فصل: تفسير الآية رقم (27)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم ***


تفسير الآية رقم ‏[‏27‏]‏

‏{‏يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ‏}‏

قال البخاري‏:‏ حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، أخبرني علقمة بن مَرْثَد قال‏:‏ سمعت سعد بن عبيدة، عن البراء بن عازب، رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏المسلم إذا سئل في القبر، شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله‏:‏ ‏{‏يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ‏}‏‏.‏ ورواه مسلم أيضا وبَقِيَّة الجماعة كلهم، من حديث شعبة، به‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن المِنْهَال بن عمرو، عن زاذان، عن البراء بن عازب قال‏:‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله، كأن على رءوسنا الطير، وفي يده عود يَنْكت به في الأرض، فرفع رأسه فقال‏:‏ ‏"‏استعيذوا بالله من عذاب القبر‏"‏، مرتين أو ثلاثا، ثم قال‏:‏ ‏"‏إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة وحَنُوط من حَنُوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر‏.‏ ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول‏:‏ أيتها النفس الطيبة، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فِي السِّقَاء فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنُوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض‏.‏ فيصعدون بها، فلا يمرون -يعني بها -على ملأ من الملائكة إلا قالوا‏:‏ ما هذا الروح ‏[‏الطيب‏]‏ ‏؟‏ فيقولون‏:‏ فلان ابن فلان، بأحسن أسمائه التي ‏[‏كانوا‏]‏ يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح له، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة، فيقول الله‏:‏ اكتبوا كتاب عبدي في عِليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏فتُعَاد روحه ‏[‏في جسده‏]‏ فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له‏:‏ من ربك‏؟‏ فيقول‏:‏ ربي الله‏.‏ فيقولان له‏:‏ ما دينك‏؟‏ فيقول‏:‏ ديني الإسلام‏.‏ فيقولان له‏:‏ ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم‏؟‏ فيقول‏:‏ هو رسول الله‏.‏ فيقولان له‏:‏ وما علمك‏؟‏ فيقول‏:‏ قرأت كتاب الله، فآمنت به وصدقت‏.‏ فينادي مناد من السماء‏:‏ أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة -قال‏:‏ فيأتيه من رَوْحِها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره‏.‏ ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول‏:‏ أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد‏.‏ فيقول له من أنت‏؟‏ فوجهك الوجه يجيء بالخير‏.‏ فيقول‏:‏ أنا عملك الصالح‏.‏ فيقول‏:‏ رب أقم الساعة‏.‏ رب، أقم الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المُسُوح، فجلسوا منه مد البصر‏.‏ ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول‏:‏ أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى سَخَط من الله وغَضَب‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فتَفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السَّفُّود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يجعلوها في تلك المسوح‏.‏ ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على مَلأ من الملائكة إلا قالوا‏:‏ ما هذا الروح الخبيث‏؟‏ فيقولون‏:‏ فلان ابن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يسمونه بها في الدنيا ‏[‏حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا‏]‏ فيستفتح له فلا يفتح له‏"‏‏.‏ ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 40‏]‏، فيقول الله‏:‏ ‏"‏اكتبوا كتابه في سجين، في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحا‏"‏‏.‏ ثم قرأ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 31‏]‏‏.‏ ‏"‏فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه ويقولان له‏:‏ من ربك‏؟‏ فيقول‏:‏ هاه هاه، لا أدري‏.‏ فيقولان له‏:‏ ما دينك‏؟‏ فيقول‏:‏ هاه هاه، لا أدري‏.‏ فيقولان له‏:‏ ما هذا الرجل الذي بعث فيكم‏؟‏ فيقول‏:‏ هاه هاه، لا أدري‏.‏ فينادي مناد من السماء‏:‏ أن كذب فأفرشوه من النار، وافتحوا له بابا إلى النار‏.‏ فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره، حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح فيقول‏:‏ أبشر بالذي يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد‏.‏ فيقول‏:‏ ومن أنت فوجهك ‏[‏الوجه‏]‏ يجيئ بالشر‏.‏ فيقول‏:‏ أنا عملك الخبيث، فيقول‏:‏ رب، لا تقم الساعة‏"‏‏.‏ ورواه أبو داود من حديث الأعمش، والنسائي وابن ماجة من حديث المنهال بن عمرو، به‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الرزاق، حدثنا مَعْمَر، عن يونس بن خباب عن المِنْهَال بن عمرو، عن زاذان، عن البراء بن عازب، رضي الله عنه، قال‏:‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة، فذكر نحوه‏.‏

وفيه‏:‏ ‏"‏حتى إذا خرج روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض، ‏[‏وكل ملك في السماء‏]‏ وفتحت أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله، عز وجل، أن يعرج بروحه من قبلهم‏"‏‏.‏

وفي آخره‏:‏ ‏"‏ثم يقيض له أعمى أصم أبكم، وفي يده مرزبَّة لو ضرب بها جبل لكان ترابا، فيضربه ضربة فيصير ترابا‏.‏ ثم يعيده الله، عز وجل، كما كان، فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين‏"‏‏.‏ قال البراء‏:‏ ثم يفتح له باب إلى النار، ويمهد من فرش النار‏.‏

وقال سفيان الثوري، عن أبيه، عن خَيْثَمَة، عن البراء في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏ قال‏:‏ عذاب القبر‏.‏

وقال المسعودي، عن عبد الله بن مُخَارق، عن أبيه، عن عبد الله قال‏:‏ إن المؤمن إذا مات أجلس في قبره، فيقال له‏:‏ من ربك‏؟‏ ما دينك‏؟‏ من نبيك‏؟‏ فيثبته الله، فيقول‏:‏ ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقرأ عبد الله‏:‏ ‏{‏يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ‏}‏‏.‏

وقال الإمام عبد بن حميد، رحمه الله، في مسنده‏:‏ حدثنا يونس بن محمد، حدثنا شيبان بن عبد الرحمن، عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فيأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له‏:‏ ما كنت تقول في هذا الرجل‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏فأما المؤمن فيقول‏:‏ أشهد أنه عبد الله ورسوله‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فيقال له‏:‏ انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة‏"‏‏.‏ قال نبي الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏فيراهما جميعا‏"‏‏.‏ قالقتادة‏:‏ وذكر لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعا، ويملأ عليه خَضِرًا إلى يوم القيامة‏.‏ رواه مسلم عن عبد بن حميد، به وأخرجه النسائي من حديث يونس بن محمد المؤدب، به‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جُرَيْج، أخبرني أبو الزبير، أنه سأل جابر بن عبد الله عن فَتَّاني القبر فقال‏:‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏إن هذه الأمة تُبْتَلَى في قبورها، فإذا أدخل المؤمن قبره وتولى عنه أصحابه، جاء ملك شديد الانتهار، فيقول له‏:‏ ما كنت تقول في هذا الرجل‏؟‏ فيقول المؤمن‏:‏ أقول‏:‏ إنه رسول الله وعبده‏.‏ فيقول له الملك‏:‏ انظر إلى مقعدك الذي كان لك في النار، قد أنجاك الله منه، وأبدلك بمقعدك الذي ترى من النار مقعدك الذي ترى من الجنة، فيراهما كليهما‏.‏ فيقول المؤمن‏:‏ دعوني أبشر أهلي‏.‏ فيقال له‏:‏ اسكن‏.‏ وأما المنافق فيقعد إذا تولى عنه أهله، فيقال له‏:‏ ما كنت تقول في هذا الرجل‏؟‏ فيقول‏:‏ لا أدري، أقول كما يقول الناس‏.‏ فيقال له‏:‏ لا دريت، هذا مقعدك الذي كان لك في الجنة، قد أبدلت مكانه مقعدك من النار‏"‏‏.‏

قال جابر‏:‏ فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏يبعث كل عبد في القبر على ما مات، المؤمن على إيمانه، والمنافق على نفاقه‏"‏‏.‏ إسناده صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه ‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أبو عامر، حدثنا عباد بن راشد، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ شَهِدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يا أيها الناس، إن هذه الأمة تُبتَلى في قبورها، فإذا الإنسان دفن وتفرق عنه أصحابه، جاءه ملك في يده مطراق فأقعده، قال‏:‏ ما تقول في هذا الرجل‏؟‏ فإن كان مؤمنا قال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله فيقول له‏:‏ صدقت‏.‏ ثم يفتح له بابا إلى النار، فيقول‏:‏ هذا كان منزلك لو كفرت بربك، فأما إذ آمنت فهذا منزلك‏.‏ فيفتح له بابا إلى الجنة، فيريد أن ينهض إليه، فيقول له‏:‏ اسكن‏.‏ ويفسح له في قبره‏"‏‏.‏ ‏"‏وإن كان كافرا أو منافقا يقول له‏:‏ ما تقول في هذا الرجل‏؟‏ فيقول‏:‏ لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فيقول‏:‏ لا دريت ولا تليت ولا اهتديت‏.‏ ثم يفتح له بابا إلى الجنة، فيقول له‏:‏ هذامنزلك لو آمنت بربك، فأما إذ كفرت به فإن الله، عز وجل، أبدلك به هذا‏.‏ فيفتح له بابا إلى النار، ثم يقمَعه قمعةً بالمطراق يسمعها خَلْقُ الله، عز وجل، كلهم غير الثقلين‏"‏‏.‏ فقال بعض القوم‏:‏ يا رسول الله، ما أحد يقوم عليه ملك في يده مطراق إلا هيل عند ذلك‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ‏}‏‏.‏ وهذا أيضا إسناد لا بأس به، فإن عباد بن راشد التميمي روى له البخاري مقرونا، ولكن ضعفه بعضهم‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا حسين بن محمد، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سعيد بن يَسَار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل الصالح قالوا‏:‏ اخرجي أيتها النفس المطمئنة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج، ثم يُعْرَج بها إلى السماء، فيستفتح لها فيقال‏:‏ من هذا‏؟‏ فيقال‏:‏ فلان‏.‏ فيقولون‏:‏ مرحبا بالروح الطيبة كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان، ورب غير غضبان‏"‏ قال‏:‏ فلا يزال يقال لها ذلك، حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل‏.‏

وإذا كان الرجل السوء قالوا‏:‏ اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغَسَّاق، وآخر من شكله أزواج‏.‏ فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها فيقال‏:‏ من هذا‏؟‏ فيقال‏:‏ فلان، فيقال‏:‏ لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمة، فإنه لا تفتح لك أبواب السماء‏.‏ فيرسل من السماء، ثم يصير إلى القبر‏"‏، فيجلس الرجل الصالح فيقال له مثل ما قيل في الحديث الأول، ويجلس الرجل السوء فيقال له مثل ما قيل في الحديث الأول‏.‏ ورواه النسائي وابن ماجة، من طريق ابن أبي ذئب بنحوه‏.‏

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال‏:‏ إذا خرجت روح العبد المؤمن، تلقاها ملكان يصعدان بها‏.‏ قال حماد‏:‏ فذكر من طيب ريحها وذكر المسك‏.‏ قال‏:‏ ويقول أهل السماء‏:‏ روح طيبة جاءت من قِبَل الأرض، صَلَّى الله عليك وعلى جَسَد كنت تَعْمُرينه، فيُنطَلَقُ به إلى ربه عز وجل، فيقول‏:‏ انطلقوا به إلى آخر الأجل‏.‏ وإن الكافر إذا خرجت روحه‏.‏ قال حماد‏:‏ وذكر من نَتْنها وذكر مقتا، ويقول أهل السماء‏:‏ روح خبيثة جاءت من قبل الأرض‏.‏ قال‏:‏ فيقال‏:‏ انطلقوا به إلى آخر الأجل‏.‏ قال أبو هريرة‏:‏ فردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَبْطَةً كانت عليه على أنفه، هكذا‏.‏

وقال ابن حبان في صحيحه‏:‏ حدثنا عمر بن محمد الهمداني، حدثنا زيد بن أخزم، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن قسامة بن زهير، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إن المؤمن إذا قُبض، أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء، فيقولون‏:‏ اخرجي إلى روح الله‏.‏ فتخرج كأطيب ريح مسك، حتى إنه ليناوله بعضهم بعضا يشمونه حتى يأتوا به باب السماء، فيقولون ما هذا الريح الطيبة التي جاءت من قِبل الأرض‏؟‏ ولا يأتون سماء إلا قالوا مثل ذلك، حتى يأتوا به أرواح المؤمنين، فَلهُم أشدّ فرحًا به من أهل الغائب بغائبهم، فيقولون‏:‏ ما فعل فلان‏؟‏ فيقولون‏:‏ دعوه حتى يستريح، فإنه كان في غمّ‏!‏ فيقول‏:‏ قد مات، أما أتاكم‏؟‏ فيقولون‏:‏ ذُهب به إلى أمه الهاوية‏.‏ وأما الكافر فيأتيه ملائكة العذاب بمسْح فيقولون‏:‏ اخرجي إلى غضب الله، فتخرج كأنتن ريح جيفة، فَيُذْهَب به إلى باب الأرض‏"‏‏.‏

وقد روي أيضا من طريق هَمَّام بن يحيى، عن قتادة، عن أبي الجوزاء، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فَيُسأل‏:‏ ما فعل فلان، ما فعل فلان‏؟‏ ما فعلت فلانة‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏وأما الكافر فإذا قُبضت نفسه، وذُهب بها إلى باب الأرض تقول خزنة الأرض‏:‏ ما وجدنا ريحا أنتن من هذه‏.‏ فَيُبْلَغُ بها الأرض السفلى‏"‏‏.‏

قال قتادة‏:‏ وحدثني رجل، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الله بن عمرو قال‏:‏ أرواح المؤمنين تجمع بالجابية‏.‏ وأرواح الكفار تجمع ببرهوت، سبخة بحضرموت‏.‏

وقال الحافظ أبو عيسى الترمذي، رحمه الله‏:‏ حدثنا يحيى بن خلف، حدثنا بشر بن المفضل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد المقْبرُِي، عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذا قبر الميت -أو قال‏:‏ أحدكم -أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما‏:‏ المنكر، والآخر‏:‏ النكير، فيقولان‏:‏ ما كنت تقول في هذا الرجل‏؟‏ فيقول ما كان يقول‏:‏ هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله‏.‏ فيقولان‏:‏ قد كنا نعلم أنك تقول هذا‏.‏ ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين‏.‏ ثم ينوّر له فيه، ثم يقال له‏:‏ نَمْ‏.‏ فيقول‏:‏ أرجع إلى أهلي فأخبرهم، فيقولان‏:‏ نَمْ نومةَ العروس الذي لا يوقظه إلا أحَبَّ أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك‏.‏ وإن كان منافقا قال‏:‏ سمعت الناس يقولون فقلت مثلهم، لا أدري‏.‏ فيقولان‏:‏ قد كنا نعلم أنكتقول ذلك، فيقال للأرض‏:‏ التئمي عليه‏.‏ فتلتئم عليه، فتختلف أضلاعه، فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك‏"‏‏.‏ ثم قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن غريب‏.‏

وقال حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏ذاك إذا قيل له في القبر‏:‏ من ربك‏؟‏ وما دينك‏؟‏ فيقول‏:‏ ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد، جاءنا بالبينات من عند الله، فآمنت به وصدّقت‏.‏ فيقال له‏:‏ صَدَقْتَ، على هذا عشت، وعليه مت، وعليه تبعث‏"‏‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ حدثنا مجاهد بن موسى والحسن بن محمد قالا حدثنا يزيد، أنبأنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة إن الميت ليسمع خفق نعالهم حين يولون عنه مدبرين، فإذا كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه، والزكاة عن يمينه، والصيام عن يساره، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتى من عند رأسه فتقول الصلاة‏:‏ ما قبلي مدخل، فيؤتى من عن يمينه فتقول الزكاة‏:‏ ما قبلي مدخل‏.‏ فيؤتى عن يساره فيقول الصيام‏:‏ ما قِبَلي مَدخَلٌ‏.‏ فيؤتى من عند رجليه فيقول فعل الخيرات‏:‏ ما قِبَلي مدخل‏.‏ فيقال له اجلس‏.‏ فيجلس، قد تَمثّلت له الشمس، قد دنت للغروب، فيقال له أخبرنا عما نسألك‏.‏ فيقول‏:‏ دعوني حتى أصلي‏.‏ فيقال‏:‏ إنك ستفعل، فأخبرنا عما نسألك‏.‏ فيقول‏:‏ وعَمَّ تسألوني‏؟‏ فيقال‏:‏ أرأيت هذا الرجل الذي كان فيكم، ماذا تقول فيه، وماذا تشهد به عليه‏؟‏ فيقول‏:‏ أمحمد‏؟‏ فيقال له‏:‏ نعم‏.‏ فيقول‏:‏ أشهد أنه رسول الله، وأنه جاءنا بالبينات من عند الله، فصدقناه‏.‏ فيقال له‏:‏ على ذلك حَييتَ، وعلى ذلك متّ، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله‏.‏ ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا ويُنَوَّر له فيه، ويفتح له باب إلى الجنة، فيقال له‏:‏ انظر إلى ما أعد الله لك فيها‏.‏ فيزداد غبطة ‏[‏وسرورا‏]‏ ثم يجعل نسمه في النسم الطيب، وهي طير خضر تعلق بشجر الجنة، ويعاد الجسد إلى ما بدئ منه من التراب‏"‏، وذلك قول الله‏:‏ ‏{‏يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ‏}‏‏.‏ ورواه ابن حبّان، من طريق المعتمر بن سليمان، عن محمد بن عمرو، وذكر جواب الكافر وعذابه‏.‏

وقال البزار‏:‏ حدثنا سعيد بن بحر القراطيسي، حدثنا الوليد بن القاسم، حدثنا يزيد بن كَيْسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة -أحسَبه رفعه- قال‏:‏ ‏"‏إن المؤمن ينزل به الموت، ويعاين ما يعاين، فيودّ لو خرجت -يعني نفسُه -والله يحب لقاءه، وإن المؤمن يصعد بروحه إلى السماء، فتأتيه أرواح المؤمنين، فتستخبره عن معارفهم من أهل الأرض، فإذا قال‏:‏ تركت فلانا في الأرض أعجبهم ذلك‏.‏ وإذا قال‏:‏ إن فلانا قد مات، قالوا‏:‏ ما جيء به إلينا‏.‏ وإن المؤمن يجلس في قبره، فيسأل‏:‏ من ربك‏؟‏ فيقول‏:‏ ربي الله ويسأل‏:‏ من نبيك‏؟‏ فيقول‏:‏ محمد نبيي فيقال‏:‏ ماذا دينك‏؟‏ قال‏:‏ ديني الإسلام‏.‏ فيفتح له باب في قبره، فيقول -أو‏:‏ يقال -انظر إلى مجلسك‏.‏ ثم يرى القبر فكأنما كانت رَقْدَة‏.‏ وإذا كان عَدُو الله نزل به الموت وعاين ما عاين، فإنه لا يحب أن تخرج روحه أبدا، والله يبغض لقاءه، فإذا جلس في قبره -أو‏:‏ أجلس -يقال له‏:‏ من ربك‏؟‏ فيقول‏:‏ لا أدري‏.‏ فيقال‏:‏ لا دريت‏.‏ فيفتح له باب من جهنم، ثم يضرب ضربة يسمعها كل دابة إلا الثقلين، ثم يقال له‏:‏ نم كما ينام المنهوش‏"‏‏.‏ قلت لأبي هريرة‏:‏ ما المنهوش‏؟‏ قال‏:‏ الذي تنهشه الدواب والحيات، ثم يضيق عليه قبره‏.‏ ثم قال‏:‏ لا نعلم رواه إلا الوليد بن القاسم‏.‏

وقال الإمام أحمد، رحمه الله‏:‏ حدثنا حُجَين بن المثنى، حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن محمد بن المُنكَدِر قال‏:‏ كانت أسماء -يعني بنت الصديق -رضي الله عنها، تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت‏:‏ قال‏:‏ ‏"‏إذا دخل الإنسان قبره، فإن كان مؤمنا أحَفّ به عملُه‏:‏ الصلاةُ والصيام‏"‏، قال‏:‏ ‏"‏فيأتيه الملك من نحو الصلاة فترده، ومن نحو الصيام فيرده‏"‏، قال‏:‏ ‏"‏فيناديه‏:‏ اجلس‏.‏ فيجلس‏.‏ فيقول له‏:‏ ماذا تقول في هذا الرجل‏؟‏ يعني النبي صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ من‏؟‏ قال‏:‏ محمد‏.‏ قال أشهد أنه رسول الله، قال‏:‏ يقول‏:‏ وما يدريك‏؟‏ أدركته‏؟‏ قال‏:‏ أشهد أنه رسول الله‏.‏ قال‏:‏ يقول‏:‏ على ذلك عشتَ، وعليه متّ، وعليه تبعثُ‏.‏ وإن كان فاجرًا أو كافرًا، جاءه الملك ليس بينه وبينه شيء يَرُدّه، فأجلسه يقول‏:‏ اجلس، ماذا تقول في هذا الرجل‏؟‏ قال‏:‏ أي رجل‏؟‏ قال‏:‏ محمد‏؟‏ قال‏:‏ يقول‏:‏ والله ما أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته‏.‏ قال له الملك‏:‏ على ذلك عشتَ، وعليه متَ، وعليهتبعثُ‏.‏ قال‏:‏ وتسلَّط عليه دابة في قبره، معها سوط تَمْرَته جَمرةٌ مثل غَرْب البعير، تضربه ما شاء الله، صماء لا تسمع صوتَه فترحَمه‏"‏‏.‏

وقال العوفي، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، في هذه الآية قال‏:‏ إن المؤمن إذا حَضرَه الموت شهدته الملائكة، فسلموا عليه وبشروه بالجنة، فإذا مات مَشَوا مع جنازته، ثم صَلَّوا عليه مع الناس، فإذا دفن أجلس في قبره فيقال له‏:‏ من ربك‏؟‏ فيقول‏:‏ ربي الله‏.‏ فيقال له‏:‏ من رسولك‏؟‏ فيقول‏:‏ محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ فيقال له‏:‏ ما شهادتك‏؟‏ فيقول‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله‏.‏ فيوسَّع له في قبره مد بَصَره‏.‏ وأما الكافر فتنزل عليه الملائكة، فيبسطون أيديهم -‏"‏والبسط‏"‏‏:‏ هو الضرب -يضربون وجوههم وأدبارهم عند الموت‏.‏ فإذا أدخل قبره أقعد، فقيل له‏:‏ من ربك‏؟‏ فلم يَرْجع إليهم شيئا، وأنساه الله ذكر ذلك‏.‏ وإذا قيل‏:‏ من الرسول الذي بُعثَ إليك‏؟‏ لم يهتد له، ولم يرجع إليه شيئًا، كذلك يضل الله الظالمين‏.‏ وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي، حدثنا شريح بن مسلمة حدثنا إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن عامر بن سعد البجلي، عن أبي قتادة الأنصاري في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ‏}‏ الآية، قال‏:‏ إن المؤمن إذا مات أجلس في قبره، فيقال له‏:‏ من ربك‏؟‏ فيقول‏:‏ الله‏.‏ فيقال له‏:‏ من نبيك‏؟‏ فيقول‏:‏ محمد بن عبد الله‏.‏ فيقال له في ذلك مرات‏.‏ ثم يفتح له باب إلى النار، فيقال له‏:‏ انظر إلى منزلك في النار لو زُغْت ثم يفتح له باب إلى الجنة، فيقال له‏:‏ انظر إلى منزلك ‏[‏من الجنة إذ ثبت‏.‏ وإذا مات الكافر أجلس في قبره، فيقال له‏:‏ من ربك‏؟‏ من نبيك‏؟‏ فيقول‏:‏ لا أدري، كنت أسمع الناس يقولون‏.‏ فيقال له‏:‏ لا دريت‏.‏ ثم يفتح له باب إلى الجنة، فيقال له‏:‏ انظر إلى منزلك‏]‏ لو ثبت، ثم يفتح له باب إلى النار، فيقال له‏:‏ انظر إلى منزلك إذ زغت فذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ‏}‏

وقال عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه‏:‏ ‏{‏يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏ قال‏:‏ لا إله إلا الله، ‏{‏وَفِي الآخِرَةِ‏}‏ المسألة في القبر‏.‏

وقال قتادة‏:‏ أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح، ‏{‏وَفِي الآخِرَةِ‏}‏ في القبر‏.‏ وكذا روي عن غير واحد من السلف‏.‏

وقال أبو عبد الله الحكيم الترمذي في كتابه ‏"‏نوادر الأصول‏"‏‏:‏ حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن نافع، عن ابن أبي فُدَيْك، عن عبد الرحمن بن عبد الله عن سعيد بن المسيب، عن عبد الرحمن بن سمرة قال‏:‏ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ونحن في مسجد المدينة، فقال‏:‏ ‏"‏إني رأيت البارحة عجبًا، رأيت رجلا من أمتي ‏[‏جاءه ملك الموت ليقبض روحه، فجاءه برُّه بوالديه فرد عنه‏.‏ ورأيت رجلا من أمتي‏]‏ قد بسط عليه عذاب القبر، فجاءه وُضوءه فاستنقذه من ذلك‏.‏ ورأيت رجلا من أمتي ‏[‏قد‏]‏ احتوشته الشياطين، فجاءه ذكر الله فخلصه من بينهم‏.‏ ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب، فجاءته صلاته فاستنقذته من أيديهم‏.‏ ورأيت رجلا من أمتي يلهث عطشا، كلما ورد حوضا مُنع منه، فجاءه صيامه فسقاه وأرواه‏.‏ ورأيت رجلا من أمتي والنبيون قعود حلَقا حلقا، وكلما دنا لحقة طردوه، فجاءه اغتساله من الجنابة، فأخذ بيده فأقعده إلى جنبي‏.‏ ورأيت رجلا من أمتي ‏[‏من‏]‏ بين يديه ظلمة، ومن خلفه ظلمة، وعن يمينه ظلمة، وعن شماله ظلمة، ومن فوقه ظلمة، ومن تحته ظلمة، وهو متحير فيها، فجاءته حجته وعمرته، فاستخرجاه من الظلمة وأدخلاه النور، ورأيت رجلا من أمتي يكلم المؤمنين فلا يكلمونه، فجاءته صلَة الرحم، فقالت‏:‏ يا معشر المؤمنين، كلموه، فكلموه‏.‏ ورأيت رجلا من أمتي يتقي وَهَج النَّار أو شَررهَا بيده عن وجهه، فجاءته صدقته فصارت سترا على وجهه وظلا على رأسه‏.‏ ورأيت رجلا من أمتي قد أخذته الزبانية من كل مكان، فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، فاستنقذاه من أيديهم، وأدخلاه مع ملائكة الرحمة‏.‏ ورأيت رجلا من أمتي جاثيا على ركبتيه، بينه وبين الله حجاب، فجاءه حسن خُلُقه، فأخذ بيده فأدخله على الله، عز وجل‏.‏ ورأيت رجلا من أمتي قد هَوت صحيفته من قبل شماله، فجاءه خوفه من الله فأخذ صحيفته، فجعلها في يمينه‏.‏ ‏[‏ورأيت رجلا من أمتي قد خف ميزانه، فجاءته أفراطه فثقلوا ميزانه‏]‏ ورأيت رجلا من أمتي قائما على شفير جهنم، فجاءه وجَله من الله، فاستنقذه من ذلك ومضى‏.‏ ورأيت رجلا من أمتي هوى في النار، فجاءته دموعه التي بكى من خشية الله في الدنيا فاستخرجته من النار، ‏[‏ورأيت رجلا من أمتي قائما على الصراط يُرعَد كما ترعد السَّعَفة، فجاء حسن ظنه بالله، فسكَّن رِعْدَته، ومضى‏]‏ ورأيت رجلا من أمتي على الصراط يزحف أحيانا ويحبو أحيانا، فجاءته صلاته عليَّ، فأخذت بيده فأقامته ومضى على الصراط‏.‏ ورأيت رجلا من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة، فغلقت الأبواب دونه، فجاءته شهادة‏:‏ أن لا إله إلا الله، ففتحت له الأبواب وأدخلته الجنة‏"‏‏.‏

قال القرطبي بعد إيراده هذا الحديث من هذا الوجه‏:‏ هذا حديث عظيم، ذكرَ فيه أعمالا خاصة تنجي من أهوال خاصة‏.‏ أورده هكذا في كتابه ‏"‏التذكرة‏"‏‏.‏

وقد روى الحافظ أبو يعلى الموصلي في هذا حديثا غريبا مطولا فقال‏:‏ حدثنا أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم النُّكْرِي، حدثنا محمد بن بكر البرساني أبو عثمان، حدثنا أبو عاصم الحبطي -وكان من خيار أهل البصرة، وكان من أصحاب حزم، وسلام بن أبي مطيع -حدثنا بكر بن خنيس، عن ضرار بن عمرو، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، عن تميم الداري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏يقول الله، عز وجل، لملك الموت‏:‏ انطلق إلى وليي فأتني به، فإني قد ضَربته بالسراء والضراء، فوجدته حيث أحب‏.‏ ائتني به فَلأريحنَّه‏.‏

فينطلق إليه ملك الموت ومعه خمسمائة من الملائكة، معهم أكفان وحَنُوط من الجنة، ومعهم ضبائر الريحان، أصل الريحانة واحد وفي رأسها عشرون لونا، لكل لون منها ريح سوى ريح صاحبه، ومعهم الحرير الأبيض فيه المسك الأذفر‏.‏ فيجلس ملك الموت عند رأسه، وتحف به الملائكة‏.‏ ويضع كل ملك منهم يده على عضو من أعضائه ويَبْسط ذلك الحرير الأبيض والمسك الأذفَر تحت ذقنه، ويفتَح له بابٌ إلى الجنة، فإن نفسه لَتَعلَّلُ عند ذلك بطرف الجنة تارة، وبأزواجها ‏[‏مرة‏]‏ ومرَّةً بكسواتها ومرة بثمارها، كما يُعَلّل الصبي أهله إذا بكى‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏وإن أزواجه ليبتهشن عند ذلك ابتهاشًا‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏وتنزو الروح‏"‏‏.‏ قال البُرْسَاني‏:‏ يريد أن تخرج من العَجَل إلى ما تحب‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ويقول مَلَك الموت‏:‏ اخرجي يا أيتها الروح الطيبة، إلى سدر مخضود، وطلح منضود، وظل ممدود، وماء مسكوب‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ولَمَلَك الموت أشدّ به لطفا من الوالدة بولدها، يعرف أن ذلك الروح حبيب لربه، فهو يلتمس بلطفه تحببا لديه رضاء للرب عنه، فتُسَلُّ روحه كما تسل الشعرة من العجين‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏وقال الله، عز وجل‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 32‏]‏، وقال ‏{‏فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ‏}‏ ‏[‏الواقعة‏:‏ 88، 89‏]‏، قال‏:‏ ‏"‏روح من جهة الموت، وريحان يتلقى به، وجنة نعيم تقابله‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فإذا قَبض ملك الموت روحه، قالت الروح للجسد‏:‏ جزاك الله عني خيرا، فقد كنت سريعا بي إلى طاعة الله، بطيئا بي عن معصية الله، فقد نجيت وأنجيت‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ويقول الجسد للروح مثل ذلك‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏وتبكي عليه بقاع الأرض التي كان يطيع الله فيها، وكل باب من السماء يصعد منه عمله‏.‏ وينزل منه رزقه أربعين ليلة‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏فإذا قَبَض ملك الموت روحه، أقامت الخمسمائة من الملائكة عند جسده، فلا يقلبه بنو آدم لشق إلا قلبته الملائكة قبلهم، وغسلته وكفنته بأكفان قبل أكفان بني آدم، وحنوط قبل حنوط

بني آدم، ويقوم من بين باب بيته إلى باب قبره صفّان من الملائكة، يستقبلونه بالاستغفار، فيصيح عند ذلك إبليس صيحة تتصدع منها عظام جسده‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ويقول لجنوده‏:‏ الويل لكم‏.‏ كيف خَلَص هذا العبد منكم، فيقولون إن هذا كان عبدا معصوما‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏فإذا صعد ملك الموت بروحه، يستقبله جبريل في سبعين ألفا من الملائكة، كل يأتيه ببشارة من ربه سوى بشارة صاحبه‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فإذا انتهى ملك الموت بروحه إلى العرش، خَرّ الروح ساجدا‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏يقول الله، عز وجل، لملك الموت‏:‏ انطلق بروح عبدي فضعه في سدر مخضود، وطلح منضود، وظل ممدود، وماء مسكوب‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏فإذا وضع في قبره، جاءته الصلاة فكانت عن يمينه، وجاءه الصيام فكان عن يساره، وجاءه القرآن فكان عند رأسه، وجاءه مشيه إلى الصلاة فكان عند رجليه، وجاءه الصبر فكان ناحية القبر‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فيبعث الله، عز وجل، عُنُقًا من العذاب‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فيأتيه عن يمينه‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏فتقول الصلاة‏:‏ وراءك والله ما زال دائبا عمره كله وإنما استراح الآن حين وضع في قبره‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فيأتيه عن يساره، فيقول الصيام مثل ذلك‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ثم يأتيه من عند رأسه، فيقول القرآن والذكر مثل ذلك‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ثم يأتيه من عند رجليه، فيقول مشيه إلى الصلاة مثل ذلك‏.‏ فلا يأتيه العذاب من ناحية يلتمس هل يجد مساغًا إلا وجَد ولي الله قد أخذ جنته‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فينقمع العذاب عند ذلك فيخرج‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ويقول الصبر لسائر الأعمال‏:‏ أما إنه لم يمنعني أن أباشر أنا بنفسي إلا أني نظرت ما عندكم، فإن عجزتم كنت أنا صاحبه، فأما إذ أجزأتم عنه فأنا له ذخر عند الصراط والميزان‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ويبعث الله ملكين أبصارهما كالبرق الخاطف، وأصواتهما كالرعد القاصف، وأنيابهما كالصياصي، وأنفاسهما كاللهب، يطآن في أشعارهما، بين مَنْكِب كل واحد مسيرة كذا وكذا، وقد نزعت منهما الرأفة والرحمة، يقال لهما‏:‏ منكر ونكير، في يد كل واحد منهما مطرقة، لو اجتمع عليها ربيعة ومضر لم يُقلّوها‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فيقولان له‏:‏ اجلس‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فيجلس فيستوي جالسا‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏وتقع أكفانه في حقويه‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فيقولان له‏:‏ من ربك‏؟‏ وما دينك‏؟‏ ومن نبيك‏؟‏‏"‏‏.‏

قال‏:‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله، ومن يطيق الكلام عند ذلك، وأنت تصف من المَلَكَين ما تصف‏؟‏ قال‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏‏{‏يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ‏}‏

قال‏:‏ ‏"‏فيقول‏:‏ ربي الله وحده لا شريك له، وديني الإسلام الذي دانت به الملائكة، ونبيي محمد خاتم النبيين‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فيقولان‏:‏ صدقت‏"‏‏.‏ قال‏:‏ فيدفعان القبر، فيوسعان من بين يديه أربعين ذراعا، وعن يمينه أربعين ذراعا، وعن شماله أربعين ذراعا، ومن خلفه أربعين ذراعا، ومن عند رأسه أربعين ذراعا، ومن عند رجليه أربعين ذراعا‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فيوسعان له مائتي ذراع‏"‏‏.‏

قال البرساني‏:‏ فأحسبه‏:‏ وأربعين ذراعا تحاط به‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ثم يقولان له‏:‏ انظر فوقك، فإذا باب مفتوح إلى الجنة‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فيقولان له‏:‏ وليَّ الله، هذا منزلك إذ أطعت الله‏"‏‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏والذي نفس محمد بيده إنه يصل إلى قلبه عند ذلك فرحة، ولا ترتد أبدًا، ثم يقال له‏:‏ انظر تحتك‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فينظر تحته فإذا باب مفتوح إلى النار قال‏:‏ ‏"‏فيقولان‏:‏ ولي الله نجوت آخر ما عليك‏"‏‏.‏ قال‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك فرحة لا ترتد أبدا‏"‏‏.‏ قال‏:‏ فقالت عائشة‏:‏ يفتح له سبعة وسبعون بابا إلى الجنة، يأتيه ريحها وبردها، حتى يبعثه الله، عز وجل‏.‏

وبالإسناد المتقدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ويقول الله تعالى لملك الموت‏:‏ انطلق إلى عدوي فأتني به، فإني قد بسطت له رزقي، ويَسّرت له نعمتي، فأبى إلا معصيتي، فأتني به لأنتقم منه‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏فينطلق إليه ملك الموت في أكره صورة ما رآها أحد من الناس قَطّ، له اثنتا عشرة عينا، ومعه سَفُود من النار كثير الشوك، ومعه خمسمائة من الملائكة، معهم نحاس وجمر من جمر جهنم، ومعهم سياط من نار، لينها لين السياط وهي نار تأجج‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فيضربه ملك الموت بذلك السفود ضربة يغيبُ كل أصل شوكة من ذلك السفّود في أصل كل شعرة وعرق وظفر‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ثم يلويه ليا شديدا‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فينزع روحه من أظفار قدميه‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فيلقيها‏"‏ في عقبيه ثم يسكر عند ذلك عدو الله سكرة، فيرفه ملك الموت عنه‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏وتضرب الملائكة وجهه ودُبُره بتلك السياط‏"‏‏.‏ ‏[‏قال‏:‏ ‏"‏فيشده ملك الموت شدة، فينزع روحه من عقبيه، فيلقيها في ركبتيه، ثم يسكر عدو الله عند ذلك سكرة، فيرفه ملك الموت عنه‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فتضرب الملائكة وجهه ودبره بتلك السياط‏"‏‏]‏ قال‏:‏ ‏"‏ثم ينتره ملك الموت نَتَرة، فينزع روحه من ركبتيه فيلقيها في حقويه‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فيسكر عدو الله عند ذلك سكرة، فيرفّه ملك الموت عنه‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏وتضرب الملائكة وجهه ودُبُره بتلك السياط‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏كذلك إلى صدره، ثم كذلك إلى حلقه‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ثم تبسط الملائكة ذلك النحاس وجمر جهنم تحت ذقنه‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ويقول ملك الموت‏:‏ اخرجي أيتها الروح اللعينة الملعونة إلى سَمُوم وحميم، وظل من يحموم، لا بارد ولا كريم‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏فإذا قبض ملك الموت روحه قال الروح للجسد‏:‏ جزاك الله عني شرا، فقد كنت سريعا بي

إلى معصية الله، بطيئا بي عن طاعة الله، فقد هلكت وأهلكت‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏ويقول الجسد للروح مثل ذلك، وتلعنه بقاع الأرض التي كان يعصي الله عليها، وتنطلق جنود إبليس إليه فيبشرونه بأنهم قد أوردوا عبدا من ولد آدم النار‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فإذا وضع في قبره ضُيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، حتى تدخل اليمنى في اليسرى، واليسرى في اليمنى‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏ويبعث الله إليه أفاعي دُهمًا كأعناق الإبل يأخذن بأرنبته وإبهامي قدميه فيقرضنه حتى يلتقين في وسطه‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ويبعث الله ملكين أبصارهما كالبرق الخاطف، وأصواتهما كالرعد القاصف، وأنيابهما كالصياصي، وأنفاسهما كاللهب يطآن في أشعارهما، بين منكبي كل واحد منهما مسيرة كذا وكذا، قد نزعت منهما الرأفة والرحمة يقال لهما‏:‏ منكر ونكير، في يد كل واحد منهما مطرقة، لو اجتمع عليها ربيعة ومضر لم يقلوها‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏فيقولان له‏:‏ اجلس‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فيستوي جالسا‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏وتقع أكفانه في حقويه‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏فيقولان له‏:‏ من ربك‏؟‏ وما دينك‏؟‏ ومن نبيك‏؟‏ فيقول‏:‏ لا أدري‏.‏ فيقولان‏:‏ لا دريت ولا تَليّت‏"‏‏.‏ ‏[‏قال‏]‏ فيضربانه ضربة يتطاير شررها في قبره، ثم يعودان‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فيقولان‏:‏ انظر فوقك‏.‏ فينظر، فإذا باب مفتوح من الجنة، فيقولان‏:‏ هذا -عدو الله -منزلك لو أطعت الله‏"‏‏.‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏والذي نفسي بيده، إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك حسرة لا ترتد أبدًا‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ويقولان له‏:‏ انظر تحتك فينظر تحته، فإذا باب مفتوح إلى النار، فيقولان‏:‏ عدو الله، هذا منزلك إذ عصيت الله‏"‏‏.‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏والذي نفسي بيده، إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك حسرة لا ترتد أبدا‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وقالت عائشة‏:‏ ويفتح له سبعة وسبعون بابًا إلى النار، يأتيه ‏[‏من‏]‏ حرها وسمومها حتى يبعثه الله إليها‏.‏ هذا حديث غريب جدًا، وسياق عجيب، ويزيد الرقاشي -راويه عن أنس -له غرائب ومنكرات، وهو ضعيف الرواية عند الأئمة، والله أعلم‏.‏

ولهذا قال أبو داود‏:‏ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي، حدثنا هشام -هو ابن يوسف -عن عبد الله بن بَحير، عن هانئ مولى عثمان، عن عثمان، رضي الله عنه، قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الرجل وقف عليه فقال‏:‏ ‏"‏استغفروا لأخيكم، واسألوا له بالتثبيت، فإنه الآن يسأل‏"‏، انفرد به أبو داود‏.‏

وقد أورد الحافظ أبو بكر بن مَردُويه عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ‏}‏ الآية ‏[‏الأنعام‏:‏ 93‏]‏ حديثا مطولا جدا، من طريق غريب، عن الضحاك، عن ابن عباس مرفوعا، وفيه غرائب أيضا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏28 - 30‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ‏}‏

حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن عمرو، عن عطاء سمع ابن عباس‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا‏}‏ قال‏:‏ هم كفار أهل مكة‏.‏

وقال العوفي، عن ابن عباس في هذه الآية‏:‏ هو جبلة بن الأيهم، والذين اتبعوه من العرب، فلحقوا بالروم‏.‏ والمشهور الصحيح عن ابن عباس هو القول الأول، وإن كان المعنى يعم جميع الكفار؛ فإن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، ونعمة للناس، فمن قبلها وقام بشكرها دخل الجنة، ومن ردها وكفرها دخل النار‏.‏

وقد روي عن علي نحو قول ابن عباس الأول، قال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبي، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا شعبة، عن القاسم بن أبي بزة، عن أبي الطفيل‏:‏ أن ابن الكواء سأل عليا عن ‏{‏الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ‏}‏ قال‏:‏ كفار قريش يوم بدر‏.‏

حدثنا المنذر بن شاذان، حدثنا يعلى بن عبيد، حدثنا بسام -هو الصيرفي -عن أبي الطفيل قال‏:‏ جاء رجل إلى علي فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين، من الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار

البوار‏؟‏ قال‏:‏ منافقو قريش‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبي، حدثنا ابن نفيل قال‏:‏ قرأت على مَعْقِل، عن ابن أبي حسين قال‏:‏ قام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فقال‏:‏ ألا أحد يسألني عن القرآن، فوالله لو أعلم اليوم أحدا أعلم مني به وإن كان من وراء البحار لأتيته‏.‏ فقام عبد الله بن الكواء فقال‏:‏ من الذين بدلوا نعمة الله كفرًا وأحلوا قومهم دار البوار‏؟‏ فقال‏:‏ مشركو قريش، أتتهم نعمة الله‏:‏ الإيمان، فبدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار‏.‏

وقال العدوي في قوله‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا‏}‏ الآية، ذكر مسلم المستوفي عن علي أنه قال‏:‏ هم الأفجران من قريش‏:‏ بنو أمية، وبنو المغيرة، فأما بنو المغيرة فأحلوا قومهم دار البوار يوم بدر، وأما بنو أمية فأحلوا قومهم دار البوار يوم أحد‏.‏ وكان أبو جهل يوم بدر، وأبو سفيان يوم أحد‏.‏ وأما دار البوار فهي جهنم‏.‏

وقال ابن أبي حاتم، رحمه الله‏:‏ حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا الحارث بن منصور، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن مرة قال‏:‏ سمعت عليا قرأ هذه الآية‏:‏ ‏{‏وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ‏}‏ قال‏:‏ هم الأفجران من قريش‏:‏ بنو أمية وبنو المغيرة، فأما بنو المغيرة فأهلكوا يوم بدر، وأما بنو أمية فمتِّعوا إلى حين‏.‏ ورواه أبو إسحاق، عن عمرو بن مرة، عن علي، نحوه، وروي من غير وجه عنه‏.‏

وقال سفيان الثوري، عن علي بن زيد، عن يوسف بن سعد، عن عمر بن الخطاب، في قوله‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا‏}‏ قال‏:‏ هم الأفجران من قريش‏:‏ بنو المغيرة وبنو أمية، فأما بنو المغيرة فكُفيتمُوهُم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين‏.‏

وكذا رواه حمزة الزيات، عن عمرو بن مرة قال‏:‏ قال ابن عباس لعمر بن الخطاب‏:‏ يا أمير المؤمنين، هذه الآية‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ‏}‏ قال‏:‏ هم الأفجران من قريش‏:‏ أخوالي وأعمامك فأما أخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر، وأما أعمامك فأملى الله لهم إلى حين‏.‏

وقال مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وقتادة بن زيد هم كفار قريش الذين قتلوا يوم بدر وكذا رواه مالك في تفسيرة عن نافع، عن ابن عمر‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ‏}‏ أي‏:‏ جعلوا له شركاء عبدوهم معه، ودَعَوُا الناس إلى ذلك‏.‏

ثم قال تعالى مهدِّدًا لهم ومتوعدا لهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ‏}‏ أي‏:‏ مهما قدرتم عليه في الدنيا فافعلوا، فمهما يكن من شيء ‏{‏فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ‏}‏ أي‏:‏ مرجعكم وموئلكم إليها، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 24‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 70‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

‏{‏قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ‏}‏

يقول تعالى آمرًا العباد بطاعته والقيام بحقه، والإحسان إلى خلقه، بأن يقيموا الصلاة وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وأن ينفقوا مما رزقهم الله بأداء الزكوات، والنفقة على القرابات والإحسان إلى الأجانب‏.‏

والمراد بإقامتها هو‏:‏ المحافظة على وقتها وحدودها، وركوعها وخشوعها وسجودها‏.‏

وأمر تعالى بالإنفاق مما رزق في السر، أي‏:‏ في الخفية، والعلانية وهي‏:‏ الجهر، وليبادروا إلى ذلك لخلاص أنفسهم ‏{‏مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ‏}‏ وهو يوم القيامة، وهو يوم ‏{‏لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ‏}‏ أي‏:‏ لا يقبل من أحد فدية بأن تباع نفسه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 15‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَلا خِلالٌ‏}‏ قال ابن جرير‏:‏ يقول‏:‏ ليس هناك مُخَالَّة خليل، فيصفح عمن استوجب العقوبة، عن العقاب لمُخَالَّته، بل هنالك العدل والقسط، فالخلال مصدر، من قول القائل‏:‏ ‏"‏خاللت فلانا، فأنا أخاله مخالة وخلال‏"‏، ومنه قول امرئ القيس‏:‏

صَرَفتُ الهَوَى عَنْهُنَّ من خَشْيَة الرَّدَى *** وَلَسْتُ بمقْلى الخلال ولا قَال

وقال قتادة‏:‏ إن الله قد علم أن في الدنيا بيوعا وخلالا يتخالون بها في الدنيا، فينظر رجل من يخالل وعلام صاحب، فإن كان لله فليداوم، وإن كان لغير الله فسيقطع عنه‏.‏

قلت‏:‏ والمراد من هذا أنه يخبر تعالى أنه لا ينفع أحدا بيع ولا فدية، ولو افتدى بملء الأرض ذهبا لو وجده، ولا ينفعه صداقة أحد ولا شفاعة أحد إذا لقي الله كافرا، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 123‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 254‏]‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏32 - 34‏]‏

‏{‏اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ‏}‏

يعدد تعالى نعمه على خلقه، بأن خلق لهم السماوات سقفا محفوظًا والأرض فراشًا، وأنزل من السماء ماء فأخرج به أزواجا من نبات شتى، ما بين ثمار وزروع، مختلفة الألوان والأشكال، والطعوم والروائح والمنافع، وسخر الفلك بأن جعلها طافية على تيار ماء البحر، تجري عليه بأمر الله تعالى، وسخر البحر يحملها ليقطع المسافرون بها من إقليم إلى إقليم آخر، لجلب ما هنا إلى هناك، وما هناك إلى هاهنا، وسخر الأنهار تشق الأرض من قطر إلى قطر، رزقا للعباد من شرب وسقي وغير ذلك من أنواع المنافع‏.‏

‏{‏وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ‏}‏ أي‏:‏ يسيران لا يقران ليلا ولا نهارا، ‏{‏لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 40‏]‏، ‏{‏يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 54‏]‏، فالشمس والقمر يتعاقبان، والليل والنهار عارضان فتارة يأخذ هذا من هذا فيطول، ثم يأخذ الآخر من هذا فيقصر، ‏{‏يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 29‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 5‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ‏}‏ يقول‏:‏ هيأ لكم كل ما تحتاجون إليه في جميع أحوالكم مما تسألونه بحالكم وقالكم‏.‏

وقال بعض السلف‏:‏ من كل ما سألتموه وما لم تسألوه‏.‏

وقرأ بعضهم‏:‏ ‏"‏وأتاكم من كل ما سألتموه‏"‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا‏}‏ يخبر عن عجز العباد عن تعداد النعم فضلا عن القيام بشكرها، كما قال طلق بن حبيب، رحمه الله‏:‏ إن حق الله أثقل من أن يقوم به العباد، وإن نعم الله أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن أصبحوا توابين وامسُوا توابين‏.‏

وفي صحيح البخاري‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول‏:‏ ‏"‏اللهم، لك الحمد غير مَكْفِيّ ولا مودَع، ولا مستغنى عنه ربَّنا‏"‏‏.‏

وقال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده‏:‏ حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث، حدثنا داود بن المُحبّر، حدثنا صالح المرْيّ عن جعفر بن زيد العَبْدِي، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏يخرج لابن آدم يوم القيامة ثلاثة دواوين، ديوان، فيه العمل الصالح، وديوان فيه ذنوبه، وديوان فيه النعم من الله تعالى عليه، فيقول الله لأصغر نعمه -أحسبَه‏.‏ قال‏:‏ في ديوان النعم‏:‏ خذي ثمنك من عمله الصالح، فتستوعب عمله الصالح كله، ثم تَنَحّى وتقول‏:‏ وعزتك ما استوفيت‏.‏ وتبقى الذنوب والنعم فإذا أراد الله أن يرحم قال‏:‏ يا عبدي، قد ضاعفتُ لك حسناتك وتجاوزت عن سيئاتك -أحسبه قال‏:‏ ووهبت لك نعمي‏"‏ غريب، وسنده ضعيف‏.‏

وقد روي في الأثر‏:‏ أن داود، عليه السلام، قال‏:‏ يارب، كيف أشكرك وشكري لك نعمة منك علي‏؟‏ فقال الله تعالى‏:‏ الآن شكرتني يا داود، أي‏:‏ حين اعترفت بالتقصير عن أداء شكر النعم‏.‏

وقال الشافعي، رحمه الله‏:‏ الحمد لله الذي لا يؤدى شكر نعمة من نعمه، إلا بنعمة تُوجِب على مُؤدى ماضي نعَمه بأدائها، نعمة حادثةَ توجب عليه شكره بها‏.‏

وقال القائل في ذلك‏:‏

لو كل جَارِحَة مني لهَا لُغَةٌ *** تُثْنيِ عَلَيكَ بما أولَيتَ مِنْ حَسن

لَكَانَ ما زَادَ شُكري إذ شَكَرت به *** إليكَ أبلغَ في الإحسَان والمنن

تفسير الآيات رقم ‏[‏35 - 36‏]‏

‏{‏وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏

يذكر تعالى في هذا المقام محتجا على مشركي العرب، بأن البلد الحرام مكة إنما وضعت أول ما وضعت على عبادة الله وحده لا شريك له، وأن إبراهيم الذي كانت عامرة بسببه، آهلة تبرأ ممن عبد غير الله، وأنه دعا لمكة بالأمن فقال‏:‏ ‏{‏رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا‏}‏ وقد استجاب الله له، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ‏}‏ ‏[‏العنكبوت‏:‏ 67‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 96، 97‏]‏، وقال في هذه القصة‏:‏ ‏{‏رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا‏}‏ فعرفه كأنه دعا به بعد بنائها؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏ 39‏]‏، ومعلوم أن إسماعيل أكبر من إسحاق بثلاث عشرة سنة، فأما حين ذهب بإسماعيل وأمه وهو رضيع إلى مكان مكة، فإنه دعا أيضا فقال‏:‏ ‏{‏رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 126‏]‏، كما ذكرناه هنالك في سورة البقرة مستقصى مطولا‏.‏

وقال‏:‏ ‏{‏وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ‏}‏ ينبغي لكل داع أن يدعو لنفسه ولوالديه ولذريته‏.‏

ثم ذكر أنه افتتن بالأصنام خلائق من الناس وأنه برئ ممن عبدها، ورد أمرهم إلى الله، إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم كما قال عيسى، عليه السلام‏:‏ ‏{‏إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 118‏]‏، وليس في هذا أكثر من الرد إلى مشيئة الله تعالى، لا تجويز وقوع ذلك‏.‏

قال عبد الله بن وهب‏:‏ حدثنا عمرو بن الحارث، أن بكر بن سَوَادة حدثه، عن عبد الرحمن بن جُبَير عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قول إبراهيم‏:‏ ‏{‏رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏ وقول عيسى عليه السلام‏:‏ ‏{‏إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}‏ ورفع يديه، ‏[‏ثم‏]‏ قال‏:‏ ‏"‏اللهم أمتي، اللهم أمتي، اللهم أمتي‏"‏، وبكى فقال الله‏:‏‏[‏يا جبريل‏]‏ اذهب إلى محمد -وربك أعلم وسله ما يبكيك‏؟‏ فأتاه جبريل، عليه السلام، فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، ‏[‏قال‏]‏ فقال الله‏:‏ اذهب إلى محمد، فقل له‏:‏ إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

‏{‏رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ‏}‏

وهذا يدل على أن هذا دعاء ثان بعد الدعاء الأول الذي دعا به عندما ولى عن هاجر وولدها، وذلك قبل بناء البيت، وهذا كان بعد بنائه، تأكيدًا ورغبة إلى الله، عز وجل؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ‏}‏

وقوله‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ‏}‏ قال ابن جرير‏:‏ هو متعلق بقوله‏:‏ ‏"‏المحرم‏"‏ أي‏:‏ إنما جعلته محرما ليتمكن أهله من إقامة الصلاة عنده‏.‏

‏{‏فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ‏}‏ قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير‏:‏ لو قال‏:‏ ‏"‏أفئدة الناس‏"‏ لازدحم عليه فارس والروم واليهود والنصارى والناس كلهم، ولكن قال‏:‏ ‏{‏مِنَ النَّاسِ‏}‏ فاختص به المسلمون‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ‏}‏ أي‏:‏ ليكون ذلك عونا لهم على طاعتك وكما أنه ‏{‏وَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ‏}‏ فاجعل لهم ثمارا يأكلونها‏.‏ وقد استجاب الله ذلك، كما قال‏:‏ ‏{‏أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 57‏]‏ وهذا من لطفه تعالى وكرمه ورحمته وبركته‏:‏ أنه ليس في البلد الحرام مكة شجرة مثمرة، وهي تجبى إليها ثمرات ما حولها، استجابة لخليله إبراهيم، عليه الصلاة والسلام‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏38 - 41‏]‏

‏{‏رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ‏}‏

قال ابن جرير‏:‏ يقول تعالى مخبرا عن إبراهيم خليله أنه قال‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ‏}‏ أي‏:‏ أنت تعلم قصدي في دعائي وما أردت بدعائي لأهل هذا البلد، وإنما هو القصد إلى رضاك والإخلاص لك، فإنك تعلم الأشياء كلها ظاهرها وباطنها، ولا يخفى عليك منها شيء في الأرض ولا في السماء‏.‏

ثم حمد ربه، عز وجل، على ما رزقه من الولد بعد الكبر، فقال‏:‏ ‏{‏الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ‏}‏ أي‏:‏ إنه ليستجيب لمن دعاه، وقد استجاب لي فيما سألته من الولد‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏{‏رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ‏}‏ أي‏:‏ محافظا عليها مقيما لحدودها ‏{‏وَمِنْ ذُرِّيَّتِي‏}‏ أي‏:‏ واجعلهم كذلك مقيمين الصلاة ‏{‏رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ‏}‏ أي‏:‏ فيما سألتك فيه كله‏.‏

‏{‏رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ‏}‏ وقرأ بعضهم‏:‏ ‏"‏ولوالدي‏"‏، على الإفراد وكان هذا قبل أن يتبرأ من أبيه لما تبين له عداوته لله، عز وجل، ‏{‏وَلِلْمُؤْمِنِينَ‏}‏ أي‏:‏ كلهم ‏{‏يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ‏}‏ أي‏:‏ يوم تحاسب عبادك فتجزيهم بأعمالهم، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، ‏[‏والله أعلم‏]‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏42 - 43‏]‏

‏{‏وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ‏}‏

يقول ‏[‏تعالى شأنه‏]‏ ‏{‏وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ‏}‏ يا محمد ‏{‏غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ‏}‏ أي‏:‏ لا تحسبه إذ أنظرهم وأجلهم أنه غافل عنهم مهمل لهم، لا يعاقبهم على صنعهم بل هو يحصي ذلك عليهم ويعده عدا، أي‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ‏}‏ أي‏:‏ من شدة الأهوال يوم القيامة‏.‏

ثم ذكر تعالى كيفية قيامهم من قبورهم ومجيئهم إلى قيام المحشر فقال‏:‏ ‏{‏مُهْطِعِينَ‏}‏ أي‏:‏ مسرعين، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ ‏[‏يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ‏]‏ ‏[‏القمر‏:‏ 8‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 198 -111‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ‏}‏ ‏[‏المعارج‏:‏ 43‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ‏}‏ قال ابن عباس، ومجاهد وغير واحد‏:‏ رافعي رءوسهم‏.‏

‏{‏لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ‏}‏ أي‏:‏ ‏[‏بل‏]‏ أبصارهم طائرة شاخصة، يديمون النظر لا يطرفون لحظة لكثرة ما هم فيه من الهول والفكرة والمخافة لما يحل بهم، عياذًا بالله العظيم من ذلك؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ‏}‏ أي‏:‏ وقلوبهم خاوية خالية ليس فيها شيء لكثرة ‏[‏الفزع و‏]‏ الوجل والخوف‏.‏ ولهذا قال قتادة وجماعة‏:‏ إن أمكنة أفئدتهم خالية لأن القلوب لدى الحناجر قد خرجت من أماكنها من شدة الخوف‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ ‏{‏هَوَاءٌ‏}‏ خراب لا تعي شيئا‏.‏

ولشدة ما أخبر الله تعالى ‏[‏به‏]‏ عنهم، قال لرسوله‏:‏ ‏{‏وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ‏}‏‏.‏