فصل: تفسير الآية رقم (196)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏196‏]‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ‏:‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ أَتِمُّوا الْحَجَّ بِمَنَاسِكِهِ وَسُنَنِهِ، وَأَتِمُّوا الْعُمْرَةَ بِحُدُودِهَا وَسُنَنِهَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عُبَِيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَبَّارِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَمِيرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِِ‏:‏ ‏"‏وَأَقِيمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إِلَى الْبَيْتِ‏"‏ قَالَ‏:‏ لَا تُجَاوِزُوا بِالْعُمْرَةِ الْبَيْتَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ‏:‏ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ‏:‏ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَرَأَ‏:‏ ‏"‏وَأَقِيمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إِلَى الْبَيْتِ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ قَرَأَ‏:‏ ‏"‏وَأَقِيمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إِلَى الْبَيْتِ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحِلَّ حَتَّى يُتِمَّهَا تَمَامَ الحجِّ يَوْمَ النَّحْرِ إِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَزَارَ الْبَيْتَ فَقَدْ حَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ كُلِّهِ، وَتَمَامُ الْعُمْرَةِ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقَدْ حَلَّ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، جَمِيعًا عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا أُمِرُوا فِيهِمَا‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏الْحَجُّ‏"‏‏:‏ مَنَاسِكُ الْحَجِّ، وَ‏"‏الْعُمْرَةُ‏"‏‏:‏ لَا يُجَاوِزُ بِهَا الْبَيْتَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَ تُقْضَى مَنَاسِكُ الْحَجِّ عَرَفَةُ وَالْمُزْدَلِفَةُ وَمُوَاطِنُهَا، وَالْعُمْرَةُ لِلْبَيْتِ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ يَحِلُّ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ تَمَامُهُمَا أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مُفْرَدَيْنِ مِنْ دُوَيْرةِ أَهْلِكَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ لَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏ أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ الْمُغِيرَةَ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ‏:‏ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ‏:‏ مِنْ تَمَامُ الْعُمْرَةِ أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيرَةِ أَهْلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ ثَوْرٍِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ طَاوُسٍٍ، قَالَ‏:‏ تَمَامُهُمَا إِفْرَادُهُمَا مُؤْتَنَفَتَيْنِ مِنْ أَهْلِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ ثَوْرٍٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ طَاوُسٍ‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ تُفْرِدُهُمَا مُؤَقَّتَتَيْنِ مِنْ أَهْلِكَ، فَذَلِكَ تَمَامُهُمَا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ تَمَامُ الْعُمْرَةِ أَنْ تُعْمَلَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَتَمَامُ الْحَجِّأَنْ يُؤْتَى بِمَنَاسِكِهِ كُلِّهَا، حَتَّى لَا يَلْزَمَ عَامِلَهُ دَمٌ بِسَبَبِ قِرَانٍ وَلَا مُتْعَةٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ وَتَمَامُ الْعُمْرَةِ مَا كَانَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ‏.‏

وَمَنْ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى يَحُجَّ، فَهِيَ مُتْعَةٌ‏.‏ عَلَيْهِ فِيهَا الْهَدْيُ إِنْ وَجَدَ، وَإِلَّا صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا كَانَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهِيَ عُمْرَةٌ تَامَّةٌ، وَمَا كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهِيَ مُتْعَةٌ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَيْسَتْ بِتَامَّةٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَقِيلَ لَهُ‏:‏ الْعُمْرَةُ فِي الْمُحَرَّمِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ كَانُوا يَرَوْنَهَا تَامَّةً‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إِتْمَامُهُمَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ لَا تُرِيدُ غَيْرَهُمَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ هُوَ يَعْنِي تَمَامُهُمَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ لَا تُرِيدُ إِلَّا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَتُهِلَّ مِنْ الْمِيقَاتِ‏.‏ لَيْسَ أَنْ تَخْرُجَ لِتِجَارَةٍ وَلَا لِحَاجَةٍ، حَتَّى إِذَا كُنْتَ قَرِيبًا مِنْ مَكَّةَ قُلْتَ‏:‏ لَوْ حَجَجْتُ أَوِ اعْتَمَرْتُ‏.‏ وَذَلِكَ يُجْزِئُ، وَلَكِنَّ التَّمَّامَ أَنْ تَخْرُجَ لَهُ لَا تَخْرُجُ لِغَيْرِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ إِذَا دَخَلْتُمْ فِيهِمَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ لَيْسَتِ الْعُمْرَةُ وَاجِبَةً عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَيْسَ مِنَ الْخَلْقِ أَحَدٌ يَنْبَغِي لَهُ إِذَا دَخَلَ فِي أَمْرٍ إِلَّا أَنْ يُتِمَّهُ، فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يُهِلَّ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعَ، كَمَا لَوْ صَامَ يَوْمًا لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي نِصْفِ النَّهَارِ‏.‏

وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَقْرَأُ ذَلِكَ رَفَعًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ أَنَّ الشَّعْبِيَّ وَأَبَا بُرْدَةَ تَذَاكَرَا الْعُمْرَةَ، قَالَ‏:‏ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ‏:‏ تَطَوُّعٌ، ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏‏.‏ وَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ‏:‏ هِيَ وَاجِبَةٌ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةُ لِلَّهِ‏}‏‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ خِلَافُ هَذَا الْقَوْلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ مِنَ الْقَوْلِ هُوَ هَذَا‏.‏ وَذَلِكَ مَا‏:‏ حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عُوَانَةَ، عَنِ الْمُغَيَّرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ‏:‏ الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ‏.‏

فَقِرَاءَةُ مِنْ قَالَ‏:‏ الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ- نَصْبُهَا، بِمَعْنَى أَقِيمُوا فَرْضَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، كَمَا‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ مَسْرُوقًا يَقُولُ‏:‏ أُمِرْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِأَرْبَعٍ‏:‏ بِإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ‏.‏ قَالَ‏:‏ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 97‏]‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ إِلَى الْبَيْتِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ لَيْثًا يَرْوِي عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ‏:‏ أُمِرْنَا بِإِقَامَةِ أَرْبَعَةٍ‏:‏ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، فَنَـزَلَتْ الْعُمْرَةُ مِنَ الْحَجِّ مَنْـزِلَةَ الزَّكَاةِ مِنَ الصَّلَاةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَسُئِلَا أَوَاجِبَةٌ الْعُمْرَةُ عَلَى النَّاسِ‏؟‏ فَكِلَاهُمَا قَالَ‏:‏ مَا نَعْلَمُهَا إِلَّا وَاجِبَةً، كَمَا قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ عَبْدِِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ سَأَلَ رَجُلٌ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنِ الْعُمْرَةِ فَرِيضَةٌ هِيَ أَمْ تَطَوُّعٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَرِيضَةٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَإِنَّ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ‏:‏ هِيَ تَطَوُّعٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ كَذَبَ الشَّعْبِيُّ، وَقَرَأَ‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُعَمِّرٌ، عَنْ قَتَادَةَ عَمَّنْ سَمِعَ عَطَاءً يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُمَا وَاجِبَانِ‏:‏ الْحَجُّ، وَالْعُمْرَةُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَتَأْوِيلُ هَؤُلَاءِ فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏"‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏"‏ أَنَّهُمَا فَرْضَانِ وَاجِبَانِ أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِإِقَامَتِهِمَا، كَمَا أَمَرَ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَأَنَّهُمَا فَرِيضَتَانِ، وَأَوْجَبَ الْعُمْرَةَ وُجُوبَ الْحَجِّ‏.‏ وَهُمْ عَدَدٌ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْخَالِفِينَ، كَرِهْنَا تَطْوِيلَ الْكِتَابِ بِذِكْرِهِمْ وَذِكْرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُمْ‏.‏

وَقَالُوا‏:‏ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏ وَأَقِيمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ‏.‏

ذِكْرُ بَعْضِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَقِيمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ ثُوَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ‏:‏ ‏{‏وَأَقِيمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلْبَيْتِ‏}‏ ثُمَّ هِيَ وَاجِبَةٌ مِثْلَ الْحَجِّ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ثُوَيْرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَأَقِيمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إِلَى الْبَيْتِ‏}‏ ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ‏:‏ وَاللَّهِ لَوْلَا التَّحَرُّجُ، وَأَنِّي لَمْ أَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا شَيْئًا، لَقُلْتُ إِنَّ الْعُمْرَةَ وَاجِبَةٌ مِثْلَ الْحَجِّ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَكَأَنَّهُمْ عَنَوْا بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَقِيمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ‏}‏‏:‏ ائْتُوا بِهِمَا، بِحُدُودِهِمَا وَأَحْكَامِهِمَا، عَلَى مَا فُرِضَ عَلَيْكُمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَرَأَ قِرَاءَةَ هَؤُلَاءِ بِنَصْبِ ‏"‏الْعُمْرَةِ‏"‏‏:‏ الْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ وَرَأَوْا أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ عَلَى وُجُوبِهَا فِي نَصْبِهِمُ ‏"‏الْعُمْرَة‏"‏ فِي الْقِرَاءَةِ، إِذْ كَانَ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا قَدْ يَلْزَمُ الْعَبْدَ عَمَلُهُ وَإِتْمَامُهُ بِدُخُولِهِ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنِ ابْتِدَاءُ الدُّخُولِ فِيهِ فَرْضًا عَلَيْهِ‏.‏ وَذَلِكَ كَالْحَجِّ التَّطَوُّعِ، لَا خِلَافَ بَيْنَ الْجَمِيعِ فِيهِ أَنَّهُ إِذَا أَحْرَمَ بِهِ أَنَّ عَلَيْهِ الْمُضِيَّ فِيهِ وَإِتْمَامَهُ، وَلَمْ يَكُنْ فَرْضًا عَلَيْهِ ابْتِدَاءً الدُّخُولُ فِيهِ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ فَكَذَلِكَ الْعُمْرَةُ غَيْرُ فَرْضٍ وَاجِبٍ الدُّخُولُ فِيهَا ابْتِدَاءً، غَيْرَ أَنَّ عَلَى مَنْ دَخَلَ فِيهَا وَأَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ إِتْمَامَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا‏.‏ قَالُوا‏:‏ فَلَيْسَ فِي أَمْرِ اللَّهِ بِإِتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ دَلَّالَةٌ عَلَى وُجُوبِ فَرْضِهَا‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَإِنَّمَا أَوَجَبْنَا فَرْضَ الْحَجِّ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 97‏]‏‏.‏

وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْخَالِفِينَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو السَّائِبِ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عُرُوبَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ‏:‏ الْحَجُّ فَرِيضَةٌ، وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُرُوبَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنِ النَّخَعِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍٍ مِثْلَهُ‏.‏

وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عَثْمَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ‏:‏ الْعُمْرَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْعُمْرَةِ فَقَالَ‏:‏ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عُوَانَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِِّ، قَالَ‏:‏ الْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِرَفْعِ ‏"‏العُمْرَةِ‏"‏، فَإِنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ لَا وَجْهَ لِنَصْبِهَا، فَالْعُمْرَةُ إِنَّمَا هِيَ زِيَارَةُ الْبَيْتِ، وَلَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا اسْمَ مُعْتَمِرٍ إِلَّا وَهُوَ لَهُ زَائِرٌ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَإِذَا كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ مُعْتَمِرٍ إِلَّا بِزِيَارَتِهِ وَهُوَ مَتَى بَلَغَهُ فَطَافَ بِهِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَا عَمَلَ يَبْقَى بَعْدَهُ يُؤْمَرُ بِإِتْمَامِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا يُؤْمَرُ بِإِتْمَامِهِ الْحَاجُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَالطَّوَافِ بِهِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بِإِتْيَانِ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَالْوُقُوفِ بِالْمَوَاضِعِ الَّتِي أُمِرَ بِالْوُقُوفِ بِهَا، وَعَمِلَ سَائِرَ أَعْمَالِ الْحَجِّ الَّذِي هُوَ مِنْ تَمَامِهِ بَعْدَ إِتْيَانِ الْبَيْتِ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِ الْقَائِلِ لِلْمُعْتَمِرِ‏:‏ ‏"‏أَتِمَّ عُمْرَتَكَ‏"‏ وَجْهٌ مَفْهُومٌ‏.‏ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ مَفْهُومٌ‏.‏ فَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ‏"‏العُمْرَةِ‏"‏ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ لِلَّهِ، فَتَكُونُ مَرْفُوعَةً بِخَبَرِهَا الَّذِي بَعْدَهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏لِلَّهِ‏"‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِنَصْب‏"‏ الْعُمْرَةِ‏"‏ عَلَى الْعَطْفِ بِهَا عَلَى‏"‏ الْحَجِّ‏"‏، بِمَعْنَى الْأَمْرِ بِإِتْمَامِهِمَا لَهُ‏.‏

وَلَا مَعْنَى لِاعْتِلَالِ مَنِ اعْتَلَّ فِي رَفْعِهَا بِأَنَّ‏"‏ الْعُمْرَةَ‏"‏ زِيَارَةُ الْبَيْتِ، فَإِنَّ الْمُعْتَمِرَ مَتَى بَلَغَهُ، فَلَا عَمَلَ بَقِيَ عَلَيْهِ يُؤْمَرُ بِإِتْمَامِهِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا بَلَغَ الْبَيْتَ فَقَدِ انْقَضَتْ زِيَارَتُهُ وَبَقِيَ عَلَيْهِ تَمَامُ الْعَمَلِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ فِي اعْتِمَارِهِ، وَزِيَارَتِهِ الْبَيْتَ، وَذَلِكَ هُوَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَتَجَنُّبُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِتَجَنُّبِهِ إِلَى إِتْمَامِهِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ عَمَلٌ- وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَزِمَهُ بِإِيجَابِ الزِّيَارَةِ عَلَى نَفْسِهِ- غَيْرُ الزِّيَارَةِ‏.‏ هَذَا، مَعَ إِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَى قِرَاءَةِ ‏"‏الْعُمْرَة‏"‏ بِالنَّصْبِ، وَمُخَالَفَةِ جَمِيعِ قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ رَفْعًا، فَفِي ذَلِكَ مُسْتَغْنًى عَنْ الِاسْتِشْهَادِ عَلَى خَطَأِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ رَفْعًا‏.‏

وَأَمَّا أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏"‏ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ نَصْبًا فَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍٍ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ إِلَى الْبَيْتِ بَعْد إِيجَابِكُمْ إِيَّاهُمَا لَا أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ- بِابْتِدَاءِ عَمَلِهِمَا وَالدُّخُولِ فِيهِمَا وَأَدَاءِ عَمَلِهِمَا بِتَمَامِهِ- بِهَذِهِ الْآيَةِ‏.‏

وَذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ مُحْتَمِلَةٌ لِلْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْنَا‏:‏ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِإِقَامَتِهِمَا ابتداءً وَإِيجَابًا مِنْهُ عَلَى الْعِبَادِ فَرْضُهُمَا، وَأَنْ يَكُونَ أَمْرًا مِنْهُ بِإِتْمَامِهِمَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِمَا، وَبَعْدَ إِيجَابِ مُوجِبِهِمَا عَلَى نَفْسِهِ، فَإِذْ كَانَتِ الْآيَةُ مُحْتَمِلَةً لِلْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْنَا، فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، إِلَّا وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ فِيهَا مِثْلُهَا‏.‏ وَإِذْ كَانَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ بِإِيجَابِ فَرْضِ الْعُمْرَةِ خَبَرٌ عَنِ الْحُجَّةِ لِلْعُذْرِ قَاطِعًا، وَكَانَتِ الْأُمَّةُ فِي وُجُوبِهَا مُتَنَازِعَةً- لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِ قَائِلٍ‏:‏ ‏"‏هِيَ فَرْضٌ‏"‏ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ دَالٍّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ- مَعْنًى، إِذْ كَانَتِ الْفُرُوضُ لَا تَلْزَمُ الْعِبَادَ إِلَّا بِدَلَالَةٍ عَلَى لُزُومِهَا إِيَّاهُمْ وَاضِحَةٍ‏.‏

فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْحَجِّ، وَأَنَّ تَأْوِيلَ مَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏"‏ بِمَعْنَى‏:‏ أَقِيمُوا حُدُودَهُمَا وَفُرُوضَهُمَا أَوْلَى مِنْ تَأْوِيلِنَا، بِمَا‏:‏ حَدَّثَنِي بِهِ حَاتِمُ بْنُ بَكِيرٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَشْهَلُ بْنُ حَاتِمٍ الْأَرْطِبَائِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ زَمِيلٍ لَهُ، عَنْ أَبِيهِ- وَكَانَ أَبُوهُ يُكَنَّى أَبَا المُنْتَفِقِ- قَالَ‏:‏ ‏(‏أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، حَتَّى اخْتَلَفَتْ عُنُقُ رَاحِلَتِي وَعُنُقُ رَاحِلَتِهِ، فَقُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْبِئْنِي بِعَمَلٍ يُنْجِينِي مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَيُدْخِلُنِي جَنَّتَهُ‏!‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏اعْبُدِ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَأَقِمِ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَأَدِّ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَحُجَّ وَاعْتَمِرْ قَالَ أَشْهَلُ‏:‏ وَأَظُنُّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏وَصُمْ رَمَضَانَ وَانْظُرْ مَاذَا تُحِبُّ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَأْتُوهُ إِلَيْكَ فَافْعَلْهُ بِهِمْ، وَمَا تَكْرَهُ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَأْتُوهُ إِلَيْكَ فَذَرْهُمْ مِنْهُ‏)‏‏.‏

وَمَا‏:‏ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُدَيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعَقِيلِيِّ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ قَالَ‏:‏ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ وَلَا الظَّعْنَ، وَقَدْ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ، أَفَأَحُجَّ عَنْهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ‏)‏‏.‏

وَمَا‏:‏ حَدَّثَنِي بِهِ يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَآتُوا الزَّكَاةَ، وحُجُّوا وَاعْتَمِرُوا وَاسْتَقِيمُوا يُسْتَقَمْ لَكُم‏)‏‏.‏

وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ، فَإِنَّ هَذِهِ أَخْبَارٌ لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِهَا فِي الدِّينِ حُجَّةٌ لِوَهْيِ أَسَانِيدِهَا، وَأَنَّهَا- مَعَ وَهْيِ أَسَانِيدِهَا- لَهَا فِي الْأَخْبَارِ أَشْكَالٌ تُنَبِئُ عَنْ أَنَّ الْعُمْرَةَ تَطَوُّعٌ لَا فَرْضٌ وَاجِبٌ‏.‏ وَهُوَ مَا‏:‏ حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الدَّامَغَانِيُّ، قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، «عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏لَا وَأَنْ تَعْتَمِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ و حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَرِيكٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيِّ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏الْحَجُّ جِهَادٌ، وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّع‏)‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْغَبَاءِ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عِنْدَهُ أَنَّالْعُمْرَةَحُكْمُهَا وَاجِبَةٌ، بِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ تَطَوُّعًا، إِلَّا وَلَهُ إِمَامٌ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ‏.‏ فَلَمَّا صَحَّ أَنَّ الْعُمْرَةَ تَطَوُّعٌ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا فَرْضٌ، لِأَنَّ الْفَرْضَ إِمَامُ التَّطَوُّعِ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ‏.‏

فَيُقَالُ لِقَائِلِ ذَلِكَ‏:‏ فَقَدْ جُعِلَ الِاعْتِكَافُ تَطَوُّعًا، فَمَا الْفَرْضُ مِنْهُ الَّذِي هُوَ إِمَامُ مُتَطَوِّعِهِ‏؟‏

ثُمَّ يُسْأَلُ عَنِ الِاعْتِكَافِ أَوَاجِبٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ وَاجِبٍ‏؟‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ ‏"‏وَاجِبٌ‏"‏، خَرَجَ مِنْ قَوْلِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ‏.‏

وَإِنْ قَالَ‏:‏ تَطَوُّعٌ‏.‏

قِيلَ‏:‏ فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِكَافُ تَطَوُّعًا وَالْعُمْرَةُ فَرْضًا، مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ‏؟‏

فَلَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِهِمَا شَيْئًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ‏.‏

وَبِمَا اسْتَشْهَدْنَا مِنَ الْأَدِلَّةِ، فَإِنَّ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي‏"‏ الْعُمْرَةِ‏"‏ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهَا نَصْبًا- وَأَنَّ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي قَوْلِهِ‏"‏ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ‏"‏، تَأْوِيلُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ بِإِتْمَامِ أَعْمَالِهِمَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِمَا وَإِيجَابِهِمَا عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ حُدُودِهِمَا وَسُنَنِهِمَا-وَأَنَّ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي‏"‏ الْعُمْرَةِ‏"‏ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ ‏"‏هِيَ تَطَوُّعٌ لَا فَرْضٌ‏"‏- وَأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ‏:‏ وَأَتِمُّوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ بَعْدَ دُخُولِكُمْ فِيهِمَا وَإِيجَابِكُمُوهُمَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، عَلَى مَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ مِنْ حُدُودِهِمَا‏.‏

وَإِنَّمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى نَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ الَّتِي صُدَّ فِيهَا عَنِ الْبَيْتِ، مُعَرِّفَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فِيهَا مَا عَلَيْهِمْ فِي إِحْرَامِهِمْ إِنْ خُلِّيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَيْتِ وَمُبَيِّنًا لَهُمْ فِيهَا مَا الْمَخْرَجُ لَهُمْ مِنْ إِحْرَامِهِمْ إِنْ أَحْرَمُوا، فَصُدُّوا عَنِ الْبَيْتِ‏.‏

وَلِذِكْرِ اللَّازِمِ لَهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ فِي عُمْرَتِهِمُ الَّتِي اعْتَمَرُوهَا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَمَا يَلْزَمُهُمْ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي عُمْرَتِهِمْ وَحَجِّهِمْ، افْتَتَحَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ‏"‏‏.‏

وَقَدّ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى‏"‏ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ‏"‏ بِشَوَاهِدَ، فَكَرِهْنَا تَطْوِيلَ الْكَتَابِ بِإِعَادَتِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏196‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي‏"‏ الْإِحْصَارِ‏"‏ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ عَلَى مَنِ ابْتُلِيَ بِهِ فِي حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ كُلُّ مَانِعٍ أَوْ حَابِسٍ مَنَعَ الْمُحْرِمَ وَحَبَسَهُ عَنِ الْعَمَلِ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي إِحْرَامِهِ وَوُصُولِهِ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏الْحَصْرُ‏"‏ الْحَبْسُ كُلُّهُ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ أَيُّمَا رَجُلٍ اعْتَرَضَ لَهُ فِي حُجَّتِهِ أَوْ عُمْرَتِهِ فَإِنَّهُ يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ مِنْ حَيْثُ يُحْبَسُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ‏}‏ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ‏:‏ يَمْرَضُ إِنْسَانٌ أَوْ يُكْسَرُ، أَوْ يَحْبِسُهُ أَمْرٌ فَغَلَبَهُ كَائِنًا مَا كَانَ، فَلْيُرْسِلْ بِمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ، وَلَا يَحُلُّ، حَتَّى يَوْمَ النَّحْرِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ‏:‏ الْإِحْصَارُ كُلُّ شَيْءٍ يَحْبِسُهُ‏.‏

وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ فِي الْمَحْصَرِ‏:‏ هُوَ الْخَوْفُ وَالْمَرَضُ وَالْحَابِسُ‏.‏ إِذَا أَصَابَهُ ذَلِكَ بَعَثَ بِهَدْيِهِ، فَإِذَا بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ حَلَّ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذَا رَجُلٌ أَصَابَهُ خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ أَوْ حَابِسٌ حَبَسَهُ عَنِ الْبَيْتِ يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ، فَإِذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ صَارَ حَلَالًا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ كُلُّ شَيْءٍ حَبَسَ الْمُحَرِمَ فَهُوَ إِحْصَارٌ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ أَحْسَبُهُ عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَرَضٌ أَوْ كَسْرٌ أَوْ خَوْفٌ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ حُبِسَ عَنِ الْبَيْتِ بِمَرَضٍ يُجْهِدُهُ أَوْ عُذْرٍ يَحْبِسُهُ، فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ‏:‏ أَنَّ‏"‏ الْإِحْصَارَ‏"‏ مَعْنَاهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ‏:‏ مَنْعُ الْعِلَّةِ مِنَ الْمَرَضِ وَأَشْبَاهِهِ، غَيْرِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ مِنْ قَاهِرٍ أَوْ غَالِبٍ، إِلَّا غَلَبَةَ عِلَّةٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ لَدْغٍ أَوْ جِرَاحَةٍ، أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ، أَوْ كَسْرِ رَاحِلَةٍ‏.‏ فَأَمَّا مَنْعُ الْعَدُوِّ، وَحَبْسُ حَابِسٍ فِي سِجْنٍ، وَغَلَبَةِ غَالِبٍ حَائِلٍ بَيْنَ الْمُحْرِمِ وَالْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ مِنْ سُلْطَانٍ، أَوْ إِنْسَانٍ قَاهِرٍ مَانِعٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ ‏"‏ حَصْرًا‏"‏ لَا‏"‏ إِحْصَارًا‏"‏‏.‏

قَالُوا‏:‏ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا‏}‏ ‏[‏الْإِسْرَاءِ‏:‏ 8‏]‏ يَعْنِي بِهِ‏:‏ حَاصِرًا، أَيْ حَابِسًا‏.‏

قَالُوا‏:‏ وَلَوْ كَانَ حَبْسُ الْقَاهِرِ الْغَالِبِ مِنْ غَيْرِ الْعِلَلِ الَّتِي وَصَفْنَا، يُسَمَّى‏"‏ إِحْصَارًا‏"‏ لَوَجَبَ أَنْ يُقَالَ‏:‏ ‏"‏قَدْ أُحْصِرَ الْعَدُوُّ‏"‏‏.‏

قَالُوا‏:‏ وَفِي اجْتِمَاعِ لُغَاتِ الْعَرَبِ عَلَى‏"‏ حُوصِرَ الْعَدُوُّ، وَالْعَدُوُّ مُحَاصَرٌ‏"‏، دُونَ‏"‏ أُحْصِرَ الْعَدُوُّ، وَهُمْ مُحْصَرُونَ‏"‏، وَ‏"‏ أُحْصِرَ الرَّجُلُ‏"‏ بِالْعِلَّةِ مِنَ الْمَرَضِ وَالْخَوْفِ- أَكْبَرُ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ‏"‏ بِمَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ عِلَّةٍ مَانِعَةٍ‏.‏

قَالُوا‏:‏ وَإِنَّمَا جَعَلْنَا حَبْسَ الْعَدُوِّ وَمَنْعَهُ الْمُحَرِّمَ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ بِمَعْنَى‏"‏ حَصْرِ الْمَرَضِ‏"‏ قِيَاسًا عَلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ لِلْمَرِيضِ الَّذِي مَنَعَهُ الْمَرَضُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ، لَا بِدَلَالَةِ ظَاهِرِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏فَإِنْ أَحُصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏ إِذْ كَانَ حَبْسُ الْعَدُوِّ وَالسُّلْطَانِ وَالْقَاهِرِ عِلَّةً مَانِعَةً، نَظِيرَةَ الْعِلَّةِ الْمَانِعَةِ مِنَ الْمَرَضِ وَالْكَسْرِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏}‏ فَإِنْ حَبَسَكُمْ عَدُوٌّ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ، أَوْ حَابِسٌ قَاهِرٌ مَنْ بَنِي آدَمَ‏.‏ قَالُوا‏:‏ فَأَمَّا الْعِلَلُ الْعَارِضَةُ فِي الْأَبْدَانِ كَالْمَرَضِ وَالْجِرَاحِ وَمَا أَشْبَهَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏فَإِنْ أَحُصِرْتُمْ‏"‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏الْحَصْرُ‏"‏‏:‏ حَصْرُ الْعَدُوِّ، فَيَبْعَثُ الرَّجُلُ بِهَدِيَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْبَيْتِ مِنَ الْعَدُوِّ، فَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُبَلِّغُهَا عَنْهُ إِلَى مَكَّةَ، فَإِنَّهُ يَبْعَثُ بِهَا وَيُحْرِمُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ أَبُو عَاصِمٍ‏:‏ لَا نَدْرِي قَالَ‏:‏ يُحِرِمُ، أَوْ يَحِلُّ مِنْ يَوْمٍ يُوَاعِدُ فِيهِ صَاحِبَ الْهَدْيِ إِذَا اشْتَرَى‏.‏ فَإِذَا أَمِنَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ‏.‏ فَإِذَا أَصَابَهُ مَرَضٌ يَحْبِسُهُ وَلَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ حَيْثُ يُحْبَسُ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، فَإِذَا بَعَثَ بِهِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ قَابِلًا وَلَا يَعْتَمِرَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ لَا حَصْرَ إِلَّا مِنْ حَبْسِ عَدُوٍّ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عَاصِمٍٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ فَإِنَّهُ يَبْعَثُ بِهَا وَيُحْرِمُ مِنْ يَوْمِ وَاعَدَ فِيهِ صَاحِبَ الْهَدِيَّةِ إِذَا اشْتَرَى‏.‏ ثُمَّ ذَكَرَ سَائِرَ الْحَدِيثِ مِثْلَ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ‏.‏

وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ‏:‏ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَّ وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، فَنَحَرُوا الْهَدْيَ، وَحَلَّقُوا رُؤُوسَهُمْ، وَحَلُّوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ، وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ الْهَدْيُ‏.‏ ثُمَّ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ، أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا وَلَا أَنْ يَعُودُوا لِشَيْءٍ‏.‏

حَدَّثَنِي بِذَلِكَ يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ قَالَ‏:‏ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْأَحُصِرَ بِعَدُوٍّ وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ يَحِلُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ، وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ حَيْثُ يُحْبَسُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أَحُصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ بِمَرَضٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ، أَنْ يَتَدَاوَى بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَيَفْتَدِيَ، ثُمَّ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً، وَيَحُجَّ عَامًا قَابِلًا وَيُهْدِي‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ- أَعْنِي‏:‏ مَنْ قَالَ قَوْلَ مَالِكٍ- أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَـزَلَتْ فِي حَصْرِ الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ عَنِ الْبَيْتِ، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَمَنْ مَعَهُ بِنَحْرِ هَدَايَاهُمْ وَالْإِحْلَالِ‏.‏

قَالُوا‏:‏ فَإِنَّمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فِي حَصْرِ الْعَدُوِّ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ حُكْمُهَا إِلَى غَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي نَـزَلَتْ فِيهِ‏.‏

قَالُوا‏:‏ وَأَمَّا الْمَرِيضُ، فَإِنَّهُ إِذَالَمْ يُطِقْ لِمَرَضِهِ السَّيْرَ حَتَّى فَاتَتْهُ عَرَفَةُ، فَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ فَاتَهُ الْحَجُّ، عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْ إِحْرَامِهِ بِمَا يَخْرُجُ بِهِ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ- وَلَيْسَ مِنْ مَعْنَى‏"‏ الْمُحْصَرِ‏"‏ الَّذِي نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي شَأْنِهِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ‏}‏، تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى‏:‏ فَإِنْ أَحْصَرَكُمْ خَوْفُ عَدُوٍّ أَوْ مَرَضٌ أَوْ عِلَّةٌ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ أَيْ‏:‏ صَيَّرَكُمْ خَوْفُكُمْ أَوْ مَرَضُكُمْ تَحْصُرُونَ أَنْفُسَكُمْ، فَتَحْبِسُونَهَا عَنِ النُّفُوذِ لِمَا أَوْجَبْتُمُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ‏.‏ فَلِذَا قِيلَ‏:‏ ‏"‏أَحُصِرْتُمْ ‏"‏، لَمَّا أُسْقِطَ ذِكْرُ الْخَوْفِ وَالْمَرَضِ‏.‏ يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏أَحْصَرَنِي خَوْفِي مِنْ فُلَانٍ عَنْ لِقَائِكَ، وَمَرَضِي عَنْ فُلَانٍ‏"‏، يُرَادُ بِهِ‏:‏ جَعَلَنِي أَحْبِسُ نَفْسِي عَنْ ذَلِكَ‏.‏ فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْحَابِسُ الرَّجُلَ وَالْإِنْسَانَ، قِيلَ‏:‏ ‏"‏حَصَرَنِي فُلَانٌ عَنْ لِقَائِكَ‏"‏ بِمَعْنَى حَبَسَنِي عَنْهُ‏.‏

فَلَوْ كَانَ مَعْنَى الْآيَةِ مَا ظَنَّهُ الْمُتَأَوِّلُ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ‏}‏ فَإِنْ حَبَسَكُمْ حَابِسٌ مِنَ الْعَدُوِّ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ- لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ‏:‏ فَإِنْ حُصِرْتُمْ‏.‏

وَمِمَّا يُبَيِّنُ صِحَّةَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ تَأْوِيلَ الْآيَةِ مُرَادٌ بِهَا إِحْصَارُ غَيْرِ الْعَدُوِّ وَأَنَّهُ إِنَّمَا يُرَادُ بِهَا الْخَوْفُ مِنَ الْعَدُوِّ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ‏}‏‏.‏

وَ‏"‏ الْأَمْنُ‏"‏ إِنَّمَا يَكُونُ بِزَوَالِ الْخَوْفِ‏.‏ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِحْصَارَ الَّذِي عَنَى اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، هُوَ الْخَوْفُ الَّذِي يَكُونُ بِزَوَالِهِ الْأَمْنُ‏.‏

وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ حَبْسُ الْحَابِسِ الَّذِي لَيْسَ مَعَ حَبْسِهِ خَوْفٌ عَلَى النَّفْسِ مِنْ حَبْسِهِ دَاخِلًا فِي حُكْمِ الْآيَةِ بِظَاهِرِهَا الْمَتْلُوِّ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُلْحَقُ حُكْمُهُ عِنْدَنَا بِحُكْمِهِ مِنْ وَجْهِ الْقِيَاسِ مِنْ أَجْلِ أَنْ حَبْسَ مَنْ لَا خَوْفَ عَلَى النَّفْسِ مِنْ حَبْسِهِ، كَالسُّلْطَانِ غَيْرِ الْمُخَوَّفَةِ عُقُوبَتُهُ، وَالْوَالِدِ، وَزَوْجِ الْمَرْأَةِ، إِنْ كَانَ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ بَعْضِهِمْ حَبْسٌ، وَمَنْعٌ عَنِ الشُّخُوصِ لِعَمَلِ الْحَجِّ، أَوِ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ بَعْدَ إِيجَابِ الْمَمْنُوعِ الْإِحْرَامِ، غَيْرُ دَاخِلٍ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏فَإِنْ أَحُصِرْتُمْ‏"‏، لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ فَإِنْ أَحْصَرَكُمْ خَوْفُ عَدُوٌّ- بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ‏}‏ وَقَدْ بَيَّنَ الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ الْحَصْرُ‏:‏ حَصْرُ الْعَدُوِّ‏.‏

وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ لِمَا وَصَفْنَا، وَكَانَ ذَلِكَ مَنْعًا مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ، فَكُلُّ مَانِعٍ عَرَضَ لِلْمُحْرِمِ فَصَدَّهُ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ، فَهُوَ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْحُكْمِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏}‏‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ شَاةٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانِ الْقَنَّادُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السُّبَيْعِيُّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ ‏"‏مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏ شَاةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ ‏{‏فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏}‏، شَاةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ‏:‏ تَمَتَّعْتُ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ شَاةٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ شَاةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مَالِك، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ‏"‏ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏، قَالَ‏:‏ مِنَ الْأَزْوَاجِ الثَّمَانِيَةِ‏:‏ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْمَعِزِ وَالضَّأْنِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَا حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنَا- وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏}‏- قَالَ‏:‏ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ مِنَ الْغَنَمِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏، مِنَ الْأَزْوَاجِ الثَّمَانِيَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا خَالِدٌ، قَالَ‏:‏ قِيلَ لِلْأَشْعَثِ‏:‏ مَا قَوْلُ الْحَسَنِ‏:‏ ‏"‏فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ شَاةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ‏.‏ ‏{‏فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَعْلَاهُ بَدَنَةٌ، وَأَوْسَطُهُ بَقَرَةٌ، وَأَخَسُّهُ شَاةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زَرِيعٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ‏:‏ أَعْلَاهُ بَدَنَةٌ، وَذَكَر سَائِرَ الْحَدِيثِ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ ‏{‏فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏}‏، شَاةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍٍ‏:‏ ‏"‏فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏ شَاةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَفِيعٍ، عَنْ عَطَاءٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ‏:‏ الْمُحْصَرُ يَبْعَثُ بِهَدْيٍ، شَاةٍ فَمَا فَوْقَهَا‏.‏

حَدَّثَنِي عُبَِيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَبَّارِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ‏:‏ إِذَا أَهَلَّ الرَّجُلُ بِالْحَجِّ فَأُحْصِرَ، بَعَثَ بِمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏:‏ شَاةٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ‏:‏ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏، شَاةٌ فَمَا فَوْقَهَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا آدَمُ الْعَسْقَلَانِيُّ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ ‏"‏مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏، جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ، أَوْ شَرَكٌ فِي دَمٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍٍ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَرَى أَنَّ الشَّاةَ ‏"‏مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏، شَاةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ‏"‏مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏، شَاةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حُمَِيْدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ الْهَدْيُ‏:‏ شَاةٌ، فَقِيلَ لَهُ‏:‏ أَيَكُونُ دُونَ بَقَرَةٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَأَنَا أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا تَدْرُونَ بِهِ أَنَّ الْهَدْيَ شَاةٌ‏.‏ مَا فِي الظَّبْيِ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ شَاةٌ، قَالَ‏:‏ ‏{‏هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَةِ‏:‏ 95‏]‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ شَاةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ دِلْهَمِ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ، عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏، فَقَالَ‏:‏ شَاةٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ حَدَّثَهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏، شَاةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏، شَاةٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ مَالِكٌ‏:‏ وَذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ ‏{‏فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏}‏، قَالَ‏:‏ عَلَيْهِ- يَعْنِي الْمُحْصَرَ- هَدْيٌ‏.‏ إِنْ كَانَ مُوسِرًا فَمِنَ الْإِبِلِ، وَإِلَّا فَمِنَ الْبَقَرِ وَإِلَّا فَمِنَ الْغَنَمِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا آدَمُ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ ‏"‏مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏، شَاةٌ، وَمَا عَظَّمْتَ شَعَائِرَ اللَّهِ، فَهُوَ أَفْضَلُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَشْهَبُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ‏:‏ أَنْ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ حَدَّثَهُ‏:‏ أَنْ‏"‏ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏، شَاةٌ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ ‏"‏مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏‏:‏ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، سِنٌّ دُونَ سِنٍّ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ ‏"‏مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏‏:‏ الْبَقَرَةُ دُونَ الْبَقَرَةِ، وَالْبَعِيرُ دُونَ الْبَعِيرِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ‏:‏ سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ‏:‏ ‏"‏مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَتَرْضَى شَاةً‏؟‏ كَأَنَّهُ لَا يَرْضَاهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَنَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ ‏"‏مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏، نَاقَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ، فَقِيلَ لَهُ‏:‏ ‏"‏مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ النَّاقَةُ دُونَ النَّاقَةِ، وَالْبَقَرَةُ دُونَ الْبَقَرَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏}‏، قَالَ‏:‏ جَزُورٌ، أَوْ بَقَرَةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَيَعْقُوبُ، قَالَا حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنَا- وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏}‏- قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏}‏ قَالَ‏:‏ النَّاقَةُ دُونَ النَّاقَةِ، وَالْبَقَرَةُ دُونَ الْبَقَرَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ‏:‏ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَوَ عَائِشَة يقُولَانِ‏:‏ ‏"‏مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏‏:‏ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي هِشَامٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الْمُتْعَةِ فِي الْهَدْيِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ نَاقَةٌ، قُلْتُ‏:‏ مَا تَقُولُ فِي الشَّاةِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَكُلُّكُمْ شَاةٌ‏؟‏ أَكُلُّكُمْ شَاةٌ‏؟‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍٍ وَطَاوُسٍ قَالَا‏"‏ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏، بَقَرَةٌ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ‏:‏ ‏{‏فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏}‏، قَالَ فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ بَقَرَةٌ فَمَا فَوْقَهَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ ‏"‏مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏، قَالَ‏:‏ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ، فَأَمَّا شَاةٌ فَإِنَّمَا هِيَ نُسُكٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ الْبَدَنَةُ دُونَ الْبَدَنَةِ، وَالْبَقَرَةُ دُونَ الْبَقَرَةِ، وَإِنَّمَا الشَّاةُ نُسُكٌ، قَالَ‏:‏ تَكُونُ الْبَقَرَةُ بِأَرْبَعِينَ وَبِخَمْسِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، كَانَ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏}‏، بَقَرَةٌ‏.‏

وَحَدَّثَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ سَعِيدًا حَدَّثَهُ، قَالَ‏:‏ رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ وَأَهْلَ الْيَمَنِ يَأْتُونَهُ فَيَسْأَلُونَهُ عَنْ ‏{‏مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏}‏ وَيَقُولُونَ‏:‏ الشَّاةُ‏!‏ الشَّاةُ‏!‏ قَالَ‏:‏ فَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ‏:‏ ‏"‏الشَّاةُ‏!‏ الشَّاةُ‏!‏ يَحُضُّهُمْ- إِلَّا أَنَّ الْجَزُورَ دُونَ الْجَزُورِ، وَالْبَقَرَةَ دُونَ الْبَقَرَةِ، وَلَكِنْ مَا‏"‏ اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏ بَقَرَةٌ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ ‏"‏مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏ شَاةٌ‏.‏ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا أَوْجَبَ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، وَذَلِكَ عَلَى كُلِّ مَا تَيَسَّرَ لِلْمُهْدِي أَنْ يَهْدِيَهُ كَائِنًا مَا كَانَ ذَلِكَ الَّذِي يُهْدِي‏.‏ إِلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَيَكُونَ مَا خَصَّ مِنْ ذَلِكَ خَارِجًا مِنْ جُمْلَةِ مَا احْتَمَلَهُ ظَاهِرُ التَّنْـزِيلِ، وَيَكُونَ سَائِرُ الْأَشْيَاءِ غَيْرُهُ مُجْزِئًا إِذَا أَهْدَاهُ الْمُهْدِي بَعْدَ أَنْ يَسْتَحِقَّ اسْمَ ‏"‏هَدْيٍ‏"‏‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَإِنَّ الَّذِينَ أَبَوْا أَنْ تَكُونَ الشَّاةُ مِمَّا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ‏"‏ هَدْيٍ‏"‏ كَمَا أَنَّهُ لَوْ أَهْدَى دَجَاجَةً أَوْ بَيْضَةً لَمْ يَكُنْ مُهْدِيًا هَدْيًا مُجْزِئًا‏.‏

قِيلَ‏:‏ لَوْ كَانَ فِي الْمُهْدِي الدَّجَاجَةَ وَالْبَيْضَةَ مِنَ الِاخْتِلَافِ، نَحْوَ الَّذِي فِي الْمُهْدِي الشَّاةَ، لَكَانَ سَبِيلُهُمَا وَاحِدَةً‏:‏ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ بِظَاهِر التَّنْـزِيلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْهَدْيَيْنِ مُخْرِجَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيًا- بِإِهْدَائِهِ مَا أَهْدَى مِنْ ذَلِكَ- مِمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي إِحْصَارِهِ‏.‏ وَلَكِنْ لَمَّا أَخْرَجَ الْمُهْدِي مَا دُونُ الْجِذْعِ مِنَ الضَّأْنِ، وَالثَّنِيِّ مِنَ الْمَعِزِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فَصَاعِدًا مِنَ الْأَسْنَانِ- مِنْ أَنْ يَكُونَ مُهْدِيًا مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي إِحْصَارِهِ أَوْ مُتْعَتِهِ- بِالْحُجَّةِ الْقَاطِعَةِ الْعُذْرَ، نَقْلًا عَنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِرَاثَةً، كَانَ ذَلِكَ خَارِجًا مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏}‏ وَإِنْ كَانَ مِمَّا اسْتَيْسَرَ لَنَا مِنَ الْهَدَايَا‏.‏

وَلَمَّا اخْتُلِفَ فِي الْجِذْعِ مِنَ الضَّأْنِ وَالثَّنِيِّ مِنَ الْمَعِزِ، كَانَ مُجْزِئًا ذَلِكَ عَنْ مُهْدِيهِ لِظَاهِرِ التَّنْـزِيلِ، لِأَنَّهُ مِمَّا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَمَا مَحَلُّ‏"‏ مَا‏"‏ الَّتِي فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ‏:‏ ‏"‏فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏‏؟‏ قِيلَ‏:‏ رَفْعٌ‏.‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ بِمَاذَا‏؟‏

قِيلَ‏:‏ بِمَتْرُوكٍ‏.‏ وَذَلِكَ‏"‏ فَعَلَيْهِ‏"‏ لِأَنَّ تَأْوِيلَ الْكَلَامِ‏:‏ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لِلَّهِ، فَإِنْ حَبَسَكُمْ عَنْ إِتْمَامِ ذَلِكَ حَابِسٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ كَسْرٍ أَوْ خَوْفِ عَدُوٍّ فَعَلَيْكُمْ- لِإِحْلَالِكُمْ، إِنْ أَرَدْتُمُ الْإِحْلَالَ مِنْ إِحْرَامِكُمْ- مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏.‏

وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الرَّفْعَ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ أَكْثَرَ الْقُرْآن جَاءَ بِرَفْعِ نَظَائِرِهِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ‏}‏ وَكَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ‏}‏ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ بِإِحْصَائِهِ الْكِتَابُ، تَرَكْنَا ذِكْرَهُ اسْتِغْنَاءً بِمَا ذَكَرْنَا عَنْهُ‏.‏

وَلَوْ قِيلَ مَوْضِعُ‏"‏ مَا‏"‏ نَصْبٌ، بِمَعْنَى‏:‏ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَأَهْدُوا مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، لَكَانَ غَيْرَ مُخْطِئٍ قَائِلُهُ‏.‏

وَأَمَّا‏"‏ الْهَدْيُ‏"‏، فَإِنَّهُ جَمَعَ، وَاحِدُهَا‏"‏هَدِيَّةٌ‏"‏، عَلَى تَقْدِيرِ‏"‏ جَدِيَّةِ السَّرْجِ‏"‏ وَالْجَمْعُ‏"‏ الْجَدْيُ‏"‏ مُخَفَّفٌ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مُعَمِّرُ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ يُونُسَ، قَالَ‏:‏ كَانَ أَبُو عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ يَقُولُ‏:‏ لَا أَعْلَمُ فِي الْكَلَامِ حَرْفًا يُشْبِهُهُ‏.‏

وَبِتَخْفِيفِ‏"‏ الْيَاءِ‏"‏ وَتَسْكِينِ‏"‏ الدَّالِ‏"‏ مِنَ‏"‏ الْهَدْيِ‏"‏ قَرَأَهُ الْقَرَأَةُ فِي كُلِّ مِصْرَ، إِلَّا مَا ذُكِرَ عَنِ الْأَعْرَجِ، فَإِنَّ‏:‏-

أَبَا هِشَامٍ الرِّفَاعِيَّ، حَدَّثَنَا، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ بَشَّارٍ، عَنْ أَسَدٍ، عَنِ الْأَعْرَجِ أَنَّهُ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏هَدِيًّا بَالِغَ الْكَعْبَةِ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْمَائِدَةِ‏:‏ 95‏]‏ بِكَسْر‏"‏ الدَّالِ‏"‏ مُثَقَلًا وَقَرَأَ‏:‏ ‏"‏حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدِيُّ مَحِلَّهُ‏"‏، بِكَسْرِ‏"‏ الدَّالِ‏"‏ مُثَقَلَةٍ‏.‏ وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَاصِمٍ، فَرُوِيَ عَنْهُ مُوَافَقَةُ الْأَعْرَجِ وَمُخَالَفَتُهُ إِلَى قِرَاءَةِ سَائِرِ الْقَرَأَةِ‏.‏

وَ‏"‏ الْهَدْيُ‏"‏ عِنْدِي إِنَّمَاسُمِّيَ‏"‏ هَدْيًا‏"‏ لِأَنَّهُ تَقَرَّبَ بِهِ إِلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ مُهْدِيهِ، هَدْيُ الْحَجِّ بِمَنْـزِلَةِ الْهَدِيَّةِ يُهْدِيهَا الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِهِ مُتَقَرِّبًا بِهَا إِلَيْهِ، يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏أَهْدَيْتُ الْهَدْيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، فَأَنَا أُهْدِيهِ إِهْدَاءً‏"‏‏.‏ كَمَا يُقَالُ فِي الْهَدِيَّةِ يُهْدِيهَا الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِهِ‏:‏ ‏"‏أَهْدَيْتُ إِلَى فُلَانٍ هَدِيَّةً وَأَنَا أُهْدِيهَا‏.‏‏"‏، وَيُقَالُ لِلْبَدَنَةِ‏"‏ هَدِيَّةٌ‏"‏، وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، يَذْكُرُ رَجُلًا أُسِرَ، يُشَبِّهُهُ فِي حُرْمَتِهِ بِالْبَدَنَةِ الَّتِي تُهْدَى‏:‏

فَلَـمْ أَرَ مَعْشَـرًا أَسَـرُوا هَدْيًـا *** وَلَـمْ أَرَ جَـارَ بَيْـتٍ يُسْـتَبَاءُ‏!‏

تفسير الآية رقم ‏[‏196‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ فَإِنْ أَحُصِرْتُمْ، فَأَرَدْتُمُ الْإِحْلَالَ مِنْ إِحْرَامِكُمْ، فَعَلَيْكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏.‏ وَلَا تَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ إِذَا أُحْصِرْتُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ الَّذِي أَوْجَبْتُهُ عَلَيْكُمْ لِإِحْلَالِكُمْ مِنْ إِحْرَامِكُمُ الَّذِي أُحْصِرْتُمْ فِيهِ، قَبْلَ تَمَامِهِ وَانْقِضَاءِ مَشَاعِرِهِ وَمَنَاسِكِهِ مَحِلَّهُ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّحَلْقَ الرَّأْسِ إِحْلَالٌ مِنَ الْإِحْرَامِالَّذِي كَانَ الْمُحْرِمُ قَدْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ‏.‏ فَنَهَاهُ اللَّهُ عَنِ الْإِحْلَالِ مِنْ إِحْرَامِهِ بِحَلَاقِهِ، حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ- الَّذِي أَبَاحَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُ الْإِحْلَالَ بِإِهْدَائِهِ- مَحِلَّهُ‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي‏"‏ مَحِلِّ‏"‏ الْهَدْيِ الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ جَلَّ اسْمُهُ، الَّذِي مَتَى بَلَغَهُ كَانَ لِلْمُحْصَرِ الْإِحْلَالُ مِنْ إِحْرَامِهِ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَحِلُّ هَدْيِ الْمُحْصَرِ الَّذِي يَحِلُّ بِهِ وَيَجُوزُ لَهُ بِبُلُوغِهِ إِيَّاهُ حَلْقُ رَأْسِهِ إِذَا كَانَ إِحْصَارُهُ مِنْ خَوْفِ عَدُوٍّ مَنَعَهُ ذَبْحُهُ، إِنْ كَانَ مِمَّا يُذْبَحُ، أَوْ نَحْرُهُ إِنْ كَانَ مِمَّا يُنْحَرُ، فِي الْحِلِّ ذَبْحٌ أَوْ نَحْرٌ أَوْ فِي الْحَرَمِ ‏[‏حَيْثُ حُبِسَ‏]‏

وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ عَدُوٍّ فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ‏.‏ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ الْإِحْصَارُ إِحْصَارُ الْعَدُوِّ دُونَ غَيْرِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، فَنَحَرُوا الْهَدْيَ وَحَلَقُوا رُءُوسَهُمْ، وَحَلُّوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ، وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ الْهَدْيُ‏.‏ ثُمَّ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ، أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا، وَلَا أَنْ يَعُودُوا لِشَيْءٍ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ‏:‏ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ، فَقَالَ‏:‏ إِنْ صُدِدْتُ عَنِ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنْ النَّبِيَّ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ‏.‏ ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ‏:‏ مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَالْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ‏:‏ مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ‏.‏ قَالَ‏:‏ ثُمَّ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا، وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مُجْزٍ عَنْهُ وَأَهْدَى‏.‏

قَالَ يُونُسُ‏:‏ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ‏:‏ قَالَ مَالِكٌ‏:‏ وَعَلَى هَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ كَمَا أُحْصِرَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ‏.‏

فَأَمَّامَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّفِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ دُونَ الْبَيْتِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْأُحْصِرَ بِعَدُوٍّ وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَقَالَ‏:‏ يَحِلُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ، وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ حَيْثُ حُبِسَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍٍ‏:‏ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَمَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَفْتَوُا ابْنَ حُزَابَةَ الْمَخْزُومِيَّ، وَصُرِعَ فِي الْحَجِّ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، أَنْ يَتَدَاوَىَ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَيَفْتَدِيَ، ثُمَّ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً، وَيَحُجَّ عَامًا قَابِلًا وَيَهْدِيَ‏.‏

قَالَ يُونُسُ‏:‏ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ‏:‏ قَالَ مَالِكٌ‏:‏ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَقَالَ مَالِكٌ‏:‏ وَكُلُّ مَنْحُبِسَ عَنِ الْحَجِّ بَعْدَ مَا يُحْرِمُإِمَّا بِمَرَضٍ، أَوْ خَطَأٍ فِي الْعَدَدِ، أَوْ خَفِيَ عَلَيْهِ الْهِلَالُ، فَهُوَ مَحْصَرٌ، عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُحْصَرِ- يَعْنِي مِنَ الْمُقَامِ عَلَى إِحْرَامِهِ- حَتَّى يَطُوفَ أَوْ يَسْعَى، ثُمَّ الْحَجُّ مَنْ قَابِلٍ وَالْهَدْيُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى أَنَّ دَاوُدَ بْنَ أَبِي عَاصِمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ حَجَّ مَرَّةً فَاشْتَكَى، فَرَجَعَ إِلَى الطَّائِفِ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ‏.‏ فَكَتَبَ إِلَى عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ عَطَاءً كَتَبَ إِلَيْهِ‏:‏ أَنْ أَهْرِقْ دَمً‏.‏

وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ مَالِكٍ‏:‏ فِي أَنَّمَحِلّ الْهَدْيِ فِي الْإِحْصَارِ بِالْعَدُوِّنَحْرُهُ حَيْثُ حُبِسَ صَاحِبُهُ، مَا‏:‏-

حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالَا حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَبُو مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ ‏(‏لَمَّا كَانَ الْهَدْيُ دُونَ الْجِبَالِ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى وَادِي الثَّنْيَةِ، عَرَضَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ فَرَدُّوا وَجْهَهُ، قَالَ‏:‏ فَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدْيَ حَيْثُ حَبَسُوهُ- وَهِيَ الْحُدَيْبِيَةُ- وَحَلَّقَ، وَتَأَسَّى بِهِ أُنَاسٌ فَحَلَّقُوا حِينَ رَأَوْهُ حَلَّقَ، وَتَرَبَّصَ آخَرُونَ فَقَالُوا‏:‏ لَعَلَّنَا نَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ‏!‏ قِيلَ‏:‏ وَالْمُقَصِّرِينَ‏!‏ قَالَ‏:‏ رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ‏!‏ قِيلَ‏:‏ وَالْمُقَصِّرِينَ‏!‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏وَالْمُقَصِّرِينَ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُعَمِّرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانِ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَا لَمَّا كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَضِيَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ- وَذَلِكَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ- قَالَ لِأَصْحَابِهِ‏:‏ ‏"‏قُومُوا فَانْحَرُوا وَاحْلِقُوا‏.‏ قَالَ‏:‏ فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ، حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ‏.‏ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَامَ فَدَخَلَ عَلَىأُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهَا، فَقَالَتْأُمُّ سَلَمَةَ‏:‏ ‏(‏يَا نَبِيَّ اللَّهِ اخْرُجْ، ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِكَلِمَةٍ حَتَّى تَنْحَرَ بُدُنَكَ وَتَدْعُوَ حَلَّاقَكَ فَتُحَلِّقَ‏.‏ فَقَامَ فَخَرَجَ، فَلَمْ يُكَلِّمْ مِنْهُمْ أَحَدًا حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ‏.‏ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُحَلِّقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا‏)‏‏.‏

قَالُوا‏:‏ فَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدْيَهُ حِينَ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْبَيْتِ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَحَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَالْحُدَيْبِيَةُ لَيْسَتْ مِنَ الْحَرَمِ‏.‏ قَالُوا‏:‏ فَفِي مِثْلِ ذَلِكَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ‏}‏، حَتَّى يَبْلُغَ بِالذَّبْحِ أَوِ النَّحْرِ مَحِلَّ أَكْلِهِ، وَالِانْتِفَاعِ بِهِ فِي مَحِلِّ ذَبْحِهِ وَنَحْرِهِ‏.‏

كَمَا رُوِيَ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي نَظِيرِهِ إِذْ‏:‏ ‏(‏أُتِيَ بِلَحْمٍ- أَتَتْهُبِرَيْرَةُ- مِنْ صَدَقَةٍ كَانَ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهَا، فَقَالَ‏:‏ قَرِّبُوهُ فَقَدْ بَلَغَ مَحِلَّه‏)‏‏.‏

يَعْنِي‏:‏ فَقَدْ بَلَغَ مَحِلَّ طِيبِهِ وَحَلَالِهِ لَهُ بِالْهَدِيَّةِ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ صَدَقَةً عَلَىبِرَيْرَةَ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَحِلُّ هَدْيِ الْمُحْصَرِ الْحَرَمُ لَا مَحِلَّ لَهُ غَيْرُهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عِمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ‏:‏ أَنَّ عَمْرَو بْنَ سَعِيدٍ النَّخَعِيَّ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَاتَ الشُّقُوقِ لُدِغَ بِهَا، فَخَرَجَ أَصْحَابُهُ إِلَى الطَّرِيقِ يَتَشَوَّفُونَ النَّاسَ، فَإِذَا هُمْ بِابْنِ مَسْعُودٍ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ‏:‏ لِيَبْعَثْ بِهَدْيٍ، وَاجْعَلُوا بَيْنَكُمْ يَوْمَ أَمَارَةٍ، فَإِذَا ذُبِحَ الْهَدْيُ فَلْيَحِلَّ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ عُمْرَتِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مَهْرَانَ، عَنْ عِمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ خَرَجْنَا مُهِلِّينَ بِعُمْرَةٍ فِينَا الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ، حَتَّى نَـزَلْنَا ذَاتَ الشُّقُوقِ، فَلُدِغَ صَاحِبٌ لَنَا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَشَقَّةً شَدِيدَةً، فَلَمْ نَدْرِ كَيْفَ نَصْنَعُ بِهِ، فَخَرَجَ بَعْضُنَا إِلَى الطَّرِيقِ، فَإِذَا نَحْنُ بِرَكْبٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَقُلْنَا لَهُ‏:‏ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَجُلٌ مِنَّا لُدِغَ، فَكَيْفَ نَصْنَعُ بِهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ يَبْعَثُ مَعَكُمْ بِثَمَنِ هَدْيٍ، فَتَجْعَلُونَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ يَوْمًا أَمَارَةً، فَإِذَا نُحِرَ الْهَدْيُ فَلْيَحِلَّ، وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ فِي قَابِلٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُؤَمِّلٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عِمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ ٍالرَّحْمَنِ بْن يَزِيدَ، قَالَ‏:‏ بَيْنَا نَحْنُ بِذَاتِ الشُّقُوقِ فَلَبَّى رَجُلٌ مِنَّا بِعُمْرَةٍ فَلُدِغَ، فَمَرَّ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ‏:‏ اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ يَوْمَ أَمَارٍ، فَيَبْعَثُ بِثَمَنِ الْهَدْيِ، فَإِذَا نُحِرَ حَلَّ وَعَلَيْهِ الْعُمْرَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ‏:‏ أَهَلَّ رَجُلٌ مِنَّا بِعُمْرَةٍ، فَلُدِغَ، فَطَلَعَ رَكْبٌ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ‏:‏ يَبْعَثُ بِهَدْيٍ، وَاجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ يَوْمًا أَمَارًا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ فَلْيَحِلَّ وَقَالَ عِمَارَةُ بْنُ عُمَيْرٍ‏:‏ فَكَانَ حَسْبُكَ بِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَلَيْهِ الْعُمْرَةُ مَنْ قَابِلٍ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عِمَارَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن يَزِيدَ، قَالَ‏:‏ خَرَجْنَا عُمَّارًا، فَلَمَّا كُنَّا بِذَاتِ الشُّقُوقِ لُدِغَ صَاحِبٌ لَنَا، فَاعْتَرَضْنَا لِلطَّرِيقِ نَسْأَلُ عَمَّا نَصْنَعُ بِهِ، فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي رَكْبٍ، فَقُلْنَا لَهُ‏:‏ لُدِغَ صَاحِبٌ لَنَا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ صَاحِبِكُمْ يَوْمًا، وَلِيُرْسِلْ بِالْهَدْيِ، فَإِذَا نُحِرَ الْهَدْيُ فَلْيَحْلِلْ، ثُمَّ عَلَيْهِ الْعُمْرَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ أَنَّ عَمْرَو بْنَ سَعِيدٍ النَّخَعِيَّ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَاتَ الشُّقُوقِ لُدِغَ بِهَا، فَخَرَجَ أَصْحَابُهُ إِلَى الطَّرِيقِ يَتَشَوَّفُونَ النَّاسَ، فَإِذَا هُمْ بِابْنِ مَسْعُودٍ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ‏:‏ لِيَبْعَثْ بِهَدْيٍ، وَاجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ يَوْمَ أَمَارٍ، فَإِذَا ذُبِحَ الْهَدْيُ فَلْيَحِلَّ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ عُمْرَتِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏فَإِنْ أَحُصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، ثُمَّ حُبِسَ عَنِ الْبَيْتِ بِمَرَضٍ يُجْهِدُهُ أَوْ عُذْرٍ يَحْبِسُهُ، فَعَلَيْهِ ذَبْحُ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، شَاةٌ فَمَا فَوْقَهَا يُذْبَحُ عَنْهُ‏.‏ فَإِنْ كَانَتْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، وَإِنْ كَانَتْ حَجَّةً بَعْدَ حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ أَوْ عُمْرَةً فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ‏.‏

ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ‏}‏ فَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَمَحِلُّهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَمَحِلُّ هَدْيِهِ إِذَا أَتَى الْبَيْتَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏فَإِنْ أَحُصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏"‏، فَهُوَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحْبَسُ عَنِ الْبَيْتِ، فَيَهْدِي إِلَى الْبَيْتِ، وَيَمْكُثُ عَلَى إِحْرَامِهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ‏.‏ فَإِذَا بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ حَلَقَ رَأْسَهُ، فَأَتَمَّ اللَّهُ لَهُ حَجَّهُ‏.‏ وَالْإِحْصَارُ أَيْضًا أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ، فَعَلَيْهِ هَدْيٌ‏:‏ إِنْ كَانَ مُوسِرًا مِنَ الْإِبِلِ، وَإِلَّا فَمِنَ الْبَقَرِ، وَإِلَّا فَمِنَ الْغَنَمِ، وَيَجْعَلُ حَجَّهُ عُمْرَةً، وَيَبْعَثُ بِهَدْيِهِ إِلَى الْبَيْتِ‏.‏ فَإِذَا نُحِرَ الْهَدْيُ فَقَدْ حَلَّ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مَنْ قَابِلٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السِّرِّيِّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ‏:‏ سُئِلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏}‏ فَإِذَا أُحْصِرَ الْحَاجُّ بَعَثَ بِالْهَدْيِ، فَإِذَا نُحِرَ عَنْهُ حَلَّ، وَلَا يَحِلُّ حَتَّى يُنْحَرَ هَدْيُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ‏:‏ مَنْ حُبِسَ فِي عُمْرَتِهِ، فَبَعَثَ بِهَدِيَّةٍ فَاعْتَرَضَ لَهَا فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ أَوْ يَصُومُ، وَمَنِ اعْتَرَضَ لِهَدِيَّتِهِ، وَهُوَ حَاجٌّ، فَإِنَّ مَحِلَّ الْهَدْيِ وَالْإِحْرَامِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ‏}‏، الرَّجُلُ يُحْرِمُ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُحْصَرُ، إِمَّا بِلَدْغٍ أَوْ مَرَضٍ فَلَا يُطِيقُ السَّيْرَ، وَإِمَّا تَنْكَسِرُ رَاحِلَتُهُ، فَإِنَّهُ يُقِيمُ، ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَدْيٍ، شَاةٍ فَمَا فَوْقَهَا‏.‏ فَإِنْ هُوَ صَحَّ فَسَارَ فَأَدْرَكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيٌ، وَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنَّهَا تَكُونُ عُمْرَةً، وَعَلَيْهِ مِنْ قَابِلٍ حَجَّةٌ‏.‏ وَإِنْ هُوَ رَجَعَ لَمْ يَزَلْ مُحْرِمًا حَتَّى يُنْحَرَ عَنْهُ يَوْمَ النَّحْرِ‏.‏

فَإِنْ هُوَ بَلَغَهُ أَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَنْحَرْ عَنْهُ عَادَ مُحْرِمًا وَبَعَثَ بِهَدْيٍ آخَرَ، فَوَاعَدَ صَاحِبَهُ يَوْمَ يَنْحَرُ عَنْهُ بِمَكَّةَ، فَتُنْحَرُ عَنْهُ بِمَكَّةَ، وَيَحَلُّ، وَعَلَيْهِ مَنْ قَابِلٍ حِجَّةً وَعُمْرَةً- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ‏:‏ عُمْرَتَانِ‏.‏ وَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ رَجَعَ وَبَعَثَ بِهَدْيِهِ، فَعَلَيْهِ مِنْ قَابِلٍ عُمْرَتَانِ‏.‏ وَأُنَاسٌ يَقُولُونَ‏:‏ لَا بَلْ ثَلَاثَ عُمَرَ، نَحْوًا مِمَّا صَنَعُوا فِي الْحَجِّ حِينَ صَنَعُوا، عَلَيْهِ حُجَّةٌ وَعُمْرَتَانِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْقَنَّادُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍٍ وَعَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ إِذَا أُحْصِرَ الرَّجُلُ بَعَثَ بِهَدْيِهِ إِذَا كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْبَيْتِ مِنَ الْعَدُوِّ‏.‏

فَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُبَلِّغُهَا عَنْهُ إِلَى مَكَّةَ، فَإِنَّهُ يَبْعَثُ بِهَا مَكَانُهُ، وَيُوَاعِدُ صَاحِبَ الْهَدْيِ‏.‏ فَإِذَا أَمِنَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ‏.‏ فَإِنْ أَصَابَهُ مَرَضٌ يَحْبِسُهُ وَلَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ حَيْثُ يُحْبَسُ‏.‏ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ إِذَا بَعَثَ بِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ قَابِلًا وَلَا يَعْتَمِرَ، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَنَّ مَحِلَّ الْهَدَايَا وَالْبُدْنِ الْحَرَمُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ الْبُدْنَ وَالْهَدَايَا فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ‏}‏ ‏[‏الْحَجِّ‏:‏ 33‏]‏ فَجَعَلَ مَحِلَّهَا الْحَرَمَ، وَلَا مَحِلَّ لِلْهَدْيِ دُونَهُ‏.‏

قَالُوا‏:‏ وَأَمَّا مَا ادَّعَاهُ الْمُحْتَجُّونَ بِنَحْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدَايَاهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صُدَّ عَنِ الْبَيْتِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ‏:‏ الْفَضْلَ بْنَ سَهْلٍ حَدَّثَنِي، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُخَوَّلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَجْزَأَةَ بْنِ زَاهِرٍ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ‏:‏ ‏(‏أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صُدَّ عَنِ الْهَدْيِ، فَقُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْعَثْ مَعِي بِالْهَدْيِ فَلْنَنْحَرْهُ بِالْحَرَمِ‏!‏ قَالَ‏:‏ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ‏؟‏ قُلْتُ‏:‏ آخُذُ بِهِ أَوْدِيَةً فَلَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ‏!‏ فَانْطَلَقْتُ بِهِ حَتَّى نَحَرْتُهُ بِالْحَرَم‏)‏‏.‏

قَالُوا‏:‏ فَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْخَبَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ هَدَايَاهُ فِي الْحَرَمِ، فَلَا حُجَّةَ لِمُحْتَجٍّ بِنَحْرِهِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ وَتَأْوِيلُهَا عَلَى غَيْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْنَا مِنْ قَوْلِ الْفَرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَهُمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ إِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَنْ حَجِّكُمْ- فَمُنِعْتُمْ مِنَ الْمُضِيِّ لِإِحْرَامِهِ لِعَائِقِ مَرَضٍ أَوْ خَوْفِ عَدُوٍّ- وَأَدَاءِ اللَّازِمِ لَكُمْ وَحَجِّكُمْ، حَتَّى فَاتَكُمُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، فَإِنَّ عَلَيْكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، لِمَا فَاتَكُمْ مِنْ حَجِّكُمْ، مَعَ قَضَاءِ الْحَجِّ الَّذِي فَاتَكُمْ‏.‏ فَقَالَ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ‏:‏ لَيْسَ لِلْمُحْصَرِ فِي الْحَجِّ- بِالْمَرَضِ وَالْعِلَلِ غَيْرُهُ- الْإِحْلَالُ إِلَّا بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ‏.‏ قَالُوا‏:‏ فَأَمَّا إِنْ أَطَاقَ شُهُودَ الْمُشَاهِدِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحْصَرٍ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَلَا إِحْصَارَ فِيهَا، لِأَنَّ وَقْتَهَا مَوْجُودٌ أَبَدًا‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَالْمُعْتَمِرُ لَا يَحِلُّ إِلَّا بِعَمَلِ آخِرِ مَا يَلْزَمُهُ فِي إِحْرَامِهِ‏.‏

قَالُوا‏:‏ وَلَمْ يَدْخُلِ الْمُعْتَمِرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا عُنِيَ بِهَا الْحَاجُّ‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ‏.‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ لَا إِحْصَارَ الْيَوْمَ بِعَدُوٍّ، كَمَا لَا إِحْصَارَ بِمَرَضٍ يَجُوزُ لِمَنْ فَاتَهُ أَنْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ لَا إِحْصَارَ الْيَوْمَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ عَائِشَة قالَتْ‏:‏ لَا أَعْلَمُ الْمُحْرِمَ يَحِلُّ بِشَيْءٍ دُونَ الْبَيْتِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُعَمِّرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ لَا حَصْرَ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ عَدُوٌّ، فَيَحِلُّ بِعُمْرَةٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ‏:‏ حِصَارُ الْعَدُوِّ ثَابِتٌ الْيَوْمَ وَبَعْدَ الْيَوْمِ، عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَقْوَالِهِمُ الثَّلَاثَةِ الَّتِي حَكَيْنَا عَنْهُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَقَالَ‏:‏ مَعْنَى الْآيَةِ‏:‏ فَإِنْ أَحُصِرْتُمْ عَنِ الْحَجِّ حَتَّى فَاتَكُمْ، فَعَلَيْكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ لِفَوْتِهِ إِيَّاكُمْ‏:‏ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍٍ، قَالَ‏:‏ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُنْكِرُ الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ، وَيَقُولُ‏:‏ أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنِ الْحَجِّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا وَيَهْدِي أَوْ يَصُومُ إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ الْمُحْصَرُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يَبْلُغَ الْبَيْتَ، وَيُقِيمُ عَلَى إِحْرَامِهِ كَمَا هُوَ، إِلَّا أَنْ تُصِيبَهُ جِرَاحَةٌ- أَوْ جُرْحٌ- فَيَتَدَاوَى بِمَا يُصْلِحُهُ وَيَفْتَدِي‏.‏ فَإِذَا وَصَلَ إِلَى الْبَيْتِ، فَإِنْ كَانَتْ عُمْرَةً قَضَاهَا، وَإِنْ كَانَتْ حَجَّةً فَسَخَهَا بِعُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ وَالْهَدْيُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ‏:‏ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ مَرَّ عَلَى ابْنِ حُزَابَةَ وَهُوَ بِالسُّقْيَا، فَرَأَى بِهِ كَسْرًا، فَاسْتَفْتَاهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَقِفَ كَمَا هُوَ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يَأْتِيَ الْبَيْتَ إِلَّا أَنْ يُصِيبَهُ أَذًى فَيَتَدَاوَى وَعَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏.‏ وَكَانَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَقِيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ مَنْأُحْصِرَ بَعْدَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ، فَحَبَسَهُ خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌأَوْ خَلَأَ لَهُ ظَهْرٌ يَحْمِلُهُ، أَوْ شَيْءٌ مِنَ الْأُمُورِ كُلِّهَا، فَإِنَّهُ يَتَعَالَجُ لِحَبْسِهِ ذَلِكَ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنَ النِّسَاءِ وَالطِّيبِ، وَيَفْتَدِي بِالْفِدْيَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّه بِهَا صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ‏.‏ فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَهُوَ بِمَحْبِسِهِ ذَلِكَ، أَوْ فَاتَهُ أَنْ يَقِفَ فِي مَوَاقِفَ عَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ، فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَصَارَتْ حَجَّتُهُ عُمْرَةً‏:‏ يَقْدِمُ مَكَّةَ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ نَحَرَهُ بِمَكَّةَ قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، ثُمَّ حَلَقَ رَأْسَهُ، أَوْ قَصَّرَ، ثُمَّ حَلَّ مِنَ النِّسَاءِ وَالطِّيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ‏.‏ ثُمَّ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ قَابِلًا وَيَهْدِيَ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْهَدْيِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ الْمُحْصَرُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ‏.‏ وَإِنِ اضْطُرَّ إِلَى شَيْءٍ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا أَوِ الدَّوَاءِ صَنَعَ ذَلِكَ وَافْتَدَى‏.‏

فَهَذَا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْإِحْصَارِ بِالْمَرَضِ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَأَمَّا فِي الْمُحْصَرِ بِالْعَدُوِّ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيهِ بِنَحْوِ الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَّرْنَاهُ قَبْلُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَمِيرٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ‏:‏ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَرَادَ الْحَجَّ حِينَ نَـزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَكَلَّمَهُ ابْنَاهُ سَالِمٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ، فَقَالَا لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَحُجَّ الْعَامَ، إِنَّا نَخَافُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ النَّاسِ قِتَالٌ فَيُحَالُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ‏!‏ قَالَ‏:‏ إِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَعَلْتُ كَمَا فَعَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَحَلَّقَ وَرَجَعَ‏.‏

وَأَمَّا مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ فِي الْعُمْرَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ ‏"‏إِنَّهُ لَا إِحْصَارَ فِيهَا وَلَا حَصْرَ‏"‏، فَإِنَّهُ‏:‏ حَدَّثَنِي بِهِ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشَّخِيرِ أَنَّهُ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَأُحْصِرَ، قَالَ‏:‏ فَكَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، فَكَتَبَا إِلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ بِالْهَدْيِ، ثُمَّ يُقِيمَ حَتَّى يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَأَقَامَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَوْ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشَّخِيرِ، قَالَ‏:‏ خَرَجْتُ مُعْتَمِرًا فَصُرِعْتُ عَنْ بَعِيرِي، فَكُسِرَتْ رِجْلِي، فَأَرْسَلْنَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ نَسْأَلُهُمَا، فَقَالَا إِنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ كَوَقْتِ الْحَجِّ، لَا تَحِلَّ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَأَقَمْتُ بِالدَّثِينَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ كَانَ قَدِيمًا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ خَرَجْتُ إِلَى مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ كُسِرَتْ فَخِذِي، فَأَرْسَلْتُ إِلَى مَكَّةَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَالنَّاسُ، فَلَمْ يُرَخِّصْ لِي أَحَدٌ أَنْ أَحِلَّ، فَأَقَمْتُ عَلَى ذَلِكَ إِلَى سَبْعَةِ أَشْهُرٍ، حَتَّى أَحْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُعَمِّرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِيرَجُلٍ أَصَابَهُ كَسْرٌ وَهُوَ مُعْتَمِرٌ، قَالَ‏:‏ يَمْكُثُ عَلَى إِحْرَامِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْبَيْتَ وَيَطَّوَّفَ بِهِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَيُحَلِّقَ أَوْ يُقَصِّرَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَنَى بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ‏}‏ كُلَّ مَحْصَرٍ فِي إِحْرَامٍ، بِعُمْرَةٍ كَانَ إِحْرَامُ الْمُحْصَرِ أَوْ بِحَجٍّ‏.‏ وَجَعَلَ مَحِلَّ هَدْيِهِ الْمَوْضِعَ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ، وَجَعَلَ لَهُ الْإِحْلَالَ مِنْ إِحْرَامِهِ بِبُلُوغِ هَدْيِهِ مَحِلَّهُ-‏.‏ وَتَأَوَّلَ بِـ ‏"‏الْمَحِلِّ‏"‏ الْمَنْحَرُ أَوِ الْمَذْبَحُ، وَذَلِكَ حِينَ حَلَّ نَحَرَهُ أَوْ ذَبَحَهُ، فِي حَرَمٍ كَانَ أَوْ فِي حَلٍّ، وَأَلْزَمُهُ قَضَاءَ مَا حَلَّ مِنْهُ مِنْ إِحْرَامِهِ قَبْلَ إِتْمَامِهِ إِذَا وَجَدَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَذَلِكَ لِتَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صُدَّ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَنِ الْبَيْتِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَأَصْحَابُهُ بِعُمْرَةٍ، فَنَحَرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِأَمْرِهِ الْهَدْيَ، وَحَلُّوا مِنْ إِحْرَامِهِمْ قَبْلَ وُصُولِهِمْ إِلَى الْبَيْتِ، ثُمَّ قَضَوْا إِحْرَامَهُمُ الَّذِي حَلُّوا مِنْهُ فِي الْعَامِ الَّذِي بَعْدَهُ‏.‏ وَلَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ وَلَا غَيْرُهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَقَامَ عَلَى إِحْرَامِهِ انْتِظَارًا لِلْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ وَالْإِحْلَالِ بِالطَّوَافِ بِهِ وَبِالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَا تَحَفَّى وُصُولَ هَدْيِهِ إِلَى الْحَرَمِ‏.‏

فَأَوْلَى الْأَفْعَالِ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ، فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ لَمْ يَأْتِ بِحَظْرِهِ خَبَرٌ، وَلَمْ تَقُمْ بِالْمَنْعِ مِنْهُ حُجَّةٌ‏.‏ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ مُخْتَلِفِينَ فِيمَا اخْتَرْنَا مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ فَمِنْ مُتَأَوِّلٍ مَعْنَى الْآيَةِ تَأْوِيلَنَا، وَمِنْ مُخَالِفٍ ذَلِكَ، ثُمَّ كَانَ ثَابِتًا بِمَا قُلْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقْلُ كَانَ الَّذِي نُقِلَ عَنْهُ أَوْلَى الْأُمُورِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، إِذْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَا يَتَدَافَعُ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهَا يَوْمَئِذٍ نَـزَلَتْ وَفِي حُكْمِ صَدِّ الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُ عَنِ الْبَيْتِ أُوحِيَتْ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ خَبَرٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، أَنَّ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ ‏(‏مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرَجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى‏)‏ قَالَ‏:‏ فَحَدَّثْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ بِذَلِكَ، فَقَالَا صَدَقَ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ الصَّوَّافُ وَحَدَّثَنَا حُمَِيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ الصَّوَّافِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏

وَمَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ الْأَمْرُ بِقَضَاءِ الْحَجَّةِ الَّتِي حَلَّ مِنْهَا، نَظِيرَ فِعْلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأَصْحَابِهِ فِي قَضَائِهِمْ عُمْرَتَهُمُ الَّتِي حَلُّوا مِنْهَا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنَ الْقَابِلِ فِي عَامِ عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ‏.‏

وَيُقَالُ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الَّذِي حَصَرَهُ عَدُوٌّ، إِذَا حَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ التَّطَوُّعِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْمُحْصَرَ بِالْعِلَلِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ‏:‏ مَا الْعِلَّةُ الَّتِي أَوْجَبَتْ عَلَى أَحَدِهِمَا الْقَضَاءَ، وَأَسْقَطَتْ عَنِ الْآخَرِ، وَكِلَاهُمَا قَدْ حَلَّ مِنْ إِحْرَامٍ كَانَ عَلَيْهِ إِتْمَامُهُ لَوْلَا الْعِلَّةُ الْعَائِقَةُ‏؟‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ لِأَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا نَـزَلَتْ فِي الَّذِي حَصَرَهُ الْعَدُوُّ، فَلَا يَجُوزُ لَنَا نَقْلُ حُكْمِهَا إِلَى غَيْرِ مَا نَـزَلَتْ فِيهِ

قِيلَ لَهُ‏:‏ قَدْ دَافَعَكَ عَنْ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، غَيْرَ أَنَا نُسَلِّمُ لَكَ مَا قُلْتَ فِي ذَلِكَ، فَهَلَّا كَانَ حُكْمُ الْمَنْعِ بِالْمَرَضِ وَالْإِحْصَارِ لَهُ حُكْمُ الْمَنْعِ بِالْعَدُوِّ، إِذْ هُمَا مُتَّفِقَانِ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ وَإِتْمَامِ عَمَلِ إِحْرَامِهِمَا، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُ مَنْعِهِمَا، فَكَانَ أَحَدُهُمَا مَمْنُوعًا بِعِلَّةٍ فِي بَدَنِهِ، وَالْآخَرُ بِمَنْعِ مَانِعٍ‏؟‏ ثُمَّ يُسْأَلُ الْفِرَقَ بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ أَصْلٍ أَوْ قِيَاسٍ، فَلَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِهِمَا شَيْئًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ‏.‏

وَأَمَّاالَّذِينَ قَالُوا‏:‏ لَا إِحْصَارَ فِي الْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ‏:‏ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا صُدَّ عَنِ الْبَيْتِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْعُمْرَةِ، فَحَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ‏؟‏ فَمَا بُرْهَانُكُمْ عَلَى عَدَمِ الْإِحْصَارِ فِيهَا‏؟‏ أَوَرَأَيْتُمْ إِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ لَا إِحْصَارَ فِي حَجٍّ، وَإِنَّمَا فِيهِ فَوْتٌ، وَعَلَى الْفَائِتِ الْحَجَّ الْمُقَامُ عَلَى إِحْرَامِهِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَنَّ فِي الْإِحْصَارِ فِي الْحَجِّ سُنَّةً‏؟‏ فَقَدْ قَالَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ‏.‏ فَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ فِيهَا مَا سَنَّ، وَأَنْـزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي حُكْمِهَا مَا بَيَّنَ مِنَ الْإِحْلَالِ وَالْقَضَاءِ الَّذِي فَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفِيهَا الْإِحْصَارُ دُونَ الْحَجِّ هَلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فَرْقٌ‏؟‏ ثُمَّ يُعْكَسُ عَلَيْهِ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ، فَلَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِهِمَا شَيْئًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ‏.‏