فصل: تفسير الآيات رقم (3 - 4)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم ***


تفسير الآيات رقم ‏[‏3 - 4‏]‏

‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ‏}‏

يقول تعالى ذامًا لمن كذب بالبعث، وأنكر قدرة الله على إحياء الموتى، معرضا عما أنزل الله على أنبيائه، متبعًا في قوله وإنكاره وكفره كل شيطان مريد، من الإنس والجن، وهذا حال أهل الضلال والبدع، المعرضين عن الحق، المتبعين للباطل، يتركون ما أنزله الله على رسوله من الحق المبين، ويتبعون أقوال رءوس الضلالة، الدعاة إلى البدع بالأهواء والآراء، ولهذا قال في شأنهم وأشباههم‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ‏}‏، أي‏:‏ علم صحيح، ‏{‏وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ‏.‏ مَرِيدٍ كُتِبَ عَلَيْهِ‏}‏ قال مجاهد‏:‏ يعني الشيطان، يعني‏:‏ كتب عليه كتابة قدرية ‏{‏أَنَّهُ مَنْ تَوَلاهُ‏}‏ أي‏:‏ اتبعه وقلده، ‏{‏فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ‏}‏ أي‏:‏ يضله في الدنيا ويقوده في الآخرة إلى عذاب السعير، وهو الحار المؤلم المزعج المقلق‏.‏

وقد قال السدي، عن أبي مالك‏:‏ نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث‏.‏ وكذلك قال ابن جريج‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا عمرو بن سلم البصري، حدثنا عمرو بن المحرم أبو قتادة، حدثنا المعمر ، حدثنا أبو كعب المكي قال‏:‏ قال خبيث من خُبثاء قريش‏:‏ أخبرنا عن ربكم، من ذهب هو، أو من فضة هو، أو من نحاس هو‏؟‏ فقعقعت السماء قعقعة -والقعقعة في كلام العرب‏:‏ الرعد- فإذا قِحْف رأسه ساقط بين يديه‏.‏

وقال ليث بن أبي سليم، عن مجاهد‏:‏ جاء يهودي فقال‏:‏ يا محمد، أخبرنا عن ربك‏:‏ من أي شيء هو‏؟‏ من در أم من ياقوت‏؟‏ قال‏:‏ فجاءت صاعقة فأخذته‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏5 - 7‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ‏}‏

‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ‏}‏

لما ذكر تعالى المخالف للبعث، المنكر للمعاد، ذكر تعالى الدليل على قدرته تعالى على المعاد، بما يشاهد من بدئه للخلق ، فقال‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ‏}‏ أي‏:‏ في شك ‏{‏مِنَ الْبَعْثِ‏}‏ وهو المعاد وقيام الأرواح والأجساد يوم القيامة ‏{‏فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ‏}‏ أي‏:‏ أصل بَرْئه لكم من تراب، وهو الذي خلق منه آدم، عليه السلام ‏{‏ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ‏}‏ أي‏:‏ ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ‏{‏ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ‏}‏ ذلك أنه إذا استقرت النطفة في رحم المرأة، مكثت أربعين يوما كذلك، يضاف إليه ما يجتمع إليها، ثم تنقلب علقة حمراء بإذن الله، فتمكث كذلك أربعين يوما، ثم تستحيل فتصير مضغة -قطعة من لحم لا شكل فيها ولا تخطيط- ثم يشرع في التشكيل والتخطيط، فيصور منها رأس ويدان، وصدر وبطن، وفخذان ورجلان، وسائر الأعضاء‏.‏ فتارة تُسقطها المرأة قبل التشكيل والتخطيط، وتارة تلقيها وقد صارت ذات شكل وتخطيط؛ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ‏}‏ أي‏:‏ كما تشاهدونها، ‏{‏لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى‏}‏ أي‏:‏ وتارة تستقر في الرحم لا تلقيها المرأة ولا تسقطها، كما قال مجاهد في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ‏}‏ قال‏:‏ هو السقط مخلوق وغير مخلوق‏.‏ فإذا مضى عليها أربعون يوما، وهي مضغة، أرسل الله تعالى إليها ملكا فنفخ فيها الروح، وسواها كما يشاء الله عز وجل ، من حسن وقبيح، وذكر وأنثى، وكتب رزقها وأجلها، وشقي أو سعيد، كما ثبت في الصحيحين، من حديث الأعمش، عن زيد بن وهب، عن ابن مسعود قال‏:‏ حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو الصادق المصدوق-‏:‏‏"‏إن خلق أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين ليلة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مُضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات‏:‏ بكتب عمله وأجله ورزقه، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح‏"‏‏.‏

وروى ابن جرير، وابن أبي حاتم من حديث داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن علقمة، عن عبد الله قال‏:‏ النطفة إذا استقرت في الرحم، أخذها ملك بكفه قال‏:‏ يا رب، مخلقة أو غير

مخلقة‏؟‏ فإن قيل‏:‏ ‏"‏غير مخلقة‏"‏ لم تكن نسمة، وقذفتها الأرحام دما‏.‏ وإن قيل‏:‏ ‏"‏مخلقة‏"‏، قال‏:‏ أي رب، ذكر أو أنثى‏؟‏ شقي أو سعيد‏؟‏ ما الأجل‏؟‏ وما الأثر‏؟‏ وبأي أرض يموت‏؟‏ قال‏:‏ فيقال للنطفة‏:‏ من ربك‏؟‏ فتقول‏:‏ الله‏.‏ فيقال‏:‏ من رازقك‏؟‏ فتقول‏:‏ الله‏.‏ فيقال له‏:‏ اذهب إلى الكتاب، فإنك ستجد فيه قصة هذه النطفة‏.‏ قال‏:‏ فتخلق فتعيش في أجلها، وتأكل رزقها، وتطأ أثرها، حتى إذا جاء أجلها ماتت، فدفنت في ذلك المكان، ثم تلا عامر الشعبي‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ‏}‏ فإذا بلغت مضغة نكست في الخلق الرابع فكانت نسمة، فإن كانت غير مخلقة قذفتها الأرحام دما، وإن كانت مخلقة نكست في الخلق‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد -يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏"‏يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين، فيقول‏:‏ أي رب، أشقي أم سعيد‏؟‏ فيقول الله، ويكتبان، فيقول‏:‏ أذكر أم أنثى‏؟‏ فيقول الله ويكتبان، ويكتب عمله وأثره ورزقه وأجله، ثم تطوى الصحف، فلا يزاد على ما فيها ولا ينتقص‏.‏

ورواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة، ومن طرق أخر، عن أبي الطُّفَيل، بنحو معناه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا‏}‏ أي‏:‏ ضعيفا في بدنه، وسمعه وبصره وحواسه، وبطشه وعقله‏.‏ ثم يعطيه الله القوة شيئا فشيئا، ويلطف به، ويحنن عليه والديه في آناء الليل وأطراف النهار؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ‏}‏ أي‏:‏ يتكامل القوى ويتزايد، ويصل إلى عنفوان الشباب وحسن المنظر‏.‏

‏{‏وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى‏}‏، أي‏:‏ في حال شبابه وقواه، ‏{‏وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ‏}‏، وهو الشيخوخة والهَرَم وضعف القوة والعقل والفهم، وتناقص الأحوال من الخَرَف وضعف الفكر؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا‏}‏، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 54‏]‏‏.‏

وقد قال الحافظ أبو يعلى ‏[‏أحمد‏]‏ بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده‏:‏ حدثنا منصور بن أبي مزاحم ، حدثنا خالد الزيات، حدثني داود أبو سليمان، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر ابن حزم الأنصاري، عن أنس بن مالك -رفع الحديث- قال‏:‏ ‏"‏المولود حتى يبلغ الحنث، ما عمل من حسنة، كتبت لوالده أو لوالدته وما عمل من سيئة لم تكتب عليه ولا على والديه، فإذا بلغ الحنث جرى الله عليه القلم أمر الملكان اللذان معه أن يحفظا وأن يشددا، فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام أمنه الله من البلايا الثلاث‏:‏ الجنون، والجذام، والبرص‏.‏ فإذا بلغ الخمسين، خفف الله حسابه‏.‏ فإذا بلغ ستين رزقه الله الإنابة إليه بما يحب، فإذا بلغ السبعين أحبه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين كتب الله حسناته وتجاوز عن سيئاته، فإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وشفعه في أهل بيته، وكان أسير الله في أرضه، فإذا بلغ أرذل العمر ‏{‏لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا‏}‏ كتب الله له مثل ما كان يعمل في صحته من الخير، فإذا عمل سيئة لم تكتب عليه‏"‏‏.‏ هذا حديث غريب جدا، وفيه نكارة شديدة‏.‏ ومع هذا قد رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده مرفوعا وموقوفا فقال‏:‏

حدثنا أبو النضر، حدثنا الفرج، حدثنا محمد بن عامر، عن محمد بن عبد الله العامري ، عن عمرو بن جعفر، عن أنس قال‏:‏ إذا بلغ الرجل المسلم أربعين سنة، أمنه الله من أنواع البلايا، من الجنون والجذام والبرص ، فإذا بلغ الخمسين لَيَّن الله حسابه، وإذا بلغ الستين رزقه الله إنابة يحبه عليها، وإذا بلغ السبعين أحبه الله، وأحبه أهل السماء، وإذا بلغ الثمانين تقبل الله حسناته، ومحا عنه سيئاته، وإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وسمي أسير الله في الأرض، وشفع في أهله‏.‏

ثم قال‏:‏ حدثنا هاشم، حدثنا الفرج، حدثني محمد بن عبد الله العامري، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثله‏.‏

ورواه الإمام أحمد أيضا‏:‏ حدثنا أنس بن عياض، حدثني يوسف بن أبي ذرة الأنصاري، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضَّمْري، عن أنس بن مالك؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة، إلا صرف الله عنه ثلاثة أنواع من البلاء‏:‏ الجنون والجذام والبرص ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وذكر تمام الحديث، كما تقدم سواء‏.‏ ورواه الحافظ أبو بكر البزار، عن عبد الله بن شبيب، عن أبي شيبة، عن عبد الله بن عبد الملك ، عن أبي قتادة العُذْري، عن ابن أخي الزهري، عن عمه، عن أنس بن مالك قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ما من عبد يعمر في الإسلام أربعين سنة، إلا صرف الله عنه أنواعا من البلاء‏:‏ الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ خمسين سنة لين الله له الحساب، فإذا بلغ ستين سنة رزقه الله الإنابة إليه بما يحب، فإذا بلغ سبعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وسمي أسير الله، وأحبه أهل السماء ، فإذا بلغ الثمانين تقبل الله منه حسناته وتجاوز عن سيئاته، فإذا بلغ التسعين غَفَر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وسُمي أسير الله في أرضه، وشفع في أهل بيته‏"‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً‏}‏‏:‏ هذا دليل آخر على قدرته تعالى على إحياء الموتى، كما يحيي الأرض الميتة الهامدة، وهي القحلَة التي لا نبت فيها ولا شيء‏.‏ وقال قتادة‏:‏ غبراء متهشمة‏.‏ وقال السدي‏:‏ ميتة‏.‏

‏{‏فَإِذَا أَنزلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ‏}‏ أي‏:‏ فإذا أنزل الله عليها المطر ‏{‏اهْتَزَّتْ‏}‏ أي‏:‏ تحركت وحييت بعد موتها، ‏{‏وَرَبَتْ‏}‏ أي‏:‏ ارتفعت لما سكن فيها الثرى، ثم أنبتت ما فيها من الألوان والفنون، من ثمار وزروع، وأشتات النباتات في اختلاف ألوانها وطعومها، وروائحها وأشكالها ومنافعها؛ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ‏}‏ أي‏:‏ حسن المنظر طيب الريح‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ‏}‏ أي‏:‏ الخالق المدبر الفعال لما يشاء، ‏{‏وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى‏}‏ ‏[‏أي‏:‏ كما أحيا الأرض الميتة وأنبت منها هذه الأنواع؛ ‏{‏إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى‏}‏‏]‏، ‏{‏إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 39‏]‏ فــ ‏{‏إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 82‏]‏‏.‏

‏{‏وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا‏}‏ أي‏:‏ كائنة لا شك فيها ولا مرية، ‏{‏وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ‏}‏ أي‏:‏ يعيدهم بعد ما صاروا في قبورهم رمما، ويوجدهم بعد العدم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ‏.‏ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ‏.‏ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 78 -80‏]‏ والآيات في هذا كثيرة‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا بَهز ، حدثنا حماد بن سلمة قال‏:‏ أنبأنا يعلى عن عطاء، عن وكيع بن حُدُس ، عن عمه أبي رَزين العقيلي -واسمه لَقِيط بن عامر -أنه قال‏:‏ يا رسول الله، أكلنا يرى ربه عز وجل يوم القيامة‏؟‏ وما آية ذلك في خلقه‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أليس كلكم ينظر إلى القمر مُخْليا به‏؟‏ ‏"‏ قلنا‏:‏ بلى‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فالله أعظم‏"‏‏.‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله، كيف يحيي الله الموتى، وما آية ذلك في خلقه‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أما مررت بوادي أهلك محلا ‏"‏ قال‏:‏ بلى‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ثم مررت به يهتز خضرا‏؟‏‏"‏‏.‏ قال‏:‏ بلى‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فكذلك يحيي الله الموتى، وذلك آيته في خلقه‏"‏‏.‏ ورواه أبو داود وابن ماجه، من حديث حماد بن سلمة، به‏.‏

ثم رواه الإمام أحمد أيضا‏:‏ حدثنا علي بن إسحاق، أنبأنا ابن المبارك، أنبأنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن سليمان بن موسى، عن أبي رَزين العُقَيْلي قال‏:‏ أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ يا رسول الله، كيف يحيي الله الموتى‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أمررت بأرض من أرضك مُجْدبةً، ثم مررت بها مخصبة‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏كذلك النشور‏"‏‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبي، حدثنا عُبَيس بن مرحوم، حدثنا بُكَيْر بن أبي السُّمَيْط، عن قتادة، عن أبي الحجاج، عن معاذ بن جبل قال‏:‏ من علم أن الله هو الحق المبين، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور -دخل الجنة‏.‏ ‏[‏والله أعلم‏]‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏8 - 10‏]‏

‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ‏}‏

لما ذكر تعالى حال الضلال الجهال المقلّدين في قوله‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ‏}‏، ذكر في هذه حال الدعاة إلى الضلال من رءوس الكفر والبدع، فقال‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ‏}‏ أي‏:‏ بلا عقل صحيح، ولا نقل صحيح صريح، بل بمجرد الرأي والهوى‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏ثَانِيَ عِطْفِهِ‏}‏ قال ابن عباس وغيره‏:‏ مستكبرًا عن الحق إذا دعي إليه‏.‏ وقال مجاهد، وقتادة، ومالك عن زيد بن أسلم‏:‏ ‏{‏ثَانِيَ عِطْفِهِ‏}‏ أي‏:‏ لاوي عنقه، وهي رقبته، يعني‏:‏ يعرض عما يدعى إليه من الحق رقَبَته استكبارًا، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ‏.‏ فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏ 38، 39‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 61‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ‏}‏ ‏[‏المنافقون‏:‏ 5‏]‏‏:‏ وقال لقمان لابنه‏:‏ ‏{‏وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 18‏]‏ أي‏:‏ تميله عنهم استكبارًا عليهم، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 7‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏‏:‏ قال بعضهم‏:‏ هذه لام العاقبة؛ لأنه قد لا يقصد ذلك، ويحتمل أن تكون لام التعليل‏.‏ ثم إما أن يكون المراد بها المعاندين، أو يكون المراد بها أن هذا الفاعل لهذا إنما جبلناه على هذا الخلق الذي يجعله ممن يضل عن سبيل الله‏.‏

ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ‏}‏ وهو الإهانة والذل، كما أنه لما استكبر عن آيات الله لَقَّاه الله المذلة في الدنيا، وعاقبه فيها قبل الآخرة؛ لأنها أكبر هَمّه ومبلغ علمه، ‏{‏وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ‏.‏ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ‏}‏ أي‏:‏ يقال له هذا تقريعًا وتوبيخا، ‏{‏وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِِ‏}‏ كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ‏.‏ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ‏.‏ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ‏.‏ إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏ 47 -50‏]‏‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن الصبّاح، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا هشام، عن الحسن قال‏:‏ بلغني أن أحدهم يُحرق في اليوم سبعين ألف مرة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏11 - 13‏]‏

‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ‏}‏

قال مجاهد، وقتادة، وغيرهما‏:‏ ‏{‏عَلَى حَرْفٍ‏}‏‏:‏ على شك‏.‏

وقال غيرهم‏:‏ على طرف‏.‏ ومنه حرف الجبل، أي‏:‏ طرفه، أي‏:‏ دخل في الدين على طرف، فإن وجد ما يحبه استقر، وإلا انشمر‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا إبراهيم بن الحارث، حدثنا يحيى بن أبي بُكَيْر ، حدثنا إسرائيل، عن أبي حَصِين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ‏}‏ قال‏:‏ كان الرجل يَقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلاما، ونُتِجَت خيلُه، قال‏:‏ هذا دين صالح‏.‏ وإن لم تلد امرأته، ولم تُنتَج خيله قال‏:‏ هذا دين سوء‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، حدثني أبي، عن أبيه، عن أشعث بن إسحاق القُمِّي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس قال‏:‏ كان ناس من الأعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيُسْلِمون، فإذا رجعوا إلى بلادهم، فإن وجدوا عام غَيث وعام خصب وعام ولاد حسن، قالوا‏:‏ ‏"‏إن ديننا هذا لصالح، فتمَسَّكُوا به‏"‏‏.‏ وإن وجدوا عام جُدوبة وعام ولاد سَوء وعام قحط، قالوا‏:‏ ‏"‏ما في ديننا هذا خير‏"‏‏.‏ فأنزل الله على نبيه‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ‏}‏‏.‏

وقال العوفي، عن ابن عباس‏:‏ كان أحدهم إذا قَدم المدينة، وهي أرض وبيئة، فإن صح بها جسمه، ونُتِجت فرسه مهرًا حسنا، وولدت امرأته غلامًا، رضي به واطمأن إليه، وقال‏:‏ ‏"‏ما أصبت منذ كنتُ على ديني هذا إلا خيرا‏"‏‏.‏ وإن أصابته فتنة -والفتنة‏:‏ البلاء- أي‏:‏ وإن أصابه وجع المدينة، وولدت امرأته جارية، وتأخرت عنه الصدقة، أتاه الشيطان فقال‏:‏ والله ما أصبت منذ كنت على دينك هذا إلا شرًا‏.‏ وذلك الفتنة‏.‏

وهكذا ذكر قتادة، والضحاك، وابن جُريج، وغير واحد من السلف، في تفسير هذه الآية‏.‏

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‏:‏ هو المنافق، إن صلحت له دنياه أقام على العبادة، وإن فسدت عليه دنياه وتغيرت، انقلب فلا يقيم على العبادة إلا لِمَا صلح من دنياه، فإن أصابته فتنة أو شدة أو اختبار أو ضيق، ترك دينه ورجع إلى الكفر‏.‏

وقال مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ‏}‏ أي‏:‏ ارتد كافرًا‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ‏}‏ أي‏:‏ فلا هو حَصَل من الدنيا على شيء، وأما الآخرة فقد كفر بالله العظيم، فهو فيها في غاية الشقاء والإهانة؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ‏}‏ أي‏:‏ هذه هي الخسارة العظيمة، والصفقة الخاسرة‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ‏}‏ أي‏:‏ من الأصنام والأنداد، يستغيث بها ويستنصرها ويسترزقها، وهي لا تنفعه ولا تضره، ‏{‏ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ‏.‏ يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ‏}‏ أي‏:‏ ضرره في الدنيا قبل الآخرة أقرب من نفعه فيها، وأما في الآخرة فضرره محقق متيقن‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ‏}‏‏:‏ قال مجاهد‏:‏ يعني الوثن، يعني‏:‏ بئس هذا الذي دعا به من دون الله مولى، يعني‏:‏ وليًا وناصرًا، ‏{‏وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ‏}‏ وهو المخالط والمعاشر‏.‏

واختار ابن جرير أن المراد‏:‏ لبئس ابن العم والصاحب من يعبد ‏[‏الله‏]‏ على حرف، ‏{‏فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ‏}‏

وقول مجاهد‏:‏ إن المراد به الوثن، أولى وأقرب إلى سياق الكلام، والله أعلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ‏}‏

لما ذكر أهل الضلالة الأشقياء، عطف بذكر الأبرار السعداء، من الذين آمنوا بقلوبهم، وصدّقوا إيمانهم بأفعالهم، فعملوا الصالحات من جميع أنواع القربات، ‏[‏وتركوا المنكرات‏]‏ فأورثهم ذلك سكنى الدرجات العاليات، في روضات الجنات‏.‏

ولما ذكر أنه أضل أولئك، وهدى هؤلاء، قال‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ‏}‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏15 - 16‏]‏

‏{‏مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ‏}‏

قال ابن عباس‏:‏ من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ‏{‏فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ‏}‏ أي‏:‏ بحبل ‏{‏إِلَى السَّمَاءِ‏}‏ أي‏:‏ سماء بيته، ‏{‏ثُمَّ ليَقْطَعْ‏}‏ يقول‏:‏ ثم ليختنق به‏.‏ وكذا قال مجاهد، وعكرمة، وعطاء، وأبو الجوزاء، وقتادة، وغيرهم‏.‏

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‏:‏ ‏{‏فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ‏}‏ أي‏:‏ ليتوصل إلى بلوغ السماء، فإن النصر إنما يأتي محمدًا من السماء، ‏{‏ثُمَّ لِيَقْطَعْ‏}‏ ذلك عنه، إن قدر على ذلك‏.‏

وقول ابن عباس وأصحابه أولى وأظهر في المعنى، وأبلغ في التهكم؛ فإن المعنى‏:‏ من ظن أن الله ليس بناصر محمدًا وكتابه ودينه، فليذهب فليقتل نفسه، إن كان ذلك غائظه، فإن الله ناصره لا محالة، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ‏.‏ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 51، 52‏]‏؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ‏}‏ قال السدي‏:‏ يعني‏:‏ مِنْ شأن محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال عطاء الخراساني‏:‏ فلينظر هل يشفي ذلك ما يجد في صدره من الغيظ‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ أَنزلْنَاهُ‏}‏ أي‏:‏ القرآن ‏{‏آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ‏}‏ أي‏:‏ واضحات في لفظها ومعناها، حجةً من الله على الناس ‏{‏وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ‏}‏ أي‏:‏ يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، وله الحكمة التامة والحجة القاطعة في ذلك، ‏{‏لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 23‏]‏، أما هو فلحكمته ورحمته وعدله، وعلمه وقهره وعظمته، لا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ‏}‏‏.‏

يخبر تعالى عن أهل هذه الأديان المختلفة من المؤمنين، ومن سواهم من اليهود والصابئين -وقد قدمنا في سورة ‏"‏البقرة‏"‏ التعريف بهم، واختلافَ الناس فيهم- والنصارى والمجوس، والذين أشركوا فعبدوا غير الله معه؛ فإنه تعالى ‏{‏يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏، ويحكم بينهم بالعدل ، فيدخل من آمن به الجنة، ومن كفر به النار، فإنه تعالى شهيد على أفعالهم، حفيظ لأقوالهم، عليم بسرائرهم، وما تُكِن ضمائرهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ‏}‏

يخبر تعالى أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له، فإنه يسجد لعظمته كل شيء طوعا وكرها وسجود ‏[‏كل شيء مما‏]‏ يختص به، كما قال‏:‏ ‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 48‏]‏‏.‏ وقال هاهنا‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ‏}‏ أي‏:‏ من الملائكة في أقطار السموات، والحيوانات في جميع الجهات، من الإنس والجن والدواب والطير، ‏{‏وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 44‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ‏}‏‏:‏ إنما ذكر هذه على التنصيص؛ لأنها قد عُبدت من دون الله، فبين أنها تسجد لخالقها، وأنها مربوبة مسخرة ‏{‏لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 37‏]‏‏.‏

وفي الصحيحين عن أبي ذر، رضي الله عنه، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أتدري أين تذهب هذه الشمس‏؟‏‏"‏‏.‏ قلت‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فإنها تذهب فتسجد تحت العرش، ثم تستأمر فيوشك أن يقال لها‏:‏ ارجعي من حيث جئت‏"‏‏.‏

وفي المسند وسنن أبي داود، والنسائي، وابن ماجه، في حديث الكسوف‏:‏ ‏"‏إن الشمس والقمر خَلْقان من خَلْق الله، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله عز وجل إذا تَجَلى لشيء من خلقه خشع له‏"‏‏.‏

وقال أبو العالية‏:‏ ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر، إلا يقع لله ساجدًا حين يغيب، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له، فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى مطلعه‏.‏

وأما الجبال والشجر فسجودهما بفَيء ظلالهما عن اليمين والشمائل‏:‏ وعن ابن عباس قال‏:‏ جاء رجل فقال‏:‏ يا رسول الله، إني رأيتني الليلة وأنا نائم، كأني أصلي خلف شجرة، فسجدتُ فسجَدَت الشجرة لسجودي، فسمعتُها وهي تقول‏:‏ اللهم، اكتب لي بها عندك أجرًا، وضع عني بها وزرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سجدة ثم سَجَد، فسمعته وهو يقولُ مثلَ ما أخبره الرجل عن قول الشجرة‏.‏ رواه الترمذي، وابن ماجه، وابن حبّان في صحيحه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَالدَّوَابُّ‏}‏ أي‏:‏ الحيوانات كلها‏.‏

وقد جاء في الحديث عن الإمام أحمد‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ ظهور الدواب منابر فرب مركوبة خير وأكثر ذكرًا لله من راكبها‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ‏}‏ أي‏:‏ يسجد لله طوعا مختارًا متعبدًا بذلك، ‏{‏وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ‏}‏ أي‏:‏ ممن امتنع وأبى واستكبر، ‏{‏وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ‏}‏‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أحمد بن شيبان الرملي، حدثنا القداح، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي قال‏:‏ قيل لعلي‏:‏ إن هاهنا رجلا يتكلم في المشيئة‏.‏ فقال له علي‏:‏ يا عبد الله، خلقك الله كما يشاء أو كما شئت‏؟‏ قال‏:‏ بل كما شاء‏.‏ قال‏:‏ فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت‏؟‏ قال‏:‏ بل إذا شاء‏.‏ قال‏:‏ فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت‏؟‏ قال‏:‏ بل إذا شاء‏.‏ قال‏:‏ فيدخلك حيث شئت أو حيث يشاء‏؟‏ قال‏:‏ بل حيث يشاء‏.‏ قال‏:‏ والله لو قلت غير ذلك لضربتُ الذي فيه عيناك بالسيف‏.‏

وعن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذا قرأ ابنُ آدم السجدة اعتزل الشيطان يبكي يقول‏:‏ يا ويله‏.‏ أمر ابن آدم بالسجود فسجد، فله الجنة، وأمِرتُ بالسجود فأبيتُ، فلي النار‏"‏ رواه مسلم‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم وأبو عبد الرحمن المقرئ قالا حدثنا ابن لَهِيعة، حدثنا مَشْرَح بن هاعان أبو مُصعب المعافري قال‏:‏ سمعت عقبة بن عامر يقول‏:‏ قلت يا رسول الله، أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم، فمن لم يسجد بهما فلا يقرأهما‏"‏‏.‏ ورواه أبو داود والترمذي، من حديث عبد الله بن لهيعة، به ‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ ‏"‏ليس بقوي ‏"‏ وفي هذا نظر؛ فإن ابن لَهِيعة قد صَرح فيه بالسماع، وأكثر ما نَقَموا عليه تدليسه‏.‏

وقد قال أبو داود في المراسيل‏:‏ حدثنا أحمد بن عمرو بن السَّرح، أنبأنا ابن وَهْب، أخبرني معاوية بن صالح، عن عامر بن جَشِب، عن خالد بن مَعْدان؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏فُضِّلت سورة الحج على القرآن بسجدتين‏"‏‏.‏

ثم قال أبو داود‏:‏ وقد أسندَ هذا، يعني‏:‏ من غير هذا الوجه، ولا يصح‏.‏

وقال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي‏:‏ حدثنا ابن أبي داود، حدثنا يزيد بن عبد الله، حدثنا الوليد، حدثنا أبو عمرو، حدثنا حفص بن عنان، حدثني نافع، حدثني أبو الجهم‏:‏ أن عمر سجد سجدتين في الحج، وهو بالجابية، وقال‏:‏ إن هذه فضلت بسجدتين‏.‏

وروى أبو داود وابن ماجه، من حديث الحارث بن سعيد العُتَقيّ، عن عبد الله بن مُنَين، عن عمرو بن العاص؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المُفَصّل، وفي سورة الحج سجدتان ‏.‏ فهذه شواهد يَشُدّ بعضها بعضا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏19 - 22‏]‏

‏{‏هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ‏}‏

ثبت في الصحيحين، من حديث أبي مِجْلَز، عن قيس بن عُبَاد، عن أبي ذر؛ أنه كان يقسم قسما أن هذه الآية‏:‏ ‏{‏هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ‏}‏ نزلت في حمزة وصاحِبَيه، وعتبةَ وصاحبيه، يوم برزوا في بدر‏.‏ لفظ البخاري عند تفسيرها، ثم قال البخاري‏:‏

حدثنا الحجاج بن مِنْهَال، حدثنا المعتمر بن سليمان، سمعت أبي، حدثنا أبو مِجْلز عن قيس بن عُبَاد، عن علي بن أبي طالب أنه قال‏:‏ أنا أول من يَجثُو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة‏.‏ قال قيس‏:‏ وفيهم نزلت‏:‏ ‏{‏هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ‏}‏، قال‏:‏ هم الذين بارزوا يوم بدر‏:‏ عليّ وحمزة وعبيدة، وشيبة ابن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة‏.‏ انفرد به البخاري‏.‏

وقال سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة في قوله‏:‏ ‏{‏هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ‏}‏ قال‏:‏ اختصم المسلمون وأهل الكتاب، فقال أهل الكتاب‏:‏ نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم‏.‏ فنحن أولى باللهمنكم‏.‏ وقال المسلمون‏:‏ كتابنا يقضي على الكتب كلها، ونبينا خاتم الأنبياء، فنحن أولى بالله منكم‏.‏ فأفلج الله الإسلامَ على من ناوأه، وأنزل‏:‏ ‏{‏هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ‏}‏‏.‏ وكذا روى العَوفي، عن ابن عباس‏.‏

وقال شعبة، عن قتادة في قوله‏:‏ ‏{‏هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ‏}‏ قال‏:‏ مُصدق ومكذب‏.‏

وقال ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد في هذه الآية‏:‏ مثل الكافر والمؤمن اختصما في البعث‏.‏ وقال -في رواية‏:‏ هو وعطاء في هذه الآية-‏:‏ هم المؤمنون والكافرون‏.‏

وقال عكرمة‏:‏ ‏{‏هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ‏}‏ قال‏:‏ هي الجنة والنار، قالت النار‏:‏ اجعلني للعقوبة، وقالت الجنة‏:‏ اجعلني للرحمة‏.‏

وقولُ مجاهد وعطاء‏:‏ إن المراد بهذه الكافرون والمؤمنون، يشمل الأقوال كلها، وينتظم فيه قصة يوم بدر وغيرها؛ فإن المؤمنين يريدون نصرة دين الله، والكافرون يريدون إطفاء نور الإيمان وخذلانَ الحق وظهور الباطل‏.‏ وهذا اختيار ابن جرير، وهو حَسَن؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ‏}‏ أي‏:‏ فصلت لهم مقطعات من نار‏.‏

قال سعيد بن جبير‏:‏ من نحاس وهو أشد الأشياء حرارة إذا حمي‏.‏

‏{‏يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ‏.‏ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ‏}‏ أي‏:‏ إذا صب على رءوسهم الحميم، وهو الماء الحار في غاية الحرارة‏.‏

وقال سعيد ‏[‏بن جبير‏]‏ هو النحاس المذاب، أذاب ما في بطونهم من الشحم والأمعاء‏.‏ قاله ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وغيرهم‏.‏ وكذلك تذوب جلودهم، وقال ابن عباس وسعيد‏:‏ تساقط‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ حدثني محمد بن المثنى، حدثنا إبراهيم أبو إسحاق الطالَقاني، حدثنا ابن المبارك عن سعيد بن زيد ، عن أبي السَّمْح، عن ابن حُجَيرة، عن أبي هُرَيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إن الحميم ليُصَب على رءوسهم، فينفُد الجمجمةَ حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه، حتى يبلغ قدميه، وهو الصهر، ثم يعاد كما كان‏"‏‏.‏

ورواه الترمذي من حديث ابن المبارك، وقال‏:‏ حسن صحيح‏.‏ وهكذا رواه ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن أبي نعيم، عن ابن المبارك، به ثم قال ابن أبي حاتم‏:‏

حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أحمد بن أبي الحَوَاريّ، سمعت عبد الله ابن السُّرِّيّ قال‏:‏ يأتيه الملك يحمل الإناء بِكَلْبتين من حرارته، فإذا أدناه من وجهه تكرهه، قال‏:‏ فيرفع مِقْمَعَة معه فيضرب بها رأسه، فَيُفرغ دماغه، ثم يُفرغ الإناء من دماغه، فيصل إلى جوفه من دماغه، فذلك قوله‏:‏ ‏{‏يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ‏}‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ‏}‏، قال الإمام أحمد‏:‏

حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لَهِيعة، حدثنا دَرَّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لو أن مِقْمَعا مِن حَديد وُضِع في الأرض، فاجتمع له الثقلان ما أقَلُّوه من الأرض‏"‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا موسى بن داود، حدثنا ابن لَهِيعة، حدثنا دَرَّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لو ضُرب الجبلُ بمِقْمَع من حديد، لتفتت ثم عاد كما كان، ولو أن دلوا من غَسَّاق يُهَرَاق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا‏"‏‏.‏

وقال ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ‏}‏ قال‏:‏ يضربون بها، فيقع كل عضو على حياله، فيدعون بالثبور‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا‏}‏‏:‏ قال الأعمش، عن أبي ظِبْيان، عن سلمان قال‏:‏ النار سوداء مظلمة، لا يضيء لهبها ولا جمرها، ثم قرأ‏:‏ ‏{‏كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا‏}‏

وقال زيد بن أسلم في هذه الآية‏:‏ ‏{‏كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا‏}‏ قال‏:‏ بلغني أن أهل النار في النار لا يتنفسون‏.‏

وقال الفُضيل بن عياض‏:‏ والله ما طمعوا في الخروج، إن الأرجل لمقيدة، وإن الأيدي لموثقة، ولكن يرفعهم لهبها، وتردهم مقامعها‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ‏}‏ كقوله ‏{‏وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ‏}‏ ‏[‏السجدة‏:‏ 20‏]‏ ومعنى الكلام‏:‏ أنهم يهانون بالعذاب قولا وفعلا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏23 – 24‏]‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ‏}‏

لما أخبر تعالى عن حال أهل النار، عياذًا بالله من حالهم، وما هم فيه من العذاب والنَّكال

والحريق والأغلال، وما أعد لهم من الثياب من النار، ذكر حال أهل الجنة -نسأل الله من فضله وكرمه أن يدخلنا الجنة- فقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ‏}‏ أي‏:‏ تتخَرّق في أكنافها وأرجائها وجوانبها، وتحت أشجارها وقصورها، يصرفونها حيث شاءوا وأين شاءوا، ‏{‏يُحَلَّوْنَ فِيهَا‏}‏ من الحلية، ‏{‏يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا‏}‏ أي‏:‏ في أيديهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه‏:‏ ‏"‏تبلغ الحِلْيَة من المؤمن حيث يبلغ الوُضُوء‏"‏‏.‏

وقال كعب الأحبار‏:‏ إن في الجنة ملكًا لو شئت أن أسميه لسميتُه، يصوغ لأهل الجنة الحلي منذ خلقه الله إلى يوم القيامة، لو أبرز قُلْب منها -أي‏:‏ سوار منها- لرد شعاع الشمس، كما ترد الشمس نور القمر‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ‏}‏‏:‏ في مقابلة ثياب أهل النار التي فصلت لهم، لباس هؤلاء من الحرير، إستبرقه وسُنْدُسه، كما قال‏:‏ ‏{‏عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا‏.‏ إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا‏}‏ ‏[‏الإنسان‏:‏ 21، 22‏]‏، وفي الصحيح‏:‏ ‏"‏لا تلبسوا الحرير ولا الديباج في الدنيا، فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة‏"‏‏.‏

قال عبد الله بن الزبير‏:‏ ومن لم يلبس الحرير في الآخرة، لم يدخل الجنة، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ‏}‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ‏}‏ كقوله ‏{‏وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏ 23‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ‏.‏ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 23، 24‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا‏}‏ ‏[‏الواقعة‏:‏ 25، 26‏]‏، فهدوا إلى المكان الذي يسمعون فيه الكلام الطيب، ‏{‏وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 75‏]‏، لا كما يهان أهل النار بالكلام الذي يُرَوّعون به ويقرعون به، يقال لهم‏:‏ ‏{‏وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ‏}‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ‏}‏ أي‏:‏ إلى المكان الذي يحمدون فيه ربهم، على ما أحسن إليهم وأنعم به وأسداه إليهم، كما جاء في الصحيح‏:‏ ‏"‏إنهم يلهمون التسبيح والتحميد، كما يلهمون النَّفَسَ‏"‏‏.‏

وقد قال بعض المفسرين في قوله‏:‏ ‏{‏وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ‏}‏ أي‏:‏ القرآن‏.‏ وقيل‏:‏ لا إله إلا الله‏.‏ وقيل‏:‏ الأذكار المشروعة، ‏{‏وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ‏}‏ أي‏:‏ الطريق المستقيم في الدنيا‏.‏ وكل هذا لا ينافي ما ذكرناه، والله أعلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ‏}‏

يقول تعالى منكرًا على الكفار في صَدّهم المؤمنين عن إتيان المسجد الحرام، وقضاء مناسكهم فيه، ودعواهم أنهم أولياؤه‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 34‏]‏‏.‏

وفي هذه الآية دليل ‏[‏على‏]‏ أنها مدنية، كما قال في سورة ‏"‏البقرة‏"‏‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 217‏]‏، وقال‏:‏ هاهنا‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏}‏ أي‏:‏ ومن صفتهم مع كفرهم أنهم يصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام، أي‏:‏ ويصدون عن المسجد الحرام من أراده من المؤمنين الذين هم أحق الناس به في نفس الأمر، وهذا التركيب في هذه الآية كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 28‏]‏ أي‏:‏ ومن صفتهم أنهم تطمئن قلوبهم بذكر الله‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ‏}‏ ‏[‏أي‏:‏ يمنعون الناس عن الوصول إلى المسجد الحرام، وقد جعله الله شرعا سواء، لا فرق فيه بين المقيم فيه والنائي عنه البعيد الدار منه، ‏{‏سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ‏}‏‏]‏ ومن ذلك استواء الناس في رباع مكة وسكناها، كما قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ‏}‏ قال‏:‏ ينزل أهل مكة وغيرهم في المسجد الحرام‏.‏

وقال مجاهد ‏[‏في قوله‏]‏ ‏:‏ ‏{‏سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ‏}‏‏:‏ أهل مكة وغيرهم فيه سواء في المنازل‏.‏ وكذا قال أبو صالح، وعبد الرحمن بن سابط، وعبد الرحمن بن زيد ‏[‏بن أسلم‏]‏‏.‏

وقال عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن قتادة‏:‏ سواء فيه أهله وغير أهله‏.‏

وهذه المسألة اختلف فيها الشافعي وإسحاق بن راهَويه بمسجد الخِيف، وأحمد بن حنبل حاضر أيضًا، فذهب الشافعي، رحمه الله إلى أن رباع مكة تملك وتورث وتؤجر، واحتج بحديث الزهري، عن علي بن الحُسَين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله، أتنزل غدًا في دارك بمكة‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏وهل ترك لنا عَقيل من رباع‏"‏‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏"‏لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر‏"‏‏.‏ وهذا الحديث مُخَرّج في الصحيحين ‏[‏وبما ثبت أن عمر بن الخطاب اشترى من صفوان بن أمية دارا بمكة، فجعلها سجنا بأربعة آلاف درهم‏.‏ وبه قال طاوس، وعمرو بن دينار‏.‏

وذهب إسحاق بن راهَويه إلا أنها تورث ولا تؤجر‏.‏ وهو مذهب طائفة من السلف، ونص عليه

مجاهد وعطاء، واحتج إسحاق بن راهَويه بما رواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عيسى ابن يونس، عن عُمَر بن سعيد بن أبي حُسَين ، عن عثمان بن أبي سليمان، عن علقمة بن نَضْلة قال‏:‏ تُوُفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، وما تدعى رباع مكة إلا‏]‏ السوائب، من احتاج سكن، ومن استغنى أسكن‏.‏

وقال عبد الرزاق ابن مجاهد، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو أنه قال‏:‏ لا يحل بيع دور مكة ولا كراؤها‏.‏

وقال أيضًا عن ابن جريج‏:‏ كان عطاء ينهى عن الكراء في الحرم، وأخبرني أن عمر بن الخطاب كان ينهي عن تُبوّب دور مكة؛ لأن ينزل الحاج في عَرَصاتها، فكان أول من بَوّب داره سُهَيل بن عمرو، فأرسل إليه عمر بن الخطاب في ذلك، فقال‏:‏ أنظرني يا أمير المؤمنين، إني كنت امرأ تاجرا، فأردت أن أتخذ بابين يحبسان لي ظهري قال‏:‏ فذلك إذًا‏.‏

وقال عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن منصور، عن مجاهد؛ أن عمر بن الخطاب قال‏:‏ يا أهل مكة، لا تتخذوا لدوركم أبوابا لينزل البادي حيث يشاء‏.‏

قال‏:‏ وأخبرنا مَعْمر، عمن سمع عطاء يقول ‏[‏في قوله‏]‏‏:‏ ‏{‏سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ‏}‏، قال‏:‏ ينزلون حيث شاءوا‏.‏

وروى الدارقطني من حديث ابن أبي نَجِيح، عن عبد الله بن عمرو موقوفا من أكل كراء بيوت مكة أكل نارا‏.‏

‏"‏وتوسط الإمام أحمد ‏[‏فيما نقله صالح ابنه‏]‏ فقال‏:‏ تملك وتورث ولا تؤجر، جمعا بين الأدلة، والله أعلم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ‏}‏ قال بعض المفسرين من أهل العربية‏:‏ الباء هاهنا زائدة، كقوله‏:‏ ‏{‏تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏ 20‏]‏ أي‏:‏ تُنْبِتُ الدهن، وكذا قوله‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ‏}‏ تقديره إلحادًا، وكما قال الأعشى‏:‏

ضَمنَتْ برزق عيالنا أرْماحُنا *** بين المَرَاجِل، والصّريحَ الأجرد

وقال الآخر‏:‏

بوَاد يَمانِ يُنْبتُ الشَّثّ صَدْرُهُ *** وَأسْفَله بالمَرْخ والشَّبَهَان

والأجود أنه ضمن الفعل هاهنا معنى ‏"‏يَهُمّ‏"‏، ولهذا عداه بالباء، فقال‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ‏}‏ أي‏:‏ يَهُمّ فيه بأمر فظيع من المعاصي الكبار‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏بِظُلْمٍ‏}‏ أي‏:‏ عامدا قاصدا أنه ظلم ليس بمتأول، كما قال ابن جريج ، عن ابن عباس‏:‏ هو ‏[‏التعمد‏]‏‏.‏

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏بِظُلْمٍ‏}‏ بشرك‏.‏

وقال مجاهد‏:‏ أن يعبد فيه غير الله‏.‏ وكذا قال قتادة، وغير واحد‏.‏

وقال العَوْفي، عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏بِظُلْمٍ‏}‏ هو أن تَستحلَ من الحرم ما حَرّم الله عليك من لسان أو قتل، فتظلم من لا يظلمك، وتقتل من لا يقتلك، فإذا فَعَلَ ذلك فقد وجب ‏[‏له‏]‏ العذاب الأليم‏.‏

وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏بِظُلْمٍ‏}‏‏:‏ يعمل فيه عملا سيئا‏.‏

وهذا من خصوصية الحرم أنه يعاقَب البادي فيه الشر، إذا كان عازما عليه، وإن لم يوقعه، كما قال ابن أبي حاتم في تفسيره‏:‏ حدثنا أحمد بن سِنَان، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا شعبة، عن السُّدِّي‏:‏ أنه سمع مُرَّة يحدث عن عبد الله -يعني ابن مسعود- في قوله‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ‏}‏ قال‏:‏ لو أن رَجُلا أراد فيه بإلحاد بظلم، وهو بعَدَن أبينَ، أذاقه الله من العذاب الأليم‏.‏

قال شعبة‏:‏ هو رفعه لنا، وأنا لا أرفعه لكم‏.‏ قال يزيد‏:‏ هو قد رفعه، ورواه أحمد، عن يزيد بن هارون، به‏.‏

‏[‏قلت‏:‏ هذا الإسناد‏]‏ صحيح على شرط البخاري، ووقفه أشبه من رفعه؛ ولهذا صَمم شعبة على وَقْفه من كلام ابن مسعود‏.‏ وكذلك رواه أسباط، وسفيان الثوري، عن السدي، عن مُرة، عن ابن مسعود موقوفا، والله أعلم‏.‏

وقال الثوري، عن السدي، عن مُرَّة، عن عبد الله قال‏:‏ ما من رجل يهم بسيئة فتكتب عليه، ولو أن رجلا بعَدَن أبينَ هَمّ أن يقتل رجلا بهذا البيت، لأذاقه الله من العذاب الأليم‏.‏ وكذا قال الضحاك بن مُزاحم‏.‏

وقال سفيان ‏[‏الثوري‏]‏، عن منصور، عن مجاهد ‏"‏إلحاد فيه‏"‏، لا والله، وبلى والله‏.‏ وروي عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، مثله‏.‏وقال سعيد بن جُبَير‏:‏ شتم الخادم ظلم فما فوقَه‏.‏

وقال سفيان الثوري، عن عبد الله بن عطاء، عن ميمون بن مِهْرَان، عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ‏}‏ قال‏:‏ تجارة الأمير فيه‏.‏

وعن ابن عمر‏:‏ بيع الطعام ‏[‏بمكة‏]‏ إلحاد‏.‏

وقال حبيب بن أبي ثابت‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ‏}‏ قال‏:‏ المحتكر بمكة‏.‏ وكذا قال غير واحد‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري، أنبأنا أبو عاصم، عن جعفر بن يحيى، عن عمه عمارة بن ثوبان، حدثني موسى بن باذان، عن يعلى بن أمية؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏احتكار الطعام بمكة إلحاد‏"‏‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، حدثنا ابن لَهِيعة، حدثني عطاء بن دينار، حدثني سعيد بن جبير قال‏:‏ قال ابن عباس في قول الله‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ‏}‏ قال‏:‏ نزلت في عبد الله بن أنيس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه مع رجلين، أحدهما مهاجر والآخر من الأنصار، فافتخروا في الأنساب، فغضب عبد الله بن أنيس، فقتل الأنصاريّ، ثم ارتد عن الإسلام، وهَرَب إلى مكة، فنزلت فيه‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ‏}‏ يعني‏:‏ من لجأ إلى الحرم بإلحاد يعني بميل عن الإسلام‏.‏

وهذه الآثار، وإن دلت على أن هذه الأشياء من الإلحاد، ولكنْ هُو أعم من ذلك، بل فيها تنبيه على ما هو أغلظ منها، ولهذا لما هم أصحاب الفيل على تخريب البيت أرسل الله عليهم طيرًا أبابيل ‏{‏تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ‏}‏ ‏[‏الفيل‏:‏ 4، 5‏]‏، أي‏:‏ دمَّرهم وجعلهم عبرة ونكالا لكل من أراده بسوء؛ ولذلك ثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏يغزو هذا البيت جيش، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خُسِف بأولهم وآخرهم‏"‏ الحديث‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا محمد بن كُنَاسة، حدثنا إسحاق بن سعيد، عن أبيه قال‏:‏ أتى عبدُ الله بن عمر عبدَ الله بن الزبير، فقال‏:‏ يا ابن الزبير، إياك والإلحاد في حَرَم الله، فإني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏إنه سيلحدُ فيه رجل من قريش، لو تُوزَن ذنوبه بذنوب الثقلين لرجحت‏"‏، فانظر لا تكن هو‏.‏

وقال أيضا ‏[‏في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص‏]‏‏:‏ حدثنا هاشم، حدثنا إسحاق بن سعيد، حدثنا سعيد بن عمرو قال‏:‏ أتى عبدُ الله بن عمرو ابنَ الزبير، وهو جالس في الحِجْر فقال‏:‏ يا بن الزبير، إياك والإلحادَ في الحرم، فإني أشهد لسَمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏يحلها ويحل به رجل من قريش، ولو وُزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها‏"‏‏.‏ قال‏:‏ فانظر لا تكن هو‏.‏

ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذين الوجهين‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏26 - 27‏]‏

‏{‏وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ‏}‏

هذا فيه تقريع وتوبيخ لمن عبد غير الله، وأشرك به من قريش، في البقعة التي أسسّتْ من أول يوم على توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، فذكر تعالى أنه بَوأ إبراهيم مكانَ البيت، أي‏:‏ أرشده إليه، وسلمه له، وأذن له في بنائه‏.‏

واستدل به كثير ممن قال‏:‏ ‏"‏إن إبراهيم، عليه السلام، هو أول من بنى البيت العتيق، وأنه لم يبن قبله‏"‏، كما ثبت في الصحيح عن أبي ذر قلت‏:‏ يا رسول الله، أي مسجد وُضعَ أول‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏المسجد الحرام‏"‏‏.‏ قلت‏:‏ ثم أي‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏بيت المقدس‏"‏‏.‏ قلت كم بينهما‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أربعون سنة‏"‏‏.‏

وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ‏.‏ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيم‏}‏ الآية ‏[‏آل عمران‏:‏ 96، 97‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 125‏]‏‏.‏

وقد قدمنا ذكر ما ورد في بناء البيت من الصحاح والآثار، بما أغنى عن إعادته هاهنا‏.‏

وقال تعالى هاهنا‏:‏ ‏{‏أَنْ لا تُشْرِكْ بِي‏}‏ أي‏:‏ ابْنه على اسمي وحدي، ‏{‏وَطَهِّرْ بَيْتِيَ‏}‏ قال مجاهد وقتادة‏:‏ من الشرك، ‏{‏لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ‏}‏ أي‏:‏ اجعله خالصا لهؤلاء الذين يعبدون الله وحده لا شريك له‏.‏

فالطائف به معروف، وهو أخص العبادات عند البيت، فإنه لا يفعل ببقعة من الأرض سواها، ‏{‏وَالْقَائِمِينَ‏}‏ أي‏:‏ في الصلاة؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ‏}‏ فقرن الطواف بالصلاة؛ لأنهما لا يشرعان إلا مختصين بالبيت، فالطواف عنده، والصلاة إليه في غالب الأحوال، إلا ما استثني من الصلاة عند اشتباه القبلة وفي الحرب، وفي النافلة في السفر، والله أعلم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ‏}‏ أي‏:‏ ناد في الناس داعيا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه‏.‏ فَذُكر أنه قال‏:‏ يا رب، وكيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم‏؟‏ فقيل‏:‏ ناد وعلينا البلاغ‏.‏

فقام على مقامه، وقيل‏:‏ على الحجر، وقيل‏:‏ على الصفا، وقيل‏:‏ على أبي قُبَيس، وقال‏:‏ يا أيها الناس، إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه، فيقال‏:‏ إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمَعَ مَن في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حَجَر ومَدَر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة‏:‏ ‏"‏لبيك اللهم لبيك‏"‏‏.‏

هذا مضمون ما روي عن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جُبَير، وغير واحد من السلف، والله أعلم‏.‏ أوردها ابن جَرير، وابن أبي حاتم مُطَوّلة ‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ‏}‏ قد يَستدلّ بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى أن الحج ماشيا، لمن قدر عليه، أفضلُ من الحج راكبا؛ لأنه قدمهم في الذكر، فدل على الاهتمام بهم وقوة هممهم وشدة عزمهم، والذي عليه الأكثرون أن الحج راكبا أفضل؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه حج راكبا مع كمال قوته، عليه السلام‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ‏}‏ يعني‏:‏ طريق، كما قال‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 31‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏عَمِيقٍ‏}‏ أي‏:‏ بعيد‏.‏ قاله مجاهد، وعطاء، والسدي، وقتادة، ومقاتل بن حيان، والثوري، وغير واحد‏.‏

وهذه الآية كقوله تعالى إخبارا عن إبراهيم، حيث قال في دعائه‏:‏ ‏{‏فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏ 37‏]‏ فليس أحد من أهل الإسلام إلا وهو يحن إلى رؤية الكعبة والطواف، فالناس يقصدونها من سائر الجهات والأقطار‏.‏