فصل: تَفْسِيرُ سُورَةِ {سَأَلَ سَائِلٌ}

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تَفْسِيرُ سُورَةِ ‏{‏سَأَلَ سَائِلٌ‏}‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 5‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏سَأَلَ سَائِلٌ‏}‏، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ‏:‏ ‏{‏سَأَلَ سَائِلٌ‏}‏ بِهَمْزِ سَأَلَ سَائِلٍ، بِمَعْنَى سَأَلَ سَائِلٌ مِنَ الْكُفَّارِ عَنْ عَذَابِ اللَّهِ، بِمَنْ هُوَ وَاقِعٌ، وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ ‏(‏سَالَ سَائِلٌ‏)‏ فَلَمْ يَهْمِزْ سَأَلَ، وَوَجَّهَهُ إِلَى أَنَّهُ فَعَلَ مِنَ السَّيْلِ‏.‏

وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِالْهَمْزِ؛ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ عَامَّةَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مِنَ السَّلَفِ بِمَعْنَى الْهَمْزِ تَأَوَّلُوهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَقَالَ تَأْوِيلَهُ نَحْوَ قَوْلِنَا فِيهِ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ ذَاكَ سُؤَالُ الْكُفَّارِ عَنْ عَذَابِ اللَّهِ وَهُوَ وَاقِعٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ الْآيَةُ، قَالَ ‏{‏سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏سَأَلَ سَائِلٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ دَعَا دَاعٍ، ‏{‏بِعَذَابٍ وَاقِعٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَقَعُ فِي الْآخِرَةِ، قَالَ‏:‏ وَهُوَ قَوْلُهُمْ‏:‏ ‏{‏اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ سَأَلَ عَذَابَ اللَّهِ أَقْوَامٌ، فَبَيَّنَ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَقَعُ؛ عَلَى الْكَافِرِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏سَأَلَ سَائِلٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ سَأَلَ عَنْ عَذَابٍ وَاقِعٍ، فَقَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ‏}‏‏.‏

وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِغَيْرِ هَمْزٍ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ السَّائِلُ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ جَهَنَّمَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ‏:‏ هُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ يُقَالُ لَهُ سَائِلٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ سَأَلَ بِعَذَابٍ لِلْكَافِرِينَ وَاجِبٍ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاقِعٍ بِهِمْ، وَمَعْنَى ‏{‏لِلْكَافِرِينَ‏}‏ عَلَى الْكَافِرِينَ، كَالَّذِي حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَاقِعٌ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لِلْكَافِرِينَ‏}‏ مِنْ صِلَةِ الْوَاقِعِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ لَيْسَ لِلْعَذَابِ الْوَاقِعِ عَلَى الْكَافِرِينَ مِنَ اللَّهِ دَافِعٌ يَدْفَعُهُ عَنْهُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ذِي الْمَعَارِجِ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ ذَا الْعُلُوِّ وَالدَّرَجَاتِ وَالْفَوَاضِلِ وَالنِّعَمِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذِي الْمَعَارِجِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ الْعُلُوُّ وَالْفَوَاضِلُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ‏}‏‏:‏ ذِي الْفَوَاضِلِ وَالنِّعَمِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَعَارِجُ السَّمَاءِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذِي الْمَعَارِجِ‏}‏ قَالَ‏:‏ اللَّهُ ذُو الْمَعَارِجِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏ذِي الْمَعَارِجِ‏}‏ قَالَ‏:‏ ذِي الدَّرَجَاتِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ تَصْعَدُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ، وَهُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَيْهِ، يَعْنِي إِلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏إِلَيْهِ‏)‏ عَائِدَةٌ عَلَى اسْمِ اللَّهِ، ‏{‏فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ كَانَ مِقْدَارُ صُعُودِهِمْ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْخَلْقِ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّهَا تَصْعَدُ مِنْ مُنْتَهَى أَمْرِهِ مِنْ أَسْفَلِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ إِلَى مُنْتَهَى أَمْرِهِ، مِنْ فَوْقِ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مُنْتَهَى أَمْرِهِ مِنْ أَسْفَلِ الْأَرْضِينَ إِلَى مُنْتَهَى أَمْرِهِ مِنْ فَوْقِ السَّمَاوَاتِ مِقْدَارُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ؛ وَيَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ، يَعْنِي بِذَلِكَ نُزُولَ الْأَمْرِ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَمِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَذَلِكَ مِقْدَارُهُ أَلْفُ سَنَةٍ، لِأَنَّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ يَفْرَغُ فِيهِ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ خَلْقِهِ، كَانَ قَدْرُ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي فَرَغَ فِيهِ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ قَدْرَ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ ‏{‏فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ يَفْرَغُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْقَضَاءِ كَقَدْرِ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ ‏{‏فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَوْمُ الْقِيَامَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَوْمُ الْقِيَامَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ‏}‏‏:‏ ذَاكُمْ يَوْمُ الْقِيَامَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ مَعْمَرٍ‏:‏ وَبَلَغَنِي أَيْضًا، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ‏}‏‏:‏ لَا يَدْرِي أَحَدٌ كَمْ مَضَى، وَلَا كَمْ بَقِيَ إِلَّا اللَّهُ‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ‏}‏ فَهَذَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ، جَعَلَهُ اللَّهُ عَلَى الْكَافِرِينَ مِقْدَارَ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ‏}‏‏:‏ يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ دَرَّاجًا حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ «عَنْ سَعِيدٍ، أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ‏}‏ مَا أَطْوَلَ هَذَا‏؟‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَيُخَفَّفُ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ يُصَلِّيهَا فِي الدُّنْيَا»‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ غَيْرُ الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْهُ، وَذَلِكَ مَا‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ، فَقَالَ‏:‏ مَا يَوْمٌ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ إِنَّمَا سَأَلْتُكَ لِتُخْبِرَنِي، قَالَ‏:‏ هُمَا يَوْمَانِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِمَا، فَكَرِهَ أَنْ يَقُولَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَا يَعْلَمُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ‏:‏ سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ‏:‏ فَاتَّهَمَهُ، فَقِيلَ لَهُ فِيهِ، فَقَالَ‏:‏ مَا يَوْمٌ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ إِنَّمَا سَأَلْتُكَ لِتُخْبِرَنِي، فَقَالَ‏:‏ هُمَا يَوْمَانِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَقُولَ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِمَا لَا أَعْلَمُ؛ وَقَرَأَتْ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ‏}‏ بِالتَّاءِ خَلَا الْكِسَائِيُّ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ بِالْيَاءِ بِخَبَرٍ كَانَ يَرْوِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنْ قِرَاءَةِ ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ بِالتَّاءِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا‏}‏ يَعْنِي‏:‏ صَبْرًا لَا جَزَعَ فِيهِ‏.‏ يَقُولُ لَهُ‏:‏ اصْبِرْ عَلَى أَذَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَكَ، وَلَا يَثْنِيكَ مَا تَلْقَى مِنْهُمْ مَنِ الْمَكْرُوهِ عَنْ تَبْلِيغِ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ أَنْ تُبَلِّغَهُمْ مِنَ الرِّسَالَةِ‏.‏

وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذَا حِينَ كَانَ يَأْمُرُهُ بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ لَا يُكَافِئُهُمْ، فَلَمَّا أُمِرَ بِالْجِهَادِ وَالْغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ أُمِرَ بِالشِّدَّةِ وَالْقَتْلِ حَتَّى يَتْرُكُوا، وَنُسِخَ هَذَا، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ أَمْرٌ بِالْعَفْوِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ قَوْلٌ لَا وَجْهَ لَهُ، لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَ مِنْ بَعْضِ الْأَوْجُهِ الَّتِي تَصِحُّ مِنْهَا الدَّعَاوَى، وَلَيْسَ فِي أَمْرِ اللَّهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّبْرِ الْجَمِيلِ عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَمْرًا مِنْهُ لَهُ بِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ؛ بَلْ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا مِنَ اللَّهِ لَهُ بِهِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لَدُنْ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَنِ اخْتَرَمَهُ فِي أَذًى مِنْهُمْ، وَهُوَ فِي كُلِّ ذَلِكَ صَابِرٌ عَلَى مَا يَلْقَى مِنْهُمْ مِنْ أَذًى قَبْلَ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لَهُ بِحَرْبِهِمْ، وَبَعْدَ إِذْنِهِ لَهُ بِذَلِكَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏6- 11‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا يُبَصَّرُونَهُمْ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ الَّذِي سَأَلُوا عَنْهُ، الْوَاقِعَ عَلَيْهِمْ، بَعِيدًا وُقُوعُهُ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ ذَلِكَ بَعِيدًا، لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُصَدِّقُونَ بِهِ، وَيُنْكِرُونَ الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَمَاتِ، وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ، فَقَالَ‏:‏ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ غَيْرَ وَاقِعٍ، وَنَحْنُ نَرَاهُ قَرِيبًا، لِأَنَّهُ كَائِنٌ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ‏.‏

وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏إِنَّهُمْ‏)‏ مِنْ ذِكْرِ الْكَافِرِينَ، وَالْهَاءُ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏يَرَوْنَهُ‏)‏ مِنْ ذِكْرِ الْعَذَابِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالشَّيْءِ الْمُذَابِ، وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى الْمُهْلِ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ، وَاخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ، وَذَكَرْنَا مَا قَالَ فِيهِ السَّلَفُ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَعَكَرِ الزَّيْتِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ‏}‏‏:‏ تَتَحَوَّلُ يَوْمئِذٍ لَوْنًا آخَرَ إِلَى الْحُمْرَةِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالصُّوفِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏كَالْعِهْنِ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَالصُّوفِ‏.‏

حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَالْعِهْنِ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَالصُّوفِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا يُبَصَّرُونَهُمْ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَا يَسْأَلُ قَرِيبٌ قَرِيبَهُ عَنْ شَأْنِهِ لِشُغْلِهِ بِشَأْنِ نَفْسِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ؛ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا‏}‏ يُشْغَلُ كُلُّ إِنْسَانٍ بِنَفْسِهِ عَنِ النَّاسِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يُبَصَّرُونَهُمْ‏}‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ عُنُوا بِالْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يُبَصَّرُونَهُمْ‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عُنِيَ بِذَلِكَ الْأَقْرِبَاءُ أَنَّهَمْ يَعْرِفُونَ أَقْرِبَاءَهُمْ، وَيَعْرِفُ كُلُّ إِنْسَانٍ قَرِيبَهُ، فَذَلِكَ تَبْصِيرُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يُبَصَّرُونَهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَفِرُّ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، يَقُولُ‏:‏ ‏{‏لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏يُبَصَّرُونَهُمْ‏}‏ يَعْرِفُونَهُمْ يَعْلَمُونَ، وَاللَّهِ لَيُعَرِّفَنَّ قَوْمٌ قَوْمًا، وَأُنَاسٌ أُنَاسًا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ أَنَّهُمْ يُبْصِرُونَ الْكُفَّارَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يُبَصَّرُونَهُمْ‏}‏ الْمُؤْمِنُونَ يُبْصِرُونَ الْكَافِرِينَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ الْكَفَّارُ، الَّذِينَ كَانُوا أَتْبَاعًا لِآخَرِينَ فِي الدُّنْيَا عَلَى الْكُفْرِ، أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ الْمَتْبُوعِينَ فِي النَّارِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يُبَصَّرُونَهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ يُبْصِرُونَ الَّذِينَ أَضَلُّوهُمْ فِي الدُّنْيَا فِي النَّارِ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا عَنْ شَأْنِهِ، وَلَكِنَّهُمْ يُبْصِرُونَهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ، ثُمَّ يَفِرُّ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ‏}‏‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَشْبَهُهَا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏يُبَصَّرُونَهُمْ‏}‏ تَلًا قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا‏}‏، فَلِأَنْ تَكُونَ الْهَاءُ وَالْمِيمُ مِنْ ذِكْرِهِمْ أَشْبَهُ مِنْهَا بِأَنْ تَكُونَ مِنْ ذِكْرِ غَيْرِهِمْ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَسْأَلُ‏)‏ فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ سِوَى أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ وَشَيْبَةَ بِفَتْحِ الْيَاءِ؛ وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ ‏(‏وَلَا يُسْئَلُ‏)‏ بِضَمِّ الْيَاءِ، يَعْنِي‏:‏ لَا يُقَالُ لِحَمِيمٍ أَيْنَ حَمِيمُكَ‏؟‏ وَلَا يَطْلُبُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ عِنْدَنَا فَتْحُ الْيَاءِ، بِمَعْنَى‏:‏ لَا يَسْأَلُ النَّاسُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا عَنْ شَأْنِهِ، لِصِحَّةِ مَعْنَى ذَلِكَ، وَلِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏11- 14‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابٍ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ يَوَدُّ الْكَافِرُ يَوْمئِذٍ وَيَتَمَنَّى أَنَّهُ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِيَّاهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِبَنِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ، وَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَأَخِيهِ، وَفَصِيلَتِهِ، وَهُمْ عَشِيرَتُهُ الَّتِي تُؤْوِيهِ، يَعْنِي الَّتِي تَضُمُّهُ إِلَى رَحْلِهِ، وَتَنْزِلُ فِيهِ امْرَأَتُهُ، لِقُرْبَةِ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ، وَبِمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنَ الْخَلْقِ، ثُمَّ يُنْجِيهِ ذَلِكَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِيَّاهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَبَدَأَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذِكْرِ الْبَنِينَ، ثُمَّ الصَّاحِبَةِ، ثُمَّ الْأَخِ، إِعْلَامًا مِنْهُ عِبَادَهُ أَنَّ الْكَافِرَ مِنْ عَظِيمِ مَا يَنْزِلُ بِهِ يَوْمئِذٍ مِنَ الْبَلَاءِ يَفْتَدِي نَفْسَهُ، لَوْ وَجَدَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا بِأَحَبِّ النَّاسِ إِلَيْهِ، كَانَ فِي الدُّنْيَا، وَأَقْرَبِهِمْ إِلَيْهِ نَسَبًا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابٍ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ‏}‏ الْأَحَبُّ فَالْأَحَبُّ، وَالْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ أَهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ؛ لِشَدَائِدَ ذَلِكَ الْيَوْمَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَبِيلَتُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَصَاحِبَتِهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الصَّاحِبَةُ الزَّوْجَةُ، ‏{‏وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَصِيلَتُهُ‏:‏ عَشِيرَتُهُ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏15- 18‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كَلًّا إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِلشَّوَى تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ كَلَّا لَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لَيْسَ يُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ شَيْءٌ‏.‏ ثُمَّ ابْتَدَأَ الْخَبَرَ عَمَّا أَعَدَّهُ لَهُ هُنَالِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏إِنَّهَا لَظَى‏}‏ وَلَظَى‏:‏ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُرَّ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَوْضِعِهَا، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ‏:‏ مَوْضِعُهَا نَصْبٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْهَاءِ، وَخَبَرُ إِنَّ‏:‏ ‏{‏نَزَّاعَةً‏}‏؛ قَالَ‏:‏ وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ لَظَى رَفْعَا عَلَى خَبَرِ إِنَّ، وَرَفَعْتَ ‏{‏نَزَّاعَةً‏}‏ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ‏:‏ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْبَعَ الظَّاهِرُ الْمُكَنَّى إِلَّا فِي الشُّذُوذِ؛ قَالَ‏:‏ وَالِاخْتِيَارُ ‏{‏إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِلشَّوَى‏}‏ لَظَى الْخَبَرُ، وَنَزَّاعَةٌ حَالٌ، قَالَ‏:‏ وَمَنْ رَفَعَ اسْتَأْنَفَ، لِأَنَّهُ مَدْحٌ أَوْ ذَمٌّ، قَالَ‏:‏ وَلَا تَكُونُ ابْتِدَاءً إِلَّا كَذَلِكَ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، أَنَّ ‏{‏لَظَى‏}‏ الْخَبَرُ، وَ ‏{‏نَزَّاعَةً‏}‏ ابْتِدَاءٌ، فَذَلِكَ رُفِعَ، وَلَا يَجُوزُ النَّصْبُ فِي الْقِرَاءَةِ لِإِجْمَاعِ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى رَفْعِهَا، وَلَا قَارِئَ قَرَأَ كَذَلِكَ بِالنَّصْبِ؛ وَإِنْ كَانَ لِلنَّصْبِ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَجْهٌ؛ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏إِنَّهَا‏"‏ عِمَادًا، وَلَظَى مَرْفُوعَةً بِنَزَّاعَةٍ، وَنَزَّاعَةٌ بِلَظَى، كَمَا يُقَالُ‏:‏ إِنَّهَا هِنْدُ قَائِمَةٌ، وَإِنَّهُ هِنْدُ قَائِمَةٌ، وَالْهَاءُ عِمَادٌ فِي الْوَجْهَيْنِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏نَزَّاعَةً لِلشَّوَى‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبَرًا عَنْ لَظَى‏:‏ إِنَّهَا تَنْزِعُ جِلْدَةَ الرَّأْسِ وَأَطْرَافَ الْبَدَنِ، وَالشَّوَى‏:‏ جَمْعُ شَوَاةٍ، وَهِيَ مِنْ جَوَارِحِ الْإِنْسَانِ مَا لَمْ يَكُنْ مَقْتَلًا، يُقَالُ‏:‏ رَمَى فَأَشْوَى، إِذَا لَمْ يُصِبْ مَقْتَلًا، فَرُبَّمَا وَصَفَ الْوَاصِفُ بِذَلِكَ جِلْدَةَ الرَّأْسِ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى‏:‏

قَالَتْ قُتَيْلَةُ مَا لَهُ *** قَدْ جُلِّلَتْ شَيْبًا شَوَاتُهُ

وَرُبَّمَا وَصَفَ بِذَلِكَ السَّاقَ، كَقَوْلِهِمْ فِي صِفَةِ الْفَرَسِ‏:‏

عَبْلُ الشَّوَى نَهْدُ الْجُزَارَهْ

يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ قَوَائِمُهُ، وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا وَصَفْتُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو كَدِينَةَ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ‏:‏ ‏{‏نَزَّاعَةً لِلشَّوَى‏}‏‏:‏ قَالَ‏:‏ تَنْزِعُ أُمَّ الرَّأْسِ‏.‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّوَّافُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَشْقَرُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ مُهَلَّبٍ أَبُو كَدِينَةَ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏نَزَّاعَةً لِلشَّوَى‏}‏ قَالَ‏:‏ تَنْزِعُ الرَّأْسَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏نَزَّاعَةً لِلشَّوَى‏}‏‏:‏ يَعْنِي الْجُلُودُ وَالْهَامُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏نَزَّاعَةً لِلشَّوَى‏}‏ قَالَ‏:‏ لِجُلُودِ الرَّأْسِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏نَزَّاعَةً لِلشَّوَى‏}‏ فَلَمْ يُخْبِرُ، فَسَأَلْتُ عَنْهَا مُجَاهِدًا، فَقُلْتُ‏:‏ اللَّحْمُ دُونَ الْعَظْمِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ‏{‏نَزَّاعَةً لِلشَّوَى‏}‏ قَالَ‏:‏ لَحْمُ السَّاقِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ السُّوائِّيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏نَزَّاعَةً لِلشَّوَى‏}‏ قَالَ‏:‏ نَزَّاعَةً لِلَحْمِ السَّاقَيْنِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ خَارِجَةَ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ ‏{‏نَزَّاعَةً لِلشَّوَى‏}‏ قَالَ‏:‏ لِلْهَامِ تَحْرِقُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ، وَيَبْقَى فُؤَادُهُ نَضِيجًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا قُرَّةُ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏نَزَّاعَةً لِلشَّوَى‏}‏ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏نَزَّاعَةً لِلشَّوَى‏}‏‏:‏ أَيْ نَزَّاعَةً لِهَامَتِهِ وَمَكَارِمِ خَلْقِهِ وَأَطْرَافِهِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏نَزَّاعَةً لِلشَّوَى‏}‏‏:‏ تَبِرِّي اللَّحْمَ وَالْجِلْدَ عَنِ الْعَظْمِ حَتَّى لَا تَتْرُكَ مِنْهُ شَيْئًا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏نَزَّاعَةً لِلشَّوَى‏}‏ قَالَ‏:‏ الشَّوَى‏:‏ الْآرَابُ الْعِظَامُ، ذَاكَ الشَّوَى‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏نَزَّاعَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ تَقْطَعُ عِظَامَهُمْ كَمَا تَرَى، ثُمَّ يُجَدَّدُ خَلْقُهُمْ، وَتُبَدَّلُ جُلُودُهُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى‏}‏ يَقُولُ‏:‏ تَدْعُو لَظًى إِلَى نَفْسِهَا مَنْ أَدْبَرَ فِي الدُّنْيَا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَتَوَلَّى عَنِ الْإِيمَانِ بِكِتَابِهِ وَرُسُلِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى‏}‏ قَالَ‏:‏ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، ‏{‏وَتَوَلَّى‏}‏ قَالَ‏:‏ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَعَنْ حَقِّهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى‏}‏ قَالَ‏:‏ عَنِ الْحَقِّ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى‏}‏ قَالَ‏:‏ لَيْسَ لَهَا سُلْطَانٌ إِلَّا عَلَى هَوَانِ مَنْ كَفَرَ وَتَوَلَّى وَأَدْبَرَ عَنِ اللَّهِ، فَأَمَّا مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَلَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ سُلْطَانٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَجَمَعَ فَأَوْعَى‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَجَمَعَ مَالًا فَجَعَلَهُ فِي وِعَاءٍ، وَمَنَعَ حَقَّ اللَّهِ مِنْهُ، فَلَمْ يُزَكِّ وَلَمْ يُنْفِقْ فِيمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِنْفَاقَهُ فِيهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَجَمَعَ فَأَوْعَى‏}‏ قَالَ‏:‏ جَمَعَ الْمَالَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو قَطَنٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ‏:‏ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُكَيْمٍ، لَا يَرْبُطُ كِيسَهُ، يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَجَمَعَ فَأَوْعَى‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَجَمَعَ فَأَوْعَى‏}‏ كَانَ جُمُوعًا قَمُومًا لِلْخَبِيثِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏19- 23‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏(‏إِنَّ الْإِنْسَانَ‏)‏ الْكَافِرَ ‏{‏خُلِقَ هَلُوعًا‏}‏ وَالْهَلَعُ‏:‏ شِدَّةُ الْجَزَعِ مَعَ شِدَّةِ الْحِرْصِ وَالضَّجَرِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ ‏{‏إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا‏}‏ وَيُقَالُ‏:‏ الْهَلُوعُ‏:‏ هُوَ الْجَزُوعُ الْحَرِيصُ، وَهَذَا فِي أَهْلِ الشِّرْكِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا‏}‏ قَالَ‏:‏ شَحِيحًا جَزُوعًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا‏}‏ قَالَ‏:‏ ضَجُورًا‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ‏:‏ ‏(‏إِنَّ الْإِنْسَانَ‏)‏ يَعْنِي‏:‏ الْكَافِرَ، ‏{‏خُلِقَ هَلُوعًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ هُوَ بَخِيلٌ مَنُوعٌ لِلْخَيْرِ، جَزُوعٌ إِذَا نَزَلَ بِهِ الْبَلَاءُ، فَهَذَا الْهَلُوعُ‏.‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُصَيْنٍ، قَالَ يَحْيَى، قَالَ خَالِدٌ‏:‏ وَسَأَلْتُ شُعْبَةَ عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا‏}‏ فَحَدَّثَنِي شُعْبَةُ عَنْ حُصَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ الْهَلُوعُ‏:‏ الْحَرِيصُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ‏:‏ سَأَلَتْ حُصَيْنًا عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا‏}‏ قَالَ‏:‏ حَرِيصًا‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْهَلُوعُ‏:‏ الْجَزُوعُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏خُلِقَ هَلُوعًا‏}‏ قَالَ‏:‏ جَزُوعًا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِذَا قَلَّ مَالُهُ وَنَالَهُ الْفَقْرُ وَالْعَدَمُ فَهُوَ جَزُوعٌ مِنْ ذَلِكَ، لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَإِذَا كَثُرَ مَالُهُ، وَنَالَ الْغِنَى فَهُوَ مَنُوعٌ لِمَا فِي يَدِهِ، بَخِيلٌ بِهِ، لَا يُنْفِقُهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَلَا يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ مِنْهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِلَّا الَّذِينَ يُطِيعُونَ اللَّهَ بِأَدَاءِ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الصَّلَاةِ، وَهُمْ عَلَى أَدَاءِ ذَلِكَ مُقِيمُونَ لَا يُضَيِّعُونَ مِنْهَا شَيْئًا، فَإِنَّ أُولَئِكَ غَيْرُ دَاخِلِينَ فِي عِدَادِ مَنْ خُلِقَ هَلُوعًا، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ بِرَبِّهِ كَافِرٌ لَا يُصَلِّي لِلَّهِ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ عُنِيَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏إِلَّا الْمُصَلِّينَ‏)‏ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَقِيلَ‏:‏ عُنِيَ بِهِ كُلُّ مَنْ صَلَّى الْخَمْسَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمُؤَمِّلٌ، قَالَا ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ‏{‏الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَكْتُوبَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي زُرَيْقُ بْنُ السَّخْبِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ‏{‏الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏دَائِمُونَ‏}‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ دَانْيَالَ نَعَتَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ يُصَلُّونَ صَلَاةً لَوْ صَلَّاهَا قَوْمُ نُوحٍ مَا غَرِقُوا، أَوْ عَادٌ مَا أُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الرِّيحُ الْعَقِيمُ، أَوْ ثَمُودُ مَا أَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ، فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فَإِنَّهَا خُلُقٌ لِلْمُؤْمِنِينَ حَسَنٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ‏{‏عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ‏.‏

قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ، عَنِ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُمُ الَّذِينَ إِذَا صَلَّوْا لَمْ يَلْتَفِتُوا خَلْفَهُمْ، وَلَا عَنْ أَيْمَانِهِمْ، وَلَا عَنْ شَمَائِلِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَتْنِي عَائِشَة-زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏"‏«خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا»‏"‏ قَالَتْ‏:‏ وَكَانَ أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ يَقُولُ أَبُو سَلَمَةَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏24- 28‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَإِلَّا الَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مُؤَقَّتٌ، وَهُوَ الزَّكَاةُ، لِلسَّائِلِ الَّذِي يَسْأَلُهُ مِنْ مَالِهِ، وَالْمَحْرُومِ الَّذِي قَدْ حُرِمَ الْغِنَى، فَهُوَ فَقِيرٌ لَا يَسْأَلُ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِالْحَقِّ الْمَعْلُومِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ الزَّكَاةُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْحَقُّ الْمَعْلُومُ‏:‏ الزَّكَاةُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ‏}‏‏:‏ قَالَ‏:‏ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ ذَلِكَ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ هُوَ سِوَى الصَّدَقَةِ، يَصِلُ بِهَا رَحِمَهُ، أَوْ يَقْرِي بِهَا ضَيْفًا، أَوْ يَحْمِلُ بِهَا كَلًّا، أَوْ يُعِينُ بِهَا مَحْرُومًا‏.‏

حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي يُونُسَ، عَنْ رَبَاحِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ قَزْعَةَ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ‏}‏ أَهِيَ الزَّكَاةُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ عَلَيْكَ حُقُوقًا سِوَى ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا بَيَانٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ‏:‏ إِنَّ فِي الْمَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ سِوَى الزَّكَاةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ السَّائِلَ هُوَ الَّذِي وُصِفَتْ صِفَتُهُ‏.‏

وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي مَعْنَى الْمَحْرُومِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، نَحْوَ اخْتِلَافِهِمْ فِيهِ فِي الذَّارِيَاتِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا قَالُوا فِيهِ هُنَالِكَ، وَدَلَّلَنَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْهُ عِنْدَنَا، غَيْرَ أَنْ نَذْكُرَ بَعْضَ مَا لَمْ نَذْكُرْ مِنَ الْأَخْبَارِ هُنَالِكَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ‏:‏ هُوَ الْمُحَارَفُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيْزَارِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ الْمَحْرُومُ‏:‏ هُوَ الْمُحَارَفُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ الْمَحْرُومُ‏:‏ الْمُحَارَفُ‏.‏

حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ كُرْكُمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ‏}‏‏:‏ الْمَحَارَفُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ نَصِيبٌ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ كُرْكُمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ الْمَحْرُومُ الْمُحَارَفُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ سَهْمٌ‏.‏

حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ كُرْكُمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ‏}‏ قَالَ‏:‏ السَّائِلُ الَّذِي يَسْأَلُ، وَالْمَحْرُومُ‏:‏ الْمَحَارَفُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنْ قَيْسِ بْنِ كُرْكُمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ‏}‏ قَالَ‏:‏ السَّائِلُ‏:‏ الَّذِي يَسْأَلُ وَالْمَحْرُومُ‏:‏ الْمُحَارَفُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ كُرْكُمٍ، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ‏}‏ قَالَ‏:‏ السَّائِلُ‏:‏ الَّذِي يَسْأَلُ، وَالْمَحْرُومُ‏:‏ الْمُحَارَفُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ سَهْمٌ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ‏:‏ الْمَحْرُومُ‏:‏ الْمَحَارَفُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا ثَنَا قُرَيْشٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبيْرٍ، عَنِ الْمَحْرُومِ، فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ شَيْئًا؛ قَالَ‏:‏ وَقَالَ عَطَاءٌ‏:‏ هُوَ الْمَحْدُودُ الْمَحَارَفُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، ثَنَا مِهْرَانُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ كُرْكُمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ السَّائِلُ‏:‏ الَّذِي يَسْأَلُ النَّاسَ، وَالْمَحْرُومُ‏:‏ الَّذِي لَا سَهْمَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مُحَارَفٌ مِنَ النَّاسِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ الْمَحْرُومُ‏:‏ الَّذِي لَا يُهْدَى لَهُ شَيْءٌ وَهُوَ مُحَارَفٌ‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ الْمَحْرُومُ‏:‏ هُوَ الْمُحَارَفُ الَّذِي يَطْلُبُ الدُّنْيَا وَتُدْبِرُ عَنْهُ، فَلَا يَسْأَلُ النَّاسَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ فِي الْمَحْرُومِ‏:‏ هُوَ الْمُحَارَفُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَحَدٌ يَعْطِفُ عَلَيْهِ، أَوْ يُعْطِيهِ شَيْئًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَكَّامٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَمْرٌو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ الْمَحْرُومُ‏:‏ الَّذِي لَا فَيْءَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مُحَارَفٌ فِي النَّاسِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ‏:‏ الْمَحْرُومُ‏:‏ هُوَ الْمُحَارَفُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُوَ الَّذِي لَا سَهْمَ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ نَاسًا قَدِمُوا عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْكُوفَةَ بَعْدَ وَقْعَةِ الْجَمَلِ، فَقَالَ‏:‏ اقْسِمُوا لَهُمْ، وَقَالَ‏:‏ هَذَا الْمَحْرُومُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ الْمَحْرُومُ‏:‏ الْمَحَارَفُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ الْجَدَلِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً، فَغَنِمُوا، وَفُتِحَ عَلَيْهِمْ، فَجَاءَ قَوْمٌ لَمْ يَشْهَدُوا، فَنَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ هَؤُلَاء»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً، فَغَنِمُوا، فَجَاءَ قَوْمٌ لَمْ يَشْهَدُوا الْغَنَائِمَ، فَنَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ‏}‏»‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ الْجَدَلِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ بُعِثَتْ سَرِيَّةٌ فَغَنِمُوا، ثُمَّ جَاءَ قَوْمٌ مِنْ بَعْدِهِمْ، قَالَ‏:‏ فَنَزَلَتْ ‏{‏لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ ‏"‏ «أَنَّ قَوْمًا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابُوا غَنِيمَةً، فَجَاءَ قَوْمٌ بَعْدُ، فَنَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ‏}‏»‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُوَ الَّذِي لَا يَنْمِي لَهُ مَالٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَيْنٍ، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ عِكْرِمَةَ عَنِ السَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ، قَالَ‏:‏ السَّائِلُ‏:‏ الَّذِي يَسْأَلُكَ، وَالْمَحْرُومُ‏:‏ الَّذِي لَا يَنْمِي لَهُ مَالٌ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُوَ الَّذِي قَدِ اجْتِيحَ مَالُهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ‏:‏ جَاءَ سَيْلٌ بِالْيَمَامَةِ، فَذَهَبَ بِمَالِ رَجُلٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ هَذَا الْمَحْرُومُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالْمَحْرُومِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَحْرُومُ‏:‏ الْمُصَابُ ثَمَرُهُ وَزَرْعُهُ، وَقَرَأَ‏:‏ ‏{‏أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ‏}‏ حَتَّى بَلَغَ ‏{‏مَحْرُومُونَ‏}‏ وَقَالَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ‏:‏ ‏{‏إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ‏}‏‏.‏

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ مَا حَدَّثَنِي بِهِ يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّعْبِيُّ‏:‏ أَعْيَانِي أَنْ أَعْلَمَ مَا الْمَحْرُومُ‏.‏

وَقَالَ قَتَادَةُ، مَا حَدَّثَنِي بِهِ ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ‏}‏ قَالَ‏:‏ السَّائِلُ‏:‏ الَّذِي يَسْأَلُ بِكَفِّهِ، وَالْمَحْرُومُ‏:‏ الْمُتَعَفِّفُ، وَلِكِلَيْهِمَا عَلَيْكَ حَقٌّ يَا ابْنَ آدَمَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ‏}‏ وَهُوَ سَائِلٌ يَسْأَلُكَ فِي كَفِّهِ، وَفَقِيرٌ مُتَعَفِّفٌ لَا يَسْأَلُ النَّاسَ، وَلِكِلَيْهِمَا عَلَيْكَ حَقٌّ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَإِلَّا الَّذِينَ يُقِرُّونَ بِالْبَعْثِ يَوْمَ الْبَعْثِ وَالْمُجَازَاةِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَالَّذِينَ هُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ وَجِلُونَ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، فَهُمْ مِنْ خَشْيَةِ ذَلِكَ لَا يُضِيعُونَ لَهُ فَرْضًا، وَلَا يَتَعَدَّوْنَ لَهُ حَدًّا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ‏}‏ أَنْ يَنَالَ مَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏29- 31‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ أَقْبَالُهُمْ حَافِظُونَ عَنْ كُلِّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَضْعَهَا فِيهِ، ‏(‏إِلَّا‏)‏ أَنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فِي تَرْكِ حِفْظِهَا، ‏{‏عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ‏}‏ مِنْ إِمَائِهِمْ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ ‏{‏لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ‏}‏ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ ذَلِكَ جَحْدٌ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ‏}‏، عَلَى أَنَّ فِي الْكَلَامِ مَعْنَى جَحْدٍ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ اعْمَلْ مَا بَدَا لَكَ إِلَّا عَلَى ارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ، فَإِنَّكَ مُعَاقَبٌ عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ‏:‏ اعْمَلْ مَا بَدَا لَكَ إِلَّا أَنَّكَ مُعَاقَبٌ عَلَى ارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ‏}‏ فَمِنَ الْتَمَسَ لِفَرْجِهِ مَنْكَحًا سِوَى زَوْجَتِهِ، أَوْ مِلْكِ يَمِينِهِ، فَفَاعِلُو ذَلِكَ هُمُ الْعَادُونَ، الَّذِي عَدَوْا مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ إِلَى مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ، فَهُمُ الْمَلُومُونَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏32- 35‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَإِلَّا الَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِ اللَّهِ الَّتِي ائْتَمَنَهُمْ عَلَيْهَا مِنْ فَرَائِضِهِ، وَأَمَانَاتِ عِبَادِهِ الَّتِي ائْتُمِنُوا عَلَيْهَا، وَعُهُودِهِ الَّتِي أَخَذَهَا عَلَيْهِمْ بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ، وَعُهُودِ عِبَادِهِ الَّتِي أَعْطَاهُمْ عَلَى مَا عَقَدَهُ لَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ رَاعُونَ، يَرْقُبُونَ ذَلِكَ، وَيَحْفَظُونَهُ فَلَا يُضَيِّعُونَهُ، وَلَكِنَّهُمْ يُؤَدُّونَهَا وَيَتَعَاهَدُونَهَا عَلَى مَا أَلْزَمُهُمُ اللَّهُ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ حَفْظَهَا، ‏{‏وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَالَّذِينَ لَا يَكْتُمُونَ مَا اسْتُشْهِدُوا عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُمْ يَقُومُونَ بِأَدَائِهَا، حَيْثُ يَلْزَمُهُمْ أَدَاؤُهَا غَيْرَ مُغَيَّرَةٍ وَلَا مُبَدَّلَةٍ، ‏{‏وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى مَوَاقِيتِ صَلَاتِهِمُ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَحُدُودِهَا الَّتِي أَوْجَبَهَا عَلَيْهِمْ يُحَافِظُونَ، وَلَا يَضِيعُونَ لَهَا مِيقَاتًا وَلَا حَدًّا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ‏}‏ يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ فِي بَسَاتِينَ مُكْرَمُونَ، يُكْرِمُهُمُ اللَّهُ بِكَرَامَتِهِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏36- 39‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ أَيَطْمَعُ كُلُ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلًّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَمَا شَأْنُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ قِبَلَكَ يَا مُحَمَّدُ مُهْطِعِينَ؛ وَقَدْ بَيَّنَا مَعْنَى الْإِهْطَاعِ، وَمَا قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، غَيْرَ أَنَّا نَذْكُرُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بَعْضَ مَا لَمْ نَذْكُرْهُ هُنَالِكَ‏.‏

فَقَالَ قَتَادَةُ فِيهِ مَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ عَامِدِينَ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِيهِ مَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمُهْطِعُ‏:‏ الَّذِي لَا يَطْرِفُ‏.‏ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ مُسْرِعِينَ‏.‏

وَرُوِيَ فِيهِ عَنِ الْحَسَنِ مَا حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا قُرَّةُ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مُنْطَلِقِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا قُرَّةُ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ عَنْ يَمِينِكَ يَا مُحَمَّدُ، وَعَنْ شِمَالِكَ مُتَفَرِّقِينَ حِلَقًا وَمَجَالِسَ، جَمَاعَةً جَمَاعَةً، مُعْرِضِينَ عَنْكَ وَعَنْ كِتَابِ اللَّهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَبِلَكَ يَنْظُرُونَ، ‏{‏عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْعِزِينُ‏:‏ الْعَصَبُ مِنَ النَّاسِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ، مُعْرِضِينَ عَنْهُ، يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَجَالِسَ مُجَنَّبِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ عَامِدِينَ، ‏{‏عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ‏}‏‏:‏ أَيْ فِرَقًا حَوْلَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يَرْغَبُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا فِي نَبِيِّهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏عِزِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْعِزِينُ‏:‏ الْحِلَقُ الْمَجَالِسُ‏.‏

حَدَّثَنَا عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏عِزِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ حِلَقًا وَرُفَقَاءَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَجْلِسُ الَّذِي فِيهِ الثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ، وَالْمَجَالِسُ الثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ، أُولَئِكَ الْعِزُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الْفَزَارِيُّ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏«مَالِي أَرَاكُمْ عِزِين»‏"‏ وَالْعِزِينُ‏:‏ الْحِلَقُ الْمُتَفَرِّقَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُؤَمِّلٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شَقِيقٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ حِلَقٌ حِلَقٌ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏مَالِي أَرَاكُمْ عِزِينَ‏"‏»‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو حُصَيْنٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْثَرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنِ الْمُسَيَّبُ بْنُ رَافِعٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ الطَّائِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ‏:‏ «دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ مُتَفَرِّقُونَ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏مَا لَكُمْ عِزِينَ‏"‏»‏.‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْغَزِّيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ‏:‏ «جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُمْ جُلُوسٌ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏مَالِي أَرَاكُمْ عِزِينَ حِلَقَا»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ‏:‏ «جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُمْ جُلُوسٌ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏مَالِي أَرَاكُمْ عِزِينَ حِلَقًا»‏.‏

حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ الطَّائِيِّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ حِلَقٌ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏مَالِي أَرَاكُمْ عِزِينَ‏"‏ يَقُولُ‏:‏ حِلَقًا، يَعْنِي قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ‏}‏»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا قُرَّةُ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ عِزِينَ‏:‏ مُتَفَرِّقِينَ، يَأْخُذُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا، يَقُولُونَ‏:‏ مَا قَالَ هَذَا الرَّجُلُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا قُرَّةُ، عَنِ الْحَسَنِ، مَثَلَهُ‏.‏ وَوَاحِدُ الْعَزِينِ‏:‏ عِزَةٌ، كَمَا وَاحِدِ الثَّبِينِ ثَبَةٌ، وَوَاحِدِ الْكُرِينِ كُرَةٌ‏.‏ وَمِنَ الْعَزِينِ قَوْلُ رَاعِي الْإِبِلِ‏:‏

أَخَلِيفَةَ الرَّحْمَنِ إِنَّ عَشِيرَتِي *** أَمْسَى سَوَامُهُمُ عِزِينَ فُلُولَا

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَيَطْمَعُ كُلُ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَيُطْمِعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ أَنْ يُدْخِلَهُ اللَّهُ جَنَّةَ نَعِيمٍ‏:‏ أَيْ بَسَاتِينَ نَعِيمٍ يَنْعَمُ فِيهَا‏.‏

وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ‏}‏ فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ‏:‏ ‏(‏يُدْخَلَ‏)‏ بِضَمِّ الْيَاءِ عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، غَيْرَ الْحَسَنِ وَطَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، فَإِنَّهُ ذُكِرَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يَقْرَأَانِهِ بِفَتْحِ الْيَاءِ، بِمَعْنَى‏:‏ أَيُطْمِعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يَدْخُلَ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ جَنَّةَ نَعِيمٍ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَهِيَ ضَمُّ الْيَاءِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ‏}‏ يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَطْمَعُ فِيهِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ جَنَّةَ نَعِيمٍ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ‏}‏ يَقُولُ جَلَّ وَعَزَّ‏:‏ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ مَنِيٍّ قَذِرٍ، وَإِنَّمَا يَسْتَوْجِبُ دُخُولَ الْجَنَّةِ مَنْ يَسْتَوْجِبُهُ مِنْهُمْ بِالطَّاعَةِ، لَا بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ، فَكَيْفَ يَطْمَعُونَ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ وَهُمْ عُصَاةٌ كَفَرَةٌ‏.‏

وَقَدْ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ‏}‏ إِنَّمَا خُلِقْتَ مِنْ قَذِرٍ يَا ابْنَ آدَمَ، فَاتَّقِ اللَّهَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏40- 42‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، ‏{‏إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى أَنْ نُهْلِكَهُمْ، وَنَأْتِيَ بِخَيْرٍ مِنْهُمْ مَنِ الْخَلْقِ يُطِيعُونَنِي وَلَا يَعْصُونَنِي، ‏{‏وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمَا يَفُوتُنَا مِنْهُمْ أَحَدٌ بِأَمْرٍ نُرِيدُهُ مِنْهُ، فَيُعْجِزُنَا هَرَبًا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عِمَارَةُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ كُلَّ سَنَةٍ فِي ثَلَاثِ مِائَةٍ وَسِتِّينَ كُوَّةً، تَطْلُعُ كُلَّ يَوْمٍ فِي كُوَّةٍ، لَا تَرْجِعُ إِلَى تِلْكَ الْكُوَّةِ إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَلَا تَطْلُعُ إِلَّا وَهِيَ كَارِهَةٌ، تَقُولُ‏:‏ رَبِّ لَا تُطْلِعُنِي عَلَى عِبَادِكَ، فَإِنِّي أَرَاهُمْ يَعْصُونَكَ، يَعْمَلُونَ بِمَعَاصِيكَ أَرَاهُمْ، قَالَ أَوْلَمَ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ‏:‏

حَتَّى تُجَرَّ وَتُجْلَدَ

قُلْتُ‏:‏ يَا مَوْلَاهُ، وَتُجْلَدُ الشَّمْسُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ عَضِضْتَ بِهَنِّ أَبِيكَ، إِنَّمَا اضْطَرَّهُ الرَّوِيُّ إِلَى الْجِلْدِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنِي ابْنُ عِمَارَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏بِرَبِ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنْ ثَلَاثِ مِائَةٍ وَسِتِّينَ مَطْلَعًا، تَطْلُعُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ مَطْلَعٍ لَا تَعُودُ فِيهِ إِلَى قَابِلٍ، وَلَا تَطْلُعُ إِلَّا وَهِيَ كَارِهَةٌ، قَالَ عِكْرِمَةُ‏:‏ فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ قَدْ قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

حَتَّى تُجَرَّ وَتُجْلَدَ ***

قَالَ‏:‏ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ عَضِضْتَ بِهَنِّ أَبِيكَ، إِنَّمَا اضْطَرَّهُ الرَّوِيُّ‏.‏

حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عِمَارَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ فِي ثَلَاثِ مِائَةٍ وَسِتِّينَ كُوَّةً، فَإِذَا طَلَعَتْ فِي كُوَّةٍ لَمْ تَطْلُعْ مِنْهَا حَتَّى الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَلَا تَطْلُعُ إِلَّا وَهِيَ كَارِهَةٌ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ مَطْلَعُ الشَّمْسِ وَمَغْرِبُهَا، وَمَطْلَعُ الْقَمَرِ وَمَغْرِبُهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا‏}‏ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ فَذَرْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ، يَخُوضُوا فِي بَاطِلِهِمْ، وَيَلْعَبُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، ‏{‏حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ حَتَّى يُلَاقُوا عَذَابَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ الَّذِي يُوعِدُونَهُ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏43- 44‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ‏}‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يَخْرُجُونَ‏}‏ بَيَانٌ وَتَوْجِيهٌ عَنِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ‏}‏، وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَهُ، يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ، وَهِيَ الْقُبُورُ‏:‏ وَاحِدُهَا جَدَثٌ ‏{‏سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ‏}‏‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا‏}‏‏:‏ أَيْ مِنَ الْقُبُورِ سِرَاعًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ‏.‏ وَقَدْ بَيَّنَا الْجَدَثَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِشَوَاهِدِهِ، وَمَا قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ كَأَنَّهُمْ إِلَى عَلَمٍ قَدْ نُصِبَ لَهُمْ يَسْتَبِقُونَ‏.‏

وَأَجْمَعَتْ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى فَتْحِ النُّونِ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏نَصْبٍ‏)‏ غَيْرَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، فَإِنَّهُ ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَضُمُّهَا مَعَ الصَّادِ؛ وَكَأَنَّ مَنْ فَتَحَهَا يُوَجِّهُ النَّصْبَ إِلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ نَصَبْتُ الشَّيْءَ أَنْصِبُهُ نَصْبًا‏.‏ وَكَانَ تَأْوِيلُهُ عِنْدَهُمْ‏:‏ كَأَنَّهُمْ إِلَى صَنَمٍ مَنْصُوبٍ يُسْرِعُونَ سَعْيًا‏.‏ وَأَمَّا مَنْ ضَمَّهَا مَعَ الصَّادِ فَإِنَّهُ يُوَجَّهُ إِلَى أَنَّهُ وَاحِدُ الْأَنْصَابِ، وَهِيَ آلِهَتُهُمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يُوفِضُونَ‏}‏ فَإِنَّ الْإِيفَاضَ‏:‏ هُوَ الْإِسْرَاعُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

لَأَنْعَتَنْ نَعَامَةً مِيفَاضَا *** خَرْجَاءَ تَغْدُو تَطْلُبُ الْإِضَاضَا

يَقُولُ‏:‏ تَطْلُبُ مَلْجَأً تَلْجَأُ إِلَيْهِ؛ وَالْإِيفَاضُ‏:‏ السُّرْعَةُ؛ وَقَالَ رُؤْبَةُ‏:‏

تَمْشِي بِنَا الْجِدَّ عَلَى أَوْفَاضٍ ***

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِلَى عَلَامَاتٍ يَسْتَبِقُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِلَى عَلَمٍ يَسْعَوْنَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يُوفِضُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَسْتَبِقُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ‏}‏‏:‏ إِلَى عَلَمٍ يَسْعَوْنَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِلَى عَلَمٍ، يُوفِضُونَ، قَالَ‏:‏ يَسْعَوْنَ‏.‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا عُمَرَ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِلَى غَايَةٍ يَسْتَبِقُونَ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ‏}‏ إِلَى عَلَمٍ يَنْطَلِقُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ ‏{‏إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِلَى عَلَمٍ يَسْتَبِقُونَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ النُّصُبُ‏:‏ حِجَارَةٌ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا، حِجَارَةٌ طِوَالٌ يُقَالُ لَهَا نُصُبٌ‏.‏

وَفِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يُوفِضُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يُسْرِعُونَ إِلَيْهِ كَمَا يُسْرِعُونَ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ؛ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ وَالْأَنْصَابُ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُونَهَا وَيَأْتُونَهَا وَيُعَظِّمُونَهَا، كَانَ أَحَدُهُمْ يَحْمِلُهُ مَعَهُ، فَإِذَا رَأَى أَحْسَنَ مِنْهُ أَخَذَهُ، وَأَلْقَى هَذَا، فَقَالَ لَهُ‏:‏ ‏{‏كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُرَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَبْتَدِرُونَ إِلَى نُصُبِهِمْ، أَيُّهُمْ يَسْتَلِمُهُ أَوَّلَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا قُرَّةُ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ خَاضِعَةً أَبْصَارُهُمْ لِلَّذِي هُمْ فِيهِ مِنَ الْخِزْيِ وَالْهَوَانِ، ‏{‏تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ تَغْشَاهُمْ ذِلَّةٌ، ‏{‏ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ‏}‏ يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي وَصَفْتُ صِفَتَهُ، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، الَّذِي كَانَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ يُوعِدُونَ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُمْ لَاقُوهُ فِي الْآخِرَةِ، كَانُوا يُكَذِّبُونَ بِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏ذَلِكَ الْيَوْمُ‏}‏‏:‏ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ‏{‏الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ‏}‏‏.‏

آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ سَأَلَ سَائِلٌ‏.‏

تَفْسِيرُ سُورَةِ نُوحٍ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 4‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا‏}‏ وَهُوَ نُوحُ بْنُ لَمَكَ ‏{‏إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَرْسَلْنَاهُ إِلَيْهِمْ بِأَنْ أَنْذَرَ قَوْمكَ؛ فَأَنَّ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ فِي قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَفِي مَوْضِعِ خَفْضٍ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنْتُ الْعِلَلَ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ، وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا ذُكِرَ ‏(‏إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْذِرْ قَوْمَكَ‏)‏ بِغَيْرِ ‏"‏أَنْ‏"‏، وَجَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ بِمَعْنَى الْقَوْلِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ‏:‏ قُلْنَا لِنُوحٍ‏:‏ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ؛ وَذَلِكَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ هُوَ الطُّوفَانُ الَّذِي غَرَّقَهُمُ اللَّهُ بِهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ نُوحٌ لِقَوْمِهِ‏:‏ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ، أُنْذِرُكُمْ عَذَابَ اللَّهِ فَاحْذَرُوهُ أَنْ يَنْزِلَ بِكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ ‏(‏مُبِينٌ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ قَدْ أَبَنْتُ لَكُمْ إِنْذَارَيْ إِيَّاكُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبَرًا عَنْ قِيلِ نُوحٍ لِقَوْمِهِ‏:‏ ‏{‏إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ‏}‏ بِأَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ، يَقُولُ‏:‏ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ أُنْذِرُكُمْ، وَآمُرُكُمْ بِعِبَادَةِ اللَّهِ ‏(‏وَاتَّقُوهُ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ وَاتَّقَوْا عِقَابَهُ بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ ‏(‏وَأَطِيعُونِ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ وَانْتَهُوا إِلَى مَا آمُرُكُمْ بِهِ، وَاقْبَلُوا نَصِيحَتِي لَكُمْ‏.‏

وَقَدْ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَرْسَلَ اللَّهُ الْمُرْسَلِينَ بِأَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ، وَأَنْ تُتَّقَى مَحَارِمَهُ، وَأَنْ يُطَاعَ أَمْرُهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ أَوَ لَيْسَتْ ‏"‏مِنْ‏"‏ دَالَّةً عَلَى الْبَعْضِ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ إِنْ لَهَا مَعْنَيَيْنِ وَمَوْضِعَيْنِ، فَأَمَّا أَحَدُ الْمَوْضِعَيْنِ فَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي لَا يَصِحُّ فِيهِ غَيْرُهَا‏.‏ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ تَدُلَّ إِلَّا عَلَى الْبَعْضِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِكَ‏:‏ اشْتَرَيْتُ مِنْ مَمَالِيكِكَ، فَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ غَيْرُهَا، وَمَعْنَاهَا‏:‏ الْبَعْضُ، اشْتَرَيْتُ بَعْضَ مَمَالِيكِكَ، وَمِنْ مَمَالِيكِكَ مَمْلُوكًا‏.‏ وَالْمَوْضِعُ الْآخَرُ‏:‏ هُوَ الَّذِي يَصْلُحُ فِيهِ مَكَانُهَا ‏"‏عَنْ‏"‏ فَإِذَا صَلَحَتْ مَكَانَهَا ‏"‏عَنْ‏"‏ دَلَّتْ عَلَى الْجَمِيعِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِكَ‏:‏ وَجِعَ بَطْنِي مِنْ طَعَامٍ طَعِمْتُهُ، فَإِنَّ مَعْنًى ذَلِكَ‏:‏ أَوْجَعَ بَطْنِي طَعَامٌ طَعِمْتُهُ، وَتَصْلُحُ مَكَانَ ‏"‏مِنْ‏"‏ عَنْ، وَذَلِكَ أَنَّكَ تَضَعُ مَوْضِعَهَا ‏"‏عَنْ‏"‏، فَيَصْلُحُ الْكَلَامُ فَتَقُولُ‏:‏ وَجِعَ بَطْنِي عَنْ طَعَامٍ طَعِمْتُهُ، وَمِنْ طَعَامٍ طَعِمْتُهُ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ‏}‏ إِنَّمَا هُوَ‏:‏ وَيَصْفَحُ لَكُمْ، وَيَعْفُو لَكُمْ عَنْهَا؛ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا‏:‏ يَغْفِرُ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ مَا قَدْ وَعَدَكُمُ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهِ‏.‏ فَأَمَّا مَا لَمْ يَعِدْكُمُ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَفْوُهُ لَكُمْ عَنْهَا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَيُؤَخِّرُ فِي آجَالِكُمْ فَلَا يُهْلِكُكُمْ بِالْعَذَابِ، لَا بِغَرَقٍ وَلَا غَيْرِهِ ‏{‏إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِلَى حِينٍ كَتَبَ أَنَّهُ يُبْقِيكُمْ إِلَيْهِ، إِنْ أَنْتُمْ أَطَعْتُمُوهُ وَعَبَدْتُمُوهُ، فِي أُمِّ الْكِتَابِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا قَدْ خَطَّ مِنَ الْأَجَلِ، فَإِذَا جَاءَ أَجَلُ اللَّهِ لَا يُؤَخَّرُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ الَّذِي قَدْ كَتَبَهُ عَلَى خَلْقِهِ فِي أُمِّ الْكِتَابِ إِذَا جَاءَ عِنْدَهُ لَا يُؤَخَّرُ عَنْ مِيقَاتِهِ، فَيَنْظُرُ بَعْدَهُ ‏{‏لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَوْ عَلِمْتُمْ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لَأَنَبْتُمْ إِلَى طَاعَةِ رَبِّكُمْ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏5- 7‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ نُوحٌ لَمَّا بَلَّغَ قَوْمَهُ رِسَالَةَ رَبِّهِ، وَأَنْذَرَهُمْ مَا أَمَرَهُ بِهِ أَنْ يُنْذِرَهُمُوهُ فَعَصَوْهُ، وَرَدُّوا عَلَيْهِ مَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِهِ ‏{‏رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا‏}‏ إِلَى تَوْحِيدِكَ وَعِبَادَتِكَ، وَحَذَّرْتُهُمْ بَأْسَكَ وَسَطْوَتَكَ، ‏{‏فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِيَّاهُمْ إِلَى مَا دَعَوْتُهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي أَرْسَلَتْنِي بِهِ لَهُمْ ‏{‏إِلَّا فِرَارًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِلَّا إِدْبَارًا عَنْهُ وَهَرَبًا مِنْهُ وَإِعْرَاضًا عَنْهُ‏.‏

وَقَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا‏}‏ قَالَ‏:‏ بَلَغَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَذْهَبُ الرَّجُلُ بِابْنِهِ إِلَى نُوحٍ، فَيَقُولُ لِابْنِهِ‏:‏ احْذَرْ هَذَا لَا يُغْوِيَنَّكَ، فَأَرَانِي قَدْ ذَهَبَ بِي أَبِي إِلَيْهِ وَأَنَا مِثْلُكَ، فَحَذَّرَنِي كَمَا حَذَّرْتُكَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ‏}‏ يَقُولُ جَلَّ وَعَزَّ‏:‏ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ إِلَى الْإِقْرَارِ بِوَحْدَانِيَّتِكَ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِكَ، وَالْبَرَاءَةِ مِنْ عِبَادَةِ كُلِّ مَا سِوَاكَ، لِتَغْفِرَ لَهُمْ إِذَا هُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ لِئَلَّا يَسْمَعُوا دُعَائِي إِيَّاهُمْ إِلَى ذَلِكَ ‏{‏وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَتَغُشَّوْا فِي ثِيَابِهِمْ، وَتَغَطَّوْا بِهَا لِئَلَّا يَسْمَعُوا دُعَائِي‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ‏}‏ لِئَلَّا يَسْمَعُوا كَلَامَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَصَرُّوا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَثَبَتُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ وَأَقَامُوا عَلَيْهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَصَرُّوا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْإِصْرَارُ إِقَامَتُهُمْ عَلَى الشَّرِّ وَالْكُفْرِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَتَكْبَّرُوا فَتَعَاظَمُوا عَنِ الْإِذْعَانِ لِلْحَقِّ، وَقَبُولِ مَا دَعَوْتُهُمْ إِلَيْهِ مِنَ النَّصِيحَةِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏8- 11‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ‏}‏ إِلَى مَا أَمَرْتَنِي أَنْ أَدْعُوَهُمْ إِلَيْهِ ‏{‏جِهَارًا‏}‏ ظَاهِرًا فِي غَيْرِ خَفَاءٍ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْجِهَارُ الْكَلَامُ الْمُعْلَنُ بِهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ صَرَخْتُ لَهُمْ، وَصِحْتُ بِالَّذِي أَمَرْتَنِي بِهِ مِنَ الْإِنْذَارِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَعْلَنْتُ لَهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ صِحْتُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏أَعْلَنْتُ لَهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ صِحْتُ بِهِمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فِي خَفَاءٍ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا‏}‏ قَالَ‏:‏ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَقُلْتُ لَهُمْ‏:‏ سَلُوا رَبَّكُمْ غُفْرَانَ ذُنُوبِكُمْ، وَتُوبُوا إِلَيْهِ مِنْ كُفْرِكُمْ، وَعِبَادَةِ مَا سِوَاهُ مِنَ الْآلِهَةِ وَوَحِّدُوهُ، وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ، يَغْفِرْ لَكُمْ، إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا لِذُنُوبِ مَنْ أَنَابَ إِلَيْهِ، وَتَابَ إِلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يَسْقِيكُمْ رَبُّكُمْ إِنْ تُبْتُمْ وَوَحَّدْتُمُوهُ وَأَخْلَصْتُمْ لَهُ الْعِبَادَةَ الْغَيْثَ، فَيُرْسِلُ بِهِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا مُتَتَابِعًا‏.‏

وَقَدْ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ‏:‏ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْتَسْقِي، فَمَا زَادَ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالُوا‏:‏ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا رَأَيْنَاكَ اسْتَسْقَيْتَ، فَقَالَ‏:‏ لَقَدْ طَلَبْتُ الْمَطَرَ بِمَجَادِيحِ السَّمَاءِ الَّتِي يُسْتَنْزَلُ بِهَا الْمَطَرُ، ثُمَّ قَرَأَ ‏{‏اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا‏}‏ وَقَرَأَ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ هُودٍ حَتَّى بَلَغَ‏:‏ ‏{‏وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ‏}‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏12- 14‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا‏}‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَيُعْطِكُمْ مَعَ ذَلِكَ رَبُّكُمْ أَمْوَالًا وَبَنِينَ، فَيُكَثِّرُهَا عِنْدَكُمْ وَيَزِيدُ فِيمَا عِنْدَكُمْ مِنْهَا ‏{‏وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يَرْزُقُكُمْ بَسَاتِينَ ‏{‏وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا‏}‏ تَسْقُونَ مِنْهَا جَنَّاتِكُمْ وَمَزَارِعَكُمْ؛ وَقَالَ ذَلِكَ لَهُمْ نُوحٌ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِيمَا ذُكِرَ قَوْمٌ يُحِبُّونَ الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا‏}‏ قَالَ‏:‏ رَأَى نُوحٌ قَوْمًا تَجَزَّعَتْ أَعْنَاقُهُمْ حِرْصًا عَلَى الدُّنْيَا، فَقَالَ‏:‏ هَلُمُّوا إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ فِيهَا دَرْكَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا‏}‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ مَا لَكَمَ لَا تَرَوْنَ لِلَّهِ عَظَمَةً‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ عَظَمَةً‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا‏}‏ قَالَ‏:‏ لَا تَرَوْنَ لِلَّهِ عَظَمَةً‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ وَقَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا‏}‏ قَالَ‏:‏ لَا تُبَالُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانُوا لَا يُبَالُونَ عَظَمَةَ اللَّهِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ عَظَمَةً‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا‏}‏ قَالَ‏:‏ لَا تُبَالُونَ عَظَمَةَ رَبِّكُمْ؛ قَالَ‏:‏ وَالرَّجَاءُ‏:‏ الطَّمَعُ وَالْمَخَافَةُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ لَا تُعَظِّمُونَ اللَّهَ حَقَّ عَظَمَتِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سُمَيْعٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا لَكَمَ لَا تُعَظِّمُونَ اللَّهَ حَقَّ عَظَمَتِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَا لَكَمَ لَا تَعْلَمُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَا لَكَمَ لَا تَعْلَمُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ مَا لَكَمَ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ عَاقِبَةً‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا‏}‏ أَيْ عَاقِبَةً‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا‏}‏ قَالَ‏:‏ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ عَاقِبَةً‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ مَا لَكَمَ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ طَاعَةً‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْوَقَارُ‏:‏ الطَّاعَةُ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ مَا لَكَمَ لَا تَخَافُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجَاءَ قَدْ تَضَعُهُ الْعَرَبُ إِذَا صَحِبَهُ الْجَحْدُ فِي مَوْضِعِ الْخَوْفِ، كَمَا قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ‏:‏

إِذَا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا *** وَخَالَفَهَا فِي بَيْتِ نُوبٍ عَوَاسِلِ

يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَلَمْ يَرُجْ‏"‏‏:‏ لَمْ يَخَفْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا‏}‏ ‏(‏

يَقُولُ‏:‏ وَقَدْ خَلَقَكُمْ حَالًا بَعْدَ حَالٍ، طَوْرًا نُطْفَةً، وَطَوْرًا عَلَقَةً، وَطَوْرًا مُضْغَةً‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ نُطْفَةً، ثُمَّ عَلَقَةً، ثُمَّ مُضْغَةً‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ، ثُمَّ مَا ذَكَرَ حَتَّى يَتِمَّ خَلْقُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا‏}‏ طَوْرًا نُطْفَةً، وَطَوْرًا عَلَقَةً، وَطَوْرًا عِظَامًا، ثُمَّ كَسَا الْعِظَامَ لَحْمًا، ثُمَّ أَنْشَأَهُ خَلْقًا آخَرَ، أَنْبَتَ بِهِ الشَّعْرَ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا‏}‏ قَالَ‏:‏ نُطْفَةً، ثُمَّ عَلَقَةً، ثُمَّ خَلْقًا طَوْرًا بَعْدَ طَوْرٍ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مِنْ نُطْفَةٍ، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ، ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا‏}‏ قَالَ‏:‏ طَوْرًا النُّطْفَةُ، ثُمَّ طَوْرًا أَمْشَاجًا حِينَ يَمْشُجُ النُّطْفَةَ الدَّمُ، ثُمَّ يَغْلِبُ الدَّمُ عَلَى النُّطْفَةِ، فَتَكُونُ عَلَقَةً، ثُمَّ تَكُونُ مُضْغَةً، ثُمَّ تَكُونُ عِظَامًا، ثُمَّ تُكْسَى الْعِظَامُ لَحْمًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا‏}‏ قَالَ‏:‏ نُطْفَةً، ثُمَّ عَلَقَةً، شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏15- 18‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبَرًا عَنْ قِيلِ نُوحٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، لِقَوْمِهِ الْمُشْرِكِينَ بِرَبِّهِمْ، مُحْتَجًّا عَلَيْهِمْ بِحُجَجِ اللَّهِ فِي وَحْدَانِيَّتِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَوْا‏}‏ أَيُّهَا الْقَوْمُ فَتَعْتَبِرُوا ‏{‏كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا‏}‏ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَالطِّبَاقُ‏:‏ مَصْدَرٌ، مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ طَابَقْتُ مُطَابَقَةً وَطِبَاقًا‏.‏ وَإِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ‏:‏ كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ، سَمَاءً فَوْقَ سَمَاءٍ مُطَابَقَةً‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِي السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ نُورًا ‏{‏وَجَعَلَ الشَّمْسَ‏}‏ فِيهِنَّ ‏{‏سِرَاجًا‏}‏‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا‏}‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كَانَ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ ضَوْءَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ نُورُهُمَا فِي السَّمَاءِ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وُجُوهُهُمَا قِبَلَ السَّمَاوَاتِ، وَأَقْفِيَتُهُمَا قِبَلَ الْأَرْضِ، وَأَنَا أَقْرَأُ بِذَلِكَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا‏}‏‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ خَلَقَ الْقَمَرَ يَوْمَ خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ‏.‏

وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ‏:‏ إِنَّمَا قِيلَ ‏{‏وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا‏}‏ عَلَى الْمَجَازِ، كَمَا يُقَالُ‏:‏ أَتَيْتُ بَنِي تَمِيمٍ، وَإِنَّمَا أَتَى بَعْضَهَمْ ‏{‏وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَاللَّهُ أَنْشَأَكُمْ مِنْ تُرَابِ الْأَرْضِ، فَخَلَقَكُمْ مِنْهُ إِنْشَاءً ‏{‏ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا كُنْتُمْ تُرَابًا فَيُصَيِّرُكُمْ كَمَا كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَكُمْ ‏{‏وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا‏}‏ يَقُولُ وَيُخْرِجُكُمْ مِنْهَا إِذَا شَاءَ أَحْيَاءً كَمَا كُنْتُمْ بَشَرًا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهَا، فَيُصَيِّرُكُمْ تُرَابًا إِخْرَاجًا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏19- 22‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبَرًا عَنْ قِيلِ نُوحٍ لِقَوْمِهِ، مُذَكِّرَهُمْ نِعَمَ رَبِّهِ‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا‏}‏ تَسْتَقِرُّونَ عَلَيْهَا وَتَمْتَهِدُونَهَا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لِتَسْلُكُوا مِنْهَا طُرُقًا صِعَابًا مُتَفَرِّقَةً؛ وَالْفِجَاجُ‏:‏ جَمْعُ فَجٍّ، وَهُوَ الطَّرِيقُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا‏}‏ قَالَ‏:‏ طُرُقًا وَأَعْلَامًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا‏}‏ قَالَ‏:‏ طُرُقًا‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ طُرُقًا مُخْتَلِفَةً‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي‏}‏ فَخَالَفُوا أَمْرِي، وَرَدُّوا عَلَيَّ مَا دَعَوْتُهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْهُدَى وَالرَّشَادِ ‏{‏وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَاتَّبَعُوا فِي مَعْصِيَتِهِمْ إِيَّايَ مَنْ دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ، مِمَّنْ كَثُرَ مَالُهُ وَوَلَدُهُ، فَلَمْ تَزِدْهُ كَثْرَةُ مَالِهِ وَوَلَدِهِ إِلَّا خَسَارًا، بُعْدًا مِنَ اللَّهِ، وَذَهَابًا عَنْ مَحَجَّةِ الطَّرِيقِ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَوَلَدُهُ‏)‏ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ‏:‏ ‏(‏وَوَلَدُهُ‏)‏ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَاللَّامِ، وَكَذَلِكَ قَرَءُوا ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ‏.‏ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ بِضَمِّ الْوَاوِ وَسُكُونِ اللَّامِ، وَكَذَلِكَ كَلَّ مَا كَانَ مِنْ ذِكْرِ الْوَلَدِ مِنْ سُورَةِ مَرْيَمَ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ‏.‏ وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو كُلَّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَلِكَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَاللَّامِ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَرْفِ الْوَاحِدِ فِي سُورَةِ نُوحٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَضُمُّ الْوَاوَ مِنْهُ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ، أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ قِرَاءَاتٌ مَعْرُوفَاتٌ، مُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي، فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَمَكَرُوا مَكْرًا عَظِيمًا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏كُبَّارًا‏}‏ قَالَ‏:‏ عَظِيمًا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا‏}‏ كَثِيرًا، كَهَيْئَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا‏}‏ وَالْكُبَّارُ‏:‏ وَهُوَ الْكَبِيرُ، كَمَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، تَقُولُ الْعَرَبُ‏:‏ أَمْرٌ عَجِيبٌ وَعُجَابٌ بِالتَّخْفِيفِ، وَعُجَّابٌ بِالتَّشْدِيدِ؛ وَرَجُلٌ حُسَانٌ وَحَسَّانٌ، وَجُمَالٌ وَجَمَّالٌ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ، وَكَذَلِكَ كَبِيرٌ وَكُبَّارٌ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏23- 24‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ إِخْبَارِ نُوحٍ، عَنْ قَوْمِهِ‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا‏}‏ كَانَ هَؤُلَاءِ نَفَرًا مِنْ بَنِي آدَمَ فِيمَا ذُكِرَ عَنْ آلِهَةِ الْقَوْمِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا‏.‏

وَكَانَ مِنْ خَبَرِهُمْ فِيمَا بَلَغَنَا مَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ ‏{‏وَيَعُوقَ وَنَسْرًا‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانُوا قَوْمًا صَالِحِينَ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَكَانَ لَهُمْ أَتْبَاعٌ يَقْتَدُونَ بِهِمْ، فَلَمَّا مَاتُوا قَالَ أَصْحَابُهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَقْتَدُونَ بِهِمْ‏:‏ لَوْ صَوَّرْنَاهُمْ كَانَ أَشْوَقَ لَنَا إِلَى الْعِبَادَةِ إِذَا ذَكَرْنَاهُمْ، فَصَوَّرُوهُمْ، فَلَمَّا مَاتُوا، وَجَاءَ آخَرُونَ دَبَّ إِلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، فَقَالَ‏:‏ إِنَّمَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَبِهِمْ يَسْقَوْنَ الْمَطَرَ، فَعَبَدُوهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ‏:‏ كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ، كُلُّهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هَذِهِ أَسْمَاءُ أَصْنَامِ قَوْمِ نُوحٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ وَدٌّ لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ كَلْبٍ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ، وَكَانَتْ سُوَاعٌ لِهُذَيْلٍ بِرِيَاطٍ، وَكَانَ يَغُوثُ لِبَنِي غُطَيْفٍ مِنْ مُرَادٍ بِالْجُرْفِ مِنْ سَبَأٍ، وَكَانَ يَعُوقُ لِهَمْدَانَ بِبَلْخَعَ، وَكَانَ نَسْرٌ لِذِي كُلَاعٍ مِنْ حِمْيَرَ؛ قَالَ‏:‏ وَكَانَتْ هَذِهِ الْآلِهَةُ يَعْبُدُهَا قَوْمُ نُوحٍ، ثُمَّ اتَّخَذَهَا الْعَرَبُ بَعْدَ ذَلِكَ‏.‏ وَاللَّهُ مَا عَدَا خَشَبَةً أَوْ طِينَةً أَوْ حَجَرًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَتْ آلِهَةٌ يَعْبُدُهَا قَوْمُ نُوحٍ، ثُمَّ عَبَدَتْهَا الْعَرَبُ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ‏:‏ فَكَانَ وَدٌّ لِكَلْبٍ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ، وَكَانَ سُوَاعٌ لِهُذَيْلٍ، وَكَانَ يَغُوثُ لِبَنِي غُطَيْفٍ مِنْ مُرَادٍ بِالْجُرْفِ، وَكَانَ يَعُوقُ لِهَمْدَانَ، وَكَانَ نَسْرٌ لِذِي الْكُلَاعِ مِنْ حِمْيَرَ‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذِهِ أَصْنَامٌ كَانَتْ تُعْبَدُ فِي زَمَانِ نُوحٍ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذِهِ أَصْنَامٌ، وَكَانَتْ تُعْبَدُ فِي زَمَانِ نُوحٍ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا‏}‏ هِيَ آلِهَةٌ كَانَتْ تَكُونُ بِالْيَمَنِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذِهِ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَعْبُدُونَ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَدًّا‏)‏ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ ‏"‏وُدًّا‏"‏ بِضَمِّ الْوَاوِ، وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ‏:‏ ‏(‏وَدًّا‏)‏ بِفَتْحِ الْوَاوِ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبَرًا عَنْ قِيلِ نُوحٍ‏:‏ وَقَدْ ضَلَّ بِعِبَادَةِ هَذِهِ الْأَصْنَامِ الَّتِي أُحْدِثَتْ عَلَى صُوَرِ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ الْمُسَمَّيْنَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَنُسِبَ الضَّلَالُ إِذْ ضَلَّ بِهَا عَابِدُوهَا إِلَى أَنَّهَا الْمُضِلَّةُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ أَنْفُسَهُمْ بِكُفْرِهِمْ بِآيَاتِنَا إِلَّا ضَلَالًا، إِلَّا طَبْعًا عَلَى قَلْبِهِ، حَتَّى لَا يَهْتَدِيَ لِلْحَقِّ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏25- 26‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا‏}‏‏.‏

يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ‏}‏ مِنْ خَطِيئَاتِهِمْ ‏{‏أُغْرِقُوا‏}‏ وَالْعَرَبُ تَجْعَلُ ‏"‏مَا‏"‏ صِلَةً فِيمَا نَوَى بِهِ مَذْهَبَ الْجَزَاءِ، كَمَا يُقَالُ‏:‏ أَيْنَمَا تَكُنْ أَكُنْ، وَحَيْثُمَا تَجْلِسْ أَجْلِسُ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ مِنْ خَطِيئَاتِهِمْ أُغرِقُوا‏.‏

وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَبِخَطِيئَاتِهِمْ ‏{‏أُغْرِقُوا‏}‏ فَأُدْخِلُوا نَارًا، وَكَانَتِ الْبَاءُ هَهُنَا فَصْلًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا‏}‏ قَالَ‏:‏ بِخَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ‏}‏ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ غَيْرَ أَبِي عَمْرٍو ‏{‏مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ‏}‏ بِالْهَمْزِ وَالتَّاءِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو عَمْرٍو ‏"‏مِمَّا خَطَايَاهُمْ‏"‏ بِالْأَلْفِ بِغَيْرِ هَمْزٍ‏.‏

وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَهُوَ مُصِيبٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَأُدْخِلُوا نَارًا‏}‏ جَهَنَّمُ ‏{‏فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا‏}‏ تَقْتَصُّ لَهُمْ مِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ، وَلَا تَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا فُعِلَ بِهِمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا‏}‏ وَيَعْنِي بِالدَّيَّارِ‏:‏ مَنْ يَدُورُ فِي الْأَرْضِ، فَيَذْهَبُ وَيَجِيءُ فِيهَا، وَهُوَ فَيْعَالٌ مِنَ الدَّوَرَانِ دِيوَارًا، اجْتَمَعَتِ الْيَاءُ وَالْوَاوُ، فَسَبَقَتِ الْيَاءُ الْوَاوَ وَهِيَ سَاكِنَةٌ، وَأُدْغِمَتِ الْوَاوُ فِيهَا، وَصُيِّرَتَا يَاءً مُشَدَّدَةً، كَمَا قِيلَ‏:‏ الْحَيُّ الْقَيَّامُ، مِنْ قُمْتُ، وَإِنَّمَا هُوَ قَيْوَامٌ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ‏:‏ مَا بِهَا دِيَارٌ وَلَا عَرِيبٌ، وَلَا دَوِيٌّ وَلَا صَافِرٌ، وَلَا نَافِخُ ضِرْمَةٍ، يَعْنِي بِذَلِكَ كُلِّهِ‏:‏ مَا بِهَا أَحَدٌ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏27- 28‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبَرًا عَنْ قِيلِ نُوحٍ فِي دُعَائِهِ إِيَّاهُ عَلَى قَوْمِهِ‏:‏ إِنَّكَ يَا رَبِّ إِنْ تَذْرِ الْكَافِرِينَ أَحْيَاءً عَلَى الْأَرْضِ، وَلَمْ تُهْلِكْهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِكَ ‏{‏يُضِلُّوا عِبَادَكَ‏}‏ الَّذِينَ قَدْ آمَنُوا بِكَ، فَيَصُدُّوهُمْ عَنْ سَبِيلِكَ، ‏{‏وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا‏}‏ فِي دِينِكَ ‏{‏كَفَّارًا‏}‏ لِنِعْمَتِكَ‏.‏

وَذُكِرَ أَنَّ قِيلَ نُوحٍ هَذَا الْقَوْلَ وَدُعَاءَهُ هَذَا الدُّعَاءَ، كَانَ بَعْدَ أَنْ أَوْحَى إِلَيْهِ رَبُّهُ‏:‏ ‏{‏أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ‏}‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا‏}‏ أَمَا وَاللَّهِ مَا دَعَا عَلَيْهِمْ حَتَّى أَتَاهُ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ ‏{‏أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ‏}‏ فَعِنْدَ ذَلِكَ دَعَا عَلَيْهِمْ نَبِيُّ اللَّهِ نُوحٌ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا‏}‏ ثُمَّ دَعَاهُ دَعْوَةً عَامَّةً فَقَالَ‏:‏ ‏{‏رَبِ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏تَبَارًا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ‏:‏ تَلَا قَتَادَةُ ‏{‏لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا‏}‏ ثُمَّ ذَكَرَهُ نَحْوَهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ رَبِّ اعْفُ عَنِّي، وَاسْتُرْ عَلَيَّ ذُنُوبِي وَعَلَى وَالِدِيِّ ‏{‏وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلِمَنْ دَخَلَ مَسْجِدِي وَمُصَلَّايَ مُصَلِّيًا مُؤْمِنًا، يَقُولُ‏:‏ مُصَدِّقًا بِوَاجِبِ فَرْضِكَ عَلَيْهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ ‏{‏وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا‏}‏ قَالَ‏:‏ مَسْجِدِي‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ سَعِيدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ مِثْلَهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلِلْمُصَدِّقِينَ بِتَوْحِيدِكَ وَالْمُصَدِّقَاتِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ أَنْفُسَهَمْ بِكُفْرِهِمْ إِلَّا خَسَارًا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِلَّا تَبَارًا‏}‏ قَالَ‏:‏ خَسَارًا‏.‏

وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ تَبَّرْتُ، فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ، وَذَكَرْتُ أَقْوَالَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِيهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ كَانُوا يَضْرِبُونَ نُوحًا حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهِ، فَإِذَا أَفَاقَ قَالَ‏:‏ رَبُّ اغْفِرْ لِقَوْمِيٍّ فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ‏.‏

آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ نُوحٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏