اعْتِلَالًا بِأَنَّ الْعَرَبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي قَوَافِي الشِّعْرِ وَمَصَارِيعِهَا، فَتَلْحَقُ الْأَلْفُ فِي مَوْضِعِ الْفَتْحِ لِلْوُقُوفِ، وَلَا تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي حَشْوِ الْأَبْيَاتِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحْرُفَ، حَسُنَ فِيهَا إِثْبَاتُ الْأَلِفَاتِ، لِأَنَّهُنَّ رُءُوسُ الْآيِ تَمْثِيلًا لَهَا بِالْقَوَافِي‏.‏ وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ بِحَذْفِ الْأَلْفِ مِنْ جَمِيعِهِ فِي الْوَقْفِ وَالْوَصْلِ، اعْتِلَالًا بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِلَّا فِي قَوَافِي الشِّعْرِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ كَلَامِهِمْ، وَأَنَّهَا إِنَّمَا تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْقَوَافِي طَلَبًا لِإِتْمَامِ وَزْنِ الشِّعْرِ، إِذْ لَوْ لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ فِيهَا لَمْ يَصِحِ الشِّعْرُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ، لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ يَضْطَرُّهُمْ إِلَى ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ، وَقَالُوا‏:‏ هُنَّ مَعَ ذَلِكَ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ بِغَيْرِ أَلْفٍ‏.‏

وَأَوْلَى الْقِرَاءَاتِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِحَذْفِ الْأَلْفِ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْكَلَامُ الْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، مَعَ شُهْرَةِ الْقِرَاءَةِ بِذَلِكَ فِي قُرَّاءِ الْمِصْرَيْنِ‏:‏ الْكُوفَةِ، وَالْبَصْرَةِ، ثُمَّ الْقِرَاءَةُ بِإِثْبَاتِ الْأَلْفِ فِيهِنَّ فِي حَالَةِ الْوَقْفِ وَالْوَصْلِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ مَنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْوَقْفِ أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي خُطُوطِ مَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ وَإِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ فِي إِثْبَاتِ الْأَلْفِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ كَوْنَهُ مُثْبَتًا فِي مَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ، فَالْوَاجِبُ أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّهُ مُثْبَتٌ فِي مَصَاحِفِهِمْ‏.‏ وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ الَّتِي تُوجِبُ قِرَاءَةَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ مَوْجُودَةً فِي حَالٍ أُخْرَى، وَالْقِرَاءَةُ مُخْتَلِفَةٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِقَوَافِي الشِّعْرِ بِنَظِيرٍ؛ لِأَنَّ قَوَافِيَ الشِّعْرِ إِنَّمَا تَلْحَقُ فِيهَا الْأَلِفَاتُ فِي مَوَاضِعِ الْفَتْحِ، وَالْيَاءُ فِي مَوَاضِعِ الْكَسْرِ، وَالْوَاوُ فِي مَوَاضِعِ الضَّمِّ طَلَبًا لِتَتِمَّةِ الْوَزْنِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَلِكَ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ شِعْرًا لِاسْتِحَالَتِهِ عَنْ وَزْنِهِ، وَلَا شَيْءَ يَضْطَرُّ تَالِي الْقُرْآنِ إِلَى فِعْلِ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ عِنْدَ ذَلِكَ اخْتُبِرَ إِيمَانُ الْمُؤْمِنِينَ، وَمُحِّصَ الْقَوْمُ وَعُرْفَ الْمُؤْمِنُ مِنَ الْمُنَافِقِ‏.‏

وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مُحِّصُوا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَحُرِّكُوا بِالْفِتْنَةِ تَحْرِيكًا شَدِيدًا، وَابْتُلُوا وَفُتِنُوا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ‏}‏ شَكٌّ فِي الْإِيمَانِ وَضَعْفٌ فِي اعْتِقَادِهِمْ إِيَّاهُ‏:‏ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا، وَذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ قَوْلَ مُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ‏{‏وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، إِذْ قَالَ مَا قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ تُكَلُّمُهُمْ بِالنِّفَاقِ يَوْمئِذٍ وَتَكَلَّمَ الْمُؤْمِنُونَ بِالْحَقِّ وَالْإِيمَانِ ‏{‏قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَ ذَلِكَ أُنَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، قَدْ كَانَ مُحَمَّدٌ يَعِدُنَا فَتْحَ فَارِسَ وَالرُّومَ، وَقَدْ حُصِرْنَا هَاهُنَا، حَتَّى مَا يَسْتَطِيعُ أَحَدُنَا أَنْ يَبْرُزَ لِحَاجَتِهِ، مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَجُلٌ يَوْمَ الْأَحْزَابِ لِرَجُلٍ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ يَا فُلَانُ أَرَأَيْتَ إِذْ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إِذَا هَلَكَ قَيْصَرٌ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏"‏ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا، وَأَحَدُنَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ يَبُولُ مِنَ الْخَوْفِ ‏{‏مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا‏}‏‏؟‏ فَقَالَ لَهُ‏:‏ كَذَبْتَ، لِأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَكَ، قَالَ‏:‏ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ، فَدَعَاهُ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏مَا قُلْتُ‏؟‏ ‏"‏ فَقَالَ‏:‏ كَذَبَ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا قُلْتُ شَيْئًا، مَا خَرَجَ هَذَا مِنْ فَمِي قَطُّ، قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ‏}‏ حَتَّى بَلَغَ ‏{‏وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَهَذَا قَوْلُ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَنْدَقَ عَامَ ذَكَرْتُ الْأَحْزَابِ، مَنْ أَحْمَرَ الشَّيْخَيْنِ طَرَفَ بَنِي حَارِثَةَ، حَتَّى بَلَغَ الْمَذَادَ، ثُمَّ جَعَلَ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا بَيْن كُلِّ عَشْرَةٍ، فَاخْتَلَفَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فِي سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، وَكَانَ رَجُلًا قَوِيًّا، فَقَالَ الْأَنْصَارُ‏:‏ سَلْمَانُ مِنَّا، وَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ‏:‏ سَلْمَانُ مِنَّا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ‏"‏‏.‏ قَالَ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ‏:‏ فَكُنْتُ أَنَا وَسَلْمَانُ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَالنُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيُّ، وَسِتَّةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فِي أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، فَحَفَرْنَا تَحْتَ دُوبَارٍ حَتَّى بَلَغْنَا الصَّرَى، أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْ بَطْنِ الْخَنْدَقِ صَخْرَةً بَيْضَاءَ مَرْوَةً فَكَسَرَتْ حَدِيدَنَا، وَشَقَّتْ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا‏:‏ يَا سَلْمَانُ، ارْقَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبِرْهُ خَبَرَ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَإِمَّا أَنْ نَعْدِلَ عَنْهَا، فَإِنَّ الْمَعْدِلَ قَرِيبٌ، وَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَنَا فِيهَا بِأَمْرِهِ، فَإِنَّا لَا نُحِبُّ أَنْ نُجَاوِزَ خَطَّهُ‏.‏ فَرَقَى سَلْمَانُ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ضَارِبٌ عَلَيْهِ قُبَّةً تُرْكِيَّةً، فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِِ بِأَبِينَا أَنْتَ وَأُمِّنَا خَرَجَتْ صَخْرَةٌ بَيْضَاءُ مِنْ بَطْنِ الْخَنْدَقِ مَرْوَةً، فَكَسَرَتْ حَدِيدَنَا، وَشَقَّتْ عَلَيْنَا حَتَّى مَا يَجِيءُ مِنْهَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، فَمُرْنَا فِيهَا بِأَمْرِكَ، فَإِنَّا لَا نُحِبُّ أَنْ نُجَاوِزَ خَطَّكَ، فَهَبَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ سَلْمَانَ فِي الْخَنْدَقِ، وَرَقَيْنَا نَحْنُ التِّسْعَةُ عَلَى شَفَةِ الْخَنْدَقِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِعْوَلَ مِنْ سَلْمَانَ، فَضَرْبَ الصَّخْرَةَ ضَرْبَةً صَدَعَهَا، وَبَرَقَتْ مِنْهَا بُرْقَةً أَضَاءَتْ مَا بَيْنَ لَابَّتَيْهَا-يَعْنِي لَابَّتَي الْمَدِينَةِ- حَتَّى لَكَأَنَّ مِصْبَاحًا فِي جَوْفِ بَيْتٍ مُظْلِمٍ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْبِيرَ فَتْحٍ، وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ ثُمَّ ضَرَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّانِيَةَ، فَصَدَعَهَا وَبَرَقَتْ مِنْهَا بُرْقَةً أَضَاءَتْ مَا بَيْنَ لَابَّتَيْهَا، حَتَّى لَكَأَنَّ مِصْبَاحًا فِي جَوْفِ بَيْتٍ مُظْلِمٍ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْبِيرَ فَتْحٍ، وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ، ثُمَّ ضَرَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّالِثَةَ فَكَسَرَهَا، وَبَرَقَتْ مِنْهَا بُرْقَةً أَضَاءَتْ مَا بَيْنَ لَابَّتَيْهَا، حَتَّى لَكَأَنَّ مِصْبَاحًا فِي جَوْفِ بَيْتٍ مُظْلِمٍ، فَكَبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْبِيرَ فَتْحٍ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ سَلْمَانَ فِرَقِي، فَقَالَ سَلْمَانُ‏:‏ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ شَيْئًا مَا رَأَيْتُُه قَطُّ، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْقَوْمِ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏هَلْ رَأَيْتُمْ مَا يَقُولُ سَلْمَانُ‏؟‏ ‏"‏ قَالُوا‏:‏ نَعِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِينَا أَنْتَ وَأُمِّنَا، وَقَدْ رَأَيْنَاكَ تَضْرِبُ، فَيَخْرُجُ بَرْقٌ كَالْمَوْجِ، فَرَأَيْنَاكَ تَكَبُّرُ فَنُكَبِّرُ، وَلَا نَرَى شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، قَالَ‏:‏ ‏"‏صَدَقْتُمْ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الْأُولَى، فَبَرَقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ أَضَاءَ لِي مِنْهُ قُصُورُ الْحِيرَةِ وَمَدَائِنُ كِسْرَى، كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ، فَأَخْبَرَنِي جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا، ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الثَّانِيَةَ، فَبَرْقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ، أَضَاءَ لِي مِنْهُ قُصُورُ الْحُمْرِ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ، كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ، وَأَخْبَرَنِي جَبْرائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا، ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الثَّالِثَةَ، وَبَرَقَ مِنْهَا الَّذِي رَأَيْتُمْ، أَضَاءَتْ لِي مِنْهَا قُصُورُ صَنْعَاءَ، كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ، وَأَخْبَرَنِي جَبْرائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا، فَأَبْشِرُوا‏"‏ يُبَلِّغُهُمُ النَّصْرَ، ‏"‏وَأَبْشِرُوا‏"‏ يُبَلِّغُهُمُ النَّصْرَ، ‏"‏وَأَبْشِرُوا‏"‏ يُبَلِّغُهُمُ النَّصْرَ؛ فَاسْتَبْشَرَ الْمُسْلِمُونَ، وَقَالُوا‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ مَوْعُودُ صَدْقٍ، بِأَنْ وَعَدَنَا النَّصْرَ بَعْدَ الْحَصْرِ، فَطَبَّقَتِ الْأَحْزَابُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ ‏{‏هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ‏}‏ الْآيَةَ، وَقَالَ الْمُنَافِقُونَ‏:‏ أَلَّا تَعْجَبُونَ يُحَدِّثُكُمْ وَيُمَنِّيكُمْ وَيَعِدُكُمُ الْبَاطِلَ، يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ يُبْصِرُ مِنْ يَثْرِبَ قُصُورَ الْحِيرَةِ وَمَدَائِنَ كِسْرَى، وَأَنَّهَا تُفْتَحُ لَكُمْ وَأَنْتُمْ تَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ مِنَ الْفَرَقِ، وَلَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَبْرُزُوا وَأُنْزِلَ الْقُرْآنُ ‏{‏وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا‏}‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏13- 14‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا‏}‏‏.‏

يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ‏}‏ وَإِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ، وَيَثْرِبُ‏:‏ اسْمُ أَرْضٍ، فَيُقَالُ‏:‏ إِنَّ مَدِينَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ يَثْرِبَ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏لَا مَقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا‏)‏ بِفَتْحِ الْمِيمِ مِنْ مُقَامٍ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ لَا مَكَانَ لَكُمْ، تَقُومُونَ فِيهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

فَأَيِّي مَا وأَيُّكَ كَانَ شَرًّا *** فَقِيدَ إِلَى المَقَامَةِ لَا يَرَاهَا

قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَارْجِعُوا‏)‏ يَقُولُ‏:‏ فَارْجِعُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ، أَمَرَهُمْ بِالْهَرَبِ مِنْ عَسْكَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْفِرَارٌِ مِنْهُ، وَتَرْكُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ قِيلِ أَوْسِ بْنِ قَيْظِيٍّ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى رَأْيِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ‏{‏وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ‏}‏ إِلَى ‏(‏فِرَارًا‏)‏ يَقُولُ‏:‏ أَوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ وَمَنْ كَانَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ رَأْيِهِ مِنْ قَوْمِهِ، وَالْقِرَاءَةُ عَلَى فَتْحِ الْمِيمِ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لَا مَقَامَ لَكُمْ‏)‏ بِمَعْنَى‏:‏ لَا مَوْضِعَ قِيَامٍ لَكُمْ، وَهِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِخِلَافِهَا، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا‏.‏ وَذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ ‏(‏لَا مُقَامَ لَكُمْ‏)‏ بِضَمِّ الْمِيمِ؛ يَعْنِي‏:‏ لَا إِقَامَةَ لَكُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَيَسْتَأْذِنُ بَعْضُهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِذْنِ بِالِانْصِرَافِ عَنْهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ الْفِرَارَ وَالْهَرَبَ مِنْ عَسْكَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏إِلَّا فِرَارًا‏)‏ قَالَ‏:‏ هُمْ بَنُو حَارِثَةَ، قَالُوا‏:‏ بُيُوتُنَا مُخْلِيَةٌ نَخْشَى عَلَيْهَا السَّرِقَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَخْشَى عَلَيْهَا السَّرِقَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ‏}‏ وَإِنَّهَا مِمَّا يَلِي الْعَدُوَّ، وَإِنَّا نَخَافُ عَلَيْهَا السُّرَّاقَ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يَجِدُ بِهَا عَدُوًّا، قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّمَا كَانَ قَوْلُهُمْ ذَلِكَ ‏{‏إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ‏}‏ إِنَّمَا كَانَ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانَ الْقَزَّازُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ حُمْرَانَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ شَدَّادٍ أَبُو طَالُوتَ عَنْ أَبِيهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ ضَائِعَةٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَوْ دَخَلَتِ الْمَدِينَةَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ ‏{‏إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ‏}‏ مِنْ أَقْطَارِهَا، يَعْنِي‏:‏ مِنْ جَوَانِبِهَا وَنَوَاحِيهَا، وَاحِدُهَا‏:‏ قُطْرٌ، وَفِيهَا لُغَةٌ أُخْرَى‏:‏ قُتْرٌ، وَأَقْتَارٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزُ‏:‏

إِنْ شِئْتَ أَنْ تَدْهُنَ أَوْ تَمُرَّا *** فَوَلِّهُنَّ قُتْرَكَ الأشَرَّا

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ سُئِلُوا الرُّجُوعَ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الشِّرْكِ ‏(‏لَآتَوْهَا‏)‏ يَقُولُ‏:‏ لَفَعَلُوا وَرَجَعُوا عَنِ الْإِسْلَامِ وَأَشْرَكُوا‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَمَا احْتَبَسُوا عَنْ إِجَابَتِهِمْ إِلَى الشِّرْكِ إِلَّا يَسِيرًا قَلِيلًا وَلَأَسْرَعُوا إِلَى ذَلِكَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا‏}‏ أَيْ‏:‏ لَوْ دُخِلَ عَلَيْهِمْ مِنْ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ ‏{‏ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ‏}‏‏:‏ أَيِ‏:‏ الشِّرْكَ ‏(‏لَآتَوْهَا‏)‏ يَقُولُ‏:‏ لَأَعْطَوْهَا‏.‏ ‏{‏وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِلَّا أَعْطَوْهُ طَيِّبَةً بِهِ أَنْفُسُهُمْ مَا يَحْتَبِسُونَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَوْ دَخَلَتْ الْمَدِينَةَ عَلَيْهِمْ مِنْ نَوَاحِيهَا ‏{‏ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا‏}‏ سُئِلُوا أَنْ يَكْفُرُوا لَكَفَرُوا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ لَوْ دَخَلَتْ عَلَيْهِمُ الْجُيُوشُ، وَالَّذِينَ يُرِيدُونَ قِتَالَهُمْ، ثُمَّ سُئِلُوا أَنْ يَكْفُرُوا لَكَفَرُوا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَالْفِتْنَةُ‏:‏ الْكُفْرُ، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ‏}‏ أَيِ‏:‏ الْكُفْرِ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ يَحْمِلُهُمُ الْخَوْفُ مِنْهُمْ، وَخَبْثُ الْفِتْنَةِ الَّتِي هُمْ عَلَيْهَا مِنَ النِّفَاقِ عَلَى أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لَآتَوْهَا‏)‏ فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ قُرَّاءِ مَكَّةَ‏:‏ ‏(‏لَأَتَوْهَا‏)‏ بِقَصْرِ الْأَلْفِ، بِمَعْنَى جَاءُوهَا‏.‏ وَقَرَأَهُ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ‏:‏ ‏(‏لَآتَوْهَا‏)‏ بِمَدِّ الْأَلِفِ، بِمَعْنَى‏:‏ لَأَعْطَوْهَا، لِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ‏}‏‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ إِذَا كَانَ سُؤَالٌ كَانَ إِعْطَاءٌ‏.‏ وَالْمَدُّ أَعْجَبُ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ لِمَا ذَكَرْتُ، وَإِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى جَائِزَةٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَقَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِانْصِرَافِ عَنْهُ، وَيَقُولُونَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ‏}‏، عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ، أَلَّا يُوَلُّوا عَدُوَّهُمُ الْأَدْبَارَ، إِنَّ لِقَوْلِهِمْ فِي مَشْهَدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ، فَمَا أَوْفَوْا بِعَهْدِهِمْ ‏{‏وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَيَسْأَلُ اللَّهُ ذَلِكَ مَنْ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ مِنْ نَفْسِهِ‏.‏

وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ نَزَلَ فِي بَنِي حَارِثَةَ لِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِهِمْ فِي الْخَنْدَقِ بَعْدَ الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ بِأُحُدٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ‏{‏وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا‏}‏‏.‏ وَهُمْ بَنُو حَارِثَةَ، وَهُمُ الَّذِينَ هَمُّوا أَنْ يَفْشَلُوا يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ بَنِي سَلَمَةَ حِينَ هَمَّا بِالْفَشَلِ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ عَاهَدُوا اللَّهَ لَا يَعُودُونَ لِمِثْلِهَا، فَذَكَرَ اللَّهُ لَهُمُ الَّذِي أَعْطَوْهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ نَاسٌ غَابُوا عَنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَرَأَوْا مَا أَعْطَى اللَّهُ أَصْحَابَ بَدْرٍ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالْفَضِيلَةِ، فَقَالُوا‏:‏ لَئِنْ أَشْهَدَنَا اللَّهُ قِتَالًا لِنُقَاتِلَنَّ، فَسَاقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ حَتَّى كَانَ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏16- 17‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏قُلْ‏)‏ يَا مُحَمَّدُ، لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُوكَ فِي الِانْصِرَافِ عَنْكَ وَيَقُولُونَ‏:‏ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ‏{‏لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لِأَنَّ ذَلِكَ، أَوْ مَا كَتَبَ اللَّهُ مِنْهُمَا وَاصِلٌ إِلَيْكُمْ بِكُلِّ حَالٍ، كَرِهْتُمْ أَوْ أَحْبَبْتُمْ ‏{‏وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَإِذَا فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ لَمْ يَزِدْ فِرَارُكُمْ ذَلِكَ فِي أَعْمَارِكُمْ وَآجَالِكُمْ، بَلْ إِنَّمَا تُمَتَّعُونَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي كُتِبَ لَكُمْ، ثُمَّ يَأْتِيكُمْ مَا كُتِبَ لَكُمْ وَعَلَيْكُمْ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏ وَإِنَّمَا الدُّنْيَا كُلُّهَا قَلِيلٌ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ يَمَانَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ ‏{‏وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏ قَالَ‏:‏ إِلَى آجَالِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ ‏{‏وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَجَلِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْن بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَا ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، مَثَلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ آجَالِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا‏}‏ قَالَ‏:‏ لِيَضْحَكُوا فِي الدُّنْيَا قَلِيلًا وَلِيَبْكُوا فِي النَّارِ كَثِيرًا‏.‏ وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏ قَالَ‏:‏ إِلَى آجَالِهِمْ‏.‏ أَحَدُ هَذَيْن الْحَدِيثَيْنِ رَفَعَهُ إِلَى الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ ‏{‏وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْأَجَلُ‏.‏ وَرَفَعَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏(‏تُمَتَّعُونَ‏)‏ وَلَمْ يَنْصَبْ بـ‏"‏إذًا‏"‏ لِلْوَاوِ الَّتِي مَعَهَا؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ قَبْلَهَا وَاوٌ، كَانَ مَعْنَى ‏"‏إذًا‏"‏ التَّأْخِيرَ بَعْدَ الْفِعْلِ، كَأَنَّهُ قِيلَ‏:‏ وَلَوْ فَرُّوا لَا يُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا إذًا، وَقَدْ يُنْصَبُ بِهَا أَحْيَانًا، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَاوٌ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مَتْرُوكٌ، فَكَأَنَّهَا لِأَوَّلِ الْكَلَامِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً‏}‏‏.‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قُلْ يَا مُحَمَّدُ، لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَيَقُولُونَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ‏}‏ هَرَبًا مِنَ الْقَتْلِ‏:‏ مَنْ ذَا الَّذِي يَمْنَعُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ هُوَ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا فِي أَنْفُسِكُمْ، مِنْ قَتْلٍ أَوْ بَلَاءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ عَافِيَةٍ وَسَلَامَةٍ‏؟‏ وَهَلْ مَا يَكُونُ بِكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ سُوءٍ أَوْ رَحْمَةٍ إِلَّا مِنْ قِبَلِهِ‏؟‏‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ‏{‏قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً‏}‏ أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ إِلَّا مَا قَضَيْتُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَا يَجِدُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ إِنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ سُوءًا فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ‏{‏مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا‏}‏ يَلِيهِمْ بِالْكِفَايَةِ ‏(‏وَلَا نَصِيرًا‏)‏ يَنْصُرُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَيَدْفَعُ عَنْهُمْ مَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ مِنْ سُوءِ ذَلِكَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏18- 19‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يُعَوِّقُونَ النَّاسَ مِنْكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَصُدُّونَهُمْ عَنْهُ، وَعَنْ شُهُودِ الْحَرْبِ مَعَهُ، نِفَاقًا مِنْهُمْ، وَتَخْذِيلًا عَنِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ‏{‏وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا‏}‏‏:‏ أَيْ تَعَالَوْا إِلَيْنَا، وَدَعُوْا مُحَمَّدًا، فَلَا تَشْهَدُوا مَعَهُ مَشْهَدَهُ، فَإِنَّا نَخَافُ عَلَيْكُمُ الْهَلَاكَ بِهَلَاكِهِ ‏{‏وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَا يَشْهَدُونَ الْحَرْبَ وَالْقِتَالَ إِنْ شَهِدُوا إِلَّا تَعْذِيرًا، وَدَفْعًا عَنْ أَنْفُسِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَؤُلَاءِ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمْ‏:‏ مَا مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ إِلَّا أَكْلَةُ رَأَسٍ، وَلَوْ كَانُوا لَحْمًا لَالْتَهَمَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ، دَعُوْا هَذَا الرَّجُلَ فَإِنَّهُ هَالِكٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏‏:‏ أَيْ لَا يَشْهَدُونَ الْقِتَالَ، يَغِيبُونَ عَنْهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ‏{‏قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ‏}‏‏:‏ أَيْ أَهْلَ النِّفَاقِ ‏{‏وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏‏:‏ أَيْ إِلَّا دَفْعًا وَتَعْذِيرًا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ «قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ‏}‏ إِلَى آخَرَ الْآيَةِ، قَالَ‏:‏ هَذَا يَوْمُ الْأَحْزَابِِ، انْصَرَفَ رَجُلٌ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ أَخَاهُ بَيْنَ يَدَيْهِ شِوَاءٌ وَرَغِيفٌ وَنَبِيذٌ، فَقَالَ لَهُ‏:‏ أَنْتَ هَاهُنَا فِي الشِّوَاءِ وَالرَّغِيفِ وَالنَّبِيذِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الرِّمَاحِ وَالسُّيُوفِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ هَلُمَّ إِلَى هَذَا، فَقَدْ بَلَغَ بِكَ وَبِصَاحِبِكَ، وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَا يَسْتَقْبِلُهَا مُحَمَّدٌ أَبَدًا، فَقَالَ‏:‏ كَذَبْتَ وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ؛ قَالَ-وَكَانَ أَخَاهُ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ-‏:‏ أَمَا وَاللَّهِ لِأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَكَ؛ قَالَ‏:‏ وَذَهَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخْبِرَهُ؛ قَالَ‏:‏ فَوَجَدَهُ قَدْ نَزَلَ جِبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِخَبَرِهِ ‏{‏قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏»‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ‏}‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنَ الشُّحِّ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ وَصَفَهُمْ بِالشُّحِّ عَلَيْهِمْ فِي الْغَنِيمَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ‏}‏ فِي الْغَنِيمَةِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ وَصَفَهُمْ بِالشُّحِّ عَلَيْهِمْ بِالْخَيْرِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ بِالْخَيْرِ الْمُنَافِقُونَ، وَقَالَ غَيْرُهُ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ أَشِحَّةٌ عَلَيْكُمْ بِالنَّفَقَةِ عَلَى ضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْكُمْ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ بِالْجُبْنِ وَالشُّحِّ، وَلَمْ يُخَصَّصْ وَصْفَهُمْ مِنْ مَعَانِي الشُّحِّ، بِمَعْنًى دُونَ مَعْنًى، فَهُمْ كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ‏:‏ أَشِحَّةٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْغَنِيمَةِ وَالْخَيْرِ وَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عَلَى أَهْلِ مَسْكَنَةِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ وَنُصِبَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ‏}‏ عَلَى الْحَالِ مَنْ ذِكْرِ الِاسْمِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ‏}‏ كَأَنَّهُ قِيلَ‏:‏ هُمْ جُبَنَاءٌ عِنْدَ الْبَأْسِ، أَشِحَّاءٌ عِنْدَ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ بِالْغَنِيمَةِ‏.‏ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَطْعًا مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ‏}‏ فَيَكُونُ تَأْوِيلُهُ‏:‏ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يُعَوِّقُونَ النَّاسَ عَلَى الْقِتَالِ، وَيَشِحُّونَ عِنْدَ الْفَتْحِ بِالْغَنِيمَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا قَطْعًا مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ هَلُمَّ إِلَيْنَا أَشِحَّةً، وَهُمْ هَكَذَا أَشِحَّةً‏.‏ وَوَصَفَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَا وَصَفَهُمْ مِنَ الشُّحِّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ لَهُمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالضِّغْنِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ‏{‏أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ‏}‏ أَيْ لِلضِّغْنِ الَّذِي فِي أَنْفُسِهِمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏مِنَ الْمَوْتِ‏)‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَإِذَا حَضَرَ الْبَأْسَ، وَجَاءَ الْقِتَالُ خَافُوا الْهَلَاكَ وَالْقَتْلَ، رَأَيْتَهُمْ يَا مُحَمَّدُ يَنْظُرُونَ إِلَيْك لِوَاذًا بِكَ، تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ خَوْفًا مِنَ الْقَتْلِ، وَفِرَارًا مِنْهُ ‏{‏كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ كَدَوَرَانِ عَيْنِ الَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ النَّازِلِ بِهِ ‏{‏فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَإِذَا انْقَطَعَتِ الْحَرْبُ وَاطْمَأَنُّوا ‏{‏سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ‏}‏‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ‏}‏ مِنَ الْخَوْفِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ‏{‏فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ‏}‏ أَيْ إِعْظَامًا وَفَرْقًا مِنْهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ‏}‏ فَإِنَّهُ يَقُولُ‏:‏ عَضُّوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ ذَرِبَةٍ‏.‏ وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الْخَطِيبِ الذَّرِبِ اللِّسَانُ‏:‏ خَطِيبٌ مُسْلَقٌ وَمُصْلِقٌ، وَخَطِيبٌ سَلَّاقٌ وَصَلَّاقٌ‏.‏

وَقَدّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفَ تَعَالَى ذِكْرُهُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ يَسْلُقُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ذَلِكَ سَلْقُهُمْ إِيَّاهُمْ عِنْدَ الْغَنِيمَةِ بِمَسْأَلَتِهِمُ الْقِسْمَ لَهُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ‏}‏ أَمَّا عِنْدَ الْغَنِيمَةِ، فأشحُّ قَوْمٍ وَأَسْوَأُ مُقَاسَمَةً، أَعْطُوْنَا أَعْطُوْنَا فَإِنَّا قَدْ شَهِدْنَا مَعَكُمْ‏.‏ وَأَمَّا عِنْدَ الْبَأْسِ فَأَجَبْنُ قَوْمٍ، وَأَخْذَلَهُ لِلْحَقِّ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ ذَلِكَ سَلْقُهُمْ إِيَّاهُمْ بِالْأَذَى‏.‏

ذِكْرُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلَيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ اسْتَقْبَلُوكُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ ‏{‏سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَلَّمُوكُمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أَنَّهُمْ يَسْلُقُونَهُمْ مِنَ الْقَوْلِ بِمَا تُحِبُّونَ نِفَاقًا مِنْهُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ‏{‏فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ‏}‏ فِي الْقَوْلِ بِمَا تُحِبُّونَ لِأَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ آخِرَةً، وَلَا تَحْمِلُهُمْ حِسْبَةٌ، فَهُمْ يَهَابُونَ الْمَوْتَ هَيْبَةَ مَنْ لَا يَرْجُو مَا بَعْدَهُ‏.‏

وَأَشْبَهُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ ‏{‏سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ‏}‏ فَأَخْبَرَ أَنَّ سَلْقَهُمُ الْمُسْلِمِينَ شُحًّا مِنْهُمْ عَلَى الْغَنِيمَةِ وَالْخَيْرِ، فَمَعْلُومٌ إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، أَنَّ ذَلِكَ لِطَلَبِ الْغَنِيمَةِ‏.‏ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لِطَلَبِ الْغَنِيمَةِ دَخَلَ فِي ذَلِكَ قَوْلِ مَنْ قَالَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ سَلَقُوكُمْ بِالْأَذَى، لِأَنَّ فِعْلَهُمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَا شَكَّ أَنَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَذَى‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَشِحَّةٌ عَلَى الْغَنِيمَةِ إِذَا ظَفِرَ الْمُؤْمِنُونَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكَ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ لَمْ يُصَدِّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏.‏ وَلَكِنَّهُمْ أَهْلُ كُفْرٍ وَنِفَاقٍ، ‏{‏فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَأَذْهَبَ اللَّهُ أُجُورَ أَعْمَالِهِمْ وَأَبْطَلَهَا‏.‏ وَذُكِرَ أَنَّ الَّذِي وُصِفَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ كَانَ بَدْرِيًّا، فَأَحْبَطَ اللَّهُ عَمَلَهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا‏}‏ قَالَ‏:‏ فَحَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ بَدْرِيًّا، وَأَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ‏}‏ أَحْبَطَ اللَّهُ عَمَلَهُ يَوْمَ بَدْرٍ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَكَانَ إِحْبَاطُ عَمَلِهِمُ الَّذِي كَانُوا عَمِلُوا قَبْلَ ارْتِدَادِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ يَحْسَبُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الْأَحْزَابَ، وَهُمْ قُرَيْشٌ وغَطَفَانُ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ‏{‏يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا‏}‏‏:‏ قُرَيْشٌ وغَطَفَانُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَمْ يَذْهَبُوا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَمْ يَنْصَرِفُوا، وَإِنْ كَانُوا قَدِ انْصَرَفُوا جُبْنًا وَهَلَعًا مِنْهُمْ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا‏}‏ قَالَ‏:‏ يَحْسَبُونَهُمْ قَرِيبًا‏.‏

وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ ‏{‏يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ قَدْ ذَهَبُوا فَإِذَا وَجَدُوهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا وَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرَابِ‏}‏‏.‏

وَقَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَإِنْ يَأْتِ الْمُؤْمِنِينَ الْأَحْزَابُ وَهُمُ الْجَمَاعَةُ‏:‏ وَاحِدُهُمْ حِزْبٌ ‏(‏يَوَدُّوا‏)‏ يَقُولُ‏:‏ يَتَمَنَّوْا مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُبْنِ أَنَّهُمْ غُيَّبٌ عَنْكُمْ فِي الْبَادِيَةِ مَعَ الْأَعْرَابِ خَوْفًا مِنَ الْقَتْلِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ‏}‏ تَقُولُ‏:‏ قَدْ بَدَا فُلَانٌ إِذَا صَارَ فِي الْبَدْوِ فَهُوَ يَبْدُو، وَهُوَ بَادٍ؛ وَأَمَّا الْأَعْرَابُ‏:‏ فَإِنَّهُمْ جَمْعُ أَعْرَابِيٍّ، وَوَاحِدُ الْعَرَبِ عَرَبِيٌّ، وَإِنَّمَا قِيلَ‏:‏ أَعْرَابِيٌّ لِأَهْلِ الْبَدْوِ، فَرْقًا بَيْنَ أَهْلِ الْبَوَادِي وَالْأَمْصَارِ، فَجُعِلَ الْأَعْرَابُ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَالْعَرَبُ لِأَهْلِ الْمِصْرِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يَسْتَخْبِرُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ النَّاسَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ، يَعْنِي‏:‏ عَنْ أَخْبَارِكُمْ بِالْبَادِيَةِ، هَلْ هَلَكَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ‏؟‏ نَقُولُ‏:‏ يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يَسْمَعُوا أَخْبَارَكُمْ بِهَلَاكِكُمْ، أَلَّا يَشْهَدُوا مَعَكُمْ مُشَاهِدَكُمْ ‏{‏وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ‏:‏ وَلَوْ كَانُوا أَيْضًا فِيكُمْ مَا نَفَعُوكُمْ، وَمَا قَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَّا قَلِيلًا يَقُولُ‏:‏ إِلَّا تَعْذِيرًا، لِأَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَهُمْ حِسْبَةً وَلَا رَجَاءَ ثَوَابٍ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَخْبَارُكُمْ، وَقَرَأَتْ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ جَمِيعًا سِوَى عَاصِمٍ الْجَحْدَرِيُّ ‏{‏يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ‏}‏ بِمَعْنَى‏:‏ يَسْأَلُونَ مَنْ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّاسِ عَنْ أَنْبَاءِ عَسْكَرِكُمْ وَأَخْبَارِكُمْ، وَذُكِرَ عَنْ عَاصِمٍ الْجَحْدَرَيْ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ ‏(‏يَسَّاءَلُونَ‏)‏ بِتَشْدِيدِ السِّينِ، بِمَعْنَى‏:‏ يَتَسَاءَلُونَ‏:‏ أَيْ يُسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَنْ ذَلِكَ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏21- 22‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا‏}‏‏.‏

اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏أُسْوَةٌ‏)‏ فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ‏:‏ ‏(‏إِسْوَةٌ‏)‏ بِكَسْرِ الْأَلِفِ، خَلَا عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، فَإِنَّهُ قَرَأَهُ بِالضَّمِّ ‏(‏أُسْوَةٌ‏)‏، وَكَانَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ يَقْرَأُ هَذِهِ بِالْكَسْرِ، وَيَقْرَأُ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ‏}‏ بِالضَّمِّ وَهُمَا لُغَتَانِ‏.‏

وَذُكِرَ أَنَّ الْكَسْرَ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالضَّمَّ فِي قَيْسٍ، يَقُولُونَ‏:‏ أُسْوَةٌ، وَأُخُوَّةٌ، وَهَذَا عِتَابٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَسْكَرِهِ بِالْمَدِينَةِ، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ، يَقُولُ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ‏}‏‏:‏ أَنْ تَتَأَسَّوْا بِهِ وَتَكُونُوا مَعَهُ حَيْثُ كَانَ، وَلَا تَتَخَلَّفُوا عَنْهُ ‏{‏لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَإِنَّ مَنْ يَرْجُو ثَوَابَ اللَّهِ وَرَحْمَتَهُ فِي الْآخِرَةِ لَا يَرْغَبُ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ تَكُونُ لَهُ بِهِ أُسْوَةٌ فِي أَنْ يَكُونَ مَعَهُ حَيْثُ يَكُونُ هُوَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، قَالَ‏:‏ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ‏}‏ أَلَّا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا عَنْ مَكَانٍ هُوَ بِهِ ‏{‏وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَكْثَرُ ذِكْرِ اللَّهِ فِي الْخَوْفِ وَالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَمَّا عَايَنَ الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ جَمَاعَاتِ الْكُفَّارِ قَالُوا-تَسْلِيمًا مِنْهُمْ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَإِيقَانًا مِنْهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ إِنْجَازٌ وَعْدَهُ لَهُمْ، الَّذِي وَعَدَهُمْ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏قَرِيبٌ‏)‏- ‏{‏هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ‏}‏ فَأَحْسَنَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ مِنْ يَقِينِهِمْ، وَتَسْلِيمِهِمْ لِأَمْرِهِ- الثَّنَاءَ، فَقَالَ‏:‏ وَمَا زَادَهُمُ اجْتِمَاعُ الْأَحْزَابِ عَلَيْهِمْ إِلَّا إِيمَانًا بِاللَّهِ وَتَسْلِيمًا لِقَضَائِهِ وَأَمْرِهِ، وَرَزَقَهُمْ بِهِ النَّصْرَ وَالظَّفَرَ عَلَى الْأَعْدَاءِ‏.‏

وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ‏}‏ الْآيَةَ قَالَ‏:‏ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لَهُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ‏:‏ ‏{‏أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَلَمَّا مَسَّهُمُ الْبَلَاءُ حَيْثُ رَابَطُوا الْأَحْزَابَ فِي الْخَنْدَقِ، تَأَوَّلَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَزِدْهُمْ ذَلِكَ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، قَالَ‏:‏ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ وَصَدْقِهِمْ وَتَصْدِيقِهِمْ بِمَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْبَلَاءِ يَخْتَبِرُهُمْ بِهِ ‏{‏قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا‏}‏‏:‏ أَيْ صَبْرًا عَلَى الْبَلَاءِ، وَتَسْلِيمًا لِلْقَضَاءِ، وَتَصْدِيقًا بِتَحْقِيقِ مَا كَانَ اللَّهُ وَعْدَهُمْ وَرَسُولُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ‏}‏ وَكَانَ اللَّهُ قَدْ وَعَدَهُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ‏}‏ خَيْرُهُمْ وَأَصْبَرُهُمْ وَأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ ‏{‏مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ‏}‏ هَذَا وَاللَّهِ الْبَلَاءُ وَالنَّقْصُ الشَّدِيدُ، وَإِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَوْا مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الشِّدَّةِ وَالْبَلَاءِ ‏{‏قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا‏}‏ وَتَصْدِيقًا بِمَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ، وَتَسْلِيمًا لِقَضَاءِ اللَّهِ‏.‏