فصل: تفسير الآيات رقم (23- 24)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآيات رقم ‏[‏23- 24‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏{‏مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ‏{‏رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَوْفَوْا بِمَا عَاهَدُوهُ عَلَيْهِ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَحِينَ الْبَأْسِ ‏{‏فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَمِنْهُمْ مَنْ فَرَغَ مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي كَانَ نَذَرَهُ اللَّهَ وَأَوْجَبَهُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَاسْتُشْهِدَ بَعْضٌ يَوْمَ بَدْرٍ، وَبَعْضٌ يَوْمَ أُحُدٍ، وَبَعْضٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاطِنِ ‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ‏}‏ قَضَاءَهُ وَالْفَرَاغَ مِنْهُ، كَمَا قَضَى مَنْ مَضَى مِنْهُمْ عَلَى الْوَفَاءِ لِلَّهِ بِعَهْدِهِ، وَالنَّصْرِ مِنَ اللَّهِ، وَالظَّفَرِ عَلَى عَدُوِّهِ‏.‏ وَالنَّحْبُ‏:‏ النَّذْرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ‏.‏ وَلِلنَّحْبِ أَيْضًا فِي كَلَامِهِمْ وُجُوهٌ غَيْرُ ذَلِكَ، مِنْهَا الْمَوْتُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

قَضَى نَحْبَهُ فِي مُلْتَقَى الْقَوْمِ هَوْبَرُ ***

يَعْنِي‏:‏ مَنِيَّتُهُ وَنَفْسُهُ؛ وَمِنْهَا الْخَطَرُ الْعَظِيمُ، كَمَا قَالَ جَرِيرٌ‏:‏

بِطَخْفَـةَ جالَدْنَا المُلُوكَ وَخَيْلُنَا *** عَشِـيَّةَ بِسْـطامٍ جَرَيْنَ عَلى نَحْبِ

أَيْ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ؛ وَمِنْهَا النَّحِيبُ، يُقَالُ‏:‏ نَحَبَ فِي سَيْرِهِ يَوْمَهُ أَجْمَعَ‏:‏ إِذَا مَدَّ فَلَمَّ يَنْزِلْ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ؛ وَمِنْهَا التَّنْحِيبُ، وَهُوَ الْخِطَارُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

وَإِذْ نَحَّبَتْ كَلْبٌ عَلَى النَّاسِ أَيُّهُمْ *** أحَقُّ بِتَاجِ المَاجِدِ المُتَكَوِّمِ‏؟‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ‏{‏مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ‏}‏‏:‏ أَيْ‏:‏ وَفَّوْا اللَّهَ بِمَا عَاهَدُوهُ عَلَيْهِ ‏{‏فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ‏}‏ أَيْ فَرَغَ مِنْ عَمِلِهِ، وَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، كَمَنْ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ أُحُدٍ ‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ‏}‏ مَا وَعَدَ اللَّهَ مِنْ نَصْرِهِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ عَهِدَهُ فَقَتَلَ أَوْ عَاشَ ‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ‏}‏ يَوْمًا فِيهِ جِهَادٌ، فَيَقْضِي ‏(‏نَحْبَهُ‏)‏ عَهْدَهُ، فَيُقْتَلُ أَوْ يَصْدُقُ فِي لِقَائِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جريجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ عَهْدَهُ ‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَوْمًا فِيهِ قِتَالٌ، فَيُصَدِّقُ فِي اللِّقَاءِ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَاتَ عَلَى الْعَهْدِ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فُلَانٍ-قَدْ سَمَّاهُ، ذَهَبَ عَنِّي اسْمُهُ- عَنْ أَبِيهِ ‏{‏فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَذْرَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَمِّهِ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ‏:‏ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ‏:‏ مَنْ الَّذِينَ قَضَوْا نَحْبَهُمْ‏؟‏ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَدَخَلَ طَلْحَةُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏هَذَا مِنَ الَّذِينَ قَضَوْا نَحْبَهُمْ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هَوْذَةُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَوْتُهُ عَلَى الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ‏.‏ ‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ‏}‏ الْمَوْتَ عَلَى مَثَلِ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ بَدَّلَ تَبْدِيلًا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ‏}‏ قَالَ‏:‏ النَّحْبُ‏:‏ الْعَهْدُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ‏}‏ عَلَى الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ ‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ‏}‏ مِنْ نَفْسِهِ الصِّدْقَ وَالْوَفَاءَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَاتَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ التَّصْدِيقِ وَالْإِيمَانِ ‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ‏}‏ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرْنَاهُ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَوْتُ عَلَى مَا عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ ‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ‏}‏ الْمَوْتَ عَلَى مَا عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا، فَعَاهَدُوا اللَّهَ أَنْ يَفُوا قِتَالًا لِلْمُشْرِكِينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْفَى فَقَضَى نَحْبَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ بَدَّلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْفَى وَلَمْ يَقْضِ نَحْبَهُ، وَكَانَ مُنْتَظِرًا، عَلَى مَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ صِفَاتِهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ النَّضْرِ تَغَيَّبَ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، فَقَالَ‏:‏ تَغَيَّبْتُ عَنْ أَوَّلِ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَئِنْ رَأَيْتُ قِتَالًا لِيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وَهُزِمَ النَّاسُ، لَقِيَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فَقَالَ‏:‏ وَاللَّهِ إِنِّي لِأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ، فَتَقَدِّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حُمَيْدٌ، قَالَ‏:‏ زَعَمَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ غَابَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ، عَنْ قِتَالِ يَوْمِ بَدْرٍ، فَقَالَ‏:‏ غِبْتُ عَنْ قِتَالِ رَسُولِ اللَّهِِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُشْرِكِينَ، لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّهُ قِتَالًا لِيَرَيَنِّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ؛ فَلِمَا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْك مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ، وَأَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ، يَعْنِي‏:‏ الْمُسْلِمِينَ، فَمَشَى بِسَيْفِهِ، فَلَقِيَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ‏:‏ أَيْ سَعْدٌ، إِنِّي لِأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أَحَدٍ، فَقَالَ سَعْدٌ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَصْنَعَ مَا صَنَعَ، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ‏:‏ فَوَجَدْنَاهُ بَيْنَ الْقَتْلَى، بِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ جِرَاحَةً، بَيْنَ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ، وَطَعْنَةٍ بِرُمْحٍ، وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ، فَمَا عَرَفْنَاهُ حَتَّى عَرِفَتْهُ أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ، قَالَ أُنْسٌ‏:‏ فَكُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ ‏{‏مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ‏}‏ نَزَلَتْ فِيهِ، وَفِي أَصْحَابِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ حُمَيْدًا يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ النَّضْرِ‏:‏ غَابَ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ مُوسَى وَعِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ طَلْحَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ‏:‏ وَكَانُوا لَا يَجْرُءُونَ عَلَى مَسْأَلَتِهِ، فَقَالُوا لِلْأَعْرَابِيِّ‏:‏ سَلْهُ ‏{‏مَنْ قَضَى نَحْبَهُ‏}‏ مَنْ هُوَ‏؟‏ فَسَأَلَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَأَعْرَضُ عَنْهُ، ثُمَّ دَخَلْتُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ وَعَلَيَّ ثِيَابٌ خُضْرٌ؛ فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏"‏أَيْنَ السَّائِلُ عَمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ‏؟‏ ‏"‏ قَالَ الْأَعْرَابِيُّ‏:‏ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ‏:‏ ‏"‏هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ الحِمَّانيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى الطَّلْحِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ‏:‏ قَامَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ‏:‏ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ طَلْحَةُ مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ تَمَامٍ الْكَلْبِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ طَلْحَةَ قَالَ‏:‏ «لِمَّا قَدِمْنَا مِنْ أُحُدٍ وَصِرْنَا بِالْمَدِينَةِ، صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَ النَّاسَ وَعَزَّاهُمْ، وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا لَهُمْ فِيهِ مِنَ الْأَجْرِ، ثُمَّ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ‏}‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هَؤُلَاءِ‏؟‏ فَالْتَفَتَ وَعَلَيَّ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏أَيُّهَا السَّائِلُ هَذَا مِنْهُمْ‏"‏»‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا‏}‏‏:‏ وَمَا غَيَّرُوا الْعَهْدَ الَّذِي عَاقَدُوا رَبَّهُمْ تَغْيِيرًا، كَمَا غَيَّرَهُ الْمُعَوِّقُونَ الْقَائِلُونَ لِإِخْوَانِهِمْ‏:‏ هَلُمَّ إِلَيْنَا، وَالْقَائِلُونَ‏:‏ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَا شَكُّوا وَمَا تَرَدَّدُوا فِي دِينِهِمْ، وَلَا اسْتَبْدَلُوا بِهِ غَيْرَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا‏}‏‏:‏ لَمْ يُغَيِّرُوا دِينَهُمْ كَمَا غَيَّرَ الْمُنَافِقُونَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏{‏مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ‏}‏‏:‏ يَقُولُ‏:‏ لِيُثِيبَ اللَّهُ أَهْلَ الصِّدْقِ بِصِدْقِهِمُ اللَّهَ بِمَا عَاهَدُوهُ عَلَيْهِ، وَوَفَائِهِمْ لَهُ بِهِ ‏{‏وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ‏}‏ بِكَفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَنِفَاقِهِمْ ‏{‏أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ‏}‏ مِنْ نِفَاقِهِمْ، فَيَهْدِيهِمْ لِلْإِيمَانِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنْ شَاءَ أَخْرَجَهُمْ مِنَ النِّفَاقِ إِلَى الْإِيمَانِ‏.‏

إِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ مَا وَجْهُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ‏}‏ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏إِنْ شَاءَ‏)‏ وَالْمُنَافِقُ كَافِرٌ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَشَاءَ تَعْذِيبَ الْمُنَافِقِ، فَيُقَالُ‏:‏ وَيُعَذِّبُهُ إِنْ شَاءَ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ إِنَّ مَعْنى ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي تَوَهَّمْتَهُ‏.‏ وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَيُعَذِّبُ الْمُنَافِقِينَ بِأَنْ لَا يُوَفِّقَهُمْ لِلتَّوْبَةِ مِنْ نِفَاقِهِمْ حَتَّى يَمُوتُوا عَلَى كُفْرِهِمْ إِنْ شَاءَ، فَيَسْتَوْجِبُوا بِذَلِكَ الْعَذَابَ، فَالِاسْتِثْنَاءُ إِنَّمَا هُوَ مِنَ التَّوْفِيقِ لَا مِنَ الْعَذَابِ إِنْ مَاتُوا عَلَى نِفَاقِهِمْ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ‏}‏ فَمَعْنَى الْكَلَامِ إِذَنْ‏:‏ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِذْ لَمَّ يَهْدِهِمْ لِلتَّوْبَةِ، فَيُوَفِّقُهُمْ لَهَا، أَوْ يَتُوبُ عَلَيْهِمْ فَلَا يُعَذِّبُهُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ كَانَ ذَا سَتْرٍ عَلَى ذُنُوبِ التَّائِبِينَ، رَحِيمًا بِالتَّائِبِينَ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ بَعْدَ التَّوْبَةِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏{‏وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏ بِهِ وَبِرَسُولِهِ مِنْ قُرَيْشٍ وغَطَفَانَ ‏(‏بِغَيْظِهِمْ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ بِكَرْبِهِمْ وَغَمِّهِمْ، بِفَوْتِهِمْ مَا أَمَّلُوا مِنَ الظَفَرِ، وَخَيْبَتِهِمْ مِمَّا كَانُوا طَمِعُوا فِيهِ مِنَ الْغَلَبَةِ ‏{‏لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَمْ يُصِيبُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَالًا وَلَا إِسَارًا ‏{‏وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ‏}‏ بِجُنُودٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالرِّيحِ الَّتِي بَعَثَهَا عَلَيْهِمْ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ ‏{‏وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا‏}‏ الْأَحْزَابَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا‏}‏ وَذَلِكَ يَوْمَ أَبِي سُفْيَانَ وَالْأَحْزَابَ، رَدَّ اللَّهُ أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ‏{‏وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ‏}‏ بِالْجُنُودِ مِنْ عِنْدِهِ، وَالرِّيحِ الَّتِي بَعَثَ عَلَيْهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ‏{‏وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا‏}‏‏:‏ أَيْ‏:‏ قُرَيْشٌ وغَطَفَانُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّدائِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شَبَابَةُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ «حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنِ الصَّلَاةِ، فَلَمْ نُصَلِّ الظُّهْرَ، وَلَا الْعَصْرَ، وَلَا الْمَغْرِبَ، وَلَا الْعِشَاءَ، حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ بِهُوِيِّ كَفَّيْنَا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ ‏{‏وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا‏}‏ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، وَصَلَّى الظُّهْرَ، فَأَحْسَنَ صَلَاتَهَا، كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ كَذَلِكَ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ كَذَلِكَ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ كَذَلِكَ، جُعِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ إِقَامَةً، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ صَلَاةُ الْخَوْفِ ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا‏}‏»‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ‏:‏ حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَذُكِرَ نَحْوَهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَلَى فِعْلِ مَا يَشَاءُ فِعْلَهُ بِخَلْقِهِ، فَيَنْصُرُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ عَلَى مَنْ شَاءَ أَنْ يَخْذُلَهُ، لَا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ؛ ‏(‏عَزِيزًا‏)‏‏:‏ يَقُولُ‏:‏ هُوَ شَدِيدُ انْتِقَامِهِ مِمَّنْ انْتَقَمَ مِنْهُ مِنْ أَعْدَائِهِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا‏}‏‏:‏ قَوِيًّا فِي أَمْرِهِ، عَزِيزًا فِي نِقْمَتِهِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏26- 27‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِ شَيْءٍ قَدِيرًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَأَنْزَلَ اللَّهُ الَّذِينَ أَعَانُوا الْأَحْزَابَ مِنْ قُرَيْشٍ وغَطَفَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَذَلِكَ هُوَ مُظَاهَرَتُهُمْ إِيَّاهُ، وَعَنَى بِذَلِكَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَهُمُ الَّذِينَ ظَاهَرُوا الْأَحْزَابَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ، وَكَانُوا يَهُودًا‏:‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مِنْ صَيَاصِيهِمْ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ مِنْ حُصُونِهِمْ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ‏}‏ قَالَ‏:‏ قُرَيْظَةُ، يَقُولُ‏:‏ أَنْزَلَهُمْ مِنْ صَيَاصِيهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ‏}‏ وَهُمْ‏:‏ بَنُو قُرَيْظَةَ، ظَاهَرُوا أَبَا سُفْيَانَ وَرَاسَلُوهُ، فَنَكَثُوا الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ نَبِيِّ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ يَغْسِلُ رَأْسَهُ، وَقَدْ غَسَلَتْ شِقَّهُ، إِذْ أَتَاهُ جِبْرَائِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ‏:‏ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ؛ مَا وَضَعَتِ الْمَلَائِكَةُ سِلَاحَهَا مُنْذُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَانْهَضْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَإِنِّي قَدْ قَطَعْتُ أَوْتَارَهُمْ، وَفَتَحْتُ أَبْوَابَهُمْ، وَتَرِكَتَهُمْ فِي زِلْزَالٍ وَبِلْبَالٍ؛ قَالَ‏:‏ فَاسْتَلْأَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ سَلَكَ سِكَّةَ بَنِي غَنَمٍ، فَاتَّبَعَهُ النَّاسُ وَقَدْ عَصَبَ حَاجِبهُ بِالتُّرَابِ؛ قَالَ‏:‏ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَاصَرُوهُمْ وَنَادَاهُمْ‏:‏ ‏"‏يَا إِخْوَانَ الْقِرَدَةِ‏"‏، فَقَالُوا‏:‏ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، مَا كُنْتَ فَحَّاشًا، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ ابْنِ مُعَاذٍ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قَوْمِهِ حِلْفٌ، فَرَجَوَا أَنْ تَأْخُذَهُ فِيهِمْ هَوَادَةٌ، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ أَبُو لُبَابَةَ إِنَّهُ الذَّبْحُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ فَحَكَمَ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتَلَتُهُمْ، وَأَنْ تُسْبَى ذَرَارِيهِمْ، وَأَنَّ عَقَارَهُمْ لِلْمُهَاجِرِينَ دُونَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ قَوْمُهُ وَعَشِيرَتُهُ‏:‏ آثَرْتَ الْمُهَاجِرِينَ بِالْعَقَارِ عَلَيْنَا قَالَ‏:‏ فَإِنَّكُمْ كُنْتُمْ ذَوِي عَقَارٍ، وَإِنَّ الْمُهَاجِرِينَ كَانُوا لَا عَقَارَ لَهُمْ‏.‏ وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ وَقَالَ‏:‏ ‏"‏قَضَى فِيكُمْ بِحُكْمِ اللَّهِ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ لِمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَنْدَقِ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ وَالْمُسْلِمُونَ، وَوَضَعُوا السِّلَاحَ، فَلَمَّا كَانَتْ الظُّهْرُ أَتَى جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزَّهْرِيِّ‏:‏ ‏"‏مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةٍ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، عَلَى بَغْلَةٍ عَلَيْهَا رِحَالَةٌ، عَلَيْهَا قَطِيفَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ؛ فَقَالَ‏:‏ أَقُدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قَالَ جِبْرِيلُ‏:‏ مَا وَضَعَتِ الْمَلَائِكَةُ السِّلَاحَ بَعْدُ، مَا رَجَعْتُ الْآنَ إِلَّا مِنْ طَلَبِ الْقَوْمِ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ يَا مُحَمَّدُ بِالسَّيْرِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَأَنَا عَامِدٌ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ‏"‏، فَأَمْرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا، فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ‏:‏ ‏"‏إِنَّ مَنْ كَانَ سَامِعًا مُطِيعًا فَلَا يُصْلِيَنِّ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ‏"‏، وَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِرَايَتِهِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَابْتَدَرَهَا النَّاسُ، فَسَارَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَ الْحُصُونِ، سَمِعَ مِنْهَا مَقَالَةً قَبِيحَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ فَرَجَعَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّرِيقِ، فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا عَلَيْكَ أَلَّا تَدْنُوَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَخْبَاثِ، قَالَ‏:‏ ‏"‏لِمَ‏؟‏ أَظُنُّكَ سَمِعْتَ لِي مِنْهُمْ أَذًى‏"‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ‏"‏لَوْ قَدْ رَأَوْنِي لَمْ يَقُولُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا‏"‏ فَلَمَّا دَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُصُونِهِمْ قَالَ‏:‏ ‏"‏يَا إِخْوَانَ الْقِرَدَةِ هَلْ أَخْزَاكُمُ اللَّهُ وَأَنْزَلَ بِكُمْ نِقْمَتَهُ‏؟‏ ‏"‏ قَالُوا‏:‏ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، مَا كُنْتَ جَهُولًا؛ وَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ بِالصَّوْرَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏هَلْ مَرَّ بِكُمْ أَحَدٌ‏؟‏ ‏"‏فَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ مَرَّ بِنَا دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ عَلَيْهَا رِحَالَةٌ عَلَيْهَا قَطِيفَةُ دِيبَاجٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ذَاكَ جبْرَائِيلُ بُعِثَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ يُزَلْزِلُ بِهِمْ حُصُونَهُمْ، وَيَقْذِفُ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ‏"‏؛ فَلَمَّا أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْظَةَ، نَزَلَ عَلَى بِئْرٍ مِنْ آبَارِهَا فِي نَاحِيَةٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ يُقَالُ لَهَا‏:‏ بِئْرُ أَنَا، فَتَلَاحَقَ بِهِ النَّاسُ، فَأَتَاهُ رِجَالٌ مِنْ بَعْدِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، وَلَمْ يُصَلُّوا الْعَصْرَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ‏"‏، فَصَّلُوا الْعَصْرَ فَمَا عَابَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ وَلَا عَنَّفَهُمْ بِهِ رَسُولُهُ‏.‏

وَالْحَدِيثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ‏:‏ وَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً حَتَّى جَهَدَهُمُ الْحِصَارُ وَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ‏.‏ وَقَدْ كَانَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ دَخْل عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فِي حِصْنِهِمْ حِينَ رَجَعَتْ عَنْهُمْ قُرَيْشٌ وغَطَفَانُ وَفَاءً لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ بِمَا كَانَ عَاهَدَهُ عَلَيْهِ؛ فَلَمَّا أَيْقَنُوا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ عَنْهُمْ حَتَّى يُنَاجِزَهُمْ؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ لَهُمْ‏:‏ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنَ الْأَمْرِ مَا تَرَوْنَ، وَإِنِّي عَارِضٌ عَلَيْكُمْ خِلَالًا ثَلَاثًا، فَخُذُوا أَيُّهَا؛ قَالُوا‏:‏ وَمَا هُنَّ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نُبَايِعُ هَذَا الرَّجُلَ وَنُصَدِّقُهُ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ أَنَّهُ لِنَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَأَنَّهُ الَّذِي كُنْتُمْ تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ، فَتَأْمَنُوا عَلَى دِمَائِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ وَنِسَائِكُمْ، قَالُوا‏:‏ لَا نُفَارِقُ حَكَمَ التَّوْرَاةِ أَبَدًا، وَلَا نَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ؛ قَالَ‏:‏ فَإِذَا أَبَيْتُمْ هَذِهِ عَلَيَّ، فَهَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، ثُمَّ نَخْرُجُ إِلَى مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ رِجَالًا مُصْلَتِينَ بِالسُّيُوفِ، وَلَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا ثِقْلًا يُهِمُّنَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، فَإِنْ نَهْلَكْ نَهْلَكْ وَلَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا شَيْئًا نَخْشَى عَلَيْهِ، وَإِنْ نَظْهَرْ فَلَعَمْرِي لِنَتَّخِذَنَّ النِّسَاءَ وَالْأَبْنَاءَ، قَالُوا‏:‏ نَقْتُلُ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينَ، فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بِعْدَهُمْ؛ قَالَ‏:‏ فَإِذَا أَبَيْتُمْ هَذِهِ عَلَيَّ، فَإِنَّ اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ السَّبْتِ، وَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابَهُ قَدْ أَمِنُوا، فَانْزِلُوا لَعَلَّنَا أَنْ نُصِيبَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ غِرَّةً، قَالُوا‏:‏ نُفْسِدُ سَبْتَنَا وَنُحْدِثُ فِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ أَحْدَثَ فِيهِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا‏؟‏ أَمَا مَنْ قَدْ عَلِمَتْ فَأَصَابَهُمْ مِنَ الْمَسْخِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ مَا بَاتَ رَجُلٌ مِنْكُمْ مُنْذُ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لَيْلَةً وَاحِدَةً مِنَ الدَّهْرِ حَازِمًا، قَالَ‏:‏ ثُمَّ إِنَّهُمْ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ،-وَكَانُوا مِنْ حُلَفَاءَ الْأَوْسِ- نَسْتَشِيرُهُ فِي أَمْرِنَا، فَأَرْسَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامَ إِلَيْهِ الرِّجَالُ، وَجَهَشَ إِلَيْهِ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ يَبْكُونَ فِي وَجْهِهِ، فَرَقَّ لَهُمْ وَقَالُوا لَهُ‏:‏ يَا أَبَا لُبَابَةَ، أَتَرَى أَنْ نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ مُحَمَّدٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ، إِنَّهُ الذَّبْحُ؛ قَالَ أَبُو لُبَابَةَ‏:‏ فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ قَدَمَايَ حَتَّى عَرَفْتُ أَنِّي قَدْ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؛ ثُمَّ انْطَلَقَ أَبُو لُبَابَةَ عَلَى وَجْهِهِ‏.‏ وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ارْتَبَطَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِهِ وَقَالَ‏:‏ لَا أَبْرَحُ مَكَانِي حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ مِمَّا صَنَعْتُ وَعَاهَدَ اللَّهَ لَا يَطَأُ بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا وَلَا يَرَانِي اللَّهُ فِي بَلَدٍ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيهِ أَبَدًا، فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَهُ، وَكَانَ قَدْ اسْتَبْطَأَهُ، قَالَ‏:‏ ‏"‏أَمَا إِنَّهُ لَوْ كَانَ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ، أَمَّا إِذْ فَعَلَ مَا فَعَلَ، فَمَا أَنَا بِالَّذِي أُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ‏"‏؛ ثُمَّ إِنَّ ثَعْلَبَةَ بْنَ سَعْيَةَ، وَأُسَيْدَ بْنَ سَعْيَةَ، وَأَسَدَ بْنَ عُبَيْدٍ، وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي هُذَيْلٍ لَيْسُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَلَا النَّضِيرِ، نَسَبُهُمْ فَوْقَ ذَلِكَ، هُمْ بَنُو عَمِّ الْقَوْمِ، أَسْلَمُوا تِلْكَ اللَّيْلَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا قُرَيْظَةُ عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَرَجَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ عَمْرُو بْنُ سَعْدِيٍّ الْقُرَظِيِّ، فَمَرَّ بِحَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ مُحَمَّد بْن مُسْلِمَة الْأَنْصَارِي تِلْكَ اللَّيْلَةَ؛ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ‏:‏ مَنْ هَذَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ عَمْرُو بْنُ سَعْدِىٍّ؛ وَكَانَ عَمْرٌو قَدْ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي غَدْرِهِمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ‏:‏ لَا أَغْدِرُ بِمُحَمَّدٍ أَبَدًا، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمَةَ حِينَ عَرَفَهُ‏:‏ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنِي إِقَالَةَ عَثَرَاتِ الْكِرَامِ، ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ، فَخَرَجَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى بَاتَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ ذَهَبَ، فَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ مِنْ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا؛ فَذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَأْنُهُ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ذَاكَ رَجُلٌ نَجَّاهُ اللَّهُ بِوَفَائِهِ‏"‏‏.‏ قَالَ‏:‏ وَبَعْضُ النَّاسِ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ أُوثِقُ بِرُمَّةٍ فِيمَنْ أُوثِقَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ حِينَ نََزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَصْبَحَتْ رُمَّتُهُ مُلْقَاةٌ، وَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ، فَقَالَ رَسُولُُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

فَلَمَّا أَصْبَحُوا، نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَوَاثَبَتِ الْأَوْسُ، فَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولُ اللَّهِ إِنَّهُمْ مَوَالِينَا دُونَ الْخَزْرَجِ، وَقَدْ فَعَلْتَ فِي مَوَالِيَ الْخَزْرَجِ بِالْأَمْسِ مَا قَدْ عَلِمَتْ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ بَنِي قُرَيْظَةَ حَاصَرَ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَسَأَلَهُ إِيَّاهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِيِّ بْنِ سَلُولٍ، فَوَهَبَهُمْ لَهُ؛ فَلَمَّا كَلَّمَتْهُ الْأَوْسُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏أَلَّا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ‏؟‏ ‏"‏قَالُوا‏:‏ بَلَى، قَالَ‏:‏ ‏"‏فَذَاكَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ‏"‏، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ قَدْ جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْمَةِ امْرَأَةٍ مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهَارُفَيْدَةُفِي مَسْجِدِهِ، كَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى، وَتَحْتَسِبُ بِنَفْسِهَا عَلَى خِدْمَةِ مَنْ كَانَتْ بِهِ ضَيْعَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ لِقَوْمِهِ حِينَ أَصَابَهُ السَّهْمُ بِالْخَنْدَقِ ‏"‏اجْعَلُوهُ فِي خَيْمَةِرُفَيْدَةَحَتَّى أَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ‏"‏ فَلَمَّا حَكَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، أَتَاهُ قَوْمُهُ فَاحْتَمَلُوهُ عَلَى حِمَارٍ، وَقَدْ وَطِئُوا لَهُ بِوِسَادَةٍ مَنْ أَدَمٍ، وَكَانَ رَجُلًا جَسِيمًا، ثُمَّ أَقْبَلُوا مَعَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ يَا أَبَا عَمْرٍو أَحْسِنْ فِي مَوَالِيكَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَّاكَ ذَلِكَ لِتُحْسِنَ فِيهِمْ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ‏:‏ قَدْ آنَ لِسَعْدٍ أَلَّا تَأْخُذَهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، فَرَجَعَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهُ مَنْ قَوْمِهِ إِلَى دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَنَعَى إِلَيْهِمْ رِجَالُ بَنِي قُرَيْظَةَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ؛ مِنْ كَلِمَتِهِ الَّتِي سَمِعَ مِنْهُ؛ فَلَمَّا انْتَهَى سَعْدٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ، قَالَ‏:‏ ‏"‏قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ‏"‏ فَقَامُوا إِلَيْهِ، فَقَالُوا‏:‏ يَا أَبَا عَمْرٍو، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَّاك مَوَالِيَكَ لِتَحْكُمَ فِيهِمْ، فَقَالَ سَعْدٌ‏:‏ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ، إِنْ الْحُكْمُ فِيهِمْ كَمَا حَكَمْتُ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ نَعَمْ، قَالَ‏:‏ وَعَلَى مَنْ هَاهُنَا‏؟‏ فِي النَّاحِيَةِ الَّتِي فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إِجْلَالًا لَهُ‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏نَعَمْ‏"‏، قَالَ سَعْدٌ‏:‏ فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الرِّجَالُ، وَتُقَسَّمُ الْأَمْوَالُ، وَتُسْبَى الذَّرَارِيُّ وَالنِّسَاءُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ‏:‏ فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللِّيثِيِّ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «‏"‏لَقَدْ حَكَمْتُ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ‏"‏، ثُمَّ اسْتَنْزَلُوا، فَحَبَسَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَارِابْنَةِ الْحَارِثِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سُوقِ الْمَدِينَةِ، الَّتِي هِيَ سُوقُهَا الْيَوْمَ، فَخَنْدَقَ بِهَا خَنَادِقَ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِمْ، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ فِي تِلْكَ الْخَنَادِقِ، يَخْرُجُ بِهِمْ إِلَيْهِ أَرْسَالًا وَفِيهِمْ عَدُوُّ اللَّهِ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ رَأْسُ الْقَوْمِ، وَهُمْ سِتُّمِائَةٍ أَوْ سَبْعُمِائَةٍ، وَالْمُكْثِرُ مِنْهُمْ يَقُولُ‏:‏ كَانُوا مِنَ الثَّمَانِمِائَةِ إِلَى التِّسْعِمِائَةِ، وَقَدْ قَالُوا لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ وَهُمْ يُذْهِبُ بِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَالًا يَا كَعْبُ، مَا تَرَى مَا يُصْنَعُ بِنَا‏؟‏ فَقَالَ كَعْبٌ‏:‏ أَفِي كُلِّ مَوْطِنٍ لَا تَعْقِلُونَ‏؟‏ أَلَّا تَرَوْنَ الدَّاعِيَ لَا يَنْزِعُ، وَإِنَّهُ مَنْ يُذْهَبُ بِهِ مِنْكُمْ فَمَا يَرْجِعُ، هُوَ وَاللَّهِ الْقَتْلُ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الدَّأْبُ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُتِيَ بحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ لَهُ فُقَّاحِيَّةٌ قَدْ شَقَّقَهَا عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ كَمَوْضِعِ الْأُنْمُلَةِ، أُنْمُلَةً أُنْمُلَةً؛ لِئَلَّا يُسْلَبَهَا، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ أَمَا وَاللَّهِ، مَا لُمْتُ نَفْسِي فِي عَدَاوَتِكَ، وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلُ اللَّهُ يُخْذَلُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ‏:‏ أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَمْرِ اللَّهِ، كِتَابُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ، وَمَلْحَمَةٌ قَدْ كُتِبَتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ جَلَسَ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، » فَقَالَ جَبَلُ بْنُ جَوَّالٍ الثَّعْلَبِيُّ‏:‏

لعَمرُكَ مَـا لَامَ ابْنُ أخْطَبَ نَفْسَهُ *** ولكنَّهُ مَنْ يَخْـذُلُ اللَّهُ يُخْـذَلِ

لجَاهَدَ حَتَّى أَبْلَغَ النَّفْسَ عُذْرَهَا *** وقَلْقَلَ يَبغِي العِـزَّ كـلَّ مُقَلْقَـلِ

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَة، قَالَتْ‏:‏ لَمْ يُقْتَلْ مِنْ نِسَائِهِمْ إِلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً، قَالَتْ‏:‏ وَاللَّهِ إِنَّهَا لِعِنْدِي تُحَدِّثُ مَعِي وَتَضْحَكُ ظُهْرًا، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُ رِجَالَهُمْ بِالسُّوقِ، إِذْ هَتَفَ هَاتِفٌ بِاسْمِهَا أَيْنَ فُلَانَةُ‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ أَنَا وَاللَّهِ‏.‏ قَالَتْ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ وَيْلَكِ مَا لَكِ‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ أُقْتَلُ‏؟‏ قُلْتُ‏:‏ وَلِمَ‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ لِحَدَثٍ أَحْدَثْتُهُ، قَالَ‏:‏ فَانْطُلِقَ بِهَا، فَضُرِبَتْ عُنُقُهَا، فَكَانَتْ عَائِشَة تقُولُ‏:‏ مَا أَنْسَى عَجَبِي مِنْهَا، طِيبُ نَفْسٍ، وَكَثْرَةُ ضَحِكٍِ وَقَدْ عَرَفَتْ أَنَّهَا تُقْتَلُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثَنِي زَيْدُ بْنُ رُومَانَ ‏{‏وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ‏}‏ وَالصَّيَاصِي‏:‏ الْحُصُونُ وَالْآطَامُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا ‏{‏وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ الْبَكْرِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ ‏{‏مِنْ صَيَاصِيهِمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنْ حُصُونِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏مِنْ صَيَاصِيهِمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَنْزَلَهُمْ مِنْ صَيَاصِيهِمْ، قَالَ‏:‏ قُصُورُهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏مِنْ صَيَاصِيهِمْ‏}‏‏:‏ أَيْ مِنْ حُصُونِهِمْ وَآطَامِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ الصَّيَاصِي‏:‏ حُصُونُهُمُ الَّتِي ظَنُّوا أَنَّهَا مَانِعَتُهُمْ مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَأَصْلُ الصَّيَاصِي‏:‏ جَمْعُ صِيصَةٍ، يُقَالُ‏:‏ وَعَنَى بِهَا هَاهُنَا‏:‏ حُصُونَهُمْ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِطَرَفِ الْجَبَلِ‏:‏ صِيصَةٌ، وَيُقَالُ لِأَصْلِ الشَّيْءِ‏:‏ صِيصَةٌ، يُقَالُ‏:‏ جَزَّ اللَّهُ صِيصَةَ فَلَانٍ أَيْ‏:‏ أَصْلَهُ، وَيُقَالُ لِشَوْكِ الْحَاكَةِ‏:‏ صَيَاصِي، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

كَوَقْعِ الصَّيَاصِي فِي النَّسِيجِ الْمُمَدَّدِ ***

وَهِيَ شَوْكَتَا الدِّيكِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَلْقَى فِي قُلُوبِهِمُ الْخَوْفَ مِنْكُمْ ‏{‏فَرِيقًا تَقْتُلُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ تَقْتُلُونَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً، وَهُمُ الَّذِينَ قَتَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ حِينَ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ ‏{‏وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَتَأْسِرُونَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً، وَهُمْ نِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيهِمُ الَّذِينَ سُبُوا‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَرِيقًا تَقْتُلُونَ‏}‏ الَّذِينَ ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ ‏{‏وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا‏}‏ الَّذِينَ سُبُوا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ‏{‏فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا‏}‏ أَيْ قَتْلُ الرِّجَالِ وَسَبْيِ الذَّرَارِيَ وَالنِّسَاءِ ‏{‏وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَمَلَّكَكُمْ بَعْدَ مُهْلِكِهِمْ أَرْضَهُمْ، يَعْنِي مَزَارِعَهُمْ وَمَغَارِسَهُمْ وَدِيَارَهُمْ، يَقُولُ‏:‏ وَمَسَاكِنَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، يَعْنِي سَائِرَ الْأَمْوَالِ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالدَّوْرِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا‏}‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيهَا، أَيُّ أَرْضٍ هِيَ‏؟‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هِيَ الرُّومُ وَفَارِسُ وَنَحْوُهَا مِنَ الْبِلَادِ الَّتِي فَتَحَهَا اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَ الْحَسَنُ‏:‏ هِيَ الرُّومُ وَفَارِسُ، وَمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هِيَ مَكَّةُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ هِيَ خَيْبَرُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ‏{‏وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ خَيْبَرُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ أَهْلُ الْكِتَابِ ‏{‏وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ خَيْبَرُ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَوْرَثَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَأَرْضًا لَمْ يَطَئُوهَا يَوْمئِذٍ وَلَمْ تَكُنْ مَكَّةُ وَلَا خَيْبَرُ، وَلَا أَرْضُ فَارِسَ وَالرُّومِ وَلَا الْيَمَنُ، مِمَّا كَانَ وَطِئُوهُ يَوْمئِذٍ، ثُمَّ وَطِئُوا ذَلِكَ بَعْدُ، وَأَوْرَثَهُمُوهُ اللَّهُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا‏}‏ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يُخَصَّصْ مِنْ ذَلِكَ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ‏.‏ ‏{‏وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا‏}‏‏.‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى أَنْ أَوْرَثَ الْمُؤْمِنِينَ ذَلِكَ، وَعَلَى نَصْرِهِ إِيَّاهُمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِِ ذَا قُدْرَةٍ، لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَرَادَهُ، وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فَعَلُُ شَيْءٍ حَاوَلَ فِعْلَهُ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏28- 29‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏قُلْ‏)‏ يَا مُحَمَّدُ، ‏{‏لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَإِنِّي أُمَتِّعُكُنَّ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى الرِّجَالِ لِلنِّسَاءِ مِنَ الْمُتْعَةِ عِنْدَ فِرَاقِهِمْ إِيَّاهُنَّ بِالطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ ‏{‏وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ‏}‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَأُطَلِّقُكُنَّ عَلَى مَا أَذِنَ اللَّهُ بِهِ، وَأَدَّبَ بِهِ عِبَادَهُ بِقَوْلِهِ ‏{‏إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏ ‏{‏وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ رِضَا اللَّهِ وَرِضَا رَسُولِهِ وَطَاعَتَهُمَا فَأَطِعْنَهُمَا‏.‏ ‏{‏فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ‏}‏ وَهُنَّ الْعَامِلَاتُ مِنْهُنَّ بِأَمْرِ اللَّهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ ‏(‏أَجْرًا عَظِيمًا‏)‏‏.‏

وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ أَنْ عَائِشَة سأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا، إِمَّا زِيَادَةً فِي النَّفَقَةِ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَاعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ شَهْرًا، فِيمَا ذُكِرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُخَيِّرَهُنَّ بَيْنَ الصَّبْرِ عَلَيْهِ، وَالرِّضَا بِمَا قَسَمَ لَهُنَّ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَبَيْنَ أَنْ يُمَتِّعَهُنَّ وَيُفَارِقَهُنَّ إِنْ لَمْ يَرْضَيْنَ بِالَّذِي يُقَسَّمُ لَهُنَّ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ غَيْرَةً كَانَتْ عَائِشَة غَارَتْهَا‏.‏

ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ‏:‏ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ شَيْءٍ مِنَ النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَخْرُجْ صَلَوَاتٍ، فَقَالُوا‏:‏ مَا شَأْنُهُ‏؟‏ فَقَالَ عُمْرُ‏:‏ إِنْ شِئْتُمْ لِأَعْلَمَنَّ لَكُمْ شَأْنَهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ، حَتَّى أَذِنَ لَهُ، قَالَ‏:‏ فَجَعَلْتُ أَقُولُ فِي نَفْسِي أَيُّ شَيْءٍ أُكَلِّمُ بِهِ رَسُولََ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّهُ يَضْحَكُ، أَوْ كَلِمَةٌ نَحْوُهَا، فَقُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتَ فُلَانَةَ وَسَأَلْتِنِي النَّفَقَةَ فَصَكَكْتُهَا صَكَّةً، فَقَالَ‏:‏ ذَلِكَ حَبَسَنِي عَنْكُمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَأَتَى حَفْصَةَ، فَقَالَ‏:‏ لَا تَسْأَلِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، مَا كَانَتْ لَكِ مِنْ حَاجَةٍ فَإِلَيَّ، ثُمَّ تَتَبَّعَ نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُهُنَّ، فَقَالَلِ عَائِشَة‏:‏ أَيَغُرُّكِ أَنَّكِ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ، وَأَنَّ زَوْجَكِ يَحْبُّكِ‏؟‏ لِتَنْتَهِيَنَّ، أَوْ لَيَنْزِلَنَّ فِيكِ الْقُرْآنُ، قَالَ‏:‏ فَقَالَتْأُمُّ سَلَمَةَ‏:‏ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، أوَ مَا بَقِيَ لَكَ إِلَّا أَنَّ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ نِسَائِهِ، وَلَنْ تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ إِلَّا لِزَوْجِهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ ‏(‏أَجْرًا عَظِيمًا‏)‏ قَالَ‏:‏ فَبَدَأَبِ عَائِشَة فخَيَّرَهَا، وَقَرَأَ عَلَيْهَا الْقُرْآنَ، فَقَالَتْ‏:‏ هَلْ بَدَأْتَ بِأَحَدٍ مِنْ نِسَائِكَ قَبْلِي‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏لَا‏"‏‏.‏ قَالَتْ‏:‏ فَإِنِّي أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وَلَا تُخْبِرْهُنَّ بِذَلِكَ‏.‏ قَالَ‏:‏ ثُمَّ تَتْبَّعَهُنَّ‏.‏ فَجَعَلَ يُخَيِّرُهُنَّ وَيَقْرَأُ عَلَيْهِنَّ الْقُرْآنَ، وَيُخْبِرُهُنَّ بِمَا صَنَعَتْ عَائِشَة، فَتَتَابَعْنَ عَلَى ذَلِكَ»‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ ‏(‏أَجْرًا عَظِيمًا‏)‏ قَالَ‏:‏ قَالَ الْحَسَنُ وقَتادَةُ‏:‏ خَيَّرَهُنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فِي شَيْءٍ كُنَّ أَرَدْنَهُ مِنَ الدُّنْيَا، وَقَالَ عِكْرِمَةُ‏:‏ فِي غَيْرَةٍ كَانَتْ غَارَتْهَا عَائِشَة ُ، وَكَانَ تَحْتَهُ يَوْمئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ، خَمْسٌ مِنْ قُرَيْشٍ‏:‏ عَائِشَة، وَحَفْصَةُ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، وَأُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمِّيَّةَ، وَكَانَتْ تَحْتَهُصَفِيَّةُ ابْنَةُ حُيَيٍّ الخَيْبَرِيَّةُ، وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ الْأَسْدِيَةُ، وَجُوَيْرِيَّةُ بِنْتُ الْحَارِثِ مَنْ بَنِي الْمُصْطَلَقِ، وَبَدَأَبِ عَائِشَة، فَلَمَّا اخْتَارَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، رُئِيَ الْفَرَحُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَتَابَعْنَ كُلُّهُنَّ عَلَى ذَلِكَ، وَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ ‏(‏عَظِيمًا‏)‏ قَالَا أَمْرَهُ اللَّهُ أَنْ يُخَيِّرَهُنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ‏.‏ قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ وَهِيَ غَيْرَةٌ مِنْ عَائِشَة في شَيْءٍ أَرَادَتْهُ مِنَ الدُّنْيَا، وَكَانَ تَحْتَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ‏:‏ عَائِشَة، وَحَفْصَةُ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، وَأُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمِّيَّةَ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةُ، وَجُوَيْرِيَّةُ بِنْتُ الْحَارِثِ مَنْ بُنِيَ الْمُصْطَلَقِ، وَصْفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، فَبَدَأَبِ عَائِشَة، وَكَانَتْأَحَبُّهُنَّ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اخْتَارَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، رُئِيَ الْفَرَحُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتُتَابَعْنَ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ لَمَّا اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ شَكَرَهُنَّ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ ‏{‏لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ‏}‏ فَقَصَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِنَّ، وَهُنَّ التِّسْعُ اللَّاتِي اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْغَيْرَةِ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ‏}‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ كَانَ أَزْوَاجُهُ قَدْ تَغَايَرْنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَجَرَهُنَّ شَهْرًا، نَزَلَ التَّخْيِيرُ مِنَ اللَّهِ لَهُ فِيهِنَّ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا‏}‏ فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ ‏{‏وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى‏}‏ فَخَيَّرَهُنَّ بَيْنَ أَنْ يَخْتَرْنَ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُنَّ وَيُسَرِّحَهُنَّ، وَبَيْنَ أَنْ يُقِمْنَ إِنْ أَرَدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ عَلَى أَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، لَا يُنْكَحْنَ أَبَدًا، وَعَلَى أَنَّهُ يُؤْوِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْهُنَّ، لِمَنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ؛ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَيْهَا، وَيُرْجِي مَنْ يَشَاءُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَيْهَا وَمَنِ ابْتَغَى مِمَّنْ هِيَ عِنْدَهُ وَعَزَلَ، فَلَا جَنَاحَ عَلَيْهِ، ‏{‏ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ‏}‏ إِذَا عَلِمْنَ أَنَّهُ مِنْ قَضَائِي عَلَيْهِنَّ، إِيثَار بِعَضِّهِنَّ عَلَى بَعْض، ‏{‏أَدْنَى أَنْ يَرْضَيْنَ‏}‏ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ‏}‏ مَنْ ابْتَغَى أَصَابَهُ، وَمَنْ عَزَلَ لَمْ يُصِبْهُ، فَخَيَّرَهُنَّ، بَيْنَ أَنْ يَرْضَيْنَ بِهَذَا، أَوْ يُفَارِقَهُنَّ، فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، إِلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً بَدَوِيَّةً ذَهَبَتْ، وَكَانَ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ شُرِطَ لَهُ هَذَا الشَّرْطَ، مَا زَالَ يَعْدِلُ بَيْنَهُنَّ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ قَالَتْ عَائِشَة‏:‏ «لَمَّا نَزَلَ الْخِيَارُ، قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَذْكُرَ لَكِ أَمْرًا فَلَا تَقْضِي فِيهِ شَيْئًا حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ‏"‏‏.‏ قَالَتْ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَرَدَّهُ عَلَيْهَا‏.‏ فَقَالَتْ‏:‏ مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَقَرَأَ عَلَيْهِنَّ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا‏}‏ إِلَى آخَرَ الْآيَةِ، قَالَتْ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ بَلْ نَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَتْ‏:‏ فَفَرِحَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَة، قَالَتْ‏:‏ «لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ، بَدَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَائِشَة، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏يَا عَائِشَة، إِنِّي عَارِضٌ عَلَيْكِ أَمْرًا، فَلَا تَفْتَاتِي فِيهِ بِشَيْءٍ حَتَّى تَعْرِضِيهِ عَلَى أَبَوَيْكِ أَبِي بَكْرٍوَأُمِّ رُومَانَ‏"‏ فَقَالَتْ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُوَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏قَالَ اللَّهُ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا‏}‏ إِلَى ‏(‏عَظِيمًا‏)‏ فَقُلْتُ‏:‏ إِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وَلَا أُؤَامِرُ فِي ذَلِكَ أَبَوَيَّ أَبَا بَكْرٍوَأُمِّ رُومَانَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اسْتَقْرَأَ الْحُجَرَ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏إِنْ عَائِشَة قالَتْ كَذَا‏"‏، فَقُلْنَ‏:‏ وَنَحْنُ نَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَة »‏.‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْعَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَة، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِمَا نَزَلَ إِلَى نِسَائِهِ أُمِرَ أَنْ يُخَيِّرَهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَيَّ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏سَأَذْكُرُ لَكِ أَمْرًا وَلَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَاكِ‏"‏‏.‏ فَقُلْتُ‏:‏ وَمَا هُوَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أُخَيِّرَكُنَّ‏"‏‏.‏ وَتَلَا عَلَيْهَا آيَةَ التَّخْيِيرُ، إِلَى آخَرَ الْآيَتَيْنِ، قَالَتْ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ وَمَا الَّذِي تَقُولُ‏؟‏ ‏"‏لَا تُعَجِّلِي حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَاكِ‏؟‏ ‏"‏، فَإِنِّي أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَسُرَّ بِذَلِكَ، وَعَرَضَ عَلَى نِسَائِهِ، فَتَتَابَعْنَ كُلُّهُنَّ، فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَة زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ‏:‏ لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَنِي، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلَا عَلَيْكِ أَلَّا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتأْمِرِي أَبَوَيْكِ‏"‏ قَالَتْ‏:‏ قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ‏.‏ قَالَتْ‏:‏ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا‏}‏ قَالَتْ‏:‏ فَقُلْتُ‏:‏ فَفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمَرُ أَبَوَيَّ‏؟‏ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَالدَّارَ الْآخِرَةَ‏.‏ قَالَتْ عَائِشَة ُ‏:‏ ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَا فَعَلْتُ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِينَ قَالَهُ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَرْنَهُ طَلَاقًا؛ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُنَّ اخْتَرْنَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏30‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَنْ يَزْنِ مِنْكُنَّ الزِّنَا الْمَعْرُوفَ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحَدَّ، ‏{‏يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ‏}‏ عَلَى فُجُورِهَا فِي الْآخِرَةِ ‏(‏ضِعْفَيْنِ‏)‏ عَلَى فُجُورِ أَزْوَاجِ النَّاسِ غَيْرِهِمْ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَعْنِي عَذَابَ الْآخِرَةِ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةٍ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ ‏{‏يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ‏}‏ بِالْأَلْفِ، غَيْرُ أَبِي عَمْرٍو، فَإِنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ ‏(‏يُضَعَّفْ‏)‏ بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ تَأَوَّلَا مِنْهُ فِي قِرَاءَتِهِ ذَلِكَ أَنْ يُضَعَّفَ، بِمَعْنَى‏:‏ تَضْعِيفِ الشَّيْءِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَذَلِكَ أَنْ يُجْعَلَ الشَّيْءُ شَيْئَيْنِ، فَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُ‏:‏ أَنْ يَجْعَلَ عَذَابَ مَنْ يَأْتِي مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، مَثْلَيْ عَذَابِ سَائِرِ النِّسَاءِ غَيْرِهِنَّ، وَيَقُولُ‏:‏ إِنَّ ‏(‏يُضَاعَفْ‏)‏ بِمَعْنَى أَنْ يُجْعَلَ إِلَى الشَّيْءِ مَثَلَاهُ، حَتَّى يَكُونَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِهِ فَكَأَنَّ مَعْنَى مَنْ قَرَأَ ‏(‏يُضَاعَفْ‏)‏ عِنْدَهُ كَانَ أَنَّ عَذَابَهَا ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ عَذَابِ غَيْرِهَا مِنَ النِّسَاءِ مِنْ غَيْرِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلِذَلِكَ اخْتَارَ ‏(‏يُضَعَّفُ‏)‏ عَلَى ‏(‏يُضَاعَفُ‏)‏، وَأَنْكَرَ الْآخَرُونَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ ‏(‏يُضَاعَفُ‏)‏ مَا كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ، وَيَقُولُونَ‏:‏ لَا نَعْلَمُ بَيْن‏:‏ ‏(‏يُضَاعَفْ‏)‏ و ‏(‏يُضَعَّفْ‏)‏ فَرْقًا‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَذَلِكَ ‏(‏يُضَاعَفْ‏)‏‏.‏ وَأَمَّا التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو عَمْرٍو، فَتَأْوِيلٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ادَّعَاهُ غَيْرُهُ، وَغَيْرُ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى، وَلَا يَجُوزُ خِلَافَ مَا جَاءَتْ بِهِ الْحُجَّةُ مُجَمِعَةٌ عَلَيْهِ بِتَأْوِيلٍ لَا بُرْهَانَ لَهُ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَكَانَتْ مُضَاعَفَةَ الْعَذَابِ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُنَّ ‏{‏عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا‏}‏ وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْكُنَّ، وَتَعْمَلْ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ؛ ‏{‏نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يُعْطِهَا اللَّهُ ثَوَابَ عَمَلِهَا، مَثْلَيْ ثَوَابِ عَمَلِ غَيْرِهِنَّ مِنْ سَائِرِ نِسَاءِ النَّاسِ ‏{‏وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَعْتَدْنَا لَهَا فِي الْآخِرَةِ عَيْشًا هَنِيئًا فِي الْجَنَّةِ‏.‏ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ‏}‏ الْآيَةَ، يَعْنِي مَنْ تُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ‏{‏وَتَعْمَلْ صَالِحًا‏}‏؛ تَصُومُ وَتُصَلِّي‏.‏

حَدَّثَنِي سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ عَامِرًا عَنِ الْقُنُوتِ، قَالَ‏:‏ وَمَا هُوَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ قُلْتَ ‏{‏وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مُطِيعِينَ، قَالَ‏:‏ قُلْتُ ‏{‏وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَطْعَنُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ‏}‏ أَيْ مِنْ يُطِعْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ‏{‏وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا‏}‏ وَهِيَ الْجَنَّةُ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ‏{‏وَتَعْمَلْ صَالِحًا‏}‏ فَقَرَأَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ‏:‏ ‏(‏وَتَعْمَلْ‏)‏ بِالتَّاءِ رَدًّا عَلَى تَأْوِيلِ مِنْ إِذْ جَاءَ بَعْدَ قَوْلِهِ ‏(‏مِنْكُنَّ‏)‏‏.‏ وَحَكَي بَعْضُهُمْ عَنِ الْعَرَبِ أَنَّهَا تَقُولُ‏:‏ كَمْ بِيعَ لَكَ جَارِيَةٌ‏؟‏ وَأَنَّهُمْ إِنْ قَدَّمُوا الْجَارِيَةَ قَالُوا‏:‏ كَمْ جَارِيَةً بِيعَتْ لَكَ‏؟‏ فَأَنَّثُوا الْفِعْلَ بَعْدَ الْجَارِيَةِ، وَالْفِعْلُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِكَمْ لَا لِلْجَارِيَةِ‏.‏ وَذَكَرَ الْفِرَاءُ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ أَنْشَدَهُ‏:‏

أيَـاأُمَّ عَمْـرٍومَنْ يَكُنْ عُقْرُ دَارِهِ *** جِوَاءَ عَـدِيٍّ يِـأْكُلُ الْحَشَـراتِ

وَيَسْـوَدُّ مِن لَفْـحِ السَّـمُومِ جَبِينُـهُ *** وَيَعْرُو إِنْ كَانَ ذَوِي بَكَرَاتِ

فَقَالَ‏:‏ وَإِنْ كَانُوا وَلَمْ يَقِلْ‏:‏ وَإِنْ كَانَ، وَهُوَ لِمَنْ فَرَدَهُ عَلَى الْمَعْنَى‏.‏ وَأَمَّا أَهْلُ الْكُوفَةِ، فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّائِهَا‏:‏ ‏(‏وَيَعْمَلْ‏)‏ بِالْيَاءِ عَطْفًا عَلَى ‏"‏يَقْنُتْ‏"‏، إِذْ كَانَ الْجَمِيعُ عَلَى قِرَاءَةِ الْيَاءِ‏.‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَلُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَرُدُّ خَبَرَ ‏"‏مَنْ‏"‏ أَحْيَانًا عَلَى لَفْظِهَا، فَتُوَحِّدُ وَتَذْكُرُ، وَأَحْيَانًا عَلَى مَعْنَاهَا كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ‏}‏ فَجَمَعَ مَرَّةً لِلْمَعْنَى وَوَحَّدَ أُخْرَى لِلَّفْظِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏32- 33‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِأَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ‏}‏ مِنْ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ‏{‏إِنِ اتَّقَيْتُنَّ‏}‏ اللَّهَ فَأَطَعْتُنَّهُ فِي مَا أَمَرَكُنَّ وَنَهَاكُنَّ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ‏}‏ يَعْنِي مِنْ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَلَا تَلِنَّ بِالْقَوْلِ لِلرِّجَالِ فِيمَا يَبْتَغِيهِ أَهْلُ الْفَاحِشَةِ مِنْكُنَّ‏.‏ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ ‏{‏يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَا تُرَخِّصْنَ بِالْقَوْلِ، وَلَا تُخْضَعْنَ بِالْكَلَامِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ ‏{‏فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ‏}‏ قَالَ‏:‏ خَضْعُ الْقَوْلِ مَا يُكْرَهُ مِنْ قَوْلِ النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ مِمَّا يَدْخُلُ فِي قُلُوبِ الرِّجَالِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَيَطْمَعُ الَّذِي فِي قَلْبِهِ ضَعْفٌ، فَهُوَ لِضَعْفِ إِيمَانِهِ فِي قَلْبِهِ؛ إِمَّا شَاكٌّ فِي الْإِسْلَامِ مُنَافِقٌ، فَهُوَ لِذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ يَسْتَخِفُّ بِحُدُودِ اللَّهِ، وَإِمَّا مُتَهَاوِنٌ بِإِتْيَانِ الْفَوَاحِشِ‏.‏

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ إِنَّمَا وَصْفَهُ بِأَنَّ فِي قَلْبِهِ مَرَضًا، لِأَنَّهُ مُنَافِقٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ نِفَاقٌ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ وَصْفَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَشْتَهُونَ إِتْيَانَ الْفَوَاحِشَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَ عِكْرِمَةُ‏:‏ شَهْوَةُ الزِّنَا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَقُلْنَ قَوْلًا قَدْ أَذِنَ اللَّهُ لَكُمْ بِهِ وَأَبَاحَهُ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا‏}‏ قَالَ‏:‏ قَوْلًا جَمِيلًا حَسَنًا مَعْرُوفًا فِي الْخَيْرِ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ‏{‏وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ‏}‏ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ‏:‏ ‏(‏وَقَرْنَ‏)‏ بِفَتْحِ الْقَافِ، بِمَعْنَى‏:‏ وَاقْرَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ، وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَذَفَ الرَّاءَ الْأُولَى مَنْ اقْرَرْنَ، وَهِيَ مَفْتُوحَةٌ، ثُمَّ نَقَلَهَا إِلَى الْقَافِ، كَمَا قِيلَ ‏{‏فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ‏}‏ وَهُوَ يُرِيدُ‏:‏ فَظَلَلْتُمْ، فَأُسْقِطَتِ اللَّامُ الْأُولَى وَهِيَ مَكْسُورَةٌ، ثُمَّ نَقَلَتْ كَسْرَتَهَا إِلَى الظَّاءِ‏.‏ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ ‏(‏وَقِرْنَ‏)‏ بِكَسْرِ الْقَافِ، بِمَعْنَى‏:‏ كُنَّ أَهْلَ وَقَارٍ وَسَكِينَةً ‏(‏فِي بُيُوتِكُنَّ‏)‏‏.‏

وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ وَهِيَ الْكَسْرُ فِي الْقَافِ أَوْلَى عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ مِنَ الْوَقَارِ عَلَى مَا اخْتَرْنَا، فَلَا شَكَّ أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِكَسْرِ الْقَافِ، لِأَنَّهُ يُقَالُ‏:‏ وَقَرَ فُلَانٌ فِي مَنْزِلِهِ؛ فَهُوَ يَقِرُّ وَقُورًا، فَتُكْسَرُ الْقَافُ فِي تَفْعَلُ، فَإِذَا أُمِرَ مِنْهُ قِيلَ‏:‏ قِرَّ كَمَا يُقَالُ مِنْ وَزَنَ يَزِنُ زِنْ، وَمِنْ وَعَدَ‏:‏ يَعِدُ عِدْ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْقَرَارِ، فَإِنَّ الْوَجْهَ أَنْ يُقَالَ‏:‏ اقْرَرْنَ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ مِنَ الْعَرَبِ‏:‏ ظَلْتُ أَفْعَلُ كَذَا، وَأَحَسَّتْ بِكَذَا، فَأَسْقَطَ عَيْنَ الْفِعْلِ، وَحَوَّلَ حَرَكَتَهَا إِلَى فَائِهِ فِي فَعَلَ وَفَعَلْنَا وَفَعَلْتُمْ، لَمْ يُفْعَلْ ذَلِكَ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، فَلَا يَقُولُ‏:‏ ظَلَّ قَائِمًا وَلَا تَظَلُّ قَائِمًا، فَلَيْسَ الَّذِي اعْتَلَّ بِهِ مَنِ اعْتَلَّ لِصِحَّةِ الْقِرَاءَةِ بِفَتْحِ الْقَافِ فِي ذَلِكَ، يَقُولُ الْعَرَبُ فِي ظَلَلْتُ وَأَحْسَسْتُ‏:‏ ظَلَّتْ وَأَحَسَّتْ، بِعِلَّةٍ تُوجِبُ صِحَّتَهُ لِمَا وَصَفْتُ مِنَ الْعِلَّةِ، وَقَدْ حَكَى بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضِ الْأَعْرَابِ سَمَاعًا مِنْهُ‏:‏ يَنْحَطُّنَّ مِنَ الْجَبَلِ، وَهُوَ يُرِيدُ‏:‏ يَنْحَطِطْنَ، فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ صَحِيحًا، فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لِأَهْلِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ مِنَ الْحُجَّةِ الْأُخْرَى‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى‏}‏ قِيلَ‏:‏ إِنَّ التَّبَرُّجَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏:‏ التَّبَخْتُرُ وَالتَّكَسُّرُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى‏}‏‏:‏ أَيْ إِذَا خَرَجْتُنَّ مِنْ بُيُوتِكُنَّ، قَالَ‏:‏ كَانَتْ لَهُنَّ مِشْيَةٌ وَتَكَسُّرٌ وَتَغَنُّجٌ، يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ الْجَاهِلِيَّةَ الْأُولَى، فَنَهَاهُنَّ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى‏}‏ قَالَ‏:‏ التَّبَخْتُرُ‏.‏ وَقِيلَ إِنَّ التَّبَرُّجَ هُوَ إِظْهَارُ الزِّينَةِ، وَإِبْرَازُ الْمَرْأَةِ مَحَاسِنَهَا لِلرِّجَالِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ ‏{‏تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى‏}‏ فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ذَلِكَ مَا بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبِي، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ ‏{‏وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى‏}‏ قَالَ‏:‏ الْجَاهِلِيَّةُ الْأُولَى‏:‏ مَا بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ ذَلِكَ مَا بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَكَمِ ‏{‏وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى‏}‏ قَالَ‏:‏ وَكَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ ثَمَانُمِائَةِ سَنَةٍ، فَكَانَ نِسَاؤُهُمْ مِنْ أَقْبَحِ مَا يَكُونُ مِنَ النِّسَاءِ، وَرِجَالُهُمْ حِسَانٌ، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ الرَّجُلَ عَلَى نَفْسِهِ؛ فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ‏{‏وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى‏}‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ ذَلِكَ بَيْنَ نُوحٍ وَإِدْرِيسَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي ابْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا دَاوُدُ، يَعْنِي ابْنَ أَبِي الْفُرَاتِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ‏{‏وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ وَإِدْرِيسَ، وَكَانَتْ أَلْفُ سَنَةٍ، وَإِنَّ بَطْنَيْنِ مِنْ وَلَدِ آدَمَ كَانَ أَحَدُهُمَا يَسْكُنُ السَّهْلَ، وَالْآخِرُ يَسْكُنُ الْجَبَلَ، وَكَانَ رِجَالُ الْجَبَلِ صِبَاحًا، وَفِي النِّسَاءِ دَمَامَةٌ، وَكَانَ نِسَاءُ السَّهْلِ صِبَاحًا، وَفِي الرِّجَالِ دَمَامَةٌ، وَإِنَّ إِبْلِيسَ أَتَى رَجُلًا مِنْ أَهْلِ السَّهْلِ فِي صُورَةِ غُلَامٍ، فَأَجَّرَ نَفْسَهُ مِنْهُ، وَكَانَ يَخْدِمُهُ، وَاتَّخَذَ إِبْلِيسُ شَيْئًا مِثْلَ ذَلِكَ الَّذِي يُزَمِّرُ فِيهِ الرِّعَاءُ، فَجَاءَ فِيهِ بِصَوْتٍ لَمْ يَسْمَعْ مَثَلَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مَنْ حَوْلَهُمْ، فَانْتَابُوهُمْ يَسْمَعُونَ إِلَيْهِ، وَاتَّخِذُوا عِيدًا يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ فِي السَّنَةِ، فَتَتَبَرَّجُ الرِّجَالُ لِلنِّسَاءِ، قَالَ‏:‏ وَيَتَزَيَّنُ النِّسَاءُ لِلرِّجَالِ، وَإِنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَبَلِ هَجَمَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي عِيدِهِمْ ذَلِكَ، فَرَأَى النِّسَاءَ، فَأْتِي أَصْحَابَهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ، فَتَحَوَّلُوا إِلَيْهِنَّ، فَنَزَلُوا مَعَهُنَّ، فَظَهَرَتِ الْفَاحِشَةُ فِيهِنَّ، فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ ‏{‏وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى‏}‏‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَهَى نِسَاءَ النَّبِيِّ أَنْ يَتَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَا بَيْنَ آدَمَ وَعِيسَى، فَيَكُونُ مَعْنى ذَلِكَ‏:‏ وَلَا تَبْرَجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى الَّتِي قَبْلَ الْإِسْلَامِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ أُوَفِي الْإِسْلَامِ جَاهِلِيَّةٌ حَتَّى يُقَالَ عَنَى بِقَوْلِهِ ‏{‏الْجَاهِلِيَّةَ الْأُولَى‏}‏‏:‏ الَّتِي قَبْلَ الْإِسْلَامِ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ فِيهِ أَخْلَاقٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى‏}‏ قَالَ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، قَالَ‏:‏ وَفِي الْإِسْلَامِ جَاهِلِيَّةٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَقَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يُنَازِعُهُ‏:‏ يَا ابْنَ فُلَانَةَ‏:‏ لِأُمٍّ كَانَ يُعَيِّرُهُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ إِنَّ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ‏"‏، قَالَ‏:‏ أَجَاهِلِيَّةُ كُفْرٍِ أَوْ إِسْلَامٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلْ جَاهِلِيَّةُ كُفْرٍ، قَالَ‏:‏ فَتَمَنَّيْتُ أَنْ لَوْ كُنْتُ ابْتَدَأْتُ إِسْلَامِي يَوْمَئِذٍ»‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «ثَلَاثٌ مِنْ عَمَلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَدَعُهُنَّ النَّاسُ‏:‏ الطَّعْنُ بِالْأَنْسَابِ، وَالِاسْتِمْطَارُ بِالْكَوَاكِبِ، وَالنِّيَاحَةُ‏"‏»‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَهُ‏:‏ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى‏}‏ هَلْ كَانَتْ إِلَّا وَاحِدَةٌ‏؟‏ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ وَهَلْ كَانَتْ مَنْ أُولَى إِلَّا وَلَهَا آخِرَةٌ‏؟‏ فَقَالَ عُمْرُ‏:‏ لِلَّهِ دَرُّكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، كَيْفَ قُلْتَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلْ كَانَتْ مِنْ أُولَى إِلَّا وَلَهَا آخِرَةٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَأْتِ بِتَصْدِيقِ مَا تَقُولُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ نَعَمْ ‏(‏وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ كَمَا جَاهَدْتُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ‏)‏ قَالَ عُمْرُ‏:‏ فَمَنْ أُمِرَ بِالْجِهَادِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ قَبِيلَتَانِ مِنْ قُرَيْشٍ؛ مَخْزُومٌ وَبَنُو عَبْدِ شَمْسٍ، فَقَالَ عُمْرُ‏:‏ صَدَقْتَ‏.‏

وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَا بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ‏.‏ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَا بَيْنَ إِدْرِيسَ وَنُوحٍ، فَتَكُونُ الْجَاهِلِيَّةُ الْآخِرَةُ، مَا بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ، فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ اللَّهُ‏:‏ إِنَّهُ نَهَى عَنْ تَبَرُّجِ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَقَمْنَ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَآتَيْنَ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْكُنَّ فِي أَمْوَالِكُنَّ ‏{‏وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏}‏ فِيمَا أَمَرَاكُنَّ وَنَهَيَاكُنَّ ‏{‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ يَا أَهْلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ، وَيُطَهِّرُكُمْ مِنَ الدَّنَسِ الَّذِي يَكُونُ فِي أَهْلِ مَعَاصِي اللَّهِ تَطْهِيرًا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا‏}‏ فَهُمْ أَهْلُ بَيْتٍِ طَهَّرَهُمُ اللَّهُ مِنَ السُّوءِ، وَخَصَّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ ‏{‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الرِّجْسُ هَاهُنَا‏:‏ الشَّيْطَانُ، وَسِوَى ذَلِكَ مِنَ الرِّجْسِ‏:‏ الشِّرْكُ‏.‏

اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ عُنُوْا بِقَوْلِهِ ‏{‏أَهْلَ الْبَيْتِ‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عُنِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيٌّ وَفَاطِمَةُوَالْحُسْنُ وَالْحُسَيْنُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا بَكْرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ زَبَّانٍ الْعَنَزِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِنْدَلٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي خَمْسَةٍ‏:‏ فِيَّ وَفِي عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَسَنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحُسَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُوَفَاطِمَةَرَضِيَ اللَّهُ عَنِهَا‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا‏}‏ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتُ شَيْبَةَ قَالَتْ‏:‏ قَالَتْ عَائِشَة‏:‏ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ، وَعَلَيْهِ مُرْطٍ مُرْجَّلٍ مِنْ شَعْرٍِ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ، فَأَدْخَلَهُ مَعَهُ ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمُرُّ بِبَيْتِفَاطِمَةَسِتَّةَ أَشْهُرٍ، كُلَّمَا خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ فَيَقُولُ‏:‏ ‏"‏الصَّلَاةَ أَهْلَ الْبَيْتِ ‏{‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا‏}‏ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوِيدٍ النَّخَعِيُّ، عَنْ هِلَالٍ، يَعْنِي ابْنَ مِقْلَاصٍ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبَ، عَنْأُمِّ سَلَمَةَقَالَتْ‏:‏ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدِي، وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْحُسْنُ وَالْحُسَيْنُ، فَجَعَلْتُ لَهُمْ خَزِيرَةً، فَأَكَلُوا وَنَامُوا، وَغَطَّى عَلَيْهِمْ عَبَاءَةً أَوْ قَطِيفَةً، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَبِي الْحَمْرَاءِ، قَالَ‏:‏ رَابَطْتُ الْمَدِينَةَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ‏:‏ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرَ، جَاءَ إِلَى بَابِ عَلَيٍّوَفَاطِمَةَ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ‏"‏ ‏{‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا‏}‏ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ كُلْثُومٍ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ أَبِي عَمَّارٍ، قَالَ‏:‏ إِنِّي لِجَالِسٌ عِنْدَ وَاثُلَّة بْنِ الْأَسْقَعِ إِذْ ذَكَرُوا عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَشَتَمُوهُ، فَلِمَا قَامُوا قَالَ‏:‏ اجْلِسْ حَتَّى أَخْبِرَكَ عَنْ هَذَا الَّذِي شَتَمُوا؛ «إِنِّي عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ عَلَيٌّ وَفَاطِمَةُ وَحَسَنٌ وَحُسَيْنٌ، فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ كِسَاءً لَهُ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا‏"‏‏.‏ قُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏وَأَنْتَ‏"‏‏.‏ قَالَ‏:‏ فَوَاللَّهِ إِنَّهَا لِأَوْثَقُ عَمَلِي عِنْدِي»‏.‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي عُمَيْرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنِي شَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بْنُ الْأَسْقَعِ يَحْدُثُ، قَالَ‏:‏ «سَأَلْتُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي مَنْزِلِهِ، فَقَالَتْفَاطِمَةُ‏:‏ قَدْ ذَهَبَ يَأْتِي بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَخَلْتُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْفِرَاشِ وَأَجْلَسَفَاطِمَةَعَنْ يَمِينِهِ وَعَلِيًّا عَنْ يَسَارِهِ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَفَعَ عَلَيْهِمْ بِثَوْبِهِ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا‏}‏ اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي، اللَّهُمَّ أَهْلِي أَحَقُّ‏"‏‏.‏ قَالَ وَاثِلَةُ‏:‏ فَقُلْتُ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ‏:‏ وَأَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَهْلِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏وَأَنْتَ مِنْ أَهْلِي‏"‏‏.‏ قَالَ وَاثِلَةُ‏:‏ إِنَّهَا لِمَنْ أَرْجَى مَا أَرْتَجِي»‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو كَرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْأُمِّ سَلَمَةَقَالَتْ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا‏}‏ دَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّاوَفَاطِمَةَوَحَسَنًا وَحُسَيْنًا، فَجَلَّلَ عَلَيْهِمْ كِسَاءً خَيْبَرِيًّا، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا‏"‏‏.‏ قَالَتْ أُمُّسَلَمَةَ‏:‏ أَلَسْتُ مِنْهُمْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏أَنْتِ إِلَى خَيْرٍ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ زَرْبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْأُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ‏:‏ جَاءَتْفَاطِمَةُإِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُرْمَةٍ لَهَا قَدْ صَنَعَتْ فِيهَا عَصِيدَةً تَحُلُّهَا عَلَى طَبَقٍ، فَوَضَعَتْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ وَابْنَاكِ‏؟‏ ‏"‏ فَقَالَتْ‏:‏ فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ادْعِيهِمْ ‏"‏‏.‏ فَجَاءَتْ إِلَى عَلَيٍّ فَقَالَتْ‏:‏ أَجِبِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ وَابْنَاكَ، قَالَتْأُمُّ سَلَمَةَ‏:‏ فَلَمَّا رَآهُمْ مُقْبِلِينَ مَدَّ يَدَهُ إِلَى كِسَاءٍ كَانَ عَلَى الْمَنَامَةِ فَمَدَّهُ وَبَسْطَهُ وَأَجْلَسَهُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِأَطْرَافِ الْكِسَاءِ الْأَرْبَعَةِ بِشِمَالِهِ فَضَمَّهُ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْبَيْتِ، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، «عَنْأُمِّ سَلَمَةَ؛ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي بَيْتِهَا ‏{‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا‏}‏ قَالَتْ‏:‏ وَأَنَا جَالِسَةٌ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ، فَقُلْتُ‏:‏ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْتُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏إِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ، أَنْتِ مِنْ أَزْوَاجِ النِّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏"‏‏.‏ قَالَتْ‏:‏ وَفِي الْبَيْتِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْحُسْنُ وَالْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ»‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ‏:‏ ثَنِي هَاشِمُ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهَبِ بْنِ زَمْعَةَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَتْنِي أَمُّسَلَمَةَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمْعَ عَلِيًّا وَالْحَسَنَيْنِِ، ثُمَّ أَدْخَلَهُمْ تَحْتَ ثَوْبِهِ، ثُمَّ جَأَرَ إِلَى اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏"‏هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي‏"‏‏.‏ فَقَالَتْأُمُّ سَلَمَةَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَدْخِلْنِي مَعَهُمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏إِنَّكِ مِنْ أَهْلِي‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ الْمَكِّيُّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِأُمِّ سَلَمَةَ ‏{‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا‏}‏ فَدَعَا حَسَنًا وَحُسَيْنًاوَفَاطِمَةَفَأَجْلَسَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَدَعَا عَلِيًّا فَأَجْلَسَهُ خَلْفَهُ، فَتَجَلَّلَ هُوَ وَهُمْ بِالْكِسَاءِ ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏"‏هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا‏"‏‏.‏ قَالَتْأُمُّ سَلَمَةَ‏:‏ أَنَا مَعَهُمْ مَكَانَكَ، وَأَنْتَ عَلَى خَيْرٍ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الصَّبَاحُ بْنُ يَحْيَى الْمُرِّيُّ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي الدَّيْلَمِ، قَالَ‏:‏ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ‏:‏ أَمَا قَرَأْتَ فِي الْأَحْزَابِ ‏{‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا‏}‏ قَالَ‏:‏ وَلْأَنْتَمِ هُمْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَامِرَ بْنَ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ سَعْدٌ‏:‏ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، فَأَخَذَ عَلِيًّا وَابْنَيْهِوَفَاطِمَةَ، وَأَدْخَلَهُمْ تَحْتَ ثَوْبِهِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏"‏رَبِّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي وَأَهْلُ بَيْتِي‏"‏»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ «ذِكَرْنَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَأُمِّ سَلَمَةَقَالَتْ‏:‏ فِيهِ نَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا‏}‏‏.‏ قَالَتْأُمُّ سَلَمَةَ‏:‏ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِي فَقَالَ‏:‏ ‏"‏لَا تَأْذَنِي لِأَحَدٍ‏"‏‏.‏ فَجَاءَتْفَاطِمَةُ، فِلَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَحْجُبَهَا عَنْ أَبِيهَا، ثُمَّ جَاءَ الْحَسَنُ، فِلْم أَسْتَطِعْ أَنْ أَمْنَعَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى جَدِّهِ وَأُمِّهِ، وَجَاءَ الْحُسَيْنُ، فِلْم أَسْتَطِعْ أَنْ أَحْجُبَهُ، فَاجْتَمَعُوا حَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بِسَاطٍ، فَجَلَّلَهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ بِكِسَاءٍ كَانَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏"‏هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا‏"‏؛ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ حِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى الْبِسَاطِ، قَالَتْ‏:‏ فَقُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ فَوَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ وَقَال‏:‏ ‏"‏إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ‏"‏»‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عَنَى بِذَلِكَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْأَصْبَغُ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ‏:‏ كَانَ عِكْرِمَةُ يُنَادِي فِي السُّوقِ ‏{‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا‏}‏ قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ فِي نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏34‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِأَزْوَاجِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَاذْكُرْنَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُنَّ؛ بِأَنْ جَعْلَكُنَّ فِي بُيُوتٍ تُتْلَى فِيهَا آيَاتُ اللَّهِ وَالْحِكْمَةُ، فَاشْكُرْنَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ، وَاحْمِدْنَهُ عَلَيْهِ، وَعَنَي بِقَوْلِهِ ‏{‏وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ‏}‏‏:‏ وَاذْكُرْنَ مَا يُقْرَأُ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ كِتَابِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ، وَيَعْنِي بِالْحِكْمَةِ‏:‏ مَا أُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْكَامِ دِينِ اللَّهِ، وَلَمْ يَنْزِلُ بِهِ قُرْآنٌ، وَذَلِكَ السُّنَّةُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ‏}‏‏:‏ أَيِ‏:‏ السُّنَّةُ، قَالَ‏:‏ يَمْتَنُّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ كَانَ ذَا لُطْفٍ بِكُنَّ؛ إِذْ جَعَلَكُنَّ فِي الْبُيُوتِ الَّتِي تُتْلَى فِيهَا آيَاتُهُ وَالْحِكْمَةُ، خَبِيرًا بِكُنَّ إِذِ اخْتَارَكُنَّ لِرَسُولِهِ أَزْوَاجًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏35‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ الْمُتَذَلِّلِينَ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ وَالْمُتَذَلِّلَاتِ، وَالْمُصَدِّقِينَ وَالْمُصَدِّقَاتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ لِلَّهِ، وَالْمُطِيعِينَ لِلَّهِ وَالْمُطِيعَاتِ لَهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ، وَالصَّادِقِينَ لِلَّهِ فِيمَا عَاهَدُوهُ عَلَيْهِ وَالصَّادِقَاتِ فِيهِ، وَالصَّابِرِينَ لِلَّهِ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ عَلَى الثَّبَاتِ عَلَى دِينِهِ وَحِينَ الْبَأْسِ وَالصَّابِرَاتِ، وَالْخَاشِعَةِ قُلُوبَهُمْ لِلَّهِ وَجَلًا مِنْهُ وَمِنْ عِقَابِهِ وَالْخَاشِعَاتِ، وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَهُمُ الْمُؤَدُّونَ حُقُوقَ اللَّهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَالْمُؤَدِّيَاتِ، وَالصَّائِمِينَ شَهْرَ رَمَضَانَ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ صَوْمَهُ عَلَيْهِمْ وَالصَّائِمَاتِ ذَلِكَ، وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ وَالْحَافِظَاتُ ذَلِكَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ إِنْ كُنَّ حَرَائِرَ أَوْ مَنْ مَلَكَهُنَّ إِنْ كُنَّ إِمَاءً، وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ بِقُلُوبِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ وَجَوَارِحِهِمْ وَالذَّاكِرَاتِ، كَذَلِكَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِمْ، وَأَجْرًا عَظِيمًا‏:‏ يَعْنِي ثَوَابًا فِي الْآخِرَةِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ عَظِيمًا، وَذَلِكَ الْجَنَّةُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ دَخَلَ نِسَاءٌ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَ‏:‏ قَدْ ذَكَرَكُنَّ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ، وَلَمْ نُذْكَرْ بِشَيْءٍ، أَمَا فِينَا مَا يُذْكَرُ‏؟‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏{‏إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ‏}‏‏:‏ أَيِ‏:‏ الْمُطِيعِينَ وَالْمُطِيعَاتِ، ‏{‏وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ‏}‏ أَيِ‏:‏ الْخَائِفِينَ وَالْخَائِفَاتِ ‏{‏أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً‏}‏ لِذُنُوبِهِمْ ‏(‏وَأَجْرًا عَظِيمًا‏)‏ فِي الْجَنَّةِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ ‏(‏وَأَجْرًا عَظِيمًا‏)‏ قَالَ‏:‏ الْجَنَّةُ، وَفِي قَوْلِهِ ‏{‏وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمُطِيعِينَ وَالْمُطِيعَاتِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ‏:‏ الْقَانِتَاتُ‏:‏ الْمُطِيعَاتُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُؤَمِّلٌ، قَالَ سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ قَالَتْأُمُّ سَلَمَةَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ يُذْكَرُ الرِّجَالُ وَلَا نُذْكَرُ؛ فَنَزَلَتْ ‏{‏إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنْ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ حَدَّثَهُ أَنَّأُمَّ سَلَمَةَقَالَتْ‏:‏ «قُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُذْكَرُ الرِّجَالُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلَا نُذْكَرُ‏؟‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ‏{‏إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ‏}‏ الْآيَة»‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَيَّارُ بْنُ مُظَاهِرٍ الْعَنَزِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ يَحْيَى بْن مُهَلَّبٍ، عَنْ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ قَالَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَالَهُ يَذْكُرُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَذْكُرُ الْمُؤْمِنَاتِ‏؟‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ‏{‏إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ‏}‏ الْآيَةَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ ‏{‏إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَتْأُمُّ سَلَمَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَا لِلنِّسَاءِ لَا يَذْكُرْنَ مَعَ الرِّجَالِ فِي الصَّلَاحِ‏؟‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُعَمِّرِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو هِشَامٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَمَّسَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ‏:‏ قَلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا لَا نُذْكَرُ فِي الْقُرْآنِ كَمَا يُذْكَرُ الرِّجَالِ‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ فَلَمْ يَرُعْنِي ذَاتَ يَوْمٍ ظُهْرًا إِلَّا نِدَاؤُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَنَا أُسَرِّحُ رَأْسِي، فَلَفَفْتُ شَعْرِي ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى حُجْرَةٍ مِنْ حَجَرِهِنَّ، فَجَعَلْتُ سَمْعِي عِنْدَ الْجَرِيدِ، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ‏:‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ ‏{‏أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا‏}‏‏.‏