فصل: تفسير الآيات رقم (114- 116)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآيات رقم ‏[‏114- 116‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَقَدْ تَفَضَّلْنَا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ابْنَيْ عِمْرَانَ، فَجَعَلْنَاهُمَا نَبِيَّيْنِ، وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْغَمِّ وَالْمَكْرُوهِ الْعَظِيمِ الَّذِي كَانُوا فِيهِ مِنْ عُبُودَةِ آلِ فِرْعَوْنَ، وَمِمَّا أَهْلَكْنَا بِهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ مِنَ الْغَرَقِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنَ الْغَرَقِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ‏}‏‏:‏ أَيٌّ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏(‏وَنَصَرْنَاهُمْ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ وَنَصَرْنَا مُوسَى وَهَارُونَ وَقَوْمَهُمَا عَلَى فِرْعَوْنَ وَآلِهِ بِتَغْرِيقِنَاهُمْ، ‏{‏فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ‏}‏ لَهُمْ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ‏:‏ إِنَّمَا أُرِيدَ بِالْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي قَوْلِهِ ‏(‏وَنَصَرْنَاهُمْ‏)‏ مُوسَى وَهَارُونُ، وَلَكِنَّهَا أُخْرِجَتْ عَلَى مُخْرَجِ مَكْنِيِّ الْجَمْعِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَذْهَبُ بِالرَّئِيسِ كَالنَّبِيِّ وَالْأَمِيرِ وَشُبِّهَ إِلَى الْجَمْعِ بِجُنُودِهِ وَأَتْبَاعِهِ، وَإِلَى التَّوْحِيدِ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ فِي الْأَصْلِ، وَمِثْلُهُ‏:‏ ‏{‏عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ‏}‏ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ‏:‏ وَمَلَئِهِ قَالَ‏:‏ وَرُبَّمَا ذَهَبَتِ الْعَرَبُ بِالِاثْنَيْنِ إِلَى الْجَمْعِ كَمَا تَذْهَبُ بِالْوَاحِدِ إِلَى الْجَمْعِ، فَتُخَاطِبُ الرَّجُلَ، فَتَقُولُ‏:‏ مَا أَحْسَنْتُمْ وَلَا أَجْمَلْتُمْ، وَإِنَّمَا تُرِيدُهُ بِعَيْنِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ هَذَا الَّذِي حَكَيْنَا قَوْلَهُ فِي قَوْلِهِ ‏(‏وَنَصَرْنَاهُمْ‏)‏ وَإِنْ كَانَ قَوْلًا غَيْرَ مَدْفُوعٍ، فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى الِاحْتِيَالِ بِهِ لِقَوْلِهِ ‏(‏وَنَصَرْنَاهُمْ‏)‏ لِأَنَّ اللَّهَ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلَهُ ‏{‏وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ‏}‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏(‏وَنَصَرْنَاهُمْ‏)‏ يَعْنِي‏:‏ هُمَا وَقَوْمَهُمَا، لِأَنَّ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ كَانُوا أَعْدَاءً لِجَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَدِ اسْتَضْعَفُوهُمْ، يَذْبَحُونَ أَبْنَاءَهُمْ، وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَهُمْ، فَنَصَرَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، بِأَنْ غَرَّقَهُمْ وَنَجَّى الْآخَرِينَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏117- 122‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَآتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْكِتَابَ‏:‏ يَعْنِي التَّوْرَاةَ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ‏}‏‏:‏ التَّوْرَاةُ‏.‏

وَيَعْنِي بِالْمُسْتَبِينِ‏:‏ الْمُتَبَيِّنَ هُدَى مَا فِيهِ وَتَفْصِيلُهُ وَأَحْكَامُهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَهَدَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ، الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ دِينُ اللَّهِ، الَّذِي ابْتَعَثَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ‏}‏ الْإِسْلَامَ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخَرِينَ بَعْدَهُمُ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ عَلَيْهِمَا‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَذَلِكَ أَنْ يُقَالَ‏:‏ سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ هَكَذَا نَجْزِي أَهْلَ طَاعَتِنَا، وَالْعَامِلِينَ بِمَا يُرْضِينَا عَنْهُمْ ‏{‏إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ مُوسَى وَهَارُونَ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلِصِينَ لَنَا الْإِيمَانَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏123- 129‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَإِنَّ إِلْيَاسَ، وَهُوَ إِلْيَاسُ بْنُ يَاسِينَ بْنِ فِنْحَاصَ بْنِ الْعِيزَارِ بْنِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ إِنَّهُ إِدْرِيسُ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ‏:‏ كَانَ يُقَالُ‏:‏ إِلْيَاسُ هُوَ إِدْرِيسُ‏.‏ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ‏}‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ لِمُرْسَلٌ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ‏{‏إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ‏}‏‏.‏

‏؟‏ يَقُولُ حِينَ قَالَ لِقَوْمِهِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ‏:‏ أَلَّا تَتَّقُونَ اللَّهَ أَيُّهَا الْقَوْمُ، فَتَخَافُونَهُ، وَتَحْذَرُونَ عُقُوبَتَهُ عَلَى عِبَادَتِكُمْ رَبًّا غَيْرَ اللَّهِ، وَإِلَهًا سِوَاهُ ‏{‏وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَتَدْعُونَ عِبَادَةَ أَحْسَنِ مَنْ قِيلَ لَهُ خَالِقٌ‏.‏

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى بَعْلٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ أَتَدْعُونَ رَبًّا‏؟‏ وَقَالُوا‏:‏ هِيَ لُغَةٌ لِأَهْلِ الْيَمَنِ مَعْرُوفَةٌ فِيهِمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عُمَارَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏أَتَدْعُونَ بَعْلًا‏}‏ قَالَ‏:‏ إِلَهًا‏.‏

حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عُمَارَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏أَتَدْعُونَ بَعْلًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَتَدَعُونَ رَبًّا، وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْيَمَنِ، تَقُولُ‏:‏ مَنْ بَعْلُ هَذَا الثَّوْرِ‏:‏ أَيْ مَنْ رَبُّهُ‏؟‏

حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَا ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏أَتَدْعُونَ بَعْلًا‏}‏ قَالَ‏:‏ رَبَّا‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ‏{‏أَتَدْعُونَ بَعْلًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذِهِ لُغَةٌ بِالْيَمَانِيَةِ‏:‏ أَتَدَعُونَ رَبًّا دُونَ اللَّهِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ ‏{‏أَتَدْعُونَ بَعْلًا‏}‏ قَالَ‏:‏ رَبًّا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، قَالَ‏:‏ كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلُوهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏أَتَدْعُونَ بَعْلًا‏}‏ قَالَ‏:‏ فَسَكَتَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ رَجُلٌ‏:‏ أَنَا بَعْلُهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ كَفَانِي هَذَا الْجَوَابُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُوَ صَنَمٌ كَانَ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ بَعْلٌ، وَبِهِ سُمِّيَتْ بَعْلَبَكَّ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏أَتَدْعُونَ بَعْلًا‏}‏ يَعْنِي‏:‏ صَنَمًا كَانَ لَهُمْ يُسَمَّى بَعْلًا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ‏}‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَعْلٌ‏:‏ صَنَمٌ كَانُوا يَعْبُدُونَ، كَانُوا بِبَعْلَبَكَّ، وَهُمْ وَرَاءُ دِمَشْقَ، وَكَانَ بِهَا الْبَعْلُ الَّذِي كَانُوا يَعْبُدُونَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ كَانَ بَعْلٌ‏:‏ امْرَأَةً كَانُوا يَعْبُدُونَهَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ‏:‏ مَا كَانَ بَعْلٌ إِلَّا امْرَأَةً يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ‏.‏

وَلِلْبَعْلِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَوْجُهٌ‏.‏ يَقُولُونَ لِرَبِّ الشَّيْءِ هُوَ بَعْلُهُ، يُقَالُ‏:‏ هَذَا بَعْلُ هَذِهِ الدَّارِ، يَعْنِي رَبُّهَا، وَيَقُولُونَ لِزَوْجِ الْمَرْأَةِ بَعْلُهَا، وَيَقُولُونَ لِمَا كَانَ مِنَ الْغُرُوسِ وَالزُّرُوعِ مُسْتَغْنِيًا بِمَاءِ السَّمَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ سَقْيًا بَلْ هُوَ بَعْلٌ، وَهُوَ الْعَذْيُ‏.‏ وَذُكِرَ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلْيَاسَ بَعْدَ مَهْلِكَ حِزْقِيلَ بْنِ يُوزَا‏.‏

وَكَانَ مِنْ قِصَّتِهِ وَقِصَّةِ قَوْمِهِ فِيمَا بَلَغَنَا، مَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ حِزْقِيلَ، وَعَظُمَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ الْأَحْدَاثُ، وَنَسُوا مَا كَانَ مِنْ عَهْدِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ، حَتَّى نَصَبُوا الْأَوْثَانَ وَعَبَدُوهَا دُونَ اللَّهِ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ إِلْيَاسَ بْنَ يَاسِينَ بْنِ فِنْحَاصَ بْنِ الْعِيزَارِ بْنِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ نَبِيًّا‏.‏ وَإِنَّمَا كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مُوسَى يُبْعَثُونَ إِلَيْهِمْ بِتَجْدِيدِ مَا نَسُوا مِنَ التَّوْرَاةِ، فَكَانَ إِلْيَاسُ مَعَ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يُقَالُ لَهُ‏:‏ أُحَابُ، كَانَ اسْمُ امْرَأَتِهِ‏:‏ أَرَبَلُ، وَكَانَ يَسْمَعُ مِنْهُ وَيُصَدِّقُهُ، وَكَانَ إِلْيَاسُ يُقِيمُ لَهُ أَمْرَهُ، وَكَانَ سَائِرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدِ اتَّخَذُوا صَنَمًا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ يُقَالُ لَهُ بَعْلٌ‏.‏

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ‏:‏ وَقَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ‏:‏ ‏(‏مَا كَانَ بَعْلٌ إِلَّا امْرَأَةً يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، يَقُولُ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ فَجَعْلَ إِلْيَاسَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَجَعَلُوا لَا يَسْمَعُونَ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْمَلِكِ، وَالْمُلُوكِ مُتَفَرِّقَةٌ بِالشَّامِ، كُلُّ مَلِكٍ لَهُ نَاحِيَةٌ مِنْهَا يَأْكُلُهَا، فَقَالَ ذَلِكَ الْمَلِكُ الَّذِي كَانَ إِلْيَاسُ مَعَهُ يَقُومُ لَهُ أَمْرُهُ، وَيَرَاهُ عَلَى هُدًى مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ يَوْمًا‏:‏ يَا إِلْيَاسُ، وَاللَّهِ مَا أَرَى مَا تَدْعُو إِلَيْهِ إِلَّا بَاطِلًا وَاللَّهِ مَا أَرَى فُلَانًا وَفُلَانًا، يُعَدِّدُ مُلُوكًا مِنْ مُلُوكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ عَبَدُوا الْأَوْثَانَ مِنْ دُونِ اللَّهِ- إِلَّا عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَنْعَمُونَ مُمَلَّكِينَ، مَا يَنْقُصُ دُنْيَاهُمْ أَمْرُهُمُ الَّذِي تَزْعُمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَمَا نَرَى لَنَا عَلَيْهِمْ مِنْ فَضْلٍ، فَيَزْعُمُونَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ إِلْيَاسَ اسْتَرْجَعَ وَقَامَ شَعْرُ رَأْسِهِ وَجِلْدِهِ، ثُمَّ رَفَضَهُ وَخَرَجَ عَنْهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ الْمَلِكُ فِعْلَ أَصْحَابِهِ‏:‏ عَبَدَ الْأَوْثَانَ، وَصَنَعَ مَا يَصْنَعُونَ، فَقَالَ إِلْيَاسُ‏:‏ اللَّهُمَّ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَبَوْا إِلَّا أَنْ يَكْفُرُوا بِكَ وَالْعِبَادَةَ لِغَيْرِكَ، فَغَيِّرْ مَا بِهِمْ مِنْ نِعْمَتِكَ‏)‏ أَوْ كَمَا قَالَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ فَذَكَرَ لِي أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ‏:‏ إِنَّا قَدْ جَعَلْنَا أَمْرَ أَرْزَاقِهِمْ بِيَدِكَ وَإِلَيْكَ حَتَّى تَكُونَ أَنْتَ الَّذِي تَأْذَنُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ إِلْيَاسُ‏:‏ اللَّهُمَّ فَأَمْسِكْ عَلَيْهِمُ الْمَطَرَ، فَحَبَسَ عَنْهُمْ ثَلَاثَ سِنِينَ، حَتَّى هَلَكَتِ الْمَاشِيَةُ وَالْهَوَامُّ وَالدَّوَابُّ وَالشَّجَرُ، وَجَهِدَ النَّاسُ جَهْدًا شَدِيدًا‏.‏ وَكَانَ إِلْيَاسُ فِيمَا يَذْكُرُونَ حِينَ دَعَا بِذَلِكَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدِ اسْتَخْفَى، شَفَقًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُمْ، وَكَانَ حَيْثُمَا كَانَ وُضِعَ لَهُ رِزْقٌ، وَكَانُوا إِذَا وَجَدُوا رِيحَ الْخُبْزَ فِي دَارٍ أَوْ بَيْتٍ، قَالُوا‏:‏ لَقَدْ دَخَلَ إِلْيَاسُ هَذَا الْمَكَانَ فَطَلَبُوهُ، وَلَقِيَ مِنْهُمْ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ شَرًّا‏.‏ ثُمَّ إِنَّهُ أَوَى لَيْلَةً إِلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَهَا ابْنٌ يُقَالُ لَهُ الْيَسَعُ بْنُ أَخُطُوبَ بِهِ ضُرٌّ، فَآوَتْهُ وَأَخْفَتْ أَمْرَهُ، فَدَعَا إِلْيَاسُ لِابْنِهَا، فَعُوفِيَ مِنَ الضُّرِّ الَّذِي كَانَ بِهِ، وَاتَّبَعَ الْيَسَعَ غُلَامًا شَابًّا، فَيَزْعُمُونَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنْ أَوْحَى إِلَى إِلْيَاسَ‏:‏ إِنَّكَ قَدْ أَهْلَكْتَ كَثِيرًا مِنَ الْخَلْقِ مِمَّنْ لَمْ يَعْصِ سِوَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْبَهَائِمِ وَالدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ وَالْهَوَامِّ وَالشَّجَرِ، بِحَبْسِ الْمَطَرِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَيَزْعُمُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ إِلْيَاسَ قَالَ‏:‏ أَيْ رَبِّ دَعْنِي أَنَا الَّذِي أَدْعُو لَهُمْ وَأَكُونُ أَنَا الَّذِي آتِيهِمْ بِالْفَرَجِ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ الَّذِي أَصَابَهُمْ، لَعَلَّهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا وَيَنْزَعُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِكَ، قِيلَ لَهُ‏:‏ نَعَمْ، فَجَاءَ إِلْيَاسُ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ لَهُمْ‏:‏ إِنَّكُمْ قَدْ هَلَكْتُمْ جَهْدًا، وَهَلَكَتِ الْبَهَائِمُ وَالدَّوَابُّ وَالطَّيْرُ وَالْهَوَامُّ وَالشَّجَرُ بِخَطَايَاكُمْ، وَإِنَّكُمْ عَلَى بَاطِلٍ وَغُرُورٍ، أَوْ كَمَا قَالَ لَهُمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ أَنْ تَعْلَمُوا ذَلِكَ، وَتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَيْكُمْ سَاخِطٌ فِيمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الَّذِي أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ الْحَقُّ، فَاخْرُجُوا بِأَصْنَامِكُمْ هَذِهِ الَّتِي تَعْبُدُونَ وَتَزْعُمُونَ أَنَّهَا خَيْرٌ مِمَّا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ، فَإِنِ اسْتَجَابَتْ لَكُمْ، فَذَلِكَ كَمَا تَقُولُونَ، وَإِنْ هِيَ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّكُمْ عَلَى بَاطِلٍ، فَنَزَعْتُمْ، وَدَعَوْتُ اللَّهَ فَفَرَّجَ عَنْكُمْ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ، قَالُوا‏:‏ أَنْصَفْتَ، فَخَرَجُوا بِأَوْثَانِهِمْ، وَمَا يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِحْدَاثِهِمُ الَّذِي لَا يَرْضَى، فَدَعَوْهَا فَلَمْ تَسْتَجِبْ لَهُمْ، وَلَمْ تُفْرِجْ عَنْهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ حَتَّى عَرَفُوا مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالْبَاطِلِ، ثُمَّ قَالُوا لِإِلْيَاسَ‏:‏ يَا إِلْيَاسُ إِنَّا قَدْ هَلَكْنَا فَادْعُ اللَّهُ لَنَا، فَدَعَا لَهُمْ إِلْيَاسُ بِالْفَرْجِ مِمَّا هُمْ فِيهِ، وَأَنْ يَسْقُوا، فَخَرَجَتْ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ بِإِذْنِ اللَّهِ عَلَى ظَهْرِ الْبَحْرِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، ثُمَّ تَرَامَى إِلَيْهِ السَّحَابُ، ثُمَّ أَدْحَسَتْ ثُمَّ أُرْسِلَ الْمَطَرُ، فَأَغَاثَهُمْ، فَحَيَتْ بِلَادُهُمْ، وَفُرِّجَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ، فَلَمْ يَنْزَعُوا وَلَمْ يَرْجِعُوا، وَأَقَامُوا عَلَى أَخْبَثِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ إِلْيَاسُ مِنْ كُفْرِهِمْ، دَعَا رَبَّهُ أَنْ يَقْبِضَهُ إِلَيْهِ، فَيُرِيحَهُ مِنْهُمْ، فَقِيلَ لَهُ فِيمَا يَزْعُمُونَ‏:‏ انْظُرْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَاخْرُجْ فِيهِ إِلَى بَلَدِ كَذَا وَكَذَا، فَمَاذَا جَاءُوكَ مِنْ شَيْءٍ فَارْكَبْهُ وَلَا تَهَبْهُ، فَخَرَجَ إِلْيَاسُ وَخَرَجَ مَعَهُ الْيَسَعُ بْنُ أَخُطُوبَ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي ذُكِرَ لَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، أَقْبَلَ إِلَيْهِ فَرَسٌ مِنْ نَارٍ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ بِهِ، فَنَادَاهُ الْيَسَعُ‏:‏ يَا إِلْيَاسُ، يَا إِلْيَاسُ مَا تَأْمُرُنِي‏؟‏ فَكَانَ آخِرَ عَهْدِهِمْ بِهِ، فَكَسَاهُ اللَّهُ الرِّيشَ، وَأَلْبَسَهُ النُّورَ، وَقَطَعَ عَنْهُ لَذَّةَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ، وَطَارَ فِي الْمَلَائِكَةِ، فَكَانَ إِنْسِيًّا مَلَكِيًّا أَرْضِيًّا سَمَاوِيًّا‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ‏{‏اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ‏:‏ ‏(‏اللَّهَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ‏)‏ رَفْعًا عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَأَنَّ الْخَبَرَ قَدْ تَنَاهَى عِنْدَ قَوْلِهِ ‏{‏أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ‏}‏ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ‏:‏ ‏{‏اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ نَصْبًا، عَلَى الرَّدِّ عَلَى قَوْلِهِ ‏{‏وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ‏}‏ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، مَعَ اسْتِفَاضَةِ الْقِرَاءَةِ بِهِمَا فِي الْقُرَّاءِ، فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ‏.‏ وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ ذَلِكَ مَعْبُودُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ عَلَيْكُمُ الْعِبَادَةَ‏:‏ رَبُّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْمَاضِينَ قَبْلَكُمْ، لَا الصَّنَمُ الَّذِي لَا يَخْلُقُ شَيْئًا، وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَكَذَّبَ إِلْيَاسَ قَوْمُهُ، فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ فِي عَذَابِ اللَّهِ فَيَشْهَدُونَهُ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ‏}‏ فِي عَذَابِ اللَّهِ‏.‏ ‏{‏إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَإِنَّهُمْ يَحْضُرُونَ فِي عَذَابِ اللَّهِ، إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الَّذِينَ أَخْلَصَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ ‏{‏وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَبْقَيْنَا عَلَيْهِ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ فِي الْآخَرِينَ مِنَ الْأُمَمِ بَعْدَهُ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏130- 132‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏سَلَامٌ عَلَى إِلَ يَاسِينَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَمَنَةً مِنَ اللَّهِ لِآلِ يَاسِينَ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ‏{‏سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ‏}‏ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ مَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ‏:‏ ‏{‏سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ‏}‏ بِكَسْرِ الْأَلِفِ مِنْ إِلْيَاسِينَ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ‏:‏ هُوَ اسْمُ إِلْيَاسَ، وَيَقُولُ‏:‏ إِنَّهُ كَانَ يُسَمَّى بِاسْمَيْنِ‏:‏ إِلْيَاسَ، وَإِلْيَاسِينَ مِثْلُ إِبْرَاهِيمَ، وَإِبْرَاهَامَ، يُسْتَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا فِي السُّورَةِ مِنْ قَوْلِهِ ‏(‏سَلَامٌ‏)‏ فَإِنَّهُ سَلَامٌ عَلَى النَّبِيِّ الَّذِي ذُكِرَ دُونَ آلِهِ، فَكَذَلِكَ إِلْيَاسِينُ، إِنَّمَا هُوَ سَلَامٌ عَلَى إِلْيَاسَ دُونَ آلِهِ‏.‏ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ‏:‏ إِلْيَاسُ‏:‏ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْعِبْرَانِيَّةِ، كَقَوْلِهِمْ‏:‏ إِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ مِنْهُ، وَيَقُولُ‏:‏ لَوْ جَعَلْتَهُ عَرَبِيًّا مِنَ الْإِلْسِ، فَتَجْعَلُهُ إِفْعَالًا مِثْلَ الْإِخْرَاجِ، وَالْإِدْخَالِ أُجْرِيَ، وَيَقُولُ‏:‏ قَالَ‏:‏ سَلَامٌ عَلَى إِلْيَاسِينَ، فَتَجْعَلُهُ بِالنُّونِ، وَالْعَجَمِيُّ مِنَ الْأَسْمَاءِ قَدْ تَفْعَلُ بِهِ هَذَا الْعَرَبُ، تَقُولُ‏:‏ مِيكَالُ وَمِيكَائِيلُ وَمِيكَائِيلُ، وَهِيَ فِي بَنِي أَسَدٍ تَقُولُ‏:‏ هَذَا إِسْمَاعِينُ قَدْ جَاءَ، وَسَائِرُ الْعَرَبِ بِاللَّامِ، قَالَ‏:‏ وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ بَنِي نُمَيْرٍ لِضَبٍّ صَادَهُ‏:‏

يَقُولُ رَبُّ السُّوقِ لَمَّا جِيْنَا *** هَذَا وَرَبِّ الْبَيْتِ إِسْرَائِينَا

قَالَ‏:‏ فَهَذَا كَقَوْلِهِ إِلْيَاسِينُ، قَالَ‏:‏ وَإِنْ شِئْتَ ذَهَبْتَ بِإِلْيَاسِينَ إِلَى أَنْ تَجْعَلَهُ جَمْعًا، فَتَجْعَلُ أَصْحَابَهُ دَاخِلِينَ فِي اسْمِهِ، كَمَا تَقُولُ لِقَوْمٍ رَئِيسُهُمُ الْمُهَلَّبُ‏:‏ قَدْ جَاءَتْكُمُ الْمَهَالِبَةُ وَالْمُهَلَّبُونَ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمُ الْأَشْعَرَيْنِ بِالتَّخْفِيفِ، وَالسَّعْدِينَ بِالتَّخْفِيفِ وَشِبْهِهِ، قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

أَنَا ابْنُ سَعْدٍ سَيِّدِ السَّعْدِينَا ***

قَالَ‏:‏ وَهُوَ فِي الِاثْنَيْنِ أَنْ يَضُمَّ أَحَدَهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ إِذَا كَانَ أَشْهَرَ مِنْهُ اسْمًا كَقَوْلِ الشَّاعِرِ‏:‏

جَزَانِي الزَّهْدَمَانِ جَزَاءَ سَوْءٍ *** وَكُنْتُ الْمَرْءَ يُجْزَى بِالْكَرَامَةْ

وَاسْمُ أَحَدِهِمَا‏:‏ زَهْدَمٌ، وَقَالَ الْآخَرُ‏:‏

جَزَى اللهُ فِيهَا الْأَعْوَرَيْنِ ذَمَامَةً *** وَفَرْوَةَ ثَفْرِ الثَّوْرَةِ الْمُتَضَاجِمِ

وَاسْمُ أَحَدِهِمَا أَعْوَرُ‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ‏:‏ ‏"‏سَلَامٌ عَلَى آلِ يَاسِينَ‏"‏ بِقَطْعِ آلٍ مِنْ يَاسِينَ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ بِمَعْنَى‏:‏ سَلَامٌ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ‏.‏ وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ قَوْلَهُ ‏(‏وَإِنَّ إِلْيَاسَ‏)‏ بِتَرْكِ الْهَمْزِ فِي إِلْيَاسَ وَيَجْعَلُ الْأَلِفَ وَاللَّامَ دَاخِلَتَيْنِ عَلَى‏"‏يَاسَ‏"‏ لِلتَّعْرِيفِ، وَيَقُولُ‏:‏ إِنَّمَا كَانَ اسْمُهُ‏"‏يَاسَ‏"‏ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ أَلِفٌ وَلَامٌ ثُمَّ يَقْرَأُ عَلَى ذَلِكَ‏:‏ ‏"‏سَلَامٌ عَلَى إِلْيَاسِينَ ‏"‏‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ‏:‏ ‏{‏سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ‏}‏ بِكَسْرِ أَلِفِهَا عَلَى مِثَالِ إِدْرَاسَيْنَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ كُلِّ مَوْضِعٍ ذَكَرَ فِيهِ نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِأَنَّ عَلَيْهِ سَلَامًا لَا عَلَى آلِهِ، فَكَذَلِكَ السَّلَامُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى إِلْيَاسَ كَسَلَامِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ، لَا عَلَى آلِهِ، عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا مِنْ مَعْنَى ذَلِكَ‏.‏

فَإِنَّ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ إِلْيَاسِينَ غَيْرُ إِلْيَاسَ، فَإِنَّ فِيمَا حَكَيْنَا مِنِ احْتِجَاجِ مَنِ احْتَجَّ بِأَنَّ إِلْيَاسِينَ هُوَ إِلْيَاسُ غِنَيً عَنِ الزِّيَادَةِ فِيهِ‏.‏

مَعَ أَنَّ فِيمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ‏{‏سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِلْيَاسُ‏.‏

وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ ‏"‏سَلَامٌ عَلَى إِدْرَاسِينَ‏"‏ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى خَطَأِ قَوْلِ مَنْ قَالَ‏:‏ عَنَى بِذَلِكَ سَلَامٌ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَفَسَادِ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ‏:‏ ‏"‏وَإِنَّ إِلْيَاسَ‏"‏ بِوَصْلِ النُّونِ مِنْ‏"‏إِنَّ‏"‏ بِالْيَاسَ، وَتَوْجِيهِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِيهِ إِلَى أَنَّهُمَا أُدْخِلَتَا تَعْرِيفًا لِلِاسْمِ الَّذِي هُوَ يَاسُ، وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ يَقُولُ‏:‏ إِلْيَاسُ هُوَ إِدْرِيسُ، وَيَقْرَأُ‏:‏ ‏"‏وَإِنَّ إِدْرِيسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ‏"‏، ثُمَّ يَقْرَأُ عَلَى ذَلِكَ‏:‏ ‏"‏سَلَامٌ عَلَى إِدْرَاسِينَ‏"‏، كَمَا قَرَأَ الْآخَرُونَ‏:‏ ‏{‏سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ‏}‏ بِقِطَعِ الْآلِ مِنْ يَاسِينَ‏.‏ وَنَظِيرُ تَسْمِيَةِ إِلْيَاسَ بِإِلْ يَاسِينَ‏:‏ ‏{‏وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ‏}‏ ‏[‏ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ‏:‏ ‏(‏وَطُورِ سِينِينَ‏)‏ وَهُوَ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ سُمِّي بِذَلِكَ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّا هَكَذَا نَجْزِي أَهْلَ طَاعَتِنَا وَالْمُحْسِنِينَ أَعْمَالًا وَقَوْلُهُ ‏{‏إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ إِلْيَاسَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِنَا الَّذِينَ آمَنُوا، فَوَحَّدُونَا، وَأَطَاعُونَا، وَلَمْ يُشْرِكُوا بِنَا شَيْئًا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏133- 136‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَإِنَّ لُوطًا الْمُرْسَلَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ‏.‏

‏{‏إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِذْ نَجَّيْنَا لُوطًا وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي أَحْلَلْنَاهُ بِقَوْمِهِ، فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِهِ‏.‏ ‏{‏إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِلَّا عَجُوزًا فِي الْبَاقِينَ، وَهِيَ امْرَأَةُ لُوطٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا خَبَرَهَا فِيمَا مَضَى، وَاخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ‏(‏فِي الْغَابِرِينَ‏)‏، وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا‏.‏

وَقَدْ حُدِّثْتُ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ ‏{‏إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِلَّاِ امْرَأَتَهُ تَخَلَّفَتْ فَمُسِخَتْ حَجَرًا، وَكَانَتْ تُسَمَّىهِيشَفَعَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْهَالِكِينَ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ قَذَفْنَاهُمْ بِالْحِجَارَةِ مِنْ فَوْقِهِمْ، فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذَلِكَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏137- 138‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ‏:‏ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ الَّذِينَ دَمَّرْنَاهُمْ عِنْدَ إِصْبَاحِكُمْ نَهَارًا وَبِاللَّيْلِ‏.‏ كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ‏}‏ قَالُوا‏:‏ نَعَمْ وَاللَّهِ صَبَاحًا وَمَسَاءً يَطَئُونَهَا وَطْئًا، مَنْ أَخَذَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الشَّامِ، أَخَذَ عَلَى سَدُومَ قَرْيَةِ قَوْمِ لُوطٍ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ ‏{‏لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي أَسْفَارِكُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏(‏أَفَلَا تَعْقِلُونَ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ أَفَلَيْسَ لَكُمْ عُقُولٌ تَتَدَبَّرُونَ بِهَا وَتَتَفَكَّرُونَ، فَتَعْلَمُونَ أَنَّ مَنْ سَلَكَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ فِي الْكُفْرِ بِهِ، وَتَكْذِيبِ رُسُلِهِ، مَسْلَكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ، نَازِلٌ بِهِمْ مِنْ عُقُوبَةِ اللَّهِ، مِثْلُ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، وَتَكْذِيبِ رَسُولِهِ، فَيَزْجُرُكُمْ ذَلِكَ عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ، وَتَكْذِيبِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏(‏أَفَلَا تَعْقِلُونَ‏)‏ قَالَ‏:‏ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ مَا أَصَابَهُمْ فِي مَعَاصِي اللَّهِ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ، قَالَ‏:‏ وَذَلِكَ الْمُرُورُ أَنْ يَمُرَّ عَلَيْهِمْ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏139- 142‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَإِنَّ يُونُسَ لَمُرْسَلٌ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَى أَقْوَامِهِمْ ‏{‏إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ حِينَ فَرَّ إِلَى الْفُلْكِ، وَهُوَ السَّفِينَةُ، الْمَشْحُونِ‏:‏ وَهُوَ الْمَمْلُوءُ مِنَ الْحُمُولَةِ الْمُوقَرُ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ‏}‏ كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّهُ الْمُوَقَرُ مِنَ الْفُلْكِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمُوَقَرُ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏(‏فَسَاهَمَ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ فَقَارَعَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ‏(‏فَسَاهَمَ‏)‏ يَقُولُ أَقْرَعَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَاحْتَبَسَتِ السَّفِينَةُ، فَعِلْمَ الْقَوْمُ أَنَمَا احْتَبَسَتْ مِنْ حَدَثٍ أَحْدَثُوهُ، فَتَسَاهَمُوا، فَقُرِعَ يُونُسُ، فَرَمَى بِنَفْسِهِ، فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ ‏(‏فَسَاهَمَ‏)‏ قَالَ‏:‏ قَارَعَ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ فَكَانَ مِنَ الْمَسْهُومِينَ الْمَغْلُوبِينَ، يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ أَدْحَضَ اللَّهُ حُجَّةَ فُلَانٍ فَدَحَضَتْ‏:‏ أَيْ أَبْطَلَهَا فَبَطَلَتْ، وَالدَّحْضُ‏:‏ أَصْلُهُ الزَّلَقُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْهُمْ‏:‏ دَحَضَ اللَّهُ حُجَّتَهُ، وَهِيَ قَلِيلَةٌ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ‏{‏فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مِنَ الْمَقْرُوعِينَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ ‏(‏مِنَ الْمُدْحَضِينَ‏)‏ قَالَ‏:‏ مِنَ الْمَسْهُومِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ ‏{‏فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنَ الْمُقَرَّعِينَ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏(‏فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ فَابْتَلَعَهُ الْحُوتُ، وَهُوَ افْتَعَلَ مِنَ اللَّقْمِ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏(‏وَهُوَ مُلِيمٌ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ وَهُوَ مُكْتَسِبٌ اللَّوْمَ، يُقَالُ‏:‏ قَدْ أَلَامَ الرَّجُلُ، إِذَا أَتَى مَا يُلَامُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يُلَمْ، كَمَا يُقَالُ‏:‏ أَصْبَحْتُ مُحْمِقًا مُعْطِشًا‏:‏ أَيْ عِنْدَكَ الْحُمْقُ وَالْعَطَشُ، وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ‏:‏

سَفَهًا عَذَلْتَ وَلُمْتَ غَيْرَ مُلِيمِ *** وَهَدَاكَ قَبْلَ الْيَوْمِ غَيْرُ حَكِيمِ

فَأَمَّا الْمَلُومُ فَهُوَ الَّذِي يُلَامُ بِاللِّسَانِ، وَيَعْذِلُ بِالْقَوْلِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ ‏(‏وَهُوَ مُلِيمٌ‏)‏ قَالَ‏:‏ مُذْنِبٌ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏(‏وَهُوَ مُلِيمٌ‏)‏‏:‏ أَيْ فِي صُنْعِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏.‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏(‏وَهُوَ مُلِيمٌ‏)‏ قَالَ‏:‏ وَهُوَ مُذْنِبٌ، قَالَ‏:‏ وَالْمِلِّيمُ‏:‏ الْمُذْنِبُ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏143- 146‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏(‏فَلَوْلَا أَنَّهُ‏)‏ يَعْنِي يُونُسَ ‏(‏كَانَ مِنَ‏)‏ الْمُصَلِّينَ لِلَّهِ قَبْلَ الْبَلَاءِ الَّذِي ابْتُلِيَ بِهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ بِالْحَبْسِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ‏{‏لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَبَقِيَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، يَوْمِ يَبْعَثُ اللَّهُ فِيهِ خَلْقَهُ مَحْبُوسًا، وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنَ الذَّاكِرِينَ اللَّهُ قَبْلَ الْبَلَاءِ، فَذَكَرَهُ اللَّهُ فِي حَالِ الْبَلَاءِ، فَأَنْقَذَهُ وَنَجَّاهُ‏.‏

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي وَقْتِ تَسْبِيحِ يُونُسَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ بِهِ، فَقَالَ ‏{‏فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، وَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ‏(‏مِنَ الْمُسَبِّحِينَ‏)‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ‏}‏ كَانَ كَثِيرَ الصَّلَاةِ فِي الرَّخَاءِ، فَنَجَّاهُ اللَّهُ بِذَلِكَ، قَالَ‏:‏ وَقَدْ كَانَ يُقَالُ فِي الْحِكْمَةِ‏:‏ إِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ إِذَا مَا عَثَرَ، فَإِذَا صُرِعَ وَجَدَ مُتَّكَئًا‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ طَوِيلَ الصَّلَاةِ فِي الرَّخَاءِ، قَالَ‏:‏ وَإِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ إِذَا عَثَرَ، إِذَا صُرِعَ وَجَدَ مُتَّكَئًا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو ضَحَرٍ، أَنَّ يَزِيدَ الرَّقَاشِيَّ، حَدَّثَهُ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ‏:‏ وَلَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّ أَنَسًا يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ «أَنَّ يُونُسَ النَّبِيَّ حِينَ بَدَا لَهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهُ بِالْكَلِمَاتِ حِينَ نَادَاهُ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، فَقَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَأَقْبَلَتِ الدَّعْوَةُ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ‏:‏ يَا رَبِّ هَذَا صَوْتٌ ضَعِيفٌ مَعْرُوفٌ فِي بِلَادٍ غَرِيبَةٍ، قَالَ‏:‏ أَمَا تَعْرِفُونَ ذَلِكَ‏؟‏ قَالُوا يَا رَبِّ وَمَنْ هُوَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ذَلِكَ عَبْدِي يُونُسُ، قَالُوا‏:‏ عَبْدُكَ يُونُسُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ يُرْفَعُ لَهُ عَمَلٌ مُتَقَبَّلٌ وَدَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، قَالُوا‏:‏ يَا رَبِّ أَوَلَا يُرْحَمُ بِمَا كَانَ يَصْنَعُ فِي الرَّخَاءِ فَتُنَجِّيهِ مِنَ الْبَلَاءِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى، فَأَمَرَ الْحُوتَ فَطَرَحَهُ بِالْعَرَاء» ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنَ الْمُصَلِّينَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ‏{‏فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنَ الْمُصَلِّينَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ ‏{‏فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ فِيمَا خَلَا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏مِنَ الْمُسَبِّحِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمُصَلِّينَ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَعْفَرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِهِ‏:‏ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي الرَّخَاءِ يَذْكُرْكُمْ فِي الشِّدَّةِ، إِنَّ يُونُسَ كَانَ عَبْدًا لِلَّهِ ذَاكِرًا، فَلَمَّا أَصَابَتْهُ الشِّدَّةُ دَعَا اللَّهُ فَقَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏(‏لَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمٍ يُبْعَثُونَ‏)‏ فَذَكَرَهُ اللَّهُ بِمَا كَانَ مِنْهُ، وَكَانَ فِرْعَوْنُ طَاغِيًا بَاغِيًا فَلَمَّا ‏{‏أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ‏}‏ قَالَ الضَّحَّاكُ‏:‏ فَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي الرَّخَاءِ يَذْكُرْكُمْ فِي الشِّدَّةِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَقِيلَ‏:‏ إِنَّمَا أَحْدَثَ الصَّلَاةَ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ‏}‏ فِي بَطْنِ الْحُوتِ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ كَانَ ذَلِكَ تَسْبِيحًا، لَا صَلَاةً‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَوَاللَّهِ مَا كَانَتْ إِلَّا صَلَاةً أَحْدَثَهَا فِي بَطْنِ الْحُوتِ، قَالَ عِمْرَانُ‏:‏ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِقَتَادَةَ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَقَالَ‏:‏ كَانَ وَاللَّهِ يُكْثِرُ الصَّلَاةَ فِي الرَّخَاءِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏{‏فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَ ‏{‏لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ‏}‏ فَلَمَّا قَالَهَا، قَذْفَهُ الْحُوتُ، وَهُوَ مَغْرِبٌ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ‏{‏لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمٍ يُبْعَثُونَ‏}‏‏:‏ لَصَارَ لَهُ بَطْنُ الْحُوتِ قَبْرًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ‏:‏ لَبِثَ يُونُسُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَقَذَفْنَاهُ بِالْفَضَاءِ مِنَ الْأَرْضِ، حَيْثُ لَا يُوَارِيهِ شَيْءٌ مِنْ شَجَرٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

وَرَفَعْتُ رِجْلًا لَا أَخَافُ عِثَارَهَا *** وَنَبَذْتُ بِالْبَلَدِ الْعَرَاءِ ثِيابِي

يَعْنِي بِالْبَلَدِ‏:‏ الْفَضَاءَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ‏{‏فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَلْقَيْنَاهُ بِالسَّاحِلِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ‏}‏ بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ وَلَا نَبَاتٌ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ ‏(‏بِالْعَرَاءِ‏)‏ قَالَ‏:‏ بِالْأَرْضِ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏(‏وَهُوَ سَقِيمٌ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ وَهُوَ كَالصَّبِيِّ الْمَنْفُوسِ‏:‏ لَحْمٌ نِيءٌ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ‏(‏وَهُوَ سَقِيمٌ‏)‏ كَهَيْئَةِ الصَّبِيِّ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ خَرَجَ بِهِ، يَعْنِي الْحُوتَ، حَتَّى لَفْظَهُ فِي سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَطَرَحَهُ مِثْلَ الصَّبِيِّ الْمَنْفُوسِ، لَمْ يَنْقُصْ مِنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ مَا لَفَظَهُ الْحُوتُ حَتَّى صَارَ مِثْلَ الصَّبِيِّ الْمَنْفُوسِ، قَدْ نَشَرَ اللَّحْمُ وَالْعَظْمُ، فَصَارَ مِثْلَ الصَّبِيِّ الْمَنْفُوسِ، فَأَلْقَاهُ فِي مَوْضِعٍ، وَأَنْبَتَ اللَّهُ عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَأَنْبَتْنَا عَلَى يُونُسَ شَجَرَةً مِنَ الشَّجَرِ الَّتِي لَا تَقُومُ عَلَى سَاقٍ، وَكُلُّ شَجَرَةٍ لَا تَقُومُ عَلَى سَاقٍ كَالدُّبَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالْحَنْظَلِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهِيَ عِنْدَ الْعَرَبِ يَقْطِينٌ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْبُتُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَيْسَ لَهُ سَاقٌ‏.‏

حَدَّثَنِي مَطَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْأَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ كُلُّ شَيْءٍ يَنْبُتُ ثُمَّ يَمُوتُ مِنْ عَامِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ ‏{‏شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ‏}‏ فَقَالُوا عِنْدَهُ‏:‏ الْقُرْعُ، قَالَ‏:‏ وَمَا يَجْعَلُهُ أَحَقَّ مِنَ الْبِطِّيخِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ ‏{‏شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ غَيْرُ ذَاتِ أَصْلٍ مِنَ الدُّبَّاءِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ نَحْوِهِ‏.‏ وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُوَ الْقَرْعُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ‏{‏وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْقَرْعُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْقَرْعُ‏.‏

حَدَّثَنِي مَطَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوِدَيِّ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْقَرْعُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ‏}‏‏:‏ كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّهَا الدُّبَّاءُ، هَذَا الْقَرْعُ الَّذِي رَأَيْتُمْ أَنْبَتَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ يَأْكُلُ مِنْهَا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبُو صَخْرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي ابْنُ قُسَيْطٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ‏:‏ طُرِحَ بِالْعَرَاءِ، فَأَنْبَتَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَقْطِينَةً، فَقُلْنَا‏:‏ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَمَا الْيَقْطِينَةُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ الشَّجَرَةُ الدُّبَّاءُ، هَيَّأَ اللَّهُ لَهُ أَرَوِيَّةً وَحْشِيَّةً تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ-أَوْ هَشَاشِ- فَتَفْشَحُ عَلَيْهِ فَتَرْوِيهِ مِنْ لَبَنِهَا كُلَّ عَشِيَّةٍ وَبُكْرَةٍ حَتَّى نَبَتَ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ أَبِي الصَّلْتِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فِي ذَلِكَ بَيْتًا مِنْ شِعْرٍ‏:‏

فَأَنْبَتَ يَقْطِينًا عَلَيْهِ بِرَحْمَةٍ *** مِنَ اللهِ لَوْلَا اللهُ أُلْفِيَ ضَاحِيَا

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مُغِيرَةَ فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْقَرْعُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْقَرْعُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ أَنْبَتَ اللَّهُ عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ، قَالَ‏:‏ فَكَانَ لَا يَتَنَاوَلُ مِنْهَا وَرَقَةً فَيَأْخُذُهَا إِلَّا أَرْوَتْهُ لَبَنًا، أَوْ قَالَ‏:‏ شَرِبَ مِنْهَا مَا شَاءَ حَتَّى نَبَتَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ الْقَرْعُ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّيهِ الدُّبَّاءَ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ الْقَرْعُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ ‏{‏وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْقَرْعُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ كَانَ الْيَقْطِينُ شَجَرَةً أَظَلَّتْ يُونُسَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ‏:‏ الْيَقْطِينُ‏:‏ شَجَرَةٌ سَمَّاهَا اللَّهُ يَقْطِينًا أَظَلَّتْهُ، وَلَيْسَ بِالْقَرْعِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فِيمَا ذُكِرَ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ دَابَّةَ الْأَرْضِ، فَجَعَلَتْ تَقْرِضُ عُرُوقَهَا، وَجَعَلَ وَرَقَهَا يَتَسَاقَطُ حَتَّى أَفْضَتْ إِلَيْهِ الشَّمْسُ وَشَكَاهَا، فَقَالَ‏:‏ يَا يُونُسُ جَزِعْتَ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ، وَلَمْ تَجْزَعْ لِمِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ تَابُوا إِلَيَّ، فَتُبْتُ عَلَيْهِمْ‏؟‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏147- 149‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَأَرْسَلْنَا يُونُسَ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ مِنَ النَّاسِ، أَوْ يَزِيدُونَ عَلَى مِئَةِ أَلْفٍ‏.‏ وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ مَعْنَى قَوْلِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏‏:‏ بَلْ يَزِيدُونَ‏.‏

ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُؤَمَّلٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَزْوَرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ بَلْ يَزِيدُونَ، كَانُوا مِئَةَ أَلْفٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَزِيدُونَ سَبْعِينَ أَلْفًا، وَقَدْ كَانَ الْعَذَابُ أُرْسِلَ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا فَرَّقُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَأَوْلَادِهَا، وَالْبَهَائِمِ وَأَوْلَادِهَا، وَعَجُّوا إِلَى اللَّهِ، كَشَفَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، وَأَمْطَرَتِ السَّمَاءُ دَمًا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ زُهَيْرًا، عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا الْعَالِيَةِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي «أَبِيُّ بْنُ كَعْبٍ، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ ‏{‏وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَزِيدُونَ عِشْرُونَ أَلْفًا»‏.‏

وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ فِي ذَلِكَ‏:‏ مَعْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ كَانُوا يَزِيدُونَ عِنْدَكُمْ، يَقُولُ‏:‏ كَذَلِكَ كَانُوا عِنْدَكُمْ‏.‏

وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ ‏{‏وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ‏}‏ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ إِلَى قَوْمِهِ الَّذِينَ وَعَدَهُمُ الْعَذَابَ، فَلَمَّا أَظَلَّهُمْ تَابُوا، فَكَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمْ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ إِنَّهُمِ اَهْلُ نِينَوَى‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ‏}‏ أَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ نِينَوَى مِنْ أَرْضِ الْمَوْصِلِ، قَالَ‏:‏ قَالَ الْحَسَنُ‏:‏ بَعَثَهُ اللَّهُ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُ ‏{‏فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ ‏{‏إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَوْمُ يُونُسَ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يَلْتَقِمَهُ الْحُوتُ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ إِنَّ يُونُسَ أُرْسِلَ إِلَى أَهْلِ نِيْنَوَى بَعْدَ مَا نَبَذَهُ الْحُوتُ بِالْعَرَاءِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا هِلَالٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ ثَنَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، قَالَ‏:‏ ‏(‏أَتَاهُ جِبْرَائِيلُ، يَعْنِي يُونُسَ، وَقَالَ‏:‏ انْطَلِقْ إِلَى أَهْلِ نِينَوَى فَأَنْذِرْهُمْ أَنَّ الْعَذَابَ قَدْ حَضَرَهُمْ، قَالَ‏:‏ أَلْتَمِسُ دَابَّةً، قَالَ‏:‏ الْأَمْرُ أَعْجَلُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ‏:‏ أَلْتَمِسُ حِذَاءً، قَالَ‏:‏ الْأَمْرُ أَعْجَلُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ‏:‏ فَغَضِبَ فَانْطَلَقَ إِلَى السَّفِينَةِ فَرَكِبَ، فَلَمَّا رَكِبَ احْتَبَسَتِ السَّفِينَةُ لَا تُقَدِّمُ وَلَا تُؤَخِّرُ، قَالَ‏:‏ فَتَسَاهَمُوا، قَالَ‏:‏ فَسُهِمَ، فَجَاءَ الْحُوتُ يُبَصْبِصُ بِذَنْبِهِ، فَنُودِيَ الْحُوتُ‏:‏ أَيَّا حُوتُ إِنَّا لَمْ نَجْعَلْ يُونُسَ لَكَ رِزْقًا، إِنَّمَا جَعَلْنَاكَ لَهُ حَوْزًا وَمَسْجِدًا، قَالَ‏:‏ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ، فَانْطَلَقَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ حَتَّى مَرَّ بِهِ عَلَى الْأيْلَةِ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ حَتَّى مَرَّ بِهِ عَلَى دِجْلَةَ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ حَتَّى أَلْقَاهُ فِي نِينَوَى‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو هِلَالٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ إِنَّمَا كَانَتْ رِسَالَةُ يُونُسَ بَعْدَ مَا نَبَذَهُ الْحُوتُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏(‏فَآمَنُوا‏)‏ يَقُولُ‏:‏ فَوَحَّدُوا اللَّهَ الَّذِي أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يُونُسَ، وَصَدَّقُوا بِحَقِيقَةِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ يُونُسُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَأَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ، وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ بِحَيَاتِهِمْ إِلَى بُلُوغِ آجَالِهِمْ مِنَ الْمَوْتِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ‏}‏‏:‏ الْمَوْتُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَوْتُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏(‏فَاسْتَفْتِهِمْ‏)‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ سَلْ يَا مُحَمَّدُ مُشْرِكِي قَوْمِكَ مِنْ قُرَيْشٍ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ‏}‏‏:‏ يَعْنِي مُشْرِكِي قُرَيْشٍ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ سَلْهُمْ، وَقَرَأَ‏:‏ ‏(‏وَيَسْتَفْتُونَكَ‏)‏ قَالَ‏:‏ يَسْأَلُونَكَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ‏(‏فَاسْتَفْتِهِمْ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ سَلْهُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ‏}‏‏:‏ ذَكَرَ أَنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ كَانُوا يَقُولُونَ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَكَانُوا يَعْبُدُونَهَا، فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ‏:‏ سَلْهُمْ، وَقُلْ لَهُمْ‏:‏ أَلِرَبِّي الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ‏؟‏‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ‏{‏أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ‏}‏‏؟‏ لِأَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ يَعْنِي مُشْرِكِي قُرَيْشٍ‏:‏ لِلَّهِ الْبَنَاتُ، وَلَهُمُ الْبَنُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏150- 152‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ‏}‏‏.‏

يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَمْ شَهِدَ هَؤُلَاءِ- الْقَائِلُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ- خَلْقِي الْمَلَائِكَةَ وَأَنَا أَخْلُقُهُمْ إِنَاثًا، فَشَهِدُوا هَذِهِ الشَّهَادَةَ، وَوَصَفُوا الْمَلَائِكَةَ بِأَنَّهَا إِنَاثٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَلَا إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ كَذِبِهِمْ ‏{‏لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ‏}‏ فِي قَيْلِهِمْ ذَلِكَ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مِنْ كَذِبِهِمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَلَا إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مَنْ كَذِبِهِمْ ‏{‏لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ‏}‏ فِي قَيْلِهِمْ ذَلِكَ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مِنْ كَذِبِهِمْ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏153- 157‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُوَبِّخًا هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ لِلَّهِ الْبَنَاتُ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ‏:‏ ‏(‏أَصْطَفَى‏)‏ اللَّهُ أَيُّهَا الْقَوْمُ ‏{‏الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ‏}‏‏؟‏ وَالْعَرَبُ إِذَا وَجَّهُوا الِاسْتِفْهَامَ إِلَى التَّوْبِيخِ أَثْبَتُوا أَلِفَ الِاسْتِفْهَامِ أَحْيَانًا وَطَرَحُوهَا أَحْيَانًا، كَمَا قِيلَ‏:‏ ‏(‏أَذْهَبْتُمْ‏)‏ بِالْقَصْرِ ‏{‏طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا‏}‏ يَسْتَفْهِمُ بِهَا، وَلَا يَسْتَفْهِمُ بِهَا، وَالْمَعْنَى فِي الْحَالَيْنِ وَاحِدٌ، وَإِذَا لَمْ يَسْتَفْهِمْ فِي قَوْلِهِ ‏(‏أَصْطَفَى الْبَنَاتِ‏)‏ ذَهَبَتْ أَلِفُ اصْطَفَى فِي الْوَصْلِ، وَيُبْتَدَأُ بِهَا بِالْكَسْرِ، وَإِذَا اسْتَفْهَمَ فَتَحْتَ وَقَطَعْتَ‏.‏

وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ بِتَرْكِ الِاسْتِفْهَامِ وَالْوَصْلِ‏.‏ فَأَمَّا قُرَّاءُ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، فَإِنَّهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى قِرَاءَتِهِ بِالِاسْتِفْهَامِ، وَفَتْحِ أَلِفِهِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، وَهِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي نَخْتَارُ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ بِئْسَ الْحُكْمُ تَحْكُمُونَ أَيُّهَا الْقَوْمُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ، وَأَنْتُمْ لَا تَرْضَوْنَ الْبَنَاتَ لِأَنْفُسِكُمْ، فَتَجْعَلُونَ لَهُ مَا لَا تَرْضَوْنَهُ لِأَنْفُسِكُمْ‏؟‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ كَيْفَ يَجْعَلُ لَكُمُ الْبَنِينَ وَلِنَفْسِهِ الْبَنَاتِ، مَا لَكَمَ كَيْفَ تَحْكُمُونَ‏؟‏‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏(‏أَفَلَا تَذَكَّرُونَ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ أَفَلَا تَتَدَبَّرُونَ مَا تَقُولُونَ‏؟‏ فَتَعْرِفُوا خَطَأَهُ فَتَنْتَهُوا عَنْ قِيلِهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَلَكُمْ حُجَّةٌ تُبَيِّنُ صِحَّتَهَا لِمَنْ سَمِعَهَا بِحَقِيقَةِ مَا تَقُولُونَ‏؟‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ‏}‏‏:‏ أَيْ عُذْرٌ مُبِينٌ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ ‏(‏سُلْطَانٌ مُبِينٌ‏)‏ قَالَ حُجَّةٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏(‏فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ فَأَتَوْا بِحُجَّتِكُمْ مِنْ كِتَابٍ جَاءَكُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِأَنَّ الَّذِي تَقُولُونَ مِنْ أَنَّ لَهُ الْبَنَاتَ وَلَكُمُ الْبَنِينُ كَمَا تَقُولُونَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏(‏فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ‏)‏‏:‏ أَيْ بِعُذْرِكُمْ ‏{‏إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏(‏فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ‏)‏ أَنَّ هَذَا كَذَا بِأَنَّ لَهُ الْبَنَاتِ وَلَكُمُ الْبَنُونَ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أَنَّ لَكُمْ بِذَلِكَ حُجَّةً‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏158- 160‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَجَعَلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى النَّسَبِ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوهُ لِلَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ وَإِبْلِيسَ أَخَوَانِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ ثَنْيَ أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ‏{‏وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا‏}‏ قَالَ‏:‏ زَعَمَ أَعْدَاءُ اللَّهِ أَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَإِبْلِيسُ أَخَوَانِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَقَالُوا‏:‏ الْجِنَّةُ‏:‏ هِيَ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، فَسَأَلَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ مَنْ أُمَّهَاتُهُنَّ‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ بَنَاتُ سَرَوَاتِ الْجِنِّ، يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ خُلِقُوا مِمَّا خُلِقَ مِنْهُ إِبْلِيسُ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنُ عِمْرَانَ بْنِ عَفْرَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ الْأَبَحُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا‏}‏ قَالَتِ الْيَهُودُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَزَوَّجَ إِلَى الْجِنِّ، فَخَرَجَ مِنْهُمَا الْمَلَائِكَةُ، قَالَ‏:‏ سُبْحَانَهُ سَبَّحَ نَفْسَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْجِنَّةُ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ، قَالُوا‏:‏ هُنَّ بَنَاتُ اللَّهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا‏}‏‏:‏ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا‏}‏ قَالَ‏:‏ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا افْتَرَوْا‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ‏}‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُشْهِدُونَ الْحِسَابَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ‏}‏ أَنَّهَا سَتُحْضَرُ الْحِسَابَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ إِنَّ قَائِلِي هَذَا الْقَوْلِ سَيُحْضَرُونَ الْعَذَابَ فِي النَّارِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ‏{‏إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ‏}‏ إِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا هَذَا لَمُحْضَرُونَ‏:‏ لَمُعَذَّبُونَ‏.‏ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ الْعَذَابَ، لِأَنَّ سَائِرَ الْآيَاتِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا الْإِحْضَارُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، إِنَّمَا عُنِيَ بِهِ الْإِحْضَارُ فِي الْعَذَابِ، فَكَذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَنْزِيهًا لِلَّهِ، وَتَبْرِئَةً لَهُ مِمَّا يُضِيفُ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِهِ، وَيَفْتَرُونَ عَلَيْهِ، وَيَصِفُونَهُ، مِنْ أَنَّ لَهُ بَنَاتِ، وَأَنَّ لَهُ صَاحِبَةً‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا‏:‏ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتِ اللَّهِ لَمُحْضَرُونَ الْعَذَابَ، إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الَّذِينَ أَخْلَصَهُمْ لِرَحْمَتِهِ، وَخَلَقَهُمْ لِجَنَّتِهِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏161- 164‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏(‏فَإِنَّكُمْ‏)‏ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ ‏(‏وَمَا تَعْبُدُونَ‏)‏ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ ‏{‏مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَا أَنْتُمْ عَلَى مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ بِفَاتِنِيْنَ‏:‏ أَيْ بِمُضِلِّينَ أَحَدًا ‏{‏إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِلَّا أَحَدًا سَبَقَ فِي عِلْمِي أَنَّهُ صَالٍ الْجَحِيمَ‏.‏

وَقَدْ قِيلَ‏:‏ إِنَّ مَعْنَى ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ فِي قَوْلِهِ ‏{‏مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ‏}‏ بِمَعْنَى بِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ‏{‏فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَا تَضِلُّونَ أَنْتُمْ، وَلَا أُضِلُّ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ قَدْ قَضَيْتُ أَنَّهُ صَالٍ الْجَحِيمَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ‏{‏مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَا أَنْتُمْ بِفَاتِنِينَ عَلَى أَوْثَانِكُمْ أَحَدًا، إِلَّا مَنْ قَدْ سَبَقَ لَهُ أَنَّهُ صَالٍ الْجَحِيمَ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِلْحَسَنِ، قَوْلُهُ ‏{‏مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ‏}‏ إِلَّا مَنْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يَصْلَى الْجَحِيمَ‏.‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا زَيْدُ بْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ الْحَسَنَ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِمُضِلِّينَ إِلَّا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ سَيَصْلَى الْجَحِيمَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ‏{‏مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ‏}‏‏:‏ إِلَّا مَنْ قُدِّرَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَصْلَى الْجَحِيمَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَشْرَةِ الَّذِينَ دَخَلُوا عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَكَانُوا مُتَكَلِّمِينَ كُلَّهُمْ، فَتَكَلَّمُوا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ، فَظَنَنَّا أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ رَدَّ بِهِ مَا كَانَ فِي أَيْدِينَا، فَقَالَ لَنَا‏:‏ هَلْ تَعْرِفُونَ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِنَّكُمْ وَالْآلِهَةُ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا لَسْتُمْ بِالَّذِي تَفْتِنُونَ عَلَيْهَا إِلَّا مَنْ قَضَيْتُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَصْلَى الْجَحِيمَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ‏{‏إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا أَنْتُمْ بِمُضِلِّينَ إِلَّا مَنْ كُتِبَ عَلَيْهِ إِنَّهُ يَصْلَى الْجَحِيمَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ‏}‏ حَتَّى بَلَغَ‏:‏ ‏(‏صَالِي الْجَحِيمِ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ مَا أَنْتُمْ بِمُضِلِّينَ أَحَدًا مِنْ عِبَادِي بِبَاطِلِكُمْ هَذَا، إِلَّا مَنْ تَوَلَّاكُمْ بِعَمَلِ النَّارِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ ‏{‏مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ‏}‏ بِمُضِلِّينَ ‏{‏إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ‏}‏ إِلَّا مَنْ كَتَبَ اللَّهُ أَنَّهُ يَصْلَى الْجَحِيمَ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَا تَضِلُّونَ بِآلِهَتِكُمْ أَحَدًا إِلَّا مَنْ سَبَقَتْ لَهُ الشَّقَاوَةُ، وَمَنْ هُوَ صَالٍ الْجَحِيمَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَا تَفْتِنُونَ بِهِ أَحَدًا، وَلَا تَضِلُّونَهُ، إِلَّا مَنْ قَضَى اللَّهُ أَنَّهُ صَالٍ الْجَحِيمَ، إِلَّا مَنْ قَدْ قَضَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ ‏(‏بِفَاتِنِينَ‏)‏ مِنْ فَتَنْتُ أَفْتِنُ، وَذَلِكَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَأَمَّا أَهْلُ نَجْدٍ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ أَفْتَنْتُهُ فَأَنَا أَفْتِنُهُ‏.‏ وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَرَأَ‏:‏ ‏"‏إِلَّا مَنْ هُوَ صَالُ الْجَحِيمِ‏"‏ بِرَفْعِ اللَّامِ مِنْ‏"‏صَالُ‏"‏، فَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِذَلِكَ الْجَمْعَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

إِذَا مَا حَاتِمٌ وُجِدَ ابْنَ عَمِّي *** مَجْدَنَا مِنْ تَكَلَّمُ أَجْمَعِينَا

فَقَالَ‏:‏ أَجْمَعِينَا، وَلَمْ يَقُلْ‏:‏ تَكَلَّمُوا، وَكَمَا يُقَالُ فِي الرِّجَالِ‏:‏ مَنْ هُوَ إِخْوَتُكَ، يَذْهَبُ بِهُوَ إِلَى الِاسْمِ الْمَجْهُولِ وَيُخْرِجُ فِعْلَهُ عَلَى الْجَمْعِ، فَذَلِكَ وَجْهٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَفْصَحَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِذَلِكَ وَاحِدًا فَهُوَ عِنْدُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لَحْنٌ، لِأَنَّهُ لَحْنٌ عِنْدَهُمْ أَنْ يُقَالَ‏:‏ هَذَا رَامٌ وَقَاضٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ سُمِعَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْعَرَبِ لُغَةٌ مَقْلُوبَةٌ، مِثْلُ قَوْلِهِمْ‏:‏ شَاكُ السِّلَاحِ، وَشَاكِي السِّلَاحِ، وَعَاثَ وَعَثَا وَعَاقَ وَعَقَا، فَيَكُونُ لُغَةً، وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَذْكُرُ سَمَاعَ ذَلِكَ مِنَ الْعَرَبِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ‏}‏ وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ قِيلِ الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ وَمَا مِنَّا مَعْشَرَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا مَنْ لَهُ مَقَامٌ فِي السَّمَاءِ مَعْلُومٌ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ‏}‏ قَالَ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ‏}‏ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ‏}‏ كَانَ مَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ يَرْوِي عَنْ عَائِشَة أنَّهَا قَالَتْ‏:‏ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ «مَا فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا مَوْضِعُ قَدَمٍ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ‏"‏‏.‏ فَذَلِكَ قَوْلُ الْمَلَائِكَةِ‏:‏ ‏{‏وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ‏}‏»

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ الْحَبَئِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْقَوَّاسِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عِيسَى الرَّمْلِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنْ زَقُّومِ جَهَنَّمَ أُنْزِلَتْ إِلَى الدُّنْيَا، لَأَفْسَدَتْ عَلَى النَّاسِ مَعَايِشَهُمْ، وَإِنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ لِتَعُوذُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ‏:‏ إِنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ لَمَّا أُنْزِلَتْ، ضُرِبَتْ فِي الْبَحْرِ مَرَّتَيْنِ فَفَتَرَتْ، فَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ تَنْتَفِعُوا بِهَا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏165- 169‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ مَلَائِكَتِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ‏}‏ لِلَّهِ لِعِبَادَتِهِ ‏{‏وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ‏}‏ لَهُ، يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُصَلِّينَ لَهُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ بِهِ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَفِيقٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو مُعَاذٍ الْفَضْلُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ يَقُولُ قَوْلَهُ ‏{‏وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ‏}‏ كَانَ مَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ، يَرْوِي عَنْ عَائِشَة أنَّهَا قَالَتْ‏:‏ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ «مَا فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا مَوْضِعُ قَدَمٍ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ‏"‏، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ‏}‏»

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ‏:‏ إِنَّ مِنَ السَّمَاوَاتِ لِسَمَاءً مَا فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ جَبْهَةُ مَلِكٍ أَوْ قَدَمُهُ قَائِمًا، قَالَ‏:‏ ثُمَّ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ إِنَّ مِنَ السَّمَاوَاتِ سَمَاءً مَا فِيهَا مَوْضِعٌ إِلَّا فِيهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ، أَوْ قَدَمَاهُ قَائِمٌ، ثُمَّ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الْجَرِيرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ‏:‏ كَانَ عُمْرُ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ‏:‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْتَوُوا، إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا يُرِيدُ بِكُمْ هُدَى الْمَلَائِكَةِ ‏{‏وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ‏}‏ اسْتَوُوا، تَقَدَّمْ أَنْتَ يَا فُلَانُ، تَأَخَّرْ أَنْتَ أَيْ هَذَا، فَإِذَا اسْتَوُوا تَقَدَّمَ فَكَبَّرَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنِي الْجَرِيرِيُّ سَعِيدُ بْنُ إِيَاسَ أَبُو مَسْعُودٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبُو نَضْرَةَ، قَالَ‏:‏ كَانَ عُمْرُ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَاسْتَوُوا فَإِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ هَدْيَ الْمَلَائِكَةِ، يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ‏}‏ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ، ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ‏{‏وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ ‏{‏وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ صَافُّونَ تُسَبِّحُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو‏.‏ قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ‏{‏وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ صُفُوفٌ فِي السَّمَاءِ ‏{‏وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ‏}‏‏:‏ أَيِ الْمُصَلُّونَ، هَذَا قَوْلُ الْمَلَائِكَةِ يَثْنُونَ بِمَكَانِهِمْ مِنَ الْعِبَادَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ لِلصَّلَاةِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ‏:‏ وَذَكَرَ السُّدِّيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ مَا فِي السَّمَاءِ مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا عَلَيْهِ جَبْهَةُ مَلَكٍ أَوْ قَدَمَاهُ، سَاجِدًا أَوْ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ‏{‏وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ، هَذَا كُلُّهُ لَهُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ يَقُولُونَ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ إِلَيْهِمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا، ‏{‏لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ‏}‏ يَعْنِي كِتَابًا أُنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، أَوْ نَبِيٌّ أَتَانَا مِثْلُ الَّذِي أَتَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ‏{‏لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ‏}‏ الَّذِينَ أَخْلَصَهُمْ لِعِبَادَتِهِ، وَاصْطَفَاهُمْ لِجَنَّتِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ‏{‏وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَدْ قَالَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ ذَاكَ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَوْ كَانَ عِنْدَنَا ذِكْرٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرُوا بِهِ، فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ ‏{‏ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَؤُلَاءِ نَاسٌ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ قَالُوا‏:‏ لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا كِتَابًا مَنْ كُتِبِ الْأَوَّلِينَ، أَوْ جَاءَنَا عِلْمٌ مَنْ عِلْمِ الْأَوَّلِينَ قَالَ‏:‏ قَدْ جَاءَكُمْ مُحَمَّدٌ بِذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى الْأَوَّلِينَ أَهْلِ الشِّرْكِ ‏{‏وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ‏}‏‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ‏}‏ هَذَا قَوْلُ مُشْرِكِي أَهْلِ مَكَّةَ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ ذِكْرُ الْأَوَّلِينَ وَعِلْمُ الْآخِرِينَ، كَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏170- 173‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الذِّكْرُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَفَرُوا بِهِ، وَذَلِكَ كُفْرُهُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ التَّنْزِيلِ وَالْكِتَابِ، يَقُولُ اللَّهُ‏:‏ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذَا وَرَدُوا عَلَيَّ مَاذَا لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ بِكُفْرِهِمْ بِذَلِكَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ‏{‏لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَمَّا جَاءَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ذِكْرُ الْأَوَّلِينَ وَعِلْمُ الْآخِرِينَ كَفَرُوا بِالْكِتَابِ ‏{‏فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ قَدْ جَاءَكُمْ مُحَمَّدٌ بِذَلِكَ، فَكَفَرُوا بِالْقُرْآنِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَقَدْ سَبَقَ مِنَّا الْقَوْلُ لِرُسُلِنَا إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ‏:‏ أَيْ مَضَى بِهَذَا مِنَّا الْقَضَاءُ وَالْحُكْمُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ لَهُمُ النُّصْرَةُ وَالْغَلَبَةُ بِالْحُجَجِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ‏}‏ حَتَّى بَلَغَ‏:‏ ‏{‏لَهُمُ الْغَالِبُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ سَبَقَ هَذَا مِنَ اللَّهِ لَهُمْ أَنْ يَنْصُرَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ بِالْحُجَجِ‏.‏

وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ‏:‏ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ بِالسَّعَادَةِ‏.‏ وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ ‏"‏وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا عَلَى عِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ‏"‏ فَجُعِلَتْ عَلَى مَكَانَ اللَّامِ، فَكَأَنَّ الْمَعْنَى‏:‏ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ وَلَهُمْ، كَمَا قِيلَ‏:‏ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ، وَفِي مُلْكِ سُلَيْمَانَ، إِذْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ وَاحِدًا‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَإِنَّ حِزْبَنَا وَأَهْلَ وِلَايَتِنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ، يَقُولُ‏:‏ لَهُمُ الظُّفْرُ وَالْفَلَّاحُ عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ بِنَا، وَالْخِلَافِ عَلَيْنَا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏174- 177‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ‏}‏‏.‏

يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ ‏{‏فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ‏}‏‏:‏ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ إِلَى حِينٍ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي هَذَا الْحِينِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ إِلَى الْمَوْتِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ‏}‏‏:‏ أَيْ إِلَى الْمَوْتِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إِلَى يَوْمِ بَدْرٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنْ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ حَتَّى يَوْمِ بَدْرٍ‏.‏ وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَوْمُ الْقِيَامَةِ‏.‏

وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ السُّدِّيُّ، أَشْبَهُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَوَعَّدَهُمْ بِالْعَذَابِ الَّذِي كَانُوا يَسْتَعْجِلُونَهُ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ‏}‏، وَأَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِمْ إِلَى مَجِيءِ حِينِهِ‏.‏ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَا مُحَمَّدُ إِلَى حِينِ مَجِيءِ عَذَابِنَا، وَنُزُولِهِ بِهِمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ‏}‏‏:‏ وَأَنْظِرْهُمْ فَسَوْفَ يَرَوْنَ مَا يَحِلُّ بِهِمْ مِنْ عِقَابِنَا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ‏}‏ حِينَ لَا يَنْفَعُهُمُ الْبَصَرُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَنْظِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ مَا لَهُمْ بَعْدَ الْيَوْمِ، قَالَ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ يُبْصِرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا ضَيَّعُوا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَكُفْرَهُمْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَكِتَابِهِ، قَالَ‏:‏ فَأَبْصِرْهُمْ وَأَبْصِرْ، وَاحِدٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَبِنُزُولِ عَذَابِنَا بِهِمْ يَسْتَعْجِلُونَكَ يَا مُحَمَّدُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ لِلنَّبِيِّ ‏{‏مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَإِذَا نَزَلَ بِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُسْتَعْجِلِينَ بِعَذَابِ اللَّهِ الْعَذَابُ‏.‏ الْعَرَبُ تَقُولُ‏:‏ نَزَلَ بِسَاحَةِ فُلَانٍ الْعَذَابُ وَالْعُقُوبَةُ، وَذَلِكَ إِذَا نَزَلَ بِهِ، وَالسَّاحَةُ‏:‏ هِيَ فَنَاءُ دَارِ الرَّجُلِ، ‏{‏فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَبِئْسَ صَبَاحُ الْقَوْمِ الَّذِينَ أَنْذَرَهُمْ رَسُولُنَا نُزُولَ ذَلِكَ الْعَذَابِ بِهِمْ فَلَمْ يُصَدِّقُوا بِهِ‏.‏

وَنَحْوُ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ بِدَارِهِمْ، ‏{‏فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ بِئْسَ مَا يُصْبِحُونَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏178- 182‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَأُعْرِضُ يَا مُحَمَّدُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، وَخَلِّهِمْ وَقَرْيَتَهُمْ عَلَى رَبِّهِمْ ‏(‏حَتَّى حِينٍ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ إِلَى حِينِ يَأْذَنُ اللَّهُ بِهَلَاكِهِمْ ‏{‏وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَنْظِرْهُمْ فَسَوْفَ يَرَوْنَ مَا يَحِلُّ بِهِمْ مِنْ عِقَابِنَا فِي حِينٍ لَا تَنْفَعُهُمُ التَّوْبَةُ، وَذَلِكَ عِنْدَ نُزُولِ بَأْسِ اللَّهِ بِهِمْ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَنْزِيهًا لِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ وَتَبْرِئَةً لَهُ‏.‏ ‏(‏رَبِّ الْعِزَّةِ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ رَبُّ الْقُوَّةِ وَالْبَطْشِ ‏(‏عَمَّا يَصِفُونَ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ عَمَّا يَصِفُ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرُونَ عَلَيْهِ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، مِنْ قَوْلِهِمْ وُلَدَ اللَّهُ، وَقَوْلِهِمْ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شِرْكِهِمْ وَفِرْيَتِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ‏}‏‏:‏ أَيْ عَمَّا يَكْذِبُونَ يُسَبِّحُ نَفْسَهُ إِذَا قِيلَ عَلَيْهِ الْبُهْتَانُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَمَنَةً مِنَ اللَّهِ لِلْمُرْسَلِينَ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ إِلَى أُمَمِهِمُ الَّذِي ذَكَرَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَغَيْرِهِمْ مَنْ فَزِعِ يَوْمِ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَكْرُوهٍ أَنْ يَنَالَهُمْ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏سَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ‏}‏ قَالَ رَسُولُ اللَِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «إِذَا سَلَّمْتُمْ عَلَيَّ فَسَلِّمُوا عَلَى الْمُرْسَلِينَ فَإِنَّمَا أَنَا رَسُولٌ مِنَ الْمُرْسَلِين»‏.‏

‏{‏وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، خَالِصًا دُونَ مَا سِوَاهُ، لِأَنَّ كُلَّ نِعْمَةٍ لِعِبَادِهِ فَمِنْهُ، فَالْحَمْدُ لَهُ خَالِصٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، كَمَا لَا شَرِيكَ لَهُ فِي نِعَمِهِ عِنْدَهُمْ، بَلْ كُلُّهَا مِنْ قِبَلِهِ، وَمِنْ عِنْدِهِ‏.‏

آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الصَّافَّاتِ‏.‏