فصل: تفسير الآية رقم (3)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، الْمَيْتَةَ‏.‏

وَ‏"‏ الْمَيْتَةُ ‏"‏‏:‏ كُلُّ مَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ مِنْ دَوَابَّ الْبَرِّ وَطَيْرِهِ، مِمَّا أَبَاحَ اللَّهُ أَكْلَهَا، أَهْلِيَّهَا وَوَحْشِيَّهَا، فَارَقَتْهَا رُوحُهَا بِغَيْرِ تَذْكِيَةٍ‏.‏

وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ‏"‏ الْمَيْتَةُ ‏"‏، هُوَ كُلُّ مَا فَارَقَتْهُ الْحَيَاةُ مِنْ دَوَابِّ الْبَرِّ وَطَيْرِهِ بِغَيْرِ تَذْكِيَةٍ، مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ أَكْلَهُ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَا الْعِلَّةَ الْمُوجِبَةَ صِحَّةَ الْقَوْلِ بِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، فِي كِتَابِنَا ‏(‏كِتَابِ لَطِيفِ الْقَوْلِ فِي الْأَحْكَامِ‏)‏‏.‏

وَأَمَّا ‏"‏الدَّمُ‏"‏، فَإِنَّهُ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ، دُونَ مَا كَانَ مِنْهُ غَيْرَ مَسْفُوحٍ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْأَنْعَامِ‏:‏ 145‏]‏، فَأَمَّا مَا كَانَ قَدْ صَارَ فِي مَعْنَى اللَّحْمِ، كَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ، وَمَا كَانَ فِي اللَّحْمِ غَيْرَ مُنْسَفِحٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرَ حَرَامٍ، لِإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ‏"‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ، أَهْلِيِّهِ وَبَرِّيِّهِ‏.‏

فَالْمَيْتَةُ وَالدَّمُ مُخْرَجُهُمَا فِي الظَّاهِرِ مُخْرِجُ عُمُومٍ، وَالْمُرَادُ مِنْهُمَا الْخُصُوصُ‏.‏ وَأَمَّا لَحْمُ الْخِنْزِيرِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ كَبَاطِنِهِ، وَبَاطِنَهُ كَظَاهِرِهِ، حَرَامٌ جَمِيعُهُ، لَمْ يُخَصَّصْ مِنْهُ شَيْءٌ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ‏"‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ وَمَا ذُكِرَ عَلَيْهِ غَيْرُ اسْمِ اللَّهِ‏.‏

وَأَصْلُهُ مِنْ‏"‏اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ‏"‏، وَذَلِكَ إِذَا صَاحَ حِينَ يَسْقُطُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ‏.‏ وَمِنْهُ‏"‏إِهْلَالُ الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ‏"‏، إِذَا لَبَّى بِهِ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنُ أَحْمَرَ‏:‏

يُهِلُّ بِالفَرْقَدِ رُكْبَانُهَا *** كَمَا يُهِلُّ الرَّاكِبُ المُعْتَمِرْ

وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ‏"‏، وَمَا ذَبَحَ لِلْآلِهَةِ وَلِلْأَوْثَانِ، يُسَمَّى عَلَيْهِ غَيْرُ اسْمِ اللَّهِ‏.‏

وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَمَّنْ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى، فَكَرِهْنَا إِعَادَتَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالْمُنْخَنِقَةُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ ‏"‏الانْخِنَاقِ‏"‏ الَّذِي عَنَى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَالْمُنْخَنِقَةُ‏"‏‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏"‏وَالْمُنْخَنِقَةُ‏"‏، قَالَ‏:‏ الَّتِي تُدْخِلُ رَأْسَهَا بَيْنَ شُعْبَتَيْنِ مِنْ شَجَرَةٍ، فَتَخْتَنِقُ فَتَمُوتُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي الْمُنْخَنِقَةِ، قَالَ‏:‏ الَّتِي تَخْتَنِقُ فَتَمُوتُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَالْمُنْخَنِقَةُ‏"‏، الَّتِي تَمُوتُ فِي خِنَاقِهَا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هِيَ الَّتِي تُوثَقُ فَيَقْتُلُهَا بِالْخِنَاقِ وَثَاقُهَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَالْمُنْخَنِقَةُ‏"‏، قَالَ‏:‏ الشَّاةُ تُوثَقُ، فَيَقْتُلُهَا خِنَاقُهَا، فَهِيَ حَرَامٌ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ هِيَ الْبَهِيمَةُ مِنَ النَّعَمِ، كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَخْنُقُونَهَا حَتَّى تَمُوتَ، فَحَرَّمَ اللَّهُ أَكْلَهَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏وَالْمُنْخَنِقَةُ‏"‏ الَّتِي تُخْنَقُ فَتَمُوتُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏وَالْمُنْخَنِقَةُ‏"‏، كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَخْنُقُونَ الشَّاةَ، حَتَّى إِذَا مَاتَتْ أَكَلُوهَا‏.‏

وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ ‏"‏هِيَ الَّتِي تَخْتَنِقُ، إِمَّا فِي وِثَاقِهَا، وَإِمَّا بِإِدْخَالٍ رَأَّسَهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا تَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ، فَتَخْتَنِقُ حَتَّى تَمُوتَ‏"‏‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّ ‏"‏المُنْخَنِقَةَ‏"‏، هِيَ الْمَوْصُوفَةُ بِالِانْخِنَاقِ، دُونَ خَنْقِ غَيْرِهَا لَهَا، وَلَوْ كَانَ مَعْنِيًّا بِذَلِكَ أَنَّهَا مَفْعُولٌ بِهَا، لَقِيلَ‏:‏ ‏"‏وَالْمَخْنُوقَةُ‏"‏، حَتَّى يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ مَا قَالُوا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالْمَوْقُوذَةُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَالْمَوْقُوذَةُ‏"‏، وَالْمَيْتَةُ وَقِيذًا‏.‏

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏وَقَذَهُ يَقِذُهُ وَقْذًا‏"‏، إِذَا ضَرَبَهُ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ‏:‏

شَغَّارَةٍ تَقِذُ الفَصِيلَ بِرِجْلِهَا *** فَطَّارَةٍ لِقَوَادِمِ الأبْكَارِ

وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏وَالْمَوْقُوذَةُ‏"‏، قَالَ‏:‏ الْمَوْقُوذَةُ، الَّتِي تُضْرَبُ بِالْخَشَبِ حَتَّى تُوقَذَ بِهَا فَتَمُوتَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏وَالْمَوْقُوذَةُ‏"‏، كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَضْرِبُونَهَا بِالْعِصِيِّ، حَتَّى إِذَا مَاتَتْ أَكَلُوهَا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا رُوحٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَالْمَوْقُوذَةُ‏"‏، قَالَ‏:‏ كَانُوا يَضْرِبُونَهَا حَتَّى يَقِذُوهَا، ثُمَّ يَأْكُلُونَهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَالْمَوْقُوذَةُ‏"‏، الَّتِي تُوقَذُ فَتَمُوتُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ‏:‏ ‏"‏الْمَوْقُوذَةُ‏"‏، الَّتِي تُضْرَبُ حَتَّى تَمُوتَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏"‏وَالْمَوْقُوذَةُ‏"‏، قَالَ‏:‏ هِيَ الَّتِي تُضْرَبُ فَتَمُوتُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سَلْمَانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَالْمَوْقُوذَةُ‏"‏، كَانَتِ الشَّاةُ أَوْ غَيْرُهَا مِنَ الْأَنْعَامِ تُضْرَبُ بِالْخَشَبِ لِآلِهَتِهِمْ، حَتَّى يَقْتُلُوهَا فَيَأْكُلُوهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَقَبَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ‏.‏ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي نَعِيمُ بْنُ سَلَامَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ قَالَ‏:‏ لَيْسَتِ ‏"‏المَوْقُوذَةُ‏"‏ إِلَّا فِي مَالِكَ، وَلَيْسَ فِي الصَّيْدِ وَقِيذٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالْمُتَرَدِّيَةُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَحَرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ تَرَدِّيًا مِنْ جَبَلٍ أَوْ فِي بِئْرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ‏.‏

وَ‏"‏تَرَدِّيهَا‏"‏، رَمْيُهَا بِنَفْسِهَا مِنْ مَكَانٍ عَالٍ مُشْرِفٍ إِلَى سُفْلِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏وَالْمُتَرَدِّيَةُ‏"‏، قَالَ‏:‏ الَّتِي تَتَرَدَّى مِنَ الْجَبَلِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏وَالْمُتَرَدِّيَةُ‏"‏، كَانَتْ تَتَرَدَّى فِي الْبِئْرِ فَتَمُوتُ، فَيَأْكُلُونَهَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا رُوحٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏وَالْمُتَرَدِّيَةُ‏"‏، قَالَ‏:‏ الَّتِي تَرَدَّتْ فِي الْبِئْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَالْمُتَرَدِّيَةِ‏"‏، قَالَ‏:‏ هِيَ الَّتِي تَرَدَّى مِنَ الْجَبَلِ، أَوْ فِي الْبِئْرِ، فَتَمُوتُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ‏:‏ ‏"‏وَالْمُتَرَدِّيَةُ‏"‏، الَّتِي تَرَدَّى مِنَ الْجَبَلِ فَتَمُوتُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَالْمُتَرَدِّيَةُ‏"‏، قَالَ‏:‏ الَّتِي تَخِرُّ فِي رَكِيٍّ، أَوْ مِنْ رَأْسِ جَبَلٍ، فَتَمُوتُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالنَّطِيحَةُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏النَّطِيحَةُ‏"‏، الشَّاةُ الَّتِي تَنْطَحُهَا أُخْرَى فَتَمُوتُ مِنَ النِّطَاحِ بِغَيْرِ تَذْكِيَةٍ‏.‏ فَحَرَّمَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ لَمْ يُدْرِكُوا ذَكَاتَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ‏.‏

وَأَصْلُ ‏"‏النَّطِيحَةِ‏"‏، ‏"‏المَنْطُوحَةُ‏"‏، صُرِفَتْ مِنْ‏"‏مُفَعْوِلَةٍ‏"‏ إِلَى‏"‏فَعِيلَةٍ‏"‏‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَكَيْفَ أُثْبِتَتِ ‏"‏الهَاءُ‏"‏ هَاءَ التَّأْنِيثِ فِيهَا، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَكَادُ تُثْبِتُ ‏"‏الهَاءَ‏"‏ فِي نَظَائِرِهَا إِذَا صَرَفُوهَا صَرْفَ ‏"‏النَّطِيحَةِ‏"‏ مِنْ‏"‏مَفْعُولٍ‏"‏ إِلَى‏"‏فَعِيلٍ‏"‏، إِنَّمَا تَقُولُ‏:‏ ‏"‏لِحْيَةٌ دَهِينٌ‏"‏ وَ‏"‏عَيْنٌ كَحِيلٌ‏"‏ وَ‏"‏كَفٌّ خَضِيبٌ‏"‏، وَلَا يَقُولُونَ‏:‏ كَفٌّ خَضِيبَةٌ، وَلَا عَيْنٌ كَحِيلَةٌ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْبَصْرَةِ‏:‏ أُثْبِتَتْ فِيهَا ‏"‏الهَاءُ‏"‏ أَعْنِي فِي ‏"‏النَّطِيحَةِ‏"‏ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ كَالِاسْمِ مَثَلَ‏:‏ ‏"‏الطَّوِيلَةِ‏"‏ وَ ‏"‏الطَّرِيقَةِ‏"‏‏.‏

فَكَأَنَّ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ، وَجَّهَ ‏"‏النَّطِيحَةَ‏"‏ إِلَى مَعْنَى ‏"‏النَّاطِحَةِ‏"‏‏.‏

فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى مَذْهَبِهِ‏:‏ وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ نِطَاحًا، كَأَنَّهُ عَنَى‏:‏ وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ النَّاطِحَةُ الَّتِي تَمُوتُ مِنْ نِطَاحِهَا‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْكُوفَةِ‏:‏ إِنَّمَا تَحْذِفُ الْعَرَبُ ‏"‏الهَاءَ‏"‏ مِنْ ‏"‏الفَعِيلَةِ‏"‏ الْمَصْرُوفَةِ عَنْ ‏"‏المَفْعُولِ‏"‏، إِذَا جَعَلَتْهَا صِفَةً لِاسْمٍ قَدْ تَقَدَّمَهَا، فَتَقُولُ‏:‏ ‏"‏رَأَيْنَا كَفًّا خَضِيبًا، وَعَيْنًا كَحِيلًا‏"‏، فَأَمَّا إِذَا حَذَفَتِ ‏"‏الكَفَّ‏"‏ وَ ‏"‏العَيْنَ‏"‏ وَالِاسْمَ الَّذِي يَكُونُ‏"‏فَعِيلٌ‏"‏ نَعْتًا لَهَا، وَاجْتَزَأُوا بِ ‏"‏فَعِيلٍ‏"‏ مِنْهَا، أَثْبَتُوا فِيهِ هَاءَ التَّأْنِيثِ، لِيُعْلَمَ بِثُبُوتِهَا فِيهِ أَنَّهَا صِفَةٌ لِلْمُؤَنَّثِ دُونَ الْمُذَكَّرِ، فَتَقُولُ‏:‏ ‏"‏رَأَيْنَا كَحِيلَةً وَخَضِيبَةً‏"‏ وَ‏"‏أَكِيلَةَ السَّبْعِ‏"‏‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَلِذَلِكَ أُدْخِلَتِ ‏"‏الهَاءُ‏"‏ فِي ‏"‏النَّطِيحَةِ‏"‏، لِأَنَّهَا صِفَةَ الْمُؤَنَّثِ، وَلَوْ أُسْقِطَتْ مِنْهَا لَمْ يُدْرَ أَهْيَ صِفَةُ مُؤَنَّثٍ أَوْ مُذَكَّرٍ‏.‏

وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، لِشَائِعِ أَقْوَالِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ بِأَنَّ مَعْنَى‏:‏ ‏"‏النَّطِيحَةِ‏"‏، الْمَنْطُوحَةُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏وَالنَّطِيحَةُ‏"‏، قَالَ‏:‏ الشَّاةُ تَنْطَحُ الشَّاةَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ قَالَ‏:‏ كَانَ يُقْرَأُ‏:‏ ‏(‏وَالْمَنْطُوحَةُ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ‏:‏ ‏"‏وَالنَّطِيحَةُ‏"‏، الشَّاتَانِ يَنْتَطِحَانِ فَيَمُوتَانِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏"‏وَالنَّطِيحَةُ‏"‏، هِيَ الَّتِي تَنْطَحُهَا الْغَنَمُ وَالْبَقَرُ فَتَمُوتُ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ هَذَا حَرَامٌ، لِأَنَّ نَاسًا مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَأْكُلُونَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏وَالنَّطِيحَةُ‏"‏، كَانَ الْكَبْشَانِ يَنْتَطِحَانِ، فَيَمُوتُ أَحَدُهُمَا، فَيَأْكُلُونَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا رُوحٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏وَالنَّطِيحَةُ‏"‏، الْكَبْشَانِ يَنْتَطِحَانِ، فَيَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَيَأْكُلُونَهُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، أَخْبَرَنَا عُبَِيْدٌ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَالنَّطِيحَةُ‏"‏، قَالَ‏:‏ الشَّاةُ تَنْطَحُ الشَّاةَ فَتَمُوتُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ‏"‏، وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ مَا أَكَلَ السَّبْعُ غَيْرُ الْمُعَلَّمِ مِنَ الصَّوَائِدِ‏.‏

وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ مَا أَخَذَ السَّبُعُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ‏:‏ ‏"‏وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ مَا أَخَذَ السَّبُعُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ‏"‏، قَالَ‏:‏ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا قَتَلَ السَّبُعُ شَيْئًا مِنْ هَذَا أَوْ أَكَلَ مِنْهُ، أَكَلُوا مَا بَقِيَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ‏:‏ ‏(‏وَأَكِيلُ السَّبُعِ‏)‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ‏"‏، إِلَّا مَا طَهَّرْتُمُوهُ بِالذَّبْحِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَا اسْتَثْنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ‏"‏‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ اسْتَثْنَى مِنْ جَمِيعِ مَا سَمَّى اللَّهُ تَحْرِيمَهُ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ‏"‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ مَا أَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ، يَتَحَرَّكُ لَهُ ذَنَبٌ، أَوْ تَطْرِفُ لَهُ عَيْنٌ، فَاذْبَحْ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَهُوَ حَلَالٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏"‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِّلَ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ‏"‏، قَالَ الْحَسَنُ‏:‏ أَيِّ هَذَا أَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَذَكِّهِ وَكُلْ‏.‏ فَقُلْتُ‏:‏ يَا أَبَا سَعِيدٍ، كَيْفَ أَعْرِفُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ إِذَا طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا، أَوْ ضَرَبَتْ بِذَنْبِهَا‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ‏"‏، قَالَ‏:‏ فَكُلُّ هَذَا الَّذِي سَمَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَهُنَا، مَا خَلَا لَحَمَ الْخَنْزِيرِ، إِذَا أَدْرَكْتَ مِنْهُ عَيْنًا تَطْرِفُ، أَوْ ذَنَبًا يَتَحَرَّكُ، أَوْ قَائِمَةً تَرْكُضُ فَذَكَّيْتَهُ، فَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ‏"‏، مِنْ هَذَا كُلِّهِ‏.‏ فَإِذَا وَجَدْتَهَا تَطْرِفُ عَيْنُهَا، أَوْ تُحَرِّكُ أُذُنَهَا مِنْ هَذَا كُلِّهِ، فَهِيَ لَكَ حَلَالٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ وَعَبَّادٌ قَالَا أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ‏:‏ إِذَا أَدْرَكْتَ ذَكَاةَ الْمَوْقُوذَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ، وَهِيَ تُحَرِّكُ يَدًا أَوْ رِجْلًا فَكُلْهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ إِذَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنَ الصَّيْدِ، أَوِ الْوَقِيذَةِ أَوِ النَّطِيحَةِ أَوِ الْمُتَرَدِّيَةِ، فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ، فَكُلْ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَلَامٍ التَّمِيمِيِّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ‏:‏ إِذَا رَكَضَتْ بِرِجْلِهَا، أَوْ طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا، وَحَرَّكَتْ ذَنَبَهَا، فَقَدْ أَجْزَأَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ إِذْ ذُبِحَتْ فَمَصَعَتْ بِذَنْبِهَا، أَوْ تَحَرَّكَتْ، فَقَدْ حَلَّتْ لَكَ أَوْ قَالَ‏:‏ فَحَسْبُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ إِذَا كَانَتِ الْمَوْقُوذَةُ تَطْرِفُ بِبَصَرِهَا، أَوْ تَرْكُضُ بِرِجْلِهَا، أَوْ تَمْصَعُ بِذَنْبِهَا، فَاذْبَحْ وَكُلْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ قَتَادَةَ، بِمِثْلِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبِيدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ‏:‏ إِذَا طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا، أَوْ مَصَعَتْ بِذَنْبِهَا، أَوْ تَحَرَّكَتْ، فَقَدْ حَلَّتْ لَكَ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ‏:‏ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ هَذَا، فَحَرَّمَ اللَّهُ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا مَا ذُكِّيَ مِنْهُ، فَمَا أُدْرِكُ فَتَحَرَّكَ مِنْهُ رِجْلٌ أَوْ ذَنَبٌ أَوْ طَرَفَ، فَذُكِّيَ، فَهُوَ حَلَالٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ‏}‏ ‏"‏، وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ‏}‏ ‏"‏، الْآيَةَ‏"‏ ‏{‏وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ هَذَا كُلُّهُ مُحَرَّمٌ، إِلَّا مَا ذَكِّيَ مِنْ هَذَا‏.‏

فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ‏:‏ حُرِّمَتِ الْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ، إِنْ مَاتَتْ مِنَ التَّرَدِّي وَالْوَقْذِ وَالنَّطْحِ وَفَرْسِ السَّبُعِ، إِلَّا أَنْ تُدْرِكُوا ذَكَاتَهَا، فَتُدْرِكُوهَا قَبْلَ مَوْتِهَا، فَتَكُونُ حِينَئِذٍ حَلَالًا أَكْلُهَا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ التَّحْرِيمِ، وَلَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ‏"‏، لِأَنَّ الْمَيْتَةَ لَا ذَكَاةَ لَهَا، وَلَا لِلْخِنْزِيرِ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَإِنَّمَا مَعْنَى الْآيَةِ‏:‏ حَرَّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَسَائِرُ مَا سَمَّيْنَا مَعَ ذَلِكَ، إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَكُمْ بِالتَّذْكِيَةِ، فَإِنَّهُ لَكُمْ حَلَالٌ‏.‏ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ‏.‏

ذِكْرُ بَعْضِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ مَالِكٌ، وَسُئِلَ عَنِ الشَّاةِ الَّتِي يَخْرِقُ جَوْفَهَا السَّبُعُ حَتَّى تَخْرُجَ أَمْعَاؤُهَا، فَقَالَ مَالِكٌ‏:‏ لَا أَرَى أَنْ تُذَكَّى، وَلَا يُؤْكَلُ أَيُّ شَيْءٍ يُذَكَّى مِنْهَا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنْ أَشْهَبَ قَالَ‏:‏ سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ السَّبُعِ يَعْدُو عَلَى الْكَبْشِ فَيَدُقُّ ظَهْرَهُ، أَتُرَى أَنْ يُذَكَّى قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَيُؤْكَلُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ إِنْ كَانَ بَلَغَ السَّحْرَ فَلَا أَرَى أَنْ يُؤْكَلَ‏.‏ وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا أَصَابَ أَطْرَافَهُ، فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا‏.‏ قِيلَ لَهُ‏:‏ وَثَبَ عَلَيْهِ فَدَقَّ ظَهْرَهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا يُعْجِبُنِي أَنَّ يُؤْكَلَ، هَذَا لَا يَعِيشُ مِنْهُ‏.‏ قِيلَ لَهُ‏:‏ فَالذِّئْبُ يَعْدُو عَلَى الشَّاةِ فَيَشُقُّ بَطْنَهَا وَلَا يَشُقُّ الْأَمْعَاءَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ إِذَا شَقَّ بَطْنَهَا، فَلَا أَرَى أَنْ تُؤْكَلَ‏.‏

وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ‏"‏، اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا‏.‏

فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْآيَةِ‏:‏ حَرُمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَسَائِرُ مَا ذَكَرْنَا، وَلَكِنْ مَا ذَكَّيْتُمْ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي أَحْلَلْتُهَا لَكُمْ بِالتَّذْكِيَةِ حَلَالٌ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ، الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ‏"‏ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَمَا أَهِلَ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُِ وَمَا أَكَلَ السَّبْعُ‏"‏، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُسْتَحَقُّ الصِّفَةِ الَّتِي هُوَ بِهَا قَبْلَ حَالِ مَوْتِهِ فَيُقَالُ لِمَا قَرَّبَ الْمُشْرِكُونَ لِآلِهَتِهِمْ فَسَمَّوْهُ لَهُمْ‏:‏ ‏"‏هُوَ مَا أَهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ‏"‏، بِمَعْنَى سُمِّيَ قُرْبَانًا لِغَيْرِ اللَّهِ‏.‏ وَكَذَلِكَ ‏"‏المُنْخَنِقَةُ‏"‏، إِذَا انْخَنَقَتْ وَإِنْ لَمْ تَمُتْ، فَهِيَ مُنْخَنِقَةٌ‏.‏ وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ بَعْدَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَمَا أَهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ‏"‏، إِلَّا بِالتَّذْكِيَةِ، فَإِنَّهُ يُوصَفُ بِالصِّفَةِ الَّتِي هُوَ بِهَا قَبْلَ مَوْتِهِ، فَحَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ إِلَّا بِالتَّذْكِيَةِ الْمُحَلِّلَةِ، دُونَ الْمَوْتِ بِالسَّبَبِ الَّذِي كَانَ بِهِ مَوْصُوفًا‏.‏ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ‏:‏ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ مَا أَهِلَ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَكَذَا وَكَذَا وَكَذَا، إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

فَ‏"‏مَا‏"‏ إِذْ كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيلُهُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا قَبْلَهَا‏.‏ وَقَدْ يَجُوزُ فِيهِ الرَّفْعُ‏.‏

وَإِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا، فَكُلُّ مَا أَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ مِنْ طَائِرٍ أَوْ بَهِيمَةٍ قَبْلَ خُرُوجِ نَفْسِهِ، وَمُفَارَقَةِ رُوحِهِ جَسَدَهُ، فَحَلَالٌ أَكْلُهُ، إِذَا كَانَ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ‏:‏ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ عِنْدَكَ، فَمَا وَجْهُ تَكْرِيرِهِ مَا كَرَّرَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ‏}‏ ‏"‏، وَسَائِرِ مَا عَدَّدَ تَحْرِيمَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَقَدِ افْتَتَحَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ‏"‏‏؟‏ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ‏"‏، شَامِلٌ كُلَّ مَيْتَةٍ، كَانَ مَوْتُهُ حَتْفَ أَنْفِهِ مِنْ عِلَّةٍ بِهِ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةِ أَحَدٍ عَلَيْهِ، أَوْ كَانَ مَوْتُهُ مَنْ ضَرْبِ ضَارِبٍ إِيَّاهُ، أَوِ انْخِنَاقٍ مِنْهُ، أَوِ انْتِطَاحٍ، أَوْ فَرْسِ سَبُعٍ‏؟‏ وَهَلَّا كَانَ قَوْلُهُ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتَ فِي ذَلِكَ، مِنْ أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِالتَّحْرِيمِ فِي كُلِّ ذَلِكَ‏:‏ الْمَيْتَةُ بِالِانْخِنَاقِ وَالنِّطَاحِ وَالْوَقْذِ وَأَكْلِ السَّبُعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، دُونَ أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ تَحْرِيمُهُ إِذَا تَرَدَّى أَوِ انْخَنَقَ أَوْ فَرَسَهُ السَّبُعُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مِنْهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ مِمَّا أَصَابَهُ مِنْهُ إِلَّا بِالْيَسِيرِ مِنَ الْحَيَاةِ ‏"‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ‏"‏، مُغْنِيًا مِنْ تَكْرِيرِ مَا كَرَّرَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَمَا أَهِلَ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ‏"‏، وَسَائِرِ مَا ذَكَرَ مَعَ ذَلِكَ، وَتِعْدَادِهِ مَا عَدَّدَ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ وَجْهُ تَكْرَارِهِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ إِذَا مَاتَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي هُوَ بِهَا مَوْصُوفٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ‏"‏ أَنَّ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ كَانُوا لَا يَعُدُّونَ ‏"‏المَيْتَةَ‏"‏ مِنَ الْحَيَوَانِ، إِلَّا مَا مَاتَ مِنْ عِلَّةٍ عَارِضَةٍ بِهِ غَيْرِ الِانْخِنَاقِ وَالتَّرَدِّي وَالِانْتِطَاحِ وَفَرْسِ السَّبُعِ‏.‏ فَأَعْلَمُهُمُ اللَّهُ أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ، حُكْمُ مَا مَاتَ مِنَ الْعِلَلِ الْعَارِضَةِ وَأَنَّالْعِلَّةَ الْمُوجِبَةَ تَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ، لَيْسَتْ مَوْتَهَا مِنْ عِلَّةِ مَرَضٍ أَوْ أَذًى كَانَ بِهَا قَبْلَ هَلَاكِهَا، وَلَكِنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ يَذْبَحْهَا مِنْ أَجْلِ ذَبِيحَتِهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي أَحَلَّهَا بِهِ كَالَّذِي‏:‏-

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ هَذَا حَرَامٌ، لِأَنَّ نَاسًا مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَأْكُلُونَهُ وَلَا يُعِدُّونَهُ مَيْتًا، إِنَّمَا يُعِدُّونَ الْمَيْتَ الَّذِي يَمُوتُ مِنَ الْوَجَعِ‏.‏ فَحَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، إِلَّا مَا ذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَأَدْرَكُوا ذَكَاتَهُ وَفِيهِ الرُّوحُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏"‏وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ‏"‏، وَحَرُمَ عَلَيْكُمْ أَيْضًا الَّذِيذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ‏.‏

فَ‏"‏مَا‏"‏ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَمَا ذُبِحَ ‏"‏، رُفِعَ، عَطْفًا عَلَى‏"‏مَا‏"‏ الَّتِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ‏"‏‏.‏

وَ‏"‏ النُّصُبُ ‏"‏، الْأَوْثَانُ مِنَ الْحِجَارَةِ، جَمَاعَةُ أَنْصَابٍ كَانَتْ تُجْمَعُ فِي الْمَوْضِعِ مِنَ الْأَرْضِ، فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُقَرِّبُونَ لَهَا، وَلَيْسَتْ بِأَصْنَامٍ‏.‏

وَكَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ فِي صِفَتِهِ مَا‏:‏-

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏"‏النُّصُب‏"‏ لَيْسَتْ بِأَصْنَامٍ، ‏"‏الصَّنَمُ‏"‏ يُصَوَّرُ وَيُنْقَشُ، وَهَذِهِ حِجَارَةٌ تُنْصَبُ، ثَلَثُمِئَةٍ وَسِتُّونَ حَجَرًا مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ثَلَثُمِئَةٌ مِنْهَا لِخُزَاعَةَ فَكَانُوا إِذَا ذَبَحُوا نَضَحُوا الدَّمَ عَلَى مَا أَقْبَلَ مِنَ الْبَيْتِ وَشَرَّحُوا اللَّحْمَ وَجَعَلُوهُ عَلَى الْحِجَارَةِ‏.‏ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُعَظِّمُونَ الْبَيْتَ بِالدَّمِ، فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نُعَظِّمَهُ‏!‏ فَكَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْحَجِّ‏:‏ 37‏]‏‏.‏

وَمِمَّا يُحَقِّقُ قَوْلَ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي أَنْ ‏"‏الأَنْصَابَ‏"‏ غَيْرُ ‏"‏الأَصْنَامِ‏"‏، مَا‏:‏-

حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏"‏وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ‏"‏، قَالَ‏:‏ حِجَارَةٌ كَانَ يَذْبَحُ عَلَيْهَا أَهْلَُ الْجَاهِلِيَّةِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏"‏ النُّصُبِ ‏"‏، قَالَ‏:‏ حِجَارَةٌ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، يَذْبَحُ عَلَيْهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَيُبَدِّلُونَهَا إِذَا شَاؤُوا بِحِجَارَةٍ أَعْجَبَ إِلَيْهِمْ مِنْهَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ‏"‏، وَ‏"‏ النُّصُبُ ‏"‏‏:‏ حِجَارَةٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُونَهَا، وَيَذْبَحُونَ لَهَا، فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ أَنْصَابَ الْجَاهِلِيَّةِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِِ‏"‏، وَ‏"‏ النُّصُبُِ ‏"‏، أَنْصَابٌ كَانُوا يَذْبَحُونَ وَيُهِلُّونَ عَلَيْهَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بِزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِِ ‏"‏، قَالَ‏:‏ كَانَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ حِجَارَةٌ كَانَ يَذْبَحُ عَلَيْهَا أَهْلَُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَيُبَدِّلُونَهَا إِذَا شَاؤُوا بِحَجَرٍ هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْهَا‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏الْأَنْصَابُ‏"‏، حِجَارَةٌ كَانُوا يُهِلُّونَ لَهَا، وَيَذْبَحُونَ عَلَيْهَا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِِ ‏"‏، قَالَ‏:‏ ‏"‏مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِِ ‏"‏ وَ‏"‏مَا أَهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ‏"‏، وَهُوَ وَاحِدٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ‏"‏، وَأَنْ تَطْلُبُوا عِلْمَ مَا قُسِمَ لَكُمْ أَوْ لَمْ يُقْسَمْ، بِالْأَزْلَامِ‏.‏

وَهُوَ‏"‏اسْتَفْعَلَتْ‏"‏ مِنْ ‏"‏القَسْمِ‏"‏ قَسْمِ الرِّزْقِ وَالْحَاجَاتِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَوْ غَزْوًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، أَجَالَ الْقِدَاحَ وَهِيَ ‏"‏الأَزْلَامُ‏"‏ وَكَانَتْ قِدَاحًا مَكْتُوبًا عَلَى بَعْضِهَا‏:‏ ‏"‏نَهَانِي رَبِّي‏"‏، وَعَلَى بَعْضِهَا‏:‏ ‏"‏أَمَرَنِي رَبِّي‏"‏ فَإِنْ خَرَجَ الْقَدَحُ الَّذِي هُوَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ‏:‏ ‏"‏أَمَرَنِي رَبِّي‏"‏، مَضَى لِمَا أَرَادَ مِنْ سَفَرٍ أَوْ غَزْوٍ أَوْ تَزْوِيجٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ‏.‏ وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ‏:‏ ‏"‏نَهَانِي رَبِّي‏"‏، كَفَّ عَنِ الْمُضِيِّ لِذَلِكَ وَأَمْسَكَ، فَقِيلَ‏:‏ ‏"‏وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ‏"‏، لِأَنَّهُمْ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ كَانُوا كَأَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ أَزْلَامَهُمْ أَنْ يَقْسِمْنَ لَهُمْ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ مُفْتَخِرًا بِتَرْكِ الِاسْتِقْسَامِ بِهَا‏:‏

وَلَمْ أَقْسِمْ فَتَرْبُثَنِي القُسُومُ ***

وَأَمَّا ‏"‏الأَزْلَامُ‏"‏، فَإِنَّ وَاحِدَهَا‏"‏زَلَمٌ‏"‏، وَيُقَالُ‏:‏ ‏"‏زُلَمٌ‏"‏، وَهِيَ الْقِدَاحُ الَّتِي وَصَفْنَا أَمْرَهَا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏"‏وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ‏"‏، قَالَ‏:‏ الْقِدَاحُ، كَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا فِي سَفَرٍ جَعَلُوا قِدَاحًا لِلْجُلُوسِ وَالْخُرُوجِ‏.‏ فَإِنْ وَقَعَ الْخُرُوجُ خَرَجُوا، وَإِنَّ وَقَعَ الْجُلُوسُ جَلَسُوا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شَرَّيْكٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏"‏وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ‏"‏، قَالَ‏:‏ حَصًى بِيضٌ كَانُوا يَضْرِبُونَ بِهَا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ قَالَ لَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ‏:‏ هُوَ الشِّطْرَنْجُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عِبَادُ بْنُ رَاشِدٍ الْبَزَّارُ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ‏"‏، قَالَ‏:‏ كَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَمْرًا أَوْ سَفَرًا، يَعْمِدُونَ إِلَى قِدَاحٍ ثَلَاثَةٍ، عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا مَكْتُوبٌ‏:‏ ‏"‏أُؤْمُرْنِي‏"‏، وَعَلَى الْآخَرِ‏:‏ ‏"‏انْهَنِي‏"‏، وَيَتْرُكُونَ الْآخَرَ مُحَلَّلًا بَيْنَهُمَا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ‏.‏ ثُمَّ يُجِيلُونَهَا، فَإِنْ خَرَجَ الَّذِي عَلَيْهِ‏"‏ أُؤْمُرْنِي ‏"‏مَضَوْا لِأَمْرِهِمْ‏.‏ وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي عَلَيْهِ‏"‏ انْهَنِي‏"‏ كَفُّوا، وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَعَادُوهَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏"‏وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ‏"‏، حِجَارَةٌ كَانُوا يَكْتُبُونَ عَلَيْهَا، يُسَمُّونَهَا ‏"‏القِدَاحَ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏"‏بِالْأَزْلَامِ‏"‏، قَالَ‏:‏ الْقِدَاحُ، يَضْرِبُونَ لِكُلِّ سَفَرٍ وَغَزْوٍ وَتِجَارَةٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏"‏وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ‏"‏، قَالَ‏:‏ كِعَابُ فَارِسٍ الَّتِي يُقْمِرُونَ بِهَا، وَسِهَامُ الْعَرَبِ‏.‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ الْغِفَارِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏"‏وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ‏"‏، قَالَ‏:‏ سِهَامُ الْعَرَبِ، وَكِعَابُ فَارِسٍ وَالرُّومِ، كَانُوا يَتَقَامَرُونَ بِهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ‏"‏، قَالَ‏:‏ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مُسَافِرًا، كَتَبَ فِي قَدَحٍ‏:‏ ‏"‏هَذَا يَأْمُرُنِي بِالْمُكْثِ‏"‏ وَ‏"‏هَذَا يَأْمُرُنِي بِالْخُرُوجِ‏"‏، وَجَعَلَ مَعَهُمَا مَنِيحَةً‏.‏ شَيْءٌ لَمْ يَكْتُبْ فِيهِ شَيْئًا، ثُمَّ اسْتَقْسَمَ بِهَا حِينَ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ‏.‏ فَإِنْ خَرَجَ الَّذِي يَأْمُرُ بِالْمُكْثِ مَكَثَ، وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي يَأْمُرُ بِالْخُرُوجِ خَرَجَ، وَإِنْ خَرَجَ الْآخَرُ أَجَالَهَا ثَانِيَةً حَتَّى يَخْرُجَ أَحَدُ الْقَدَحَيْنِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ‏"‏، وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَرَادَ أَحَدَهُمْ خُرُوجًا، أَخَذَ قَدَحًا فَقَالَ‏:‏ ‏"‏هَذَا يَأْمُرُ بِالْخُرُوجِ‏"‏، فَإِنْ خَرَجَ فَهُوَ مُصِيبٌ فِي سَفَرِهِ خَيْرًا، وَيَأْخُذُ قِدْحًا آخَرَ فَيَقُولُ‏:‏ ‏"‏هَذَا يَأْمُرُ بِالْمُكُوثِ‏"‏، فَلَيْسَ يُصِيبُ فِي سَفَرِهِ خَيْرًا، وَ ‏"‏المَنِيحَ‏"‏ بَيْنَهُمَا‏.‏ فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَدَّمَ فِيهِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ‏"‏، قَالَ‏:‏ كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا فِي الْأُمُورِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ ‏"‏الْأَزْلَامُ‏"‏، قِدَاحٌ لَهُمْ‏.‏ كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ كَتَبَ فِي تِلْكَ الْقِدَاحِ مَا أَرَادَ، فَيَضْرِبُ بِهَا، فَأَيُّ قَدَحٍ خَرَجَ وَإِنْ كَانَ أَبْغَضَ تِلْكَ ارْتَكَبَهُ وَعَمِلَ بِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏"‏وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ‏"‏، قَالَ‏:‏ ‏"‏الْأَزْلَامُ‏"‏، قِدَاحٌ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عِنْدَ الْكَهَنَةِ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُسَافِرَ، أَوْ يَتَزَوَّجَ، أَوْ يُحْدِثَ أَمْرًا، أَتَى الْكَاهِنَ فَأَعْطَاهُ شَيْئًا، فَضَرَبَ لَهُ بِهَا‏.‏ فَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا شَيْءٌ يُعْجِبُهُ، أَمَرَهُ فَفَعَلَ‏.‏ وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا شَيْءٌ يَكْرَهُهُ، نَهَاهُ فَانْتَهَى، كَمَا ضَرَبَ عَبْدُ الْمَطْلَبِ عَلَى زَمْزَمٍ، وَعَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَالْإِبِلِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْنَا أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَضْرِبُونَ بِالْقِدَاحِ فِي الظَّعْنِ وَالْإِقَامَةِ أَوِ الشَّيْءِ يُرِيدُونَهُ، فَيَخْرُجُ سَهْمُ الظَّعْنِ فَيَظْعَنُونَ، وَالْإِقَامَةِ فَيُقِيمُونَ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي ‏"‏الأَزْلَامِ‏"‏، مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ كَانَتْ هُبَلُ أَعْظَمُ أَصْنَامِ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ، وَكَانَتْ عَلَى بِئْرٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَتْ تِلْكَ الْبِئْرُ هِيَ الَّتِي يَجْمَعُ فِيهَا مَا يُهْدَى لِلْكَعْبَةِ‏.‏ وَكَانَتْ عِنْدَ هُبَلَ سَبْعَةُ أقْدُحٍ كُلُّ قَدَحٍ مِنْهَا فِيهِ كِتَابٌ‏.‏ قَدَحٌ فِيهِ‏:‏ ‏"‏الْعَقْلُ‏"‏ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي الْعَقْلِ مَنْ يَحْمِلُهُ مِنْهُمْ، ضَرَبُوا بِالْقَدَّاحِ السَّبْعَةِ، ‏[‏فَإِنْ خَرَجَ الْعَقْلُ، فَعَلَى مَنْ خَرَجَ حَمَلَهُ‏]‏ وَقَدَحٌ فِيهِ‏:‏ ‏"‏نَعَمْ‏"‏ لِلْأَمْرِ إِذَا أَرَادُوهُ، يَضْرِبُ بِهِ، فَإِنْ خَرَجَ قَدَحُ‏"‏نَعَمْ‏"‏ عَمِلُوا بِهِ‏.‏ وَقَدَحٌ فِيهِ‏:‏ ‏"‏لَا‏"‏، فَإِذَا أَرَادُوا أَمْرًا ضَرَبُوا بِهِ فِي الْقِدَاحِ، فَإِذَا خَرَجَ ذَلِكَ الْقَدَحُ، لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ الْأَمْرَ‏.‏ وَقَدَحٌ فِيهِ‏:‏ ‏"‏مِنْكُمْ‏"‏‏.‏ وَقَدَحَ فِيهِ‏:‏ ‏"‏مُلْصَقٌ‏"‏‏.‏ وَقَدَحٌ فِيهِ‏:‏ ‏"‏مِنْ غَيْرِكُمْ‏"‏‏.‏ وَقَدَحَ فِيهِ‏:‏ ‏"‏الْمِيَاهُ‏"‏، إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِلْمَاءِ ضَرَبُوا بِالْقَدَّاحِ وَفِيهَا ذَلِكَ الْقَدَحُ، فَحَيْثُمَا خَرَجَ عَمِلُوا بِهِ‏.‏ وَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَخْتِنُوا غُلَامًا أَوْ أَنْ يَنْكِحُوا مَنْكِحًا، أَوْ أَنْ يَدْفِنُوا مَيِّتًا، أَوْ شَكَوَا فِي نَسَبٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَهَبُوا بِهِ إِلَى هُبَلَ وَبِمِئَةِ دِرْهَمٍ، وَبِجَزُورٍ، فَأَعْطَوْهَا صَاحِبَ الْقِدَاحِ الَّذِي يَضْرِبُهَا، ثُمَّ قَرَّبُوا صَاحِبَهُمُ الَّذِي يُرِيدُونَ بِهِ مَا يُرِيدُونَ، ثُمَّ قَالُوا‏:‏ ‏"‏يَا إِلَهَنَا، هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، قَدْ أَرَدْنَا بِهِ كَذَا وَكَذَا، فَأَخْرِجِ الْحَقَّ فِيهِ‏"‏‏.‏ ثُمَّ يَقُولُونَ لِصَاحِبِ الْقِدَاحِ‏:‏ ‏"‏اضْرِبْ‏"‏، فَيَضْرِبُ، فَإِنَّ- ‏[‏خَرَجَ عَلَيْهِ‏"‏مِنْكُمْ‏"‏ كَانَ وَسِيطًا‏.‏ وَإِنَّ‏]‏ خَرَجَ عَلَيْهِ‏:‏ ‏"‏مِنْ غَيْرِكُمْ‏"‏، كَانَ حَلِيفًا وَإِنْ خَرَجَ‏"‏مُلْصَقٌ‏"‏ كَانَ عَلَى مَنْزِلَتِهِ مِنْهُمْ، لَا نَسَبَ لَهُ وَلَا حِلْفَ، وَإِنَّ خَرَجَ فِيهِ شَيْءٌ سِوَى هَذَا مِمَّا يَعْمَلُونَ بِهِ‏"‏نَعَمْ‏"‏، عَمِلُوا بِهِ‏.‏ وَإِنْ خَرَجَ‏"‏لَا‏"‏، أَخَّرُوهُ عَامَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يَأْتُوا بِهِ مَرَّةً أُخْرَى‏.‏ يَنْتَهُونَ فِي أُمُورِهِمْ إِلَى ذَلِكَ مِمَّا خَرَجَتْ بِهِ الْقَدَّاحُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ الْقِدَاحَ، كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا فِي الْأُمُورِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكُمْ فِسْقٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ذَلِكُمْ‏"‏، هَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَذَلِكَ‏:‏ أَكَلُ الْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَسَائِرِ مَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِمَّا حَرَّمَ أَكْلَهُ، وَالِاسْتِقْسَامَ بِالْأَزْلَامِ، ‏"‏فِسْقٌ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ خُرُوجٌ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَطَاعَتِهِ، إِلَى مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ، إِلَى مَعْصِيَتِهِ‏.‏ كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ذَلِكُمْ فِسْقٌ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ مَنْ أَكَلَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَهُوَ فِسْقٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ‏}‏ ‏"‏، الْآنَ انْقَطَعَ طَمَعُ الْأَحْزَابِ وَأَهْلِ الْكُفْرِ وَالْجُحُودِ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، ‏"‏مِنْ دِينِكُمْ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ مِنْ دِينِكُمْ أَنْ تَتْرُكُوهُ فَتَرْتَدُّوا عَنْهُ رَاجِعِينَ إِلَى الشِّرْكِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ أَنْ تَرْجِعُوا إِلَى دِينِهِمْ أَبَدًا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ‏"‏، قَالَ‏:‏ أَظُنُّ، يَئِسُوا أَنْ تَرْجِعُوا عَنْ دِينِكُمْ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَئِسُوا فِيهِ مِنْ دِينِ الْمُؤْمِنِينَ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ عَرَفَةَ، عَامَ حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِجَّةَ الْوَدَاعِ، وَذَلِكَ بَعْدَ دُخُولِ الْعَرَبِ فِي الْإِسْلَامِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ ‏"‏الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ‏"‏، ‏"‏اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏"‏، هَذَا حِينَ فَعَلْتُ‏.‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ وَقَالَ آخَرُونَ ذَلِكَ يَوْمُ عَرَفَةَ، فِي يَوْمِ جُمْعَةٍ، لَمَّا نَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرَ إِلَّا مُوَحِّدًا، وَلَمْ يَرَ مُشْرِكًا، حَمِدَ اللَّهَ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ‏}‏ ‏"‏، أَنْ يَعُودُوا كَمَا كَانُوا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ هَذَا يَوْمُ عَرَفَةَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَلَا تَخْشَوْهُمْ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ فَلَا تَخْشَوْا، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَدْ يَئِسُوا مِنْ دِينِكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا عَنْهُ مِنَ الْكُفَّارِ، وَلَا تَخَافُوهُمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ، فَيَقْهَرُوكُمْ وَيَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ ‏"‏وَاخْشَوْنِ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَكِنْ خَافُونِ، إِنْ أَنْتُمْ خَالَفْتُمْ أَمْرِي وَاجْتَرَأْتُمْ عَلَى مَعْصِيَتِي، وَتَعَدَّيْتُمْ حُدُودِي، أَنْ أُحِلَ بِكُمْ عِقَابِي، وَأُنْزِلَ بِكُمْ عَذَابِي‏.‏ كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏"‏فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ‏"‏، فَلَا تَخْشَوْهُمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏}‏ ‏"‏، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَرَائِِضِي عَلَيْكُمْ وَحُدُودِي، وَأَمْرِي إِيَّاكُمْ وَنَهْيِي، وَحَلَالِي وَحَرَامِي، وَتَنْزِيلِي مِنْ ذَلِكَ مَا أَنْزَلْتُ مِنْهُ فِي كِتَابِي، وَتِبْيَانِي مَا بَيَّنَتُ لَكُمْ مِنْهُ بِوَحْيِي عَلَى لِسَانِ رَسُولِي، وَالْأَدِلَّةِ الَّتِي نَصَبْتُهَا لَكُمْ عَلَى جَمِيعِ مَا بِكُمُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ، فَأَتْمَمْتُ لَكُمْ جَمِيعَ ذَلِكَ، فَلَا زِيَادَةَ فِيهِ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَكَانَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، عَامَ حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِجَّةَ الْوَدَاعِ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ لَمْ يَنْزِلْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ شَيْءٌ مِنَ الْفَرَائِضِ، وَلَا تَحْلِيلَ شَيْءٍ وَلَا تَحْرِيمَهُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعِشْ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ إِلَّا إِحْدَى وَثَمَانِينَ لَيْلَةً‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏الْيَوْمَ أَكْمَلَتُ لَكُمْ دِينُكُمْ‏"‏، وَهُوَ الْإِسْلَامُ‏.‏ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ قَدْ أَكْمَلَ لَهُمُ الْإِيمَانَ، فَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى زِيَادَةٍ أَبَدًا، وَقَدْ أَتَمَّهُ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ فَلَا يَنْقُصُهُ أَبَدًا، وَقَدْ رَضِيَهُ اللَّهُ فَلَا يَسْخَطْهُ أَبَدًا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏"‏، هَذَا نَزَلَ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَلَمَّ يَنْزِلْ بَعْدَهَا حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌَ‏.‏ وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَاتَ‏.‏ فَقَالَتْأَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ‏:‏ حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْحَجَّةَ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ، إِذْ تَجَلَّى لَهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَلَمْ تُطِقِ الرَّاحِلَةُ مِنْ ثِقَلِ مَا عَلَيْهَا مِنَ الْقُرْآنِ، فَبَرَكَتْ، فَأَتَيْتُهُ فَسَجَّيْتُ عَلَيْهِ بِرِدَاءٍ كَانَ عَلَيَّ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ مَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، إِحْدَى وَثَمَانِينَ لَيْلَةً، قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏}‏ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ «لَمَّا نَزَلَتْ‏:‏ ‏"‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏"‏، وَذَلِكَ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، بَكَى عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَا يُبْكِيكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَبْكَانِي أَنَّا كُنَّا فِي زِيَادَةٍ مِنْ دِينِنَا، فَأَمَّا إِذْ كَمُلَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ شَيْءٌ إِلَّا نَقَصَ‏!‏ فَقَالَ‏:‏ صَدَقَتْ‏.‏»

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ أَبِي وَكِيعٍ، عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏}‏ ‏"‏، حَجَّكُمْ، فَأَفْرَدْتُمْ بِالْبَلَدِ الْحَرَامِ تَحُجُّونَهُ، أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، دُونَ الْمُشْرِكِينَ، لَا يُخَالِطُكُمْ فِي حَجِّكُمْ مُشْرِكٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي غَنِيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَكَمِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ أَكْمَلَ لَهُمْ دِينَهُمْ‏:‏ أَنْ حَجُّوا وَلَمْ يَحُجْ مَعَهُمْ مُشْرِكٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ أَخْلَصَ اللَّهُ لَهُمْ دِينَهُمْ، وَنَفَى الْمُشْرِكِينَ عَنِ الْبَيْتِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ تَمَامُ الْحَجِّ، وَنَفْيُ الْمُشْرِكِينَ عَنِ الْبَيْتِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ نَبِيَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ، أَنَّهُ أَكْمَلَ لَهُمْ يَوْمَ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى نَبِيِّهِ دِينَهُمْ، بِإِفْرَادِهِمْ بِالْبِلَدِ الْحَرَامِ وَإِجْلَائِهِ عَنْهُ الْمُشْرِكِينَ، حَتَّى حَجَّهُ الْمُسْلِمُونَ دُونَهُمْ لَا يُخَالِطُهُمُ الْمُشْرِكُونَ‏.‏

فَأَمَّا الْفَرَائِضُ وَالْأَحْكَامُ، فَإِنَّهُ قَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا‏:‏ هَلْ كَانَتْ أُكْمِلَتْ ذَلِكَ الْيَوْمَ، أَمْ لَا‏؟‏ فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالسُّدَّيِّ مَا ذَكَرْنَا عَنْهُمَا قَبْلُ‏.‏

وَرَوِيَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ آخِرَ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ‏:‏ ‏{‏يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ النِّسَاءِ‏:‏ 176‏]‏‏.‏

وَلَا يَدْفَعُ ذُو عِلْمٍ أَنَّ الْوَحْيَ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ قُبِضَ، بَلْ كَانَ الْوَحْيُ قَبْلَ وَفَاتِهِ أَكْثَرَ مَا كَانَ تَتَابُعًا‏.‏ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَكَانَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ‏}‏ آخِرَهَا نُزُولًا وَكَانَ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْفَرَائِضِ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏}‏ ‏"‏، عَلَى خِلَافِ الْوَجْهِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ مَنْ تَأَوَّلَهُ أَعْنِي‏:‏ كَمَالِ الْعِبَادَاتِ وَالْأَحْكَامِ وَالْفَرَائِضِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَمَا جَعَلَ قَوْلَُ مَنْ قَالَ‏:‏ ‏"‏قَدْ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَرْضٌ‏"‏، أُولَى مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ‏:‏ ‏"‏لَمْ يَنْزِلْ‏"‏‏؟‏

قِيلَ‏:‏ لِأَنَّ الَّذِي قَالَ‏:‏ ‏"‏لَمْ يَنْزِلْ ‏"‏، مُخْبِرٌ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ نُزُولَ فَرْضٍ، وَالنَّفْيُ لَا يَكُونُ شَهَادَةً، وَالشَّهَادَةُ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ ‏"‏نَزَلَ‏"‏‏.‏ وَغَيْرُ جَائِزٍ دَفْعُ خَبَرِ الصَّادِقِ فِيمَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ صَادِقًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ‏:‏ وَأَتْمَمْتُ نِعْمَتِي، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، بِإِظْهَارِكُمْ عَلَى عَدُوِّي وَعَدُّوِّكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَنَفْيِي إِيَّاهُمْ عَنْ بِلَادِكُمْ، وَقَطْعِي طَمَعَهُمْ مِنْ رُجُوعِكُمْ وُعَوْدِكُمْ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ كَانَ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُسْلِمُونَ يَحُجُّونَ جَمِيعًا، فَلَمَّا نَزَلَتْ‏"‏بَرَاءَةٌ‏"‏، فَنَفَى الْمُشْرِكِينَ عَنِ الْبَيْتِ، وَحَجَّ الْمُسْلِمُونَ لَا يُشَارِكُهُمْ فِي الْبَيْتِ الْحَرَامِ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ النِّعْمَةِ‏:‏ ‏"‏وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي‏}‏ ‏"‏ الْآيَةَ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ، يَوْمَ جُمُعَةٍ، حِينَ نَفَى اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَأُخْلِصُ لِلْمُسْلِمِينَ حَجَّهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِعَرَفَاتٍ، حَيْثُ هُدِمَ مَنَارُ الْجَاهِلِيَّةِ وَاضْمَحَلَّ الشِّرْكُ، وَلَمْ يَحُجْ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ الْعَامِ مُشْرِكٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَاتٍ، وَقَدْ أَطَافَ بِهِ النَّاسُ، وَتَهَدَّمَتْ مَنَارُ الْجَاهِلِيَّةِ وَمَنَاسِكُهُمْ، وَاضْمَحَلَّ الشِّرْكُ، وَلَمْ يَطُفْ حَوْلَ الْبَيْتِ عُرْيَانٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏"‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، بِنَحْوِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَرَضِيتُ لَكُمُ الِاسْتِسْلَامَ لِأَمْرِي، وَالِانْقِيَادَ لِطَاعَتِي، عَلَى مَا شَرَعْتُ لَكُمْ مِنْ حُدُودِهِ وَفَرَائِضِهِ وَمَعَالِمِهِ ‏"‏دِينًا‏"‏، يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ طَاعَةٌ مِنْكُمْ لِي‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ أَوَ مَا كَانَ اللَّهُ رَاضِيًا الْإِسْلَامَ لِعِبَادِهِ إِلَّا يَوْمَ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ رَاضِيًا لِخَلْقِهِ الْإِسْلَامَ دِينًا، وَلَكِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَزَلْ يُصَرِّفُ نَبِيهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ فِي دَرَجَاتِ الْإِسْلَامِ وَمَرَاتِبِهِ دَرَجَةً بَعْدَ دَرَجَةٍ، وَمَرْتَبَةً بَعْدَ مَرْتَبَةٍ، وَحَالًا بَعْدَ حَالٍ، حَتَّى أَكْمَلَ لَهُمْ شَرَائِعَهُ وَمَعَالِمَهُ، وَبَلَغَ بِهِمْ أَقْصَى دَرَجَاتِهِ وَمَرَاتِبِهِ، ثُمَّ قَالَ حِينَ أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏"‏وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ‏"‏ بِالصِّفَةِ الَّتِي هُوَ بِهَا الْيَوْمَ وَالْحَالِ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا الْيَوْمَ مِنْهُ ‏"‏دِينًا‏"‏ فَالْزَمُوهُ وَلَا تُفَارِقُوهُ‏.‏

وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ، مَا‏:‏-

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يَمْثَّلُ لِأَهْلِ كُلِّ دِينِ دِينُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَمَّا الْإِيمَانُ فَيُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ وَأَهْلَهُ وَيَعِدُهُمْ فِي الْخَيْرِ، حَتَّى يَجِيءَ الْإِسْلَامُ فَيَقُولُ‏:‏ ‏"‏رَبِّ، أَنْتَ السَّلَامُ وَأَنَا الْإِسْلَامُ‏"‏، فَيَقُولُ‏:‏ ‏"‏إِيَّاكَ الْيَوْمَ أَقْبَلُ، وَبِكَ الْيَوْمُ أَجْزِي‏"‏‏.‏

وَأَحْسَبُ أَنَّ قَتَادَةَ وَجَّهَ مَعْنَى ‏"‏الإِيمَانَ‏"‏ بِهَذَا الْخَبَرِ إِلَى مَعْنَى التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنَى ‏"‏الإِيمَانِ‏"‏ عِنْدَ الْعَرَبِ وَوَجَّهَ مَعْنَى ‏"‏الإِسْلَامِ‏"‏ إِلَى اسْتِسْلَامِ الْقَلْبِ وَخُضُوعِهِ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ، وَانْقِيَادِ الْجَسَدِ لَهُ بِالطَّاعَةِ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى، فَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْإِسْلَامِ‏:‏ ‏"‏إِيَّاكَ الْيَوْمَ أَقْبَلُ، وَبِكَ الْيَوْمُ أَجْزِي‏"‏‏.‏

ذِكْرُ مِنْ قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِعَرَفَةَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقُ بْنُ شِهَابٍ قَالَ‏:‏ قَالَتِ الْيَهُودُ لِعُمَرَ‏:‏ إِنَّكُمْ تَقْرَأُونَ آيَةً لَوْ أُنْزِلَتْ فِينَا لَاتَّخَذَنَاهَا عِيدًا‏!‏ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ إِنِّي لِأَعْلَمُ حِينَ أُنْزِلَتْ، وَأَيْنَ أُنْزِلَتْ، وَأَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْزِلَتْ‏:‏ أُنْزِلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ قَالَ سُفْيَانُ‏:‏ وَأَشُكُّ، كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ أَمْ لَا ‏"‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ‏:‏ قَالَ يَهُودِيٌّ لِعُمَرَ‏:‏ لَوْ عَلِمْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏"‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا‏"‏، لَوْ نَعْلَمُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، اتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا‏!‏ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ قَدْ عَلِمَتُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، وَالسَّاعَةَ، وَأَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَتْ‏:‏ نَزَلَتْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ لَفْظُ الْحَدِيثِ لِأَبِي كُرَيْبٍ، وَحَدِيثُ ابْنِ وَكِيعٍ نَحْوُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقٍ، عَنْ عُمَرَ، نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ قَالَ‏:‏ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏}‏ ‏"‏، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ‏:‏ لَوْ عَلِمْنَا أَيَ يَوْمٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، لَاتَّخَذْنَاهُ عِيدًا‏!‏ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ، يَوْمَ جُمَعَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارٍ‏:‏ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَرَأَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا‏}‏ ‏"‏، فَقَالَ يَهُودِيُّ‏:‏ لَوْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَيْنَا، لَاتَّخَذْنَا يَوْمَهَا عِيدًا‏!‏ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عِيدَيْنِ اثْنَيْنِ‏:‏ يَوْمَ عِيدٍ، وَيَوْمَ جُمُعَةٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا رَجَاءُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عِبَادَةُ بْنُ نُسِيٍّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَمِيرُنَا إِسْحَاقُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ إِسْحَاقُ، هُوَ ابْنُ خَرَشَةَ عَنْ قَبِيصَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ كَعْبٌ‏:‏ لَوْ أَنَّ غَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ، لَنَظَرُوا الْيَوْمَ الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ عَلَيْهِمْ، فَاتَّخَذُوهُ عِيدًا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ‏!‏ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ أَيَّ آيَةٍ يَا كَعْبُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏"‏‏.‏ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ قَدْ عَلِمَتُ الْيَوْمَ الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ، وَالْمَكَانَ الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ‏:‏ يَوْمَ جُمُعَةٍ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ، وَكَلَاهُمَا بِحَمْدِ اللَّهِ لَنَا عِيدٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ‏:‏ كُنَّا جُلُوسًا فِي الدِّيوَانِ، فَقَالَ لَنَا نَصْرَانِيٌّ‏:‏ يَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيْكُمْ آيَةُ لَوْ نَزَلَتْ عَلَيْنَا، لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَتِلْكَ السَّاعَةَ عِيدًا مَا بَقِيَ مِنَّا اثْنَانِ‏:‏ ‏"‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏"‏‏!‏ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ مِنَّا، فَلَقِيتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعَّبٍ الْقُرَظِيَّ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ‏:‏ أَلَّا رَدَدْتُمْ عَلَيْهِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ‏:‏ أُنْزِلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الْجَبَلِ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَلَا يَزَالُ ذَلِكَ الْيَوْمُ عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ‏.‏

حَدَّثَنَا حُمَيْدَ بْنَ مَسْعَدَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ‏:‏ أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا‏}‏ ‏"‏، عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وَهُوَ فِي الْمَوْقِفِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دَاوُدُ قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِعَامِرٍ‏:‏ إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ‏:‏ كَيْفَ لَمْ تَحْفَظِ الْعَرَبُ هَذَا الْيَوْمَ الَّذِي أَكْمَلَ اللَّهُ لَهَا دِينَهَا فِيهِ‏؟‏ فَقَالَ عَامِرٌ‏:‏ أَوْ مَا حَفِظْتَهُ‏؟‏ قُلْتُ لَهُ‏:‏ فَأَيُّ يَوْمٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ يَوْمَ عَرَفَةَ، أَنْزَلَ اللَّهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ بَلَغَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَوَافَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ‏"‏سُورَةُ الْمَائِدَةِ‏"‏ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَوَافَقَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ ‏"‏سُورَةُ الْمَائِدَةِ‏"‏ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَتَنَوَّخَتْ لِأَنْ يُدَقَّ ذِرَاعُهَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْأَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَقَالَتْ‏:‏ نَزَلَتْ‏"‏سُورَةُ الْمَائِدَةِ‏"‏ جَمِيعًا وَأَنَا آخِذَةٌ بِزِمَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَضْبَاءِ‏.‏ قَالَتْ‏:‏ فَكَادَتْ مِنْ ثِقَلِهَا أَنْ يُدَقَ عَضُدُ النَّاقَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو السَّكُونِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ السَّكُونِيُّ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَنْتَزِعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏"‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏"‏، حَتَّى خَتَمَهَا، فَقَالَ‏:‏ نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏"‏ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ أُنْزِلَتْ ‏"‏سُورَةُ الْمَائِدَةِ‏"‏ بِالْمَدِينَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ حَنَشٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ وُلِدَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَأُنْزِلَتْ‏:‏ ‏"‏سُورَةُ الْمَائِدَةِ‏"‏ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ‏:‏ ‏"‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏"‏، وَرُفِعَ الذِّكْرُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ ‏"‏الْمَائِدَةُ‏"‏ مَدَنِيَّةٌ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرِهِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ‏"‏سُورَةُ الْمَائِدَةِ‏"‏ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسَيَّرِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهُوَ رَاكِبٌ رَاحِلَتَهُ، فَبَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ مِنْ ثِقَلِهَا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ لَيْسَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ مَعْلُومٍ عِنْدَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ‏:‏ الْيَوْمَ الَّذِي أَعْلَمُهُ أَنَا دُونَ خَلْقِي، أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ لَيْسَ بِيَوْمٍ مَعْلُومٍ يَعْلَمُهُ النَّاسُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأُولَى الْأَقْوَالِ فِي وَقْتٍ نُزُولِ الْآيَةِ، الْقَوْلُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ‏:‏ أَنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ يَوْمَ جُمْعَةٍ، لِصِحَّةِ سَنَدِهِ، وَوَهْيِ أَسَانِيدِ غَيْرِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِ‏:‏ ‏"‏فَمَنِ اضْطُرَّ‏"‏، فَمَنْ أَصَابَهُ ضُرٌّ ‏"‏فِي مَخْمَصَةٍ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ فِي مَجَاعَةٍ‏.‏

وَهِيَ‏"‏مَفْعَلَةٌ‏"‏، مِثْلَ ‏"‏المَجْبَنَةِ‏"‏ وَ ‏"‏المَبْخَلَةِ‏"‏ وَ ‏"‏المَنْجَبَةِ‏"‏، مِنْ‏"‏خَمَصِ الْبَطْنِ‏"‏، وَهُوَ اضْطِمَارُهُ، وَأَظُنُّهُ هُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعْنِيٌّ بِهِ‏:‏ اضْطِمَارُهُ مِنَ الْجُوعِ وَشِدَّةِ السَّغَبِ‏.‏ وَقَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ اضْطِمَارًا مِنْ غَيْرِ الْجُوعِ وَالسَّغَبِ، وَلَكِنْ مِنْ خِلْقَةٍ، كَمَا قَالَ نَابِغَةُ بَنِي ذُبْيَانَ فِي صِفَةِ امْرَأَةٍ بِخَمَصِ الْبَطْنِ‏:‏

وَالْبَطْنُ ذُو عُكَنٍ خَمِيصٌ لَيِّنٌ *** وَالنَّحْرُ تَنْفُجُهُ بِثَدْيٍ مُقْعَدِ

فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ صِفَتَهَا بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏خَمِيصٌ‏"‏ بِالْهُزَالِ وَالضُّرِّ مِنَ الْجُوعِ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ وَصْفَهَا بِلَطَافَةِ طَيِّ مَا عَلَى الْأَوْرَاكِ وَالْأَفْخَاذِ مِنْ جَسَدِهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُحْمَدُ مِنَ النِّسَاءِ‏.‏ وَلَكِنَّ الَّذِي فِي مَعْنَى الْوَصْفِ بِالِاضْطِمَارِ وَالْهُزَالِ مِنَ الضُّرِّ مِنْ ذَلِكَ، قَوْلُ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَةَ‏:‏

تَبِيتُونَ فِي المَشْتَى مِلَاءً بُطُونُكُمْ *** وَجَارَاتُكُمْ غَرْثَى يَبِتْنَ خَمَائِصَا

يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ يَبِتْنَ مُضْطَمِرَاتِ الْبُطُونِ مِنَ الْجُوعِ وَالسَّغَبِ وَالضُّرِّ‏.‏ فَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏فِي مَخْمَصَةٍ‏"‏‏.‏

وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏الْمَخْمَصَةُ‏"‏، الْمَصْدَرُ مَنْ‏"‏خَمَصَهُ الْجُوعُ‏"‏‏.‏

وَكَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَرَى أَنَّهَا اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ، وَلَيْسَتْ بِمُصَدَرٍ، وَلِذَلِكَ تَقَعُ ‏"‏المَفْعَلَةُ‏"‏ اسْمًا فِي الْمَصَادِرِ لِلتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِيرِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ‏}‏ ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ فِي مَجَاعَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ‏}‏ ‏"‏، أَيْ‏:‏ فِي مَجَاعَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏"‏فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ‏"‏، قَالَ‏:‏ ذَكَرَ الْمَيْتَةَ وَمَا فِيهَا، فَأَحَلَّهَا فِي الِاضْطِرَارِ ‏"‏فِي مَخْمَصَةٍ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ فِي مَجَاعَةٍ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ‏"‏، قَالَ‏:‏ الْمَخْمَصَةُ، الْجُوعُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ إِلَى أَكْلِ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْهِ مِنْكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، مِنَ الْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَسَائِرِ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ ‏"‏غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ لَا مُتَجَانِفًا لِإِثْمٍ‏.‏

فَلِذَلِكَ نَصَبَ‏"‏غَيْرَ‏"‏ لِخُرُوجِهَا مِنَ الِاسْمِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏فَمَنِ اضْطُرَّ‏"‏ وَهِيَ بِمَعْنَى‏:‏ ‏"‏لَا‏"‏، فَنُصِبَ بِالْمَعْنَى الَّذِي كَانَ بِهِ مَنْصُوبًا ‏"‏المُتَجَانِفُ‏"‏، لَوْ جَاءَ الْكَلَامُ‏:‏ ‏"‏لَا مُتَجَانِفًا‏"‏‏.‏

وَأَمَّا ‏"‏المُتَجَانِفُ لِإِثْمٍ‏"‏، فَإِنَّهُ الْمُتَمَايِلُ لَهُ، الْمُنْحَرِفُ إِلَيْهِ‏.‏ وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مُرَادٌ بِهِ الْمُتَعَمِّدُ لَهُ، الْقَاصِدُ إِلَيْهِ، مِنْ‏"‏جَنَفَ الْقَوْمُ عَلَيَّ‏"‏، إِذَا مَالُوا‏.‏ وَكُلُّ أَعْوَجٍ فَهُوَ‏"‏أَجْنَفُ‏"‏، عِنْدَ الْعَرَبِ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ‏"‏الجَنَفِ‏"‏ بِشَوَاهِدِهِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْبَقَرَةِ‏:‏ 182‏]‏، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

وَأَمَّا تُجَانُفُ آكِلِ الْمَيْتَةَ فِي أَكْلِهَا وَفِي غَيْرِهَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ أَكْلَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، لِلْإِثْمِ فِي حَالِ أَكْلِهِ فَهُوَ‏:‏ تَعَمَّدُهُ أَكْلَ ذَلِكَ لِغَيْرِ دَفْعِ الضَّرُورَةِ النَّازِلَةِ بِهِ وَلَكِنْ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَخِلَافِ أَمْرِهِ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ تَرْكِ أَكْلِ ذَلِكَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ‏}‏ ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ إِلَى مَا حُرِّمَ، مِمَّا سَمَّى فِي صَدْرٍ هَذِهِ الْآيَةَ ‏"‏غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِإِثْمٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏"‏غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ‏"‏، غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِإِثْمٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ إِلَى حِرْمِ اللَّهِ، مَا حُرِّمَ رُخِّصَ لِلْمُضْطَرِّ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِإِثْمٍ، أَنْ يَأْكُلَهُ مِنْ جَهْدٍ‏.‏ فَمَنْ بَغَى، أَوْ عَدَا، أَوْ خَرَجَ فِي مَعْصِيَةٍ لِلَّهِ، فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ‏"‏، أَيْ‏:‏ غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لِمَعْصِيَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ‏"‏، غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِإِثْمٍ، غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏"‏غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لِإِثْمٍ، أَيْ‏:‏ يَبْتَغِي فِيهِ شَهْوَةً، أَوْ يَعْتَدِي فِي أَكْلِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ‏"‏، لَا يَأْكُلُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ الْإِثْمِ، وَلَا جَرَاءَةَ عَلَيْهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مَتْرُوكُ، اكْتَفَى بِدَلَالَةٍ مَا ذَكَرَ عَلَيْهِ مِنْهُ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ إِلَى مَا حَرَّمْتُ عَلَيْهِ مِمَّا ذَكَرْتُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَأَكَلَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَتَرَكَ ذِكْرَ‏"‏فَأَكَلَهُ‏"‏، وَذَكَرَ‏"‏لَهُ‏"‏ لِدَلَالَةِ سَائِرِ مَا ذَكَرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهِمَا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏"‏، فَإِنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ فَإِنَّ اللَّهَ لِمَنْ أَكَلَ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَكْلَهُ، فِي مَخْمَصَةٍ، غَيْرِ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ ‏"‏غَفُورٌ رَحِيمٌ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ يَسْتُرُ لَهُ عَنْ أَكْلِهِ مَا أَكَلَ مِنْ ذَلِكَ، بِعَفْوِهِ عَنْ مُؤَاخَذَتِهِ إِيَّاهُ، وَصَفْحِهِ عَنْهُ وَعَنْ عُقُوبَتِهِ عَلَيْهِ ‏"‏رَحِيمٌ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَهُوَ بِهِ رَفِيقٌ‏.‏ وَمَنْ رَحِمَتْهُ وَرِفْقِهِ بِهِ أَبَاحَ لَهُ أَكْلَ مَا أَبَاحَ لَهُ أَكْلَهُ مِنَ الْمَيْتَةِ وَسَائِرِ مَا ذَكَرَ مَعَهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فِي حَالِ خَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ كَلَبِ الْجُوعِ وَضُرِّ الْحَاجَةِ الْعَارِضَةِ بِبَدَنِهِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَمَا الْأَكْلُ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ الْمُضْطَرَّ إِلَى الْمَيْتَةِ وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ مَعَهَا بِهَذِهِ الْآيَةِ، غُفْرَانَهُ إِذَا أَكَلَ مِنْهَا‏؟‏

قِيلَ‏:‏ مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ الْأَسَدِيِّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْأَسَدِيُّ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ حَسَّانِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ‏:‏ «قُلْنَا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا بِأَرْضٍ تُصِيبُنَا فِيهَا مَخْمَصَةٌ، فَمَا يَصْلُحُ لَنَا مِنَ الْمَيْتَةِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ إِذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا، أَوْ تَغْتَبِقُوا، أَوْ تَحْتَفِئُوا بَقْلًا فَشَأْنُكُمْ بِهَا»‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْخَصِيبِ بْنِ زَيْدٍ التَّمِيمِيِّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ‏:‏ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ إِلَى مَتَى يَحِلُّ لِيَ الْحَرَامُ‏؟‏ قَالَ فَقَالَ‏:‏ إِلَى أَنْ يُرْوَى أَهْلُكَ مِنَ اللَّبَنِ، أَوْ تَجِيءَ مِيرَتُهُمْ‏"‏‏.‏»

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا خَصِيبُ بْنُ زَيْدٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ‏:‏ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ أَوْ تُجْبَى مِيرَتُهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ جَدِّهِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ‏:‏ «أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِيهِ فِي الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَالَّذِي أَحَلَّ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ تَحِلُّ لَكَ الطَّيِّبَاتُ، وَتَحْرُمُ عَلَيْكَ الْخَبَائِثُ، إِلَّا أَنْ تَفْتَقِرَ إِلَى طَعَامٍ ‏[‏لَا يَحِلُّ لَكَ‏]‏، فَتَأْكُلُ مِنْهُ حَتَّى تَسْتَغْنِيَ عَنْهُ‏.‏ فَقَالَ الرَّجُلُ‏:‏ وَمَا فَقْرِي الَّذِي يُحِلُّ لِي‏؟‏ وَمَا غِنَايَ الَّذِي يُغْنِينِي عَنْ ذَلِكَ‏؟‏ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إِذَا كُنْتَ تَرْجُو نِتَاجًا، فَتَبَلَّغْ بِلُحُومِ مَاشِيَتِكَ إِلَى نِتَاجِكَ، أَوْ كُنْتَ تَرْجُو غِنًى تَطْلُبُهُ، فَتَبَلَّغْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَأَطْعِمْ أَهْلَكَ مَا بَدَا لَكَ حَتَّى تَسْتَغْنِيَ عَنْهُ‏.‏ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ‏:‏ مَا غِنَايَ الَّذِي أَدَعُهُ إِذَا وَجَدَتْهُ‏؟‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إِذَا أَرْوَيْتَ أَهْلَكَ غَبُوقًا مِنَ اللَّيْلِ‏.‏ فَاجْتَنِبْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنْ طَعَامٍ‏.‏ ‏[‏وَأَمَّا‏]‏ مَالُكَ فَإِنَّهُ مَيْسُورٌ كُلُّهُ، لَيْسَ فِيهِ حَرَامٌ‏.‏»

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةََ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ‏:‏ وَجَدَتُ عِنْدَ الْحَسَنِ كِتَابَ سُمْرَةَ، فَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ فِيهِ‏:‏ وَيُجْزِي مِنَ الِاضْطِرَارِ غَبُوقٌ أَوْ صَبُوحٌ‏.‏

حَدَّثَنَا هَنَّادٌ وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ‏:‏ قَرَأْتُ فِي كِتَابِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ‏:‏ يَكْفِي مِنَ الِاضْطِرَارِ أَوْ‏:‏ مِنَ الضَّرُورَةِ غَبُوقٌ أَوْ صَبُوحٌ‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ إِذَا اضْطَرَّ الرَّجُلُ إِلَى الْمَيْتَةِ، أَكَلَ مِنْهَا قُوتَهُ يَعْنِي‏:‏ مُسْكَتَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ مُبَارَكٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ حَسَّانِ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ‏:‏ «قَالَ رَجُلٌ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا بِأَرْضِ مَخْمَصَةٍ، فَمَا يَحِلُّ لَنَا مِنَ الْمَيْتَةِ‏؟‏ وَمَتَى تَحِلُّ لَنَا الْمَيْتَةُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ إِذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا، أَوْ تَغْتَبِقُوا، وَلَمْ تَحْتَفِئُوا بَقْلًا فَشَأْنُكُمْ بِهَا‏.‏»

حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ حَسَّانِ بْنِ عَطِيَّةَ، «عَنْ رَجُلٍ قَدْ سُمِّيَ لَنَا‏:‏ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إِنَّا نَكُونُ بِأَرْضِ مَخْمَصَةٍ، فَمَتَى تَحِلُّ لَنَا الْمَيْتَةُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ إِذَا لَمَّ تَغْتَبِقُوا، وَلَمْ تَصْطَبِحُوا، وَلَمْ تَحْتَفِئُوا بَقْلًا فَشَأْنُكُمْ بِهَا»‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يُرْوَى هَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ‏:‏ ‏"‏تَحْتَفِئُوا‏"‏ بِالْهَمْزَةِ ‏"‏وَتَحْتَفِيُوا‏"‏ بِتَخْفِيفِ ‏"‏اليَاءِ‏"‏ وَ ‏"‏الحَاءِ‏"‏ وَ‏"‏تَحْتَفُّوا‏"‏، بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَ‏"‏تَحْتَفُوا‏"‏ بِالْحَاءِ، وَالتَّخْفِيفِ، وَيُحْتَمَلُ الْهَمْزُ‏.‏