فصل: تفسير الآيات رقم (10 - 15)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم ***


تفسير الآيات رقم ‏[‏10 - 15‏]‏

‏{‏لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ‏}‏

يقول تعالى منبهًا على شرف القرآن، ومحرضًا لهم على معرفة قدره‏:‏ ‏{‏لَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ شَرَفُكم‏.‏

وقال مجاهد‏:‏ حديثكم‏.‏ وقال الحسن‏:‏ دينكم‏.‏ ‏{‏وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 44‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً‏}‏ هذه صيغة تكثير، كما قال ‏{‏وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 17‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏45‏]‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ‏}‏ أي‏:‏ أمة أخرى بعدهم‏.‏

‏{‏فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا‏}‏ أي‏:‏ تيقنوا أن العذاب واقع بهم، كما وعدهم نبيهم، ‏{‏إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ‏}‏ أي‏:‏ يفرون هاربين‏.‏

‏{‏لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ‏}‏ هذا تهكم بهم قدرًا أي‏:‏ قيل لهم قدرًا‏:‏ لا تركضوا هاربين من نزول العذاب، وارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعمة والسرور، والمعيشة والمساكن الطيبة‏.‏

قال قتادة‏:‏ استهزاء بهم‏.‏

‏{‏لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ‏}‏ أي‏:‏ عما كنتم فيه من أداء شكر النعمة‏.‏

‏{‏قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ‏}‏ اعترفوا بذنوبهم حين لا ينفعهم ذلك، ‏{‏فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ‏}‏ أي‏:‏ ما زالت تلك المقالة، وهي الاعتراف بالظلم، هِجيراهم حتى حصدناهم حصدًا وخمدت حركاتهم وأصواتهم خمودًا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏16 - 20‏]‏

‏{‏وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ‏}‏

يخبر تعالى أنه خلق السموات والأرض بالحق، أي‏:‏ بالعدل والقسط، ‏{‏لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏31‏]‏، وأنه لم يخلق ذلك عبثًا ولا لعبًا، كما قال‏:‏ ‏{‏وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ‏}‏ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ‏}‏ ‏[‏ص‏:‏27‏]‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ‏}‏ قال ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد‏:‏ ‏{‏لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا‏}‏ يعني‏:‏ من عندنا، يقول‏:‏ وما خلقنا جنة ولا نارًا، ولا موتًا، ولا بعثًا، ولا حسابًا‏.‏

وقال الحسن، وقتادة، وغيرهما‏:‏ ‏{‏لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا‏}‏ اللهو‏:‏ المرأة بلسان أهل اليمن‏.‏

وقال إبراهيم النَّخعِي‏:‏ ‏{‏لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ‏}‏ من الحور العين‏.‏

وقال عكرمة والسدي‏:‏ المراد باللهو هاهنا‏:‏ الولد‏.‏

وهذا والذي قبله متلازمان، وهو كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏4‏]‏، فنزه نفسه عن اتخاذ الولد مطلقًا، لا سيما عما يقولون من الإفك والباطل، من اتخاذ عيسى، أو العزير أو الملائكة، ‏{‏سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏43‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ‏}‏ قال قتادة، والسدي، وإبراهيم النخعي، ومغيرة بن مِقْسَم، أي‏:‏ ما كنا فاعلين‏.‏

وقال مجاهد‏:‏ كل شيء في القرآن ‏"‏إن‏"‏ فهو إنكار‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ‏}‏ أي‏:‏ نبين الحق فيدحض الباطل؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ‏}‏ أي‏:‏ ذاهب مضمحل، ‏{‏وَلَكُمُ الْوَيْلُ‏}‏ أي‏:‏ أيها القاتلون‏:‏ لله ولد، ‏{‏مِمَّا تَصِفُونَ‏}‏ أي‏:‏ تقولون وتفترون‏.‏

ثم أخبر تعالى عن عبودية الملائكة له، ودأبهم في طاعته ليلا ونهارًا، فقال‏:‏ ‏{‏وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ‏}‏ يعني‏:‏ الملائكة، ‏{‏لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ‏}‏ أي‏:‏ لا يستنكفون عنها، كما قال‏:‏ ‏{‏لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏172‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَلا يَسْتَحْسِرُونَ‏}‏ أي‏:‏ لا يتعبون ولا يَملُّون‏.‏

‏{‏يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ‏}‏ فهم دائبون في العمل ليلا ونهارًا، مطيعون قصدًا وعملا قادرون عليه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏6‏]‏‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا علي بن أبي دُلامة البغدادي، أنبأنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن صفوان بن مُحرِز، عن حكيم بن حِزَام قال‏:‏ بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، إذ قال لهم‏:‏ ‏"‏هل تسمعون ما أسمع‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ ما نسمع من شيء‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إني لأسمع أطيط السماء، وما تلام أن تئط، وما فيها موضع شِبْر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم‏"‏‏.‏ غريب ولم يخرجوه‏.‏

ثم رواه ابن أبي حاتم من طريق يزيد بن زُرَيْع، عن سعيد، عن قتادة مرسلا‏.‏

وقال أبو إسحاق ، عن حسان بن مخارق، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال‏:‏ جلست إلى كعب الأحبار وأنا غلام، فقلت له‏:‏ أرأيت قول الله ‏[‏للملائكة‏]‏ ‏{‏يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ‏}‏ أما يشغلهم عن التسبيح الكلام والرسالة والعمل‏؟‏‏.‏ فقال‏:‏ فمن هذا الغلام‏؟‏ فقالوا‏:‏ من بني عبد المطلب، قال‏:‏ فقبل رأسي، ثم قال لي‏:‏ يا بني، إنه جعل لهم التسبيح، كما جعل لكم النفس، أليس تتكلم وأنت تتنفس وتمشي وأنت تتنفس‏؟‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏21 - 23‏]‏

‏{‏أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ‏}‏

ينكر تعالى على من اتخذ من دونه آلهة، فقال‏:‏ بل ‏{‏اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ‏}‏ أي‏:‏ أهم يحيون الموتى وينشرونهم من الأرض‏؟‏ أي‏:‏ لا يقدرون على شيء من ذلك‏.‏ فكيف جعلوها لله ندًا وعبدوها معه‏.‏

ثم أخبر تعالى أنه لو كان في الوجود آلهة غيره لفسدت السموات الأرض، فقال ‏{‏لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ‏}‏ أي‏:‏ في السماء والأرض، ‏{‏لَفَسَدَتَا‏}‏، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏91‏]‏، وقال هاهنا‏:‏ ‏{‏فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ‏}‏ أي‏:‏ عما يقولون إن له ولدًا أو شريكًا، سبحانه وتعالى وتقدس وتنزه عن الذي يفترون ويأفكون علوًا كبيرًا‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ‏}‏ أي‏:‏ هو الحاكم الذي لا معقب لحكمه، ولا يعترض عليه أحد، لعظمته وجلاله وكبريائه، وعلوه وحكمته وعدله ولطفه، ‏{‏وَهُمْ يُسْأَلُونَ‏}‏ أي‏:‏ وهو سائل خلقه عما يعملون، كقوله‏:‏ ‏{‏فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏92، 93‏]‏ وهذا كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏88‏]‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏24 - 25‏]‏

‏{‏أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ بل ‏{‏اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ‏}‏ يا محمد‏:‏ ‏{‏هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ دليلكم على ما تقولون، ‏{‏هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ‏}‏ يعني‏:‏ القرآن، ‏{‏وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي‏}‏ يعني‏:‏ الكتب المتقدمة على خلاف ما تقولون وتزعمون، فكل كتاب أنزل على كل نبي أرسل، ناطق بأنه لا إله إلا الله، ولكن أنتم أيها المشركون لا تعلمون الحق، فأنتم معرضون عنه؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا يُوحَى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ‏}‏، كما قال‏:‏ ‏{‏وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 45‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏36‏]‏، فكل نبي بعثه الله يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والفطرة شاهدة بذلك أيضا، والمشركون لا برهان لهم، وحجتهم داحضة عند ربهم، وعليهم غضب، ولهم عذاب شديد‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏26 - 29‏]‏

‏{‏وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ‏}‏‏.‏

يقول تعالى ردًا على من زعم أن له -تعالى وتقدس- ولدًا من الملائكة، كمن قال ذلك من العرب‏:‏ إن الملائكة بنات الله، فقال‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ‏}‏ أي‏:‏ الملائكة عباد الله مكرمون عنده، في منازل عالية ومقامات سامية، وهم له في غاية الطاعة قولا وفعلا‏.‏

‏{‏لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ‏}‏ أي‏:‏ لا يتقدمون بين يديه بأمر، ولا يخالفونه فيما أمر به بل يبادرون إلى فعله، وهو تعالى عِلْمه محيط بهم، فلا يخفى عليه منهم خافية، ‏{‏يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى‏}‏ كقوله‏:‏ ‏{‏مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 255‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ‏}‏ ‏[‏سبأ‏:‏23‏]‏، في آيات كثيرة في معنى ذلك‏.‏

‏{‏وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ‏}‏ أي‏:‏ من خوفه ورهبته ‏{‏مُشْفِقُونَ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ‏}‏ أي‏:‏ من ادعى منهم أنه إله من دون الله، أي‏:‏ مع الله، ‏{‏فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ‏}‏ أي‏:‏ كل من قال ذلك، وهذا شرط، والشرط لا يلزم وقوعه، كقوله‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 81‏]‏، وقوله ‏{‏لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏65‏]‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏30 - 33‏]‏

‏{‏أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ وَجَعَلْنَا فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏}‏‏.‏

يقول تعالى منبهًا على قدرته التامة، وسلطانه العظيم في خلقه الأشياء، وقهره لجميع المخلوقات، فقال‏:‏ ‏{‏أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏ أي‏:‏ الجاحدون لإلهيته العابدون معه غيره، ألم يعلموا

أن الله هو المستقل بالخلق، المستبد بالتدبير، فكيف يليق أن يعبد غيره أو يشرك به ما سواه، ألم يروا ‏{‏أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا‏}‏ أي‏:‏ كان الجميع متصلا بعضه ببعض متلاصق متراكم، بعضه فوق بعض في ابتداء الأمر، ففتق هذه من هذه‏.‏ فجعل السموات سبعًا، والأرض سبعًا، وفصل بين سماء الدنيا والأرض بالهواء، فأمطرت السماء وأنبتت الأرض؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ‏}‏ أي‏:‏ وهم يشاهدون المخلوقات تحدث شيئًا فشيئًا عيانًا، وذلك دليل على وجود الصانع الفاعل المختار القادر على ما يشاء‏:‏

فَفِي كُلّ شيء لَهُ آيَة *** تَدُلّ علَى أنَّه وَاحد

قال سفيان الثوري، عن أبيه، عن عكرمة قال‏:‏ سئل ابن عباس‏:‏ الليل كان قبل أو النهار‏؟‏ فقال‏:‏ أرأيتم السموات والأرض حين كانتا رتقًا، هل كان بينهما إلا ظلمة‏؟‏ ذلك لتعلموا أن الليل قبل النهار‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبي، حدثنا إبراهيم بن أبي حمزة، حدثنا حاتم، عن حمزة بن أبي محمد، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر؛ أن رجلا أتاه يسأله عن السموات والأرض ‏{‏كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا‏}‏‏؟‏‏.‏ قال‏:‏ اذهب إلى ذلك الشيخ فاسأله، ثم تعال فأخبرني بما قال لك‏.‏ قال‏:‏ فذهب إلى ابن عباس فسأله‏.‏ فقال ابن عباس‏:‏ نعم، كانت السموات رتقًا لا تمطر، وكانت الأرض رتقًا لا تنبت‏.‏

فلما خلق للأرض أهلا فتق هذه بالمطر، وفتق هذه بالنبات‏.‏ فرجع الرجل إلى ابن عمر فأخبره، فقال ابن عمر‏:‏ الآن قد علمت أن ابن عباس قد أوتي في القرآن علمًا، صدق -هكذا كانت‏.‏ قال ابن عمر‏:‏ قد كنت أقول‏:‏ ما يعجبني جراءة ابن عباس على تفسير القرآن، فالآن قد علمت أنه قد أوتي في القرآن علمًا‏.‏

وقال عطية العَوْفي‏:‏ كانت هذه رتقًا لا تمطر، فأمطرت‏.‏ وكانت هذه رتقًا لا تنبت، فأنبتت‏.‏

وقال إسماعيل بن أبي خالد‏:‏ سألت أبا صالح الحنَفِي عن قوله‏:‏ ‏{‏أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا‏}‏، قال‏:‏ كانت السماء واحدة، ففتق منها سبع سماوات، وكانت الأرض واحدة ففتق منها سبع أرضين‏.‏

وهكذا قال مجاهد، وزاد‏:‏ ولم تكن السماء والأرض متماستين‏.‏

وقال سعيد بن جبير‏:‏ بل كانت السماء والأرض ملتزقتين، فلما رفع السماء وأبرز منها الأرض، كان ذلك فتقهما الذي ذكر الله في كتابه‏.‏ وقال الحسن، وقتادة، كانتا جميعًا، ففصل بينهما بهذا الهواء‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ‏}‏ أي‏:‏ أصل كل الأحياء منه‏.‏ وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبي، حدثنا أبو الجماهر ، حدثنا سعيد بن بشير، حدثنا قتادة عن أبي ميمونة، عن أبي هريرة أنه قال‏:‏ يا نبي الله إذا رأيتك قرت عيني، وطابت نفسي، فأخبرني عن كل شيء، قال‏:‏ ‏"‏كل شيء خلق من ماء‏"‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يزيد، حدثنا همام، عن قتادة، عن أبي ميمونة، عن أبي هريرة قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله، إني إذا رأيتك طابت نفسي، وقرت عيني، فأنبئني عن كل شيء‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏كل شيء خلق من ماء‏"‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ أنبئني عن أمر إذا عملتُ به دخلت الجنة‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏أفْش السلام، وأطعم الطعام، وصِل الأرحام، وقم بالليل والناس نيام، ثم ادخل الجنَّة بسلام‏"‏‏.‏

ورواه أيضا عبد الصمد وعفان وبَهْز، عن همام ‏.‏ تفرد به أحمد، وهذا إسناد على شرط الصحيحين، إلا أن أبا ميمونة من رجال السنن، واسمه سليم، والترمذي يصحح له‏.‏ وقد رواه سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة مرسلا والله أعلم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ‏}‏ أي‏:‏ جبالا أرسى الأرض بها وقرّرها وثقلها؛ لئلا تميد بالناس، أي‏:‏ تضطرب وتتحرك، فلا يحصل لهم عليها قرار لأنها غامرة في الماء إلا مقدار الربع، فإنه باد للهواء والشمس، ليشاهد أهلها السماء وما فيها من الآيات الباهرات، والحكم والدلالات؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ لئلا تميد بهم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا‏}‏ أي‏:‏ ثغرًا في الجبال، يسلكون فيها طرقًا من قطر إلى قطر، وإقليم إلى إقليم، كما هو المشاهد في الأرض، يكون الجبل حائلا بين هذه البلاد وهذه البلاد، فيجعل الله فيه فجوة -ثغرة- ليسلك الناس فيها من هاهنا إلى هاهنا؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ‏}‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا‏}‏ أي‏:‏ على الأرض وهي كالقبة عليها، كما قال‏:‏ ‏{‏وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏ 47‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا‏}‏ ‏[‏الشمس‏:‏5‏]‏، ‏{‏أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ‏}‏ ‏[‏ق‏:‏6‏]‏، والبناء هو نصب القبة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏بُنِي الإسلام على خمس‏"‏ أي‏:‏ خمس دعائم، وهذا لا يكون إلا في الخيام، على ما تعهده العرب‏.‏

‏{‏مَّحْفُوظًا‏}‏ أي‏:‏ عاليًا محروسًا أن يُنال‏.‏ وقال مجاهد‏:‏ مرفوعا‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدَّشْتَكي، حدثني أبي، عن أبيه، عن أشعث -يعني ابن إسحاق القُمِّي- عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، قال رجل‏:‏ يا رسول الله، ما هذه السماء، قال‏:‏ ‏"‏موج مكفوف عنكم‏"‏ إسناد غريب‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ‏}‏، كقوله‏:‏ ‏{‏وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏105‏]‏ أي‏:‏ لا يتفكرون فيما خلق الله فيها من الاتساع العظيم، والارتفاع الباهر، وما زينت به من الكواكب الثوابت والسيارات في ليلها، وفي نهارها من هذه الشمس التي تقطع الفلك بكماله، في يوم وليلة فتسير غاية لا يعلم قدرها إلا الذي قدرها وسخرها وسيرها‏.‏

وقد ذكر ابن أبي الدنيا، رحمه الله، في كتابه ‏"‏التفكر والاعتبار‏"‏‏:‏ أن بعض عباد بني إسرائيل تعبد ثلاثين سنة، وكان الرجل منهم إذا تعبد ثلاثين سنة أظلته غمامة، فلم ير ذلك الرجل شيئًا مما كان يرى لغيره، فشكى ذلك إلى أمه، فقالت له‏:‏ يا بني، فلعلك أذنبت في مدة عبادتك هذه، فقال‏:‏ لا والله ما أعلم، قالت‏:‏ فلعلك هممت‏؟‏ قال‏:‏ لا ولا هممت‏.‏ قالت‏:‏ فلعلك رفعت بصرك إلى السماء ثم رددته بغير فكر‏؟‏ فقال‏:‏ نعم، كثيرًا‏.‏ قالت‏:‏ فمن هاهنا أتيت‏.‏

ثم قال منبهًا على بعض آياته‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ‏}‏ أي‏:‏ هذا في ظلامه وسكونه، وهذا بضيائه وأنسه، يطول هذا تارة ثم يقصر أخرى، وعكسه الآخر‏.‏ ‏{‏وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ‏}‏ هذه لها نور يخصها، وفلك بذاته، وزمان على حدة، وحركة وسير خاص، وهذا بنور خاص آخر، وفلك آخر، وسير آخر، وتقدير آخر، ‏{‏وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏}‏ ‏[‏يس‏:‏40‏]‏، أي‏:‏ يدورون‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ يدورون كما يدور المغزل في الفلكة‏.‏ وكذا قال مجاهد‏:‏ فلا يدور المغزل إلا بالفلكة، ولا الفلكة إلا بالمغزل، كذلك النجوم والشمس والقمر، لا يدورون إلا به، ولا يدور إلا بهن، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏96‏]‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏34 - 35‏]‏

‏{‏وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ‏}‏ أي‏:‏ يا محمد، ‏{‏الْخُلْدَ‏}‏ أي‏:‏ في الدنيا بل ‏{‏كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏26، 27‏]‏‏.‏

وقد استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من العلماء إلى أن الخضر، عليه السلام، مات وليس بحي إلى الآن؛ لأنه بشر، سواء كان وليًا أو نبيًا أو رسولا وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ‏}‏‏.‏وقوله‏:‏ ‏{‏أَفَإِنْ مِتَّ‏}‏ أي‏:‏ يا محمد، ‏{‏فَهُمُ الْخَالِدُونَ‏}‏‏؟‏‏!‏ أي‏:‏ يؤملون أن يعيشوا بعدك، لا يكون هذا، بل كل إلى فناء؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ‏}‏، وقد روي عن الشافعي، رحمه الله، أنه أنشد واستشهد بهذين البيتين‏:‏ تمنى رجال أن أموت وإن أمت فَتلْكَ سَبيل لَسْت فيهَا بأوْحد فقُلْ للَّذي يَبْغي خلاف الذي مضى‏:‏ تَهَيَّأ لأخْرى مثْلها فكَأن قد

وقوله‏:‏ ‏{‏وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً‏}‏ أي‏:‏ نختبركم بالمصائب تارة، وبالنعم أخرى، لننظر من يشكر ومن يكفر، ومن يصبر ومن يقنط، كما قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏ونبلوكم‏}‏، يقول‏:‏ نبتليكم بالشر والخير فتنة، بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية والهدى والضلال‏.‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ‏}‏ أي‏:‏ فنجازيكم بأعمالكم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏36 - 37‏]‏

‏{‏وَإِذَا رَآَكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ‏}‏

يقول تعالى لنبيه، صلوات الله وسلامه عليه، ‏{‏وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏ يعني‏:‏ كفار قريش كأبي جهل وأشباهه ‏{‏إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا‏}‏ أي‏:‏ يستهزئون بك وينتقصونك، يقولون‏:‏ ‏{‏أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ‏}‏ يعنون‏:‏ أهذا الذي يسب آلهتكم ويسفه أحلامكم، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ‏}‏ أي‏:‏ وهم كافرون بالله، ومع هذا يستهزئون برسول الله، كما قال في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا‏.‏ إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏41، 42‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ‏}‏، كما قال في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏وَكَانَ‏}‏ الإنْسَانُ عَجُولا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏11‏]‏ أي‏:‏ في الأمور‏.‏

قال مجاهد‏:‏ خلق الله آدم بعد كل شيء من آخر النهار، من يوم خلق الخلائق فلما أحيا الروح عينيه ولسانه ورأسه، ولم يبلغ أسفله قال‏:‏ يا رب، استعجل بخلقي قبل غروب الشمس‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أحمد بن سِنَان، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا محمد بن علقمة بن وقاص الليثي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يوافقها مؤمن يصلي -وقبض أصابعه قَلَّلَها -فسأل الله خيرًا، إلا أعطاه إياه‏"‏‏.‏ قال أبو سلمة‏:‏ فقال عبد الله بن سلام‏:‏ قد عرفت تلك الساعة، وهي آخر ساعات النهار من يوم الجمعة، وهي التي خلق الله فيها آدم، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ‏}‏‏.‏

والحكمة في ذكر عجلة الإنسان هاهنا أنه لما ذكر المستهزئين بالرسول، صلوات الله ‏[‏وسلامه‏]‏ عليه، وقع في النفوس سرعة الانتقام منهم واستعجلت، فقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ‏}‏؛ لأنه تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، يؤجل ثم يعجل، وينظر ثم لا يؤخر؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي‏}‏ أي‏:‏ نقمي وحكمي واقتداري على من عصاني، ‏{‏فَلا تَسْتَعْجِلُونِ‏}‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏38 - 40‏]‏

‏{‏وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ‏}‏

يخبر تعالى عن المشركين أنهم يستعجلون أيضًا بوقوع العذاب بهم، تكذيبًا وجحودًا وكفرًا وعنادًا واستبعادًا، فقال‏:‏ ‏{‏وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ لو تيقنوا أنها واقعة بهم لا محالة لما استعجلوا، به ولو يعلمون حين يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ‏{‏لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏16‏]‏، ‏{‏لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏41‏]‏، وقال في هذه الآية‏:‏ ‏{‏حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏50‏]‏، فالعذاب محيط بهم من جميع جهاتهم، ‏{‏وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ‏}‏ أي‏:‏ لا ناصر لهم كما قال‏:‏ ‏{‏وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏34‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً‏}‏ أي‏:‏ ‏"‏تأتيهم النار بغتة‏"‏، أي‏:‏ فجأة ‏{‏فَتَبْهَتُهُمْ‏}‏ أي‏:‏ تذعرهم فيستسلمون لها حائرين، لا يدرون ما يصنعون، ‏{‏فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا‏}‏ أي‏:‏ ليس لهم حيلة في ذلك، ‏{‏وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ‏}‏ أي‏:‏ ولا يؤخر عنهم ذلك ساعة واحدة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏41 - 43‏]‏

‏{‏وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ أَمْ لَهُمْ آَلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ‏}‏

يقول تعالى مسليًا لرسوله ‏[‏صلوات الله وسلامه عليه‏]‏ عما آذاه به المشركون من الاستهزاء والتكذيب‏:‏ ‏{‏وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ‏}‏ يعني‏:‏ من العذاب الذي كانوا يستبعدون وقوعه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏34‏]‏‏.‏

ثم ذكر تعالى نعمته على عبيده في حفظه لهم بالليل والنهار، وكلاءته وحراسته لهم بعينه التي لا تنام، فقال‏:‏ ‏{‏قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ‏}‏‏؟‏ أي‏:‏ بدل الرحمن بمعني غيره كما قال الشاعر

جَارية لَمْ تَلْبَس المُرقَّقا *** وَلَم تَذق منَ البُقول الفُسْتُقا

أي‏:‏ لم تذق بدل البقول الفستق‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ‏}‏ أي‏:‏ لا يعترفون بنعمه عليهم وإحسانه إليهم، بل يعرضون عن آياته وآلائه، ثم قال ‏{‏أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا‏}‏ استفهام إنكار وتقريع وتوبيخ، أي‏:‏ ألهم آلهة تمنعهم وتكلؤهم غيرنا‏؟‏ ليس الأمر كما توهموا ولا كما زعموا؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ هذه ‏[‏الآلهة‏]‏ التي استندوا إليها غير الله لا يستطيعون نصر أنفسهم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ‏}‏ قال العوفي، عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ‏}‏ أي‏:‏ يجارون وقال قتادة لا يصحبون ‏[‏من الله‏]‏ بخير وقال غيره‏:‏ ‏{‏وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ‏}‏ يمنعون‏.‏ وقد حمل صاحب اللسان قوله بأنه ظن الفستق من البقول‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏44 - 47‏]‏

‏{‏بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ‏}‏

‏{‏قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ‏}‏‏.‏

يقول تعالى مخبرًا عن المشركين‏:‏ إنما غرهم وحملهم على ما هم فيه من الضلال، أنهم مُتّعوا في الحياة الدنيا، ونعموا وطال عليهم العمر فيما هم فيه، فاعتقدوا أنهم على شيء‏.‏

ثم قال واعظًا لهم‏:‏ ‏{‏أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا‏}‏ اختلف المفسرون في معناه، وقد أسلفناه في سورة ‏"‏الرعد‏"‏، وأحسن ما فسر بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏}‏ ‏[‏الاحقاف‏:‏27‏]‏‏.‏

وقال الحسن البصري‏:‏ يعني بذلك ظهور الإسلام على الكفر‏.‏

والمعنى‏:‏ أفلا يعتبرون بنصر الله لأوليائه على أعدائه، وإهلاكه الأمم المكذبة والقرى الظالمة، وإنجائه لعباده المؤمنين؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ‏}‏ يعني‏:‏ بل هم المغلوبون الأسفلون الأخسرون الأرذلون‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ‏}‏ أي‏:‏ إنما أنا مبلغ عن الله ما أنذركم به من العذاب والنكال، ليس ذلك إلا عما أوحاه الله إليّ، ولكن لا يجدي هذا عمن أعمى الله بصيرته، وختم على سمعه وقلبه؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ‏}‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ‏}‏ أي‏:‏ ولئن مس هؤلاء المكذبين أدنى شيء من عذاب الله، ليعترفن بذنوبهم، وأنهم كانوا ظالمين أنفسهم في الدنيا‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا‏}‏ أي‏:‏ ونضع الموازين العدل ليوم القيامة‏.‏ الأكثر على أنه إنما هو ميزان واحد، وإنما جمع باعتبار تعدد الأعمال الموزونة فيه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ‏}‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏49‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏40‏]‏، وقال لقمان‏:‏ ‏{‏يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏16‏]‏‏.‏

وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن‏:‏ سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم‏"‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطَّالَقَاني، حدثنا ابن المبارك، عن ليث بن سعد، حدثني عامر بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، قال‏:‏ سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن الله عز وجل يستخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مد البصر، ثم يقول أتنكر من هذا شيئًا‏؟‏ أظلمتك كتبتي الحافظون‏؟‏ قال‏:‏ لا يا رب، قال‏:‏ أفلك عذر، أو حسنة‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ فيبهت الرجل فيقول‏:‏ لا يا رب‏.‏ فيقول‏:‏ بلى، إن لك عندنا حسنة واحدة، لا ظلم اليوم عليك‏.‏ فيخرج له بطاقة فيها‏:‏ ‏"‏أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله‏"‏ فيقول‏:‏ أحضروه، فيقول‏:‏ يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات‏؟‏ فيقول‏:‏ إنك لا تظلم، قال‏:‏ ‏"‏فتوضع السجلات في كفة ‏[‏والبطاقة في كفة‏]‏‏"‏ ، قال‏:‏ ‏"‏فطاشت السجلات وثقلت البطاقة‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏ولا يثقل شيء بسم الله الرحمن الرحيم‏"‏‏.‏

ورواه الترمذي وابن ماجه، من حديث الليث بن سعد، به، وقال الترمذي‏:‏ حسن غريب‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لَهِيعة، عن عمرو بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏توضع الموازين يوم القيامة، فيؤتى بالرجل، فيوضع في كفة، فيوضع ما أحصى عليه، فتايل به الميزان‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏فيبعث به إلى النار‏"‏ قال‏:‏ فإذا أدبر به إذا صائح من عند الرحمن عز وجل يقول‏:‏ ‏[‏لا تعجلوا‏]‏ ، فإنه قد بقي له، فيؤتى ببطاقة فيها ‏"‏لا إله إلا الله‏"‏ فتوضع مع الرجل في كفة حتى يميل به الميزان‏"‏‏.‏

وقال الإمام أحمد أيضًا‏:‏ حدثنا أبو نوح قراد أنبأنا ليث بن سعد، عن مالك بن أنس، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة؛ أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، جلس بين يديه، فقال‏:‏ يا رسول الله، إن لي مملوكين، يكذبونني، ويخونونني، ويعصونني، وأضربهم وأشتمهم، فكيف أنا منهم‏؟‏ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم، إن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم، كان فضلا لك ‏[‏عليهم‏]‏ وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم، كان كفافا لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم، اقتص لهم منك الفضل الذي يبقى قبلك‏"‏‏.‏ فجعل الرجل يبكي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ويهتف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ما له أما يقرأ كتاب الله‏؟‏‏:‏ ‏{‏وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ‏}‏ فقال الرجل‏:‏ يا رسول الله، ما أجد شيئًا خيرًا من فراق هؤلاء -يعني عبيده- إني أشهدك أنهم أحرار كلهم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏48 - 50‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ‏}‏‏.‏

قد تقدم التنبيه على أن الله تعالى كثيرًا ما يقرن بين ذكر موسى ومحمد، صلوات الله وسلامه عليهما، وبين كتابيهما؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ‏}‏‏.‏ قال مجاهد‏:‏ يعني‏:‏ الكتاب‏.‏ وقال أبو صالح‏:‏ التوراة، وقال قتادة‏:‏ التوراة، حلالها وحرامها، وما فرق الله بين الحق والباطل‏.‏ وقال ابن زيد‏:‏ يعني‏:‏ النصر‏.‏

وجامع القول في ذلك‏:‏ أن الكتب السماوية تشتمل على التفرقة بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، والحلال والحرام، وعلى ما يحصل نورًا في القلوب، وهداية وخوفًا وإنابة وخشية؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ‏}‏ أي‏:‏ ‏[‏تذكيرًا‏]‏ لهم وعظة‏.‏

ثم وصفهم فقال‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ‏}‏ كقوله ‏{‏مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ‏}‏ ‏[‏ق‏:‏33‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ‏}‏ ‏[‏الملك‏:‏12‏]‏، ‏{‏وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ‏}‏ أي‏:‏ خائفون وجلون‏.‏

ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزلْنَاهُ‏}‏ يعني‏:‏ القرآن العظيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ‏{‏أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ‏}‏ أي‏:‏ أفتنكرونه وهو في غاية ‏[‏الجلاء‏]‏ والظهور‏؟‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏51 - 56‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاعِبِينَ قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ‏}‏‏.‏

يخبر تعالى عن خليله إبراهيم، عليه السلام، أنه آتاه رشده من قبل، أي‏:‏ من صغره ألهمه الحق والحجة على قومه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏83‏]‏، وما يذكر من الأخبار عنه في إدخال أبيه له في السرب، وهو رضيع، وأنه خرج به بعد أيام، فنظر إلى الكوكب والمخلوقات، فتبصر فيها وما قصه كثير من المفسرين وغيرهم -فعامتها أحاديث بني إسرائيل، فما وافق منها الحق مما بأيدينا عن المعصوم قبلناه لموافقته الصحيح، وما خالف شيئًا من ذلك رددناه، وما ليس فيه موافقة ولا مخالفة لا نصدقه ولا نكذبه، بل نجعله وفقًا، وما كان من هذا الضرب منها فقد ترخص كثير من السلف في روايتها، وكثير من ذلك ما لا فائدة فيه، ولا حاصل له مما ينتفع به في الدين‏.‏ ولو كانت فيه فائدة تعود على المكلفين في دينهم لبينته هذه الشريعة الكاملة الشاملة‏.‏ والذي نسلكه في هذا التفسير الإعراض عن كثير من الأحاديث الإسرائيلية، لما فيها من تضييع الزمان، ولما اشتمل عليه كثير منها من الكذب المروج عليهم، فإنهم لا تفرقة عندهم بين صحيحها وسقيمها كما حرره الأئمة الحفاظ المتقنون من هذه الأمة‏.‏

والمقصود هاهنا‏:‏ أن الله تعالى أخبر أنه قد آتى إبراهيم رشده، من قبل، أي‏:‏ من قبل ذلك، وقوله‏:‏ ‏{‏وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ‏}‏ أي‏:‏ وكان أهلا لذلك‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏{‏إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ‏}‏ هذا هو الرشد الذي أوتيه من صغره، الإنكار على قومه في عبادة الأصنام من دون الله، عز وجل، فقال‏:‏ ‏{‏مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ‏}‏ أي‏:‏ معتكفون على عبادتها‏.‏

قال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا الحسن بن محمد الصباح، حدثنا أبو معاوية الضرير، حدثنا سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباته، قال‏:‏ مر عليّ، على قوم يلعبون بالشطرنج، فقال‏:‏ ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون‏؟‏ لأن يمس أحدكم جمرًا حتى يطفأ خير له من أن يمسها‏.‏

‏{‏قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ‏}‏‏:‏ لم يكن لهم حجة سوى صنيع آبائهم الضلال؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ‏}‏ أي‏:‏ الكلام مع آبائكم الذين احتججتم بصنيعهم كالكلام معكم، فأنتم وهم في ضلال على غير الطريق المستقيم‏.‏

فلما سفه أحلامهم، وضلل آباءهم، واحتقر آلهتهم ‏{‏قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاعِبِينَ‏}‏ يقولون‏:‏ هذا الكلام الصادر عنك تقوله لاعبًا أو محقًا فيه‏؟‏ فإنا لم نسمع به قبلك‏.‏

‏{‏قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ‏}‏ أي‏:‏ ربكم الذي لا إله غيره، هو الذي خلق السموات ‏[‏والأرض‏]‏ وما حوت من المخلوقات الذي ابتدأ خلقهن، وهو الخالق لجميع الأشياء ‏{‏وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ‏}‏ أي‏:‏ وأنا أشهد أنه لا إله غيره، ولا رب سواه‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏57 - 63‏]‏

‏{‏وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ‏}‏

ثم أقسم الخليل قسمًا أسمعه بعض قومه ليكيدن أصنامهم، أي‏:‏ ليحرصن على أذاهم وتكسيرهم بعد أن يولوا مدبرين أي‏:‏ إلى عيدهم‏.‏ وكان لهم عيد يخرجون إليه‏.‏

قال السدي‏:‏ لما اقترب وقت ذلك العيد قال أبوه‏:‏ يا بني، لو خرجت معنا إلى عيدنا لأعجبك ديننا‏!‏ فخرج معهم، فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه إلى الأرض‏.‏ وقال‏:‏ إني سقيم، فجعلوا يمرون عليه وهو صريع، فيقولون‏:‏ مه‏!‏ فيقول‏:‏ إني سقيم، فلما جاز عامتهم وبقي ضعفاؤهم قال‏:‏ ‏{‏تَاللَّهِ لأكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ‏}‏ فسمعه أولئك‏.‏

وقال أبو إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال‏:‏ لما خرج قوم إبراهيم، إلى عيدهم مروا عليه فقالوا‏:‏ يا إبراهيم ألا تخرج معنا‏؟‏ قال‏:‏ إني سقيم‏.‏ وقد كان بالأمس قال‏:‏ ‏{‏تَاللَّهِ لأكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ‏}‏ فسمعه ناس منهم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا‏}‏ أي‏:‏ حطامًا كسرها كلها ‏{‏إِلا كَبِيرًا لَهُمْ‏}‏ يعني‏:‏ إلا الصنم الكبير عندهم كما قال‏:‏ ‏{‏فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏93‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ‏}‏ ذكروا أنه وضع القدوم في يد كبيرهم، لعلهم يعتقدون أنه هو الذي غَارَ لنفسه، وأنف أن تعبد معه هذه الأصنام الصغار، فكسرها‏.‏

‏{‏قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ‏}‏ أي‏:‏ حين رجعوا وشاهدوا ما فعله الخليل بأصنامهم من الإهانة والإذلال الدال على عدم إلهيتها، وعلى سخافة عقول عابديها ‏{‏قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ‏}‏ أي‏:‏ في صنيعه هذا‏.‏

‏{‏قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ‏}‏ أي‏:‏ قال من سمعه يحلف أنه ليكيدنهم‏:‏ ‏{‏سَمِعْنَا فَتًى‏}‏ أي‏:‏ شابًا ‏{‏يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ‏}‏

قال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا محمد بن عوف، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن قابوس ‏[‏عن أبيه‏]‏، عن ابن عباس قال‏:‏ ما بعث الله نبيًا إلا شابًا، ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب، وتلا هذه الآية‏:‏ ‏{‏قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ‏}‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ‏}‏ أي‏:‏ على رءوس الأشهاد في الملإ الأكبر بحضرة الناس كلهم، وكان هذا هو المقصود الأكبر لإبراهيم أن يتبين في هذا المحفل العظيم كثرة جهلهم وقلة عقلهم في عبادة هذه الأصنام التي لا تدفع عن نفسها ضرًا، ولا تملك لها نصرًا، فكيف يطلب منها شيء من ذلك‏؟‏‏.‏

‏{‏قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا‏}‏ يعني‏:‏ الذي تركه لم يكسره ‏{‏فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ‏}‏ وإنما أراد بهذا أن يبادروا من تلقاء أنفسهم، فيعترفوا أنهم لا ينطقون، فإن هذا لا يصدر عن هذا الصنم، لأنه جماد‏.‏

وفي الصحيحين من حديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إن إبراهيم، عليه السلام، لم يكذب غير ثلاث‏:‏ ثنتين في ذات الله، قوله‏:‏ ‏{‏بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا‏}‏ وقوله ‏{‏إِنِّي سَقِيمٌ‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏وبينا هو يسير في أرض جبار من الجبابرة ومعه سارة، إذ نزل منزلا فأتى الجبار رجل، فقال‏:‏ إنه قد نزل بأرضك رجل معه امرأة أحسن الناس، فأرسل إليه فجاء، فقال‏:‏ ما هذه المرأة منك‏؟‏ قال‏:‏ هي أختي‏.‏ قال‏:‏ فاذهب فأرسل بها إليّ، فانطلق إلى سارة فقال‏:‏ إن هذا الجبار سألني عنك فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني عنده، فإنك أختي في كتاب الله، وأنه ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك، فانطلق بها إبراهيم ثم قام يصلي‏.‏ فلما أن دخلت عليه فرآها أهوى إليها، فتناولها، فأخذ أخذًا شديدًا، فقال‏:‏ ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت له فأرسل، فأهوى إليها، فتناولها فأخذ بمثلها أو أشد‏.‏ ففعل ذلك الثالثة فأخذ، ‏[‏فذكر‏]‏ مثل المرتين الأوليين فقال ادعي الله فلا أضرك‏.‏ فدعت، له فأرسل، ثم دعا أدنى حجابه، فقال‏:‏ إنك لم تأتني بإنسان، وإنما أتيتني بشيطان، أخرجها وأعطها هاجر، فأخرجت وأعطيت هاجر، فأقبلت، فلما أحس إبراهيم بمجيئها انفتل من صلاته، قال ‏:‏ مَهْيَم‏؟‏ قالت‏:‏ كفى الله كيد الكافر الفاجر، وأخدمني هاجر‏"‏ قال محمد بن سيرين وكان ‏:‏ أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث قال‏:‏ فتلك أمكم يا بني ماء السماء

تفسير الآيات رقم ‏[‏64 - 67‏]‏

‏{‏فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ‏}‏

يقول تعالى مخبرًا عن قوم إبراهيم حين قال لهم ما قال‏:‏ ‏{‏فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ بالملامة في عدم احترازهم وحراستهم لآلهتهم، فقالوا‏:‏ ‏{‏إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ‏}‏ أي‏:‏ في ترككم لها مهملة لا حافظ عندها، ‏{‏ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ ثم أطرقوا في الأرض فقالوا‏:‏ ‏{‏لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ‏}‏ قال قتادة‏:‏ أدركت القوم حيرة سوء فقالوا‏:‏ ‏{‏لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ‏}‏‏.‏

وقال السدي‏:‏ ‏{‏ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ في الفتنة‏.‏

وقال ابن زيد‏:‏ أي في الرأي‏.‏

وقول قتادة أظهر في المعنى؛ لأنهم إنما فعلوا ذلك حيرة وعجزًا؛ ولهذا قالوا له‏:‏ ‏{‏لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ‏}‏، فكيف تقول لنا‏:‏ سلوهم إن كانوا ينطقون، وأنت تعلم أنها لا تنطق فعندها قال لهم إبراهيم لما اعترفوا بذلك‏:‏ ‏{‏أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ‏}‏ أي‏:‏ إذا كانت لا تنطق، وهي لا تضر ولا تنفع، فلم تعبدونها من دون الله‏.‏

‏{‏أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ‏}‏

أي‏:‏ أفلا تتدبرون ما أنتم فيه من الضلال والكفر الغليظ، الذي لا يروج إلا على جاهل ظالم فاجر‏؟‏ فأقام عليهم الحجة، وألزمهم بها؛ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ‏}‏ الآية ‏[‏الانعام‏:‏83‏]‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏68 - 70‏]‏

‏{‏قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ‏}‏

لما دَحَضت حجتهم، وبان عجزهم، وظهر الحق، واندفع الباطل، عدلوا إلى استعمال جاه ملكهم، فقالوا‏:‏ ‏{‏حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ‏}‏ فجمعوا حطبًا كثيرًا جدًا -قال السدي‏:‏ حتى إن كانت المرأة تمرض، فتنذر إن عوفيت أن تحمل حطبًا لحريق إبراهيم- ثم جعلوه في جَوْبة من الأرض، وأضرموها نارًا، فكان لها شرر عظيم ولهب مرتفع، لم توقد قط نار مثلها، وجعلوا إبراهيم، عليه السلام، في كفة المنجنيق بإشارة رجل من أعراب فارس من الأكراد -قال شُعَيب الجبائي‏:‏ اسمه هيزن- فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، فلما ألقوه قال‏:‏ ‏"‏حسبي الله ونعم الوكيل‏"‏، كما رواه البخاري، عن ابن عباس أنه قال‏:‏ ‏"‏حسبي الله ونعم الوكيل‏"‏ قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قالوا‏:‏ ‏{‏إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 173‏]‏‏.‏

وقال الحافظ أبو يعلى‏:‏ حدثنا ابن هشام، حدثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي جعفر، عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لما ألقي إبراهيم، عليه السلام، في النار قال‏:‏ اللهم، إنك في السماء واحد، وأنا في الأرض واحد أعبدك‏"‏‏.‏

ويروى أنه لما جعلوا يوثقونه قال‏:‏ لا إله إلا أنت سبحانك لك الحمد، ولك الملك، لا شريك لك‏.‏

وقال شعيب الجبائي‏:‏ كان عمره ست عشرة سنة‏.‏ فالله أعلم‏.‏

وذكر بعض السلف أنه عرض له جبريل وهو في الهواء، فقال‏:‏ ألك حاجة‏؟‏ فقال‏:‏ أما إليك فلا ‏[‏وأما من الله فبلى‏]‏‏.‏ وقال سعيد بن جبير -ويروى عن ابن عباس أيضًا- قال‏:‏ لما أُلقيَ إبراهيم جعل خازن المطر يقول‏:‏ متى أومر بالمطر فأرسله‏؟‏ قال‏:‏ فكان أمر الله أسرع من أمره، قال الله‏:‏ ‏[‏عز وجل‏]‏ ‏{‏يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ‏}‏ قال‏:‏ لم يبق نار في الأرض إلا طفئت‏.‏

وقال كعب الأحبار‏:‏ لم ينتفع ‏[‏أحد‏]‏ يومئذ بنار، ولم تحرق النار من إبراهيم سوى وثاقه‏.‏

وقال الثوري، عن الأعمش، عن شيخ، عن علي بن أبي طالب‏:‏ ‏{‏قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ‏}‏ ‏[‏قال‏:‏ بَرَدَتْ عليه حتى كادت تقتله، حتى قيل‏:‏ ‏{‏وَسَلامًا‏}‏‏]‏، قال‏:‏ لا تضرِّيه‏.‏

وقال ابن عباس، وأبو العالية‏:‏ لولا أن الله عز وجل قال‏:‏ ‏{‏وَسَلامًا‏}‏ لآذى إبراهيم بَرْدُها‏.‏

وقال جُوَيبر، عن الضحاك‏:‏ ‏{‏كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ‏}‏ قال‏:‏ صنعوا له حظيرة من حَطَب جَزْل، وأشعلوا فيه النار من كل جانب، فأصبح ولم يصِبه منها شيء حتى أخمدها الله -قال‏:‏ ويذكرون أن جبريل كان معه يمسح وجهه من العرق، فلم يُصِبْه منها شيء غيرُ ذلك‏.‏

وقال السدي‏:‏ كان معه فيها ملك الظل‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا علي بن الحسين، حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا مِهْران، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن المِنْهَال بن عمرو قال‏:‏ أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار، فقال‏:‏ كان فيها إما خمسين وإما أربعين، قال‏:‏ ما كنت أيامًا وليالي قط أطيب عيشًا إذ كنت فيها، وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها‏.‏

وقال أبو زُرْعَة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة قال‏:‏ إن أحسن ‏[‏شيء‏]‏ قال أبو إبراهيم -لما رفع عنه الطبق وهو في النار، وجده يرش جبينه- قال عند ذلك‏:‏ نعْمَ الربّ ربك يا إبراهيم‏.‏

وقال قتادة‏:‏ لم يأت يومئذ دابة إلا أطفأت عنه النار، إلا الوَزَغ -وقال الزهري‏:‏ أمر النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ بقتله وسماه فويسقًا‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب، حدثني عمي، حدثنا جرير بن حازم، أن نافعًا حدثه قال‏:‏ حدثتني مولاة الفاكه بن المغيرة المخزومي قالت‏:‏ دخلت على عائشة فرأيت في بيتها رمحا‏.‏ فقلت‏:‏ يا أم المؤمنين، ما تصنعين بهذا الرمح‏؟‏ فقالت‏:‏ نقتل به هذه الأوزاغ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إن إبراهيم حين ألقي في النار، لم يكن في الأرض دابة إلا تطفئ النار، غير الوَزَغ، فإنه كان ينفخ على إبراهيم‏"‏، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأخْسَرِينَ‏}‏ أي‏:‏ المغلوبين الأسفلين؛ لأنهم أرادوا بنبي الله كيدا، فكادهم الله ونجاه من النار، فغلبوا هنالك‏.‏

وقال عطية العوفي‏:‏ لما ألقِيَ إبراهيم في النار، جاء ملكهم لينظر إليه فطارت شرارة فوقعت على إبهامه، فأحرقته مثل الصوفة‏.‏