فصل: تفسير الآية رقم (178)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏178‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ تَأْوِيلُهُ‏:‏ فَمَنْ تُرِكَ لَهُ مِنَ الْقَتْلِ ظُلْمًا، مِنَ الْوَاجِبِ كَانَ لِأَخِيهِ عَلَيْهِ مِنَ الْقِصَاصِ- وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ‏}‏- فَاتِّبَاعٌ مِنَ الْعَافِي لِلْقَاتِلِ بِالْوَاجِبِ لَهُ قِبَلَهُ مِنَ الدِّيَةِ، وَأَدَاءٌ مِنَ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ ذَلِكَ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَمَّادٍ الدُّولَابِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ‏}‏، فَالْعَفْوُ‏:‏ أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ‏.‏ وَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ‏:‏ أَنْ يَطْلُبَ هَذَا بِمَعْرُوفٍ، وَيُؤَدِّيَ هَذَا بِإِحْسَانٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ‏}‏، فَقَالَ‏:‏ هُوَ الْعَمْدُ، يَرْضَى أَهْلُهُ بِالدِّيَةِ، وَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ‏:‏ أُمِرَ بِهِ الطَّالِبُ، وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ مِنَ الْمَطْلُوبِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي- وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوِيدُ بْنُ نَصْرٍ- قَالَا جَمِيعًا، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ الَّذِي يَقْبَلُ الدِّيَةَ، ذَلِكَ مِنْهُ عَفْوٌ وَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَيُؤَدِّي إِلَيْهِ الَّذِي عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ بِإِحْسَانٍ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ‏}‏، وَهِيَ الدِّيَةُ‏:‏ أَنْ يَحْسُنَ الطَّالِبُ الطَّلَبَ، وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ‏:‏ وَهُوَ أَنْ يُحْسِنَ الْمَطْلُوبُ الْأَدَاءَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ‏}‏، وَالْعَفْوُ‏:‏ الَّذِي يَعْفُو عَنِ الدَّمِ وَيَأْخُذُ الدِّيَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ الدِّيَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ عَلَى هَذَا الطَّالِبِ أَنْ يَطْلُبَ بِالْمَعْرُوفِ، وَعَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ أَنْ يُؤَدِّيَ بِإِحْسَانٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، وَالْعَفْوُ‏:‏ الَّذِي يَعْفُو عَنِ الدَّمِ، وَيَأْخُذُ الدِّيَةَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ الْعَمْدُ، يَرْضَى أَهْلَهُ بِالدِّيَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ دَاوُدَ عَنِ الشَّعْبِيِّ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ قَتَلَ عَمْدًا فَعُفِيَ عَنْهُ، وَقُبِلَتْ مِنْهُ الدِّيَةُ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، فَأَمْرُ الْمُتْبِعِ أَنْ يَتَّبِعَ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَمْرُ الْمُؤَدِّي أَنْ يُؤَدِّيَ بِإِحْسَانٍ، وَالْعَمْدُ قَوَدٌ إِلَيْهِ قِصَاصٌ، لَا عَقْلَ فِيهِ، إِلَّا أَنْ يَرْضَوْا بِالدِّيَةِ‏.‏ فَإِنْ رَضُوا بِالدِّيَةِ، فَمِئَةٌ خَلِفَةٌ‏.‏ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لَا نَرْضَى إِلَّا بِكَذَا وَكَذَا‏.‏ فَذَاكَ لَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ يُتْبِعُ بِهِ الطَّالِبُ بِالْمَعْرُوفِ، وَيُؤَدِّي الْمَطْلُوبَ بِإِحْسَانٍ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَمَنْ قَتَلَ عَمْدًا فَعُفِيَّ عَنْهُ، وَأُخِذَتْ مِنْهُ الدِّيَةُ، يَقُولُ‏:‏ ‏{‏فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، أُمِرَ صَاحِبُ الدِّيَةِ الَّتِي يَأْخُذُهَا أَنْ يُتْبِعَ بِالْمَعْرُوفِ، وَأُمِرَ الْمُؤَدِّي أَنْ يُؤَدِّيَ بِإِحْسَانٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِعَطَاءٍ‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ ذَلِكَ إِذَا أَخَذَ الدِّيَةَ، فَهُوَ عَفْوٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بُزَّةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ إِذَا قَبِلَ الدِّيَةَ فَقَدْ عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ‏}‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي الْأَعْرَجُ، عَنْ مُجَاهِدٍ مَثَلَ ذَلِكَ، وَزَادَ فِيهِ‏:‏- فَإِذَا قَبِلَ الدِّيَةَ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ بِالْمَعْرُوفِ، وَعَلَى الَّذِي عُفِيَ عَنْهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِإِحْسَانٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ قَالَ‏:‏ قَالَ الْحَسَنُ‏:‏ أَخْذُ الدِّيَةِ عَفْوٌ حَسَنٌ‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسَ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ ‏{‏وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَنْتَ أَيُّهَا الْمَعْفُوُّ عَنْهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَمِنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ‏}‏، وَهُوَ الدِّيَةُ، أَنْ يَحْسُنَ الطَّالِبُ، وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ‏:‏ هُوَ أَنْ يُحْسِنَ الْمَطْلُوبُ الْأَدَاءَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ‏}‏، فَمَنْ فَضَلَ لَهُ فَضْلٌ، وَبَقِيَتْ لَهُ بَقِيَّةٌ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ‏}‏‏:‏ مِنْ دِيَةِ أَخِيهِ شَيْءٌ، أَوْ مَنْ أَرْشِ جِرَاحَتِهِ، فَاتِّبَاعٌ مِنْهُ الْقَاتِلَ أَوِ الْجَارِحَ الَّذِي بَقِيَ ذَلِكَ قَبْلَهُ- بِمَعْرُوفٍ، وَأَدَاءٌ مِنَ الْقَاتِلِ أَوِ الْجَارِحِ إِلَيْهِ مَا بَقِيَ قَبْلَهُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ بِإِحْسَانٍ‏.‏

وَهَذَا قَوْلٌ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ- أَعْنِي قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى‏}‏- فِي الَّذِينَ تَحَارَبُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَيُقَاصَّ دِيَاتِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، وَيُرَدُّ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِفَضْلٍ إِنْ بَقِيَ لَهُمْ قَبْلَ الْآخَرِينَ‏.‏ وَأَحْسَبُ أَنَّ قَائِلِي هَذَا الْقَوْلِ وَجَّهُوا تَأْوِيلَ ‏"‏ الْعَفْوِ ‏"‏- فِي هَذَا الْمَوْضِعِ- إِلَى‏:‏ الْكَثْرَةِ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏حَتَّى عَفَوْا‏}‏ ‏[‏سُورَةَ الْأَعْرَافِ‏:‏ 95‏]‏‏.‏ فَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُمْ‏:‏ فَمَنْ كَثُرَ لَهُ قِبَلَ أَخِيهِ الْقَاتِلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ بَقِيَ لَهُ مِنْ دِيَةِ أَخِيهِ شَيْءٌ أَوْ مِنْ أَرْشِ جِرَاحَتِهِ، فَلْيَتَّبِعْ بِمَعْرُوفٍ، وَلْيُؤَدِّ الْآخَرُ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ‏.‏

وَالْوَاجِبُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقَوْلِ الَّذِي رَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ- فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ‏}‏ أَنَّهُ بِمَعْنَى‏:‏ مُقَاصَّةِ دِيَةِ النَّفْسِ الذَّكَرِ مِنْ دِيَةِ نَفْسِ الْأُنْثَى، وَالْعَبْدِ مِنَ الْحَرِّ، وَالتَّرَاجُعِ بِفَضْلِ مَا بَيْنَ دِيَتَيْ أَنْفُسِهِمَا- أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ‏}‏، فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنَ الْوَاجِبِ لِأَخِيهِ عَلَيْهِ- مِنْ قِصَاصِ دِيَةِ أَحَدِهِمَا بِدِيَةِ نَفْسِ الْآخَرِ، إِلَى الرِّضَى بِدِيَةِ نَفْسِ الْمَقْتُولِ، فَاتِّبَاعٌ مِنَ الْوَلِيِّ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَدَاءٌ مِنَ الْقَاتِلِ إِلَيْهِ ذَلِكَ بِإِحْسَانٍ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ‏}‏‏:‏ فَمَنْ صُفِحَ لَهُ- مِنَ الْوَاجِبِ كَانَ لِأَخِيهِ عَلَيْهِ مِنَ الْقَوْدِ- عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْوَاجِبِ، عَلَى دِيَةٍ يَأْخُذُهَا مِنْهُ، فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ مِنَ الْعَافِي عَنِ الدَّمِ، الرَّاضِي بِالدِّيَةِ مِنْ دَمِ وَلَيِّهِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ- مِنَ الْقَاتِلِ- ذَلِكَ بِإِحْسَانٍ‏.‏ لِمَا قَدْ بَيَّنَّا مِنَ الْعِلَلِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ‏:‏ مِنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ‏}‏، إِنَّمَا هُوَ الْقِصَاصُ مِنَ النُّفُوسِ الْقَاتِلَةِ أَوِ الْجَارِحَةِ أَوِ الشَّاجَّةِ عَمْدًا‏.‏ كَذَلِكَ ‏"‏ الْعَفْوُ ‏"‏ أَيْضًا عَنْ ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ فَاتِّبَاعٌ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْحَقِّ قِبَلَ قَاتِلِ وَلَيِّهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزْدَادَ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ- فِي أَسْنَانِ الْفَرَائِضِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ- أَوْ يُكَلِّفُهُ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ لَهُ عَلَيْهِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ بَلَغَنَا عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ «مِنْ زَادٍ أَوِ ازْدَادَ بَعِيرًا ‏"‏- يَعْنِي فِي إِبِلِ الدِّيَاتِ وَفَرَائِضِهَا- فَمِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّة»‏.‏

وَأَمَّا إِحْسَانُ الْآخَرِ فِي الْأَدَاءِ، فَهُوَ أَدَاءٌ مَا لَزِمَهُ بِقَتْلِهِ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ، عَلَى مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ وَأُوجِبَهُ عَلَيْهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبْخَسَهُ حَقًّا لَهُ قَبْلَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، أَوْ يُحْوِجَهُ إِلَى اقْتِضَاءٍ وَمُطَالَبَةٍ‏.‏

فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ‏:‏ وَكَيْفَ قِيلَ‏:‏ ‏{‏فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ‏}‏، وَلَمْ يَقُلْ فَاتِّبَاعًا بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءً إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ، كَمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ مُحَمَّدٍ‏:‏ 4‏]‏‏؟‏ قِيلَ‏:‏ لَوْ كَانَ التَّنْزِيلُ جَاءَ بِالنَّصْبِ، وَكَانَ‏:‏ فَاتِّبَاعًا بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءً إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ- كَانَ جَائِزًا فِي الْعَرَبِيَّةِ صَحِيحًا، عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ، كَمَا يُقَالُ‏:‏ ‏"‏ ضَرْبًا ضَرْبًا وَإِذَا لَقِيتَ فُلَانًا فَتَبْجِيلًا وَتَعْظِيمًا‏)‏، غَيْرَ أَنَّهُ جَاءَ رَفْعًا، وَهُوَ أَفْصَحُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ نَصْبِهِ‏.‏ وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا كَانَ نَظِيرًا لَهُ، مِمَّا يَكُونُ فَرْضًا عَامًّا- فِيمَنْ قَدْ فَعَلَ، وَفِيمَنْ لَمْ يَفْعَلْ إِذَا فَعَلَ- لَا نَدْبًا وَحَثًّا‏.‏ وَرَفْعُهُ عَلَى مَعْنَى‏:‏ فَمِنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ، فَالْأَمْرُ فِيهِ‏:‏ اتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانِ، أَوْ فَالْقَضَاءُ وَالْحُكْمُ فِيهِ‏:‏ اتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ‏.‏

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ‏:‏ رَفْعُ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى‏:‏ فَمِنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ، فَعَلَيْهِ اتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ‏.‏ وَهَذَا مَذْهَبٌ، وَالْأَوَّلُ الَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ وَجْهُ الْكَلَامِ‏.‏ وَكَذَلِكَ كَلُّ مَا كَانَ مِنْ نَظَائِرِ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّ رَفْعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَاهُ‏.‏ وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مَثَلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ الْمَائِدَةِ‏:‏ 95‏]‏، وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ الْبَقَرَةِ‏:‏ 229‏]‏‏.‏ وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَضَرْبَ الرِّقَابِ‏}‏، فَإِنَّ الصَّوَابَ فِيهِ النَّصْبُ، وَهُوَ وَجْهُ الْكَلَامِ، لِأَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْحَثِّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ عَلَى الْقَتْلِ عِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ، كَمَا يُقَالُ‏:‏ ‏"‏ إِذَا لَقِيتُمُ الْعَدُوَّ فَتَكْبِيرًا وَتَهْلِيلًا‏"‏، عَلَى وَجْهِ الْحَضِّ عَلَى التَّكْبِيرِ، لَا عَلَى وَجْهِ الْإِيجَابِ وَالْإِلْزَامِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏178‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ‏}‏، هَذَا الَّذِي حَكَمْتُ بِهِ وَسَنَنْتُهُ لَكُمْ، مِنْ إِبَاحَتِي لَكُمْ- أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ- الْعَفْوَ عَنِ الْقِصَاصِ مِنْ قَاتِلِ قَتِيلِكُمْ، عَلَى دِيَةٍ تَأْخُذُونَهَا فَتَمْلِكُونَهَا مَلِكَكُمْ سَائِرِ أَمْوَالِكُمُ الَّتِي كُنْتُ مَنَعَتُهَا مَنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ ‏{‏تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ تَخْفِيفُ مِنِّي لَكُمْ مِمَّا كُنْتُ ثَقَّلْتُهُ عَلَى غَيْرِكُمْ، بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ‏"‏ وَرَحْمَةٌ‏"‏، مِنِّي لَكُمْ‏.‏ كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَمَّادٍ الدُّولَابِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، ‌‌‌‌‌‌عَنِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمُ الدِّيَةُ، فَقَالَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ‏}‏، فَالْعَفْوُ‏:‏ أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ ‏{‏ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ‏}‏‏.‏ يَقُولُ‏:‏ خَفَّفَ عَنْكُمْ مَا كَانَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ‏:‏ أَنَّ يَطْلُبَ هَذَا بِمَعْرُوفٍ، وَيُؤَدِّيَ هَذَا بِإِحْسَانٍ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ كَانَ مَنْ قَبِلَكُمْ يَقْتُلُونَ الْقَاتِلَ بِالْقَتِيلِ، لَا تُقْبَلُ مِنْهُمُ الدِّيَةُ، فأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ‏}‏ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، ‏{‏ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ خَفَّفَ عَنْكُمْ، وَكَانَ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّ الدِّيَةَ لَمْ تَكُنْ تُقْبَلُ، فَالَّذِي يَقْبَلُ الدِّيَةَ ذَلِكَ مِنْهُ عَفْوٌ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمُنْهَالِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ‏}‏- مِمَّا كَانَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَعْنِي‏:‏ مِنْ تَحْرِيمِ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَا‏:‏ كَانَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قِصَاصٌ فِي الْقَتْلِ، لَيْسَ بَيْنَهُمْ دِيَةٌ فِي نَفْسٍ وَلَا جَرْحٍ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ‏}‏ الْآيَةَ كُلَّهَا ‏[‏سُورَةَ الْمَائِدَةِ‏:‏ 45‏]‏، وَخَفَّفَ اللَّهُ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَبِلَ مِنْهُمُ الدِّيَةَ فِي النَّفْسِ وَفِي الْجِرَاحَةِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ‏}‏ بَيْنَكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ‏}‏، وَإِنَّمَا هِيَ رَحْمَةٌ رَحِمَ اللَّهُ بِهَا هَذِهِ الْأُمَّةَ، أَطْعَمَهُمُ الدِّيَةَ، وَأَحَلَّهَا لَهُمْ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلَهُمْ‏.‏ فَكَانَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ إِنَّمَا هُوَ الْقِصَاصُ أَوِ الْعَفْوُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا أَرْشٌ، وَكَانَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ إِنَّمَا هُوَ عَفْوٌ، أُمِرُوا بِهِ‏.‏ فَجَعَلَ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْقَوْدَ وَالْعَفْوَ وَالدِّيَةَ إِنْ شَاءُوا، أَحَلَّهَا لَهُمْ، وَلَمْ تَكُنْ لِأُمَّةٍ قَبْلَهُمْ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بِمَثَلِهِ سَوَاءً، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى‏}‏ قَالَ‏:‏ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ قَبْلَنَا دِيَةٌ، إِنَّمَا هُوَ الْقَتْلُ أَوِ الْعَفْوُ إِلَى أَهْلِهِ‏.‏ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي قَوْمٍ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِصَاصُ، وَخُفِّفَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ- وَتَلَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ‏}‏‏.‏

وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ‏:‏ الْقِصَاصُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَعْنَاهُ‏:‏ قِصَاصُ الدِّيَاتِ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، عَلَى مَا قَالَهُ السُّدِّيُّ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُهُ‏:‏ هَذَا الَّذِي فَعَلْتُ بِكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ قِصَاصِ دِيَاتِ قَتْلَى بَعْضِكُمْ بِدِيَاتِ بَعْضٍ، وَتَرْكِ إِيجَابِ الْقَوْدِ عَلَى الْبَاقِينَ مِنْكُمْ بِقَتِيلِهِ الَّذِي قَتَلَهُ وَأَخَذَهُ بِدِيَتِهِ تَخْفِيفٌ مِنِّي عَنْكُمْ ثِقَلَ مَا كَانَ عَلَيْكُمْ مِنْ حُكْمِي عَلَيْكُمْ بِالْقَوْدِ أَوِ الدِّيَةِ، وَرَحْمَةٌ مِنِّي لَكُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏178‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ‏}‏، فَمِنْ تَجَاوَزَ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ بَعْدَ أَخْذِهِ الدِّيَةِ، اعْتِدَاءً وَظُلْمًا إِلَى مَا لَمْ يُجْعَلْ لَهُ مِنْ قَتْلِ قَاتِلِ وَلَيِّهِ وَسَفْكِ دَمِهِ، فَلَهُ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ وَتَعَدِّيهِ إِلَى مَا قَدْ حَرَّمْتُهُ عَلَيْهِ، عَذَابٌ أَلِيمٌ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى ‏"‏ الِاعْتِدَاءِ ‏"‏ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ‏.‏ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ‏}‏، فَقَتَلَ، ‏{‏فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اعْتَدَى‏}‏، بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ، ‏{‏فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ ‏{‏فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ أَخْذِهِ الدِّيَةِ فَقَتَلَ، فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ‏:‏ «لَا أَعَافِي رَجُلًا قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِهِ الدِّيَة»‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ الْقَتْلُ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ مِنْ قَتَلَ بَعْدَ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ، لَا تُقْبَلُ مِنْهُ الدِّيَةُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ أَخْذِهِ الدِّيَةَ، فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏.‏

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَتَلَ قَتِيلًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِرَّ إِلَى قَوْمِهِ، فَيَجِيءُ قَوْمُهُ فَيُصَالِحُونَ عَنْهُ بِالدِّيَةِ قَالَ‏:‏ فَيَخْرُجُ الْفَارُّ وَقَدْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ‏:‏ فَيُقْتَلُ ثُمَّ يُرْمَى إِلَيْهِ بِالدِّيَةِ، فَذَلِكَ ‏"‏ الِاعْتِدَاءُ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الْحَسَنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ دَمِ أَخِيهِ شَيْءٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْقَاتِلُ إِذَا طُلِبَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ، وَأُخِذَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ الدِّيَةُ، ثُمَّ أَمِنَ، فَأُخِذَ فَقُتِلَ‏.‏ قَالَ الْحَسَنُ‏:‏ مَا أَكَلَ عُدْوَانٌ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِعِكْرِمَةَ‏:‏ مَنْ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِهِ الدِّيَةَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ إذًا يُقْتَلُ‏!‏ أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏‏؟‏

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ‏}‏، بَعْدَ مَا يَأْخُذُ الدِّيَةَ، فَيَقْتُلُ ‏"‏ فَلَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حدثنى أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ أَخْذِهِ الدِّيَةَ، فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَخَذَ الْعَقْلَ، ثُمَّ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الْعَقْلِ قَاتِلَ قَتِيلِهِ، فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏.‏

وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى ‏"‏ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ ‏"‏ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ أَخْذِهِ الدِّيَةَ مِنْ قَاتَلِ وَلَيِّهِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ذَلِكَ ‏"‏ الْعَذَابُ ‏"‏ هُوَ الْقَتْلُ بِمَنْ قَتَلَهُ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةَ مِنْهُ، وَعَفْوِهِ عَنِ الْقِصَاصِ مِنْهُ بِدَمِ وَلَيِّهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضِّحَاكِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَقْتُلُ، وَهُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ يَقُولُ‏:‏ الْعَذَابُ الْمُوجِعُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْقَتْلُ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ذَلِكَ ‏"‏ الْعَذَابُ ‏"‏ عُقُوبَةٌ يُعَاقِبُهُ بِهَا السُّلْطَانُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى مِنْ عُقُوبَتِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمِّيَّةَ عَنِ اللَّيْثِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَنْسُبْهُ، وَقَالَ‏:‏ ثِقَةٌ‏:‏ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُوجِبَ بِقَسَمٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ لَا يُعْفَى عَنْ رَجُلٍ عَفَا عَنِ الدَّمِ وَأَخَذَ الدِّيَةَ، ثُمَّ عَدَّا فَقَتَلَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ‏:‏ فِي كِتَابٍ لِعُمْرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ وَ ‏"‏ الِاعْتِدَاءُ ‏"‏ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ‏:‏ أَنَّ الرَّجُلَ يَأْخُذُ الْعَقْلَ أَوْ يَقْتَصُّ، أَوْ يَقْضِي السُّلْطَانُ فِيمَا بَيْنُ الْجِرَاحِ، ثُمَّ يَعْتَدِي بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ حَقَّهُ‏.‏ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اعْتَدَى، وَالْحُكْمُ فِيهِ إِلَى السُّلْطَانِ بِالَّذِي يَرَى فِيهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ قَالَ‏:‏ وَلَوْ عَفَا عَنْهُ، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ طَلَبَةِ الْحَقِّ أَنَّ ‏[‏يَعْفُوَ‏]‏ لِأَنَّ هَذَا مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ النِّسَاءِ‏:‏ 59‏]‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ فِي رَجُلٍ قُتِلَ فَأُخِذَتْ مِنْهُ الدِّيَةُ، ثُمَّ إِنَّ وَلَيَّهُ قَتَلَ بِهِ الْقَاتِلَ‏.‏ قَالَ الْحَسَنُ‏:‏ تُؤْخَذُ مِنْهُ الدِّيَةُ الَّتِي أَخَذَ، وَلَا يُقْتَلُ بِهِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏، تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ‏:‏ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ أَخْذِهِ الدِّيَةَ، فَقَتَلَ قَاتِلَ وَلَيِّهِ، فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، وَهُوَ الْقَتْلُ‏.‏ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِكُلِّ وَلِيِّ قَتِيلٍ قُتِلَ ظُلْمًا سُلْطَانًا عَلَى قَاتِلِ وَلَيِّهِ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏{‏وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ الْإِسْرَاءِ‏:‏ 33‏]‏‏.‏ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ‏:‏ وَكَانَ الْجَمِيعُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّ مِنْقَتَلَ قَاتِلَ وَلَيِّهِ بَعْدَ عَفْوِهِ عَنْهُ وَأَخْذِهِ مِنْهُ دِيَةَ قَتِيلِهِ أَنَّهُ بِقَتْلِهِ إِيَّاهُ لَهُ ظَالِمٌ فِي قَتْلِهِ- كَانَ بَيِّنًا أَنْ لَا يُوَلِّي مِنْ قَتْلِهِ ظُلْمًا كَذَلِكَ، السُّلْطَانَ عَلَيْهِ فِي الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ وَأَخْذِ الدِّيَةَ، أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ‏.‏ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ ذَلِكَ عَذَابُهُ، لِأَنَّ مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّهُ فِي الدُّنْيَا، كَانَ ذَلِكَ عُقُوبَتُهُ مِنْ ذَنْبِهِ، وَلَمْ يَكُنْ بِهِ مُتَّبَعًا فِي الْآخِرَةِ، عَلَى مَا قَدْ ثَبَتَ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَأَمَّا مَا قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ مِنْ أَنَّ حُكْمَ مَنْ قَتَلَ قَاتِلَ وَلَيِّهِ بَعْدَ عَفْوِهِ عَنْهُ، وَأَخْذِهِ دِيَةَ وَلَيِّهِ الْمَقْتُولِ- إِلَى الْإِمَامِ دُونَ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ، فَقَوْلٌ خِلَافٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ كِتَابِ اللَّهِ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِوَلِيِّ كُلِّ مَقْتُولٍ ظُلْمًا السُّلْطَانَ دُونَ غَيْرِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخُصَّ مِنْ ذَلِكَ قَتِيلًا دُونَ قَتِيلٍ‏.‏ فَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَتِيلَ وَلِيِّ مَنْ قَتَلَهُ أَوْ غَيْرَهُ‏.‏ وَمَنْ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا سُئِلَ الْبُرْهَانَ عَلَيْهِ مِنْ أَصْلٍ أَوْ نَظِيرٍ، وَعُكِسَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ فِيهِ، ثُمَّ لَنْ يَقُولَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا إِلَّا أَلْزَمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ‏.‏ ثُمَّ فِي إِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ، مُكْتَفًى فِي الِاسْتِشْهَادِ عَلَى فَسَادِهِ بِغَيْرِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏179‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ‏}‏، وَلَكُمْ يَا أُولِي الْعُقُولِ، فِيمَا فَرَضْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْجَبْتُ لِبَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، مِنَ الْقِصَاصِ فِي النُّفُوسِ وَالْجِرَاحِ وَالشِّجَاجِ، مَا مَنَعَ بِهِ بَعْضَكُمْ مِنْ قَتْلِ بَعْضٍ، وَقَدَعَ بَعْضَكُمْ عَنْ بَعْضٍ، فَحَيِيتُمْ بِذَلِكَ، فَكَانَ لَكُمْ فِي حُكْمِي بَيْنَكُمْ بِذَلِكَ حَيَاةً‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَكَالٌ، تَنَاهٍ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَكَالٌ، تَنَاهٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ‏}‏، جَعَلَ اللَّهُ هَذَا الْقِصَاصَ حَيَاةً، وَنَكَالًا وَعِظَةً لِأَهْلِ السَّفَهِ وَالْجَهْلِ مِنَ النَّاسِ‏.‏ وَكَمْ مِنْ رَجُلٍ قَدْ هَمَّ بِدَاهِيَةٍ، لَوْلَا مَخَافَةُ الْقِصَاصِ لَوَقَعَ بِهَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَجَزَ بِالْقِصَاصِ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ؛ وَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِأَمْرٍ قَطُّ إِلَّا وَهُوَ أَمْرُ صَلَاحٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَا نَهَى اللَّهُ عَنْ أَمْرٍ قَطُّ إِلَّا وَهُوَ أَمْرُ فَسَادٍ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالَّذِي يُصْلِحُ خَلْقَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةً، إِذَا ذَكَرَهُ الظَّالِمُ الْمُتَعَدِّي كَفَّ عَنِ الْقَتْلِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ‏}‏ الْآيَةَ، يَقُولُ‏:‏ جَعَلَ اللَّهُ هَذَا الْقِصَاصَ حَيَاةً وَعِبْرَةً لَكُمْ‏.‏ كَمْ مِنْ رَجُلٍ قَدْ هَمَّ بِدَاهِيَةٍ فَمَنَعَهُ مَخَافَةَ الْقِصَاصِ أَنْ يَقَعَ بِهَا‏!‏ وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَجَزَ عِبَادَهُ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ بِالْقِصَاصِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَكَالٌ، تَنَاهٍ‏.‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ حَيَاةٌ‏.‏ مَنَعَةٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ حَيَاةٌ، بَقِيَّةٌ‏.‏ إِذَا خَافَ هَذَا أَنْ يُقْتَلَ بِي كَفَّ عَنِّي، لَعَلَّهُ يَكُونُ عَدُوًّا لِي يُرِيدُ قَتْلِي، فَيُذَكَّرُ أَنْ يُقْتَلَ فِي الْقِصَاصِ، فَيَخْشَى أَنَّ يَقْتُلَ بِي، فَيَكُفَّ بِالْقِصَاصِ الَّذِي خَافَ أَنْ يَقْتُلَ، لَوْلَا ذَلِكَ قَتَلَ هَذَا‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ يُعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ بَقَاءٌ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ مِنَ الْقَاتِلِ بَقَاءٌ لِغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ بِالْمَقْتُولِ غَيْرُ قَاتِلِهِ فِي حُكْمِ اللَّهِ‏.‏ وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقْتُلُونَ بِالْأُنْثَى الذَّكَرَ، وَبِالْعَبْدِ الْحُرَّ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنَ حَمَّادٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ بَقَاءٌ، لَا يُقْتَلُ إِلَّا الْقَاتِلُ بِجِنَايَتِهِ‏.‏

وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَا أُولِي الْأَلْبَابِ‏}‏، فَإِنَّهُ‏:‏ يَا أُولِي الْعُقُولِ‏.‏ ‏"‏ وَالْأَلْبَابُ ‏"‏ جَمْعُ ‏"‏ اللُّبِّ‏"‏، وَ ‏"‏ اللُّبُّ ‏"‏ الْعَقْلُ‏.‏

وَخَصَّ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِالْخِطَابِ أَهْلَ الْعُقُولِ، لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَعْقِلُونَ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، وَيَتَدَبَّرُونَ آيَاتِهِ وَحُجَجَهُ دُونَ غَيْرِهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏179‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَتَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏)‏، أَيْ تَتَّقُونَ الْقِصَاصَ، فَتَنْتَهُونَ عَنِ الْقَتْلِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَعَلَّكَ تَتَّقِي أَنْ تَقْتُلَهُ فَتُقْتَلَ بِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏180‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ‏}‏، فُرِضَ عَلَيْكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، الْوَصِيَّةُ ‏{‏إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا‏}‏- وَالْخَيْرُ‏:‏ الْمَالُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَهُ، بِالْمَعْرُوفِ‏:‏ وَهُوَ مَا أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ وَأَجَازَهُ فِي الْوَصِيَّةِ مِمَّا لَمَّ يُجَاوِزُ الثُّلْثَ، وَلَمْ يَتَعَمَّدِ الْمُوصِي ظُلْمَ وَرَثَتِهِ، حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ فَرَضَ عَلَيْكُمْ هَذَا وَأَوْجَبَهُ، وَجَعَلَهُ حَقًّا وَاجِبًا عَلَى مَنِ اتَّقَى اللَّهَ فَأَطَاعَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ أَوَفُرِضَ عَلَى الرَّجُلِ ذِي الْمَالِ أَنْ يُوصِيَ لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَهُ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ فَإِنْ هُوَ فَرَّطَ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يُوَصِّ لَهُمْ، أَيُكَوِّنُ مُضَيِّعًا فَرْضًا يُحَرَّجُ بِتَضْيِيعِهِ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ وَمَا الدَّلَالَةُ عَلَى ذَلِكَ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ‏}‏، فَأَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ كَتَبَهُ عَلَيْنَا وَفَرَضَهُ، كَمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ الْبَقَرَةِ‏:‏ 183‏]‏، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْجَمِيعِ أَنْتَارِكَ الصِّيَامِ وَهُوَ عَلَيْهِ قَادِرٌمُضَيَّعٌ بِتَرْكِهِ فَرْضًا لِلَّهِ عَلَيْهِ‏.‏ فَكَذَلِكَ هُوَ بِتَرْكِ الْوَصِيَّةِ لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ وَلَهُ مَا يُوصِي لَهُمْ فِيهِ، مُضِيعٌ فَرْضَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ فَإِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا‏:‏ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْمِيرَاثِ‏؟‏

قِيلَ لَهُ‏:‏ وَخَالَفَهُمْ جَمَاعَةٌ غَيْرُهُمْ فَقَالُوا‏:‏ هِيَ مَحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٌ‏.‏ وَإِذَا كَانَ فِي نَسْخِ ذَلِكَ تَنَازُعٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، لَمْ يَكُنْ لَنَا الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا، إِذْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَحِيلٍ اجْتِمَاعُ حُكْمٍ هَذِهِ الْآيَةِ وَحُكْمِ آيَةِ الْمَوَارِيثِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ عَلَى صِحَّةٍ، بِغَيْرِ مُدَافِعَةِ حُكْمِ إِحْدَاهُمَا حُكِمَ الْأُخْرَى- وَكَانَ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ هُمَا الْمَعْنَيَانِ اللَّذَانِ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ حُكْمِهِمَا عَلَى صِحَّةٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، لِنَفْيِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ‏.‏

وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضِّحَاكِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يُوَصِّ لِذَوِي قَرَابَتِهِ‏.‏ فَقَدْ خَتَمَ عَمَلَهُ بِمَعْصِيَةٍ‏.‏

حَدَّثَنِي سِلْمُ بْنُ جُنَادَةَ‏.‏ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ‏:‏ أَنَّهُ حَضَرَ رَجُلًا فَوَصَّى بِأَشْيَاءَ لَا تَنْبَغِي، فَقَالَ لَهُ مَسْرُوقٌ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ قَدْ قَسَّمَ بَيْنَكُمْ فَأَحْسَنَ الْقَسْمَ، وَإِنَّهُ مَنْ يَرْغَبُ بِرَأْيهِ عَنْ رَأْيِ اللَّهِ يُضِلُّهُ، أَوْصِ لِذِي قَرَابَتِكَ مِمَّنْ لَا يَرِثُكَ، ثُمَّ دَعِ الْمَالَ عَلَى مَا قَسَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبِيدٌ عَنِ الضِّحَاكِ قَالَ‏:‏ لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، وَلَا يُوصِي إِلَّا لِذِي قَرَابَةٍ، فَإِنْ أَوْصَى لِغَيْرِ ذِي قَرَابَةٍ فَقَدْ عَمِلَ بِمَعْصِيَةٍ؛ إِلَّا أَنْ لَا يَكُونَ قَرَابَةٌ، فَيُوصِي لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغَيَّرَةَ قَالَ‏:‏ الْعَجَبُ لِأَبِي الْعَالِيَةِ أَعْتَقَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي رِيَاحٍ وَأَوْصَى بِمَالِهِ لِبَنِي هَاشِمٍ‏!‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ لَمْ يَكُنْ لَهُ ‏[‏مُوَالٍ‏]‏، وَلَا كَرَامَةٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَعْمَرٍ فِي الْوَصِيَّةِ‏:‏ مَنْ سَمَّى، جَعَلْنَاهَا حَيْثُ سَمَّي- وَمَنْ قَالَ‏:‏ حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ، جَعَلْنَاهَا فِي قَرَابَتِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِأَبِي مِجْلَزٍ‏:‏ الْوَصِيَّةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَاجِبَةٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ عَلَى مَنْ تَرَكَ خَيْرًا‏.‏

حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الصَّبَاحِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِلَاحِقِ بْنِ حُمَيْدٍ‏:‏ الْوَصِيَّةُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ هِيَ حَقٌّ عَلَى مَنْ تَرَكَ خَيْرًا‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ لَمْ يَنْسَخِ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ حِكَمِهَا، وَإِنَّمَا هِيَ آيَةٌ ظَاهِرُهَا ظَاهِرُ عُمُومٍ فِي كُلِّ وَالِدٍ وَوَالِدَةٍ وَالْقَرِيبِ، وَالْمُرَادُ بِهَا فِي الْحُكْمِ الْبَعْضُ مِنْهُمْ دُونَ الْجَمِيعِ، وَهُوَ مَنْ لَا يَرِثُ مِنْهُمُ الْمَيِّتَ دُونَ مَنْ يَرِثُ‏.‏ وَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ ذِكْرُتْ قَوْلَهُ، وَقَوْلُ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ غَيْرِهِمْ مَعَهُمْ‏.‏

ذِكْرُ قَوْلِ مَنْ لَمْ يُذْكَرْ قَوْلُهُ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ‏:‏ فِي رَجُلٍ أَوْصَى لِغَيْرِ ذِي قَرَابَةٍ وَلَهُ قَرَابَةٌ مُحْتَاجُونَ، قَالَ‏:‏ يُرَدُّ ثُلْثَا الثُّلْثِ عَلَيْهِمْ، وَثُلْثَ الثُّلْثِ لِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُعَاذٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى أَنَّهُمْ قَالُوا- فِي الرَّجُلِ يُوصِي لِغَيْرِ ذِي قَرَابَتِهِ وَلَهُ قُرَابَةٌ مِمَّنْ لَا يَرِثُهُ قَالَ‏:‏ كَانُوا يَجْعَلُونَ ثُلْثَيِ الثُّلْثِ لِذَوِي الْقَرَابَةِ، وَثُلْثَ الثُّلْثِ لِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ إِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ لِغَيْرِ ذِي قَرَابَتِهِ بِثُلْثِهِ فَلَهُمْ ثُلْثُ الثُّلْثِ، وَثُلْثَا الثُّلْثِ لِقَرَابَتِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ مَنْ أَوْصَى لِقَوْمٍ وَسَمَّاهُمْ، وَتَرَكَ ذَوِي قَرَابَتِهِ مُحْتَاجِينَ، انْتُزِعَتْ مِنْهُمْ وَرُدَّتْ إِلَى ذَوِي قَرَابَتِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ هِيَ آيَةٌ قَدْ كَانَ الْحُكْمُ بِهَا وَاجِبًا وَعُمِلَ بِهِ بُرْهَةً، ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ مِنْهَا بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ الْوَصِيَّةَ لِوَالِدِي الْمُوصِي وَأَقْرِبَائِهِ الَّذِينَ يَرِثُونَهُ، وَأَقَرَّ فَرْضَ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَا يَرِثُهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ‏}‏، فَجَعَلَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَجُعِلَ لَهُمَا نَصِيبٌ مَفْرُوضٌ، فَصَارَتِ الْوَصِيَّةُ لِذَوِي الْقَرَابَةِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ، وَجُعِلَ لِلْوَالِدَيْنِ نَصِيبٌ مَعْلُومٌ، وَلَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ نُسِخَ الْوَالِدَانِ مِنْهَا، وَتُرِكَ الْأَقْرَبُونَ مِمَّنْ لَا يَرِثُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَسَخَ مَنْ يَرِثُ، وَلَمْ يَنْسَخِ الْأَقْرَبِينَ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ نَصْرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ قَبْلَ الْمِيرَاثِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، فَلَمَّا نَزَّلَ الْمِيرَاثُ، نَسَخَ الْمِيرَاثُ مَنْ يَرِثُ، وَبَقِيَ مَنْ لَا يَرِثُ‏.‏ فَمَنْ أَوْصَى لِذِي قَرَابَتِهِ لَمْ تُجِزْ وَصِيتُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْمَكِّيِّ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَسَخَ الْوَالِدَيْنِ وَأَثْبَتَ الْأَقْرَبِينَ الَّذِينَ يُحْرَمُونَ فَلَا يَرِثُونَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَّةَ عَنِ الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ لِلْوَالِدَيْنِ مَنْسُوخَةٌ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْقَرَابَةِ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ‏}‏، فَكَّانِ لَا يَرْثِ مَعَ الْوَالِدَيْنِ غَيْرُهُمْ، إِلَّا وَصِيَّةً إِنْ كَانَتْ لِلْأَقْرَبِينَ فأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ هَذَا‏:‏ ‏{‏وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ النِّسَاءِ‏:‏ 11‏]‏، فَبَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِيرَاثَ الْوَالِدَيْنِ، وَأَقَرَّ وَصِيَّةَ الْأَقْرَبِينَ فِي ثُلْثِ مَالِ الْمَيِّتِ‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ‏}‏، فَنَسَخَ مِنَ الْوَصِيَّةِ الْوَالِدَيْنِ، وَأَثْبَتَ الْوَصِيَّةَ لِلْأَقْرَبِينَ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ هَذَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَنْزِلَ ‏"‏ سُورَةُ النِّسَاءِ‏"‏، فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ نَسَخَ شَأْنَ الْوَالِدَيْنِ، فَأَلْحَقَهُمَا بِأَهْلِ الْمِيرَاثِ، وَصَارَتِ الْوَصِيَّةُ لِأَهْلِ الْقَرَابَةِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمُنْهَالِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ وَالْعَلَاءَ بْنَ زِيَادٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ‏}‏، قَالَا فِي الْقَرَابَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ‏:‏ فِي الْقَرَابَةِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَفَرَضَ الْفَرَائِضَ وَالْمَوَارِيثَ، فَلَا وَصِيَّةَ تَجِبُ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ قَرِيبٍ وَلَا بَعِيدٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ‏}‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ فَنَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَفَرَضَ الْفَرَائِضَ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ سَيْرَيْنَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنَّهُ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسُ هَا هُنَا، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ ‏"‏ سُورَةَ الْبَقَرَةِ ‏"‏ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ مِنْهَا، فَأَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ نُسِخَتْ هَذِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ‏}‏، نَسَخَتِ الْفَرَائِضَ الَّتِي لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْوَصِيَّةُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَهْضَمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَسَخَتْهَا آيَةُ الْمِيرَاثِ‏.‏ قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ‏:‏ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ‏:‏ فَسَأَلْتُ جَهْضَمًا عَنْهُ فَلَمْ يَحْفَظْهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْحُسْنِ الْبَصْرِيِّ قَالَا ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ‏}‏، فَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ كَذَلِكَ حَتَّى نَسَخَتْهَا آيَةُ الْمِيرَاثِ‏.‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ‏:‏ زَعَمَ قَتَادَةُ عَنْ شُرَيْحٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ الرَّجُلُ يُوصِي بِمَالِهِ كُلِّهِ، حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ‏:‏ زَعَمَ قَتَادَةُ‏:‏ أَنَّهُ نَسَخَتْ آيَتَا الْمَوَارِيثِ فِي ‏"‏ سُورَةِ النِّسَاءِ‏"‏ الْآيَةَ فِي ‏"‏ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ‏"‏ فِي شَأْنِ الْوَصِيَّةِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ الْمِيرَاثُ لِلْوَلَدِ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ كَانَ الْمِيرَاثُ لِلْوَلَدِ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ، نَسَخَتْهَا آيَةٌ فِي ‏"‏ سُورَةِ النِّسَاءِ ‏"‏‏:‏ ‏{‏يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ النِّسَاءِ‏:‏ 11‏]‏

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ‏}‏، أَمَّا الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ، فَيَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كَانَ النَّاسُ لَيْسَ لَهُمْ مِيرَاثٌ مَعْلُومٌ، إِنَّمَا يُوصِي الرَّجُلُ لِوَالِدِهِ وَلِأَهْلِهِ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ، حَتَّى نَسَخَتْهَا ‏"‏ النِّسَاءُ‏"‏، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ‏:‏ أَنْ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يُوَصِّ، وَقَالَ‏:‏ أَمَّا مَالِي، فَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا كُنْتُ أَصْنَعُ فِيهِ فِي الْحَيَاةِ، وَأَمَّا رَبَاعِيَّ فَمَا أُحِبُّ أَنْ يُشْرِكَ وَلَدِي فِيهَا أَحَدٌ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ نُسَيْرِ بْنِ ذُعْلُوقٍ قَالَ‏:‏ قَالَ عُرْوَةُ- يَعْنِي ابْنَ ثَابِتٍ- لِرَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ‏:‏ أَوْصِ لِي بِمُصْحَفِكَ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ الْأَنْفَالِ‏:‏ 75‏]‏‏.‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ ذَكَرْنَا لَهُ أَنَّ زَيْدًا وَطَلْحَةَ كَانَا يُشَدِّدَانِ فِي الْوَصِيَّةِ، فَقَالَ‏:‏ مَا كَانَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَفْعَلَا مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُوصِ، وَأَوْصَى أَبُو بَكْرٍ، أَيَّ ذَلِكَ فَعَلْتَ فَحَسَنٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ ذُكِرَ عِنْدَهُ طَلْحَةُ وَزَيْدٌ فَذُكِرَ مِثْلَهُ‏.‏

وَأَمَّا ‏"‏ الْخَيْرُ ‏"‏ الَّذِي إِذَا تَرَكَهُ تَارِكٌ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ فِيهِ لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرَبَيْهِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ، فَهُوَ‏:‏ الْمَالُ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا‏}‏، يَعْنِي مَالًا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا‏}‏، مَالًا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنْ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا‏}‏، كَانَ يَقُولُ‏:‏ الْخَيْرُ فِي الْقُرْآنِ كُلِّهِ‏:‏ الْمَالُ ‏{‏لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ الْعَادِيَاتِ‏:‏ 8‏]‏، الْخَيْرُ‏:‏ الْمَالُ- ‏{‏إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي‏}‏ ‏[‏سُورَةَ ص‏:‏ 32‏]‏، الْمَالُ- ‏{‏فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا‏}‏ ‏[‏سُورَةَ النُّورِ‏:‏ 33‏]‏، الْمَالُ وَ ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ‏}‏، الْمَالُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ‏}‏، أَيْ‏:‏ مَالَا‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ‏}‏، أَمَّا ‏"‏ خَيْرًا‏"‏، فَالْمَالُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا‏}‏ قَالَ‏:‏ إِنَّ تَرَكَ مَالًا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْخَيْرُ الْمَالُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ يَحْيَى عَنِ الضِّحَاكِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَالُ‏.‏ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ‏:‏ قَالَ شُعَيْبٌ لِقَوْمِهِ‏:‏ ‏{‏إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ هُودٍ‏:‏ 84‏]‏ يَعْنِي الْغِنَى‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْيَافِعِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ تَلَا ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا‏}‏، قَالَ عَطَاءٌ‏:‏ الْخَيْرُ فِيمَا يُرَى الْمَالُ‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مَبْلَغِ الْمَالِ الَّذِي إِذَا تَرَكَهُ الرَّجُلُ كَانَ مِمَّنْ لَزِمَهُ حُكْمُ هَذِهِ الْآيَةِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ذَلِكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمُنْهَالِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْخَيْرُ أَلْفٌ فَمَا فَوْقَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ‏:‏ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ دَخَلَ عَلَى ابْنِ عَمٍّ لَهُ يَعُودُهُ، فَقَالَ‏:‏ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُوصِيَ‏.‏ فَقَالَ عَلِيٌّ‏:‏ لَا تُوصِ، فَإِنَّكَ لَمْ تَتْرُكْ خَيْرًا فَتُوصِي‏.‏

قَالَ‏:‏ وَكَانَ تَرَكَ مِنَ السَّبْعِمِئَةِ إِلَى التِّسْعِمِئَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ الْحَكَمِ الْحِزَامِيِّ وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ‏:‏ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مَرِيضٍ، فَذَكَرَ لَهُ الْوَصِيَّةَ، فَقَالَ‏:‏ لَا تُوصِ، إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا‏}‏، وَأَنْتَ لَمْ تُتْرَكْ خَيْرًا‏.‏ قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ فِيهِ‏:‏ فَدَعْ مَالَكَ لِبَنِيكَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُيَيْنَةَ- أَوْ‏:‏ عَتَبَةَ، الشَّكُّ مِنِّي-‏:‏ أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يُوصِيَ وَلَهُ وَلَدٌ كَثِيرٌ، وَتَرَكَ أَرَبَعَمِئَةَ دِينَارٍ، فَقَالَتْ عَائِشَة‏:‏ مَا أَرَى فِيهِ فَضْلًا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ دَخَلَ عَلِيٌّ عَلَى مَوْلًى لَهُمْ فِي الْمَوْتِ وَلَهُ سَبْعُمِئَةُ دِرْهَمٌ، أَوْ سِتُّمِئَةُ دِرْهَمٌ، فَقَالَ‏:‏ أَلَّا أُوصِيَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ لَا‏!‏ إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا‏}‏، وَلَيْسَ لَكَ كَثِيرَ مَالٍ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ذَلِكَ مَا بَيْنَ الْخَمْسِمَئَةِ دِرْهَمٍ إِلَى الْأَلْفِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبَانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا‏}‏ قَالَ‏:‏ أَلْفُ دِرْهَمٍ إِلَى خَمْسِمِئَةٍ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمُ‏:‏ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةٌ مِنْ قَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ‏:‏ جَعَلَ اللَّهُ الْوَصِيَّةَ حَقًّا، مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ‏}‏ مَا قَالَ الزُّهْرِيُّ‏.‏ لِأَنَّ قَلِيلَ الْمَالِ وَكَثِيرَهُ يَقَعُ عَلَيْهِ ‏"‏ خَيْرٌ‏"‏، وَلَمْ يَحُدَّ اللَّهُ ذَلِكَ بِحَدٍّ، وَلَا خَصَّ مِنْهُ شَيْئًا فَيَجُوزُ أَنْ يُحَالَ ظَاهِرٌ إِلَى بَاطِنٍ‏.‏ فَكُلُّ مَنْ حَضْرَتْهُ مَنِيَّتُهُ وَعِنْدَهُ مَالٌ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ، فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ مِنْهُ لِمَنْ لَا يَرِثُهُ مِنْ آبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ وَأَقْرِبَائِهِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَهُ بِمَعْرُوفٍ، كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ وَأَمَرَ بِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏181‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ‏:‏ فَمَنْ غَيَّرَ مَا أَوْصَى بِهِ الْمُوصِي- مِنْ وَصِيَّتِهِ بِالْمَعْرُوفِ لِوَالِدَيْهِ أَوْ أَقْرَبِيهِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَهُ- بَعْدَ مَا سَمِعَ الْوَصِيَّةَ، فَإِنَّمَا إِثْمُ التَّبْدِيلِ عَلَى مَنْ بَدَّلَ وَصِيَّتَهُ‏.‏

فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ‏:‏ وَعَلَامَ عَادَتِ ‏"‏ الْهَاءُ ‏"‏ الَّتِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ بَدَّلَهُ‏}‏‏؟‏

قِيلَ‏:‏ عَلَى مَحْذُوفٍ مِنَ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ‏.‏ وَذَلِكَ هُوَ أَمْرُ الْمَيِّتِ، وَإِيصَاؤُهُ إِلَى مَنْ أَوْصَى إِلَيْهِ، بِمَا أَوْصَى بِهِ، لِمَنْ أَوْصَى لَهُ‏.‏

وَمَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ‏}‏، فَأَوْصَوْا لَهُمْ، فَمِنْ بَدَّلَ مَا أَوْصَيْتُمْ بِهِ لَهُمْ بَعْدَ مَا سَمِعَكُمْ تُوصُونَ لَهُمْ، فَإِنَّمَا إِثْمُ مَا فُعِلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ دُونَكُمْ‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ‏"‏ الْهَاءَ ‏"‏ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ بَدَّلَهُ‏}‏ عَائِدَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ مِنَ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ‏}‏ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ، وَأَنَّ تَبْدِيلَ الْمُبَدِّلِ إِنَّمَا يَكُونُ لِوَصِيَّةِ الْمُوصِي‏.‏ فَأَمَّا أَمْرُ اللَّهِ بِالْوَصِيَّةِ فَلَا يَقَدِرُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ أَنْ يُبَدِّلَهُ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ ‏"‏ الْهَاءُ ‏"‏ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمِنْ بَدَّلَهُ‏}‏ عَائِدَةٌ عَلَى ‏"‏ الْوَصِيَّةِ ‏"‏‏.‏

وَأَمَّا ‏"‏ الْهَاءُ ‏"‏ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بَعْدَ مَا سَمِعَهُ‏}‏، فَعَائِدَةٌ عَلَى ‏"‏ الْهَاءِ ‏"‏ الْأُولَى فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ بَدَّلَهُ‏}‏‏.‏

وَأَمَّا ‏"‏ الْهَاءُ ‏"‏ الَّتِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنَّمَا إِثْمُهُ‏}‏، فَإِنَّهَا مَكْنِيُّ ‏"‏ التَّبْدِيلِ‏}‏، كَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ فَإِنَّمَا إِثْمُ مَا بُدِّلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْوَصِيَّةُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ‏}‏، وَقَدْ وَقَعَ أَجْرُ الْمُوصِي عَلَى اللَّهِ وَبَرِئَ مِنْ إِثْمِهِ، وَإِنْ كَانَ أَوْصَى فِي ضِرَارٍ لَمْ تَجُزْ وَصِيتُهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏غَيْرَ مُضَارٍّ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ النِّسَاءِ‏:‏ 12‏]‏

حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَنْ بَدَّلَ الْوَصِيَّةََ بَعْدَ مَا سَمِعَهَا، فَإِثْمُ مَا بَدَّلَ عَلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا‏:‏ عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ‏}‏، فَمَنْ بَدَّلَ الْوَصِيَّةَ الَّتِي أَوْصَى بِهَا، وَكَانَتْ بِمَعْرُوفٍ، فَإِنَّمَا إِثْمُهَا عَلَى مَنْ بَدَّلَهَا‏.‏ إِنَّهُ قَدْ ظَلَمَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمُنْهَالِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ أَنْ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ يُمْضَى كَمَا قَالَ‏.‏

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنْ بَدَّلَ وَصِيَّةً بَعْدَ مَا سَمِعَهَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ هَذَا فِي الْوَصِيَّةِ، مَنْ بَدَّلَهَا مِنْ بَعْدِ مَا سَمِعَهَا، فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى مَنْ بَدَّلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَابْنُ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَطَاءٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ تُمْضَى الْوَصِيَّةُ لِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ إِلَى هَاهُنَا انْتَهَى حَدِيثُ ابْنِ الْمُثَنَّى وَزَادَ ابْنُ بَشَّارٍ فِي حَدِيثِهِ قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَعْمَرٍ‏:‏ أَعْجَبُ إِلَيَّ لَوْ أَوْصَى لِذَوِي قَرَابَتِهِ، وَمَا يُعْجِبُنِي أَنْ أَنْزِعَهُ مِمَّنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ‏.‏ قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ وَأَعْجَبُهُ إِلَيَّ لِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏181‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ‏:‏ ‏"‏ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ ‏"‏ لِوَصِيَّتِكُمُ الَّتِي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُوصُوا بِهَا لِآبَائِكُمْ وَأُمَّهَاتِكُمْ وَأَقْرِبَائِكُمْ حِينَ تُوصُونَ بِهَا، أَتُعَدِّلُونَ فِيهَا عَلَى مَا أَذِنْتُ لَكُمْ مَنْ فِعْلِ ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ، أَمْ تَحِيفُونَ فَتَمِيلُونَ عَنِ الْحَقِّ وَتَجُورُونَ عَنِ الْقَصْدِ‏؟‏ ‏"‏ عَلِيمٌ ‏"‏ بِمَا تُخْفِيهِ صُدُورُكُمْ مِنَ الْمَيْلِ إِلَى الْحَقِّ، وَالْعَدْلِ، أَمُ الْجَوْرِ وَالْحَيْفِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏182‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ تَأْوِيلُهَا‏:‏ فَمَنْحَضَرَ مَرِيضًا وَهُوَ يُوصِي عِنْدَ إِشْرَافِهِ عَلَى الْمَوْتِ، فَخَافَ أَنْ يُخْطِئَ فِي وَصِيَّتِهِفَيَفْعَلُ مَا لَيْسَ لَهُ، أَوْ أَنْ يَعْمِدَ جَوْرًا فِيهَا فَيَأْمُرَ بِمَا لَيْسَ لَهُ الْأَمْرُ بِهِ، فَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَرَثَتِهِ؛ بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِالْعَدْلِ فِي وَصِيَّتِهِ، وَأَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ مَنْعِهِ مِمَّا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِيهِ وَأَبَاحَهُ لَهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هَذَا حِينَ يُحْضَرُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَمُوتُ، فَإِذَا أَسْرَفَ أَمَرُوهُ بِالْعَدْلِ، وَإِذَا قَصَّرَ قَالُوا‏:‏ افْعَلْ كَذَا، أَعْطِ فُلَانًا كَذَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا‏}‏، قَالَ‏:‏ هَذَا حِينَ يُحْضَرُ الرَّجُلُ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ، فَإِذَا أَشْرَفَ عَلَى الْجَوْرِ أَمَرُوهُ بِالْعَدْلِ، وَإِذَا قَصَّرَ عَنْ حَقٍّ قَالُوا‏:‏ افْعَلْ كَذَا، أَعْطِ فُلَانًا كَذَا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ فَمَنْ خَافَ- مِنْ أَوْلِيَاءِ مَيِّتٍ، أَوْ وَالِي أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ- مِنْ مُوصٍ جَنَفًا فِي وَصِيَّتِهِ الَّتِي أَوْصَى بِهَا الْمَيِّتُ، فَأَصْلَحَ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَبَيْنَ الْمُوصَى لَهُمْ بِمَا أَوْصَى لَهُمْ بِهِ، فَرَدَّ الْوَصِيَّةَ إِلَى الْعَدْلِ وَالْحَقِّ، فَلَا حَرَجَ وَلَا إِثْمَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا‏}‏- يَعْنِي‏:‏ إِثْمًا- يَقُولُ‏:‏ إِذَا أَخْطَأَ الْمَيِّتُ فِي وَصِيَّتِهِ أَوْ حَافَ فِيهَا، فَلَيْسَ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ حَرَجٌ أَنْ يَرُدُّوا خَطَأَهُ إِلَى الصَّوَابِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا‏}‏، قَالَ‏:‏ هُوَ الرَّجُلُ يُوصِي فَيَحِيفُ فِي وَصِيَّتِهِ، فَيَرُدُّهَا الْوَلِيُّ إِلَى الْحَقِّ وَالْعَدْلِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا‏}‏، وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ‏:‏ مَنْ أَوْصَى بِجَوْرٍ أَوْ حَيْفٍ فِي وَصِيَّتِهِ فَرَدَّهَا وَلِيُّ الْمُتَوَفَّى أَوْ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَإِلَى الْعَدْلِ، فَذَاكَ لَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ وَابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا‏}‏، فَمَنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ بِجَوْرٍ، فَرَدَّهُ الْوَصِيُّ إِلَى الْحَقِّ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ- قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي حَدِيثِهِ‏:‏ ‏"‏ فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ رَدَّهُ الْوَصِيُّ إِلَى الْحَقِّ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ رَدَّهُ إِلَى الْحَقِّ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى بِأَكْثَرِ مِنَ الثُّلْثِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ارْدُدْهَا‏.‏ ثُمَّ قَرَأَ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ صَاحِبُ اللُّؤْلُؤِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ رَدَّهُ الْوَصِيُّ إِلَى الْحَقِّ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَلَا إِثْمَ عَلَى الْوَصِيِّ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فِي عَطِيَّتِهِ عِنْدَ حُضُورِ أَجْلِهِ بَعْضَ وَرَثَتِهِ دُونَ بَعْضٍ، فَلَا إِثْمَ عَلَى مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَهُمْ يَعْنِي‏:‏ بَيْنَ الْوَرَثَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِعَطَاءٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا‏}‏، قَالَ‏:‏ الرَّجُلُ يَحِيفُ أَوْ يَأْثَمُ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَيُعْطِي وَرَثَتَهُ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ، يَقُولُ اللَّهُ‏:‏ فَلَا إِثْمَ عَلَى الْمُصْلِحِ بَيْنَهُمْ‏.‏ فَقُلْتُ لِعَطَاءٍ‏:‏ أَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ وَارِثَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ، إِنَّمَا هِيَ وَصِيَّةٌ، وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ذَلِكَ فِيمَا يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فِي وَصِيَّتِهِ لِمَنْ لَا يَرِثُهُ، بِمَا يَرْجِعُ نَفْعُهُ عَلَى مَنْ يَرِثُهُ، فَأَصْلَحَ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ جَنَفُهُ وَإِثْمُهُ، أَنْ يُوصِيَ الرَّجُلُ لِبَنِي ابْنِهِ لِيَكُونَ الْمَالُ لِأَبِيهِمْ، وَتُوصِيَ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِ ابْنَتِهَا لِيَكَونَ الْمَالُ لِابْنَتِهَا؛ وَذُو الْوَارِثِ الْكَثِيرُ وَالْمَالُ قَلِيلٌ، فَيُوَصِّي بِثُلْثِ مَالِهِ كُلِّهِ، فَيُصْلِحُ بَيْنَهُمُ الْمُوصَى إِلَيْهِ أَوِ الْأَمِيرُ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ أَفِي حَيَاتِهِ أَمْ بَعْدَ مَوْتِهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ مَا سَمِعْنَا أَحَدًا يَقُولُ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنَّهُ لِيُوعَظُ عِنْدَ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ ‏{‏خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُوَ الرَّجُلُ يُوصِي لِوَلَدِ ابْنَتِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ لِآبَائِهِ وَأَقْرِبَائِهِ جَنَفًا عَلَى بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَأَصْلَحَ بَيْنَ الْآبَاءِ وَالْأَقْرِبَاءِ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ‏}‏‏.‏ أَمَّا ‏"‏ جَنَفًا ‏"‏‏:‏ فَخَطَأٌ فِي وَصِيَّتِهِ، وَأَمَّا ‏"‏ إِثْمًا ‏"‏‏:‏ فَعَمَدًا يَعْمِدُ فِي وَصِيَّتِهِ الظُّلْمَ‏.‏ فَإِنَّ هَذَا أَعْظَمُ لِأَجْرِهِ أَنْ لَا يُنَفِّذَهَا، وَلَكِنْ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا يَرَى أَنَّهُ الْحَقُّ، يَنْقُصُ بَعْضًا وَيَزِيدُ بَعْضًا‏.‏ قَالَ‏:‏ ونَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ ‏"‏ الْجَنَفُ ‏"‏ أَنْ يَحِيفَ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْوَصِيَّةِ، ‏"‏ وَالْإِثْمُ ‏"‏ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَثِمَ فِي أَبَوَيْهِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، ‏{‏فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ‏}‏ الْمُوصَى إِلَيْهِ بَيْنَ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ- الِابْنُ وَالْبَنُونَ هُمُ ‏"‏ الْأَقْرَبُونَ ‏"‏- فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ‏.‏ فَهَذَا الْمُوصَى الَّذِي أَوْصَى إِلَيْهِ بِذَلِكَ، وَجَعَلَ إِلَيْهِ، فَرَأَى هَذَا قَدْ أَجْنَفَ لِهَذَا عَلَى هَذَا، فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، فَعَجَزَ الْمُوصِي أَنْ يُوصِيَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَجَزَ الْمُوصَى إِلَيْهِ أَنْ يُصْلِحَ، فَانْتَزَعَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَفَرَضَ الْفَرَائِضَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأُولَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُهَا‏:‏ فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا وَهُوَ أَنْ يَمِيلَ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ خَطَأً مِنْهُ، أَوْ يَتَعَمَّدَ إِثْمًا فِي وَصِيَّتِهِ، بِأَنْ يُوصِيَ لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَهُ بِأَكْثَرِ مِمَّا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوصِيَ لَهُمْ بِهِ مِنْ مَالِهِ، وَغَيْرُ مَا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ بِهِ مِمَّا جَاوَزَ الثُّلُثَ أَوْ بِالثُّلُثِ كُلِّهِ، وَفِي الْمَالِ قِلَّةٌ، وَفِي الْوَرَثَةِ كَثْرَةٌ فَلَا بَأْسَ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَ الَّذِينَ يُوصَى لَهُمْ، وَبَيْنَ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ، وَبَيْنَ الْمَيِّتِ، بِأَنْ يَأْمُرَ الْمَيِّتَ فِي ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ وَيُعَرِّفَهُ مَا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ فِي ذَلِكَ وَأُذِنَ لَهُ فِيهِ مِنَ الْوَصِيَّةِ فِي مَالِهِ، وَيَنْهَاهُ أَنْ يُجَاوِزَ فِي وَصِيَّتِهِ الْمَعْرُوفَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي كِتَابِهِ‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، وَذَلِكَ هُوَ ‏"‏ الْإِصْلَاحُ ‏"‏ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ‏}‏‏.‏ وَكَذَلِكَ لِمَنْ كَانَ فِي الْمَالِ فَضْلٌ وَكَثْرَةٌ وَفِي الْوَرَثَةِ قِلَّةٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَقْتَصِرَ فِي وَصِيَّتِهِ لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ عَنْ ثُلْثِهِ، فَأَصْلَحَ مَنْ حَضَرَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَرَثَتِهِ وَبَيْنَ وَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ الَّذِينَ يُرِيدُ أَنْ يُوصَى لَهُمْ، بِأَنْ يَأْمُرَ الْمَرِيضَ أَنْ يَزِيدَ فِي وَصِيَّتِهِ لَهُمْ، وَيُبْلُغَ بِهَا مَا رَخَّصَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الثُّلْثِ‏.‏ فَذَلِكَ أَيْضًا هُوَ مِنَ الْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ‏.‏

وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا هَذَا الْقَوْلَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا‏}‏، يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ أَنْ يَجْنَفَ أَوْ يَأْثَمَ‏.‏ فَخَوْفُ الْجَنَفِ وَالْإِثْمِ مِنَ الْمُوصِي، إِنَّمَا هُوَ كَائِنٌ قَبْلَ وُقُوعِ الْجَنَفِ وَالْإِثْمِ، فَأَمَّا بَعْدَ وُجُودِهِ مِنْهُ، فَلَا وَجْهَ لِلْخَوْفِ مِنْهُ بِأَنْ يَجْنَفَ أَوْ يَأْثَمَ، بَلْ تِلْكَ حَالُ مَنْ قَدْ جَنِفَ أَوْ أَثِمَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ لَقِيلَ‏:‏ فَمَنْ تَبَيَّنَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا- أَوْ أَيْقَنَ أَوْ عَلِمَ- وَلَمْ يَقِلْ‏:‏ فَمَنْ خَافَ مِنْهُ جَنَفًا‏.‏

فَإِنْ أَشْكَلَ مَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ فَقَالَ‏:‏ فَمَا وَجْهُ الْإِصْلَاحِ حِينَئِذٍ، وَالْإِصْلَاحُ إِنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الشَّيْءِ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ إِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ مَعَانِي الْإِصْلَاحِ، فَمِنَ الْإِصْلَاحِ الْإِصْلَاحُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، فِيمَا كَانَ مُخَوِّفًا حُدُوثَ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ فِيهِ، بِمَا يُؤْمَنُ مَعَهُ حُدُوثُ الِاخْتِلَافِ‏.‏ لِأَنَّ ‏"‏ الْإِصْلَاحَ‏"‏، إِنَّمَا هُوَ الْفِعْلُ الَّذِي يَكُونُ مَعَهُ إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ الَّذِي يَكُونُ مَعَهُ إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ- قَبْلَ وُقُوعِ الِاخْتِلَافِ أَوْ بَعْدَ وُقُوعِهِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَكَيْفَ قِيلَ‏:‏ ‏{‏فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ‏}‏، وَلَمْ يَجْرِ لِلْوَرَثَةِ وَلَا لِلْمُخْتَلِفِينَ، أَوِ الْمُخَوَّفُ اخْتِلَافُهُمْ ذِكْرٌ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ بَلْ قَدْ جَرَى ذِكْرُ الَّذِينَ أَمَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِالْوَصِيَّةِ لَهُمْ، وَهُمْ وَالِدَا الْمُوصِي وَأَقْرَبُوهُ، وَالَّذِينَ أُمِرُوا بِالْوَصِيَّةِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ‏}‏- لِمَنْ أَمَرْتُهُ بِالْوَصِيَّةِ لَهُ- ‏{‏جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ‏}‏- وَبَيْنَ مَنْ أَمَرَتْهُ بِالْوَصِيَّةِ لَهُ- ‏{‏فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ‏}‏‏.‏ وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، هُوَ إِصْلَاحُ بَيْنِهِمْ وَبَيْنَ وَرَثَةِ الْمُوصِي‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَقَدْ قُرِئَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ‏}‏ بِالتَّخْفِيفِ فِي ‏"‏ الصَّادِ ‏"‏ وَالتَّسْكِينِ فِي ‏"‏ الْوَاوِ ‏"‏- وَبِتَحْرِيكِ ‏"‏ الْوَاوِ ‏"‏ وَتَشْدِيدِ ‏"‏ الصَّادِ ‏"‏‏.‏

فَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِتَخْفِيفِ ‏"‏ الصَّادِ ‏"‏ وَتَسْكِينِ ‏"‏ الْوَاوِ‏"‏، فَإِنَّمَا قَرَأَهُ بِلُغَةِ مَنْ قَالَ‏:‏ ‏"‏ أَوْصَيْتُ فُلَانًا بِكَذَا ‏"‏‏.‏

وَمَنْ قَرَأَ بِتَحْرِيكِ ‏"‏ الْوَاوِ ‏"‏ وَتَشْدِيدِ ‏"‏ الصَّادِ‏"‏، قَرَأَهُ بِلُغَةِ مَنْ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ وَصَّيْتُ فُلَانًا بِكَذَا ‏"‏‏.‏ وَهُمَا لُغَتَانِ لِلْعَرَبِ مَشْهُورَتَانِ‏:‏ ‏"‏ وَصَّيْتُكَ، وَأَوْصَيْتُكَ ‏"‏

وَأَمَّا ‏"‏ الْجَنَفُ‏"‏، فَهُوَ الْجَوْرُ وَالْعُدُولُ عَنِ الْحَقِّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

هُمُ الْمَوْلَى وَإِنْ جَنَفُوا عَلَيْنَا *** وَإِنَّا مِنْ لِقَائِهِمُ لَزُورُ

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏ جَنَفَ الرَّجُلُ عَلَى صَاحِبِهِ يَجْنَفُ ‏"‏- إِذَا مَالَ عَلَيْهِ وَجَارَ- ‏"‏ جَنَفًا ‏"‏‏.‏

فَمَعْنَى الْكَلَامِ مَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا لَهُ بِمَوْضِعِ الْوَصِيَّةِ، وَمَيْلًا عَنِ الصَّوَابِ فِيهَا، وَجَوْرًا عَنِ الْقَصْدِ أَوْ إِثْمًا بِتَعَمُّدِهِ ذَلِكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ بِخَطَأِ مَا يَأْتِي مِنْ ذَلِكَ، فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ‏.‏

وَبِمَثَلِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى ‏"‏ الْجَنَفِ ‏"‏ ‏"‏ وَالْإِثْمِ‏)‏، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا‏}‏، يَعْنِي بِالْجَنَفِ‏:‏ الْخَطَأَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا‏}‏، قَالَ‏:‏ مَيْلًا‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ عَنِ الضِّحَاكِ قَالَ‏:‏ الْجَنَفُ الْخَطَأُ، وَالْإِثْمُ الْعَمْدُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ‏[‏أَبُو أَحْمَدَ‏]‏ الزَّبِيرِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنْ عَطَاءٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا‏}‏، أَمَّا ‏"‏ جَنَفًا ‏"‏ فَخَطَّأً فِي وَصِيَّتِهِ، وَأَمَّا ‏"‏ إِثْمًا ‏"‏‏:‏ فَعَمْدًا، يَعْمِدُ فِي وَصِيَّتِهِ الظُّلْمَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا‏}‏، قَالَ‏:‏ خَطَأً أَوْ عَمْدًا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ وَابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏{‏فَمَنَّ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا‏}‏، قَالَ‏:‏ الْجَنَفُ الْخَطَأُ، وَالْإِثْمُ الْعَمْدُ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ صَاحِبُ اللُّؤْلُؤِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا‏}‏، قَالَ‏:‏ الْجَنَفُ‏:‏ الْخَطَأُ، وَالْإِثْمُ الْعَمْدُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا فَضِيلُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ عَطِيَّةَ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا‏}‏، قَالَ‏:‏ خَطَأً ‏"‏ أَوْ إِثْمًا ‏"‏ مُتَعَمَّدًا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا‏}‏، قَالَ‏:‏ مَيْلًا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏جَنَفًا‏}‏ حَيْفًا ‏"‏ وَالْإِثْمُ ‏"‏ مَيْلُهُ لِبَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ‏.‏ وَكُلُّهُ يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ، كَمَا يَكُونُ ‏"‏ عَفُوًّا غَفُورًا ‏"‏ وَ ‏"‏ غَفُورًا رَحِيمًا ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ الْجَنَفُ ‏"‏ الْخَطَأُ، وَالْإِثْمُ‏:‏ الْعَمْدُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الضِّحَاكِ قَالَ‏:‏ الْجَنَفُُ الْخَطَأُ، وَالْإِثْمُ الْعَمْدُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ وَاللَّهُ غَفُورٌ لِلْمُوصِي فِيمَا كَانَ حَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ الْجَنَفِ وَالْإِثْمِ، إِذَا تَرَكَ أَنْ يَأْثَمَ وَيَجْنَفَ فِي وَصِيَّتِهِ، فَتَجَاوَزَ لَهُ عَمَّا كَانَ حَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ الْجَوْرِ، إِذْ لَمَّ يُمْضِ ذَلِكَ فَيُغْفِلُ أَنْ يُؤَاخِذَهُ بِهِ ‏"‏ رَحِيمٌ ‏"‏ بِالْمُصْلِحِ بَيْنَ الْمُوصِي وَبَيْنَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحِيفَ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ، أَوْ يَأْثَمَ فِيهِ لَهُ‏.‏