فصل: تفسير الآية رقم (44)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏44‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ-‏:‏ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ ‏"‏‏.‏ فَقَالَ قَوْمٌ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ أَلَمْ تُخْبَرْ‏؟‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَاهُ أَلَمْ تَعْلَمْ‏؟‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ‏:‏ أَلَمْ تَرَ بِقَلْبِكَ يَا مُحَمَّدُ عِلْمًا ‏"‏ ‏{‏إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا‏}‏ ‏"‏‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ ‏"‏الْخَبَر‏"‏ ‏"‏ وَالْعِلْمَ ‏"‏ لَا يُجَلِّيَانِ رُؤْيَةً، وَلَكِنَّهُ رُؤْيَةُ الْقَلْبِ بِالْعِلْمِ‏.‏ فَذَلِكَ كَمَا قُلْنَا فِيهِ‏.‏

وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ‏}‏‏:‏ فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ إِلَى الَّذِينَ أُعْطَوْا حَظًّا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَعَلَمُوهُ

وَذُكِرَ أَنَّ اللَّهَ عَنَى بِذَلِكَ طَائِفَةً مِنْ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا حَوَالَيْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ‏}‏‏:‏ فَهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ الْيَهُودُ، اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ‏}‏ ‏"‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ فِي رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ السَّائِبِ الْيَهُودِيِّ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدِ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ كَانَ رَفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ مِنْ عُظَمَائِهِمْ- يَعْنِي مِنْ عُظَمَاءِ الْيَهُودِ- إِذَا كَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَوَى لِسَانَهُ وَقَالَ‏:‏ رَاعِنَا سَمْعَكَ يَا مُحَمَّدُ حَتَّى نَفْهَمَكَ‏.‏ ثُمَّ طَعَنَ فِي الْإِسْلَامِ وَعَابَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏"‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَة‏"‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ‏"‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ‏}‏‏:‏ الْيَهُودُ الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ، يَخْتَارُونَ الضَّلَالَةَ وَذَلِكَ‏:‏ الْأَخْذُ عَلَى غَيْرِ طَرِيقِ الْحَقِّ، وَرُكُوبُ غَيْرِ سَبِيلِ الرُّشْدِ وَالصَّوَابِ، مَعَ الْعِلْمِ مِنْهُمْ بِقَصْدِ السَّبِيلِ وَمَنْهَجِ الْحَقِّ‏.‏ وَإِنَّمَا عَنَى اللَّهُ بِوَصْفِهِمْ بِاشْتِرَائِهِمُ الضَّلَالَةَ مَقَامَهُمْ عَلَى التَّكْذِيبِ بِمُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَرْكَهُمُ الْإِيمَانَ بِهِ، وَهُمْ عَالِمُونَ أَنَّ السَّبِيلَ الْحَقَّ الْإِيمَانُ بِهِ وَتَصْدِيقُهُ بِمَا قَدْ وَجَدُوا مِنْ صِفَتِهِ فِي كُتُبِهِمُ الَّتِي عِنْدَهُمْ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ‏}‏‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَيُرِيدُ هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- بِأَنَّهُمْ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ ‏"‏أَنْ تَضِلُّوا‏"‏ أَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُصَدِّقِينَ بِهِ ‏"‏أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيل‏"‏ يَقُولُ‏:‏ أَنْ تَزُولُوا عَنْ قَصْدِ الطَّرِيقِ وَمَحَجَّةِ الْحَقِّ، فَتُكَذِّبُوا بِمُحَمَّدٍ، وَتَكُونُوا ضُلَّالًا مِثْلَهُمْ‏.‏

وَهَذَا مِنَ اللَّهِ- تَعَالَى ذِكْرُهُ- تَحْذِيرٌ مِنْهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَسْتَنْصِحُوا أَحَدًا مِنْ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ، أَوْ أَنْ يَسْمَعُوا شَيْئًا مِنْ طَعْنِهِمْ فِي الْحَقِّ‏.‏

ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- عَنْ عَدَاوَةِ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ الَّذِينَ نَهَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَسْتَنْصَحُوهُمْ فِي دِينِهِمْ إِيَّاهُمْ فَقَالَ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ-‏:‏ ‏"‏وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُم‏"‏ يَعْنِي بِذَلِكَ- تَعَالَى ذِكْرُهُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنْكُمْ بِعَدَاوَةِ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ فَانْتَهَوْا إِلَى طَاعَتِي فِيمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ مِنِ اسْتِنْصَاحِهِمْ فِي دِينِكُمْ؛ فَإِنِّي أَعْلَمُ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ لَكُمْ مِنَ الْغِشِّ وَالْعَدَاوَةِ وَالْحَسَدِ، وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَبْغُونَكُمُ الْغَوَائِلَ، وَيَطْلُبُونَ أَنْ تَضِلُّوا عَنْ مَحَجَّةِ الْحَقِّ فَتَهْلَكُوا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا‏}‏‏:‏ فَإِنَّهُ يَقُولُ‏:‏ فَبِاللَّهِ- أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- فَثِقُوا، وَعَلَيْهِ فَتَوَكَّلُوا، وَإِلَيْهِ فَارْغُبُوا دُونَ غَيْرِهِ، يَكْفِكُمْ مَهَمَّكُمْ، وَيَنْصُرْكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ‏.‏ ‏"‏وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا‏"‏ يَقُولُ‏:‏ وَكَفَاكُمْ وَحَسْبُكُمْ بِاللَّهِ رَبِّكُمْ وَلِيًّا يَلِيكُمْ وَيَلِي أُمُورَكُمْ بِالْحِيَاطَةِ لَكُمْ، وَالْحِرَاسَةِ مِنْ أَنْ يَسْتَفِزَّكُمْ أَعْدَاؤُكُمْ عَنْ دِينِكُمْ، أَوْ يَصُدُّوكُمْ عَنِ اتِّبَاعِ نَبِيِّكُمْ

‏"‏ وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا ‏"‏ يَقُولُ‏:‏ وَحَسْبُكُمْ بِاللَّهِ نَاصِرًا لَكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ وَأَعْدَاءِ دِينِكُمْ، وَعَلَى مَنْ بَغَاكُمُ الْغَوَائِلَ، وَبَغَى دِينَكُمُ الْعِوَجَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَلِقَوْلِهِ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ-‏:‏ ‏{‏مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ‏}‏‏:‏ وَجْهَانِ مِنَ التَّأْوِيلِ‏.‏

أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ‏}‏ ‏"‏ ‏{‏مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ‏}‏‏:‏ فَيَكُونُ قَوْلُهُ‏:‏ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا‏"‏ مِنْ صِلَةِ ‏"‏ الَّذِينَ ‏"‏‏.‏ وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ كَانَتْ عَامَّةُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يُوَجِّهُونَ قَوْلَهُ‏:‏ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ ‏"‏‏.‏

وَالْآخَرُ مِنْهُمَا‏:‏ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ‏:‏ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا مَنْ يُحَرِّفُ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ فَتَكُونُ مَنْ مَحْذُوفَةً مِنَ الْكَلَامِ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏مِنَ الَّذِينَ هَادَوْا‏"‏ عَلَيْهَا‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ لَوْ ذُكِرَتْ فِي الْكَلَامِ كَانَتْ بَعْضًا لـ ‏"‏مِنْ ‏"‏، فَاكْتَفَى بِدَلَالَةِ مِنْ عَلَيْهَا‏.‏ وَالْعَرَبُ تَقُولُ‏:‏ مِنَّا مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ، وَمِنَّا لَا يَقُولُهُ‏.‏ بِمَعْنَى‏:‏ مِنَّا مَنْ يَقُولُ ذَاكَ، وَمِنَّا مَنْ لَا يَقُولُهُ فَتُحْذَف‏"‏ مَنْ ‏"‏اكْتِفَاءً بِدَلَالَة‏"‏ مِنْ ‏"‏ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ ذُو الرُّمَّةِ‏:‏

فَظَلُّـوا وَمِنْهُـمْ دَمْعُـهُ سَـابِقٌ لَـهُ *** وَآخَـرُ يَثْنِـي دَمْعَـةَ الْعَيْـنِ بِـالهَمْلِ

يَعْنِي‏:‏ وَمِنْهُمْ مَنْ دَمْعُهُ‏.‏ وَكَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الصَّافَّاتِ‏:‏ 164‏]‏‏.‏ وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى كَانَتْ عَامَّةُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يُوَجِّهُونَ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ‏}‏‏:‏ غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ‏:‏ الْمُضْمَرُ فِي ذَلِكَ ‏"‏ الْقَوْمُ ‏"‏‏.‏ كَأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ‏:‏ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا قَوْمٌ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ، وَيَقُولُونَ‏:‏ نَظِيرَ قَوْلِ النَّابِغَةِ‏:‏

كَـأَنَّكَ مِـنْ جِمَـالِ بَنِـي أُقَيْشٍ *** يُقَعْقَـعُ خَـلْفَ رِجْلَيْـهِ بِشَـنِّ

يَعْنِي‏:‏ كَأَنَّكَ جَمَلٌ مِنْ جِمَالِ أُقَيْشٍ‏.‏

فَأَمَّا نَحْوِيُّو الْكُوفَةِ فَيُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ الْمُضْمَرَ مَعَ ‏"‏مِن‏"‏ إِلَّا ‏"‏مَن‏"‏ أَوْ مَا أَشْبَهَهَا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالْقَوْلُ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ مَنْ قَالَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مِنَ الَّذِينَ هَادُوا‏}‏‏:‏ مِنْ صِلَةِ ‏"‏ ‏{‏الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ‏}‏؛ لِأَنَّ الْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا وَالصِّفَتَيْنِ مِنْ صِفَةِ نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ وَهُمُ الْيَهُودُ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ صِفَتَهُمْ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ‏}‏ ‏"‏‏.‏ وَبِذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيلُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، فَلَا حَاجَةَ بِالْكَلَامِ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَتْرُوكٌ‏.‏

وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ‏}‏‏:‏ فَإِنَّهُ يَقُولُ‏:‏ يُبَدِّلُونَ مَعْنَاهَا وَيُغَيِّرُونَهَا عَنْ تَأْوِيلِهِ‏.‏

‏"‏ وَالْكَلِمُ ‏"‏جِمَاع‏"‏ كَلِمَةٍ ‏"‏‏.‏

وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ‏:‏ عَنَى بـ ‏"‏ الْكَلِمَ ‏"‏، التَّوْرَاةَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ‏}‏‏:‏ تَبْدِيلُ الْيَهُودِ التَّوْرَاةَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏عَنْ مَوَاضِعِهِ‏}‏ فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ عَنْ أَمَاكِنِهِ وَوُجُوهِهِ الَّتِي هِيَ وُجُوهُهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا‏}‏‏.‏

يَعْنِي بِذَلِكَ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ-‏:‏ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يَقُولُونَ‏:‏ سَمِعْنَا يَا مُحَمَّدُ قَوْلَكَ، وَعَصَيْنَا أَمْرَكَ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَتِ الْيَهُودُ‏:‏ سَمِعْنَا مَا تَقُولُ وَلَا نُطِيعُكَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا‏}‏‏:‏ قَالُوا‏:‏ قَدْ سَمِعْنَا، وَلَكِنْ لَا نُطِيعُكَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- عَنْ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا حَوَالَيْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي عَصْرِهِ‏:‏ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسُبُّونَ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيُؤْذُونَهُ بِالْقَبِيحِ مِنَ الْقَوْلِ، وَيَقُولُونَ لَهُ‏:‏ اسْمَعْ مِنَّا غَيْرَ مُسْمَعٍ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِلرَّجُلِ يَسُبُّهُ‏:‏ اسْمَعْ، لَا أَسْمَعَكَ اللَّهُ كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْكِتَابِ يَهُودُ، كَهَيْئَةِ مَا يَقُولُ الْإِنْسَانُ‏:‏ اسْمَعْ لَا سَمِعْتَ؛ أَذًى لِرَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَشَتْمًا لَهُ وَاسْتِهْزَاءً‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْمِنْجَابِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عِمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ‏}‏ ‏"‏ قَالَ‏:‏ يَقُولُونَ لَكَ‏:‏ وَاسْمَعْ لَا سَمِعْتَ ‏"‏‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ‏:‏ أَنَّهُمَا كَانَا يَتَأَوَّلَانِ فِي ذَلِكَ بِمَعْنَى‏:‏ وَاسْمَعْ غَيْرَ مَقْبُولٍ مِنْكَ‏.‏

وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ لَقِيلَ‏:‏ وَاسْمَعْ غَيْرَ مَسْمُوعٍ‏.‏ وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ وَاسْمَعْ لَا تَسْمَعُ‏.‏ وَلَكِنْ قَالَ اللَّهُ- تَعَالَى ذِكْرُهُ-‏:‏ ‏"‏لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّين‏"‏ فَوَصَفَهُمْ بِتَحْرِيفِ الْكَلَامِ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَالطَّعْنِ فِي الدِّينِ بِسَبِّ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-‏.‏

وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ‏}‏‏:‏ يَقُولُ‏:‏ غَيْرَ مَقْبُولٍ مَا تَقُولُ فَهُوَ كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ غَيْرُ مُسْتَمَعٍ- قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ‏}‏‏:‏ غَيْرَ مَقْبُولٍ مَا تَقُولُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَمَا تَقُولُ اسْمَعْ غَيْرَ مَسْمُوعٍ مِنْكَ‏.‏

وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ كَانَ نَاسٌ مِنْهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ ‏{‏وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ‏}‏‏:‏ كَقَوْلِكَ‏:‏ اسْمَعْ غَيْرَ صَاغِرٍ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَرَاعِنَا‏"‏ أَيْ‏:‏ رَاعِنَا سَمْعَكَ، افْهَمْ عَنَّا وَأَفْهِمْنَا‏.‏ وَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيلَ ذَلِكَ فِي ‏"‏سُورَةِ الْبَقَرَة‏"‏ بِأَدِلَّتِهِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ عَنْ إِعَادَتِهِ‏.‏

ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ يَعْنِي تَحْرِيكًا مِنْهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ بِتَحْرِيفٍ مِنْهُمْ لِمَعْنَاهُ إِلَى الْمَكْرُوهِ مِنْ مَعْنَيَيْهِ، وَاسْتِخْفَافًا مِنْهُمْ بِحَقِّ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَطَعْنًا فِي الدِّينِ كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ‏:‏ قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ كَانَتِ الْيَهُودُ يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-‏:‏ رَاعِنَا سَمْعَكَ يَسْتَهْزِئُونَ بِذَلِكَ، فَكَانَتِ الْيَهُودُ قَبِيحَةً أَنْ يُقَالَ‏:‏ رَاعِنَا سَمْعَكَ‏:‏ ‏"‏لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِم‏"‏ وَاللَّيُّ‏:‏ تَحْرِيكُهُمْ أَلْسِنَتَهُمْ بِذَلِكَ، ‏"‏ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ‏"‏‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ رَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ ‏"‏‏:‏ كَانَ الرَّجُلُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَقُولُ‏:‏ أَرْعِنِي سَمْعَكَ‏.‏ يَلْوِي بِذَلِكَ لِسَانَهُ، يَعْنِي‏:‏ يُحَرِّفُ مَعْنَاهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ‏}‏‏:‏ إِلَى ‏"‏ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ‏"‏، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ، وَيَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَطْعَنُونَ فِي الدِّينِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ ‏{‏وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ‏}‏ قَالَ‏:‏ رَاعِنَا‏:‏ طَعْنُهُمْ فِي الدِّينِ وَلِيِّهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ لِيُبْطِلُوهُ وَيُكَذِّبُوهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَالرَّاعِنُ الْخَطَأُ مِنَ الْكَلَامِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْمِنْجَابِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ تَحْرِيفًا بِالْكَذِبِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ-‏:‏ وَلَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ صِفَتَهُمْ قَالُوا لِنَبِيِّ اللَّهِ‏:‏ سَمِعْنَا يَا مُحَمَّدُ قَوْلَكَ، وَأَطَعْنَا أَمْرَكَ، وَقَبِلْنَا مَا جِئْتِنَا بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَاسْمَعْ مِنَّا، وَانْظُرْنَا مَا نَقُولُ، وَانْتَظِرْنَا نَفْهَمْ عَنْكَ مَا تَقُولُ لَنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقُومَ، يَقُولُ‏:‏ لَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقُومَ، يَقُولُ‏:‏ وَأَعْدَلَ وَأَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ‏.‏

وَهُوَ مِنَ الِاسْتِقَامَةِ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَأَقْوَمُ قِيلًا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ‏:‏ 6‏]‏ بِمَعْنَى‏:‏ وَأَصْوَبُ قِيلًا كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَقُولُونَ اسْمَعْ مِنَّا، فَإِنَّا قَدْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، وَانْظُرْنَا فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْنَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏وَانْظُرِنَا‏"‏ قَالَ‏:‏ اسْمَعْ مِنَّا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏"‏وَانْظُرْنَا‏"‏ قَالَ‏:‏ أَفْهِمْنَا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏"‏وَانْظُرْنَا‏"‏ قَالَ‏:‏ أَفْهِمْنَا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ مِنْ تَوْجِيهِهِمَا مَعْنَى‏:‏ ‏"‏وَانْظُرْنَا‏"‏ إِلَى‏:‏ اسْمَعْ مِنَّا، وَتَوْجِيهِ مُجَاهِدٍ ذَلِكَ إِلَى‏:‏ أَفْهِمْنَا فَمَا لَا نَعْرِفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ مِنْ تَوْجِيهِهِ إِلَى أَفْهِمْنَا‏:‏ انْتَظِرْنَا نَفْهَمْ مَا تَقُولُ، أَوْ‏:‏ انْتَظِرْنَا نَقُلْ حَتَّى تَسْمَعَ مِنَّا فَيَكُونُ ذَلِكَ مَعْنًى مَفْهُومًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ تَأْوِيلٍ لِلْكَلِمَةِ وَلَا تَفْسِيرٍ لَهَا‏.‏ وَلَا نَعْرِفُ‏:‏ انْظُرْنَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، إِلَّا بِمَعْنَى‏:‏ انْتَظِرْنَا وَانْظُرْ إِلَيْنَا فَأَمَّا‏:‏ انْظُرْنَا بِمَعْنَى‏:‏ انْتَظِرْنَا فَمِنْهُ قَوْلُ الْحُطَيْئَةِ‏:‏

وَقَـدْ نَظَـرْتُكُمْ لَـوْ أَنَّ دِرَّتَكُـمْ *** يَوْمًـا يَجِـيءُ بِهَـا مَسْـحِي وَإِبْسَاسِي

وَأَمَّا‏:‏ انْظُرْنَا بِمَعْنَى‏:‏ انْظُرْ إِلَيْنَا فَمِنْهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ‏:‏

ظَـاهِرَاتُ الْجَمَـالِ وَالحُسْـنِ يَنْظُرْنَ *** كَمَـا يَنْظُـرُ الْأَرَاكَ الظِّبَـاءُ

بِمَعْنَى‏:‏ كَمَا يَنْظُرُ إِلَى الْأَرَاكِ الظِّبَاءُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ وَلَكِنَّ اللَّهَ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَخْزَى هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَأَقْصَاهُمْ وَأَبْعَدَهُمْ مِنَ الرُّشْدِ وَاتِّبَاعِ الْحَقِّ ‏"‏بِكُفْرِهِمْ ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ بِجُحُودِهِمْ نُبُوَّةَ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ مِنَ الْهُدَى وَالْبَيِّنَات‏"‏ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ فَلَا يُصَدِّقُونَ بِمُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ، وَلَا يُقِرُّونَ بِنُبُوَّتِهِ ‏"‏إِلَّا قَلِيلًا‏"‏ يَقُولُ‏:‏ لَا يُصَدِّقُونَ بِالْحَقِّ الَّذِي جِئْتَهُمْ بِهِ يَا مُحَمَّدُ إِلَّا إِيمَانًا قَلِيلًا كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏ قَالَ‏:‏ لَا يُؤْمِنُونَ هُمْ إِلَّا قَلِيلًا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَقَدْ بَيَّنَا وَجْهَ ذَلِكَ بِعِلَلِهِ فِي ‏"‏ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ‏"‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَـزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْمِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكُتَّاب‏"‏ الْيَهُودَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، الَّذِينَ كَانُوا حَوَالَيْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ اللَّهُ لَهُمْ‏:‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُنْزِلَ إِلَيْهِمُ الْكِتَابُ فَأُعْطَوُا الْعِلْمَ بِهِ ‏"‏آمِنُوا‏"‏ يَقُولُ‏:‏ صَدِّقُوا بِمَا نَزَّلْنَا إِلَى مُحَمَّدٍ مِنَ الْفُرْقَانِ ‏"‏مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُم‏"‏ يَعْنِي‏:‏ مُحَقِّقًا لِلَّذِي مَعَكُمْ مِنَ التَّوْرَاةِ الَّتِي أَنْزَلْتُهَا إِلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ ‏"‏ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا ‏"‏‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ طَمْسُهُ إِيَّاهَا‏:‏ مَحْوُهُ آثَارَهَا حَتَّى تَصِيرَ كَالْأَقْفَاءِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ نَطْمِسَ أَبْصَارَهَا فَنُصَيِّرُهَا عَمْيَاءَ، وَلَكِنَّ الْخَبَرَ خَرَجَ بِذِكْرِ ‏"‏الْوَجْهِ ‏"‏، وَالْمُرَادُ بِهِ بَصَرُه‏"‏ فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا ‏"‏ فَنَجْعَلُ أَبْصَارَهَا مِنْ قِبَلِ أَقْفَائِهَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمِّي قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا‏}‏ ‏"‏إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا‏}‏‏:‏ وَطَمْسُهَا‏:‏ أَنْ تَعْمَى‏"‏ فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ أَنْ نَجْعَلَ وُجُوهَهُمْ مِنْ قِبَلِ أَقْفِيَتِهِمْ، فَيَمْشُونَ الْقَهْقَرَى، وَنَجْعَلُ لِأَحَدِهِمْ عَيْنَيْنِ فِي قَفَاهُ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو الْعَالِيَةِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْعَبْدِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ نَجْعَلُهَا فِي أَقْفَائِهَا، فَتَمْشِي عَلَى أَعْقَابِهَا الْقَهْقَرَى‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِمَارَةَ الْأَسَدِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ طَمْسُهَا‏:‏ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى أَقْفَائِهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ نُحَوِّلُ وُجُوهَهَا قِبَلَ ظُهُورِهَا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نُعْمِيَ قَوْمًا عَنِ الْحَقِّ ‏"‏فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا‏"‏ فِي الضَّلَالَةِ وَالْكُفْرِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا‏}‏‏:‏ فَنَرُدَّهَا عَنِ الصِّرَاطِ، عَنِ الْحَقِّ ‏"‏ ‏{‏فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي الضَّلَالَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا‏}‏ ‏"‏ عَنْ صِرَاطِ الْحَقِّ ‏"‏ ‏{‏فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا‏}‏‏:‏ فِي الضَّلَالَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكٍ قِرَاءَةً، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ‏:‏ الْحَسَنُ‏:‏ ‏{‏نَطْمِسَ وُجُوهًا‏}‏‏:‏ يَقُولُ‏:‏ نَطْمِسُهَا عَنِ الْحَقِّ ‏"‏ ‏{‏فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا‏}‏‏:‏ عَلَى ضَلَالَتِهَا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ‏}‏ ‏"‏إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ فِي مَالِكِ بْنِ الصَّيِّفِ، وَرِفَاعَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ‏.‏ أَمَّا‏"‏ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ فَنُعْمِيهَا عَنِ الْحَقِّ وَنُرْجِعُهَا كُفَّارًا‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا‏}‏ يَعْنِي‏:‏ أَنْ نَرُدَّهُمْ عَنِ الْهُدَى وَالْبَصِيرَةِ، فَقَدْ رَدَّهُمْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ، فَكَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا جَاءَ بِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَمْحُوَ آثَارَهُمْ مِنْ وُجُوهِهِمُ الَّتِي هُمْ بِهَا، وَنَاحِيَتِهِمُ الَّتِي هُمْ بِهَا ‏"‏فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا‏"‏ مِنْ حَيْثُ جَاءُوا مِنْهُ بَدِيًّا مِنْ الشَّامِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ أَبِي يَقُولُ‏:‏ إِلَى الشَّأْمِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا ‏"‏فَنَمْحُو أَثَارَهَا وَنُسَوِّيهَا‏"‏ فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا ‏"‏ بِأَنْ نَجْعَلَ الْوُجُوهَ مَنَابِتَ الشَّعْرِ، كَمَا وُجُوهُ الْقِرَدَةِ مَنَابِتُ لِلشَّعْرِ؛ لِأَنَّ شُعُورَ بَنِي آدَمَ فِي أَدْبَارِ وُجُوهِهِمْ‏.‏ فَقَالُوا‏:‏ إِذَا أَنْبَتَ الشَّعْرَ فِي وُجُوهِهِمْ فَقَدْ رَدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا بِتَصْيِيرِهِ إِيَّاهَا كَالْأَقْفَاءِ وَأَدْبَارِ الْوُجُوهِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا‏:‏ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ أَبْصَارَهَا وَنَمْحُوَ آثَارَهَا فَنُسَوِّيهَا كَالْأَقْفَاءِ، ‏"‏فَنَرُدُّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا‏"‏ فَنَجْعَلُ أَبْصَارَهَا فِي أَدْبَارِهَا، يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ فَنَجْعَلُ الْوُجُوهَ فِي أَدْبَارِ الْوُجُوهِ‏.‏ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ‏:‏ فَنُحَوِّلُ الْوُجُوهَ أَقْفَاءً وَالْأَقْفَاءَ وُجُوهًا، فَيَمْشُونَ الْقَهْقَرَى، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطِيَّةُ وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- خَاطَبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْيَهُودَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ ‏"‏، ثُمَّ حَذَّرَهُمْ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا‏}‏ الْآيَةَ بَأْسَهُ وَسَطْوَتَهُ وَتَعْجِيلَ عِقَابِهِ لَهُمْ إِنْ هُمْ لَمَّ يُؤْمِنُوا بِمَا أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِهِ‏.‏ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ كَانُوا لِمَا أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِهِ يَوْمَئِذٍ كُفَّارًا‏.‏

وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبَيِّنٌ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ قَالَ‏:‏ تَأْوِيلُ ذَلِكَ‏:‏ أَنْ نُعْمِيَهَا عَنِ الْحَقِّ فَنَرُدَّهَا فِي الضَّلَالَةِ‏.‏ فَمَا وَجْهُ رَدِّ مَنْ هُوَ فِي الضَّلَالَةِ فِيهَا‏؟‏ ‏!‏ وَإِنَّمَا يُرَدُّ فِي الشَّيْءِ مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنْهُ‏.‏ فَأَمَّا مَنْ هُوَ فِيهِ فَلَا وَجْهَ لِأَنْ يُقَالَ‏:‏ نَرُدُّهُ فِيهِ‏.‏

وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ صَحِيحًا أَنَّ اللَّهَ قَدْ تَهَدَّدَ لِلَّذِينَ ذَكَرَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِرَدِّهِ وُجُوهَهُمْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ كَانَ بَيِّنًا فَسَادُ تَأْوِيلِ مَنْ قَالَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ يُهَدِّدُهُمْ بِرَدِّهِمْ فِي ضَلَالَتِهِمْ‏.‏

وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَجْعَلَ الْوُجُوهَ مَنَابِتَ الشَّعْرِ كَهَيْئَةِ وُجُوهِ الْقِرَدَةِ فَقَوْلٌ لِقَوْلِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مُخَالِفٌ، وَكَفَى بِخُرُوجِهِ عَنْ قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْخَالِفِينَ عَلَى خَطَئِهِ شَاهِدًا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ‏:‏ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهَهُمُ الَّتِي هُمْ فِيهَا فَنَرُدَّهُمْ إِلَى الشَّأْمِ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ بِالْحِجَازِ وَنَجْدٍ فَإِنَّهُ-إِنْ كَانَ قَوْلًا لَهُ وَجْهٌ- مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ بِعِيدٌ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنَ الْوُجُوهِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الَّتِي هِيَ خِلَافُ الْأَقْفَاءِ، وَكِتَابُ اللَّهِ يُوَجَّهُ تَأْوِيلُهُ إِلَى الْأَغْلَبِ فِي كَلَامِ مَنْ نَزَلَ بِلِسَانِهِ، حَتَّى يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْوُجُوهِ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ‏.‏

وَأَمَّا الطَّمْسُ‏:‏ فَهُوَ الْعَفْوُ وَالدُّثُورُ فِي اسْتِوَاءٍ‏.‏ مِنْهُ يُقَالُ‏:‏ طَمَسَتْ أَعْلَامُ الطَّرِيقِ تَطْمِسُ طُمُوسًا إِذَا دَثِرَتْ وَتَعَفَّتْ فَانْدَفَنَتْ وَاسْتَوَتْ بِالْأَرْضِ، كَمَا قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ‏:‏

مِـنْ كُـلِّ نَضَّاحَـةِ الذِّفْرَى إِذَا عَرِقَتْ *** عُرْضَتُهَـا طَـامِسُ الْأَعْـلَامِ مَجْهُولُ

يَعْنِي‏:‏ طَامِسُ الْأَعْلَامِ‏:‏ دَائِرُ الْأَعْلَامِ مُنْدِفِنُهَا‏.‏ وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلْأَعْمَى الَّذِي قَدْ تَعَفَّى غَرُّ مَا بَيْنَ جَفْنَيْ عَيْنَيْهِ فَدُثِرَ‏:‏ أَعْمَى مَطْمُوسٌ وَطَمِيسٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ يس‏:‏ 66‏]‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ الْغَرُّ‏:‏ الشِّقُّ الَّذِي بَيْنَ الْجَفْنَيْنِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا وَصَفْتَ مِنْ تَأْوِيلِ الْآيَةِ، فَهَلْ كَانَ مَا تَوَعَّدَهُمْ بِهِ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ آمَنَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ‏:‏ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْيَةَ، وَأَسَدُ بْنُ سَعْيَةَ، وَأَسَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَمُخَيْرِقٌ، وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُمْ، فَدَفَعَ عَنْهُمْ بِإِيمَانِهِمْ‏.‏

وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ الَّذِينَ ذَكَرْنَا صِفَتَهُمْ مَا‏:‏-

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةُ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ كَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رُؤَسَاءَ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ‏:‏ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيًّا، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ فَقَالَ لَهُمْ‏:‏ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، اتَّقُوا اللَّهَ وَأَسْلِمُوا، فَوَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ لَحَقٌّ‏.‏ فَقَالُوا‏:‏ مَا نَعْرِفُ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ‏.‏ وَجَحَدُوا مَا عَرَفُوا، وَأَصَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا‏}‏ ‏"‏» الْآيَةَ

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ‏:‏ تَذَاكَرْنَا عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ إِسْلَامَ كَعْبٍ فَقَالَ‏:‏ أَسْلَمَ كَعْبٌ فِي زَمَانِ عُمْرَ، أَقْبَلَ وَهُوَ يُرِيدُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَمَرَّ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ عُمْرُ فَقَالَ‏:‏ يَا كَعْبُ أَسْلِمْ، قَالَ‏:‏ أَلَسْتُمْ تَقْرَأُونَ فِي كِتَابِكُمْ‏:‏ ‏{‏مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْجُمْعَةَ‏:‏ 5‏]‏‏؟‏ وَأَنَا قَدْ حَمَلْتُ التَّوْرَاةَ قَالَ‏:‏ فَتَرَكَهُ‏.‏ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى حِمْصَ، قَالَ‏:‏ فَسَمِعَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِهَا حَزِينًا وَهُوَ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا‏}‏‏:‏ الْآيَةَ‏.‏ فَقَالَ كَعْبٌ‏:‏ يَا رَبِّ آمَنْتُ، يَا رَبِّ أَسْلَمْتُ مَخَافَةَ أَنْ تُصِيبَهُ الْآيَةُ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَتَى أَهْلَهُ بِالْيَمَنِ، ثُمَّ جَاءَ بِهِمْ مُسْلِمِينَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ-‏:‏ ‏"‏أَوْ نَلْعَنَهُم‏"‏ أَوْ نَلْعَنُكُمْ فَنُخْزِيكُمْ وَنَجْعَلُكُمْ قِرَدَةً ‏"‏كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْت‏"‏ يَقُولُ‏:‏ كَمَا أَخْزَيْنَا الَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ مِنْ أَسْلَافِكُمْ‏.‏ قِيلَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ‏}‏‏:‏ كَمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ يُونُسَ‏:‏ 22‏]‏‏.‏

وَقَدْ يَحْتِمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ‏:‏ ‏{‏مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا‏}‏‏:‏ أَوْ نَلْعَنَ أَصْحَابَ الْوُجُوهِ فَجَعَلَ ‏"‏الْهَاءَ وَالْمِيم‏"‏ فِي قَوْلِهِ‏:‏ أَوْ نَلْعَنَهُمْ ‏"‏ مِنْ ذِكْرِ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ، إِذْ كَانَ فِي الْكَلَامِ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ‏:‏

وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ‏}‏ ‏"‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ‏}‏‏:‏ أَيْ‏:‏ نُحَوِّلُهُمْ قِرَدَةً‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ‏}‏‏:‏ يَقُولُ‏:‏ أَوْ نَجْعَلَهُمْ قِرَدَةً‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ‏}‏‏:‏ أَوْ نَجْعَلَهُمْ قِرَدَةً‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُمْ يَهُودُ جَمِيعًا، نَلْعَنُ هَؤُلَاءِ كَمَا لَعَنَّا الَّذِينَ لَعَنَّا مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِ السَّبْتِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا‏}‏‏:‏ فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ وَكَانَ جَمِيعُ مَا أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ كَائِنًا مَخْلُوقًا مَوْجُودًا، لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ خَلْقُ شَيْءٍ شَاءَ خَلْقَهُ‏.‏ وَالْأَمْرُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏:‏ الْمَأْمُورُ سُمِّيَ‏:‏ أَمْرُ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ عَنْ أَمْرِهِ كَانَ وَبِأَمْرِهِ‏.‏

وَالْمَعْنَى‏:‏ وَكَانَ مَا أَمَرَ اللَّهُ مَفْعُولًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ-‏:‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، فَإِنَّاللَّهَ لَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ بِهِ وَالْكُفْرَ، وَيَغْفِرُ مَا دُونُ ذَلِكَ الشِّرْكِ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ أَهْلِ الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ‏.‏

وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى الْكَلَامِ فَإِنَّ قَوْلَهُ‏:‏ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِوُقُوعِ ‏"‏يَغْفِر‏"‏ عَلَيْهَا، وَإِنْ شِئْتَ بِفَقْدِ الْخَافِضِ الَّذِي كَانَ يَخْفِضُهَا لَوْ كَانَ ظَاهِرًا‏.‏ وَذَلِكَ أَنْ يُوَجَّهَ مَعْنَاهُ إِلَى‏:‏ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، عَلَى تَأْوِيلِ الْجَزَاءِ كَأَنَّهُ قِيلَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ ذَنْبًا مَعَ شِرْكٍ، أَوْ عَنْ شِرْكٍ‏.‏

وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَتَوَجَّهُ أَنْ تَكُونَ ‏"‏أَن‏"‏ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ فِي قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ‏.‏

وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَقْوَامٍ ارْتَابُوا فِي أَمْرِ الْمُشْرِكِينَ حِينَ نَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الزُّمَرِ‏:‏ 53‏]‏‏.‏

ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُجَبَّرٌ، «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ‏:‏ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ‏}‏ الْآيَةَ، قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ‏:‏ وَالشِّرْكُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ‏.‏ فَكَرِهَ ذَلِكَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرَ مَا دُونُ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكُ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ‏"‏‏.‏»

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونُ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي مُجَبَّرٌ، «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ‏}‏ الْآيَةَ، قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ‏:‏ وَالشِّرْكُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ‏.‏ فَكَرِهَ ذَلِكَ النَّبِيُّ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونُ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ‏"‏‏.‏»

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمَّازٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ كُنَّا مَعْشَرَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا نَشُكُّ فِي قَاتِلِ النَّفْسِ، وَآكِلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَشَاهِدِ الزُّورِ، وَقَاطِعِ الرَّحِمِ، حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ‏}‏‏:‏ فَأَمْسَكْنَا عَنِ الشَّهَادَةِ‏.‏

وَقَدْ أَبَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَنَّكُلَّ صَاحِبِ كَبِيرَةٍ فَفِي مَشِيئَةِ اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ عَلَيْهِ، مَا لَمْ تَكُنْ كَبِيرَةً شِرْكًا بِاللَّهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ-‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ‏}‏ فِي عِبَادَتِهِ غَيْرَهُ مِنْ خَلْقِهِ ‏{‏فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا‏}‏‏:‏ يَقُولُ‏:‏ فَقَدِ اخْتَلَقَ إِثْمًا عَظِيمًا‏.‏ وَإِنَّمَا جَعَلَهُ اللَّهُ- تَعَالَى ذِكْرُهُ- ‏"‏ مُفْتَرِيًا ‏"‏؛ لِأَنَّهُ قَالَ زُورًا وَإِفْكًا بِجُحُودِهِ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، وَإِقْرَارِهِ بِأَنَّ لِلَّهِ شَرِيكًا مِنْ خَلْقِهِ وَصَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا‏.‏ فَقَائِلُ ذَلِكَ مُفْتَرٍ‏.‏ وَكَذَلِكَ كَلُّ كَاذِبٍ، فَهُوَ مُفْتَرٍ فِي كَذِبِهِ مُخْتَلِقٌ لَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ-‏:‏ أَلَمْ تَرَ يَا مُحَمَّدُ بِقَلْبِكَ الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْيَهُودِ فَيُبَرِّئُونَهَا مِنَ الذُّنُوبِ وَيُطَهِّرُونَهَا‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي كَانَتِ الْيَهُودُ تُزَكِّي بِهِ أَنْفُسَهَا‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ كَانَتْ تَزْكِيَتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ قَوْلَهُمْ‏:‏ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ‏"‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا‏}‏‏:‏ وَهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ الْيَهُودُ، زَكَّوْا أَنْفُسَهُمْ بِأَمْرٍ لَمْ يَبْلُغُوهُ، فَقَالُوا‏:‏ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ لَا ذُنُوبَ لَنَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، قَالُوا‏:‏ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ ‏{‏لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى‏}‏ ‏"‏‏.‏

وَحَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ‏:‏ قَالَتْ يَهُودُ‏:‏ لَيْسَتْ لَنَا ذُنُوبٌ إِلَّا كَذُنُوبِ أَوْلَادِنَا يَوْمَ يُولَدُونَ‏.‏ فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ ذُنُوبٌ فَإِنَّ لَنَا ذُنُوبًا فَإِنَّمَا نَحْنُ مِثْلُهُمْ‏.‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ‏:‏ ‏{‏لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى‏}‏‏:‏ وَقَالُوا‏:‏ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ‏"‏، وَقَالُوا‏:‏ نَحْنُ عَلَى الَّذِي يُحِبُّ اللَّهُ ‏"‏‏.‏ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ‏}‏‏:‏ حِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَأَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ وَأَهْلُ طَاعَتِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا‏}‏‏:‏ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ، قَالُوا‏:‏ إِنَّا نُعَلِّمُ أَبْنَاءَنَا التَّوْرَاةَ صِغَارًا، فَلَا تَكُونُ لَهُمْ ذُنُوبٌ، وَذُنُوبُنَا مِثْلُ ذُنُوبِ أَبْنَائِنَا، مَا عَمِلْنَا بِالنَّهَارِ كُفِّرَ عَنَّا بِاللَّيْلِ ‏"‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ كَانَتْ تَزْكِيَتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ تَقْدِيمَهُمْ أَطْفَالَهُمْ لِإِمَامَتِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ زَعْمًا مِنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا ذُنُوبَ لَهُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُم‏"‏ قَالَ‏:‏ يَهُودُ، كَانُوا يُقَدِّمُونَ صِبْيَانَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَيَؤُمُّونَهُمْ، يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَا ذُنُوبَ لَهُمْ‏.‏ فَتِلْكَ التَّزْكِيَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ كَانُوا يُقَدِّمُونَ الصِّبْيَانَ أَمَامَهُمْ فِي الدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ يَؤُمُّونَهُمْ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَا ذُنُوبَ لَهُمْ، فَتِلْكَ تَزْكِيَةٌ‏.‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ، كَانُوا يُقَدِّمُونَ صِبْيَانَهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ لَيْسَتْ لَهُمْ ذُنُوبٌ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي مَكِينٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يُقَدِّمُونَ الْغِلْمَانَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلَغُوا الْحَنَثَ يُصَلُّونَ بِهِمْ، يَقُولُونَ‏:‏ لَيْسَ لَهُمْ ذُنُوبٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ‏}‏ الْآيَةَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ تَزْكِيَتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ كَانَتْ قَوْلَهُمْ‏:‏ إِنَّ أَبْنَاءَنَا سَيَشْفَعُونَ لَنَا وَيُزَكُّونَنَا ‏"‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ‏}‏‏:‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا‏:‏ إِنَّ أَبْنَاءَنَا قَدْ تُوفُّوا، وَهُمْ لَنَا قُرْبَةٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَسَيَشْفَعُونَ وَيُزَكُّونَنَا‏.‏ فَقَالَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ‏:‏ ‏"‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُم‏"‏ إِلَى ‏"‏ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ‏"‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُمْ تَزْكِيَةً مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ‏:‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ‏:‏ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَغْدُو بِدِينِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ وَمَا مَعَهُ مِنْهُ شَيْءٌ، يَلْقَى الرَّجُلَ لَيْسَ يَمْلِكُ لَهُ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا فَيَقُولُ‏:‏ وَاللَّهِ إِنَّكَ لَذَيْتَ وَذَيْتَ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَرْجِعَ وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ حَاجَتِهِ بِشَيْءٍ، وَقَدْ أَسْخَطَ اللَّهَ عَلَيْهِ‏.‏ ثُمَّ قَرَأَ‏:‏ ‏"‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُم‏"‏ الْآيَةَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ مَعْنَى تَزْكِيَةِ الْقَوْمِ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّهُمْ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ وَصْفُهُمْ إِيَّاهَا بِأَنَّهَا لَا ذُنُوبَ لَهَا وَلَا خَطَايَا، وَأَنَّهُمْ لِلَّهِ أَبْنَاءٌ وَأَحِبَّاءٌ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ أَظْهَرُ مَعَانِيهِ لِإِخْبَارِ اللَّهِ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا كَانُوا يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ دُونَ غَيْرِهَا‏.‏

وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ تَقْدِيمُهُمْ أَطْفَالَهُمْ لِلصَّلَاةِ فَتَأْوِيلٌ لَا تُدْرَكُ صِحَّتُهُ إِلَّا بِخَبَرِ حُجَّةٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ-‏:‏ ‏"‏بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاء‏"‏ فَإِنَّهُ تَكْذِيبٌ مِنَ اللَّهِ الْمُزَكِّينَ أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، الْمُبَرِّئِيهَا مِنَ الذُّنُوبِ‏.‏ يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ‏:‏ مَا الْأَمْرُ كَمَا زَعَمْتُمْ أَنَّهُ لَا ذُنُوبَ لَكُمْ وَلَا خَطَايَا، وَأَنَّكُمْ بُرَآءُ مِمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ، وَلَكِنَّكُمْ أَهْلُ فِرْيَةٍ وَكَذِبٍ عَلَى اللَّهِ، وَلَيْسَ الْمُزَكَّى مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يُزَكِّيهِ اللَّهُ، وَاللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ فَيُطَهِّرُهُ وَيُبَرِّئُهُ مِنَ الذُّنُوبِ بِتَوْفِيقِهِ لِاجْتِنَابِ مَا يَكْرَهُهُ مِنْ مَعَاصِيهِ إِلَى مَا يَرْضَاهُ مِنْ طَاعَتِهِ‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ-‏:‏ ‏"‏انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِب‏"‏ وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ بِدَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ طَهَّرَهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِقَوْلِهِ ‏{‏وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ-‏:‏ وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ وَلَا غَيْرَهُمْ مَنْ خَلْقِهِ فَيَبْخَسَهُمْ فِي تَرْكِهِ تَزْكِيَّتَهُمْ، وَتَزْكِيَةِ مَنْ تَرَكَ تَزْكِيَّتَهُ، وَفِي تَزْكِيَةِ مَنْ زَكَّى مِنْ خَلْقِهِ شَيْئًا مِنْ حُقُوقِهِمْ، وَلَا يَضَعُ شَيْئًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَلَكِنَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ مَنْ خَلْقِهِ فَيُوَفِّقُهُ، وَيَخْذُلُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ أَهْلِ مَعَاصِيهِ‏.‏ كُلُّ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَبِيَدِهِ، وَهُوَ فِي كُلِّ ذَلِكَ غَيْرُ ظَالِمٍ أَحَدًا مِمَّنْ زَكَّاهُ أَوْ لَمْ يُزَكِّهِ فَتِيلًا‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى‏:‏ ‏"‏ الْفَتِيلِ ‏"‏‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ مَا خَرَجَ مِنْ بَيْنِ الْإِصْبَعَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ مِنَ الْوَسَخِ، إِذَا فَتَلْتَ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ ‏[‏قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ‏]‏ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ قَابُوسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ الْفَتِيلُ مَا خَرَجَ مِنْ بَيْنِ إِصْبَعَيْكَ‏.‏ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ التَّيْمِيِّ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا‏"‏ قَالَ‏:‏ مَا فَتَلْتَ بَيْنَ إِصْبَعَيْكَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يَزِيدَ بْنِ دِرْهَمٍ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا‏"‏ قَالَ‏:‏ الْفَتِيلُ هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ إِصْبَعَيِ الرَّجُلِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ‏"‏، وَالْفَتِيلُ‏:‏ هُوَ أَنْ تَدْلُكَ إِصْبَعَيْكَ فَمَا خَرَجَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا‏"‏ قَالَ‏:‏ الْفَتِيلُ‏:‏ الْوَسَخُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الْكَفَّيْنِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ الْفَتِيلُ‏:‏ مَا فَتَلْتَ بِهِ يَدَيْكَ فَخَرَجَ وَسَخٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا‏"‏ قَالَ‏:‏ مَا تَدْلُكُهُ فِي يَدَيْكَ فَيَخْرُجُ بَيْنَهُمَا‏.‏

وَأُنَاسٌ يَقُولُونَ‏:‏ الَّذِي يَكُونُ فِي بَطْنِ النَّوَاةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏فَتِيلًا‏"‏ قَالَ‏:‏ الَّذِي فِي بَطْنِ النَّوَاةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ الْفَتِيلُ‏:‏ الَّذِي فِي بَطْنِ النَّوَاةِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يَقُولُ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ‏:‏ الْفَتِيلُ‏:‏ الَّذِي فِي شِقِّ النَّوَاةِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ الْفَتِيلُ‏:‏ فِي النَّوَى‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا‏"‏ قَالَ‏:‏ الْفَتِيلُ‏:‏ الَّذِي فِي شِقِّ النَّوَاةِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ‏:‏ الْفَتِيلُ‏:‏ شِقُّ النَّوَاةِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ الْفَتِيلُ‏:‏ الَّذِي فِي بَطْنِ النَّوَاةِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ‏:‏ الْفَتِيلُ‏:‏ الَّذِي يَكُونُ فِي شِقِّ النَّوَاةِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏"‏ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ‏"‏‏:‏ فَتِيلُ النَّوَاةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ عَطِيَّةَ قَالَ‏:‏ الْفَتِيلُ‏:‏ الَّذِي فِي بَطْنِ النَّوَاةِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَصْلُ الْفَتِيلِ الْمَفْتُولُ، صُرِفَ مِنْ مَفْعُولٍ إِلَى فَعِيلٍ كَمَا قِيلَ‏:‏ صَرِيعٌ وَدَهِينٌ مِنْ مَصْرُوعٍ وَمَدْهُونٍ‏.‏

وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَكَانَ اللَّهُ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- إِنَّمَا قَصَدَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا‏"‏ الْخَبَرَ عَنْ أَنَّهُ لَا يَظْلِمُ عِبَادَهُ أَقَلَّ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا خَطَرَ لَهَا، فَكَيْفَ بِمَا لَهُ خَطَرٌ‏؟‏ وَكَانَ الْوَسَخُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ إِصْبَعَيِ الرَّجُلِ أَوْ مِنْ بَيْنِ كَفَّيْهِ إِذَا فَتَلَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، كَالَّذِي هُوَ فِي شِقِّ النَّوَاةِ وَبَطْنِهَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي هِيَ مَفْتُولَةٌ مِمَّا لَا خَطَرَ لَهُ وَلَا قِيمَةَ، فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ كُلُّ ذَلِكَ دَاخِلًا فِي مَعْنَى الْفَتِيلِ، إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ، مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏50‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ-‏:‏ انْظُرْ يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ يَفْتَرِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْقَائِلُونَ‏:‏ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وَأَنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى، الزَّاعِمُونَ أَنَّهُ لَا ذُنُوبَ لَهُمُ الْكَذِبَ وَالزُّورَ مِنَ الْقَوْلِ فَيَخْتَلِقُونَهُ عَلَى اللَّهِ، ‏"‏وَكَفَى بِه‏"‏ يَقُولُ‏:‏ وَحَسْبُهُمْ بِقِيلِهِمْ ذَلِكَ الْكَذِبَ وَالزُّورَ عَلَى اللَّهِ ‏"‏إِثْمًا مُبِينًا‏"‏ يَعْنِي أَنَّهُ يُبَيِّنُ كَذِبَهُمْ لِسَامِعِيهِ، وَيُوَضِّحُ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَفَكَةٌ فَجَرَةٌ كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏"‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُم‏"‏ قَالَ‏:‏ هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ‏"‏انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِب‏"‏

تفسير الآية رقم ‏[‏51‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ-‏:‏ ‏"‏أَلَمْ تَرَ بِقَلْبِكَ يَا مُحَمَّدُ إِلَى الَّذِينَ أُعْطَوْا حَظًّا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَعَلِمُوه‏"‏ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ‏"‏ يَعْنِي‏:‏ يُصَدِّقُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ، وَيَكْفُرُونَ بِاللَّهِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْإِيمَانَ بِهِمَا كُفْرٌ، وَالتَّصْدِيقَ بِهِمَا شِرْكٌ‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَعْنَى الْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُمَا صَنَمَانِ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَهُمَا مِنْ دُونِ اللَّهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ الْجِبْتُ وَالطَّاغُوتُ صَنَمَانِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ الْجِبْتُ‏:‏ الْأَصْنَامُ، وَالطَّاغُوتُ‏:‏ تَرَاجِمَةُ الْأَصْنَامِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ‏"‏‏.‏ الْجِبْتُ‏:‏ الْأَصْنَامُ، وَالطَّاغُوتُ‏:‏ الَّذِينَ يَكُونُونَ بَيْنَ أَيْدِي الْأَصْنَامِ يُعَبِّرُونَ عَنْهَا الْكَذِبَ لِيُضِلُّوا النَّاسَ‏.‏

وَزَعَمَ رِجَالٌ أَنَّ الْجِبْتَ‏:‏ الْكَاهِنُ، وَالطَّاغُوتَ‏:‏ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ يُدْعَى كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، وَكَانَ سَيِّدَ الْيَهُودِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ الْجِبْتُ‏:‏ السِّحْرُ، وَالطَّاغُوتُ‏:‏ الشَّيْطَانُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ فَائِدٍ قَالَ‏:‏ قَالَ عُمْرُ- رَحِمَهُ اللَّهُ-‏:‏ الْجِبْتُ‏:‏ السِّحْرُ، وَالطَّاغُوتُ‏:‏ الشَّيْطَانُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ فَائِدٍ الْعَبْسِيِّ، عَنْ عُمْرَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ الْجِبْتُ‏:‏ السِّحْرُ، وَالطَّاغُوتُ‏:‏ الشَّيْطَانُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ الْجِبْتُ‏:‏ السِّحْرُ، وَالطَّاغُوتُ‏:‏ الشَّيْطَانُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْجِبْتُ‏:‏ السِّحْرُ، وَالطَّاغُوتُ‏:‏ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ إِنْسَانٍ يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهِ، وَهُوَ صَاحِبُ أَمْرِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ الْجِبْتُ‏:‏ السِّحْرُ، وَالطَّاغُوتُ‏:‏ الشَّيْطَانُ وَالْكَاهِنُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ الْجِبْتُ‏:‏ السَّاحِرُ، وَالطَّاغُوتُ‏:‏ الشَّيْطَانُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ كَانَ أَبِي يَقُولُ‏:‏ الْجِبْتُ‏:‏ السَّاحِرُ، وَالطَّاغُوتُ‏:‏ الشَّيْطَانُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ الْجِبْتُ‏:‏ السَّاحِرُ، وَالطَّاغُوتُ‏:‏ الْكَاهِنُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏"‏الْجِبْتِ وَالطَّاغُوت‏"‏ قَالَ‏:‏ الْجِبْتُ‏:‏ السَّاحِرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ، وَالطَّاغُوتُ‏:‏ الْكَاهِنُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ رُفَيْعٍ قَالَ‏:‏ الْجِبْتُ‏:‏ السَّاحِرُ، وَالطَّاغُوتُ‏:‏ الْكَاهِنُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ الطَّاغُوتُ‏:‏ السَّاحِرُ، وَالْجِبْتُ‏:‏ الْكَاهِنُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏الْجِبْتِ وَالطَّاغُوت‏"‏ قَالَ‏:‏ أَحَدُهُمَا السِّحْرُ، وَالْآخَرُ الشَّيْطَانُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ الْجِبْتُ‏:‏ الشَّيْطَانُ، وَالطَّاغُوتُ‏:‏ الْكَاهِنُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوت‏"‏ كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ الْجِبْتَ شَيْطَانٌ، وَالطَّاغُوتَ الْكَاهِنُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ الْجِبْتُ‏:‏ الشَّيْطَانُ، وَالطَّاغُوتُ‏:‏ الْكَاهِنُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ الْجِبْتُ‏:‏ الْكَاهِنُ، وَالطَّاغُوتُ‏:‏ السَّاحِرُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ الْجِبْتُ‏:‏ الْكَاهِنُ، وَالطَّاغُوتُ‏:‏ السَّاحِرُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ، قَالَ‏:‏ الْجِبْتُ‏:‏ الْكَاهِنُ، وَالْآخَرُ‏:‏ السَّاحِرُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ الْجِبْتُ‏:‏ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَالطَّاغُوتُ‏:‏ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ‏"‏، الطَّاغُوتُ‏:‏ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، وَالْجِبْتُ‏:‏ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ‏:‏ الْجِبْتُ‏:‏ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَالطَّاغُوتُ‏:‏ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏الْجِبْتِ وَالطَّاغُوت‏"‏ قَالَ‏:‏ الْجِبْتُ‏:‏ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَالطَّاغُوتُ‏:‏ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ الْجِبْتُ‏:‏ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، وَالطَّاغُوتُ‏:‏ الشَّيْطَانُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ الْجِبْتُ‏:‏ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، وَالطَّاغُوتُ‏:‏ الشَّيْطَانُ، كَانَ فِي صُورَةِ إِنْسَانٍ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَالْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ‏:‏ ‏"‏ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ‏"‏ أَنْ يُقَالَ‏:‏ يُصَدِّقُونَ بِمَعْبُودَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ، يَعْبُدُونَهُمَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَيَتَّخِذُونَهُمَا إِلَهَيْنِ‏.‏

وَذَلِكَ أَنَّ الْجِبْتَ وَالطَّاغُوتَ اسْمَانِ لِكُلِّ مُعَظَّمٍ بِعِبَادَةٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَوْ طَاعَةٍ، أَوْ خُضُوعٍ لَهُ كَائِنًا مَا كَانَ ذَلِكَ الْمُعَظَّمُ، مِنْ حَجَرٍ أَوْ إِنْسَانٍ أَوْ شَيْطَانٍ‏.‏ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَتِ الْأَصْنَامُ الَّتِي كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَعْبُدُهَا كَانَتْ مُعَظَّمَةً بِالْعِبَادَةِ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ كَانَتْ جُبُوتًا وَطَوَاغِيتَ‏.‏ وَكَذَلِكَ الشَّيَاطِينُ الَّتِي كَانَتِ الْكُفَّارُ تُطِيعُهَا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ السَّاحِرُ وَالْكَاهِنُ اللَّذَانِ كَانَ مَقْبُولًا مِنْهُمَا مَا قَالَا فِي أَهْلِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ‏.‏ وَكَذَلِكَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا مُطَاعَيْنِ فِي أَهْلِ مِلَّتِهِمَا مِنَ الْيَهُودِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَالْكَفْرِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، فَكَانَا جِبْتَيْنِ وَطَاغُوتَيْنِ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنْتُ الْأَصْلَ الَّذِي مِنْهُ قِيلَ لِلطَّاغُوتِ‏:‏ طَاغُوتٌ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏51‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ-‏:‏ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ جَحَدُوا وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ وَرِسَالَةَ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-‏:‏ هَؤُلَاءِ يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِالْكُفْرِ ‏"‏أَهْدَى‏"‏ يَعْنِي‏:‏ أَقْوَمُ وَأَعْدَلُ ‏"‏مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا‏"‏ يَعْنِي‏:‏ مِنَ الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ مُحَمَّدٌ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ‏"‏سَبِيلًا‏"‏ يَعْنِي‏:‏ طَرِيقًا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَثَلٌ‏.‏ وَمَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ أَنَّ اللَّهَ وَصَفَ الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ بِتَعْظِيمِهِمْ غَيْرَ اللَّهِ بِالْعِبَادَةِ وَالْإِذْعَانِ لَهُ بِالطَّاعَةِ فِي الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَعْصِيَتِهِمَا بِأَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ إِنَّ أَهْلَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ، وَأَنَّ دِينَ أَهْلِ التَّكْذِيبِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ أَعْدَلُ وَأَصْوَبُ مِنْ دِينِ أَهْلِ التَّصْدِيقِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ‏.‏ وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَةِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَأَنَّهُ قَائِلُ ذَلِكَ‏.‏

ذِكْرُ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ بِمَا قُلْنَا‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ لَمَّا قَدِمَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ مَكَّةَ قَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ‏:‏ أَنْتَ حَبْرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَسَيِّدُهُمْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ قَالُوا‏:‏ أَلَا تَرَى إِلَى هَذَا الصُّنْبُورِ الْمُنْبَتِرِ مِنْ قَوْمِهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنَّا، وَنَحْنُ أَهْلُ الْحَجِيجِ وَأَهْلُ السِّدَانَةِ وَأَهْلُ السِّقَايَةِ‏؟‏ ‏!‏ قَالَ‏:‏ أَنْتُمْ خَيْرٌ مِنْهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَأُنْزِلَتْ‏:‏ ‏{‏إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْكَوْثَرِ‏:‏ 3‏]‏، وَأُنْزِلَتْ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ‏}‏ ‏"‏إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ‏"‏ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ‏}‏ ‏"‏ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏

وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ قَدِمَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ مَكَّةَ، فَقَالَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ‏:‏ احْكُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَذَا الصُّنْبُورِ الْأَبْتَرِ، فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَسَيِّدُ قَوْمِكَ، فَقَالَ كَعْبٌ‏:‏ أَنْتُمْ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ‏}‏‏:‏ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ أَنَّ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ انْطَلَقَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَاسْتَجَاشَهُمْ عَلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَغْزُوهُ، وَقَالَ‏:‏ إِنَّا مَعَكُمْ نُقَاتِلُهُ‏.‏ فَقَالُوا‏:‏ إِنَّكُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، وَهُوَ صَاحِبُ كِتَابٍ، وَلَا نَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَكْرًا مِنْكُمْ، فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ نَخْرُجَ مَعَكَ فَاسْجُدْ لِهَذَيْنِ الصَّنَمَيْنِ وَآمِنْ بِهِمَا‏.‏ فَفَعَلَ‏.‏ ثُمَّ قَالُوا‏:‏ نَحْنُ أَهْدَى أَمْ مُحَمَّدٍ‏؟‏ فَنَحْنُ نَنْحَرُ الْكَوْمَاءَ، وَنَسْقِي اللَّبَنَ عَلَى الْمَاءِ، وَنَصِلُ الرَّحِمَ، وَنُقْرِي الضَّيْفَ، وَنَطُوفُ بِهَذَا الْبَيْتِ، وَمُحَمَّدٌ قَطَعَ رَحِمَهُ، وَخَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلْ أَنْتُمْ خَيْرٌ وَأَهْدَى، فَنَزَلَتْ فِيهِ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا‏}‏ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ قَالَ‏:‏ لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْيَهُودِ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ مَا كَانَ حِينَ أَتَاهُمْ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ الْعَامِرِيَّيْنِ، فَهَمُّوا بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ، فَأَطْلَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ عَلَى مَا هَمُّوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمَدِينَةِ فَهَرَبَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ فَعَاهَدَهُمْ عَلَى مُحَمَّدٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ‏:‏ يَا أَبَا سَعْدٍ، إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَقْرَأُونَ الْكِتَابَ وَتَعْلَمُونَ، وَنَحْنُ قَوْمٌ لَا نَعْلَمُ، فَأَخْبِرْنَا دِينُنَا خَيْرٌ أَمْ دِينُ مُحَمَّدٍ‏؟‏ قَالَ كَعْبٌ‏:‏ اعْرِضُوا عَلَيَّ دِينَكُمْ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ‏:‏ نَحْنُ قَوْمٌ نَنْحَرُ الْكَوْمَاءَ، وَنَسْقِي الْحَجِيجَ الْمَاءَ، وَنُقْرِي الضَّيْفَ، وَنَعْمُرُ بَيْتَ رَبِّنَا، وَنَعْبُدُ آلِهَتَنَا الَّتِي كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا، وَمُحَمَّدٌ يَأْمُرُنَا أَنْ نَتْرُكَ هَذَا وَنَتَّبِعَهُ قَالَ‏:‏ دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ، فَاثْبُتُوا عَلَيْهِ، أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّهُ بُعِثَ بِالتَّوَاضُعِ، وَهُوَ يَنْكِحُ مِنَ النِّسَاءِ مَا شَاءَ، وَمَا نَعْلَمُ مِلْكًا أَعْظَمَ مِنْ مِلْكِ النِّسَاءِ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا‏}‏ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَكُفَّارِ قُرَيْشٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ كُفَّارُ قُرَيْشٍ أَهْدَى مِنْ مُحَمَّدٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- قَالَ ابْنُ جُرَيْجِ‏:‏ قَدِمَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ فَجَاءَتْهُ قُرَيْشٌ فَسَأَلَتْهُ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَصَغَّرَ أَمْرَهُ وَيَسَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ ضَالٌّ‏.‏ قَالَ‏:‏ ثُمَّ قَالُوا لَهُ‏:‏ نَنْشُدُكَ اللَّهَ، نَحْنُ أَهْدَى أَمْ هُوَ‏؟‏ فَإِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّا نَنْحَرُ الْكُوَمَ، وَنَسْقِي الْحَجِيجَ، وَنَعْمُرُ الْبَيْتَ، وَنُطْعِمُ مَا هَبَّتِ الرِّيحُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَنْتُمْ أَهْدَى‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ هَذِهِ الصِّفَةُ صِفَةُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْيَهُودِ مِنْهُمْ‏:‏ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا لِلْمُشْرِكِينَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوهُ لَهُمْ‏.‏

ذِكْرُ الْأَخْبَارِ بِذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ قَالَهُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ كَانَالَّذِينَ حَزَّبُوا الْأَحْزَابَمِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ وَبَنِي قُرَيْظَةَ‏:‏ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَسَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحَقِيقِ أَبُو رَافِعٍ، وَالرَّبِيعُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحَقِيقِ، وَأَبُو عَمَّارٍ، وَوَحْوَحُ بْنُ عَامِرٍ، وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ فَأَمَّا وَحْوَحٌ وَأَبُو عَمَّارٍ وَهَوْذَةُ فَمِنْ بَنِي وَائِلٍ، وَكَانَ سَائِرُهُمْ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى قُرَيْشٍ قَالُوا‏:‏ هَؤُلَاءِ أَحْبَارُ يَهُودَ وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْكُتُبِ الْأُوَلِ، فَاسْأَلُوهُمْ‏:‏ أُدِينُكُمْ خَيْرٌ أَمْ دِينُ مُحَمَّدٍ‏؟‏ فَسَأَلُوهُمْ، فَقَالُوا‏:‏ بَلْ دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ، وَأَنْتُمْ أَهْدَى مِنْهُ وَمِمَّنِ اتَّبَعَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ‏}‏ ‏"‏إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ‏"‏‏}‏‏:‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَرَجُلَيْنِ مِنَ الْيَهُودِ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، لَقِيَا قُرَيْشًا بِمَوْسِمٍ، فَقَالَ لَهُمُ الْمُشْرِكُونَ‏:‏ أَنَحْنُ أَهْدَى أَمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ‏؟‏ فَإِنَّا أَهْلُ السِّدَانَةِ وَالسِّقَايَةِ، وَأَهْلُ الْحَرَمِ‏؟‏ فَقَالَا‏:‏ لَا بَلْ أَنْتُمْ أَهْدَى مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ، إِنَّمَا حَمَلَهُمَا عَلَى ذَلِكَ حَسَدُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ هَذِهِ صِفَةُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَحْدَهُ، وَإِيَّاهُ عَنَى بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا ‏"‏‏}‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ‏}‏ ‏"‏إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ‏:‏ جَاءَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالُوا‏:‏ يَا حُيَيُّ إِنَّكُمْ أَصْحَابُ كُتُبٍ، فَنَحْنُ خَيْرٌ أَمْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابُهُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ نَحْنُ وَأَنْتُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ ‏"‏إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ‏"‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ إِنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ‏.‏ وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ كَانَتِ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدٍ، أَوْ يَكُونُ حُيَيًّا وَآخَرَ مَعَهُ، إِمَّا كَعْبًا وَإِمَّا غَيْرَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- بِقَوْلِهِ‏:‏ أُولَئِكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ أَنَّهُمْ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ وَهُمْيُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ، حُكْمُهُمْ هُمُ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ، يَقُولُ‏:‏ أَخْزَاهُمُ اللَّهُ فَأَبْعَدَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ بِإِيمَانِهِمْ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ، وَكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ عِنَادًا مِنْهُمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَبِقَوْلِهِمْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا‏:‏ هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا، ‏"‏وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّه‏"‏ يَقُولُ‏:‏ وَمَنْ يُخْزِهِ اللَّهُ فَيُبْعِدُهُ مِنْ رَحْمَتِهِ ‏"‏ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ يَا مُحَمَّدُ نَاصِرًا يَنْصُرُهُ مِنْ عُقُوبَةِ اللَّهِ وَلَعْنَتِهِ الَّتِي تَحِلُّ بِهِ، فَيَدْفَعُ ذَلِكَ عَنْهُ كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ مَا قَالَا‏:‏ يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِمَا‏:‏ هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا، وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا‏}‏ ‏"‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ-‏:‏ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ‏:‏ أَمْ لَهُمْ حَظٌّ مِنَ الْمُلْكِ، يَقُولُ‏:‏ لَيْسَ لَهُمْ حَظٌّ مِنَ الْمُلْكِ كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ، يَقُولُ‏:‏ لَوْ كَانَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ إذًا لَمْ يُؤْتُوا مُحَمَّدًا نَقِيرًا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَلَيْسَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ، ‏[‏لَمْ يُؤْتُوا النَّاسَ نَقِيرًا‏]‏ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ نَصِيبٌ وَحَظٌّ مِنَ الْمُلْكِ لَمْ يَكُونُوا إذًا يُعْطُونَ النَّاسَ نَقِيرًا مِنْ بُخْلِهِمْ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَعْنَى‏:‏ النَّقِيرِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ النُّقْطَةُ الَّتِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ نَقِيرًا، يَقُولُ‏:‏ النُّقْطَةُ الَّتِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ‏.‏

حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ قَابُوسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ النَّقِيرُ الَّذِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ‏.‏

حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ النَّقِيرُ وَسَطُ النَّوَاةِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا ‏"‏، النَّقِيرُ نَقِيرُ النَّوَاةِ‏:‏ وَسَطُهَا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلَهُ‏:‏ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا، يَقُولُ‏:‏ لَوْ كَانَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ إذًا لَمْ يُؤْتُوا مُحَمَّدًا نَقِيرًا وَالنَّقِيرُ‏:‏ النُّكْتَةُ الَّتِي فِي وَسَطِ النَّوَاةِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يَقُولُ‏:‏ النَّقِيرُ الَّذِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ‏:‏ النَّقِيرُ‏:‏ النَّقْرَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ‏:‏ النَّقِيرُ‏:‏ الَّذِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ النَّقِيرُ‏:‏ الْحَبَّةُ الَّتِي تَكُونُ فِي وَسَطِ النَّوَاةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ نَقِيرًا قَالَ‏:‏ النَّقِيرُ‏:‏ حَبَّةُ النَّوَاةِ الَّتِي فِي وَسَطِهَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا، قَالَ‏:‏ النَّقِيرُ‏:‏ حَبَّةُ النَّوَاةِ الَّتِي فِي وَسَطِهَا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ النَّقِيرُ‏:‏ فِي النَّوَى‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ‏:‏ النَّقِيرُ‏:‏ نَقِيرُ النَّوَاةِ الَّذِي فِي وَسَطِهَا‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ يَقُولُ‏:‏ النَّقِيرُ‏:‏ نَقِيرُ النَّوَاةِ الَّذِي يَكُونُ فِي وَسَطِ النَّوَاةِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ نَقْرُ الرَّجُلِ الشَّيْءَ بَطَرَفِ أَصَابِعِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يَزِيدَ بْنِ دِرْهَمٍ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ‏:‏ وَوَضَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ طَرَفَ الْإِبْهَامِ عَلَى ظَهْرِ السَّبَّابَةِ، ثُمَّ رَفَعَهُمَا وَقَالَ‏:‏ هَذَا النَّقِيرُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْفِرْقَةَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْبُخْلِ بِالْيَسِيرِ مِنَ الشَّيْءِ الَّذِي لَا خَطَرَ لَهُ، وَلَوْ كَانُوا مُلُوكًا وَأَهْلَ قُدْرَةٍ عَلَى الْأَشْيَاءِ الْجَلِيلَةِ الْأَقْدَارِ‏.‏ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِمَعْنَى النَّقِيرِ أَنْ يَكُونَ أَصْغَرَ مَا يَكُونُ مِنَ النُّقَرِ‏.‏ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى بِهِ، فَالنَّقْرَةُ الَّتِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ مِنْ صِغَارِ النُّقَرِ، وَقَدْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَا شَاكَلَهَا مِنَ النُّقَرِ‏.‏ وَرُفِعَ قَوْلُهُ‏:‏ لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ وَلَمْ يُنْصَبْ بـ ‏"‏إِذَنْ ‏"‏، وَمِنْ حُكْمِهَا أَنْ تَنْصِبَ الْأَفْعَالَ الْمُسْتَقْبِلَةَ إِذَا اُبْتُدِئَ الْكَلَامُ بِهَا؛ لِأَنَّ مَعَهَا‏"‏ فَاءٌ ‏"‏‏.‏ وَمِنْ حُكْمِهَا إِذَا دَخَلَ فِيهَا بَعْضُ حُرُوفِ الْعَطْفِ أَنْ تُوَجَّهَ إِلَى الِابْتِدَاءِ بِهَا مَرَّةً، وَإِلَى النَّقْلِ عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا أُخْرَى‏.‏ وَهَذَا الْمَوْضِعُ مِمَّا أُرِيدُ بـ ‏"‏الْفَاء‏"‏ فِيهِ النَّقْلُ عَنْ ‏"‏إِذَن‏"‏ إِلَى مَا بَعْدَهَا، وَأَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ، فَلَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا إِذَنْ‏.‏