فصل: تفسير الآية رقم (31)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏ ‏[‏31‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اِخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السَّبَبِ الَّذِي أُنْـزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِ‏.‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ أُنْـزِلَتْ فِي قَوْمٍ قَالُوا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إِنَّا نُحِبُّ رَبَّنَا‏)‏، فَأَمَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ‏:‏ ‏"‏إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِيمَا تَقُولُونَ، فَاتَّبَعُونِي، فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَامَةُ صِدْقِكُمْ فِيمَا قُلْتُمْ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ‏:‏ قَالَ قَوْمٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ، إِنَّا نُحِبُّ رَبَّنَا‏!‏ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ‏}‏، فَجَعَلَ اِتِّبَاعَ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَمًا لِحُبِّهِ، وَعَذَابَ مَنْ خَالَفَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ‏:‏ قَالَ أَقْوَامٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ، إِنَّا لِنُحِبُّ رَبَّنَا‏!‏ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ بِذَلِكَ قُرْآنًا‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ‏}‏، فَجَعَلَ اللَّهُ اِتِّبَاعَ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَمًا لِحُبِّهِ، وَعَذَابَ مَنْ خَالَفَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ قَوْمٌ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللَّهَ، يَقُولُونَ‏:‏ إِنَّا نَحْبُ رَبَّنَا‏!‏ فَأَمَرَهُمْ اللَّهُ أَنْ يَتْبَعُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ اِتِّبَاعَ مُحَمَّدٍ عَلَمًا لِحُبِّهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا عِبَادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ‏}‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ إِنَّ أَقْوَامًا كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللَّهَ، فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ لِقَوْلِهِمْ تَصْدِيقًا مِنْ عَمَلٍ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ‏"‏ الْآيَةَ، كَانَ اِتِّبَاعُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ هَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ لِوَفْدِ نَجْرَانَ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَيْهِ مِنَ النَّصَارَى‏:‏ إِنْ كَانَ الَّذِي تَقُولُونَهُ فِي عِيسَى مِنْ عَظِيمِ الْقَوْلِ، إِنَّمَا يَقُولُونَهُ تَعْظِيمًا لِلَّهِ وَحُبًّا لَهُ، فَاتَّبَعُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ‏:‏ ‏"‏قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ‏)‏، أَيْ‏:‏ إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ قَوْلِكُمْ- يَعْنِي‏:‏ فِي عِيسَى- حُبًّا لِلَّهِ وَتَعْظِيمًا لَهُ، ‏{‏فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ‏}‏، أَيْ‏:‏ مَا مَضَى مِنْ كُفْرِكُمْ ‏"‏وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏"‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ‏.‏ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لِغَيْرِ وَفْدِ نَجْرَانَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَلَا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ، ذِكْرُ قَوْمٍ اِدَّعَوْا أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللَّهَ، وَلَا أَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَهُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ‏.‏‏"‏إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبَعُونِي‏"‏ جَوَابًا لِقَوْلِهِمْ، عَلَى مَا قَالَهُ الْحَسَنُ‏.‏

وَأَمَّا مَا رَوَى الْحَسَنُ فِي ذَلِكَ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ، فَلَا خَبَرَ بِهِ عِنْدَنَا يَصِحُّ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي السُّورَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ كَمَا قَالَ‏.‏ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَسَنُ أَرَادَ بِالْقَوْمِ الَّذِينَ ذَكَرَ أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفْدَ نَجْرَانَ مِنَ النَّصَارَى، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ نَظِيرُ اِخْتِيَارِنَا فِيهِ‏.‏

فَإِذْ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ خَبَرٌ عَلَى مَا قُلْنَا، وَلَا فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى مَا وَصَفْنَا، فَأَوْلَى الْأُمُورِ بِنَا أَنْ نُلْحِقَ تَأْوِيلَهُ بِالَّذِي عَلَيْهِ الدَّلَالَةُ مِنْ آيِ السُّورَةِ، وَذَلِكَ هُوَ مَا وَصَفْنَا‏.‏ لِأَنَّ مَا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ مُبْتَدَأِ هَذِهِ السُّورَةِ وَمَا بَعْدَهَا، خَبَرٌ عَنْهُمْ، وَاحْتِجَاجٌ مِنَ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَلِيلٌ عَلَى بُطُولِ قَوْلِهِمْ فِي الْمَسِيحِ‏.‏ فَالْوَاجِبُ أَنْ تَكُونَ هِيَ أَيْضًا مَصْرُوفَةَ الْمَعْنَى إِلَى نَحْوِ مَا قَبْلَهَا وَمَعْنَى مَا بَعْدَهَا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا، فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ‏:‏ قُلْ، يَا مُحَمَّدُ، لِلْوَفْدِ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ‏:‏ إِنْ كُنْتُمْ كَمَا تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ، وَأَنَّكُمْ تُعَظِّمُونَ الْمَسِيحَ وَتَقُولُونَ فِيهِ مَا تَقُولُونَ، حُبًّا مِنْكُمْ رَبَّكُمْ فَحَقِّقُوا قَوْلَكُمْ الَّذِي تَقُولُونَهُ، إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، بِاتِّبَاعِكُمْ إِيَّايَ، فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي لِلَّهِ رَسُولٌ إِلَيْكُمْ، كَمَا كَانَ عِيسَى رَسُولًا إِلَى مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ إِنْ اِتَّبَعْتُمُونِي وَصَدَّقْتُمُونِي عَلَى مَا أَتَيْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، فَيَصْفَحُ لَكُمْ عَنِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهَا، وَيَعْفُو لَكُمْ عَمَّا مَضَى مِنْهَا، فَإِنَّهُ غَفُورٌ لِذُنُوبِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، رَحِيمٌ بِهِمْ وَبِغَيْرِهِمْ مِنْ خَلَقَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏32‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ‏}‏ ‏[‏32‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ قُلْ، يَا مُحَمَّدُ، لِهَؤُلَاءِ الْوَفْدِ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ‏:‏ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ مُحَمَّدًا، فَإِنَّكُمْ قَدْ عَلِمْتُمْ يَقِينًا أَنَّهُ رَسُولِي إِلَى خَلْقِي، اِبْتَعَثْتُهُ بِالْحَقِّ، تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي الْإِنْجِيلِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاسْتَدْبَرُوا عَمَّا دَعَوْتُهُمْ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَأَعْرَضُوا عَنْهُ، فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَفَرَ بِجَحْدِ مَا عُرِفَ مِنَ الْحَقِّ، وَأَنْكَرَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ، وَأَنَّهُمْ مِنْهُمْ، بِجُحُودِهِمْ نُبُوَّتَكَ، وَإِنْكَارِهِمْ الْحَقَّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِصِحَّةِ أَمْرِكَ، وَحَقِيقَةِ نُبُوَّتِكَ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ‏:‏ ‏{‏قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ‏}‏، فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَهُ- يَعْنِي الْوَفْدَ مَنْ نَصَارَى نَجْرَانَ- وَتَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ‏"‏فَإِنْ تُوَلُّوا‏"‏ عَلَى كُفْرِهِمْ ‏{‏فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ اِصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏33‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ اِجْتَبَى آدَمَ وَنُوحًا وَاخْتَارَهُمَا لِدِينِهِمَا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ لِدِينِهِمْ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ الْإِسْلَامِ‏.‏ فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ اِخْتَارَ دِينَ مَنْ ذَكَرْنَا عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ الَّتِي خَالَفَتْهُ‏.‏

وَإِنَّمَا عَنَى ب ‏"‏آلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ‏)‏، الْمُؤْمِنِينَ‏.‏

وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ‏"‏آلَ الرَّجُلِ‏)‏، أَتْبَاعُهُ وَقَوْمُهُ، وَمَنْ هُوَ عَلَى دِينِهِ‏.‏

وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ رَوَى الْقَوْلَ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ اِصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ وَآلِ عِمْرَانَ وَآلِ يَاسِينَ وَآلِ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 68‏]‏، وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ اِصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ‏}‏، رَجُلَانِ نَبِيَّانِ اِصْطَفَاهُمَا اللَّهُ عَلَى الْعَالِمَيْنِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ اِصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ ذَكَرَ اللَّهُ أَهْلَ بَيْتَيْنِ صَالِحِينَ، وَرَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ، فَفَضَّلَهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ، فَكَانَ مُحَمَّدٌ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ، حَدَّثَنَا عَبَّادٌ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ اِصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ‏}‏ ‏"‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏، قَالَ‏:‏ فَضَّلَهُمْ اللَّهُ عَلَى الْعَالِمَيْنِ بِالنُّبُوَّةِ، عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ، كَانُوا هُمُ الْأَنْبِيَاءُ الْأَتْقِيَاءَ الْمُصْطَفَيْنَ لِرَبِّهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏34‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏ ‏[‏34‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ اِصْطَفَى آلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ ‏"‏ذَرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ‏"‏‏.‏

فَـ ‏"‏الذَّرِّيَّةُ‏"‏ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْقَطْعِ مِنْ‏"‏ آلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ‏)‏، لِأَنَّ ‏"‏الذَّرِّيَّةَ‏)‏، نَكِرَةٌ، ‏"‏ وَآلَ عِمْرَانَ ‏"‏ مَعْرِفَةٌ‏.‏

وَلَوْ قِيلَ نُصِبَتْ عَلَى تَكْرِيرِ ‏"‏الاصْطِفَاءِ‏)‏، لَكَانَ صَوَابًا‏.‏ لِأَنَّ الْمَعْنَى‏:‏ اِصْطَفَى ذَرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ‏.‏

وَإِنَّمَا جَعَلَ‏"‏بَعْضهمْ مِنْ بَعْضٍ‏"‏ فِي الْمُوَالَاةِ فِي الدِّينِ، وَالْمُؤَازَرَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْحَقِّ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ التَّوْبَةِ‏:‏ 71‏]‏، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ‏:‏ ‏{‏الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ التَّوْبَةِ‏:‏ 67‏]‏، يَعْنِي‏:‏ أَنَّ دِينَهُمْ وَاحِدٌ وَطَرِيقَتَهُمْ وَاحِدَةٍ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏ذَرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ‏)‏، إِنَّمَا مَعْنَاهُ‏:‏ ذَرِّيَّةً دِينُ بَعْضِهَا دِينُ بَعْضٍ، وَكَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ، وَمِلَّتُهُمْ وَاحِدَةٌ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏ذَرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ فِي النِّيَّةِ وَالْعَمَلِ وَالْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيدِ لَهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏)‏، يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ وَاللَّهُ ذُو سَمْعٍ لِقَوْلِ اِمْرَأَةِ عِمْرَانَ، وَذُو عِلْمٍ بِمَا تُضْمِرُهُ فِي نَفْسِهَا، إِذْ نَذَرَتْ لَهُ مَا فِي بَطْنِهَا مُحَرَّرًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏35‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِذْ قَالَتِ اِمْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏}‏ ‏[‏35‏]‏

يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏إِذْ قَالَتِ اِمْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي‏}‏، فَـ‏"‏إِذْ‏"‏ مِنْ صِلَةِ‏"‏سَمِيعٌ‏"‏‏.‏

وَأَمَّا‏"‏اِمْرَأَةُ عِمْرَانَ‏)‏، فَهِيَأُمُّ مَرْيَمَ اِبْنَةِ عِمْرَانَ، أَمِّ عِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَصَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ‏.‏ وَكَانَ اِسْمُهَا فِيمَا ذُكِرَ لَنَاحنة اِبْنَةُ فَاقُوذَ بْنِ قبيل، كَذَلِكَ‏:‏-

حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ فِي نَسَبِهِ وَقَالَ غَيْرُ اِبْنِ حُمَيْدٍ‏:‏ اِبْنَةُ فَاقُودَ- بِالدَّالِ- اِبْنِ قبيل‏.‏

فَأَمَّا زَوْجُهَا‏"‏ عِمْرَانُ‏)‏، فَإِنَّهُ‏:‏ عِمْرَانُ بْنُ ياشهم بْنِ أمون بْنِ مِنَشَّا بْنِ حِزْقِيَا بْنِ أَحْزِيقَ بْنِ يوثم بْنِ عزاريا بْنِ أمصيا بْنِ ياوش بْنِ أحزيهو بْنِ يارم بْنِ يهفاشاط بْنِ أسابر بْنِ أبيا بْنِ رحبعم بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ بْنِ إيشا، كَذَلِكَ‏:‏-

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ فِي نَسَبِهِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا‏}‏، فَإِنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ إِنِّي جَعَلْتُ لَكَ يَا رَبِّ نَذْرًا أَنَّ لَكَ الَّذِي فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا لِعِبَادَتِكَ‏.‏ يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ حَبَسْتُهُ عَلَى خِدْمَتِكَ وَخِدْمَةِ قُدْسِكَ فِي الْكَنِيسَةِ، عَتِيقَةً مِنْ خِدْمَةِ كُلِّ شَيْءٍ سِوَاكَ، مُفَرَّغَةً لَكَ خَاصَّةً‏.‏

وَنَصْبُ‏"‏مُحَرَّرًا‏"‏ عَلَى الْحَالِ مِمَّا فِي الصِّفَةِ مِنْ ذِكْرِ ‏"‏الذِي‏"‏‏.‏

‏"‏فَتَقَبَّلْ مِنِّي‏)‏، أَيْ‏:‏ فَتَقْبَلْ مِنِّي مَا نَذَرَتُ لَكَ يَا رَبِّ ‏{‏إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏"‏‏}‏، يَعْنِي‏:‏ إِنَّكَ أَنْتَ يَا رَبِّ ‏"‏السَّمِيعُ‏"‏ لِمَا أَقُولُ وَأَدْعُو ‏"‏الْعَلِيمُ‏"‏ لِمَا أَنْوِي فِي نَفْسِي وَأُرِيدُ، لَا يَخْفَى عَلَيْكَ سِرُّ أَمْرِي وَعَلَانِيَتِهِ‏.‏

وَكَانَسَبَبُ نَذْرِحنةَ اِبْنَةِ فَاقُوذَ، اِمْرَأَةِ عِمْرَانَالَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِيمَا بَلَغَنَا، مَا‏:‏-

حَدَّثَنَا بِهِ اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَة ُقَالَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ تَزَوَّجَ زَكَرِيَّا وَعِمْرَانَ أُخْتَيْنِ، فَكَانَتْأُمُّ يَحْيَىعِنْدَ زَكَرِيَّا، وَكَانَتْأُمُّ مَرْيَمَعِنْدَ عِمْرَانَ، فَهَلَكَ عِمْرَانُوَأُمُّ مَرْيَمَحَامِلٌبِمَرْيَمَ، فَهِيَ جَنِينٌ فِي بَطْنِهَا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَكَانَتْ، فِيمَا يَزْعُمُونَ، قَدْ أَمْسَكَ عَنْهَا الْوَلَدُ حَتَّى أَسَنَّتْ، وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَكَانٍ‏.‏ فَبَيْنَا هِيَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ نَظَرَتْ إِلَى طَائِرٍ يُطْعِمُ فَرْخًا لَهُ، فَتَحَرَّكَتْ نَفْسُهَا لِلْوَلَدِ، فَدَعَتِ اللَّهَ أَنْ يَهَبَ لَهَا وَلَدًا، فَحَمَلَتْبِمَرْيَمَ، وَهَلَكَ عِمْرَانُ‏.‏ فَلَمَّا عَرَفَتْ أَنَّ فِي بَطْنِهَا جَنِينًا، جَعَلَتْهُ لِلَّهِ نَذِيرَةً وَ ‏"‏النَّذِيرَةُ‏)‏، أَنْ تُعَبِّدَهُ لِلَّهِ، فَتَجْعَلَهُ حَبِيسًا فِي الْكَنِيسَةِ، لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ ثُمَّ ذَكَرَاِمْرَأَةَ عِمْرَانَوَقَوْلَهَا‏:‏ ‏{‏رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا‏}‏ أَيْ نَذَرْتُهُ، تَقُولُ‏:‏ جَعَلْتُهُ عَتِيقًا لِعِبَادَةِ اللَّهِ، لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا ‏"‏فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ عَرَبِيٍّ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏مُحَرَّرًا‏)‏، قَالَ‏:‏ خَادِمًا لِلْبِيعَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنِالنَّضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ خَادِمًا لِلْكَنِيسَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا‏}‏، قَالَ‏:‏ فَرَّغْتُهُ لِلْعِبَادَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا‏}‏، قَالَ‏:‏ جَعَلْتُهُ فِي الْكَنِيسَةِ، وَفَرَّغْتُهُ لِلْعِبَادَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا‏}‏، قَالَ‏:‏ لِلْكَنِيسَةِ يَخْدُمُهَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا‏}‏، قَالَ‏:‏ خَالِصًا، لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏"‏إِنِّي ‏{‏نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا‏}‏، قَالَ‏:‏ لِلْبَيْعَةِ وَالْكَنِيسَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ‏:‏ ‏{‏إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا‏}‏، قَالَ‏:‏ مُحَرَّرًا لِلْعِبَادَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِذْ قَالَتِ اِمْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا‏}‏، الْآيَةَ، كَانَتِاِمْرَأَةُ عِمْرَانَحَرَّرَتْ لِلَّهِ مَا فِي بَطْنِهَا، وَكَانُوا إِنَّمَا يُحَرِّرُونَ الذُّكُورَ، وَكَانَ الْمُحَرَّرُ إِذَا حُرِّرَ جُعِلَ فِي الْكَنِيسَةِ لَا يَبْرَحُهَا، يَقُومُ عَلَيْهَا وَيَكْنُسُهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا‏}‏، قَالَ‏:‏ نَذَرَتْ وَلَدَهَا لِلْكَنِيسَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيُّ‏:‏ ‏{‏إِذْ قَالَتِ اِمْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏}‏، قَالَ‏:‏ وَذَلِكَ أَنَّاِمْرَأَةَ عِمْرَانَحَمَلَتْ، فَظَنَّتْ أَنَّ مَا فِي بَطْنِهَا غُلَامٌ، فَوَهَبَتْهُ لِلَّهِ مُحَرِّرًا لَا يَعْمَلُ فِي الدُّنْيَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ‏:‏ كَانَتِاِمْرَأَةُ عِمْرَانَحَرَّرَتْ لِلَّهِ مَا فِي بَطْنِهَا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَكَانُوا إِنَّمَا يُحَرِّرُونَ الذُّكُورَ، فَكَانَ الْمُحَرَّر إِذَا حُرِّرَ جُعلَ فِي الْكَنِيسَةِ لَا يَبْرَحُهَا، يَقُومُ عَلَيْهَا وَيَكْنُسُهَا‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا‏}‏، قَالَ‏:‏ جَعَلَتْ وَلَدَهَا لِلَّهِ، وَلِلَّذِينِ يَدْرُسُونَ الْكِتَابَ وَيَتَعَلَّمُونَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ‏:‏ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ عِكْرِمَةَ وَأَبِي بَكْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ أَنَّاِمْرَأَةَ عِمْرَانَكَانَتْ عَجُوزًا عَاقِرًا تُسَمَّىحنة، وَكَانَتْ لَا تَلِدُ، فَجَعَلَتْ تَغْبِطُ النِّسَاءَ لِأَوْلَادِهِنَّ، فَقَالَتْ‏:‏ اللَّهُمَّ إِنَّ عَلَيَّ نَذْرًا شُكْرًا إِنْ رَزَقْتَنِي وَلَدًا أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَيَكُونُ مِنْ سَدَنَتِهِ وُخدَّامِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا‏}‏ ‏"‏ إِنَّهَا لِلْحُرَّةِ اِبْنَةِ الْحَرَائِرِ ‏"‏مُحَرَّرًا‏"‏ لِلْكَنِيسَةِ يَخْدِمُهَا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِذْ قَالَتِ اِمْرَأَةُ عِمْرَانَ‏}‏ الْآيَةَ كُلَّهَا قَالَ‏:‏ نَذَرَتْ مَا فِي بَطْنِهَا، ثُمَّ سَيَّبَتْهَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏{‏فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏فَلَمَّا وَضَعَتْهَا‏)‏، فَلَمَّا وَضَعَتْحنةُ النَّذِيرَةَ، وَلِذَلِكَ أَنَّثَ‏.‏ وَلَوْ كَانَتِ ‏"‏الهَاءُ‏"‏ عَائِدَةٌ عَلَى‏"‏مَا‏"‏ الَّتِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا‏)‏، لَكَانَ الْكَلَامُ‏:‏ ‏"‏فَلَمَّا وَضَعَتْهُ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهُ أُنْثَى‏"‏‏.‏

وَمَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَضَعَتْهَا‏)‏‏)‏، وَلَدَتْهَا‏.‏ يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏وَضَعَتِ الْمَرْأَةُ تَضَعُ وَضْعًا‏"‏‏.‏

‏{‏قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى‏}‏، أَيْ‏:‏ وَلَدْتُ النَّذِيرَةَ أُنْثَى ‏"‏وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ‏"‏‏.‏

وَاخْتَلَفَ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ الْقَرَأَةِ‏:‏ ‏(‏وَضَعَتْ‏)‏، خَبَرًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ نَفْسِهِ‏:‏ أَنَّهُ الْعَالِمُ بِمَا وَضَعَتْ، مِنْ غَيْرِ قِيلِهَا‏:‏ ‏{‏رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى‏}‏‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ‏}‏ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ بِذَلِكَ عَنْأُمِّ مَرْيَمَأَنَّهَا هِيَ الْقَائِلَةُ‏:‏ ‏"‏وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَلَدَتْ مِنِّي‏"‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ مَا نَقَلَتْهُ الْحُجَّةُ مُسْتَفِيضَةٌ فِيهَا قِرَاءَتُهُ بَيْنَهَا، لَا يَتَدَافَعُونَ صِحَّتَهَا‏.‏ وَذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ‏"‏وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ‏)‏، وَلَا يُعْتَرَضُ بِالشَّاذِّ عَنْهَا عَلَيْهَا‏.‏

فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذًا‏:‏ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ كُلِّ خَلْقِهِ بِمَا وَضَعَتْ ثُمَّ رَجَعَ جَلَّ ذِكْرُهُ إِلَى الْخَبَرِ عَنْ قَوْلِهَا، وَأَنَّهَا قَالَتْ- اِعْتِذَارًا إِلَى رَبِّهَا مِمَّا كَانَتْ نَذَرَتْ فِي حَمْلِهَا فَحَرَّرَتْهُ لِخِدْمَةِ رَبِّهَا-‏:‏ ‏"‏وَلَيْسَ الذَّكَر كَالْأُنْثَى‏)‏، لِأَنَّ الذَّكَرَ أَقْوَى عَلَى الْخِدْمَةِ وَأَقْوَمُ بِهَا، وَأَنَّ الْأُنْثَى لَا تَصْلُحُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِدُخُولِ الْقُدْسِ وَالْقِيَامِ بِخِدْمَةِ الْكَنِيسَةِ، لِمَا يَعْتَرِيهَا مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ ‏"‏وَإِنِّي سَمَّيْتُهَامَرْيَمَ‏)‏، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى‏}‏، أَيْ‏:‏ لِمَا جَعَلْتُهَا مُحَرَّرًا لَهُ نَذِيرَةً‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ قَالَ، حَدَّثَنِي اِبْنُ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى‏}‏، لِأَنَّ الذَّكَرَ هُوَ أَقْوَى عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْأُنْثَى‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى‏}‏، كَانَتِ الْمَرْأَةُ لَا يُسْتَطَاعُ أَنْ يُصْنَعَ بِهَا ذَلِكَ يَعْنِي أَنْ تُحَرَّرَ لِلْكَنِيسَةِ، فَتُجْعَلَ فِيهَا، تَقُومُ عَلَيْهَا وَتَكْنُسُهَا فَلَا تَبْرَحُهَا مِمَّا يُصِيبُهَا مِنَ الْحَيْضِ وَالْأَذَى، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَتْ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى‏}‏، وَإِنَّمَا كَانُوا يُحَرِّرُونَ الْغِلْمَانَ- قَالَ‏:‏ ‏{‏وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ‏:‏ كَانَتِاِمْرَأَةُ عِمْرَانَحَرَّرَتْ لِلَّهِ مَا فِي بَطْنِهَا، وَكَانَتْ عَلَى رَجَاءِ أَنْ يُهَبَ لَهَا غُلَامًا، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَعْنِي الْقِيَامَ عَلَى الْكَنِيسَةِ لَا تَبْرَحُهَا، وَتَكْنُسُهَا لِمَا يُصِيبُهَا مِنَ الْأَذَى‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيُّ‏:‏ أَنَّاِمْرَأَةَ عِمْرَانَظَنَّتْ أَنَّ مَا فِي بَطْنِهَا غُلَامٌ، فَوَهَبَتْهُ لِلَّهِ‏.‏ فَلَمَّا وَضَعَتْ إِذَا هِيَ جَارِيَةٌ، فَقَالَتْ تَعْتَذِرُ إِلَى اللَّهِ‏:‏ ‏{‏رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى‏}‏، تَقُولُ‏:‏ إِنَّمَا يُحَرَّرُ الْغِلْمَانُ‏.‏ يَقُولُ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ‏}‏، فَقَالَتْ‏:‏ ‏{‏إِنِّي سَمَّيْتُهَامَرْيَمُ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ‏:‏ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ عِكْرِمَةَ وَأَبِي بَكْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى‏}‏ ‏"‏ ‏{‏وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى‏}‏، يَعْنِي‏:‏ فِي الْمَحِيضِ، وَلَا يَنْبَغِي لِاِمْرَأَةٍ أَنْ تَكُونَ مَعَ الرِّجَالِ أُمُّهَا تَقُولُ ذَلِكَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏{‏وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏}‏ ‏[‏36‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ تَعْنِي بِقَوْلِهَا‏:‏ ‏"‏وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا‏)‏، وَإِنِّي أَجْعَلُ مَعَاذَهَا وَمَعَاذَ ذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، بِكَ‏.‏

وَأَصْلُ ‏"‏المَعَاذِ‏)‏، الْمَوْئِلُ وَالْمَلْجَأُ وَالْمَعْقِلُ‏.‏

فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهَا، فَأَعَاذَهَا اللَّهُ وَذَرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَلَمْ يُجْعَلْ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلًا‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبَدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا مِنْ نَفْسِ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا وَالشَّيْطَانُ يَنَالُ مِنْهُ تِلْكَ الطَّعْنَةَ، وَلَهَا يَسْتَهِلُّ الصَّبِيُّ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْمَرْيَمَ اِبْنَةِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهَا لَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ‏:‏ ‏"‏رَبِّ إِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏)‏، فَضُرِبَ دُونَهَا حِجَابٌ، فَطَعَنَ فِيهِ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏كُلُّ مَوْلُودٍ مِنْ وَلَدِ آدَمَ لَهُ طَعْنَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَبِهَا يَسْتَهِلُّ الصَّبِيُّ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْمَرْيَمَ اِبْنَةِ عِمْرَانَوَوَلَدِهَا، فَإِنَّ أُمَّهَا قَالَتْ حِينَ وَضَعَتْهَا‏:‏ ‏"‏إِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذَرِّيَّتهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏)‏، فَضُرِبَ دُونَهُمَا حِجَابٌ، فَطَعَنَ فِي الْحِجَابِ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ قَالَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الزَّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ ‏(‏مَا مِنْ بَنِي آدَمَ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا قَدْ مَسَّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا بِمَسِّهِ إِيَّاهُ، غَيْرَمَرْيَمَوَابْنِهَا‏.‏ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ اِقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ‏:‏ ‏"‏إِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذَرِّيَّتهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏"‏‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا اِبْنُ وَهْبٍ، قَالَ، أَخْبَرَنِي اِبْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ عِجْلَانِ مَوْلَى الْمُشْمَعِلِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏كُلُّ مَوْلُودٍ يُوَلَدُ مِنْ بَنِي آدَمَ يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ بِإِصْبَعِهِ، إِلَّامَرْيَمَوَابْنَهَا‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ اللَّه ِبْنُ وَهْبٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ‏:‏ أَنَّ أَبَا يُونُسَ سُلَيْمًا مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ كُلُّ بَنِي آدَمَ يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، إِلَّامَرْيَمَوَابْنَهَا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي عِمْرَانُ، أَنَّ أَبَا يُونُسَ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزَّهْرِيِّ، عَنِ اِبْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسَّةِ الشَّيْطَانِ، إِلَّامَرْيَمَوَابْنَهَا‏.‏ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ اِقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ‏:‏ ‏"‏وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذَرِّيَّتهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏"‏‏.‏

«حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنِي الْحِمَّانِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ » مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا وَقَدْ عَصَرَهُ الشَّيْطَانُ عَصْرَةً أَوْ عَصْرَتَيْنِ، إِلَّا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ وَمَرْيَمَ‏.‏ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ ‏(‏مَا وُلِدَ مَوْلُودٌ إِلَّا وَقَدِ اِسْتَهَلَّ، غَيْرُ الْمَسِيحِ اِبْنِ مَرْيَمَ، لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ وَلَمْ يَنْهَزْه‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا الْمُنْذِرُ بْنُ النُّعْمَانِ الْأَفْطَسُ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ‏:‏ لَمَّا وُلِدَ عِيسَى أَتَتِ الشَّيَاطِينُ إِبْلِيسَ، فَقَالُوا‏:‏ أَصْبَحَتِ الْأَصْنَامُ قَدْ نَكَّسَتْ رُؤُوسَهَا‏!‏ فَقَالَ‏:‏ هَذَا فِي حَادِثٍ حَدَثَ‏!‏ وَقَالَ‏:‏ مَكَانَكُمْ ‏!‏ فَطَارَ حَتَّى جَاءَ خَافِقَيِ الْأَرْضِ، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، ثُمَّ جَاءَ الْبَحَّارُ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، ثُمَّ طَارَ أَيْضًا فَوَجَدَ عِيسَى قَدْ وُلِدَ عِنْدَ مِذْوَدِ حِمَارٍ، وَإِذَا الْمَلَائِكَةُ قَدْ حَفَّتْ حَوْلَهُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ نَبِيًّا قَدْ وُلِدَ الْبَارِحَةَ، مَا حَمَلَتْ أُنْثَى قَطُّ وَلَا وَضَعَتْ إِلَّا أَنَا بِحَضْرَتِهَا، إِلَّا هَذِهِ ‏!‏ فَأَيِسُوا أَنْ تُعْبَدَ الْأَصْنَامُ بَعْدَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَلَكِنْ اِئْتُوا بَنِي آدَمَ مِنْ قِبَلِ الْخِفَّةِ وَالْعَجَلَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏)‏، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ‏:‏ كُلُّ بَنِي آدَمَ طَعَنَ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبِهِ، إِلَّا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ، جُعِلَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ حِجَابٌ، فَأَصَابَتِ الطَّعْنَةُ الْحِجَابَ، وَلَمْ يَنْفُذْ إِلَيْهِمَا شَيْءٌ وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُصِيبَانِ الذُّنُوبَ كَمَا يُصِيبُهَا سَائِرُ بَنِي آدَمَ‏.‏ وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ عِيسَى كَانَ يَمْشِي عَلَى الْبَحْرِ كَمَا يَمْشِي عَلَى الْبَرِّ، مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْيَقِينِ وَالْإِخْلَاصِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏{‏وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ كُلُّ آدَمِيٍّ طَعَنَ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبِهِ غَيْرَ عِيسَى وَأُمِّهِ، كَانَا لَا يُصِيبَانِ الذُّنُوبَ كَمَا يُصِيبُهَا بَنُو آدَمَ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَالَ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُثْنِي عَلَى رَبِّهِ‏:‏ وَأَعَاذَنِي وَأُمِّي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْنَا سَبِيلٌ‏.‏

«حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ قَالَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ » كُلُّ بَنِي آدَمَ يَطْعَنُ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبِهِ حِينَ تَلِدُهُ أُمُّهُ، إِلَّا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ، ذَهَبَ يَطْعَنُ فَطَعَنَ فِي الْحِجَابِ‏.‏

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ أَرَأَيْتَ هَذِهِ الصَّرْخَةَ الَّتِي يَصرُخُهَا الصَّبِيُّ حِينَ تَلِدُهُ أُمُّهُ‏؟‏ فَإِنَّهَا مِنْهَ‏.‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزَّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏مَا مِنْ بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ إِلَّا يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ يَسْتَهِلُّ صَارِخًا‏)‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ تَقَبَّلَمَرْيَمَمِنْ أُمِّهَاحنةَ، وَتَحْرِيرَهَا إِيَّاهَا لِلْكَنِيسَةِ وَخِدْمَتَهَا وَخِدْمَةَ رَبِّهَا ‏"‏بِقَبُولٍ حَسَنٍ‏"‏‏.‏

‏"‏وَالْقَبُولُ‏"‏ مَصْدَرٌ مِنْ‏:‏ ‏"‏قَبِلَهَا رَبُّهَا‏)‏، فَأَخْرَجَ الْمَصْدَرَ عَلَى غَيْرِ لَفْظِ الْفِعْلِ‏.‏ وَلَوْ كَانَ عَلَى لَفْظِهِ لَكَانَ‏:‏ ‏"‏فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا تَقَبُّلًا حَسَنًا‏"‏‏.‏ وَقَدْ تَفْعَلُ الْعَرَبُ ذَلِكَ كَثِيرًا‏:‏ أَنْ يَأْتُوا بِالْمَصَادِرِ عَلَى أُصُولِ الْأَفْعَالِ، وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهَا فِي الْأَفْعَالِ بِالزِّيَادَةِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ‏:‏ ‏"‏تَكَلَّمَ فُلَانٌ كَلَامًا‏)‏، وَلَوْ أَخْرَجَ الْمَصْدَرَ عَلَى الْفِعْلِ لَقِيلَ‏:‏ ‏"‏تَكَلَّمَ فُلَانٌ تَكَلُّمًا‏"‏‏.‏ وَمِنْهُ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا‏}‏، وَلَمْ يُقُلْ‏:‏ إِنْبَاتًا حَسَنًا‏.‏

وَذُكِرَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لَمْ نَسْمَعِ الْعَرَبَ تَضُمُّ الْقَافَ فِي‏"‏قَبُولِ‏)‏، وَكَانَ الْقِيَاسُ الضَّمُّ، لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ مِثْلُ‏:‏ ‏(‏الدُّخُولِ، وَالْخُرُوجِ‏"‏‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَمْ أَسْمَعْ بِحَرْفٍ آخَرَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يُشْبِهُهُ‏.‏

حُدِّثْتُ بِذَلِكَ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي الْيَزِيدِيُّ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا‏}‏، فَإِنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ وَأَنْبَتَهَا رَبُّهَا فِي غِذَائِهِ وَرِزْقِهِ نَبَاتًا حَسَنًا، حَتَّى تَمَّتْ فَكَمُلَتِ اِمْرَأَةً بَالِغَةً تَامَّةً، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ تَقَبَّلَ مِنْ أُمِّهَا مَا أَرَادَتْ بِهَا لِلْكَنِيسَةِ، وَأَجَرَهَا فِيهَا ‏"‏وَأَنْبَتَهَا‏)‏، قَالَ‏:‏ نَبَتَتْ فِي غِذَاءِ اللَّهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اِخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَكَفَلَهَا

فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ‏:‏ ‏(‏وَكَفَلَهَا‏)‏ مُخَفَّفَةَ ‏"‏الفَاءِ‏"‏‏.‏ بِمَعْنَى‏:‏ ضَمَّهَا زَكَرِيَّا إِلَيْهِ، اِعْتِبَارًا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 44‏]‏‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْكُوفِيِّينَ‏.‏ ‏{‏وَكَفَلَهَا زَكَرِيَّا‏}‏، بِمَعْنَى‏:‏ وَكَفَلَهَا اللَّهُ زَكَرِيَّا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ‏:‏ ‏(‏وَكَفَّلَهَا‏)‏ مُشَدَّدَةَ ‏"‏الفَاءِ‏)‏، بِمَعْنَى‏:‏ وَكَفَلَهَا اللَّهُ زَكَرِيَّا، بِمَعْنَى‏:‏ وَضَمَّهَا اللَّهُ إِلَيْهِ‏.‏ لِأَنَّ زَكَرِيَّا أَيْضًا ضَمَّهَا إِلَيْهِ بِإِيجَابِ اللَّهِ لَهُ ضَمَّهَا إِلَيْهِ بِالْقُرْعَةِ الَّتِي أَخْرَجَهَا اللَّهُ لَهُ، وَالْآيَةُ الَّتِي أَظْهَرَهَا لِخُصُومِهِ فِيهَا، فَجَعَلَهُ بِهَا أُولَى مِنْهُمْ، إِذْ قَرَعَ فِيهَا مَنْ شَاحَّهُ فِيهَا‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ زَكَرِيَّا وَخُصُومَهُ فِيمَرْيَمَإِذَا تَنَازَعُوا فِيهَا أَيُّهُمْ تَكُونُ عِنْدَهُ، تَسَاهَمُوا بِقِدَاحِهِمْ، فَرَمَوْا بِهَا فِي نَهْرِ الْأُرْدُنِّ‏.‏ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ‏:‏ اِرْتَزَّ قَدَحُ زَكَرِيَّا، فَقَامَ وَلَمْ يَجْرِ بِهِ الْمَاءُ، وَجَرَى بِقِدَاحِ الْآخَرِينَ الْمَاءَ‏.‏ فَجَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لِزَكَرِيَّا عَلَمًا أَنَّهُ أَحَقُّ الْمُتَنَازِعِينَ فِيهَا بِهَا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلِ اِصَّاعَدَ قَدْحُ زَكَرِيَّا فِي النَّهْرِ، وَانْحَدَرَتْ قِدَاحُ الْآخَرِينَ مَعَ جَرْيَةِ الْمَاءِ وَذَهَبَتْ، فَكَانَ ذَلِكَ لَهُ عَلَمًا مِنَ اللَّهِ فِي أَنَّهُ أَوْلَى الْقَوْمِ بِهَا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَضَاءً مِنَ اللَّهِ بِهَا لِزَكَرِيَّا عَلَى خُصُومِهِ، بِأَنَّهُ أَوْلَاهُمْ بِهَا، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَإِنَّمَا ضَمَّهَا زَكَرِيَّا إِلَى نَفْسِهِ بِضَمِّ اللَّهِ إِيَّاهَا إِلَيْهِ بِقَضَائِهِ لَهُ بِهَا عَلَى خُصُومِهِ عِنْدَ تَشَاحِّهِمْ فِيهَا، وَاخْتِصَامِهِمْ فِي أَوْلَاهُمْ بِهَا‏.‏

وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ‏;‏ كَانَ بَيِّنًا أَنَّ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ مَا اِخْتَرْنَا مِنْ تَشْدِيدِ‏"‏كَفَّلَهَا‏"‏‏.‏

وَأَمَّا مَا اِعْتَلَّ بِهِ الْقَارِئُونَ ذَلِكَ بِتَخْفِيفِ ‏"‏الفَاءِ‏)‏، مِنْ قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ‏}‏، وَأَنَّ ذَلِكَ مُوجَبٌ صِحَّةَ اِخْتِيَارِهِمْ التَّخْفِيفَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَكَفَلَهَا‏"‏ فَحُجَّةٌ دَالَّةٌ عَلَى ضَعْفِ اِحْتِيَالِ الْمُحْتَجِّ بِهَا‏.‏

ذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ ذُو عَقْلٍ مِنْ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ‏:‏ ‏"‏كَفَّلَ فُلَانٌ فُلَانًا فَكَفَلَهُ فُلَانٌ‏"‏‏.‏ فَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ‏:‏ أَلْقَى الْقَوْمُ أَقْلَامَهُمْ‏:‏ أَيُّهُمْ يَكْفُلُمَرْيَمَ، بِتَكْفِيلِ اللَّهِ إِيَّاهُ بِقَضَائِهِ الَّذِي يَقْضِي بَيْنَهُمْ فِيهَا عِنْدَ إِلْقَائِهِمْ الْأَقْلَامَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَكَذَلِكَ اِخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ‏"‏ زَكَرِيَّا‏"‏‏.‏

فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْمَدِينَةِ بِالْمَدِّ‏.‏

وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْكُوفَةِ بِالْقَصْرِ‏.‏

وَهُمَا لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، وَقِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ فِي الْقِرَاءَةِ بِإِحْدَاهُمَا خِلَافٌ لِمَعْنَى الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَهُوَ مُصِيبٌ‏.‏

غَيْرَ أَنَّ الصَّوَابَ عِنْدَنَا- إِذَا مُدَّ‏"‏ زَكَرِيَّا ‏"‏ أَنْ يُنْصَبَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، لِأَنَّهُ اِسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَجَمِ لَا يُجْرَى، وَلِأَنَّ قِرَاءَتَنَا فِي‏"‏كَفَّلَهَا‏"‏ بِالتَّشْدِيدِ، وَتَثْقِيلِ ‏"‏الفَاءِ‏"‏‏.‏ فَـ‏"‏زَكَرِيَّاءُ‏"‏ مَنْصُوبٌ بِالْفِعْلِ الْوَاقِعِ عَلَيْهِ‏.‏

وَفِي ‏"‏زَكَرِيَّا ‏"‏ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهَا، لِخِلَافِهَا مَصَاحِفَ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ‏"‏زَكَرِيٌّ‏"‏ بِحَذْفِ الْمَدَّةِ وَ ‏"‏اليَاءِ‏"‏ السَّاكِنَةِ، تُشَبِّهُهُ الْعَرَبُ بِالْمَنْسُوبِ مِنَ الْأَسْمَاءِ، فَتُنَوِّنُهُ وَتُجْرِيهِ فِي أَنْوَاعِ الْإِعْرَابِ مَجَارِي‏"‏يَاءِ‏"‏ النِّسْبَةِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ وَضَمَّهَا اللَّهُ إِلَى زَكَرِيَّا، مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ‏:‏

فَهُوَ لِضُلَّالِ الهَوَامِ كَافِلٌ ***

يُرَادُ بِهِ‏:‏ لَمَّا ضَلَّ مِنْ مُتَفَرِّقِ النِّعَمِ وَمُنْتَشِرِهِ، ضَامٌّ إِلَى نَفْسِهِ وَجَامِعٌ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ‏:‏

فَهُوَ لِضُلَّالِ الْهَوَافِيَ كَافِلُ ***

بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا نَدَّ فَهَرَبَ مِنَ النِّعَمَ ضَامٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ ‏"‏هَفَا الظَّلِيمُ‏)‏، إِذَا أَسْرَعَ الطَّيَرَانَ‏.‏

يُقَالُ مِنْهُ لِلرَّجُلِ‏:‏ ‏"‏مَا لَكَ تَكْفُلُ كُلَّ ضَالَّةٍ ‏"‏‏؟‏ يَعْنِي بِهِ‏:‏ تَضُمُّهَا إِلَيْكَ وَتَأْخُذُهَا‏.‏

وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ الطُّفَاوِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَلْقَوْا أَقْلَامَهُمْ فَجَرَتْ بِهَا الْجِرْيَةُ، إِلَّا قَلَمُ زَكَرِيَّا اِصَّاعَدَ، فَكَفَلَهَا زَكَرِيَّا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا‏}‏، قَالَ‏:‏ ضَمَّهَا إِلَيْهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ أَلْقَوْا أَقْلَامَهُمْ- يَقُولُ‏:‏ عِصِيَّهُمْ- قَالَ‏:‏ فَأَلْقَوْهَا تِلْقَاءَ جِرْيَةِ الْمَاءِ، فَاسْتَقْبَلَتْ عَصَا زَكَرِيَّا جِرْيَةَ الْمَاءِ، فَقَرَعَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيُّ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا‏}‏، فَانْطَلَقَتْ بِهَا أُمُّهَا فِي خِرَقِهَا- يَعْنِيأُمَّ مَرْيَمَ بِمَرْيَمَ- حِينَ وَلَدَتْهَا إِلَى الْمِحْرَابِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ اِنْطَلَقَتْ حِينَ بَلَغَتْ إِلَى الْمِحْرَابِ وَكَانَ الَّذِينَ يَكْتُبُونَ التَّوْرَاةَ إِذَا جَاءُوا إِلَيْهِمْ بِإِنْسَانٍ يُجَرِّبُونَهُ، اِقْتَرَعُوا عَلَيْهِ أَيُّهُمْ يَأْخُذُهُ فَيُعَلِّمَهُ‏.‏ وَكَانَ زَكَرِيَّا أَفْضَلُهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ، وَكَانَتْ خَالَةُمَرْيَمَتَحْتَهُ‏.‏ فَلَمَّا أَتَوْا بِهَا اِقْتَرَعُوا عَلَيْهَا، وَقَالَ لَهُمْ زَكَرِيَّا‏:‏ أَنَا أَحَقُّكُمْ بِهَا، تَحْتِي أُخْتُهَا‏!‏ فَأَبَوْا، فَخَرَجُوا إِلَى نَهْرِ الْأُرْدُنِّ، فَأَلْقَوْا أَقْلَامَهُمْ الَّتِي يَكْتُبُونَ بِهَا‏:‏ أَيَهُمُّ يَقُومُ قَلَمُهُ فَيَكْفُلُهَا‏.‏ فَجَرَتِ الْأَقْلَامُ، وَقَامَ قَلَمُ زَكَرِيَّا عَلَى قَرْنَتِهِ كَأَنَّهُ فِي طِينٍ، فَأَخَذَ الْجَارِيَةَ‏.‏ وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏"‏وَكَفَلَهَا زَكَرِيَّا‏)‏، فَجَعَلَهَا زَكَرِيَّا مَعَهُ فِي بَيْتِهِ، وَهُوَ الْمِحْرَابُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ ضَمَّهَا إِلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا‏}‏، قَالَ‏:‏ سَهَمَهُمْ بِقَلَمِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ‏:‏ كَانَتْمَرْيَمُاِبْنَةُ سَيِّدِهِمْ وَإِمَامِهِمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَتَشَاحَّ عَلَيْهَا أَحْبَارُهُمْ، فَاقْتَرَعُوا فِيهَا بِسِهَامِهِمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُهَا‏.‏ قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ وَكَانَ زَكَرِيَّا زَوْجُ أُخْتِهَا، فَكَفَلَهَا، وَكَانَتْ عِنْدَهُ وَحَضَنَهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ‏:‏ أَنَّهُ أُخْبِرَهُ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَأَبِي بَكْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ ثُمَّ خَرَجَتْ بِهَا يَعْنِي‏:‏ أُمَّ مَرْيَمَبِمَرْيَمَفِي خِرَقِهَا تَحْمِلُهَا إِلَى بَنِي الْكَاهِنِ بْنِ هَارُونَ، أَخِي مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَهُمْ يَوْمئِذٍ يَلُونَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَا يَلِي الْحَجَبَةُ مِنَ الْكَعْبَةِ، فَقَالَتْ لَهُمْ‏:‏ دُونَكُمْ هَذِهِ النَّذِيرَةُ، فَإِنِّي حَرَّرْتُهَا، وَهِيَ اِبْنَتِي، وَلَا يَدْخُلُ الْكَنِيسَةَ حَائِضٌ، وَأَنَا لَا أَرُدُّهَا إِلَى بَيْتِي‏!‏ فَقَالُوا‏:‏ هَذِهِ اِبْنَةُ إِمَامِنَا- وَكَانَ عِمْرَانُ يَؤُمُّهُمْ فِي الصَّلَاةِ- وَصَاحِبُ قُرْبَانِنَا‏!‏ فَقَالَ زَكَرِيَّا‏:‏ اِدْفَعُوهَا إِلَيَّ، فَإِنَّ خَالَتَهَا عِنْدِي‏.‏ قَالُوا‏:‏ لَا تَطِيبُ أَنْفُسَنَا، هِيَ اِبْنَةُ إِمَامِنَا‏!‏ فَذَلِكَ حِينَ اِقْتَرَعُوا، فَاقْتَرَعُوا بِأَقْلَامِهِمْ عَلَيْهَا- بِالْأَقْلَامِ الَّتِي يَكْتُبُونَ بِهَا التَّوْرَاةَ- فَقَرَعَهُمْ زَكَرِيَّا، فَكَفَلَهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ جَعَلَهَا زَكَرِيَّا مَعَهُ فِي مِحْرَابِهِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏"‏وَكَفَلَهَا زَكَرِيَّا‏"‏ قَالَ حَجَّاجٌ قَالَ، اِبْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏(‏الكَاهِنُ‏"‏ فِي كَلَامِهِمْ‏:‏ الْعَالِمُ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن ِجَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ‏:‏ ‏"‏وَكَفَلَهَا زَكَرِيَّا‏)‏، بَعْدَ أَبِيهَا وَأُمِّهَا، يَذْكُرُهَا بِالْيُتْمِ، ثُمَّ قَصَّ خَبَرَهَا وَخَبَرَ زَكَرِيَّا‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏وَكَفَلَهَا زَكَرِيَّا‏)‏، قَالَ‏:‏ كَانَتْ عِنْدَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏وَكَفَلَهَا زَكَرِيَّا‏)‏، قَالَ‏:‏ جَعَلَهَا زَكَرِيَّا مَعَهُ فِي مِحْرَابِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عِبَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا‏)‏، وَتَقَارَعَهَا الْقَوْمُ، فَقَرَعَ زَكَرِيَّا، فَكَفَلَهَا زَكَرِيَّ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ كَانَ زَكَرِيَّا بَعْدَ وِلَادَةِحنةَاِبْنَتَهَامَرْيَمَ، كَفَلَهَا بِغَيْرِ اِقْتِرَاعٍ وَلَا اِسْتِهَامٍ عَلَيْهَا، وَلَا مُنَازَعَةَ أَحَدٍ إِيَّاهُ فِيهَا‏.‏ وَإِنَّمَا كَفَلَهَا، لِأَنَّ أُمَّهَا مَاتَتْ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهَا وَهِيَ طِفْلَةٌ، وَعِنْدَ زَكَرِيَّا خَالَتُهَاألاشباع اِبْنَة فَاقُوذَ وَقَدْ قِيلَ‏.‏ إِنَّ اِسْمَأُمِّ يَحْيَى خَالَةِ عِيسَى‏:‏ إشبع‏.‏

حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي وَهْبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ شُعَيْبٍ الْجَبَأِيُّ‏:‏ أَنَّ اِسْمَأُمِّ يَحْيَى أشبع‏.‏

فَضَمَّهَا إِلَى خَالَتِهَاأُمِّ يَحْيَى، فَكَانَتْ إِلَيْهِمْ وَمَعَهُمْ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ أَدْخَلُوهَا الْكَنِيسَةَ لِنَذْرِ أُمِّهَا الَّتِي نَذَرَتْ فِيهَا‏.‏

قَالُوا‏:‏ وَالِاقْتِرَاعُ فِيهَا بِالْأَقْلَامِ، إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ لِشِدَّةٍ أَصَابَتْهُمْ، ضَعُفَ زَكَرِيَّا عَنْ حَمْلِ مَئُونَتِهَا، فَتُدَافَعُوا حَمْلَ مَئُونَتِهَا، لَا رَغْبَةً مِنْهُمْ، وَلَا تَنَافُسًا عَلَيْهَا وَعَلَى اِحْتِمَالِ مَئُونَتِهَا‏.‏ وَسَنَذْكُرُ قِصَّتَهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، إِذَا بَلَغْنَا إِلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

حَدَّثَنَا بِذَلِكَ اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ قَالَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ‏.‏

فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، تَصِحُّ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ‏:‏ ‏"‏وَكَفَلَهَا زَكَرِيَّا‏"‏ بِتَخْفِيفِ ‏"‏الفَاءِ‏)‏، لَوْ صَحَّ التَّأْوِيلُ‏.‏ غَيْرَ أَنَّ الْقَوْلَ مُتَظَاهِرٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ‏:‏ أَنَّ اِسْتِهَامَ الْقَوْمِ فِيهَا كَانَ قَبْلَ كَفَالَةِ زَكَرِيَّا إِيَّاهَا، وَأَنْ زَكَرِيَّا إِنَّمَا كَفَلَهَا بِإِخْرَاجِ سَهْمِهِ مِنْهَا فَالِجًا عَلَى سِهَامِ خُصُومِهِ فِيهَا‏.‏ فَلِذَلِكَ كَانَتْ قِرَاءَتُهُ بِالتَّشْدِيدِ عِنْدَنَا أَوْلَى مِنْ قِرَاءَتِهِ بِالتَّخْفِيفِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ أَنَّ زَكَرِيَّا كَانَ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا الْمِحْرَابَ، بَعْدَ إِدْخَالِهِ إِيَّاهَا الْمِحْرَابَ، وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا مِنَ اللَّهِ لِغِذَائِهَا‏.‏

فَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَالرِّزْقَ الَّذِي كَانَ يَجِدُهُ زَكَرِيَّا عِنْدَهَا، أَيْ عِنْدَ مَرْيَمَ فَاكِهَةُ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ، وَفَاكِهَةُ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا‏}‏، قَالَ‏:‏ وُجِدَ عِنْدَهَا عِنَبًا فِي مِكْتَلٍ فِي غَيْرِ حِينِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا‏}‏، قَالَ‏:‏ الْعِنَبُ فِي غَيْرِ حِينِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا‏}‏، قَالَ‏:‏ فَاكِهَةً فِي غَيْرِ حِينِهَا‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْكُوفِيُّ، عَنِ الضَّحَّاكِ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يَجِدُ عِنْدَهَا فَاكِهَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ، وَفَاكِهَةَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ يَعْنِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِ، عَنِ الضَّحَّاكِ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَنْ سَمِعَ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ كَانَ يَجِدُ عِنْدَهَا الْعِنَبَ فِي غَيْرِ حِينِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا‏}‏، قَالَ‏:‏ عِنَبًا وَجَدَهُ زَكَرِيَّا عِنْدَمَرْيَمَفِي غَيْرِ زَمَانِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ عَرَبِيٍّ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا‏}‏، قَالَ‏:‏ فَاكِهَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ، وَفَاكِهَةَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا‏)‏، قَالَ‏:‏ كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهَا كَانَتْ تُؤْتَى بِفَاكِهَةِ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ، وَفَاكِهَةِ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا‏}‏، قَالَ‏:‏ وَجَدَ عِنْدَهَا ثَمَرَةً فِي غَيْرِ زَمَانِهَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ‏:‏ جَعَلَ زَكَرِيَّا دُونَهَا عَلَيْهَا سَبْعَةَ أَبْوَابٍ، فَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا فَيَجِدُ عِنْدَهَا فَاكِهَةَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ، وَفَاكِهَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى ‏[‏بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ‏]‏ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيُّ‏:‏ قَالَ‏:‏ جَعَلَهَا زَكَرِيَّا مَعَهُ فِي بَيْتٍ- وَهُوَ الْمِحْرَابُ- فَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا فِي الشِّتَاءِ فَيَجِدُ عِنْدَهَا فَاكِهَةَ الصَّيْفِ، وَيَدْخُلُ فِي الصَّيْفِ فَيَجِدُ عِنْدَهَا فَاكِهَةَ الشِّتَاءِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ يَجِدُ عِنْدَهَا فَاكِهَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ، أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا‏}‏، قَالَ‏:‏ وَجَدَ عِنْدَهَا ثِمَارَ الْجَنَّةِ، فَاكِهَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ، وَفَاكِهَةَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ قَالَ، حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ‏:‏ أَنَّ زَكَرِيَّا كَانَ يَجِدُ عِنْدَهَا ثَمَرَةَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ، وَثَمَرَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ كَانَ زَكَرِيَّا إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا يَعْنِي عَلَىمَرْيَمَ الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا مِنَ السَّمَاءِ، مِنَ اللَّهِ، لَيْسَ مِنْ عِنْدِ النَّاسِ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ لَوْ أَنَّ زَكَرِيَّا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الرِّزْقَ مِنْ عِنْدِهِ، لَمْ يَسْأَلْهَا عَنْهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أَنَّ زَكَرِيَّا كَانَ إِذَا دَخَلَ إِلَيْهَا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا مِنَ الرِّزْقِ فَضْلًا عَمَّا كَانَ يَأْتِيهَا بِهِ، الَّذِي كَانَ يَمُونُهَا فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ قَالَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ كَفَلَهَا بَعْدَ هَلَاكِ أُمِّهَا فَضَمَّهَا إِلَى خَالَتِهَاأُمِّ يَحْيَى، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ أَدْخَلُوهَا الْكَنِيسَةَ لِنَذْرِ أُمِّهَا الَّذِي نَذَرَتْ فِيهَا، فَجَعَلَتْ تَنْبُتُ وَتَزِيدُ‏.‏ قَالَ‏:‏ ثُمَّ أَصَابَتْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَزْمَةٌ وَهِيَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَالِهَا، حَتَّى ضَعُفَ زَكَرِيَّا عَنْ حَمْلِهَا، فَخَرَجَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ‏:‏ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَتَعْلَمُونَ‏؟‏ وَاللَّهِ لَقَدْ ضَعُفْتُ عَنْ حَمْلِاِبْنَةَ عِمْرَانَ‏!‏ فَقَالُوا‏:‏ وَنَحْنُ لَقَدْ جَهِدْنَا وَأَصَابَنَا مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ مَا أَصَابَكُمْ ‏!‏ فَتَدَافَعُوهَا بَيْنَهُمْ، وَهُمْ لَا يَرَوْنَ لَهُمْ مِنْ حَمْلِهَا بُدًا، حَتَّى تَقَارَعُوا بِالْأَقْلَامِ، فَخَرَجَ السَّهْمُ بِحَمْلِهَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ نَجَّارٍ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ، قَالَ‏:‏ فَعَرَفَتْمَرْيَمُفِي وَجْهِهِ شِدَّةَ مُؤْنَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَكَانَتْ تَقُولُ لَهُ‏:‏ يَا جُرَيْجُ، أَحْسِنْ بِاللَّهِ الظَّنَّ ‏!‏ فَإِنَّ اللَّهَ سَيَرْزُقُنَا ‏!‏ فَجَعَلَ جُرَيْجُ يُرْزَقُ بِمَكَانِهَا، فَيَأْتِيهَا كُلَّ يَوْمٍ مِنْ كَسْبِهِ بِمَا يُصْلِحُهَا، فَإِذَا أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا وَهِيَ فِي الْكَنِيسَةِ، أَنْمَاهُ اللَّهُ وَكَثَّرَهُ، فَيَدْخُلُ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا فَيَرَى عِنْدَهَا فَضْلًا مِنَ الرِّزْقِ، وَلَيْسَ بِقَدْرِ مَا يَأْتِيهَا بِهِ جُرَيْجُ، فَيَقُولُ‏:‏ ‏"‏يَامَرْيَمُ، أَنَّى لَكِ هَذَا ‏"‏‏؟‏ فَتَقُولُ‏:‏ ‏"‏هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ‏"‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَمَّا ‏"‏الْمِحْرَابُتَعْرِيفه‏)‏، فَهُوَ مُقَدَّمُ كُلِّ مَجْلِسٍ وَمُصَلًّى، وَهُوَ سَيِّدُ الْمَجَالِسِ وَأَشْرَفُهَا وَأَكْرَمُهَا، وَكَذَلِكَ هُوَ مِنَ الْمَسَاجِدِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ‏:‏

كَـدُمَى الْعَـاجِ فِـي المَحَـارِيبِ أَوْ *** كَـالْبَيْضِ فِـي الرَّوْضِ زَهْرُهُ مُسْتَنِيرُ

وَ ‏"‏المَحَارِيبُ‏"‏ جَمْعُ‏"‏مِحْرَابٍ‏)‏، وَقَدْ يُجْمَعُ عَلَى‏"‏مَحَارِبَ‏"‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ‏}‏ ‏[‏37‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏"‏قَالَ‏"‏ زَكَرِيَّا‏:‏ ‏{‏يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا‏"‏‏}‏‏؟‏ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ لَكِ هَذَا الَّذِي أَرَى عِنْدَكِ مِنَ الرِّزْقَ‏؟‏ قَالَتْمَرْيَمُمُجِيبَةٌ لَهُ‏:‏ ‏{‏هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏}‏، تَعْنِي‏:‏ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي رَزَقَهَا ذَلِكَ فَسَاقَهُ إِلَيْهَا وَأَعْطَاهَا‏.‏

وَإِنَّمَا كَانَ زَكَرِيَّا يَقُولُ ذَلِكَ لَهَا، لِأَنَّهُ كَانَ- فِيمَا ذُكِرَ لَنَا- يُغْلِقُ عَلَيْهَا سَبْعَةَ أَبْوَابٍ، وَيَخْرُجُ‏.‏ ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْهَا فَيَجِدُ عِنْدَهَا فَاكِهَةَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ، وَفَاكِهَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ‏.‏ فَكَانَ يَعْجَبُ مِمَّا يَرَى مِنْ ذَلِكَ، وَيَقُولُ لَهَا تَعَجُّبًا مِمَّا يَرَى‏:‏ ‏"‏أَنَّى لَكِ هَذَا ‏"‏‏؟‏ فَتَقُولُ‏:‏ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏.‏

حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ قَالَ، حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏يَامَرْيَمُأَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ فَإِنَّهُ وَجَدَ عِنْدَهَا الْفَاكِهَةَ الْغَضَّةَ حِينَ لَا تُوجَدُ الْفَاكِهَةُ عِنْدَ أَحَدٍ، فَكَانَ زَكَرِيَّا يَقُولُ‏:‏ ‏"‏يَامَرْيَمُأَنَّى لَكِ هَذَا‏"‏‏؟‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ‏}‏، فَخَبَرٌ مِنَ اللَّهِ أَنَّهُ يَسُوقُ إِلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ رِزْقَهُ، بِغَيْرِ إِحْصَاءٍ وَلَا عَدَدَ يُحَاسِبُ عَلَيْهِ عَبْدَهُ‏.‏ لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يَنْقُصُ سَوْقُهُ ذَلِكَ إِلَيْهِ كَذَلِكَ خَزَائِنَهُ، وَلَا يَزِيدُ إِعْطَاؤُهُ إِيَّاهُ، وَمُحَاسَبَتُهُ عَلَيْهِ فِي مُلْكِهِ، وَفِيمَا لَدَيْهِ شَيْئًا، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ عَلَمُ مَا يَرْزُقُهُ، وَإِنَّمَا يُحَاسِبُ مَنْ يُعْطِي مَا يُعْطِيهِ، مَنْ يَخْشَى النُّقْصَانَ مِنْ مُلْكِهِ، وَدُخُولُ النَّفَادِ عَلَيْهِ بِخُرُوجِ مَا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ بِغَيْرِ حِسَابٍ مَعْرُوفٍ، وَمَنْ كَانَ جَاهِلًا بِمَا يُعْطَى عَلَى غَيْرِ حِسَابٍ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ‏}‏ ‏[‏38‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ‏"‏‏}‏، فَمَعْنَاهَا‏:‏ عِنْدَ ذَلِكَ، أَيْ‏:‏ عِنْدَ رُؤْيَةِ زَكَرِيَّا مَا رَأَى عِنْدَمَرْيَمَمِنْ رِزْقِ اللَّهِ الَّذِي رَزَقَهَا، وَفَضْلِهِ الَّذِي آتَاهَا مِنْ غَيْرِ تَسَبُّبِ أَحَدٍ مِنَ الْآدَمِيِّينَ فِي ذَلِكَ لَهَا وَمُعَايَنَتِهِ عِنْدَهَا الثَّمَرَةَ الرَّطْبَةَ الَّتِي لَا تَكُونُ فِي حِينِ رُؤْيَتِهِ إِيَّاهَا عِنْدَهَا فِي الْأَرْضِ طَمِعَ بِالْوَلَدِ، مَعَ كِبَرِ سِنِّهِ، مِنَ الْمَرْأَةِ الْعَاقِرِ‏.‏ فَرَجَا أَنْ يَرْزُقَهُ اللَّهُ مِنْهَا الْوَلَدَ، مَعَ الْحَالِ الَّتِي هَمَا بِهَا، كَمَا رَزَقَمَرْيَمَعَلَى تَخَلِّيَهَا مِنَ النَّاسِ مَا رَزَقَهَا مِنْ ثَمَرَةِ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ وَثَمَرَةِ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مِمَّا جَرَتْ بِوُجُودِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْحِينِ الْعَادَاتُ فِي الْأَرْضِ، بَلِ الْمَعْرُوفِ فِي النَّاسِ غَيْرُ ذَلِكَ، كَمَا أَنَّ وِلَادَةَ الْعَاقِرِ غَيْرُ الْأَمْرِ الْجَارِيَةُ بِهِ الْعَادَاتُ فِي النَّاسِ‏.‏ فَرَغِبَ إِلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي الْوَلَدِ، وَسَأَلَهُ ذَرِّيَّةً طَيِّبَةً‏.‏

وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ بَيْتِ زَكَرِيَّا- فِيمَا ذُكِرَ لَنَا- كَانُوا قَدْ انْقَرَضُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ فَلَمَّا رَأَى زَكَرِيَّا مِنْ حَالِهَا ذَلِكَ يَعْنِي‏:‏ فَاكِهَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ، وَفَاكِهَةَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ قَالَ‏:‏ إِنَّ رَبًّا أَعْطَاهَا هَذَا فِي غَيْرِ حِينِهِ، لَقَادِرٌ عَلَى أَنْ يَرْزُقَنِي ذَرِّيَّةً طَيِّبَةً ‏!‏ وَرَغِبَ فِي الْوَلَدِ، فَقَامَ فَصَلَّى، ثُمَّ دَعَا رَبَّهُ سِرًّا فَقَالَ‏:‏ ‏{‏رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ اِمْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا‏}‏ ‏[‏سُورَةَ مَرْيَمَ‏:‏ 6‏]‏، وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ الْأَنْبِيَاءِ‏:‏ 89‏]‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ زَكَرِيَّا- يَعْنِي فَاكِهَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ، وَفَاكِهَةَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ- عِنْدَمَرْيَمَقَالَ‏:‏ إِنَّ الَّذِي يَأْتِي بِهَذَامَرْيَمَفِي غَيْرِ زَمَانِهِ، قَادِرٌ أَنْ يَرْزُقَنِي وَلَدًا، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ فَذَلِكَ حِينَ دَعَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ فَدَخَلَ الْمِحْرَابَ وَغَلَّقَ الْأَبْوَابَ، وَنَاجَى رَبَّهُ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏رَبِّ رَضِيًّا‏)‏ ‏{‏فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏}‏ الْآيَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَقَالَ، حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ‏:‏ فَدَعَا زَكَرِيَّا عِنْدَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا أَسَنَّ وَلَا وَلَدَ لَهُ، وَقَدْ اِنْقَرَضَ أَهْلُ بَيْتِهِ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذَرِّيَّةً طَيِّبَهً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ‏)‏، ثُمَّ شَكَا إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا‏}‏ إِلَى ‏{‏وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا‏}‏ ‏{‏فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ‏}‏ الْآيَةَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذَرِّيَّةً طَيِّبَةً‏)‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِـ ‏"‏الذَّرِّيَّةِ‏"‏ النَّسْلَ، وَبِـ ‏"‏الطَّيِّبَةِ‏"‏ الْمُبَارَكَةِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيُّ‏:‏ ‏{‏قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مُبَارَكَةً‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏مِنْ لَدُنْكَ‏)‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ مِنْ عِنْدِكَ‏.‏

وَأَمَّا ‏"‏الذَّرِّيَّةُ‏)‏، فَإِنَّهَا جَمْعٌ، وَقَدْ تَكُونُ فِي مَعْنَى الْوَاحِدِ، وَهِيَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْوَاحِدِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، مُخْبِرًا عَنْ دُعَاءِ زَكَرِيَّا‏:‏ ‏{‏فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا‏}‏ ‏[‏سُورَةَ مَرْيَمَ‏:‏ 5‏]‏، وَلَمْ يَقُلْ‏:‏ أَوْلِيَاءً- فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ سَأَلَ وَاحِدًا‏.‏ وَإِنَّمَا أَنَّثَ‏"‏طَيِّبَةً‏)‏، لِتَأْنِيثِ الذَّرِّيَّةِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

أَبُـوكَ خَلِيفَـةٌ وَلَدَتْـهُ أُخْـرَى *** وَأَنْـتَ خَلِيفَـةٌ، ذَاكَ الكَمَـالُ

فَقَالَ‏:‏ ‏"‏وَلَدَتْهُ أُخْرَى‏)‏، فَأَنَّثَ، وَهُوَ ذَكَرٌ، لِتَأْنِيثِ لَفْظِ ‏"‏الخَلِيفَةِ‏)‏، كَمَا قَالَ الْآخَرُ‏:‏

فَمَـا تَـزْدَرِي مِـنْ حَيَّـةٍ جَبَلِيَّـةٍ *** سُـكَاتٍ، إِذَا مَـا عَـضَّ لَيْسَ بِـأَدْرَدَا

فَأَنَّثَ ‏"‏الجَبَلِيَّةَ‏"‏ لِتَأْنِيثِ لَفْظِ ‏"‏الحَيَّةِ‏)‏، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَعْنَى فَقَالَ‏:‏ ‏"‏إِذَا مَا عَضَّ‏)‏، لِأَنَّهُ كَانَ أَرَادَ حَيَّةً ذَكَرًا، وَإِنَّمَا يَجُوزُ هَذَا فِيمَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ‏"‏فُلَانٌ‏"‏ مِنَ الْأَسْمَاءِ، كَـ ‏"‏الدَّابَّةِ، وَالذُّرِّيَّةِ، وَالْخَلِيفَةِ‏"‏‏.‏ فَأَمَّا إِذَا سُمِّيَ رَجُلٌ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَكَانَ فِي مَعْنَى‏"‏فُلَانٍ‏)‏، لَمْ يَجُزْ تَأْنِيثُ فِعْلِهِ وَلَا نَعْتُهُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ‏}‏، فَإِنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ إِنَّكَ سَامِعُ الدُّعَاءِ، غَيْرَ أَنَّ‏"‏سَمِيعَ‏)‏، أَمْدَحُ، وَهُوَ بِمَعْنَى‏:‏ ذُو سَمْعِ لَهُ‏.‏

وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْبَصْرَةِ أَنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ إِنَّكَ تَسْمَعَ مَا تُدْعَى بِهِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ فَقَالَ‏:‏ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ عِنْدِكَ وَلَدًا مُبَارَكًا، إِنَّكَ ذُو سَمْعِ دُعَاءِ مَنْ دَعَاكَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏39‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اِخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ‏:‏ ‏"‏فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ‏"‏ عَلَى التَّأْنِيثِ بِالتَّاءِ، يُرَادُ بِهَا‏:‏ جَمْعُ ‏"‏المَلَائِكَةِ‏"‏‏.‏ وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ فِي جَمَاعَةِ الذُّكُورِ إِذَا تَقَدَّمَتْ أَفْعَالُهَا، أَنَّثَتْ أَفْعَالَهَا، وَلَا سِيَّمَا الْأَسْمَاءَ الَّتِي فِي أَلْفَاظِهَا التَّأْنِيثُ، كَقَوْلِهِمْ‏:‏ جَاءَتْ الطَّلَحَاتُ‏"‏‏.‏

وَقَدْ قَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِالْيَاءِ، بِمَعْنَى فَنَادَاهُ جِبْرِيلُ، فَذَكَّرُوهُ لِلتَّأْوِيلِ، كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّهُمْ يُؤَنِّثُونَ فِعْلَ الذَكَرِ لِلَّفْظِ، فَكَذَلِكَ يُذَكِّرُونَ فِعْلَ الْمُؤَنَّثِ أَيْضًا لِلَّفْظِ‏.‏ وَاعْتَبَرُوا ذَلِكَ فِيمَا أَرَى بِقِرَاءَةٍ يُذْكَرُ أَنَّهَا قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَجَّاجِ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ، أَنَّ قِرَاءَةَ اِبْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ ‏(‏فَنَادَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ‏)‏‏.‏

وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ‏"‏ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مِنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏"‏فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ‏)‏، وَهُوَ جِبْرِيلُ أَوْ‏:‏ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَهُوَ جِبْرِيلُ ‏"‏أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى‏"‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُقَالَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ‏:‏ ‏"‏فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ‏)‏، وَ ‏"‏المَلَائِكَةُ‏"‏ جَمْعٌ لَا وَاحِدٌ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، بِأَنْ تُخْبِرَ عَنِ الْوَاحِدِ بِمَذْهَبِ الْجَمْعِ، كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ‏:‏ ‏"‏خَرَجَ فُلَانٌ عَلَى بِغَالِ الْبُرُدِ‏)‏، وَإِنَّمَا رَكِبَ بَغْلًا وَاحِدًا ‏"‏وَرَكْبِ السُّفُنَ‏)‏، وَإِنَّمَا رَكِبَ سَفِينَةً وَاحِدَةً‏.‏ وَكَمَا يُقَالُ‏:‏ ‏"‏مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا الْخَبَرَ ‏"‏‏؟‏ فَيُقَالُ‏:‏ ‏"‏مِنَ النَّاسِ‏)‏، وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ‏.‏ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ مِنْهُ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 173‏]‏، وَالْقَائِلُ كَانَ فِيمَا كَانَ ذُكِرَ- وَاحِدًا وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ الرُّومِ‏:‏ 33‏]‏، وَالنَّاسُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ‏.‏ وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ فِيمَا لَمْ يُقْصَدْ فِيهِ قَصْدٌ وَاحِدٌ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَإِنَّمَا الصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدِي فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ أَعْنِي ‏"‏التَّاءَ‏"‏ وَ ‏"‏اليَاءِ‏"‏ فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا اِخْتِلَافَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْقِرَاءَتَيْنِ، وَهُمَا جَمِيعًا فَصِيحَتَانِ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنَّ ‏"‏المَلَائِكَةَ‏"‏ إِنْ كَانَ مُرَادًا بِهَا جِبْرِيلُ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّ التَّأْنِيثَ فِي فِعْلِهَا فَصِيحٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لِلَفْظِهَا، إِنْ تَقَدَّمَهَا الْفِعْلُ‏.‏ وَجَائِزٌ فِيهِ التَّذْكِيرُ لِمَعْنَاهَا‏.‏

وَإِنْ كَانَ مُرَادًا بِهَا جَمْعُ ‏"‏الْمَلَائِكَةِ‏)‏، فَجَائِزٌ فِي فِعْلِهَا التَّأْنِيثُ، وَهُوَ مِنْ قَبْلِهَا، لِلَفْظِهَا‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا قَدَّمَتْ عَلَى الْكَثِيرِ مِنَ الْجَمَاعَةِ فِعْلَهَا، أَنَّثَتْهُ، فَقَالَتْ‏:‏ ‏"‏قَالَتِ النِّسَاءُ‏"‏‏.‏ وَجَائِزٌ التَّذْكِيرُ فِي فِعْلِهَا، بِنَاءً عَلَى الْوَاحِدِ، إِذَا تَقَدَّمَ فِعْلُهُ، فَيُقَالُ‏:‏ ‏"‏قَالَ الرِّجَالُ‏"‏‏.‏

وَأَمَّا الصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَأَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ نَادَتْهُ‏.‏ وَالظَّاهِرُ مِنْ ذَلِكَ، أَنَّهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ دُونَ الْوَاحِدِ، وَجِبْرِيلُ وَاحِدٌ‏.‏

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ تَأْوِيلُ الْقُرْآنِ إِلَّا عَلَى الْأَظْهَرِالْأَكْثَرِ مِنَ الْكَلَامِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي أَلْسُنِ الْعَرَبِ، دُونَ الْأَقَلِّ مَا وُجِدَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ‏.‏ وَلَمْ تَضْطَّرُّنَا حَاجَةٌ إِلَى صَرْفِ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَيُحْتَاجُ لَهُ إِلَى طَلَبِ الْمَخْرَجِ بِالْخَفِيِّ مِنَ الْكَلَامِ وَالْمَعَانِي‏.‏

وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ‏:‏ قَتَادَةُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُمْ‏.‏ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏39‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَهُوَ قَائِمٌ‏:‏ ‏"‏ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ فِي حَالِ قِيَامِهِ مُصَلِّيًا‏.‏ فَقَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏وَهُوَ قَائِمٌ‏)‏، خَبَرٌ عَنْ وَقْتِ نِدَاءِ الْمَلَائِكَةِ زَكَرِيَّا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏يُصَلِّي‏"‏ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنَ ‏"‏ الْقِيَامِ‏)‏، وَهُوَ رَفْعٌ بِالْيَاءِ‏.‏

وَأَمَّا ‏"‏المِحْرَابُ‏)‏، فَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَاهُ، وَأَنَّهُ مُقَدَّمُ الْمَسْجِدِ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الَقْرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ‏"‏‏.‏

فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ الَقْرَأَةِ‏:‏ ‏(‏أَنَّ اللَّهَ‏)‏ بِفَتْحِ ‏"‏الْأَلِفِ‏"‏ مِنْ‏"‏أَنَّ‏)‏، بِوُقُوعِ ‏"‏النِّدَاءِ‏"‏ عَلَيْهَا، بِمَعْنَى‏:‏ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِذَلِكَ‏.‏

وَقَرَأَهُ بَعْضُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ‏}‏ بِكَسْرِ ‏"‏الأَلِفِ‏)‏، بِمَعْنَى‏:‏ قَالَتِ الْمَلَائِكَةِ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ، لِأَنَّ النِّدَاءَ قَوْلٌ‏.‏ وَذَكَرُوا أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ يَا زَكَرِيَّا إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ‏}‏ قَالُوا‏:‏ وَإِذَا بَطَلَ النِّدَاءُ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏يَا زَكَرِيَّا‏)‏، فَبَاطِلٌ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ عَامِلًا فِي‏"‏إِنَّ‏"‏‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا‏:‏ ‏"‏أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ‏"‏ بِفَتْحِ‏"‏أَنَّ‏"‏ بِوُقُوعِ النِّدَاءِ عَلَيْهِ، بِمَعْنَى‏:‏ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِذَلِكَ‏.‏

وَلَيْسَتِ الْعِلَّةُ الَّتِي اِعْتَلَّ بِهَا الْقَارِئُونَ بِكَسْرِ‏"‏إِنَّ‏"‏ مِنْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ، فَقَرَأُوهَا كَذَلِكَ ‏[‏لَهُمْ بِعِلَّةٍ‏]‏ وَذَلِكَ أَنْ عَبْدَ اللَّهِ إِنْ كَانَ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَإِنَّمَا قَرَأَهَا بِزَعْمِهِمْ، وَقَدِ اِعْتُرِضَ بِنِدَاءِ زَكَرِيَّا بَيْنَ‏"‏إِنَّ‏"‏ وَبَيْنَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏فَنَادَتْهُ‏)‏، وَإِذَا اِعْتُرِضَ بِهِ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الْعَرَبَ تُعْمِلُ حِينَئِذٍ النِّدَاءَ فِي‏"‏أَنَّ‏)‏، وَتُبْطِلُهُ عَنْهَا‏.‏ أَمَّا الْإِبْطَالُ، فَلِأَنَّهُ بَطَلَ عَنِ الْعَمَلِ فِي الْمُنَادَى قَبْلَهُ، فَأَسْلِكُوا الَّذِي بَعْدَهُ مَسْلَكَهُ فِي بُطُولِ عَمَلِهِ‏.‏ وَأَمَّا الْإِعْمَالُ، فَلِأَنَّ النِّدَاءَ فِعْلٌ وَاقِعٌ‏.‏ كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ‏.‏

وَأَمَّا قِرَاءَتُنَا، فَلَيْسَ نِدَاءُ زَكَرِيَّا بِـ‏"‏يَا زَكَرِيَّا ‏"‏ مُعْتَرَضًا بِهِ بَيْنَ‏"‏أَنْ‏"‏ وَبَيْنَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏فَنَادَتْهُ‏"‏‏.‏ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا، فَالْكَلَامُ الْفَصِيحُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ إِذَا نَصَبَتْ بِقَوْلِ‏:‏ ‏"‏نَادَيْتُ‏"‏ اِسْمَ الْمُنَادَى وَأَوْقَعُوهُ عَلَيْهِ، أَنْ يُوقِعُوهُ كَذَلِكَ عَلَى‏"‏أَنَّ‏"‏ بَعْدَهُ‏.‏ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا إِبْطَالُ عَمَلِهِ، فَقَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏نَادَتْهُ‏)‏، قَدْ وَقَعَ عَلَى مَكْنِيِّ‏"‏ زَكَرِيَّا‏)‏، فَكَذَلِكَ الصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ وَاقِعًا عَلَى‏"‏أَنْ‏"‏ وَعَامِلًا فِيهَا‏.‏

مَعَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِرَاءَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ فِي قِرَاءَةِ أَمْصَارِ الْإِسْلَامِ‏.‏ وَلَا يُعْتَرَضُ بِالشَّاذِّ عَلَى الْجَمَاعَةِ الَّتِي تَجِيءُ مَجِيءَ الْحُجَّةِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏يُبَشِّرُكَ‏)‏، فَإِنَّ الْقَرَأَةَ اِخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَتِهِ‏.‏

فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ‏:‏ ‏{‏أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ‏}‏ بِتَشْدِيدِ ‏"‏الشِّينِ‏"‏ وَضَمِّ ‏"‏اليَاءِ‏)‏، عَلَى وَجْهِ تَبْشِيرِ اللَّهِ زَكَرِيَّا بِالْوَلَدِ، مِنْ قَوْلِ النَّاسِ‏:‏ ‏"‏بَشَّرَتْ فُلَانًا الْبُشَرَاءُ بِكَذَا وَكَذَا‏)‏، أَيْ‏:‏ أَتَتْهُ بِشَارَاتٌ الْبُشَرَاءِ بِذَلِكَ‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ قَرَأَةِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ‏:‏ ‏{‏أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ‏}‏، بِفَتْحِ ‏"‏اليَاءِ‏"‏ وَضَمِّ ‏"‏الشِّينِ‏"‏ وَتَخْفِيفِهَا، بِمَعْنَى‏:‏ أَنَّ اللَّهَ يَسُرُّك بِوَلَدٍ يَهَبُهُ لَكَ، مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ‏:‏

بَشِـرَتْ عِيَـالِي إِذْ رَأَيْـتُ صَحِيفَـةً *** أَتَتْـكَ مِـنَ الحَجَّـاجِ يُتْـلَى كِتَابُهَـا

وَقَدْ قِيلَ‏:‏ إِنْ‏"‏بَشَّرْتُ‏"‏ لُغَةُ أَهْلِ تِهَامَةَ مِنْ كِنَانَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ ‏"‏بَشَّرْتُ فُلَانًا بِكَذَا، فَأَنَا أَبَشِّرُهُ بِشْرًا‏)‏، وَ‏"‏هَلْ أَنْتَ بَاشِرٌ بِكَذَا ‏"‏‏؟‏ وَيُنْشَدُ لَهُمُ الْبَيْتُ فِي ذَلِكَ‏:‏

وَإِذَا رَأَيْـتَ البَاهِشِـينَ إلَـى العُـلَى *** غُـبْرًا أَكُـفُّهُمُ بِقَـاعٍ مُمْحِـلِ

فَـأَعِنْهُمُ، وَابْشِـرْ بِمَـا بَشِـرُوا بِـهِ، *** وَإِذَا هُـمُ نَزَلُـوا بِضَنْـكٍ فَـانْزِلِ

فَإِذَا صَارُوا إِلَى الْأَمْرِ، فَالْكَلَامُ الصَّحِيحُ مِنْ كَلَامِهِمْ بِلَا أَلْفٍ فَيُقَالُ‏:‏ ‏"‏اِبْشَرْ فُلَانًا بِكَذَا‏)‏، وَلَا يَكَادُونَ يَقُولُونَ‏:‏ ‏"‏بَشِّرْهُ بِكَذَا، وَلَا أَبْشِرْهُ‏"‏‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ‏:‏ ‏(‏يُبَشِّرُكَ‏)‏، بِضَمِّ ‏"‏الْيَاءِ ‏"‏ وَكَسْرِ ‏"‏الشِّينِ‏"‏ وَتَخْفِيفِهَا‏.‏ وَقَدْ‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُقَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ، عَنْ مُعَاذٍ الْكُوفِيِّ قَالَ‏:‏ مَنْ قَرَأَ‏:‏ ‏(‏يُبَشِّرُهُمْ‏)‏ مُثْقَلَةً، فَإِنَّهُ مِنَ الْبِشَارَةِ، وَمَنْ قَرَأَ‏:‏ ‏(‏يَبْشُرُهُمْ‏)‏، مُخَفَّفَةً، بِنَصْبِ ‏"‏اليَاءِ‏)‏، فَإِنَّهُ مِنَ السُّرُورِ، يَسُرُّهُمْ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي هِيَ الْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ، ضَمُّ ‏"‏اليَاءِ‏"‏ وَتَشْدِيدُ ‏"‏الشِّينِ‏)‏، بِمَعْنَى التَّبْشِيرِ‏.‏ لِأَنَّ ذَلِكَ هِيَ اللُّغَةُ السَّائِرَةُ وَالْكَلَامُ الْمُسْتَفِيضُ الْمَعْرُوفُ فِي النَّاسِ، مَعَ أَنَّ جَمِيعَ قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ مُجْمِعُونَ فِي قِرَاءَةِ‏:‏ ‏{‏فَبِمَ تُبِشِّرُونَ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ الْحِجْرِ‏:‏ 54‏]‏، عَلَى التَّشْدِيدِ‏.‏ وَالصَّوَابُ فِي سَائِرٍ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَظَائِرِهِ، أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ فِي التَّشْدِيدِ وَضَمِّ ‏"‏اليَاءِ‏"‏‏.‏

وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ الْكُوفِيِّ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ مَعْنَى التَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ نَجِدْ أَهْلَ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ يَعْرِفُونَهُ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ، فَلَا مَعْنَى لِمَا حُكِيَ مِنْ ذَلِكَ عَنْهُ، وَقَدْ قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَطِيَّةَ‏:‏

يَـا بِشْـرُ حُـقَّ لِوَجْـهِكَ التَّبْشِـيرُ *** هَـلَّا غَضِبْـتَ لَنَـا‏؟‏ وَأَنْـتَ أَمِـيرُ ‏!‏

فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ ‏"‏التَّبْشِيرَ‏)‏، الْجَمَالَ وَالنَّضَارَةَ وَالسُّرُورَ، فَقَالَ ‏"‏التَّبْشِيرُ‏"‏ وَلَمْ يَقِلِ ‏"‏الْبِشْرَ‏)‏، فَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى التَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُك بِيَحْيَى‏}‏، قَالَ‏:‏ بَشَّرَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ بِيَحْيَى‏)‏، فَإِنَّهُ اِسْمٌ، أَصْلُهُ‏"‏يَفْعَلُ‏)‏، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ ‏"‏حَيِيَ فُلَانٌ فَهُوَ يَحْيَى‏)‏، وَذَلِكَ إِذَا عَاشَ‏.‏‏"‏فَيَحْيَى‏"‏‏"‏يَفْعَلُ‏"‏ مِنْ قَوْلِهِمْ ‏"‏حَيِيٌّ‏"‏‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ سَمَّاهُ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ اِسْمَهُ‏:‏ أَحْيَاهُ بِالْإِيمَانِ‏.‏

ذِكْرُ مِنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى‏}‏، يَقُولُ‏:‏ عَبْدٌ أَحْيَاهُ اللَّهُ بِالْإِيمَانِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى‏"‏‏}‏، قَالَ‏:‏ إِنَّمَاسُمِّي يَحْيَى، لِأَنَّ اللَّهَ أَحْيَاهُ بِالْإِيمَانِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏39‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ يَا زَكَرِيَّا بِيَحْيَى اِبْنًا لَكَ، ‏{‏مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ بِعِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ‏.‏

وَنُصِبَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏مُصَدِّقًا‏"‏ عَلَى الْقَطْعِ مِنْ‏"‏ يَحْيَى‏)‏، لِأَنَّ‏"‏مُصَدِّقًا‏"‏ نَعْتٌ لَهُ، وَهُوَ نَكِرَةٌ، وَ‏"‏ يَحْيَى ‏"‏ غَيْرُ نَكِرَةٍ‏.‏

وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مِنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ الطُّفَاوِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ عَرَبِيٍّ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ قَالَتْاِمْرَأَةُ زَكَرِيَّا لِمَرْيَمَ‏:‏ إِنِّي أَجِدُ الَّذِي فِي بَطْنِي يَتَحَرَّكُ لِلَّذِي فِي بَطْنِكَ ‏!‏ قَالَ‏:‏ فَوَضَعَتِاِمْرَأَةُ زَكَرِيَّا يَحْيَى، وَمَرْيَمُ عِيسَى، وَلِذَا قَالَ‏:‏ ‏"‏مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏)‏، قَالَ‏:‏ يَحْيَى مُصَدِّقٌ بِعِيسَى‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنِ الرَّقَاشِيُّ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مُصَدِّقًا بِعِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ قَالَ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مُصَدِّقًا بِعِيسَى‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مُصَدِّقًا بِعِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ، وَعَلَى سُنَّتِهِ وَمِنْهَاجِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ عِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مُصَدِّقًا بِعِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ، يَقُولُ عَلَى سُنَنِهِ وَمِنْهَاجِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏{‏مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ أَوَّلَ رَجُلٍ صَدَّقَ عِيسَى، وَهُوَ كَلِمَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرُوحٌ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏}‏، يُصَدِّقُ بِعِيسَى‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏}‏، كَانَ يَحْيَى أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ بِعِيسَى وَشَهِدَ أَنَّهُ كَلِمَةٌ مِنَ اللَّهِ، وَكَانَ يَحْيَى اِبْنَ خَالَةِ عِيسَى، وَكَانَ أَكْبَرَ مِنْ عِيسَى‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ، هُوَ الْكَلِمَةُ مِنَ اللَّهِ، اِسْمُهُ الْمَسِيحُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، أَخْبَرَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ عِيسَى وَيَحْيَى اِبْنَيْ خَالَةٍ، وَكَانَتْأُمُّ يَحْيَىتَقُولُلِمَرْيَمَ‏:‏ إِنِّي أَجِدُ الَّذِي فِي بَطْنِي يَسْجُدُ لِلَّذِي فِي بَطْنِكَ‏!‏ فَذَلِكَ تَصْدِيقُهُ بِعِيسَى‏:‏ سُجُودُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ‏.‏ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ بِعِيسَى وَكَلِمَةِ عِيسَى، وَيَحْيَى أَكْبَرُ مِنْ عِيسَى‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْكَلِمَةُ الَّتِي صَدَّقَ بِهَا‏:‏ عِيسَى‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ لَقِيَتْأُمُّ يَحْيَى أُمِّ عِيسَى، وَهَذِهِ حَامِلٌ بِيَحْيَى، وَهَذِهِ حَامِلٌ بِعِيسَى، فَقَالَتْاِمْرَأَةُ زَكَرِيَّا‏:‏ يَامَرْيَمُ، اِسْتَشْعَرْتُ أَنِّي حُبْلَى‏!‏ قَالَتْمَرْيَمُ‏:‏ اِسْتَشْعَرَتْ أَنِّي أَيْضًا حُبْلَى‏!‏ قَالَتْاِمْرَأَةُ زَكَرِيَّا‏:‏ فَإِنِّي وَجَدْتُ مَا فِي بَطْنِي يَسْجُدُ لِمَا فِي بَطْنِكِ‏!‏ فَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مُصَدِّقًا بِعِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِلُغَاتِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏}‏، بِكِتَابٍ مِنَ اللَّهِ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ‏:‏ ‏"‏أَنْشَدَنِي فُلَانٌ كَلِمَةَ كَذَا‏)‏، يُرَادُ بِهِ‏:‏ قَصِيدَةُ كَذَا جَهْلًا مِنْهُ بِتَأْوِيلِ ‏"‏الكَلِمَةِ‏)‏، وَاجْتِرَاءً عَلَى تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ بِرَأْيهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏39‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ‏(‏وَسَيِّدًا‏)‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏"‏وَسَيِّدًا‏)‏، وَشَرِيفًا فِي الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ‏.‏

وَنُصِبَ ‏"‏السَّيِّدُ‏"‏ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏مُصَدِّقًا‏"‏‏.‏

وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِهَذَا، وَسَيِّدًا‏.‏ ‏"‏وَالسَّيِّدُ ‏"‏ ‏"‏الْفَيْعِلُ‏"‏ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ ‏"‏سَادَ يَسُودُ‏)‏، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏وَسَيِّدًا‏"‏ إِيْ وَاللَّهِ، لَسَيِّدٌ فِي الْعِبَادَةِ وَالْحِلْمِ وَالْعِلْمِ وَالْوَرَعِ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ قَالَ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَسَيِّدًا‏)‏، قَالَ‏:‏ السَّيِّدُ، لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ‏:‏ فِي الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ السَّيِّدُ الْحَلِيمُ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ‏"‏وَسَيِّدًا‏)‏، قَالَ‏:‏ الْحَلِيمُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا شَرَّيْكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏"‏وَسَيِّدًا‏)‏، قَالَ‏:‏ السَّيِّدُ التَّقِيُّ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏"‏وَسَيِّدًا‏)‏، قَالَ‏:‏ السَّيِّدُ الْكَرِيمُ عَلَى اللَّهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ قَالَ‏:‏ زَعَمَ الرَّقَاشِيُّ أَنَّ السَّيِّدَ، الْكَرِيمَ عَلَى اللَّهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا هَشِيمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏"‏وَسَيِّدًا‏)‏، قَالَ‏:‏ السَّيِّدُ الْحَلِيمُ التَّقِيُّ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَسَيِّدًا‏)‏، قَالَ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ تَقِيًّا حَلِيمًا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَسَيِّدًا‏)‏، قَالَ‏:‏ حَلِيمًا تَقِيًّا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا اِبْنُ وَهْبٍ، عَنِ اِبْنِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَسَيِّدًا‏)‏، قَالَ‏:‏ السَّيِّدُ‏:‏ الشَّرِيفُ‏.‏

حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السُّكُونِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏"‏وَسَيِّدًا‏)‏، قَالَ‏:‏ السَّيِّدُ الْفَقِيهُ الْعَالِمُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏وَسَيِّدًا‏)‏، قَالَ، يَقُولُ‏:‏ حَلِيمًا تَقِيًّا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ ‏"‏وَسَيِّدًا‏)‏، قَالَ‏:‏ السَّيِّدُ الَّذِي لَا يَغْلِبُهُ الْغَضَبُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏39‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ‏}‏ ‏[‏39‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ مُمْتَنِعًا مِنْ جِمَاعِ النِّسَاءِ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ ‏"‏حَصِرْتُ مِنْ كَذَا أَحْصَرُ‏)‏، إِذَا اِمْتَنَعَ مِنْهُ‏.‏ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ‏:‏ ‏"‏حَصِرَ فُلَانٌ فِي قِرَاءَتِهِ‏)‏، إِذَا اِمْتَنَعَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا‏.‏ وَكَذَلِكَ‏"‏حَصْرُ الْعَدُوِّ‏)‏، حَبْسُهُمْ النَّاسَ وَمَنْعُهُمْ إِيَّاهُمْ التَّصَرُّفَ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلَّذِي لَا يُخْرِجُ مَعَ نُدَمَائِهِ شَيْئًا، ‏"‏حَصُورٌ‏)‏، كَمَا قَالَ الْأَخْطَلُ‏:‏

وَشَـارِبٍ مُـرْبِحٍ بِالكَـأْسِ نَـادَمَنِي *** لَا بِـالَحصُورِ وَلَا فِيهَـا بِسَـوَّارِ

وَيُرْوَى‏:‏ ‏"‏بِسَآرِ‏"‏‏.‏ وَيُقَالُ أَيْضًا لِلَّذِي لَا يُخْرِجُ سِرَّهُ وَيَكْتُمُهُ‏"‏حَصُورٌ‏)‏، لِأَنَّهُ يَمْنَعُ سِرَّهُ أَنْ يَظْهَرَ، كَمَا قَالَ جَرِيرٌ‏:‏

وَلَقَـدْ تَسَـاقَطَنِي الوُشَـاةُ، فَصَـادَفُوا *** حَـصِرًا بِسِـرِّكِ يَـا أُمَيْـمَ ضَنِينَـا

وَأَصْلُ جَمِيعِ ذَلِكَ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمَنْعُ وَالْحَبْسُ‏.‏

وَبِمَثَلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ خَلَفٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَسَيِّدًا وَحَصُورًا‏}‏، قَالَ‏:‏ الْحَصُورُ، الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي اِبْنُ الْعَاصِ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ ‏(‏كُلُّ بَنِي آدَمَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ ذَنْبٌ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا‏.‏ قَالَ‏:‏ ثُمَّ دَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَأَخَذَ عُوَيْدًا صَغِيرًا، ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا لِلرِّجَالِ إِلَّا مِثْلُ هَذَا الْعُودِ، وَبِذَلِكَ سَمَّاهُ اللَّه‏"‏سَيِّدًا وَحَصُورًا‏"‏‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ، سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ‏:‏ لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا يَلْقَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذَا ذَنْبٍ إِلَّا يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، كَانَ حَصُورًا، مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ‏:‏ قَالَ اِبْنُ الْعَاصِ- إِمَّا عَبْدُ اللَّهِ، وَإِمَّا أَبُوهُ-‏:‏ مَا أَحَدٌ يَلْقَى اللَّهَ إِلَّا وَهُوَ ذُو ذَنْبٍ، إِلَّا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا‏.‏ قَالَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ‏:‏ ‏"‏وَسَيِّدًا وَحَصُورًا‏)‏، قَالَ‏:‏ الْحَصُورُ، الَّذِي لَا يَغْشَى النِّسَاءَ، وَلَمْ يَكُنْ مَا مَعَهُ إِلَّا مَثَلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ‏.‏

حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السُّكُونِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَحَصُورًا‏"‏ قَالَ‏:‏ الْحَصُورُ الَّذِي لَا يَشْتَهِي النِّسَاءَ‏.‏ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى الْأَرْضِ فَأَخَذَ نَوَاةً فَقَالَ‏:‏ مَا كَانَ مَعَهُ إِلَّا مَثَلَ هَذِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ الْحَصُورُ، الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ عَرَبِيٍّ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏"‏وَحَصُورًا‏)‏، قَالَ‏:‏ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ الْحَصُورُ‏:‏ لَا يَقْرَبُ النِّسَاءَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ قَالَ‏:‏ زَعَمَ الرَّقَاشِيُّ‏:‏ ‏(‏الحَصُورُ‏"‏ الَّذِي لَا يَقْرَبُ النِّسَاءَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ‏:‏ ‏(‏الحَصُورُ‏)‏، الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ مَاءٌ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَحَصُورًا‏)‏، قَالَ‏:‏ هُوَ الَّذِي لَا مَاءَ لَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏وَحَصُورًا‏)‏، كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ الْحَصُورَ الَّذِي لَا يَقْرَبُ النِّسَاءَ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ قَالَ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَسَيِّدًا وَحَصُورًا‏)‏، قَالَ‏:‏ الْحَصُورُ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ الْحَصُورُ الَّذِي لَا يُنْـزِلُ الْمَاءَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا اِبْنُ وَهْبٍ، عَنِ اِبْنِ زَيْدٍ‏:‏ ‏"‏وَحَصُورًا‏)‏، قَالَ‏:‏ الْحَصُورُ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيُّ‏:‏ ‏"‏وَحَصُورًا‏)‏، قَالَ‏:‏ الْحَصُورُ، الَّذِي لَا يُرِيدُ النِّسَاءَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏"‏وَحَصُورًا‏)‏، قَالَ‏:‏ لَا يَقْرَبُ النِّسَاءَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ‏"‏ فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ رَسُولًا لِرَبِّهِ إِلَى قَوْمِهِ، يُنْبِئُهُمْ عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، وَيُبَلِّغُهُمْ عَنْهُ مَا أَرْسَلَهُ بِهِ إِلَيْهِمْ‏.‏

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏مِنَ الصَّالِحِينَ‏)‏، مِنْ أَنْبِيَائِهِ الصَّالِحِينَ‏.‏

وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى ‏"‏النُّبُوَّةِ‏"‏ وَمَا أَصْلُهَا، بِشَوَاهِدِ ذَلِكَ وَالْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَاِمْرَأَتِي عَاقِرٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي أَنَّ زَكَرِيَّا قَالَ إِذْ نَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ‏:‏ ‏{‏أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ‏}‏ ‏"‏ ‏"‏أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ‏"‏‏؟‏ يَعْنِي‏:‏ مَنْ بَلَغَ مِنَ السَّنِّ مَا بَلَغْتُ لَمْ يُولَدْ لَهُ ‏"‏وَاِمْرَأَتِي عَاقِرٌ‏"‏‏.‏

‏"‏وَالْعَاقِرُ‏"‏ مِنَ النِّسَاءِ الَّتِي لَا تَلِدُ‏.‏ يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏اِمْرَأَةٌ عَاقِرٌ، وَرَجُلٌ عَاقِرٌ‏)‏، كَمَا قَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ‏:‏

لَبِئْـسَ الفَتَـى‏!‏ إِنْ كُـنْتُ أَعْوَرَ عَاقِرًا *** جَبَانًـا، فَمَـا عُذْرِي لَدَى كُلِّ مَحْضَرِ‏!‏‏!‏

وَأَمَّا ‏"‏الكِبَرُ‏"‏ فَمَصْدَرُ‏:‏ ‏"‏كَبِرَ فَهُوَ يَكْبَرُ كِبَرًا‏"‏‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ ‏"‏بَلَغَنِي الْكِبَرُ‏)‏، وَقَدْ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ‏:‏ ‏{‏قَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ مَرْيَمَ‏:‏ 8‏]‏، لِأَنَّ مَا بَلَغَكَ فَقَدْ بَلَغْتَهُ‏.‏ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ‏:‏ قَدْ كَبُرْتُ، وَهُوَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ ‏"‏قَدْ بَلَغَنِيَ الْجَهْدُ‏"‏ بِمَعْنَى‏:‏ أَنِّي فِي جَهْدٍ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَكَيْفَ قَالَ زَكَرِيَّا وَهُوَ نَبِيُّ اللَّهِ‏:‏ ‏"‏رَبِّ أَنِّي يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَاِمْرَأَتِي عَاقِرٌ‏)‏، وَقَدْ بَشَّرَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِمَا بَشَّرَتْهُ بِهِ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهَا بِهِ‏؟‏ أَشُكُّ فِي صِدْقِهِمْ‏؟‏ فَذَلِكَ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِهِ أَهْلُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ‏!‏ فَكَيْفَ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ‏؟‏ أَمْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ اِسْتِنْكَارًا لِقُدْرَةِ رَبِّهِ‏؟‏ فَذَلِكَ أَعْظَمُ فِي الْبَلِيَّةِ‏!‏

قِيلَ‏:‏ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَيْرِ مَا ظَنَنْتَ، بَلْ كَانَ قِيلُهُ مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيُّ‏:‏ لَمَّا سَمِعَ النِّدَاءَ- يَعْنِي زَكَرِيَّا، لَمَّا سَمِعَ نِدَاءَ الْمَلَائِكَةِ بِالْبِشَارَةِ بِيَحْيَى- جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ لَهُ‏:‏ يَا زَكَرِيَّا، إِنَّ الصَّوْتَ الَّذِي سَمِعْتَ لَيْسَ هُوَ مِنَ اللَّهِ، إِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ يَسْخَرُ بِكَ‏!‏ وَلَوْ كَانَ مِنَ اللَّهِ أَوْحَاهُ إِلَيْكَ كَمَا يُوحَى إِلَيْكَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَمْرِ‏!‏ فَشَكَّ مَكَانَهُ، وَقَالَ‏:‏ ‏"‏أنَّي يَكُونُ لِي غُلَامٌ‏)‏، ذَكَرٌ‏؟‏ يَقُولُ‏:‏ مِنْ أَيْنَ‏؟‏ ‏"‏وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَاِمْرَأَتِي عَاقِرٌ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَأَرَادَ أَنْ يُكَدِّرَ عَلَيْهِ نِعْمَةَ رَبِّهِ فَقَالَ‏:‏ هَلْ تَدْرِي مَنْ نَادَاكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏!‏ نَادَتْنِي مَلَائِكَةُ رَبِّي‏!‏ قَالَ‏:‏ بَلْ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ‏!‏ لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ رَبِّكَ لَأَخْفَاهُ إِلَيْكَ كَمَا أَخْفَيْتَ نِدَاءَكَ‏!‏ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏رَبِّ اِجْعَلْ لِي آيَةً‏}‏‏.‏

فَكَانَ قَوْلُهُ مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ، وَمُرَاجَعَتُهُ رَبَّهُ فِيمَا رَاجَعَ فِيهِ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ‏)‏، لِلْوَسْوَسَةِ الَّتِي خَالَطَتْ قَلْبَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى خَيَّلَتْ إِلَيْهِ أَنَّ النِّدَاءَ الَّذِي سَمِعَهُ كَانَ نِدَاءً مِنْ غَيْرِ الْمَلَائِكَةِ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏رَبِّ أنَّي يَكُونُ لِي غُلَامٌ‏)‏، مُسْتَثْبِتًا فِي أَمْرِهِ، لِيَتَقَرَّرَ عِنْدَهُ بِآيَةٍ يُرِيهَا اللَّهُ فِي ذَلِكَ- أَنَّهُ بِشَارَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى أَلْسُنِ مَلَائِكَتِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ‏:‏ ‏"‏رَبِّ اِجْعَلْ لِي آيَةً‏"‏‏.‏

وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قِيلُهُ ذَلِكَ، مَسْأَلَةً مِنْهُ رَبَّهُ‏:‏ مَنْ أَيِّ وَجْهٍ يَكُونُ الْوَلَدُ الَّذِي بُشِّرَ بِهِ‏؟‏ أَمِنَ زَوْجَتِهِ‏؟‏ فَهِيَ عَاقِرٌ- أَمْ مَنْ غَيْرِهَا مِنَ النِّسَاءِ‏؟‏ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي قَالَهُ عِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ وَمَنْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِهِمَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ‏}‏ ‏[‏40‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏كَذَلِكَ اللَّهُ‏)‏، أَيْ هُوَ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ أَنَّهُ هَيِّنٌ عَلَيْهِ أَنْ يَخْلُقَ وَلَدًا مِنَ الْكَبِيرِ الَّذِي قَدْ يَئِسَ مِنَ الْوَلَدِ، وَمِنَ الْعَاقِرِ الَّتِي لَا يُرْجَى مِنْ مِثْلِهَا الْوِلَادَةُ، كَمَا خَلَقَكَ يَا زَكَرِيَّا مِنْ قَبْلِ خَلْقِ الْوَلَدِ مِنْكَ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا، لِأَنَّهُ اللَّهُ الَّذِي لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ خَلْقُ شَيْءٍ أَرَادَهُ، وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فِعْلُ شَيْءٍ شَاءَهُ، لِأَنَّ قُدْرَتَهُ الْقُدْرَةُ الَّتِي لَا تُشْبِهُهَا قُدْرَةٌ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِالسُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ ‏"‏كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ‏)‏، وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَالَ رَبِّ اِجْعَلْ لِي آيَةً‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، خَبَرًا عَنْ زَكَرِيَّا، قَالَ زَكَرِيَّا‏:‏ رَبِّ إِنْ كَانَ هَذَا النِّدَاءُ الَّذِي نُودِيتُهُ، وَالصَّوْتُ الَّذِي سَمِعْتُهُ، صَوْتَ مَلَائِكَتِكَ وَبِشَارَةً مِنْكَ لِي، فَاجْعَلْ لِي آيَةً يَقُولُ‏:‏ عَلَامَةً أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِيَزُولَ عَنِّي مَا قَدْ وَسْوَسَ إِلَيَّ الشَّيْطَانُ فَأَلْقَاهُ فِي قَلْبِي، مَنْ أَنَّ ذَلِكَ صَوْتُ غَيْرِ الْمَلَائِكَةِ، وَبِشَارَةٌ مِنْ عِنْدِ غَيْرِكَ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ ‏{‏رَبِّ اِجْعَلْ لِي آيَةً‏}‏، قَالَ‏:‏ قَالَ- يَعْنِي زَكَرِيَّا-‏:‏ يَا رَبِّ، فَإِنَّ كَانَ هَذَا الصَّوْتُ مِنْكَ، فَاجْعَلْ لِي آيَةً‏.‏

وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى ‏"‏الآيَةِ‏)‏، وَأَنَّهَا الْعَلَامَةُ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ‏.‏

وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي سَبَبِ تَرْكِ الْعَرَبِ هَمْزَهَا، وَمِنْ شَأْنِهَا هَمْزُ كُلِّ‏"‏يَاءٍ‏"‏ جَاءَتْ بَعْدَ‏"‏أَلِفٍ‏"‏ سَاكِنَةٍ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ تَرْكُ هَمْزِهَا، لِأَنَّهَا كَانَتْ‏"‏أَيَّةً‏)‏، فَثَقُلَ عَلَيْهِمُ التَّشْدِيدُ، فَأَبْدَلُوهُ‏"‏أَلِفًا‏"‏ لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَ التَّشْدِيدِ كَمَا قَالُوا‏:‏ ‏"‏أَيُّمَا فُلَانٍ فَأَخْزَاهُ اللَّهُ‏"‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ‏:‏ بَلْ هِيَ‏"‏فَاعِلَةٌ‏"‏ مَنْقُوصَةٌ‏.‏

فَسُئِلُوا فَقِيلَ لَهُمْ‏:‏ فَمَا بَالُ الْعَرَبِ تُصَغِّرُهَا‏"‏أُيَيَّةٌ‏)‏، وَلَمْ يَقُولُوا‏"‏أوَيَّةٌ‏"‏‏.‏ فَقَالُوا‏:‏ قِيلَ ذَلِكَ، كَمَا قِيلَ فِي‏"‏فَاطِمَةَ‏)‏، ‏"‏هَذِهِ فُطَيْمَةُ‏"‏‏.‏ فَقِيلَ لَهُمْ‏:‏ فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يَصْغُرُونَ‏"‏فَاعِلَةً‏)‏، عَلَى‏"‏فُعَيْلَةٍ‏)‏، إِذَا كَانَ اِسْمًا فِي مَعْنَى فُلَانٍ وَفُلَانَةٍ، فَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ تَصْغِيرِهِمْ‏"‏فَاعِلَةٌ‏"‏ عَلَى‏"‏فُعَيْلَةٍ‏"‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إِنَّهُ‏"‏فَعْلَةٌ‏"‏ صُيِّرَتْ يَاؤُهَا الْأُولَى‏"‏أَلِفًا‏)‏، كَمَا فُعِلَ بِـ‏"‏حَاجَةٍ، وَقَامَةٍ‏"‏‏.‏

فَقِيلَ لَهُمْ‏:‏ إِنَّمَا تَفْعَلُ الْعَرَبُ ذَلِكَ فِي أَوْلَادِ الثَّلَاثَةِ‏.‏

وَقَالَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قِيلِهِمْ‏:‏ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا‏:‏ لَقِيلَ فِي‏"‏نَوَاةٍ‏"‏ نَايَةٌ، وَفِي‏"‏حَيَاةٍ‏"‏ حَايَةٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَعَاقَبَهُ اللَّهُ- فِيمَا ذُكِرَ لَنَا- بِمَسْأَلَتِهِ الْآيَةَ، بَعْدَ مُشَافَهَةِ الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهُ بِالْبِشَارَةِ، فَجَعَلَ آيَتَهُ عَلَى تَحْقِيقٍ مَا سُمِعَ مِنَ الْبِشَارَةِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِيَحْيَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ آيَةٌ مِنْ نَفْسِهِ، جَمَعَ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِهَا الْعَلَامَةَ الَّتِي سَأَلَهَا رَبَّهُ عَلَى مَا يُبَيِّنُ لَهُ حَقِيقَةِ الْبِشَارَةِ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَتَمْحِيصًا لَهُ مِنْ هَفْوَتِهِ، وَخَطَإِ قِيلِهِ وَمَسْأَلَتِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏رَبِّ اِجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا‏}‏، إِنَّمَا عُوقِبَ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ شَافَهَتْهُ مُشَافَهَةً بِذَلِكَ، فَبَشَّرَتْهُ بِيَحْيَى، فَسَأَلَ الْآيَةَ بَعْدَ كَلَامِ الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهُ‏.‏ فَأُخِذَ عَلَيْهِ بِلِسَانِهِ، فَجَعَلَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ إِلَّا مَا أَوْمَأَ وَأَشَارَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، كَمَا تَسْمَعُونَ‏:‏ ‏"‏آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا‏}‏، قَالَ‏:‏ شَافَهَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏رَبِّ اِجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِلَّا إِيمَاءً، وَكَانَتْ عُقُوبَةً عُوقِبَ بِهَا، إِذْ سَأَلَ الْآيَةَ مَعَ مُشَافَهَةِ الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهُ بِمَا بَشَّرَتْهُ بِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏رَبِّ اِجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا‏}‏، قَالَ‏:‏ ذُكِرُ لَنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّهُ عُوقِبَ، لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ شَافَهَتْهُ مُشَافَهَةً، فَبَشَّرَتْهُ بِيَحْيَى، فَسَأَلَ الْآيَةَ بَعْدُ، فَأُخِذَ بِلِسَانِهِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ‏:‏ ذُكِرَ لَنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّهُ عُوقِبَ، لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ شَافَهَتْهُ فَبَشَّرَتْهُ بِيَحْيَى، قَالَتْ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى‏}‏، فَسَأَلَ بَعْدَ كَلَامِ الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهُ الْآيَةَ، فَأُخِذَ عَلَيْهِ لِسَانُهُ، فَجَعَلَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ إِلَّا رَمْزًا- يَقُولُ‏:‏ يُومِئُ إِيمَاءً‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ الوُصَابِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرَ قَالَ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ جُبيرِ بْنِ نُفَيْرٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَالَ رَبِّ اِجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا‏}‏، قَالَ‏:‏ رَبَا لِسَانُهُ فِي فِيهِ حَتَّى مَلَأَهُ، ثُمَّ أَطْلَقَهُ اللَّهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَإِنَّمَا اِخْتَارَتِ الْقَرَأَةُ النَّصْبَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ‏)‏، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ قَالَ آيَتُكَ أَنْ لَا تَكَلِّمَ النَّاسَ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَكَانَتْ‏"‏أَنْ‏"‏ هِيَ الَّتِي تَصْحَبُ الِاسْتِقْبَالَ، دُونَ الَّتِي تَصْحَبُ الْأَسْمَاءَ فَتَنْصِبُهَا‏.‏ وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى فِيهِ‏:‏ آيَتُكَ أَنَّكَ لَا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَيْ‏:‏ أَنَّكَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَانَ وَجْهُ الْكَلَامِ الرَّفْعُ‏.‏ لِأَنَّ‏"‏أَنْ‏"‏ كَانَتْ تَكُونُ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى الثَّقِيلَةِ خُفِّفَتْ‏.‏ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جَائِزًا، لِمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنْ ذَلِكَ بِالْمَعْنَى الْآخَرِ‏.‏

وَأَمَّا ‏"‏الرَّمْزُ‏)‏، فَإِنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ مَعَانِيهِ عِنْدَ الْعَرَبِ‏:‏ الْإِيمَاءُ بِالشَّفَتَيْنِ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِيمَاءِ بِالْحَاجِبَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ أَحْيَانًا، وَذَلِكَ غَيْرُ كَثِيرٍ فِيهِمْ‏.‏ وَقَدْ يُقَالُ لِلْخَفِيِّ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ مِثْلُ الْهَمْسِ بِخَفْضِ الصَّوْتِ‏:‏ ‏(‏الرَّمْزُ‏)‏، وَمِنْهُ قَوْلُ جُؤَيَّةَ بْنِ عَائِذٍ‏:‏

وَكَـانَ تَكَـلُّمُ الْأَبْطَـالِ رَمْـزًا *** وَهَمْهَمَـةً لَهُـمْ مِثْـلَ الهَدِيـرِ

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏رَمَزَ فُلَانٌ فَهُوَ يَرْمِزُ وَيَرْمُزُ رَمْزًا وَيَتَرَمَّزُ تَرَمُّزًا‏)‏، وَيُقَالُ‏:‏ ‏"‏ضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَارْتَمَزَ مِنْهَا‏)‏، أَيْ اِضْطَرَبَ لِلْمَوْتِ، قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

خَرَرْتُ مِنْهَا لِقِفَايَ أَرْتَمِزُ ***

وَقَدِ اِخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيالْمَعْنَى الَّذِي عَنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ فِي إِخْبَارِهِ عَنْ زَكَرِيَّا مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا‏}‏، وَأَيِّ مَعَانِي ‏"‏الرَّمْزِ‏"‏ عَنَى بِذَلِكَ‏؟‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عَنَى بِذَلِكَ‏:‏ آيَتُكَ أَنْ لَا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا تَحْرِيكًا بِالشَّفَتَيْنِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تَرْمُزَ بِلِسَانِكَ الْكَلَامَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ النَّضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ إِلَّا رَمْزًا‏)‏، قَالَ‏:‏ تَحْرِيكُ الشَّفَتَيْنِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا‏}‏، قَالَ‏:‏ إِيمَاؤُهُ بِشَفَتَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عَنَى اللَّهُ بِذَلِكَ‏:‏ الْإِيمَاءَ وَالْإِشَارَةَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ‏:‏ ‏"‏ إِلَّا رَمْزًا‏)‏، قَالَ‏:‏ الْإِشَارَةُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ إِلَّا رَمْزًا‏)‏، قَالَ‏:‏ الرَّمْزُ أَنْ يُشِيرَ بِيَدِهِ أَوْ رَأْسِهِ، وَلَا يَتَكَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ إِلَّا رَمْزًا‏)‏، قَالَ‏:‏ الرَّمْزُ‏:‏ أَنْ أُخِذَ بِلِسَانِهِ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّاسَ بِيَدِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا اِبْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ اِبْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏"‏ إِلَّا رَمْزًا‏)‏، قَالَ‏:‏ وَالرَّمْزُ الْإِشَارَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا اِبْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ اِبْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏رَبِّ اِجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا‏}‏، الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ جَعَلَ آيَتَهُ أَنْ لَا يُكَلِّمُ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا، إِلَّا أَنَّهُ يَذْكُرُ اللَّهَ‏.‏ وَالرَّمْزُ‏:‏ الْإِشَارَةُ، يُشِيرُ إِلَيْهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏ إِلَّا رَمْزًا‏)‏، إِلَّا إِيمَاءً‏.‏

حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏"‏ إِلَّا رَمْزًا‏)‏، يَقُولُ‏:‏ إِشَارَةً‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ‏:‏ ‏"‏ إِلَّا رَمْزًا‏)‏، إِلَّا إِشَارَةً‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيّ، عَنْ عِبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا‏}‏، قَالَ‏:‏ أَمْسَكَ بِلِسَانِهِ، فَجَعَلَ يُومِئُ بِيَدِهِ إِلَى قَوْمِهِ‏:‏ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا‏.‏