فصل: تفسير الآية رقم (284)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏284‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ‏)‏، لِلَّهِ مُلْكُ كُلِّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، وَإِلَيْهِ تَدْبِيرُ جَمِيعِهِ، وَبِيَدِهِ صَرْفُهُ وَتَقْلِيبُهُ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ مُدَبِّرُهُ وَمَالِكُهُ وَمُصَرِّفُهُ‏.‏

وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُكِتْمَانَ الشُّهُودِ الشَّهَادَةَ، يَقُولُ‏:‏ لَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ أَيُّهَا الشُّهُودُ، وَمَنْ يَكْتُمْهَا يَفْجُرْ قَلْبُهُ، وَلَنْ يَخْفَى عَلَيَّ كِتْمَانُهُ ذَلِكَ، لِأَنِّي بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٍ، وَبِيَدِي صَرْفُ كُلِّ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمِلْكُهُ، أَعْلَمُ خَفِيَّ ذَلِكَ وَجَلِيَّهُ، فَاتَّقُوا عِقَابِي إِيَّاكُمْ عَلَى كِتْمَانِكُمُ الشَّهَادَةَ وَعِيدًا مِنَ اللَّهِ بِذَلِكَ مَنْ كَتَمَهَا، وَتَخْوِيفًا مِنْهُ لَهُ بِهِ‏.‏ ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ عَمَّا هُوَ فَاعِلٌ بِهِمْ فِي آخِرَتِهِمْ وَبِمَنْ كَانَ مِنْ نُظَرَائِهِمْ مِمَّنِ انْطَوَى كَشْحًا عَلَى مَعْصِيَةٍ فَأَضْمَرَهَا، أَوْ أَظْهَرَ مُوبِقَةً فَأَبْدَاهَا مِنْ نَفْسِهِ- مِنَ الْمُحَاسَبَةِ عَلَيْهَا فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَإِنْ تُظْهِرُوا فِيمَا عِنْدَكُمْ مِنَ الشَّهَادَةِ عَلَى حَقِّ رَبِّ الْمَالِ الْجُحُودَ وَالْإِنْكَارَ، أَوْ تُخْفُوا ذَلِكَ فَتُضْمِرُوهُ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ سَيِّئِ أَعْمَالِكُمْ ‏{‏يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏، يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ يَحْتَسِبُ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمُجَازٍ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ مِنَ الْمُسِيئِينَ بِسُوءِ عَمَلِهِ، وَغَافِرٌ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ مِنَ الْمُسِيئِينَ‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَا عَنَى بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِمَا قُلْنَا‏:‏ مِنْ أَنَّهُ عَنَى بِهِ الشُّهُودَ فِي كِتْمَانِهِمُ الشَّهَادَةَ، وَأَنَّهُ لَاحِقٌ بِهِمْ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ نُظَرَائِهِمْ مِمَّنْ أَضْمَرَ مَعْصِيَةً أَوْ أَبْدَاهَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي أَبُو زَائِدَةَ زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ يَعْنِي فِي الشَّهَادَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مَقْسِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ فِي الشَّهَادَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ سُئِلَ دَاوُدُ عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏، فَحَدَّثَنَا عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ هِيَ الشَّهَادَةُ إِذَا كَتَمْتَهَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو وَأَبِي سَعِيدٍ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ فِي الشَّهَادَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ السُّدِّيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ‏}‏ ‏"‏ قَالَ‏:‏ فِي الشَّهَادَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ نَـزَلَتْ فِي كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ وَإِقَامَتِهَا‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ قَالَ أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏، يَعْنِي كِتْمَانَ الشَّهَادَةِ وَإِقَامَتَهَا عَلَى وَجْهِهَا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ ‏(‏بَلْ نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِعْلَامًا مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِبَادَهُ أَنَّهُ مُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبَتْهُ أَيْدِيهِمْ وَحَدَّثَتْهُمْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ مِمَّا لَمْ يَعْمَلُوهُ‏"‏‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ مُتَأَوِّلُو ذَلِكَ كَذَلِكَ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ‏(‏ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْبَقَرَةِ‏:‏ 286‏]‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ ‏(‏لَمَّا نَـزَلَتْ‏:‏ ‏{‏لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏، اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْمِ، فَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نُحَدِّثُ بِهِ أَنْفُسَنَا‏!‏ هَلَكْنَا‏!‏ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا‏}‏ الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏، قَالَ أَبِي‏:‏ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قَالَ اللَّهُ‏:‏ نَعَمْ ‏{‏رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا‏}‏ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ أَبِي‏:‏ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ نَعَمْ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ آدَمَ بْنِ سُلَيْمَانَ مَوْلَى خَالِدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ ‏(‏لَمَّا نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ‏}‏، دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَدْخُلْهَا مِنْ شَيْءٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا‏.‏ قَالَ‏:‏ فَأَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ، قَالَ‏:‏ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ‏}‏ قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ‏:‏ فَقَرَأَ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏ قَالَ فَقَالَ‏:‏ قَدْ فَعَلْتُ ‏{‏رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا‏}‏ قَالَ‏:‏ قَدْ فَعَلْتُ ‏{‏رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَ‏:‏ قَدْ فَعَلْتُ ‏{‏وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَدْ فَعَلْت‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو الرَّدَّادِ الْمِصْرِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ وَهَبُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ يَقُولُ‏:‏ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَنِي سَعِيدُ ابْنُ مَرْجَانَةَ قَالَ‏:‏ جِئْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ‏}‏‏.‏ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ لَئِنْ آخَذْنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ، لَنَهْلِكَنَّ‏!‏ ثُمَّ بَكَى ابْنُ عُمَرَ حَتَّى سَالَتْ دُمُوعُهُ‏.‏ قَالَ ثُمَّ جِئْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ فَقُلْتُ‏:‏ يَا أَبَا عَبَّاسٌ، إِنِّي جِئْتُ ابْنَ عُمَرَ فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ‏}‏ ‏"‏ الْآيَةَ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ لَئِنْ وَاخَذْنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ لَنَهْلِكَنَّ‏!‏ ثُمَّ بَكَى حَتَّى سَالَتْ دُمُوعُهُ‏!‏ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ يَغْفِرُ اللَّهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ‏!‏ لَقَدْ فَرِقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا كَمَا فَرِقَ ابْنُ عُمَرَ مِنْهَا، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏}‏، فَنَسَخَ اللَّهُ الْوَسْوَسَةَ، وَأَثْبَتَ الْقَوْلَ وَالْفِعْلَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ يَحْدُثُ‏:‏ أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ جَالِسٌ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ، ‏{‏لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ‏}‏ ‏"‏ الْآيَةَ، فَقَالَ‏:‏ وَاللَّهِ لَئِنْ آخَذْنَا اللَّهُ بِهَذَا لَنَهْلِكَنَّ‏!‏ ثُمَّ بَكَى ابْنُ عُمَرَ حَتَّى سُمِعَ نَشِيجُهُ، فَقَالَ ابْنُ مَرْجَانَةَ‏:‏ فَقُمْتُ حَتَّى أَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَذَكَرْتُ لَهُ مَا تَلَا ابْنُ عُمَرَ، وَمَا فَعَلَ حِينَ تَلَاهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ‏!‏ لِعَمْرِي لَقَدْ وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا حِينَ أُنْـزِلَتْ مِثْلَ مَا وَجَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ بَعْدَهَا ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا‏}‏ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ‏.‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ فَكَانَتْ هَذِهِ الْوَسْوَسَةُ مِمَّا لَا طَاقَةَ لِلْمُسْلِمِينَ بِهَا، وَصَارَ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ قَضَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ لِلنَّفْسِ مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ قَرَأَهَا ابْنُ عُمَرَ فَبَكَى وَقَالَ‏:‏ إِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نُحَدِّثُ بِهِ أَنْفُسَنَا‏!‏ فَبَكَى حَتَّى سُمِعَ نَشِيجُهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ عِنْدِهِ فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَذِكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ‏:‏ رَحِمَ اللَّهُ ابْنَ عُمَرَ‏!‏ لَقَدْ وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ نَحْوًا مِمَّا وَجَدَ، حَتَّى نَـزَلَتْ‏:‏ ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ‏}‏ ‏"‏ الْآيَةَ، فَبَكَى‏.‏ فَدَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَضَحِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ‏:‏ يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ عُمَرَ‏!‏ أوَمَا يَدْرِي فِيمَ أُنْـزِلَتْ‏؟‏ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ حِينَ أُنْـزِلَتْ غَمَّتْ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَمًّا شَدِيدًا وَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْنَا‏!‏ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قُولُوا‏:‏ ‏(‏سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا‏)‏، فَنَسَخَتْهَا‏:‏ ‏{‏آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏}‏ فَتُجُوِّزَ لَهُمْ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ، وَأُخِذُوا بِالْأَعْمَالِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ‏:‏ أَنَّ أَبَاهُ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏، فَدَمَعَتْ عَيْنُهُ، فَبَلَغَ صَنِيعُهُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ‏:‏ يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ‏!‏ لَقَدْ صَنَعَ كَمَا صَنَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْـزِلَتْ، فَنَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا‏:‏ ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ‏}‏ ‏"‏- ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ آدَمَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ‏}‏، قَالُوا‏:‏ أَنُؤَاخَذُ بِمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَنْفُسَنَا، وَلَمْ تَعْمَلْ بِهِ جَوَارِحُنَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَنَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏، قَالَ‏:‏ وَيَقُولُ‏:‏ قَدْ فَعَلْتُ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَأُعْطِيَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ خَوَاتِيمَ ‏"‏ سُورَةِ الْبَقَرَةِ‏)‏، لَمْ تُعْطَهَا الْأُمَمُ قَبْلَهَا‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ عَامِرٍ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ‏}‏، قَالَ‏:‏ فَنَسَخَتْهَا الْآيَةُ بَعْدَهَا، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا‏:‏ ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا‏}‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ تُبْدُوا‏)‏، قَالَ‏:‏ يُحَاسِبُ بِمَا أَبْدَى مِنْ سِرٍّ أَوْ أَخْفَى مِنْ سِرٍّ، فَنَسَخَتْهَا الَّتِي بَعْدَهَا‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ‏}‏، قَالَ‏:‏ فَكَانَ فِيهَا شِدَّةٌ، حَتَّى نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا‏:‏ ‏{‏لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏}‏، قَالَ‏:‏ فَنَسَخَتْ مَا كَانَ قَبْلَهَا‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ‏:‏ ذَكَرُوا عِنْدَ الشَّعْبِيِّ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ‏}‏ ‏"‏ حَتَّى بَلَغَ ‏{‏لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏}‏، قَالَ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ‏:‏ إِلَى هَذَا صَارَ، رَجَعَتْ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ قَالَ أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ‏}‏، قَالَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ‏:‏ كَانَتِ الْمُحَاسَبَةُ قَبْلَ أَنْ تَنْـزِلَ‏:‏ ‏{‏لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏}‏، فَلَمَّا نَـزَلَتْ نَسَخَتِ الْآيَةُ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ قَالَ سَمِعْتُ الضَّحَّاكُ يَذْكُرُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ بَيَانٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ نَسَخَتْ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ‏}‏ ‏"‏ ‏{‏لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَسُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالُوا‏:‏ نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا‏}‏، ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ‏}‏، الْآيَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَعَامِرٍ بِمِثْلِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَإِنَّ ‏{‏تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ‏}‏ ‏"‏ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ‏:‏ مَحَتْهَا‏:‏ ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَعْنِي قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا‏}‏ الْآيَةَ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ نَسَخَتْهَا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ زَيْدٍ قَالَ‏:‏ ‏(‏لَمَّا نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏ ‏"‏إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، اشْتَدَّتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَشَقَّتْ مَشَقَّةً شَدِيدَةً، فَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ وَقَعَ فِي أَنْفُسِنَا شَيْءٌ لَمْ نَعْمَلْ بِهِ وَأَخَذَنَا اللَّهُ بِهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏فَلَعَلَّكُمْ تَقُولُونَ كَمَا قَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ‏:‏ ‏(‏سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ‏"‏‏!‏ قَالُوا‏:‏ بَلْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ‏!‏ قَالَ‏:‏ فَنَـزَلَ الْقُرْآنُ يُفَرِّجُهَا عَنْهُمْ‏:‏ ‏{‏آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏}‏، قَالَ‏:‏ فَصَيَّرَهُ إِلَى الْأَعْمَالِ، وَتَرَكَ مَا يَقَعُ فِي الْقُلُوبِ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ سَيَّارٍ عَنْ أَبِي الْحَكَمِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي بَعْدَهَا‏:‏ ‏{‏لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ «قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَوْمَ نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كَانُوا يُؤَاخِذُونَ بِمَا وَسْوَسَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ وَمَا عَمِلُوا، فَشَكَوَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا‏:‏ إِنْ عَمِلَ أَحَدُنَا وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ أُخِذْنَا بِهِ‏؟‏ وَاللَّهُ مَا نَمْلِكُ الْوَسْوَسَةَ‏!‏‏!‏ فَنَسَخَهَا اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي بَعْدُ بُقُولِهِ‏:‏ ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا‏}‏ الْآيَةَ، فَكَانَ حَدِيثُ النَّفْسِ مِمَّا لَمْ تُطِيقُوا‏)‏‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ أَنْ عَائِشَة أمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ‏:‏ نَسَخَتْهَا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏}‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ ‏(‏الْإِعْلَامُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِبَادَهُ أَنَّهُ مُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبَتْهُ أَيْدِيهِمْ وَعَمِلَتْهُ جَوَارِحُهُمْ، وَبِمَا حَدَّثَتْهُمْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ مِمَّا لَمْ يَعْمَلُوهُ ‏"‏ ‏"‏ هَذِهِ الْآيَةُ مَحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُحَاسِبٌ خَلْقَهُ عَلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ وَعَلَى مَا لَمْ يَعْمَلُوهُ مِمَّا أَسَرُّوهُ فِي أَنْفُسِهِمْ وَنَوَوْهُ وَأَرَادُوهُ، فَيَغْفِرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيُؤَاخِذُ بِهِ أَهْلَ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ‏"‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏، فَإِنَّهَا لَمْ تُنْسَخْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا جَمَعَ الْخَلَائِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏(‏إِنِّي أُخْبِرُكُمْ بِمَا أَخْفَيْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ مِمَّا لَمْ تَطَلَّعْ عَلَيْهِ مَلَائِكَتِي‏)‏، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَيُخْبِرُهُمْ وَيَغْفِرُ لَهُمْ مَا حَدَّثُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ يُخْبِرُكُمْ‏.‏ وَأَمَّا أَهْلُ الشَّكِّ وَالرَّيْبِ، فَيُخْبِرُهُمْ بِمَا أَخْفَوْا مِنَ التَّكْذِيبِ، وَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْبَقَرَةِ‏:‏ 225‏]‏، مِنَ الشَّكِّ وَالنِّفَاقِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏، فَذَلِكَ سِرُّ عَمَلِكُمْ وَعَلَانِيَتِهِ، يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ يُسِرُّ فِي نَفْسِهِ خَيْرًا لِيَعْمَلَ بِهِ، فَإِنْ عَمِلَ بِهِ كُتِبَتْ لَهُ بِهِ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَإِنْ هُوَ لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ كُتِبَتْ لَهُ بِهِ حَسَنَةٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، وَاللَّهُ يَرْضَى سِرَّ الْمُؤْمِنِينَ وَعَلَانِيَتِهِمْ‏.‏ وَإِنْ كَانَ سُوءًا حَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ، اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَخْبَرَهُ بِهِ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ، وَإِنْ هُوَ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ لَمْ يُؤَاخِذْهُ اللَّهُ بِهِ حَتَّى يَعْمَلَ بِهِ، فَإِنْ هُوَ عَمِلَ بِهِ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ، كَمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْأَحْقَافِ‏:‏ 16‏]‏‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ قَالَ أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏، الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏:‏ ‏(‏إِنْ كُتَّابِي لَمْ يَكْتُبُوا مِنْ أَعْمَالِكُمْ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا، فَأَمَّا مَا أَسْرَرْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ فَأَنَا أُحَاسِبُكُمْ بِهِ الْيَوْمَ، فَأَغْفِرُ لِمَنْ شِئْتُ وَأُعَذِّبُ مَنْ شِئْتُ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا بَيَانٌ عَنْ بِشْرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ‏:‏ إِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُسْمِعُ الْخَلَائِقَ‏:‏ ‏(‏إِنَّمَا كَانَ كُتَّابِي يَكْتُبُونَ عَلَيْكُمْ مَا ظَهَرَ مِنْكُمْ، فَإِمَّا مَا أَسْرَرْتُمْ فَلَمْ يَكُونُوا يَكْتُبُونَهُ وَلَا يُعْلِمُونَهُ، أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ كُلِّهِ مِنْكُمْ، فَأَغْفِرُ لِمَنْ شِئْتُ، وَأُعَذِّبُ مَنْ شِئْتُ‏"‏‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏)‏، كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ إِذَا دُعِيَ النَّاسُ لِلْحِسَابِ أُخْبِرَهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يُسِرُّونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا لَمْ يَعْمَلُوهُ فَيَقُولُ‏:‏ ‏(‏إِنَّهُ كَانَ لَا يَعْزُبُ عَنِّي شَيْءٌ، وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تُسِرُّونَ مِنَ السُّوءِ، وَلَمْ تَكُنْ حَفَظَتُكُمْ عَلَيْكُمْ مُطَّلِعِينَ عَلَيْهِ‏"‏‏.‏ فَهَذِهِ الْمُحَاسَبَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو تَمِيلَةَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَإِنَّ ‏{‏تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ هِيَ مُحْكَمَةٌ، لَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ يُعَرِّفُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏:‏ ‏(‏إِنَّكَ أَخْفَيْتَ فِي صَدْرِكَ كَذَا وَكَذَا ‏"‏‏!‏ لَا يُؤَاخِذُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ هِيَ مُحْكَمَةٌ لَمْ تُنْسَخْ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنَ الشَّكِّ وَالْيَقِينِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فِي الشَّكِّ وَالْيَقِينِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَتَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ‏:‏ وَإِنْ تَبْدُوَا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْأَعْمَالِ فَتَظْهَرُوهُ بِأَبْدَانِكُمْ وَجَوَارِحِكُمْ، أَوْ تُخْفُوهُ فَتُسِرُّوهُ فِي أَنْفُسِكُمْ، فَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِي، أُحَاسِبْكُمْ بِهِ، فَأَغْفِرُ كُلَّ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ، وَأُعَذِّبُ أَهْلَ الشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ فِي دِينِي‏.‏

وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا عَنْهُ الضَّحَّاكُ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْهُ، وَعَلَى مَا قَالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، فَإِنَّ تَأْوِيلَهَا‏:‏ إِنْ تُظْهِرُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَتَعْمَلُوهُ مِنَ الْمَعَاصِي، أَوْ تُضْمِرُوا إِرَادَتَهُ فِي أَنْفُسِكُمْ فَتُخْفُوهُ، يُعْلِمْكُمْ بِهِ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ مُجَاهِدٍ، فَشَبِيهٌ مَعْنَاهُ بِمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ‏:‏ ‏(‏هَذِهِ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ، وَهِيَ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ‏)‏، وَوَافَقُوا الَّذِينَ قَالُوا‏:‏ ‏(‏مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمَ عِبَادَهُ مَا هُوَ فَاعِلٌ بِهِمْ فِيمَا أَبْدَوْا وَأَخْفَوْا مِنْ أَعْمَالِهِمْ ‏"‏ مَعْنَاهَا‏:‏ إِنَّ اللَّهَ مُحَاسِبٌ جَمِيعَ خَلْقِهِ بِجَمِيعِ مَا أَبْدَوْا مِنْ سَيِّئِ أَعْمَالِهِمْ، وَجَمِيعِ مَا أَسَرُّوهُ، وَمُعَاقِبُهُمْ عَلَيْهِ‏.‏ غَيْرَ أَنَّ عُقُوبَتَهُ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا أَخْفَوْهُ مِمَّا لَمْ يَعْمَلُوهُ، مَا يَحْدُثُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمَصَائِبِ وَالْأُمُورِ الَّتِي يَحْزَنُونَ عَلَيْهَا وَيَأْلَمُونَ مِنْهَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏، الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ كَانَتْ عَائِشَة رضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ‏:‏ مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا، أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ مِثْلَ الَّذِي هَمَّ بِهِ مِنَ السَّيِّئَةِ فَلَمْ يَعْمَلْهَا، فَكَانَتْ كَفَّارَتُهُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَتْ عَائِشَة تقُولُ‏:‏ كُلُّ عَبْدٍ يَهُمُّ بِمَعْصِيَةٍ، أَوْ يُحَدِّثُ بِهَا نَفْسَهُ، حَاسَبَهُ اللَّهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، يَخَافُ وَيَحْزَنُ وَيَهْتَمُّ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو تَمِيلَةَ عَنْ عُبَيْدٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ‏:‏ قَالَتْ عَائِشَة في ذَلِكَ‏:‏ كُلُّ عَبْدٍ هَمَّ بِسُوءٍ وَمَعْصِيَةٍ، وَحَدَّثَ نَفْسَهُ بِهِ، حَاسَبَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا، يَخَافُ وَيَحْزَنُ وَيَشْتَدُّ هَمَّهُ، لَا يَنَالُهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، كَمَا هَمَّ بِالسُّوءِ وَلَمْ يَعْمَلْ مِنْهُ شَيْئًا‏.‏

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْأُمَيَّةَأَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَة عنْ هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏ ‏"‏ وَ ‏{‏مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ النِّسَاءِ‏:‏ 123‏]‏ فَقَالَتْ‏:‏ مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُذْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ‏:‏ يَا عَائِشَة، هَذِهِ مُتَابَعَةُ اللَّهِ الْعَبْدَ بِمَا يُصِيبُهُ مِنَ الْحُمَّى وَالنَّكْبَةِ وَالشَّوْكَةِ، حَتَّى الْبِضَاعَةُ يَضَعُهَا فِي كُمِّهِ فَيَفْقِدُهَا فَيَفْزَعُ لَهَا فَيَجِدُهَا فِي ضِبْنِهِ، حَتَّى إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ كَمَا يَخْرُجُ التِّبْرُ الْأَحْمَرُ مِنَ الْكِيرِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ ‏(‏إِنَّهَا مُحْكَمَةٌ، وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ‏"‏‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ فِي حُكْمٍ إِلَّا بِنَفْيِهِ بِآخَرَ، هُوَ لَهُ نَافٍ مِنْ كُلِّ وُجُوهِهِ‏.‏ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ‏:‏ ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏}‏، نَفْيُ الْحُكْمِ الَّذِي أَعْلَمَ عِبَادَهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏‏.‏ لِأَنَّ الْمُحَاسَبَةَ لَيْسَتْ بِمُوجِبَةٍ عُقُوبَةً، وَلَا مُؤَاخَذَةً بِمَا حُوسِبَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ مِنْ ذُنُوبِهِ‏.‏

وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الْمُجْرِمِينَ أَنَّهُمْ حِينَ تُعْرَضُ عَلَيْهِمْ كُتُبُ أَعْمَالِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُونَ‏:‏ ‏{‏يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْكَهْفِ‏:‏ 49‏]‏‏.‏ فَأَخْبَرَ أَنَّ كُتُبَهُمْ مُحْصِيَةٌ عَلَيْهِمْ صَغَائِرَ أَعْمَالِهِمْ وَكَبَائِرَهَا، فَلَمْ تَكُنِ الْكُتُبُ- وَإِنْ أَحْصَتْ صَغَائِرَ الذُّنُوبِ وَكَبَائِرَهَا- بِمُوجِبٍ إِحْصَاؤُهَا عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَهَّلِ الطَّاعَةِ لَهُ، أَنْ يَكُونُوا بِكُلِّ مَا أَحْصَتْهُ الْكُتُبُ مِنَ الذُّنُوبِ مُعَاقَبِينَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَهُمُ الْعَفْوَ عَنِ الصَّغَائِرِ بِاجْتِنَابِهِمُ الْكَبَائِرِ فَقَالَ فِي تَنْـزِيلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ النِّسَاءِ‏:‏ 31‏]‏‏.‏ فَذَلِكَ مُحَاسَبَةُ اللَّهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا هُوَ مُحَاسِبُهُمْ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي أَخْفَتْهَا أَنْفُسُهُمْ، غَيْرَ مُوجِبٍ لَهُمْ مِنْهُ عُقُوبَةً، بَلْ مُحَاسَبَتُهُ إِيَّاهُمْ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ- عَلَيْهَا، لِيُعَرِّفَهُمْ تَفَضُّلَهُ عَلَيْهِمْ بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا، كَمَا بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَبَرِ الَّذِي‏:‏-

حَدَّثَنِي بِهِ أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏يُدْنِي اللَّهُ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، فَيُقَرِّرُهُ بِسَيِّئَاتِهِ يَقُولُ‏:‏ هَلْ تَعْرِفُ‏؟‏ فَيَقُولُ‏:‏ نَعَمْ‏!‏ فَيَقُولُ‏:‏ سَتَرْتُهَا فِي الدُّنْيَا وَأَغْفِرُهَا الْيَوْمَ‏!‏ ثُمَّ يُظْهِرُ لَهُ حَسَنَاتَهُ فَيَقُولُ‏:‏ ‏{‏هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْحَاقَّةِ‏:‏ 19‏]‏ أَوْ كَمَا قَالَ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَإِنَّهُ يُنَادِي بِهِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ، وَهِشَامٍ وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ أَخْبَرَنَا هُشَامٌ قَالَا جَمِيعًا فِي حَدِيثِهِمَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ قَالَ‏:‏ ‏(‏بَيْنَمَا نَحْنُ نَطُوفُ بِالْبَيْتِ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ يَطُوفُ، إِذْ عَرَضَ لَهُ رَجُلٌ فَقَالَ‏:‏ يَا ابْنَ عُمَرَ، أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ يَدْنُو الْمُؤْمِنُ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ فَيَقُولُ‏:‏ ‏(‏هَلْ تَعْرِفُ كَذَا ‏"‏‏؟‏ فَيَقُولُ‏:‏ ‏(‏رَبِّ اغْفِرْ ‏"‏- مَرَّتَيْنِ- حَتَّى إِذَا بَلَّغَ بِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَبْلُغَ قَالَ‏:‏ ‏(‏فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ‏"‏‏.‏ قَالَ‏:‏ فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ- أَوْ‏:‏ كِتَابَهُ- بِيَمِينِهِ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيُنَادِي بِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ‏:‏ ‏{‏هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ‏}‏‏.‏ ‏[‏سُورَةُ هُودٍ‏:‏ 18‏]‏‏.‏

أَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ تَعْرِيفِهِ إِيَّاهُ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِهِ، حَتَّى يُعَرِّفَهُ تَفَضُّلَهُ عَلَيْهِ بِعَفْوِهِ لَهُ عَنْهَا‏.‏ فَكَذَلِكَ فِعْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي مُحَاسَبَتِهِ إِيَّاهُ بِمَا أَبْدَاهُ مِنْ نَفْسِهِ وَبِمَا أَخْفَاهُ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يَغْفِرُ لَهُ كُلَّ ذَلِكَ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ تَفَضُّلَهُ وَتَكَرُّمَهُ عَلَيْهِ، فَيَسْتُرُهُ عَلَيْهِ‏.‏ وَذَلِكَ هُوَ الْمَغْفِرَةُ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ‏"‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَإِنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏}‏، يُنْبِئُ عَنْ أَنَّجَمِيعَ الْخَلْقِ غَيْرُ مُؤَاخَذِينَ إِلَّا بِمَا كَسَبَتْهُ أَنْفُسُهُمْ مِنْ ذَنْبٍ، وَلَا مُثَابِينَ إِلَّا بِمَا كَسَبَتْهُ مِنْ خَيْرٍ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَغَيْرُ مُؤَاخَذٍ الْعَبْدُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِفِعْلِ مَا نُهِيَ عَنْ فِعْلِهِ، أَوْ تَرْكِ مَا أُمِرَ بِفِعْلِهِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَا مَعْنَى وَعِيدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّانَا عَلَى مَا أَخْفَتْهُ أَنْفُسُنَا بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ‏)‏، إِنْ كَانَ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ، وَمَا أَضْمَرَتْهُ قُلُوبُنَا وَأَخْفَتْهُ أَنْفُسُنَا-‏:‏ مِنْ هَمٍّ بِذَنْبٍ، أَوْ إِرَادَةٍ لِمَعْصِيَةٍ- لَمْ تَكْتَسِبْهُ جَوَارِحُنَا‏؟‏

قِيلَ لَهُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ لَهُمْ عَمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا هَمَّ بِهِ أَحَدُهُمْ مِنَ الْمَعَاصِي فَلَمْ يَفْعَلْهُ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وَعْدِهِ إِيَّاهُمُ الْعَفْوَ عَنْ صَغَائِرِ ذُنُوبِهِمْ إِذَا هُمُ اجْتَنَبُوا كَبَائِرَهَا، وَإِنَّمَا الْوَعِيدُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ‏)‏، عَلَى مَا أَخْفَتْهُ نُفُوسُ الَّذِينَ كَانَتْ أَنْفُسُهُمْ تُخْفِي الشَّكَّ فِي اللَّهِ، وَالْمِرْيَةَ فِي وَحْدَانِيَّتِهِ، أَوْ فِي نُبُوَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَوْ فِي الْمَعَادِ وَالْبَعْثِ- مِنَ الْمُنَافِقِينَ، عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ، وَمَنْ قَالَ بِمِثْلِ قَوْلِهِمَا إِنَّ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏، عَلَى الشَّكِّ وَالْيَقِينِ‏.‏

غَيْرَ أَنَا نَقُولُ إِنَّ الْمُتَوَعَّدَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ‏}‏، هُوَ مَنْ كَانَ إِخْفَاءُ نَفْسِهِ مَا تُخْفِيهِ الشَّكَّ وَالْمِرْيَةَ فِي اللَّهِ، وَفِيمَا يَكُونُ الشَّكُّ فِيهِ بِاللَّهِ كُفْرًا وَالْمَوْعُودُ الْغُفْرَانُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ‏}‏ ‏"‏ هُوَ الَّذِي إِخْفَاءُ مَا يُخْفِيهِ الْهِمَّةَ بِالتَّقَدُّمِ عَلَى بَعْضِ مَا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي كَانَ جَائِزًا ابْتِدَاءً تَحْلِيلُهُ وَإِبَاحَتُهُ، فَحَرَّمَهُ عَلَى خَلْقِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَوْ عَلَى تَرْكِ بَعْضِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِفِعْلِهِ، مِمَّا كَانَ جَائِزًا ابْتِدَاءً إِبَاحَةُ تَرْكِهِ، فَأَوْجَبَ فِعْلَهُ عَلَى خَلْقِهِ‏.‏ فَإِنَّ الَّذِي يَهُمُّ بِذَلِكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- إِذَا هُوَ لَمْ يُصَحِّحُ هَمَّهُ بِمَا يَهُمُّ بِهِ، وَيُحَقِّقُ مَا أَخْفَتْهُ نَفْسُهُ مِنْ ذَلِكَ بِالتَّقَدُّمِ عَلَيْهِ- لَمْ يَكُنْ مَأْخُوذًا بِهِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏

‏(‏مَنْهَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَاكُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، وَمَنْهَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَالَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ ‏"‏‏)‏‏.‏

فَهَذَا الَّذِي وَصَفْنَا هُوَ الَّذِي يُحَاسِبُ اللَّهُ بِهِ مُؤْمِنِي عِبَادِهِ، ثُمَّ لَا يُعَاقِبُهُمْ عَلَيْهِ‏.‏ فَأَمَّا مَنْ كَانَ مَا أَخْفَتْهُ نَفْسُهُ شَكًّا فِي اللَّهِ وَارْتِيَابًا فِي نُبُوَّةِ أَنْبِيَائِهِ، فَذَلِكَ هُوَ الْهَالِكُ الْمُخَلَّدُ فِي النَّارِ الَّذِي أَوْعَدَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذَا‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ‏}‏، أَيُّهَا النَّاسُ، فَتُظْهِرُوهُ ‏{‏أَوْ تُخْفُوهُ‏}‏، فَتَنْطَوِي عَلَيْهِ نُفُوسُكُمْ ‏{‏يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏، فَيُعَرِّفُ مُؤْمِنَكُمْ تَفَضُّلَهُ بِعَفْوِهِ عَنْهُ وَمَغْفِرَتِهِ لَهُ فَيَغْفِرُهُ لَهُ، وَيُعَذِّبُ مُنَافِقَكُمْ عَلَى الشَّكِّ الَّذِي انْطَوَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي وَحْدَانِيَّةِ خَالِقِهِ وَنُبُوَّةِ أَنْبِيَائِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏284‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏ ‏[‏284‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعَفْوِ عَمَّا أَخْفَتْهُ نَفْسُ هَذَا الْمُؤْمِنِ مِنَ الْهِمَّةِ بِالْخَطِيئَةِ، وَعَلَى عِقَابِ هَذَا الْكَافِرِ عَلَى مَا أَخْفَتْهُ نَفْسُهُ مِنَ الشَّكِّ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنُبُوَّةِ أَنْبِيَائِهِ، وَمُجَازَاةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى كُلِّ مَا كَانَ مِنْهُ، وَعَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ قَادِرٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏285‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ صِدْقَ الرَّسُولِ يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقَرَّ ‏{‏بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ بِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ مِنَ الْكِتَابِ، وَمَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ وَحَرَامٍ، وَوَعْدٍ وَعِيدٍ، وَأَمْرٍ وَنَهْيٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ مَا فِيهِ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي حَوَاهَا‏.‏

وَذُكِرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَيْهِ قَالَ‏:‏ يَحِقُّ لَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ‏}‏، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ‏:‏ وَيَحِقُّ لَهُ أَنْ يُؤْمِنَ‏.‏

وَقَدْ قِيلَ‏:‏ إِنَّهَا نَـزَلَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏، لِأَنَّ «الْمُؤْمِنِينَ بِرَسُولِ اللَّهِ مِنْ أَصْحَابِهِ شَقَّ عَلَيْهِمْ مَا تَوَعَّدَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ مُحَاسَبَتِهِمْ عَلَى مَا أَخْفَتْهُ نُفُوسُهُمْ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَعَلَّكُمْ تَقُولُونَ‏:‏ ‏(‏سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ‏"‏ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ‏!‏ فَقَالُوا‏:‏ بَلْ نَقُولُ‏:‏ ‏(‏سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ‏"‏‏!‏ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ لِذَلِكَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلِ أَصْحَابِهِ‏:‏ ‏{‏آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ‏}‏»‏)‏، يَقُولُ‏:‏ وَصَدَّقَ الْمُؤْمِنُونَ أَيْضًا مَعَ نَبِيِّهِمْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، الْآيَتَيْنِ‏.‏ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَائِلِي ذَلِكَ قَبْلُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَكُتُبِهِ‏"‏‏.‏

فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ ‏(‏وَكُتُبِهِ‏)‏ عَلَى وَجْهِ جَمْعِ ‏"‏ الْكِتَابِ‏)‏، عَلَى مَعْنَى‏:‏ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَجَمِيعِ كُتُبِهِ الَّتِي أَنْـزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ قَرَأَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ‏:‏ ‏(‏وَكِتَابِهِ‏)‏، بِمَعْنَى‏:‏ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَبِالْقُرْآنِ الَّذِي أَنْـزِلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ‏:‏ ‏(‏وَكِتَابِهِ‏)‏، وَيَقُولُ‏:‏ الْكِتَابُ أَكْثَرُ مِنَ الْكُتُبِ‏.‏ وَكَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يُوَجِّهُ تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى نَحْوِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْعَصْرِ‏:‏ 2‏]‏، بِمَعْنَى جِنْسِ ‏"‏النَّاس‏"‏ وَجِنْسِ ‏"‏الْكِتَابِ‏)‏، كَمَا يُقَالُ‏:‏ ‏(‏مَا أَكْثَرَ دِرْهَمَ فُلَانٍ وَدِينَارَهُ‏)‏، وَيُرَادُ بِهِ جِنْسُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ‏.‏ وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَذْهَبًا مِنَ الْمَذَاهِبِ مَعْرُوفًا، فَإِنَّ الَّذِي هُوَ أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقْرَأَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ الَّذِي قَبْلَهُ جَمْعٌ، وَالَّذِي بَعْدَهُ كَذَلِكَ- أَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ ‏{‏وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ‏}‏- فَإِلْحَاقُ ‏"‏الْكُتُب‏"‏ فِي الْجَمْعِ لَفْظًا بِهِ، أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْ تَوْحِيدِهِ وَإِخْرَاجِهِ فِي اللَّفْظِ بِهِ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ، لِيَكُونَ لَاحِقًا فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِلَفْظِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَبِمَعْنَاهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏285‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ‏}‏، فَإِنَّهُ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ‏.‏ فَفِي الْكَلَامِ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ‏}‏ ‏"‏بِالنُّونِ، مَتْرُوكٌ، قَدِ اسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَنْهُ‏.‏ وَذَلِكَ الْمَتْرُوكُ هُو‏"‏ يَقُولُونَ‏"‏‏.‏ وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، يَقُولُونَ‏:‏ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ‏.‏ وَتَرَكَ ذِكْرَ ‏"‏يَقُولُون‏"‏ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، كَمَا تَرَكَ ذِكْرَهُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الرَّعْدِ‏:‏ 24‏]‏، بِمَعْنَى‏:‏ يَقُولُونَ‏:‏ سَلَامٌ‏.‏

وَقَدْ قَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ‏:‏ ‏{‏لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ‏}‏ بـِ ‏"‏ الْيَاءِ‏)‏، بِمَعْنَى‏:‏ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، لَا يُفَرِّقُ الْكُلُّ مِنْهُمْ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، فَيُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَيَكْفُرُ بِبَعْضٍ، وَلَكِنَّهُمْ يُصَدِّقُونَ بِجَمِيعِهِمْ، وَيُقِرُّونَ أَنَّ مَا جَاءُوا بِهِ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّهُمْ دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَإِلَى طَاعَتِهِ، وَيُخَالِفُونَ فِي فِعْلِهِمْ ذَلِكَ الْيَهُودَ الَّذِينَ أَقَرُّوا بِمُوسَى وَكَذَّبُوا عِيسَى، وَالنَّصَارَى الَّذِينَ أَقَرُّوا بِمُوسَى وَعِيسَى وَكَذَّبُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَحَدُوا نُبُوَّتَهُ، وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بَعْضَ رُسُلِ اللَّهِ، وَأَقَرُّوا بِبَعْضِهِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ ‏{‏لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ‏}‏، كَمَا صَنَعَ الْقَوْمُ- يَعْنِي بَنِي إِسْرَائِيلَ- قَالُوا‏:‏ فُلَانٌ نَبِيٌّ، وَفُلَانٌ لَيْسَ نَبِيًّا، وَفُلَانٌ نُؤْمِنُ بِهِ، وَفُلَانٌ لَا نُؤْمِنُ بِهِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا نَسْتَجِيزُ غَيْرَهَا فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالنُّونِ‏:‏ ‏{‏لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ‏}‏، لِأَنَّهَا الْقِرَاءَةُ الَّتِي قَامَتْ حُجَّتُهَا بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ الَّذِي يَمْتَنِعُ مَعَهُ التَّشَاعُرُ وَالتَّوَاطُؤُ وَالسَّهْوُ وَالْغَلَطُ بِمَعْنَى مَا وَصَفْنَا مِنْ‏:‏ يَقُولُونَ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَلَا يُعْتَرَضُ بِشَاذٍّ مِنَ الْقِرَاءَةِ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْحُجَّةُ نَقْلًا وَوِرَاثَةً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏285‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ‏}‏ ‏[‏285‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَقَالَ الْكُلُّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏:‏ ‏(‏سَمِعْنَا ‏"‏قَوْلَ رَبِّنَا وَأَمْرَهُ إِيَّانَا بِمَا أَمَرَنَا بِهِ، وَنَهْيَهُ عَمَّا نَهَانَا عَنْه‏"‏ وَأَطَعْنَا‏)‏، يَعْنِي‏:‏ أَطَعْنَا رَبَّنَا فِيمَا أَلْزَمَنَا مِنْ فَرَائِضِهِ، وَاسْتَعْبَدَنَا بِهِ مِنْ طَاعَتِهِ، وَسَلَّمْنَا لَهُ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏غُفْرَانَكَ رَبَّنَا‏)‏، يَعْنِي‏:‏ وَقَالُوا‏:‏ ‏{‏غُفْرَانَكَ رَبَّنَا‏}‏، بِمَعْنَى‏:‏ اغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا غُفْرَانَكَ، كَمَا يُقَالُ‏:‏ ‏(‏سُبْحَانَكَ‏)‏، بِمَعْنَى‏:‏ نُسَبِّحُكَ سُبْحَانَكَ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ ‏"‏الْغُفْرَان‏"‏ وَ‏"‏ الْمَغْفِرَةَ‏)‏، السِّتْرُ مِنَ اللَّهِ عَلَى ذُنُوبِ مَنْ غَفَرَ لَهُ، وَصَفْحُهُ لَهُ عَنْ هَتْكِ سِتْرِهِ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَعَفْوُهُ عَنِ الْعُقُوبَةِ- عَلَيْهِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِلَيْكَ ‏"‏ الْمَصِيرُ‏)‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ وَإِلَيْكَ يَا رَبَّنَا مَرْجِعُنَا وَمَعَادُنَا، فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ‏:‏ فَمَا الَّذِي نَصَبَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏(‏غُفْرَانَكَ ‏"‏‏؟‏

قِيلَ لَهُ‏:‏ وُقُوعُهُ وَهُوَ مَصْدَرٌ مَوْقِعَ الْأَمْرِ‏.‏ وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ بِالْمَصَادِرِ وَالْأَسْمَاءِ إِذَا حَلَّتْ مَحَلَّ الْأَمْرِ، وَأَدَّتْ عَنْ مَعْنَى الْأَمْرِ نَصَبَتْهَا، فَيَقُولُونَ‏:‏ ‏(‏شُكْرًا لِلَّهِ يَا فُلَانُ‏)‏، وَ‏"‏ حَمْدًا لَهُ‏)‏، بِمَعْنَى‏:‏ اشْكُرِ اللَّهَ وَاحْمَدْهُ‏.‏ ‏"‏وَالصَّلَاةَ، الصَّلَاةَ ‏"‏ بِمَعْنَى صَلُّوْا‏.‏ وَيَقُولُونَ فِي الْأَسْمَاءِ‏:‏ ‏(‏اللَّهَ اللَّهَ يَا قَوْمُ‏)‏، وَلَوْ رُفِعَ بِمَعْنَى هُوَ اللَّهُ، أَوْ هَذَا اللَّهُ- وَوُجِّهَ إِلَى الْخَبَرِ وَفِيهِ تَأْوِيلُ الْأَمْرِ كَانَ جَائِزًا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

إِنَّ قَوْمًـا مِنْهُـمْ عُمَـيْرٍ وَأَشْـبَا *** هُ عُمَـيْرٍ وَمِنْهُـمُ السَّـفَّاحُ

لَجَـدِيرُونَ بِالْوَفَـاءِ إِذَا قَـا *** لَ أَخُـو النَّجْـدَةِ‏:‏ السِّـلَاحُ السِّلَاحُ

وَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏غُفْرَانَكَ رَبَّنَا ‏"‏ جَاءَ رَفْعًا فِي الْقِرَاءَةِ، لَمْ يَكُنْ خَطَأً، بَلْ كَانَ صَوَابًا عَلَى مَا وَصَفْنَا‏.‏

وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ «لَمَّا نَـزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَنَاءً مِنْ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ، قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إِنِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَّتِكَ الثَّنَاءَ، فَسَلْ رَبَّكَ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ بَيَانٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ‏:‏ ‏(‏لَمَّا أُنْـزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمْعَنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ‏}‏، قَالَ جِبْرِيلُ‏:‏ إِنِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْكَ، وَعَلَى أُمَّتِكَ، فَسَلْ تُعْطَهُ‏!‏ فَسَأَلَ‏:‏ ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا‏}‏ ‏"‏ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ‏)‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏286‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا فَيَتَعَبَّدَهَا إِلَّا بِمَا يَسَعُهَا، فَلَا يُضَيِّقُ عَلَيْهَا وَلَا يُجْهِدُهَا‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْلُ أَنَّ ‏"‏الْوُسْع‏"‏ اسْمٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ ‏(‏وَسِعَنِي هَذَا الْأَمْرُ‏)‏، مِثْلَ ‏"‏الْجُهْد‏"‏ وَ‏"‏ الْوَجْدِ ‏"‏مِنْ‏:‏ ‏(‏جَهَدَنِي هَذَا الْأَمْر‏"‏ وَ‏"‏ وَجَدْتُ مِنْهُ‏)‏، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا‏}‏ ‏"‏ قَالَ‏:‏ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَمْرَ دِينِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْحَجِّ‏:‏ 78‏]‏، وَقَالَ‏:‏ ‏{‏يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْبَقَرَةِ‏:‏ 185‏]‏، وَقَالَ‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ التَّغَابُنِ‏:‏ 16‏]‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَـزَلَتْ، ضَجَّ الْمُؤْمِنُونَ مِنْهَا ضَجَّةً وَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَتُوبُ مِنْ عَمَلِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَاللِّسَانِ‏!‏ كَيْفَ نَتُوبُ مِنَ الْوَسْوَسَةِ‏؟‏ كَيْفَ نَمْتَنِعُ مِنْهَا‏؟‏ فَجَاءَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا‏}‏، إِنَّكُمْ لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَمْتَنِعُوا مِنَ الْوَسْوَسَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا‏}‏، وُسْعُهَا طَاقَتُهَا‏.‏ وَكَانَ حَدِيثُ النَّفْسِ مِمَّا لَمْ يُطِيقُوا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏286‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏(‏لَهَا ‏"‏لِلنَّفْسِ الَّتِي أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُهَا إِلَّا وُسْعُهَا‏.‏ يَقُولُ‏:‏ لِكُلِّ نَفْسٍ مَا اجْتَرَحَتْ وَعَمِلَتْ مِنْ خَيْر‏"‏ وَعَلَيْهَا‏)‏، يَعْنِي‏:‏ وَعَلَى كُلِّ نَفْسٍ ‏"‏ مَا اكْتَسَبَتْ‏)‏، مَا عَمِلَتْ مِنْ شَرٍّ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ‏}‏، أَيْ‏:‏ مِنْ خَيْرٍ ‏"‏ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏)‏، أَيْ‏:‏ مِنْ شَرٍّ- أَوْ قَالَ‏:‏ مِنْ سُوءٍ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ‏.‏ عَنِ السُّدِّيِّ‏.‏ ‏{‏لَهَا مَا كَسَبَتْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ ‏"‏ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ وَعَلَيْهَا مَا عَمِلَتْ مِنْ شَرٍّ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏}‏، عَمَلُ الْيَدِ وَالرِّجُلِ وَاللِّسَانِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذًا‏:‏ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا يَسَعُهَا فَلَا يُجْهِدُهَا، وَلَا يُضَيِّقُ عَلَيْهَا فِي أَمْرِ دِينِهَا، فَيُؤَاخِذُهَا بِهِمَّةٍ إِنْ هَمَّتْ، وَلَا بِوَسْوَسَةٍ إِنْ عَرَضَتْ لَهَا، وَلَا بِخَطِرَةٍ إِنْ خَطَرَتْ بِقَلْبِهَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏286‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَاتَعْلِيمٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ دُعَاءَهُكَيْفَ يَدْعُونَهُ، وَمَا يَقُولُونَهُ فِي دُعَائِهِمْ إِيَّاهُ‏.‏ وَمَعْنَاهُ‏:‏ قُولُوا‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا‏}‏ ‏"‏شَيْئًا فَرَضْتَ عَلَيْنَا عَمَلَهُ فَلَمْ نَعْمَلْهُ، ‏"‏ أَوْ أَخْطَأَنَا ‏"‏ فِي فِعْلِ شَيْءٍ نَهَيْتَنَا عَنْ فِعْلِهِ فَفَعَلْنَاهُ، عَلَى غَيْرِ قَصْدٍ مِنَّا إِلَى مَعْصِيَتِكَ، وَلَكِنْ عَلَى جَهَالَةٍ مِنَّا بِهِ وَخَطَأٍ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذُنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏)‏، إِنْ نَسِينَا شَيْئًا مِمَّا افْتَرَضْتَهُ عَلَيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا، ‏[‏فَأَصَبْنَا‏]‏ شَيْئًا مِمَّا حَرَّمْتَهُ عَلَيْنَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏، قَالَ‏:‏ بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَنْ نِسْيَانِهَا وَمَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا‏.‏

«حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ قَالَ زَعَمَ السُّدِّي» أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ حِينَ نَـزَلَتْ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏، قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ فَقُلْ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ إِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ‏:‏ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُؤَاخِذَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِبَادَهُ بِمَا نَسُوا أَوْ أَخْطَئُوا، فَيَسْأَلُوهُ أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُمْ بِذَلِكَ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ إِنَّ ‏"‏النِّسْيَانَ ‏"‏ عَلَى وَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا عَلَى وَجْهِ التَّضْيِيعِ مِنَ الْعَبْدِ وَالتَّفْرِيطِ، وَالْآخِرِ عَلَى وَجْهِ عَجْزِ النَّاسِي عَنْ حِفْظِ مَا اسْتَحْفَظَ وَوُكِّلَ بِهِ، وَضَعْفِ عَقْلِهِ عَنِ احْتِمَالِهِ‏.‏

فَأَمَّا الَّذِي يَكُونُ مِنَ الْعَبْدِ عَلَى وَجْهِ التَّضْيِيعِ مِنْهُ وَالتَّفْرِيطِ، فَهُوَ تَرْكٌ مِنْهُ لِمَا أُمِرَ بِفِعْلِهِ‏.‏ فَذَلِكَ الَّذِي يُرَغِّبُ الْعَبْدَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي تَرْكِهِ مُؤَاخَذَتَهُ بِهِ، وَهُوَ ‏"‏النِّسْيَان‏"‏ الَّذِي عَاقَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ طَهَ‏:‏ 115‏]‏، وَهُوَ ‏"‏النِّسْيَان‏"‏ الَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْأَعْرَافِ‏:‏ 51‏]‏‏.‏ فَرَغْبَةُ الْعَبْدِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏، فِيمَا كَانَ مِنْ نِسْيَانٍ مِنْهُ لِمَا أُمِرَ بِفِعْلِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي وَصَفْنَا، مَا لَمْ يَكُنْ تَرْكُهُ مَا تَرَكَ مِنْ ذَلِكَ تَفْرِيطًا مِنْهُ فِيهِ وَتَضْيِيعًا كُفْرًا بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏ فَإِنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كُفْرًا بِاللَّهِ، فَإِنَّ الرَّغْبَةَ إِلَى اللَّهِ فِي تَرْكِهِ الْمُؤَاخَذَةَ بِهِ غَيْرُ جَائِزَةٍ، لِأَنَّاللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَخْبَرَ عِبَادَهُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ لَهُمُ الشِّرْكَ بِهِ، فَمَسْأَلَتُهُ فِعْلَ مَا قَدْ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ خَطَأٌ‏.‏ وَإِنَّمَا تَكُونُ مَسْأَلَتُهُ الْمَغْفِرَةَ فِيمَا كَانَ مِنْ مِثْلِ نِسْيَانِهِ الْقُرْآنَ بَعْدَ حِفْظِهِ بِتَشَاغُلِهِ عَنْهُ وَعَنْ قِرَاءَتِهِ، وَمِثْلَ نِسْيَانِهِ صَلَاةً أَوْ صِيَامًا بِاشْتِغَالِهِ عَنْهُمَا بِغَيْرِهِمَا حَتَّى ضَيَّعَهُمَا‏.‏

وَأَمَّا الَّذِي الْعَبْدُ بِهِ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ لِعَجْزِ بِنْيَتِهِ عَنْ حِفْظِهِ، وَقِلَّةِ احْتِمَالِ عَقْلِهِ مَا وُكِّلَ بِمُرَاعَاتِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْعَبْدِ غَيْرُ مَعْصِيَةٍ، وَهُوَ بِهِ غَيْرُ آثِمٍ، فَذَلِكَ الَّذِي لَا وَجْهَ لِمَسْأَلَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ لَهُ، لِأَنَّهُ مَسْأَلَةٌ مِنْهُ لَهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ مَا لَيْسَ لَهُ بِذَنْبٍ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَمْرِ يَغْلِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ حَرِيصٌ عَلَى تَذَكُّرِهِ وَحِفْظِهِ، كَالرَّجُلِ يَحْرِصُ عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ بِجِدٍّ مِنْهُ فَيَقْرَأُهُ، ثُمَّ يَنْسَاهُ بِغَيْرِ تَشَاغُلٍ مِنْهُ بِغَيْرِهِ عَنْهُ، وَلَكِنْ بِعَجْزِ بِنْيَتِهِ عَنْ حِفْظِهِ، وَقِلَّةِ احْتِمَالِ عَقْلِهِ ذِكْرَ مَا أَوْدَعَ قَلْبَهُ مِنْهُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ النِّسْيَانِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا تَجُوزُ مَسْأَلَةُ الرَّبِّ مَغْفِرَتَهُ، لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ لِلْعَبْدِ فِيهِ فَيَغْفِرُ لَهُ بِاكْتِسَابِهِ‏.‏

وَكَذَلِكَ ‏"‏الْخَطَأُ ‏"‏ وَجْهَانِ‏:‏

أَحَدُهُمَا‏:‏ مِنْ وَجْهِ مَا نُهِيَ عَنْهُ الْعَبْدُ فَيَأْتِيهِ بِقَصْدٍ مِنْهُ وَإِرَادَةٍ، فَذَلِكَ خَطَأٌ مِنْهُ، وَهُوَ بِهِ مَأْخُوذٌ‏.‏ يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏(‏خُطِّئَ فُلَانٌ وَأَخْطَأَ ‏"‏ فِيمَا أَتَى مِنَ الْفِعْلِ، وَ‏"‏ أَثِمَ‏)‏، إِذَا أَتَى مَا يَأْثَمُ فِيهِ وَرَكِبَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

النَّـاسُ يَلْحَـوْنَ الْأَمِـيرِ إِذَا هُـمُ *** خَـطِئُوا الصَّـوَابَ وَلَا يُـلَامُ الْمُرْشَدُ

يَعْنِي‏:‏ أَخْطَئُوا الصَّوَابَ، وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي يُرَغِّبُ الْعَبْدَ إِلَى رَبِّهِ فِي صَفْحِ مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ إِثْمٍ عَنْهُ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ كُفْرًا‏.‏

وَالْآخَرُ مِنْهُمَا‏:‏ مَا كَانَ عَنْهُ عَلَى وَجْهِ الْجَهْلِ بِهِ، وَالظَّنِّ مِنْهُ بِأَنَّ لَهُ فِعْلَهُ كَالَّذِي يَأْكُلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلًا وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ أَوْ يُؤَخِّرْ صَلَاةً فِي يَوْمِ غَيْمٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ بِتَأْخِيرِهِ إِيَّاهَا دُخُولَ وَقْتِهَا، فَيَخْرُجُ وَقْتَهَا وَهُوَ يَرَى أَنَّ وَقْتَهَا لَمْ يَدْخُلْ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْخَطَأِ الْمَوْضُوعِ عَنِ الْعَبْدِ الَّذِي وَضَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ عِبَادِهِ الْإِثْمَ فِيهِ، فَلَا وَجْهَ لِمَسْأَلَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ بِهِ‏.‏

وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْعَبْدِ رَبَّهُ أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ بِمَا نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ، إِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ مِنْهُ لِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أَوْ لِمَا نَدَبَهُ إِلَيْهِ مِنَ التَّذَلُّلِ لَهُ وَالْخُضُوعِ بِالْمَسْأَلَةِ، فَأَمَّا عَلَى وَجْهِ مَسْأَلَتِهِ الصَّفْحَ، فَمَا لَا وَجْهَ لَهُ عِنْدَهُمْ

وَلِلْبَيَانِ عَنْ هَؤُلَاءِ كِتَابٌ سَنَأْتِي فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏286‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَيَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ قُولُوا‏:‏ ‏(‏رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا‏)‏، يَعْنِي بِـ ‏"‏الْإِصْر‏"‏ الْعَهْدَ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي‏}‏ ‏[‏سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 81‏]‏‏.‏ وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا‏}‏ وَلَا تَحْمِلُ عَلَيْنَا عَهْدًا فَنَعْجِزُ عَنِ الْقِيَامِ بِهِ وَلَا نَسْتَطِيعُهُ ‏{‏كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا‏}‏، يَعْنِي‏:‏ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ كُلِّفُوا أَعْمَالًا وَأُخِذَتْ عُهُودُهُمْ وَمَوَاثِيقُهُمْ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا، فَلَمْ يَقُومُوا بِهَا فَعُوجِلُوا بِالْعُقُوبَةِ‏.‏ فَعَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّغْبَةَ إِلَيْهِ بِمَسْأَلَتِهِ أَنْ لَا يُحَمِّلَهُمْ مِنْ عُهُودِهِ وَمَوَاثِيقِهِ عَلَى أَعْمَالٍ- إِنْ ضَيَّعُوهَا أَوْ أَخْطَئُوا فِيهَا أَوْ نَسُوهَا- مِثْلَ الَّذِي حَمَّلَ مَنْ قَبْلَهُمْ، فَيُحِلُّ بِهِمْ بِخَطَئِهِمْ فِيهِ وَتَضْيِيعِهِمْ إِيَّاهُ مِثْلَ الَّذِي أَحَلَّ بِمَنْ قَبْلَهُمْ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا عَهْدًا وَمِيثَاقًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا‏.‏ يَقُولُ‏:‏ كَمَا غُلِّظَ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُوسَى بْنِ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا‏)‏، قَالَ‏:‏ عَهْدًا

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏إِصْرًا‏)‏، قَالَ‏:‏ عَهْدًا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏إِصْرًا‏)‏، يَقُولُ‏:‏ عَهْدًا‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا‏}‏، وَالْإِصْرُ‏:‏ الْعَهْدُ الَّذِي كَانَ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا مِنَ الْيَهُودِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا‏}‏، قَالَ‏:‏ عَهْدًا لَا نُطِيقُهُ وَلَا نَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ بِهِ ‏{‏كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا‏}‏، الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فِلَمْ يَقُومُوا بِهِ فَأَهْلَكْتَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ قَالَ أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ‏:‏ ‏(‏إِصْرًا‏)‏، قَالَ‏:‏ الْمَوَاثِيقُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏(‏الْإِصْرُ‏)‏، الْعَهْدُ‏.‏ ‏{‏وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي‏}‏ ‏[‏سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ‏]‏، قَالَ‏:‏ عَهْدِي‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي‏}‏، قَالَ‏:‏ عَهْدِي‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ ‏(‏مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا ذُنُوبًا وَإِثْمًا كَمَا حَمَلْتَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا مِنَ الْأُمَمِ فَتَمْسَخَنَا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ كَمَا مَسَخْتَهُمْ‏"‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السُّكُونِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَارُونَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا تَمْسَخْنَا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا‏}‏، لَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا ذَنَبًا لَيْسَ فِيهِ تَوْبَةً وَلَا كَفَّارَةً‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ ‏(‏مَعْنَى ‏"‏الْإِصْر‏"‏ بِكَسْرِ الْأَلِفِ‏:‏ الثِّقْلِ‏"‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ التَّشْدِيدُ الَّذِي شَدَّدَتَّهُ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ سَأَلْتُهُ – يَعْنِي مَالِكًا- عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا‏}‏، قَالَ‏:‏ الْإِصْرُ، الْأَمْرُ الْغَلِيظُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَأَمَّا ‏"‏ الْأَصْرُ‏)‏، بِفَتْحِ الْأَلِفِ‏:‏ فَهُوَ مَا عَطَفَ الرَّجُلُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ رَحِمٍ أَوْ قُرَابَةٍ، يُقَالُ‏:‏ ‏(‏أَصَرَتْنِي رَحِمٌ بَيْنِي وَبَيْنَ فُلَانٍ عَلَيْهِ‏)‏، بِمَعْنَى‏:‏ عَطَفَتْنِي عَلَيْهِ‏.‏ ‏"‏وَمَا يَأْصِرُنِي عَلَيْهِ‏)‏، أَيْ‏:‏ مَا يَعْطِفُنِي عَلَيْهِ‏.‏ ‏"‏وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ آصِرَةٌ رَحِمٌ تَأْصِرُنِي عَلَيْهِ أَصْرًا‏)‏، يَعْنِي بِهِ‏:‏ عَاطِفَةَ رَحِمٍ تَعْطِفُنِي عَلَيْهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏286‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَقُولُوا أَيْضًا‏:‏ رَبَّنَا لَا تُكَلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا لَا نُطِيقُ الْقِيَامَ بِهِ، لِثِقَلِ حَمْلِهِ عَلَيْنَا‏.‏

وَكَذَلِكَ كَانَتْ جَمَاعَةُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ يَتَأَوَّلُونَهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ‏}‏، تَشْدِيدٌ يُشَدِّدُ بِهِ، كَمَا شَدَّدَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ قَالَ أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ قَوْلَهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا ‏{‏تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا تُحَمِّلْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا لَا نُطِيقُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ‏}‏، لَا تَفْتَرَضْ عَلَيْنَا مِنَ الدِّينِ مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ فَنَعْجِزُ عَنْهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ‏}‏، مَسْخُ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ‏.‏

حَدَّثَنِي سَلَامُ بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُوخِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ بْنِ شَابُورَ عَنْ سَالِمِ بْنِ شَابُورَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْغُلْمَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ‏}‏، مِنَ التَّغْلِيظِ وَالْأَغْلَالِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ مِنَ التَّحْرِيمِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ‏:‏ وَلَا تُكَلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا لَا نُطِيقُ الْقِيَامَ بِهِ، عَلَى نَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ عَقِيبُ مَسْأَلَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُمْ إِنْ نَسُوا أَوْ أَخْطَئُوا، وَأَنْ لَا يَحْمِلَ عَلَيْهِمْ إِصْرًا كَمَا حَمَلَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، فَكَانَ إِلْحَاقُ ذَلِكَ بِمَعْنَى مَا قَبْلَهُ مِنْ مَسْأَلَتِهِمُ التَّيْسِيرَ فِي الدِّينِ أَوْلَى مِمَّا خَالَفَ ذَلِكَ الْمَعْنَى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏286‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَفِي هَذَا أَيْضًا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَبَرًا عَنِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ تَيْسِيرَ فَرَائِضِهِ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ‏}‏، لِأَنَّهُمْ عَقَّبُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ‏:‏ ‏{‏وَاعْفُ عَنَّا‏}‏، مَسْأَلَةً مِنْهُمْ رَبَّهُمْ أَنْ يَعْفُوَ لَهُمْ عَنْ تَقْصِيرٍ إِنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ، فَيَصْفَحُ لَهُمْ عَنْهُ وَلَا يُعَاقِبُهُمْ عَلَيْهِ‏.‏ وَإِنْ خَفَّ مَا كَلَّفَهُمْ مِنْ فَرَائِضِهِ عَلَى أَبْدَانِهِمْ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاعْفُ عَنَّا‏}‏، قَالَ‏:‏ اعْفُ عَنَّا إِنَّ قَصَّرْنَا عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِكَ مِمَّا أَمَرْتَنَا بِهِ‏.‏

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَاغْفِرْ لَنَا‏}‏، يَعْنِي‏:‏ وَاسْتُرْ عَلَيْنَا زَلَّةً إِنْ أَتَيْنَاهَا فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، فَلَا تَكْشِفْهَا وَلَا تَفْضَحْنَا بِإِظْهَارِهَا‏.‏

وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى مَعْنَى ‏"‏الْمَغْفِرَة‏"‏ فِيمَا مَضَى قَبْلُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ ‏{‏وَاغْفِرْ لَنَا‏}‏ ‏"‏ إِنِ انْتَهَكْنَا شَيْئًا مِمَّا نَهَيْتَنَا عَنْهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏286‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ‏(‏وَارْحَمْنَا‏)‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ تَغَمَّدْنَا مِنْكَ بِرَحْمَةٍ تُنْجِينَا بِهَا مِنْ عِقَابِكَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَاجٍ مِنْ عِقَابِكَ أَحَدٌ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ إِيَّاهُ دُونَ عَمَلِهِ، وَلَيْسَتْ أَعْمَالُنَا مُنْجِيَتَنَا إِنْ أَنْتَ لَمْ تَرْحَمْنَا، فَوَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏(‏وَارْحَمْنَا‏)‏، قَالَ يَقُولُ‏:‏ لَا نَنَالُ الْعَمَلَ بِمَا أَمَرْتَنَا بِهِ، وَلَا تَرْكَ مَا نَهَيْتَنَا عَنْهُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَمْ يَنْجُ أَحَدٌ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏286‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ‏}‏ ‏[‏286‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏(‏أَنْتَ مَوْلَانَا‏)‏، أَنْتَ وَلِيُّنَا بِنَصْرِكَ، دُونَ مَنْ عَادَاكَ وَكَفَرَ بِكَ، لِأَنَّا مُؤْمِنُونَ بِكَ، وَمُطِيعُوكَ فِيمَا أَمَرْتَنَا وَنَهَيْتَنَا، فَأَنْتَ وَلِيُّ مَنْ أَطَاعَكَ، وَعَدُوُّ مَنْ كَفَرَ بِكَ فَعَصَاكَ، ‏"‏ فَانْصُرْنَا‏)‏، لِأَنَّا حِزْبَكَ ‏{‏عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ‏}‏، الَّذِينَ جَحَدُوا وَحْدَانِيَّتَكَ، وَعَبَدُوا الْآلِهَةَ وَالْأَنْدَادَ دُونَكَ، وَأَطَاعُوا فِي مَعْصِيَتِكَ الشَّيْطَانَ‏.‏

وَ‏"‏ الْمَوْلَى ‏"‏فِي هَذَا الْمَوْضِع‏"‏ الْمُفْعَلِ ‏"‏مِنْ‏:‏ ‏(‏وَلِي فُلَانٌ أَمْرَ فُلَانٍ، فَهُوَ يَلِيهِ وَلَايَةً، وَهُوَ وَلِيُّهُ وَمَوْلَاهُ‏"‏‏.‏ وَإِنَّمَا صَارَت‏"‏ الْيَاءُ ‏"‏مِن‏"‏ وَلَّى ‏"‏‏"‏ أَلِفًا‏)‏، لِانْفِتَاح‏"‏ اللَّامِ ‏"‏ قَبْلَهَا، الَّتِي هِيَ عَيْنُ الِاسْمِ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَنْـزَلَ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَلَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ‏.‏

ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ بِذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ قَالَا حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ ‏(‏لَمَّا نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏غُفْرَانَكَ رَبَّنَا‏}‏، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏(‏قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ‏.‏ فَلَمَّا قَرَأَ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ لَا أُحَمِّلُكُمْ‏.‏ فَلَمَّا قَرَأَ‏:‏ ‏{‏وَاغْفِرْ لَنَا‏}‏، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ‏.‏ فَلَمَّا قَرَأَ‏:‏ ‏(‏وَارْحَمْنَا‏)‏، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏(‏قَدْ رَحِمْتَكُمْ‏)‏، فَلَمَّا قَرَأَ‏:‏ ‏{‏وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ‏}‏، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ قَدْ نَصَرْتُكُمْ عَلَيْهِم‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ قَالَ أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ‏:‏ ‏(‏أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ، قُلْ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏، فَقَالَهَا، فَقَالَ جِبْرِيلُ‏:‏ قَدْ فَعَلَ‏.‏ وَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ‏:‏ قُلْ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا‏}‏، فَقَالَهَا، فَقَالَ جِبْرِيلُ‏:‏ قَدْ فَعَلَ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ قُلْ ‏{‏رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ‏}‏، فَقَالَهَا، فَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قَدْ فَعَلَ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ قُلْ‏:‏ ‏{‏وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ‏}‏، فَقَالَهَا، فَقَالَ جِبْرِيلُ‏:‏ قَدْ فَعَلَ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ قَالَ‏:‏ زَعَمَ السُّدِّيُّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ حِينَ نَـزَلَتْ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ‏:‏ فَعَلَ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ ‏{‏رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ‏}‏، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ‏:‏ فَعَلَ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ سُفْيَانَ عَنْ آدَمَ بْنِ سُلَيْمَانَ، مَوْلَى خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ أَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْـزِلَ مِنْ رَبِّهِ‏}‏ ‏"‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏، فَقَرَأَ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏، قَالَ فَقَالَ‏:‏ قَدْ فَعَلْتُ ‏{‏رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا‏}‏، فَقَالَ‏:‏ قَدْ فَعَلْتُ ‏{‏رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقُةَ لَنَا بِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ قَدْ فَعَلْتُ ‏{‏وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ قَدْ فَعَلْتُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ ‏(‏أَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏، قَالَ‏:‏ أَبِي‏:‏ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ نَعَمْ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ آدَمَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏، قَالَ وَيَقُولُ‏:‏ قَدْ فَعَلْتُ ‏{‏رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا‏}‏، قَالَ وَيَقُولُ‏:‏ قَدْ فَعَلْتُ‏.‏ فَأُعْطِيَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ خَوَاتِيمَ ‏"‏ سُورَةِ الْبَقَرَةِ‏)‏، وَلَمْ تُعْطَهَا الْأُمَمُ قَبْلَهَا‏.‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ‏}‏ ‏"‏إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏غُفْرَانَكَ رَبَّنَا‏}‏، قَالَ‏:‏ قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا أُؤَاخِذُكُمْ ‏{‏رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا أَحْمِلُ عَلَيْكُمْ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا‏}‏، إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، قَالَ‏:‏ قَدْ عَفَوْتُ عَنْكُمْ وَغَفَرْتُ لَكُمْ، وَرَحِمْتُكُمْ، وَنَصَرْتُكُمْ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ‏.‏ وَرُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ أَنَّ إِجَابَةَ اللَّهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةٌ‏:‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي «قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏ ‏"‏‏:‏ كَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ لَهُ‏:‏ سَلْهَا‏!‏ فَسَأَلَهَا نَبِيُّ اللَّهِ رَبَّهُ جَلَّ ثَنَاءَهُ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ‏:‏ أَنَّ مُعَاذًا كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ‏:‏ ‏{‏وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ آمِينَ‏.‏ آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ