فصل: تفسير الآية رقم (6)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏{‏وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَابْتَلُوا الْيَتَامَى‏}‏، وَاخْتَبِرُوا عُقُولَ يَتَامَاكُمْ فِي أَفْهَامِهِمْ، وَصَلَاحِهِمْ فِي أَدْيَانِهِمْ، وَإِصْلَاحِهِمْ أَمْوَالَهُمْ، كَمَا‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَابْتَلُوا الْيَتَامَى‏}‏، قَالَا يَقُولُ‏:‏ اخْتَبِرُوا الْيَتَامَى‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ أَمَّا ‏{‏ابْتَلَوْا الْيَتَامَى‏}‏، فَجَرِّبُوا عُقُولَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَابْتَلُوا الْيَتَامَى‏}‏، قَالَ‏:‏ عُقُولَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَابْتَلُوا الْيَتَامَى‏}‏، قَالَ‏:‏ اخْتَبِرُوهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ‏}‏، قَالَ‏:‏ اخْتَبِرُوهُ فِي رَأْيِهِ وَفِي عَقْلِهِ كَيْفَ هُوَ‏.‏ إِذَا عُرِفَ أَنَّهُ قَدْ أُنِسَ مِنْهُ رُشْدٌ، دَفَعَ إِلَيْهِ مَالَهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَذَلِكَ بَعْدَ الِاحْتِلَامِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى ‏"‏الِابْتِلَاءِ ‏"‏ الِاخْتِبَارُ، بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ عَنْ إِعَادَتِهِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ‏}‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ إِذَا بَلَغُوا الْحُلُمَ‏:‏ كَمَا‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ‏}‏، حَتَّى إِذَا احْتَلَمُوا‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ‏}‏، قَالَ‏:‏ عِنْدَ الْحُلُمِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْحُلُمُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا‏}‏، فَإِنْ وَجَدْتُمْ مِنْهُمْ وَعَرَفْتُمْ، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا‏}‏، قَالَ‏:‏ عَرَفْتُمْ مِنْهُمْ‏.‏

يُقَالُ‏:‏ ‏"‏آنَسْتُ مِنْ فُلَانٍ خَيْرًا- وَبِرًّا ‏"‏ بِمَدِّ الْأَلِفِ ‏"‏إِينَاسًا ‏"‏، وَ‏"‏أَنِسْتُ بِهِ آنَسُ أُنْسًا ‏"‏، بِقَصْرِ أَلِفَهَا، إِذَا أَلِفَهُ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنَّ أَحَسِيتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا‏}‏، بِمَعْنَى‏:‏ أَحْسَسْتُمْ، أَيْ‏:‏ وَجَدْتُمْ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَعْنَى‏:‏ ‏"‏الرُّشْدِ ‏"‏ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ في قَوْلِهِ ‏{‏فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا‏}‏ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى ‏"‏الرُّشْدِ ‏"‏ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، الْعَقْلُ وَالصَّلَاحُ فِي الدِّينِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا‏}‏، عُقُولًا وَصَلَاحًا‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ صَلَاحًا فِي عَقْلِهِ وَدِينِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ صَلَاحًا فِي دِينِهِمْ، وَإِصْلَاحًا لِأَمْوَالِهِمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ رُشْدًا فِي الدِّينِ، وَصَلَاحًا، وَحِفْظًا لِلْمَالِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا‏}‏، فِي حَالِهِمْ، وَالْإِصْلَاحَ فِي أَمْوَالِهِمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ ذَلِكَ الْعَقْلُ، خَاصَّةً‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ لَا نَدْفَعُ إِلَى الْيَتِيمِ مَالَهُ وَإِنْ أُخِذَ بِلِحْيَتِهِ، وَإِنْ كَانَ شَيْخًا، حَتَّى يُؤْنِسَ مِنْهُ رُشْدَهُ، الْعَقْلَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا‏}‏، قَالَ‏:‏ الْعَقْلُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَقَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو شُبْرُمَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُهُ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْخُذُ بِلِحْيَتِهِ وَمَا بَلَغَ رُشْدَهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ هُوَ الصَّلَاحُ وَالْعِلْمُ بِمَا يُصْلِحُهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا‏}‏، قَالَ‏:‏ صَلَاحًا وَعِلْمًا بِمَا يُصْلِحُهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِمَعْنَى ‏"‏الرُّشْدِ ‏"‏ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، الْعَقْلُ وَإِصْلَاحُ الْمَالِ لِإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَحَوْزَ مَا فِي يَدِهِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا فِي دِينِهِ‏.‏ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا مِنَ الْجَمِيعِ، فَكَذَلِكَ حُكْمُهُ إِذَا بَلَغَ وَلَهُ مَالٌ فِي يَدَيْ وَصِيِّ أَبِيهِ، أَوْ فِي يَدِ حَاكِمٍ قَدْ وَلِيَ مَالَهُ لِطُفُولَتِهِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ مَالِهِ إِلَيْهِ، إِذَا كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا، مُصْلِحًا لِمَالِهِ غَيْرَ مُفْسِدٍ، لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوَلَّى عَلَى مَالِهِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ، هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَمْنَعَ يَدَهُ مِنْ مَالِهِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِ وَلِيٍّ، فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ‏.‏

وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ حِيَازَةُ مَا فِي يَدِهِ فِي حَالِ صِحَّةِ عَقْلِهِ وَإِصْلَاحِ مَا فِي يَدِهِ، الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ مَنْعُ يَدِهِ مِمَّا هُوَ لَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي يَدِ غَيْرِهِ، لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا‏.‏ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ، عُكِسَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ، وَسُئِلَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ أَصْلٍ أَوْ نَظِيرٍ، فَلَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِهِمَا قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَرِ مِثْلُهُ‏.‏

فَإِذْ كَانَ مَا وَصَفْنَا مِنَ الْجَمِيعِ إِجْمَاعًا، فَبَيِّنٌ أَنَّ ‏"‏الرُّشْدَ ‏"‏ الَّذِي بِهِ يَسْتَحِقُّ الْيَتِيمُ، إِذَا بَلَغَ فَأُونِسَ مِنْهُ، دَفْعَ مَالِهِ إِلَيْهِ، مَا قُلْنَا مِنْ صِحَّةِ عَقْلِهِ وَإِصْلَاحِ مَالِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏{‏فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ وُلَاةَ أَمْوَالِ الْيَتَامَى‏.‏ يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ‏:‏ فَإِذَا بَلَغَ أَيْتَامُكُمُ الْحُلُمَ، فَآنَسْتُمْ مِنْهُمْ عَقْلًا وَإِصْلَاحًا لِأَمْوَالِهِمْ، فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ، وَلَا تَحْبِسُوهَا عَنْهُمْ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا‏}‏، يَعْنِي‏:‏ بِغَيْرِ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ لَكَ، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَا تُسْرِفْ فِيهَا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا‏}‏، قَالَ‏:‏ يُسْرِفْ فِي الْأَكْلِ‏.‏

وَأَصْلُ ‏"‏الْإِسْرَافِ ‏"‏‏:‏ تَجَاوُزُ الْحَدِّ الْمُبَاحِ إِلَى مَا لَمْ يُبَحْ‏.‏ وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْإِفْرَاطِ، وَرُبَّمَا كَانَ فِي التَّقْصِيرِ‏.‏ غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الْإِفْرَاطِ، فَاللُّغَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ‏:‏ ‏"‏أَسْرَفَ يُسْرِفُ إِسْرَافًا ‏"‏ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فِي التَّقْصِيرِ، فَالْكَلَامُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏سَرِفَ يَسْرَفُ سَرَفًا ‏"‏، يُقَالُ‏:‏ ‏"‏مَرَرْتُ بِكُمْ فسَرَفْتُكُمْ ‏"‏، يُرَادُ مِنْهُ‏:‏ فَسَهَوْتُ عَنْكُمْ وَأَخْطَأْتُكُمْ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

أَعْطُوا هُنَيْـدَةَ يَحْدُوهَـا ثَمَانِيَـةٌ *** مَـا فِـي عَطَـائِهِمُ مَـنٌّ وَلَا سَـرَفُ

يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَلَا سَرَفُ ‏"‏، لَا خَطَأَ فِيهِ، يُرَادُ بِهِ‏:‏ أَنَّهُمْ يُصِيبُونَ مَوَاضِعَ الْعَطَاءِ فَلَا يُخْطِئُونَهَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ وَبِدَارًا ‏"‏، وَمُبَادَرَةً‏.‏ وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ ‏"‏بَادَرْتُ هَذَا الْأَمْرَ مُبَادَرَةً وَبِدَارًا ‏"‏‏.‏

وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وُلَاةَ أَمْوَالِ الْيَتَامَى‏.‏ يَقُولُ لَهُمْ‏:‏ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِسْرَافًا-يَعْنِي مَا أَبَاحَ اللَّهُ لَكَُمْ أَكْلَهُ- وَلَا مُبَادَرَةً مِنْكُمْ بُلُوغَهُمْ وَإِينَاسَ الرُّشْدِ مِنْهُمْ، حَذَرًا أَنْ يَبْلُغُوا فَيَلْزَمُكُمْ تَسْلِيمُهُ إِلَيْهِمْ، كَمَا‏:‏ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِسْرَافًا وَبِدَارًا‏}‏، يَعْنِي‏:‏ أَكَلَ مَالِ الْيَتِيمِ مُبَادِرًا أَنْ يَبْلُغَ، فَيَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَا تُسْرِفْ فِيهَا وَلَا تُبَادِرْهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَبِدَارًا‏}‏، تَبَادُرًا أَنْ يَكْبُرُوا فَيَأْخُذُوا أَمْوَالَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِسْرَافًا وَبِدَارًا‏}‏، قَالَ‏:‏ هَذِهِ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ يَأْكُلُهُ، جَعَلُوا لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ، إِذَا لَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَضَعُ يَدَهُ مَعَهُ، فَيَذْهَبُ يُؤَخِّرُهُ، يَقُولُ‏:‏ ‏"‏لَا أَدْفَعُ إِلَيْهِ مَالَهُ ‏"‏، وَجَعَلْتَ تَأْكُلَهُ تَشْتَهِي أَكْلَهُ، لِأَنَّكَ إِذَا لَمْ تَدْفَعْهُ إِلَيْهِ لَكَ فِيهِ نَصِيبٌ، وَإِذَا دَفَعَتَهُ إِلَيْهِ فَلَيْسَ لَكَ فِيهِ نَصِيبٌ‏.‏

وَمَوْضِعُ ‏"‏أَنْ ‏"‏فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ أَنْ يَكْبُرُوا ‏"‏ نَصْبٌ بـ ‏"‏الْمُبَادَرَةِ ‏"‏، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ لَا تَأْكُلُوهَا مُبَادَرَةَ كِبَرِهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا‏}‏، مِنْ وُلَاةِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى عَلَى أَمْوَالِهِمْ، فَلْيَسْتَعْفِفْ بِمَالِهِ عَنْ أَكْلِهَا-بِغَيْرِ الْإِسْرَافِ وَالْبِدَارِ أَنْ يَكْبُرُوا- بِمَا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ أَكْلَهَا بِهِ، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ‏}‏، قَالَ‏:‏ بِغِنَاهُ مِنْ مَالِهِ، حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْ مَالِ الْيَتِيمِ‏.‏

وَبِهِ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ‏}‏ بِغِنَاهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَقَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا مِنْهُمْ، إِلَيْهَا مُحْتَاجًا، فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ‏"‏الْمَعْرُوفِ ‏"‏ الَّذِي أَذِنَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِوُلَاةِ أَمْوَالِهِمْ أَكْلَهَا بِهِ، إِذَا كَانُوا أَهْلَ فَقْرٍ وَحَاجَةٍ إِلَيْهَا‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ذَلِكَ هُوَ الْقَرْضُ يَسْتَقْرِضُهُ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ يَقْضِيهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ وَإِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏:‏ إِنِّي أَنْـزَلْتُ مَالَ اللَّهِ تَعَالَى مِنِّي بمنَزَلَةِ مَالِ الْيَتِيمِ، إِنِ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفْتُ، وَإِنِ افْتَقَرْتُ أَكَلْتُ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِذَا أَيْسَرْتُ قَضَيْتُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ وَهُوَ الْقَرْضُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ، سَمِعْتُ يُونُسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الَّذِي يُنْفِقُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ، يَكُونُ عَلَيْهِ قَرْضًا‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَقَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ، سَأَلْتُ عُبَيْدَةَ عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمِنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِنَّمَا هُوَ قَرْضٌ، أَلَّا تَرَى أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ‏}‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ قَالَهَا بِرَأْيِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، وَهُوَ عَلَيْهِ قَرْضٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْمَعْرُوفُ الْقَرْضُ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ‏}‏‏؟‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ مِثْلَ حَدِيثِ هِشَامٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، يَعْنِي الْقَرْضَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنْ كَانَ غَنِيًّا، فَلَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَسْتَقْرِضْ مِنْهُ، فَإِذَا وَجَدَ مَيْسَرَةً فَلْيُعْطِهِ مَا اسْتَقْرَضَ مِنْهُ، فَذَلِكَ أَكْلُهُ بِالْمَعْرُوفِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ، سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ يَأْكُلُ قَرْضًا بِالْمَعْرُوفِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَقَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ هُوَ الْقَرْضُ، مَا أَصَابَ مِنْهُ مِنْ شَيْءٍ قَضَاهُ إِذَا أَيْسَرَ يَعْنِي قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامِ الدُّسْتُوَائِيِّ قَالَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ، سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِنْ أَخَذَ مِنْ مَالِهِ قَدْرَ قُوتِهِ قَرْضًا، فَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدُ قَضَاهُ، وَإِنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَلَمْ يُوسِرْ، تَحَلَّلَهُ مِنَ الْيَتِيمِ‏.‏ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا تَحَلُّلَهُ مِنْ وَلِيِّهِ‏.‏

حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مُسْعِدَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ فَلْيَأْكُلْ قَرْضًا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُوَ الْقَرْضُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حَكَّامُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهِ كَمَا يُضْطَرُّ إِلَى الْمِيتَةِ، فَإِنْ أَكْلَ مِنْهُ شَيْئًا قَضَاهُ‏.‏

حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مُسْعِدَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ قَرْضًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ سَلَفًا مِنْ مَالِ يَتِيمِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ‏{‏فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَا هُوَ الْقَرْضُ قَالَ الثَّوْرِيُّ‏:‏ وَقَالَهُ الْحَكَمُ أَيْضًا، أَلَّا تَرَى أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ‏}‏‏؟‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ هُوَ الْقَرْضُ، مَا أَصَابَ مِنْهُ مِنْ شَيْءٍ قَضَاهُ إِذَا أَيْسَرَ يَعْنِي‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ‏:‏ ‏{‏فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْقَرْضُ، أَلَّا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ‏}‏‏؟‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ‏:‏ قَرْضًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ إِذَا احْتَاجَ الْوَلِيُّ أَوْ افْتَقَرَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، أَكَلَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَكَتَبَهُ، فَإِنْ أَيْسَرَ قَضَاهُ، وَإِنْ لَمْ يُوسِرْ حَتَّى تَحْضُرَهُ الْوَفَاةُ، دَعَا الْيَتِيمَ فَاسْتَحَلَّ مِنْهُ مَا أَكَلَ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَقَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ، بِغَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيمَا أَكَلَ مِنْهُ‏.‏

وَاخْتَلَفَ قَائِلُو هَذَا الْقَوْلِ فِي مَعْنَى‏:‏ ‏"‏أَكَلَ ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ ‏"‏‏.‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ طَعَامِهِ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ، وَلَا يَلْبَسُ مِنْهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ، أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَمَّنْ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ، فَذَكَرَ مِثْلُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا‏}‏ مَنْ وَلِيَ مَالَ الْيَتِيمِ، فَلْيَسْتَعْفِفْ عَنْ أَكْلِهِ ‏{‏وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا‏}‏، مَنْ وَلِيَ مَالَ الْيَتِيمِ، فَلْيَأْكُلْ مَعَهُ بِأَصَابِعِهِ، لَا يُسْرِفْ فِي الْأَكْلِ، وَلَا يَلْبَسُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا حَرَمِي بْنُ عُمَارَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ‏:‏ يَدُكَ مَعَ أَيْدِيهِمْ، وَلَا تَتَّخِذُ مِنْهُ قَلَنْسُوَةً‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ قَالَا تَضَعُ يَدَكَ مَعَ يَدِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ ‏"‏الْمَعْرُوفُ ‏"‏ فِي ذَلِكَ‏:‏ أَنْ يَأْكُلَ مَا يَسُدُّ جُوعَهُ، وَيَلْبَسُ مَا وَارَى الْعَوْرَةَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ إِنَّ الْمَعْرُوفَ لَيْسَ بِلُبْسِ الْكَتَّانِ وَلَا الْحُلَلِ، وَلَكَِنْ مَا سَدَّ الْجُوعَ وَوَارَى الْعَوْرَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ كَانَ يُقَالُ‏:‏ لَيْسَ الْمَعْرُوفُ بِلُبْسِ الْكَتَّانِ وَالْحُلَلِ، وَلَكَِنَّ الْمَعْرُوفَ مَا سَدَّ الْجُوعَ وَوَارَى الْعَوْرَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْبَدٍ قَالَ‏:‏ سُئِلَ مَكْحُولٌ عَنْ وَالِي الْيَتِيمِ، مَا أَكَلَهُ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا كَانَ فَقِيرًا‏؟‏ قَالَ‏:‏ يَدُهُ مَعَ يَدِهِ‏.‏ قِيلَ لَهُ‏:‏ فَالْكُسْوَةُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ يَلْبَسُ مِنْ ثِيَابِهِ، فَأَمَّا أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ مَالِهِ مَالًا لِنَفْسِهِ فَلَا‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا سَدَّ الْجُوعَ وَوَارَى الْعَوْرَةَ‏.‏ أَمَّا إِنَّهُ لَيْسَ لَبُوسَ الْكَتَّانِ وَالْحُلَلِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ ذَلِكَ ‏"‏الْمَعْرُوفُ ‏"‏، أَكْلُ تَمْرِهِ، وَشُرْبُ رِسْلِ مَاشِيَتِهِ، بِقِيَامِهِ عَلَى ذَلِكَ، فَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُمَا إِلَّا عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ فِي حَجَرِي أَمْوَالَ أَيْتَامٍ‏؟‏ وَهُوَ يَسْتَأْذِنُهُ أَنْ يُصِيبَ مِنْهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ أَلَسْتَ تَبْغِي ضَالَّتَهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى‏!‏ قَالَ‏:‏ أَلَسْتَ تَهْنَأُ جَرْبَاهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى‏!‏ قَالَ‏:‏ أَلَسْتَ تَلُطُّ حِيَاضَهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى‏!‏ قَالَ‏:‏ أَلَسْتَ تَفْرِطُ عَلَيْهَا يَوْمَ وِرْدِهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى‏!‏ قَالَ‏:‏ فَأَصِبْ مِنْ رِسْلِهَا يَعْنِي‏:‏ مِنْ لَبَنِهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ فِي حِجْرِي أَيْتَامًا، وَإِنَّ لَهُمْ إِبِلًا وَلِي إِبِلٌ، وَأَنَا أَمْنَحُ فِي إِبِلِي وَأَفْقُرُ، فَمَاذَا يَحِلُّ لِي مِنْ أَلْبَانِهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ إِنْ كُنْتَ تَبْغِي ضَالَّتَهَا، وَتَهْنَأُ جَرْبَاهَا، وَتَلُوطُ حَوْضَهَا، وَتُسْقَى عَلَيْهَا، فَاشْرَبْ غَيْرَ مُضِرٍّ بِنَسْلٍ، وَلَا نَاهِكٍ فِي الْحَلْبِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنْ فَضْلِ الرِّسْلِ وَالتَّمْرَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي وَالِي مَالِ الْيَتِيمِ قَالَ‏:‏ يَأْكُلُ مِنْ رِسْلِ الْمَاشِيَةِ وَمِنَ التَّمْرَةِ لِقِيَامِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يَأْكُلُ مِنَ الْمَالِ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ أَلَّا تَرَى أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ‏}‏‏؟‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ سَمِعْتُ دَاوُدَ، عَنْ رُفَيْعٍ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ‏:‏ رُخِّصَ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يُصِيبَ مِنَ الرِّسْلِ وَيَأْكُلَ مِنَ التَّمْرَةِ، وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَلَا بُدَّ أَنَّ تُرَدَّ‏.‏ ثُمَّ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ‏}‏، أَلَّا تَرَى أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَدْفَعَ ‏"‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَقَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إِنَّمَا كَانَتْ أَمْوَالُهُمْ إِذْ ذَاكَ النَّخْلَ وَالْمَاشِيَةَ، فَرَخَّصَ لَهُمْ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمْ مُحْتَاجًا أَنْ يُصِيبَ مِنَ الرِّسْلِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِذَا كَانَ فَقِيرًا أَكَلَ مِنَ التَّمْرِ، وَشَرِبَ مِنَ اللَّبَنِ، وَأَصَابَ مِنَ الرِّسْلِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، ذَكَرَ لَنَا ‏(‏أَنَّ عَمَّ ثَابِتِ بْنِ رَفَاعَةَ وَثَابِتٌ يَوْمَئِذٍ يَتِيمٌ فِي حِجْرِهِ مِنَ الْأَنَّصَارِ، أَتَى نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِ ابْنَ أَخِي يَتِيمٌ فِي حِجْرِي، فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْ مَالِهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَنْ تَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقِيَ مَالَكَ بِمَالِهِ، وَلَا تَتَّخِذَ مِنْ مَالِهِ وَفْرًا‏)‏‏.‏ وَكَانَ الْيَتِيمُ يَكُونُ لَهُ الْحَائِطُ مِنَ النَّخْلِ، فَيَقُومُ وَلِيُّهُ عَلَى صَلَاحِهِ وَسَقْيِهِ، فَيُصِيبُ مِنْ تَمْرَتِهِ، أَوْ تَكُونُ لَهُ الْمَاشِيَةُ، فَيَقُومُ وَلِيُّهُ عَلَى صَلَاحِهَا، أَوْ يَلِي عِلَاجَهَا وَمَؤُونَتَهَا، فَيُصِيبُ مِنْ جُزَازِهَا وَعَوَارِضِهَا وَرِسْلِهَا‏.‏ فَأَمَّا رِقَابَ الْمَالِ وَأُصُولِ الْمَالِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَهْلِكَهُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَمِنْ ‏{‏كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، يَعْنِي رُكُوبَ الدَّابَّةِ وَخِدْمَةَ الْخَادِمِ‏.‏ فَإِنْ أَخَذَ مِنْ مَالِهِ قَرْضًا فِي غِنًى، فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ‏:‏ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، إِذَا كَانَ يَلِي ذَلِكَ، وَإِنْ أَتَى عَلَى الْمَالِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنْ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ جَمِيعًا، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ سُئِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَمَّا يَصْلُحُ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ قَالَ‏:‏ إِنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ‏:‏ يَحِلُّ لِوَلِيِ الْأَمْرِ مَا يَحِلُّ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ‏:‏ ‏"‏ مِنْ ‏{‏كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَقَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِذَا احْتَاجَ فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَا ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىمَالَ الْيَتَامَى فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، وَمَعْرُوفُ ذَلِكَ‏:‏ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ فِي يَتِيمِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى قَضَاءً عَلَى وَلِيِّ الْيَتِيمِ إِذَا أَكَلَ وَهُوَ مُحْتَاجٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏{‏فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، فِي الْوَصِيِّ، قَالَ‏:‏ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِذَا عَمِلَ فِيهِ وَلِيُّ الْيَتِيمِ أَكَلَ بِالْمَعْرُوفِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ‏:‏ إِذَا احْتَاجَ أَكَلَ بِالْمَعْرُوفِ مِنَ الْمَالِ طُعْمَةً مِنَ اللَّهِ لَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ‏:‏ ‏(‏قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إِنَّ فِي حِجْرِي يَتِيمًا، أَفَأُضَرِّبُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فِيمَا كُنْتَ ضَارِبًا مِنْهُ وَلَدَكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَفَأُصِيبُ مِنْ مَالِهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بِالْمَعْرُوفِ، غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا وَلَا وَاقٍ مَالَكَ بِمَالِه‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ مُوسَى، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، مِثْلُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ يَضَعُ يَدَهُ مَعَ أَيْدِيهِمْ فَيَأْكُلُ مَعَهُمْ، كَقَدْرِ خِدْمَتِهِ وَقَدْرِ عَمَلِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة قالَتْ‏:‏ وَالِي الْيَتِيمِ، إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا، يَأْكُلُ بِالْمَعْرُوفِ لِقِيَامِهِ بِمَالِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِنِ اسْتَغْنَى كَفَّ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا أَكَلَ بِالْمَعْرُوفِ‏.‏ قَالَ‏:‏ أَكَلَ بِيَدِهِ مَعَهُمْ، لِقِيَامِهِ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَحِفْظِهِ إِيَّاهَا، يَأْكُلُ مِمَّا يَأْكُلُونَ مِنْهُ‏.‏ وَإِنِ اسْتَغْنَى كَفَّ عَنْهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ ‏"‏الْمَعْرُوفُ ‏"‏ الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِإِلَيْهِ، عَلَى وَجْهِ الِاسْتِقْرَاضِ مِنْهُ فَأَمَّا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ لَهُ أَكْلُهُ‏.‏

وَذَلِكَ أَنَّ الْجَمِيعَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ وَالِيَ الْيَتِيمِ لَا يَمْلِكُ مِنْ مَالِ يَتِيمِهِ إِلَّا الْقِيَامَ بِمَصْلَحَتِهِ‏.‏ فَلَمَّا كَانَ إِجْمَاعًا مِنْهُمْ أَنَّهُ غَيْرُ مَالِكِهِ، وَكَانَ غَيْرَ جَائِزٍ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَهْلِكَ مَالَ أَحَدٍ غَيْرِهِ، يَتِيمًا كَانَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ مُدْرِكًا رَشِيدًا وَكَانَ عَلَيْهِ إِنْ تَعَدَّى فَاسْتَهْلَكَهُ بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، ضَمَانُهُ لِمَنْ اسْتَهْلَكَهُ عَلَيْهِ، بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْجَمِيعِ وَكَانَ وَالِي الْيَتِيمِ سَبِيلُهُ سَبِيلَ غَيْرِهِ فِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَالَ يَتِيمِهِ كَانَ كَذَلِكَ حُكْمُهُ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ قَضَائِهِ إِذَا أَكَلَ مِنْهُ، سَبِيلُهُ سَبِيلُ غَيْرِهِ، وَإِنْ فَارَقَهُ فِي أَنَّ لَهُ الِاسْتِقْرَاضَ مِنْهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، كَمَا لَهُ الِاسْتِقْرَاضُ عَلَيْهِ عِنْدَ حَاجَتِهِ إِلَى مَا يَسْتَقْرِضُ عَلَيْهِ، إِذَا كَانَ قَيِّمًا بِمَا فِيهِ مَصْلَحَتَهُ‏.‏

وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ‏:‏ ‏"‏إِنَّمَا عَنَى بِالْمَعْرُوفِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، أَكْلَ وَالِي الْيَتِيمِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ، لِقِيَامِهِ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِيَاضِ عَلَى عَمَلِهِ وَسَعْيِهِ ‏"‏‏.‏ لِأَنَّلِوَالِي الْيَتِيمِ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ مِنْهُ لِلْقِيَامِ بِأُمُورِهِ، إِذَا كَانَ الْيَتِيمُ مُحْتَاجًا إِلَى ذَلِكَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ، كَمَا يَسْتَأْجِرُ لَهُ غَيْرَهُ مِنَ الْأُجَرَاءِ، وَكَمَا يَشْتَرِي لَهُ مَنْ يُعِينُهُ، غَنِيًّا كَانَ الْوَالِي أَوْ فَقِيرًا‏.‏

وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ دَلَّ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏، عَلَى أَنَّ أَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ إِنَّمَا أَذِنَ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ مِنْ وُلَاتِهِ فِي حَالِ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ وَكَانَتِ الْحَالُ الَّتِي لِلْوُلَاةِ أَنْ يُؤَجِّرُوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْأَيْتَامِ مَعَ حَاجَةِ الْأَيْتَامِ إِلَى الْأُجَرَاءِ، غَيْرَ مَخْصُوصٍ بِهَا حَالَ غِنًى وَلَا حَالَ فَقَرٍ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي أُبِيحَ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِ أَيْتَامِهِمْ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِمْ، غَيْرَ الْمَعْنَى الَّذِي أُبِيحَ لَهُمْ ذَلِكَ فِيهِ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ‏.‏

وَمَنْ أَبَى مَا قُلْنَا، مِمَّنْزَعَمَ أَنَّ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ أَكْلَ مَالِ يَتِيمِهِ عِنْدَ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْقَرْضِ، اسْتِدْلَالًا بِهَذِهِ الْآيَةِ قِيلَ لَهُ‏:‏ أَمُجْمِعٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي قُلْتُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏‏؟‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ لَا‏!‏

قِيلَ لَهُ‏:‏ فَمَا بُرْهَانَكَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَأْوِيلُهُ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ مَالَ يَتِيمِهِ‏؟‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ لِأَنَّ اللَّهَ أَذِنَ لَهُ بِأَكْلِهِ‏!‏

قِيلَ لَهُ‏:‏ أَذِنَ لَهُ بِأَكْلِهِ مُطْلَقًا أَمْ بِشَرْطٍ‏؟‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ بِشَرْطٍ، وَهُوَ أَنْ يَأْكُلَهُ بِالْمَعْرُوفِ‏.‏

قِيلَ لَهُ‏:‏ وَمَا ذَلِكَ ‏"‏الْمَعْرُوفُ‏"‏ وَقَدْ عَلِمْتَ الْقَائِلِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْخَالِفِينَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ أَكْلُهُ قَرْضًا وَسَلَفًا‏؟‏

وَيُقَالُ لَهُمْ أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ‏:‏ أَرَأَيْتَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ مِنَ الْمَجَانِينِ وَالْمَعَاتِيهِ، أَلِوُلَاةِ أَمْوَالِهِمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْقَرْضِ لَا الِاعْتِيَاضِ مِنْ قِيَامِهِمْ بِهَا، كَمَا قُلْتُمْ ذَلِكَ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى فَأَبَحْتُمُوهَا لَهُمْ‏؟‏ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ ذَلِكَ لَهُمْ خَرَجُوا مِنْ قَوْلِ جَمِيعِ الْحُجَّةِ‏.‏

وَإِنْ قَالُوا‏:‏ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ‏.‏

قِيلَ لَهُمْ‏:‏ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَمْوَالِهِمْ وَأَمْوَالِ الْيَتَامَى، وَحُكْمُ وُلَاتِهِمْ وَاحِدٌ‏:‏ فِي أَنَّهُمْ وُلَاةُ أَمْوَالِ غَيْرِهِمْ‏؟‏

فَلَنْ يَقُولُوا فِي أَحَدِهِمَا شَيْئًا إِلَّا أُلْزِمُوا فِي الْآخَرِ مَثَلَهُ‏.‏

وَيُسْأَلُونَ كَذَلِكَ عَنِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ‏:‏ هَلْ لِمَنْ يَلِي مَالَهُ أَنْ يَأْكُلَ مَالَهُ عِنْدَ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ‏؟‏ نَحْوَ سُؤَالِنَاهُمْ عَنْ أَمْوَالِ الْمَجَانِينِ وَالْمَعَاتِيهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَإِذَا دَفَعْتُمْ، يَا مَعْشَرَ وُلَاةِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى، إِلَى الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ‏"‏فَأَشْهَدُوا عَلَيْهِمْ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ فَأَشْهَدُوا عَلَى الْأَيْتَامِ بِاسْتِيفَائِهِمْ ذَلِكَ مِنْكُمْ، وَدَفْعِكُمُوهُ إِلَيْهِمْ، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِذَا دَفَعَ إِلَى الْيَتِيمِ مَالَهُ، فَلْيَدْفَعْهُ إِلَيْهِ بِالشُّهُودِ، كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَكَفَى بِاللَّهِ كَافِيًا مِنَ الشُّهُودِ الَّذِينَ يُشْهِدُهُمْ وَالِي الْيَتِيمِ عَلَى دَفْعِهِ مَالَ يَتِيمِهِ إِلَيْهِ، كَمَا‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ شَهِيدًا‏.‏

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏قَدْ أَحْسَبُنِي الَّذِي عِنْدِي ‏"‏، يُرَادُ بِهِ‏:‏ كَفَانِي‏.‏ وَسُمِعَ مِنَ الْعَرَبِ‏:‏ ‏"‏لَأَحْسِبَنَّكُمْ مِنَ الْأَسْوَدَيْنِ ‏"‏يَعْنِي بِهِ‏:‏ مِنَ الْمَاءِ وَالتَّمْرِ ‏"‏وَالْمُحْسِب‏"‏ مِنَ الرِّجَالِ‏:‏ الْمُرْتَفِعُ الْحَسَبِ، ‏"‏وَالْمُحْسَبُ ‏"‏، الْمَكْفِيُّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ لِلذُّكُورِ مِنْ أَوْلَادِ الرَّجُلِ الْمَيِّتِ حِصَّةٌ مِنْ مِيرَاثِهِ، وَلِلْإِنَاثِ مِنْهُمْ حِصَّةٌ مِنْهُ، مِنْ قَلِيلٍ مَا خَلَّفَ بَعْدَهُ وَكَثِيرِهِ، حِصَّةٌ مَفْرُوضَةٌ، وَاجِبَةٌ مَعْلُومَةٌ مُؤَقَّتَةٌ‏.‏

وَذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ مِنْ أَجْلِ أَنَّأَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُوَرِّثُونَ الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ، فنَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ ‏(‏نَزَلَتْ فِيأُمِّ كَحْلَةَوَابْنَةِ كَحْلةَ، وَثَعْلَبَةَ وَأَوْسِ بْنِ سُوَيْدٍ، وَهُمْ مِنَ الْأَنَّصَارِ‏.‏ كَانَ أَحَدُهُمْ زَوْجَهَا وَالْآخِرُ عَمَّ وَلَدِهَا، فَقَالَتْ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُوُفِّيَ زَوْجِي وَتَرَكَنِي وَابْنَتَهُ، فَلَمْ نُوَرَّثْ‏!‏ فَقَالَ عَمُّ وَلَدِهَا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا تَرْكَبُ فَرَسًا، وَلَا تَحْمِلُ كَلًّا وَلَا تَنْكَى عَدُوًّا، يَكْسِبُ عَلَيْهَا وَلَا تَكْتَسِبُ‏!‏ فنَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ النِّسَاء لَا يُوَرَّثْنَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْآبَاءِ، وَكَانَ الْكَبِيرُ يَرِثُ، وَلَا يَرِثُ الصَّغِيرُ وَإِنْ كَانَ ذِكْرًا، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏نَصِيبًا مَفْرُوضًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَنُصِبَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏نَصِيبًا مَفْرُوضًا‏}‏، وَهُوَ نَعْتٌ لِلنَّكِرَةِ، لِخُرُوجِهِ مَخْرَجَ الْمَصْدَرِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ ‏"‏لَكَ عَلَيَّ حَقٌّ وَاجِبًا ‏"‏‏.‏ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏نَصِيبًا مَفْرُوضًا‏}‏ اسْمٌ صَحِيحٌ، لَمْ يَجُزْ نَصْبُهُ‏.‏ لَا يُقَالُ‏:‏ ‏"‏لَكَ عِنْدِي حَقَّ دِرْهَمًا‏"‏ فَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏نَصِيبًا مَفْرُوضًا‏}‏، كَقَوْلِهِ‏:‏ نَصِيبًا فَرِيضَةً وَفَرْضًا، كَمَا يُقَالُ‏:‏ ‏"‏عِنْدِي دِرْهَمٌ هِبَةً مَقْبُوضَةً ‏"‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ، هَلْ هُوَ مُحْكَمٌ أَوْ مَنْسُوخٌ‏؟‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ مُحْكَمٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ مُحْكَمَةٌ، وَلَيْسَتْ مَنْسُوخَةً يَعْنِي قَوْلَهُ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى “ الْآيَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ‏.‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ قَالَا هِيَ مُحْكَمَةٌ‏.‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ وَاجِبٌ، مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُ أَهْلِ الْمِيرَاثِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ “ هَلِ الْحُكْمُ فِي الْأَيَّةِ مُحْكَمٌ أَوْ مَنْسُوخٌ، قَالَ‏:‏ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ قَالَا‏:‏ هِيَ مُحْكَمَةٌ، لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ، مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا “ فَقَالَ سَعِيدٌ‏:‏ هَذِهِ الْآيَةُ يَتَهَاوَنُ بِهَا النَّاسُ‏.‏ قَالَ، وَهُمَا وَلِيَّانِ، أَحَدُهُمَا يَرِثُ، وَالْآخَرُ لَا يَرِثُ‏.‏ وَالَّذِي يَرِثُ هُوَ الَّذِي أُمِرَ أَنْ يَرْزُقَهُمْ قَالَ، يُعْطِيهِمْ قَالَ، وَالَّذِي لَا يَرِثُ هُوَ الَّذِي أُمِرَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا‏.‏ وَهِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بِنَحْوِ ذَلِكَ وَقَالَ‏:‏ هِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ هِيَ ثَابِتَةٌ، وَلَكِنَّ النَّاسَ بَخِلُوا وَشَحُّوا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ وَالْحَسَنُ قَالَا هِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ هِيَ قَائِمَةٌ يُعْمَلُ بِهَا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ “، مَا طَابَتْ بِهِ الْأَنْفُسُ حَقًّا وَاجِبًا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ قَالَا فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ “ قَالَ‏:‏ هِيَ مُحْكَمَةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ قَالَ، ثَلَاثُ آيَاتٍ مُحْكَمَاتٍ مَدَنِيَّاتٍ تَرَكَهُنَّ النَّاسُ‏:‏ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ وَآيَةُ الِاسْتِئْذَانِ‏:‏ ‏(‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏)‏ ‏[‏سُورَةُ النُّورِ‏:‏ 58‏]‏، وَهَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏(‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى‏)‏ ‏[‏سُورَةُ الْحُجُرَاتِ‏:‏ 13‏]‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ، كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ‏:‏ هِيَ ثَابِتَةٌ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَنْسُوخَةٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ “ قَالَ، كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قِسْمَةٌ قَبْلَ الْمَوَارِيثِ، فَلَمَّا أَنْـزَلَ اللَّهُ الْمَوَارِيثَ لِأَهْلِهَا، جُعِلَتِ الْوَصِيَّةُ لِذَوِي الْقَرَابَةِ الَّذِينَ يَحْزَنُونَ وَلَا يَرِثُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ، سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ “ قَالَ‏:‏ هِيَ مَنْسُوخَةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ، كَانَتْ هَذِهِ قَبْلَ الْفَرَائِضِ وَقِسْمَةِ الْمِيرَاثِ، فَلَمَّا كَانَتِ الْفَرَائِضُ وَالْمَوَارِيثُ نُسِخَتْ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ، نَسَخَتْهَا آيَةُ الْمِيرَاثِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى “ الْآيَةَ، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ “ قَوْلًا مَعْرُوفًا “، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْـزِلَ الْفَرَائِضُ، فأَنْـزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ الْفَرَائِضَ، فَأَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَجُعِلَتِ الصَّدَقَةُ فِيمَا سَمَّى الْمُتَوَفَّى‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ، نَسَخَتْهَا الْمَوَارِيثُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ “ هِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، غَيْرَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ “، يَعْنِي بِهَا قِسْمَةَ الْمَيِّتِ مَالَهُ بِوَصِيَّتِهِ لِمَنْ كَانَ يُوصِي لَهُ بِهِ “‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَأُمِرَ بِأَنْ يَجْعَلَ وَصِيَّتَهُ فِي مَالِهِ لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ‏:‏ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَسَمَ مِيرَاثَ أَبِيهِ، وَ عَائِشَة حَيَّةٌ، فَلَمْ يَدَعْ فِي الدَّارِ أَحَدًا إِلَّا أَعْطَاهُ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ “‏.‏ قَالَ الْقَاسِمُ‏:‏ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ، مَا أَصَابَ، إِنَّمَا هَذِهِ الْوَصِيَّةُ يُرِيدُ الْمَيِّتَ، أَنْ يُوصِيَ لِقَرَابَتِهِ‏.‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ‏:‏ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَسَمَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الصَّفَّارُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ “ قَالَ، أَمَرَ أَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِهِ فِي قَرَابَتِهِ‏.‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ‏:‏ إِنَّمَا ذَلِكَ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ فِي ثُلُثِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ “، قَالَ‏:‏ هِيَ الْوَصِيَّةُ مِنَ النَّاسِ‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ “ قَالَ، الْقِسْمَةُ الْوَصِيَّةُ، كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَوْصَى قَالُوا‏:‏ “ فُلَانٌ يَقْسِمُ مَالَهُ “‏.‏ فَقَالَ، “ ارْزُقُوهُمْ مِنْهُ “‏.‏ يَقُولُ‏:‏ أَوْصُوا لَهُمْ‏.‏ يَقُولُ لِلَّذِي يُوصِي‏:‏ “ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا “ فَإِنْ لَمْ تُوصُوا لَهُمْ، فَقُولُوا لَهُمْ خَيْرًا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ، “ هَذِهِ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَإِنَّمَا عَنَى بِهَا الْوَصِيَّةَ لِأُولِي قُرْبَى الْمُوصِي وَعَنَى بِالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ‏:‏ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ “‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِهِ، لِمَا قَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَغَيْرِهِ، أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الَّتِي أَثْبَتَهَا فِي كِتَابِهِ أَوْ بَيَّنَهَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَيْرُ جَائِزٍ فِيهِ أَنْ يُقَالَ لَهُ نَاسِخٌ لِحُكْمٍ آخَرَ، أَوْ مَنْسُوخٌ بِحُكْمٍ آخَرَ، إِلَّا وَالْحُكْمَانِ اللَّذَانِ قُضِيَ لِأَحَدِهِمَا بِأَنَّهُ نَاسِخٌ وَالْآخَرِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ نَافٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، غَيْرُ جَائِزٍ اجْتِمَاعُ الْحُكْمِ بِهِمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا صَرْفُهُ إِلَى غَيْرِ النَّسْخِ ‏,‏ أَوْ تَقُولَ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا نَاسِخٌ وَالْآخَرُ مَنْسُوخٌ، حُجَّةٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا‏.‏

وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِمَا قَدْ دَلَّلْنَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَكَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ “، مُحْتَمِلًا أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ‏:‏ وَإِذَا حَضَرَ قِسْمَةَ مَالِ قَاسِمٍ مَالَهُ بِوَصِيَّةٍ، أُولُو قَرَابَتِهِ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ، فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ- يُرَادُ‏:‏ فَأَوْصُوا لِأُولِي قَرَابَتِكُمُ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَكُمْ مِنْهُ، وَقُولُوا لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ قَوْلًا مَعْرُوفًا، كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ‏:‏ ‏(‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ‏)‏ ‏[‏سُورَةُ الْبَقَرَةِ‏:‏ 180‏]‏، وَلَا يَكُونُ مَنْسُوخًا بِآيَةِ الْمِيرَاثِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ صَرْفُهُ إِلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْمِيرَاثِ، إِذْ كَانَ لَا دَلَالَةَ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِهَا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سَنَةٍ ثَابِتَةٍ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ مِنَ التَّأْوِيلِ مَا بَيَّنَّا‏.‏ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ “، قِسْمَةَ الْمُوصِي مَالَهُ بِالْوَصِيَّةِ، أُولُو قَرَابَتِهِ “ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ “، يَقُولُ‏:‏ فَاقْسِمُوا لَهُمْ مِنْهُ بِالْوَصِيَّةِ، يَعْنِي‏:‏ فَأَوْصُوا لِأُولِي الْقُرْبَى مِنْ أَمْوَالِكُمْ “ وَقُولُوا لَهُمْ “، يَعْنِي الْآخَرِينَ، وَهُمُ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ “ قَوْلًا مَعْرُوفًا “، يَعْنِي‏:‏ يُدْعَى لَهُمْ بِخَيْرٍ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَائِرُ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ قَبْلُ‏.‏

وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا‏:‏ “ إِنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ “، وَالَّذِينَ قَالُوا‏:‏ “ هِيَ مُحْكَمَةٌ، وَالْمَأْمُورُ بِهَا وَرَثَةُ الْمَيِّتِ “ فَإِنَّهُمْ وَجَّهُوا قَوْلَهُ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ “، يَقُولُ‏:‏ فَأَعْطُوهُمْ مِنْهُ “ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا “، وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّةَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ نَذْكُرْهُ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ “، أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ قِسْمَةِ مَوَارِيثِهِمْ أَنْ يَصِلُوا أَرْحَامَهُمْ وَيَتَامَاهُمْ مِنَ الْوَصِيَّةِ، إِنْ كَانَ أَوْصَى، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةٌ، وَصَلَ إِلَيْهِمْ مِنْ مَوَارِيثِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى “ الْآيَةَ، يَعْنِي‏:‏ عِنْدَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ‏:‏ أَنَّ أَبَاهُ أَعْطَاهُ مِنْ مِيرَاثِ الْمُصْعَبِ، حِينَ قَسَّمَ مَالَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ‏:‏ كَانُوا يَرْضَخُونَ لَهُمْ عِنْدَ الْقِسْمَةِ‏.‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ مَطَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ عَنْ حِطَّانَ‏:‏ أَنَّ أَبَا مُوسَى أَمَرَ أَنْ يُعْطَوْا إِذَا حَضَرَ قِسْمَةَ الْمِيرَاثِ‏:‏ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ وَالْجِيرَانُ مِنَ الْفُقَرَاءِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرِّقَاشِيِّ قَالَ، قَسَمَ أَبُو مُوسَى بِهَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ “‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ حِطَّانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ “ الْآيَةَ قَالَ، قَضَى بِهَا أَبُو مُوسَى‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ بَدْرٍ فِي الْمِيرَاثِ إِذَا قُسِّمَ قَالَ، كَانُوا يُعْطَوْنَ مِنْهُ التَّابُوتَ وَالشَّيْءَ الَّذِي يُسْتَحْيَى مِنْ قِسْمَتِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنِ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، كَانَا يَقُولَانِ‏:‏ ذَاكَ عِنْدَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَالْحَسَنِ قَالَا يَرْضَخُونَ وَيَقُولُونَ قَوْلًا مَعْرُوفًا، فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ “‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ الَّذِينَ قَالُوا‏:‏ “ هَذِهِ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ، وَأَنَّ الْقِسْمَةَ لِأُولِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَاجِبَةٌ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ، إِنْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْمِيرَاثِ صَغِيرًا فَقَسَّمَ عَلَيْهِ الْمِيرَاثَ وَلِيُّ مَالِهِ “‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ لَيْسَ لِوَلِيِّ مَالِهِ أَنْ يَقْسِمَ مِنْ مَالِهِ وَوَصِيَّتِهِ شَيْئًا، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مِنَ الْمَالِ شَيْئًا، وَلَكِنَّهُ يَقُولُ لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَالَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ مَعْرُوفًا، هُوَ وَلِيُّ مَالِ الْيَتِيمِ إِذَا قَسَّمَ مَالَ الْيَتِيمِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شُرَكَاءِ الْيَتِيمِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَلِيُّ مَالِهِ أَحَدَ الْوَرَثَةِ، فَيُعْطِيهِمْ مِنْ نَصِيبِهِ، وَيُعْطِيهِمْ مَنْ يَجُوزُ أَمْرُهُ فِي مَالِهِ مِنْ أَنْصِبَائِهِمْ‏.‏ قَالُوا‏:‏ فَأَمَّا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ، فَالَّذِي يُوَلَّى عَلَيْهِ مَالَهُ، لَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ مَالِهِ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْهُ شَيْئًا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ، سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ “ قَالَ، إِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى لَهُمْ بِشَيْءٍ، أُنْفِذَتْ لَهُمْ وَصِيَّتُهُمْ، وَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ كِبَارًا رَضَخُوا لَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا قَالَ وَلِيُّهُمْ‏:‏ إِنِّي لَسْتُ أَمَلِكُ هَذَا الْمَالَ وَلَيْسَ لِي، وَإِنَّمَا هُوَ لِلصِّغَارِ‏.‏ فَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ “ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا “‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا “ قَالَ، هُمَا وَلِيَّانِ، وَلِيٌّ يَرِثُ، وَوَلِيٌّ لَا يَرِثُ‏.‏ فَأَمَّا الَّذِي يَرِثُ فَيُعْطَى، وَأَمَّا الَّذِي لَا يَرِثُ فَقُولُوا لَهُ قَوْلًا مَعْرُوفًا‏.‏

حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنِي دَاوُدُ، عَنِ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ كَانَا يَقُولَانِ‏:‏ ذَلِكَ عِنْدَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ‏.‏ إِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ لِمَنْ قَدْ أَدْرَكَ، فَلَهُ أَنْ يَكْسُوَ مِنْهُ وَأَنْ يُطْعِمَ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ‏.‏ وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ لِيَتَامَى صِغَارٍ، فَيَقُولُ الْوَلِيُّ‏:‏ “ إِنَّهُ لِيَتَامَى صِغَارٍ “، وَيَقُولُ لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ، إِنَّ كَانُوا كِبَارًا رَضَخُوا، وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا اعْتَذَرُوا إِلَيْهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى “ قَالَ، كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ إِذَا وَلِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، يَرْضَخُ لِأَقْرِبَاءِ الْمَيِّتِ‏.‏ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، اعْتَذَرَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا “، هَذِهِ تَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ‏:‏ أَمَّا وَجْهٌ، فَيُوصِي لَهُمْ وَصِيَّةً، فَيَحْضُرُونَ وَيَأْخُذُونَ وَصِيَّتَهُمْ وَأَمَّا الثَّانِي، فَإِنَّهُمْ يَحْضُرُونَ فَيَقْتَسِمُونَ إِذَا كَانُوا رِجَالًا فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ وَأَمَّا الثَّالِثُ، فَتَكُونُ الْوَرَثَةُ صِغَارًا، فَيَقُومُ وَلِيُّهُمْ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُمْ، فَيَقُولُ لِلَّذِينَ حَضَرُوا‏:‏ “ حَقُّكُمْ حَقٌّ، وَقَرَابَتُكُمْ قَرَابَةٌ، وَلَوْ كَانَ لِي فِي الْمِيرَاثِ نَصِيبٌ لَأَعْطَيْتُكُمْ، وَلَكِنَّهُمْ صِغَارٌ، فَإِنْ يَكْبُرُوا فَسَيَعْرِفُونَ حَقَّكُمْ “، فَهَذَا الْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ، “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا “ قَالَ، إِذَا كَانَ الْوَارِثُ عِنْدَ الْقِسْمَةِ، فَكَانَ الْإِنَاءُ وَالشَّيْءُ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ أَنْ يُقَسَّمَ، فَلْيَرْضَخْ لَهُمْ‏.‏ وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ لِلْيَتَامَى، فَلْيَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ‏:‏ ذَلِكَ وَاجِبٌ فِي أَمْوَالِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ لِأُولِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ، فَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ كِبَارًا تَوَلَّوْا عِنْدَ الْقِسْمَةِ إِعْطَاءَهُمْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا تُوَلَّى إِعْطَاءَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَلِيُّ مَالِهِمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ “، فَحَدَّثَ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيدَةَ‏:‏ أَنَّهُ وَلِي وَصِيَّةً، فَأَمَرَ بِشَاةٍ فَذُبِحَتْ وَصَنَعَ طَعَامًا، لِأَجْلِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَقَالَ، لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ لَكَانَ هَذَا مِنْ مَالِي قَالَ، وَقَالَ الْحَسَنُ‏:‏ لَمْ تُنْسَخْ، كَانُوا يَحْضُرُونَ فَيُعْطَونَ الشَّيْءَ وَالثَّوْبَ الْخَلِقَ قَالَ يُونُسُ‏:‏ إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ وَلِيَ وَصِيَّةً- أَوْ قَالَ، أَيْتَامًا- فَأَمَرَ بِشَاةٍ فَذُبِحَتْ، فَصَنَعَ طَعَامًا كَمَا صَنَعَ عَبِيدَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدٍ‏:‏ أَنَّ عَبِيدَةَ قَسَمَ مِيرَاثَ أَيْتَامٍ، فَأَمَرَ بِشَاةٍ فَاشْتُرِيَتْ مِنْ مَالِهِمْ، وَبِطَعَامٍ فَصُنِعَ، وَقَالَ، لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ لَأَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِي‏.‏ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ “، الْآيَةَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَكَأَنَّ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْقَائِلِينَ الْقَوْلَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمَنْ قَالَ، “ يُرْضَخُ عِنْدَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ لِأُولِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ “، تَأَوَّلَ قَوْلَهُ‏:‏ “ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ “، فَأَعْطُوهُمْ مِنْهُ وَكَأَنَّ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى مَا قَالَ عَبِيدَةَ وَابْنُ سِيرِينَ، تَأَوَّلُوا قَوْلَهُ‏:‏ “ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ “، فَأَطْعِمُوهُمْ مِنْهُ‏.‏

وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ “ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا “‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذَكَرَهُ وُلَاةَ الْيَتَامَى أَنْ يَقُولُوا لِأُولِي قَرَابَتِهِمْ وَلِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ إِذَا حَضَرُوا قِسْمَتَهُمْ مَالَ مَنْ وُلُوا عَلَيْهِ مَالَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ شُرَكَائِهِمْ مِنَ الْوَرَثَةِ فِيهَا، أَنْ يَعْتَذِرُوا إِلَيْهِمْ، عَلَى نَحْوِ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى مِنَ الِاعْتِذَارِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ “ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا “ قَالَ، هُوَ الَّذِي لَا يَرِثُ، أُمِرَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا‏.‏ قَالَ يَقُولُ‏:‏ “ إِنَّ هَذَا الْمَالَ لِقَوْمٍ غُيَّبٍ، أَوْ لِيَتَامَى صِغَارٍ، وَلَكُمْ فِيهِ حَقٌّ، وَلَسْنَا نَمْلِكُ أَنْ نُعْطِيَكُمْ مِنْهُ شَيْئًا “‏.‏ قَالَ، فَهَذَا الْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلِ الْمَأْمُورُ بِالْقَوْلِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي أَمَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يُقَالَ لَهُ، هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يُوصِي فِي مَالِهِ وَ“ الْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ “، هُوَ الدُّعَاءُ لَهُمْ بِالرِّزْقِ وَالْغِنَى وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْخَيْرِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَائِلِي ذَلِكَ أَيْضًا فِيمَا مَضَى‏.‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ‏:‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ “ وَلْيَخْشَ “، لِيَخَفِ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ مُوصِيًا يُوصِي فِي مَالِهِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِتَفْرِيقِ مَالِهِ وَصِيَّةً مِنْهُ فِيمَنْ لَا يَرِثُهُ، وَلَكِنْ لِيَأْمُرَهُ أَنْ يُبْقِيَ مَالَهُ لِوَلَدِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ الْمُوصِي، يَسُرُّهُ أَنْ يَحُثَهُ مَنْ يَحْضُرُهُ عَلَى حِفْظِ مَالِهِ لِوَلَدِهِ، وَأَنْ لَا يَدَعُهُمْ عَالَةً مَعَ ضَعْفِهِمْ وَعَجْزِهِمْ عَنِ التَّصَرُّفِ وَالِاحْتِيَالِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ “ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ “ إِلَى آخَرِ الْآيَةِ، فَهَذَا فِي الرَّجُلِ يَحْضُرُهُ الْمَوْتُ فَيَسْمَعُهُ يُوصِي بِوَصِيَّةٍ تَضُرُّ بِوَرَثَتِهِ، فَأَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الَّذِي سَمِعَهُ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ وَيُوَفِّقَهُ وَيُسَدِّدَهُ لِلصَّوَابِ، وَلِيَنْظُرْ لِوَرَثَتِهِ كَمَا كَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصْنَعَ لِوَرَثَتِهِ إِذَا خَشِيَ عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ “ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ “، يَعْنِي‏:‏ الَّذِي يَحْضُرُهُ الْمَوْتُ فَيُقَالُ لَهُ‏:‏ “ تَصَدَّقْ مِنْ مَالِكَ، وَأَعْتِقْ، وَأَعْطِ مِنْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ “‏.‏ فَنُهُوا أَنْ يَأْمُرُوهُ بِذَلِكَ يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَضَرَ مِنْكُمْ مَرِيضًا عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَأْمُرُهُ أَنْ يُنْفِقَ مَالَهُ فِي الْعِتْقِ أَوِ الصَّدَقَةِ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَكِنْ يَأْمُرُهُ أَنْ يُبَيِّنَ مَالَهُ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ، وَيُوصِيَ فِي مَالِهِ لِذَوِي قَرَابَتِهِ الَّذِينَ لَا يَرْثُونَ، وَيُوصِيَ لَهُمْ بِالْخُمُسِ أَوِ الرُّبُعِ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ أَلَيْسَ يَكْرَهُ أَحَدُكُمْ إِذَا مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ ضِعَافٌ يَعْنِي صِغَارًا أَنْ يَتْرُكَهُمْ بِغَيْرِ مَالٍ، فَيَكُونُوا عِيَالًا عَلَى النَّاسِ‏؟‏ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَأْمُرُوهُ بِمَا لَا تَرْضَوْنَ بِهِ لِأَنْفُسِكُمْ وَلَا أَوْلَادِكُمْ، وَلَكِنْ قُولُوا الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ “ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا “، قَالَ يَقُولُ‏:‏ مَنْ حَضَرَ مَيِّتًا فَلْيَأْمُرْهُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَلْيَنْهَهُ عَنِ الْحَيْفِ وَالْجَوْرِ فِي وَصِيَّتِهِ، وَلْيَخْشَ عَلَى عَيَالِهِ مَا كَانَ خَائِفًا عَلَى عَيَالِهِ لَوْ نَـزَلَ بِهِ الْمَوْتُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا “ قَالَ‏:‏ إِذَا حَضَرْتَ وَصِيَّةَ مَيِّتٍ فَمُرْهُ بِمَا كُنْتَ آمِرًا نَفْسَكَ بِمَا تَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ، وَخَفْ فِي ذَلِكَ مَا كُنْتَ خَائِفًا عَلَى ضَعَفَةٍ، لَوْ تَرَكْتَهُمْ بَعْدَكَ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ فَاتَّقِ اللَّهَ وَقُلْ قَوْلًا سَدِيدًا، إِنْ هُوَ زَاغَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ “ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا “، الرَّجُلُ يَحْضُرُهُ الْمَوْتُ، فَيَحْضُرُهُ الْقَوْمُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا لَهُ‏:‏ “ أَوْصِ بِمَالِكَ كُلِّهِ، وَقُدِّمَ لِنَفْسِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَرْزُقُ عَيَالَكَ “، وَلَا يَتْرُكُوهُ يُوصِي بِمَالِهِ كُلِّهِ، يَقُولُ لِلَّذِينِ حَضَرُوا‏:‏ “ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ “، فَيَقُولُ‏:‏ كَمَا يَخَافُ أَحَدُكُمْ عَلَى عَيَالِهِ لَوْ مَاتَ- إِذْ يَتْرُكُهُمْ صِغَارًا ضِعَافًا لَا شَيْءَ لَهُمْ- الضَّيْعَةَ بَعْدَهُ، فَلْيَخَفْ ذَلِكَ عَلَى عَيَالِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، فَيَقُولَ لَهُ الْقَوْلَ السَّدِيدَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ قَالَ، ذَهَبْتُ أَنَا وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ “ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا “ الْآيَةَ، قَالَ قَالَ‏:‏ الرَّجُلُ يَحْضُرُهُ الْمَوْتُ، فَيَقُولُ لَهُ مَنْ يَحْضُرُهُ‏:‏ “ اتَّقِ اللَّهَ، صِلْهُمْ، أَعْطِهِمْ، بِرَّهُمْ “، وَلَوْ كَانُوا هُمُ الَّذِينَ يَأْمُرُهُمْ بِالْوَصِيَّةِ، لَأَحَبُّوا أَنْ يُبْقُوا لِأَوْلَادِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا “ قَالَ، يَحْضُرُهُمُ الْيَتَامَى فَيَقُولُونَ‏:‏ “ اتَّقِ اللَّهَ، وَصِلْهُمْ، وَأَعْطِهِمْ “، فَلَوْ كَانُوا هُمْ، لَأَحَبُّوا أَنْ يُبْقُوا لِأَوْلَادِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ قَالَ، أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا “، الْآيَةَ، يَقُولُ‏:‏ إِذَا حَضَرَ أَحَدُكُمْ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ عِنْدَ وَصِيَّتِهِ، فَلَا يَقُلْ‏:‏ “ أَعْتِقْ مِنْ مَالِكَ، وَتَصَدَّقْ “، فَيُفَرِّقَ مَالَهُ وَيَدَعَ أَهْلَهُ عُيَّلًا وَلَكِنْ مُرُوهُ فَلْيَكْتُبْ مَالَهُ مِنْ دَيْنٍ وَمَا عَلَيْهِ، وَيَجْعَلْ مِنْ مَالِهِ لِذَوِي قَرَابَتِهِ خُمُسَ مَالِهِ، وَيَدَعْ سَائِرَهُ لِوَرَثَتِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذَرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ “ الْآيَةَ قَالَ، هَذَا يُفَرِّقُ الْمَالَ حِينَ يُقَسَّمُ، فَيَقُولُ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ‏:‏ “ أَقْلَلْتَ، زِدْ فُلَانًا “، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ “ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ “، فَلْيَخْشَ أُولَئِكَ، وَلِيَقُولُوا فِيهِمْ مِثْلَ مَا يُحِبُّ أَحَدُهُمْ أَنْ يُقَالَ فِي وَلَدِهِ بِالْعَدْلِ إِذَا أَكْثَرَ‏:‏ “ أَبْقِ عَلَى وَلَدِكِ “‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ الْمُوصِي وَهُوَ يُوصِي الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مَنْ خَلْفِهِمْ ذَرِّيَّةً ضِعَافًا فَخَافُوا عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةَ مِنْ ضَعْفِهِمْ وَطُفُولَتِهِمْ أَنْ يَنْهَوْهُ عَنِ الْوَصِيَّةِ لِأَقْرِبَائِهِ، وَأَنْ يَأْمُرُوهُ بِإِمْسَاكِ مَالِهِ وَالتَّحَفُّظِ بِهِ لِوَلَدِهِ، وَهُمْ لَوْ كَانُوا مِنْ أَقْرِبَاءِ الْمُوصِي، لَسَرَّهُمْ أَنْ يُوصِيَ لَهُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ قَالَ، ذَهَبْتُ أَنَا وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، فَأَتَيْنَا مِقْسَمًا فَسَأَلْنَاهُ يَعْنِي عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ “ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا “ الْآيَةَ فَقَالَ، مَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ‏؟‏ فَقُلْنَا‏:‏ كَذَا وَكَذَا‏.‏ فَقَالَ، وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَحْضُرُهُ الْمَوْتُ، فَيَقُولُ لَهُ مَنْ يَحْضُرُهُ‏:‏ “ اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ مَالَكَ، فَلَيْسَ أَحَدٌ أَحَقَّ بِمَالِكَ مِنْ وَلَدِكَ “، وَلَوْ كَانَ الَّذِي يُوصِي ذَا قُرَابَةِ لَهُمْ، لَأَحَبُّوا أَنْ يُوصِيَ لَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ، قَالَ مِقْسَمٌ‏:‏ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ‏:‏ “ اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ مَالَكَ “، فَلَوْ كَانَ ذَا قَرَابَةٍ لَهُمْ لَأَحَبُّوا أَنْ يُوصِيَ لَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ، زَعَمَ حَضْرَمِيٌّ وَقَرَأَ‏:‏ “ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا “، قَالَ قَالُوا‏:‏ حَقِيقٌ أَنْ يَأْمُرَ صَاحِبَ الْوَصِيَّةِ بِالْوَصِيَّةِ لِأَهْلِهَا، كَمَا أَنْ لَوْ كَانَتْ ذَرِّيَّةَ نَفْسِهِ بِتِلْكَ الْمَنْـزِلَةِ، لَأَحَبَّ أَنْ يُوصِيَ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْوَارِثُ، فَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالَّذِي يَحِقُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّ وَلَدَهُ لَوْ كَانُوا بِتِلْكَ الْمَنْـزِلَةِ أَحَبَّ أَنْ يُحَثَّ عَلَيْهِ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ هُوَ، فَلْيَأْمُرْهُ بِالْوَصِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْوَارِثَ، أَوْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ‏.‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ، أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ وُلَاةَ الْيَتَامَى أَنْ يَلُوهُمْ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَلَا يَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا، وَأَنْ يَكُونُوا لَهُمْ كَمَا يُحِبُّونَ أَنْ يَكُونَ وُلَاةُ وَلَدِهِ الصِّغَارِ بَعْدَهُمْ لَهُمْ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، لَوْ كَانُوا هُمُ الَّذِينَ مَاتُوا وَتَرَكُوا أَوْلَادَهُمْ يَتَامَى صِغَارًا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ “ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ “، يَعْنِي بِذَلِكَ الرَّجُلَ يَمُوتُ وَلَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ ضِعَافٌ، يَخَافُ عَلَيْهِمُ الْعَيْلَةَ وَالضَّيْعَةَ، وَيَخَافُ بَعْدَهُ أَنْ لَا يُحْسِنَ إِلَيْهِ مَنْ يَلِيهِمْ، يَقُولُ‏:‏ فَإِنْ وَلِيَ مِثْلَ ذُرِّيَّتِهِ ضِعَافًا يَتَامَى، فَلْيُحْسِنْ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَأْكُلْ أَمْوَالَهُمْ إِسْرَافًا وَبِدَارًا خَشْيَةَ أَنْ يَكْبَرُوا، فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلِيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ “ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا “، يَكْفِهِمُ اللَّهُ أَمْرَ ذُرِّيَّتِهِمْ بِعَدَهِمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَطِيَّةَ بْنِ رُدَيْحِ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ رُدَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ السَّيْبَانِيِّ قَالَ، كُنَّا بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ أَيَّامَ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَفِينَا ابْنُ مُحَيْرِيزٍ وَابْنُ الدَّيْلَمِيِّ، وَهَانِئُ بْنُ كُلْثُومٍ قَالَ، فَجَعَلْنَا نَتَذَاكَرُ مَا يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ‏.‏ قَالَ، فَضِقْتُ ذَرْعًا بِمَا سَمِعْتُ‏.‏ قَالَ، فَقُلْتُ لِابْنِ الدَّيْلَمِيِّ‏:‏ يَا أَبَا بِشْرٍ، بِوِدِّي أَنَّهُ لَا يُولَدُ لِي وَلَدٌ أَبَدًا‏!‏ قَالَ‏:‏ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي وَقَالَ، يَابْنَ أَخِي، لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّهُ لَيْسَتْ مِنْ نَسَمَةٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهَا أَنْ تَخَرُجَ مِنْ صُلْبِ رَجُلٍ إِلَّا وَهِيَ خَارِجَةٌ إِنْ شَاءَ، وَإِنْ أَبَى‏.‏ قَالَ‏:‏ أَلَّا أَدُلُّكَ عَلَى أَمْرٍ إِنْ أَنْتَ أَدْرَكْتَهُ نَجَّاكَ اللَّهُ مِنْهُ، وَإِنْ تَرَكْتَ وَلَدَكَ مِنْ بَعْدِكَ حَفِظَهُمُ اللَّهُ فِيكَ‏؟‏ قَالَ، قُلْتُ‏:‏ بَلَى‏!‏ قَالَ، فَتَلَا عِنْدَ ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ “ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا “‏.‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِالْآيَةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ، تَأْوِيلُ ذَلِكَ‏:‏ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذَرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمُ الْعَيْلَةَ لَوْ كَانُوا فَرَّقُوْا أَمْوَالَهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ، أَوْ قَسَّمُوهَا وَصِيَّةً مِنْهُمْ بِهَا لِأُولِي قَرَابَتِهِمْ وَأَهْلِ الْيُتْمِ وَالْمَسْكَنَةِ، فَأَبْقَوْا أَمْوَالَهُمْ لِوَلَدِهِمْ خَشْيَةَ الْعَيْلَةِ عَلَيْهِمْ بَعْدَهُمْ، مَعَ ضَعْفِهِمْ وَعَجْزِهِمْ عَنِ الْمَطَالِبِ، فَلْيَأْمُرُوا مَنْ حَضَرُوهُ وَهُوَ يُوصِي لِذَوِي قَرَابَتِهِ- وَفِي الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ- بِمَالِهِ بِالْعَدْلِ وَلِيَتَّقُوا اللَّهَ وَلِيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، وَهُوَ أَنْ يُعَرِّفُوهُ مَا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْوَصِيَّةِ، وَمَا اخْتَارَهُ لِلْمُوصِينَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِكِتَابِهِ وَسَنَتِهِ‏.‏‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ، لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ‏:‏ مِنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَأَوْصُوا لَهُمْ- بِمَا قَدْ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ‏.‏

فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ‏:‏ “ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ “ الْآيَةَ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ “ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ “، تَأْدِيبًا مِنْهُ عِبَادَهُ فِي أَمْرِ الْوَصِيَّةِ بِمَا أَذِنَهُمْ فِيهِ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ عَقِيبَ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ، وَكَانَ أَظْهَرُ مَعَانِيهِ مَا قُلْنَا، فَإِلْحَاقُ حُكْمِهِ بِحُكْمِ مَا قَبْلَهُ أَولَى، مَعَ اشْتِبَاهِ مَعَانِيهِمَا، مِنْ صَرْفِ حُكْمِهِ إِلَى غَيْرِهِ بِمَا هُوَ لَهُ غَيْرُ مُشْبِهٍ‏.‏

وَبِمَعْنَى مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ “ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا “، قَالَ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ فِي مُبْتَدَأِ تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَبِهِ كَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا “ قَالَ‏:‏ يَقُولُ قَوْلًا سَدِيدًا، يُذَكِّرُ هَذَا الْمِسْكِينَ وَيَنْفَعُهُ، وَلَا يُجْحِفْ بِهَذَا الْيَتِيمِ وَارِثِ الْمُؤَدِّي وَلَا يَضُرُّ بِهِ، لِأَنَّهُ صَغِيرٌ لَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ، فَانْظُرْ لَهُ كَمَا تَنْظُرُ إِلَى وَلَدِكَ لَوْ كَانُوا صِغَارًا‏.‏

وَ “ السَّدِيدُ “ مِنَ الْكَلَامِ، هُوَ الْعَدْلُ وَالصَّوَابُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ “ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا “، يَقُولُ‏:‏ بِغَيْرِ حَقٍّ، “ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا “ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا فِي الدُّنْيَا، نَارَ جَهَنَّمَ “ وَسَيَصْلَوْنَ “ بِأَكْلِهِمْ “ سَعِيرًا “، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ “ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا “ قَالَ‏:‏ إِذَا قَامَ الرَّجُلُ يَأْكُلُ مَالَ الْيَتِيمِ ظُلْمًا، يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهَبُ النَّارِ يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ وَمِنْ مَسَامِعِهِ وَمِنْ أُذُنَيْهِ وَأَنْفِهِ وَعَيْنَيْهِ، يَعْرِفُهُ مَنْ رَآهُ بِأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ، أَخْبَرَنِي أَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ، حَدَّثَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَيْلَةِ أُسَرِيَ بِهِ قَالَ، نَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ لَهُمْ مَشَافِرٌ كَمَشَافِرَ الْإِبِلِ، وَقَدْ وُكِّلَ بِهِمْ مَنْ يَأْخُذُ بِمَشَافِرِهِمْ، ثُمَّ يَجْعَلُ فِي أَفْوَاهِهِمْ صَخْرًا مِنْ نَارٍ يَخْرُجُ مِنْ أَسَافِلِهِمْ، قُلْتُ‏:‏ يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَؤُلَاءِ‏؟‏ قَالَ، هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا “‏.‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا “ قَالَ، قَالَ أَبِي‏:‏ إِنَّ هَذِهِ لِأَهْلِ الشِّرْكِ، حِينَ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَهُمْ، وَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَهُمْ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ “ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا “، فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ “ الصَّلَا “ وَ“ الصَّلَا “ الِاصْطِلَاءُ بِالنَّارِ، وَذَلِكَ التَّسَخُّنُ بِهَا، كَمَا قَالَ الْفَرَزْدَقُ‏:‏

وَقَـاتَلَ كَـلْبُ الْحَـيِّ عَـنْ نَـارِ أَهْلِهِ لِـيَرْبِضَ فِيهَـا وَالصَّـلَا مُتَكَـنَّفُ

وَكَمَا قَالَ الْعَجَّاجُ‏:‏

وَصَالِيَاتٌ لِلصَّلَا صُلِيُّ

ثُمَّ اسْتُعْمِلَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَنْ بَاشَرَ بِيَدِهِ أَمْرًا مِنَ الْأُمُورِ، مِنْ حَرْبٍ أَوْ قِتَالٍ أَوْ خُصُومَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

لَـمْ أَكُـنْ مِـنْ جُنَاتِهَـا عَلِـمَ اللَّـهُ *** وَإِنِّـي بِحَرِّهَـا الْيَـوْمَ صَـالِي

فَجَعَلَ مَا بَاشَرَ مِنْ شِدَّةِ الْحَرْبِ وَأَذَى الْقِتَالِ، بِمَنْزِلَةِ مُبَاشَرَةِ أَذَى النَّارِ وَحَرِّهَا‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْمَدِينَةِ وَالْعِرَاقِ‏:‏ ‏(‏وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا‏)‏ بِفَتْحِ “ الْيَاءِ “ عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي قُلْنَاهُ‏.‏‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ‏:‏ “ وَسَيُصْلَوْنَ “ بِضَمِّ “ الْيَاءِ “ بِمَعْنَى‏:‏ يُحْرَقُونَ‏.‏

مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ “ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ “، يَعْنِي‏:‏ مَشْوِيَّةً‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالْفَتْحُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنَ الضَّمِّ، لِإِجْمَاعِ جَمِيعِ الْقَرَأَةِ عَلَى فَتْحِ “ الْيَاءِ “ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى‏)‏ ‏[‏سُورَةُ اللَّيْلِ‏:‏ 15‏]‏، وَلِدَلَالَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ‏)‏ ‏[‏سُورَةُ الصَّافَّاتِ‏:‏ 163‏]‏، عَلَى أَنَّ الْفَتْحَ بِهَا أَوْلَى مِنَ الضَّمِّ‏.‏ وَأَمَّا “ السَّعِيرُ “‏:‏ فَإِنَّهُ شِدَّةُ حُرِّ جَهَنَّمَ، وَمِنْهُ قِيلَ‏:‏ “ اسْتَعَرَتِ الْحَرْبُ “ إِذَا اشْتَدَّتْ، وَإِنَّمَا هُوَ “ مَسْعُورٌ “، ثُمَّ صُرِفَ إِلَى “ سَعِيرٍ “، كَمَا قِيلَ‏:‏ “ كَفٌّ خَضِيبٌ “، وَ“ لِحْيَةٌ دَهِينٌ “، وَإِنَّمَا هِيَ “ مَخْضُوبَةٌ “، صُرِفَتْ إِلَى “ فَعِيلٍ “‏.‏

فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إذًا‏:‏ وَسَيَصْلَوْنَ نَارًا مُسَعَّرَةً، أَيْ‏:‏ مَوْقُودَةً مُشْعَلَةً شَدِيدًا حَرُّهَا‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ، ‏(‏وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ‏)‏، ‏[‏سُورَةُ التَّكْوِيرِ‏:‏ 12‏]‏، فَوَصَفَهَا بِأَنَّهَا مَسْعُورَةٌ‏.‏

ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ أَكَلَةَ أَمْوَالِ الْيَتَامَى يَصْلَوْنَهَا وَهِيَ كَذَلِكَ‏.‏ فَـ “ السَّعِيرُ “ إذًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، صِفَةٌ لِلْجَحِيمِ عَلَى مَا وَصَفْنَا‏.‏