فصل: تفسير الآيات رقم (15- 17)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم ***


تفسير الآيات رقم ‏[‏15- 17‏]‏

‏{‏لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ‏}‏‏.‏

كانت سبأ ملوكَ اليمن وأهلها، وكانت التبابعة منهم، وبلقيس- صاحبة سليمان- منهم ، وكانوا في نعمة وغبطة في بلادهم، وعيشهم واتساع أرزاقهم وزروعهم وثمارهم‏.‏ وبعث الله إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه، ويشكروه بتوحيده وعبادته، فكانوا كذلك ما شاء الله ثم أعرضوا عما أمروا به، فعوقبوا بإرسال السيل والتفرق في البلاد أيدي سبأ، شذر مَذرَ، كما يأتي تفصيله وبيانه قريبًا إن شاء الله تعالى وبه الثقة‏.‏

قال الإمام أحمد، رحمه الله‏:‏ حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا ابن لَهِيعة، عن عبد الله بن هُبَيْرة، عن عبد الرحمن بن وَعْلة قال‏:‏ سمعت ابن عباس يقول ‏:‏ إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبأ‏:‏ ما هو‏؟‏ رجل أم امرأة أم أرض‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏بل هو رجل، ولد عَشَرة، فسكن اليمن منهم ستة، وبالشام منهم أربعة، فأما اليمانيون‏:‏ فَمَذْحِجُ، وكِنْدَةُ، والأزد، والأشعريون، وأنمار، وحمير‏.‏ وأما الشامية فلخم، وجذام، وعاملة، وغسان‏.‏

ورواه عَبد، عن الحسن بن موسى، عن ابن لَهِيعة، به ‏.‏ وهذا إسناد حسن، ولم يخرجوه، ‏[‏وقد روي من طرق متعددة‏]‏‏.‏ وقد رواه الحافظ أبو عمر بن عبد البر في كتاب ‏"‏القصد والأمَمْ، بمعرفة أصول أنساب العرب والعجم‏"‏، من حديث ابن لهيعة، عن علقمة بن وعلة، عن ابن عباس فذكر نحوه‏.‏ وقد روي نحوه من وجه آخر‏.‏

وقال ‏[‏الإمام‏]‏ أحمد أيضا وعبد بن حميد‏:‏ حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا أبو جَنَاب يحيى بن أبي حيَّة الكلبي، عن يحيى بن هانئ بن عُرْوَة، عن فروة بن مُسيَك قال‏:‏ أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ يا رسول الله، أقاتل بمقبل قومي مدبرهم‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم، فقاتل بمقبل قومك مدبرهم‏"‏‏.‏ فلما وليت دعاني فقال‏:‏ ‏"‏لا تقاتلهم حتى تدعوهم إلى الإسلام‏"‏‏.‏ فقلت‏:‏ يا رسول الله، أرأيت سبأ؛ أواد هو، أو رجل ، أو ما هو‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏‏[‏لا‏]‏، بل رجل من العرب، ولد له عشرة فَتَيَامَنَ ستة وتشاءم أربعة، تيامن الأزد، والأشعريون، وحمير، وكندة، ومذحج، وأنمار الذين يقال لهم‏:‏ بجيلة وخثعم‏.‏ وتشاءم لخم، وجذام، وعاملة، وغسَّان‏"‏‏.‏

وهذا أيضًا إسناد جيد وإن كان فيه أبو جَنَاب الكلبي، وقد تكلموا فيه ‏.‏ لكن رواه ابن جرير عن أبي كُرَيْب، عن العَنْقَزِي ، عن أسباط بن نصر، عن يحيى بن هانئ المرادي، عن عمه أو عن أبيه- يشك أسباط- قال‏:‏ قدم فروة بن مُسَيك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره‏.‏

طريق أخرى لهذا الحديث‏:‏ قال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب، حدثني ابن لهيعة، عن توبة بن نَمر ، عن عبد العزيز بن يحيى أنه أخبره قال‏:‏ كنا عند عبيدة بن عبد الرحمن بأفريقية فقال يومًا‏:‏ ما أظن قوما بأرض إلا وهم من أهلها‏.‏ فقال علي بن رباح‏:‏ كلا قد حدثني فلان أن فروة بن مُسَيك الغُطَيفي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله، إن سبأ قوم كان لهم عز في الجاهلية، وإني أخشى أن يرتدّوا عن الإسلام، أفأقاتلهم‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏ما أمرت فيهم بشيء بعد‏"‏‏.‏ فأنزلت هذه الآية‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ‏}‏ الآيات، فقال له رجل‏:‏ يا رسول الله، ما سبأ‏؟‏ فذكر مثل هذا الحديث الذي قبله‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن سبأ‏:‏ ما هو‏؟‏ أبلد، أم رجل، أم امرأة‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏بل رجل، وَلَد له عَشَرَة فسكن اليمن منهم ستة، والشام أربعة، أما اليمانيون‏:‏ فمذحج، وكندة، والأزد، والأشعريون، وأنمار، وحمير غير ما حلها‏.‏ وأما الشام‏:‏ فلخم، وجذام، وغسان، وعاملة‏"‏‏.‏

فيه غرابة من حيث ذكر ‏[‏نزول‏]‏ الآية بالمدينة، والسورة مكية كلها، والله أعلم‏.‏

طريق أخرى‏:‏ قال ابن جرير‏:‏ حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا أبو أسامة، حدثني الحسن بن الحكم، حدثنا أبو سَبْرَة النَّخَعِي، عن فَرْوَة بن مُسَيْك الغُطَيْفي قال‏:‏ قال رجل‏:‏ يا رسول الله، أخبرني عن سبأ‏:‏ ما هو‏؟‏ أرض، أم امرأة‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏ليس بأرض ولا امرأة، ولكنه رجل ولد له عشرة من الولد، فتيامن ستة وتشاءم أربعة، فأما الذين تشاءموا‏:‏ فلخم وجذام وعاملة وغسان، وأما الذين تيامنوا‏:‏ فكندة، والأشعريون، والأزد، ومذحج، وحمير، وأنمار‏"‏‏.‏ فقال رجل‏:‏ ما أنمار‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏الذين منهم خثعم وبجيلة‏"‏‏.‏

ورواه الترمذي في جامعه، عن أبي كُرَيْب وعبد بن حميد قالا حدثنا أبو أسامة، فذكره أبسط من هذا، ثم قال‏:‏ هذا حديث حسن غريب‏.‏

وقال أبو عمر بن عبد البر‏:‏ حدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، حدثنا ابن كثير- هو عثمان بن كثير- عن الليث بن سعد، عن موسى بن على، عن يزيد بن حصين، عن تميم الداري؛ أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن سبأ، فذكر مثله، فقوي هذا الحديث وحَسّن‏.‏

قال علماء النسب، منهم محمد بن إسحاق‏:‏ اسم سبأ‏:‏ عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان‏.‏

وإنما سمي سبأ لأنه أول من سبأ في العرب، وكان يقال له‏:‏ الرائش؛ لأنه أول من غنم في الغزو فأعطى قومه، فسمي الرائش، والعرب تسمي المال‏:‏ ريشا ورياشا‏.‏ وذكروا أنه بشَّر برسول الله صلى الله عليه وسلم في زمانه المتقدم، وقال في ذلك شعرًا‏:‏

سَيَمْلِكُ بَعْدَنَا مُلْكًا عَظيمًا *** نَبيّ لا يُرَخِّصُ في الحَرَام

وَيَْملك بَعْدَه منْهُم مُلُوك *** يدينوه العبادَ بغَير ذام

ويَملك بَعدهم منا مُلُوك *** يَصير المُلك فينَا باقْتسَام

وَيَمْلك بَعَْد قَحْطَان نَبي *** تَقي خَبْتَة خير الأنام

وسُميَ أحْمَدًا يَا لَيْتَ أني *** أُعَمَّرُ بَعْد مَبْعَثه بعام

فأعضُده وأَحْبوه بنَصْري *** بكُل مُدَجّج وبكُل رام

متى يَظْهَرْ فَكُونُوا نَاصريه *** وَمَنْ يَلْقَاهُ يُبْلغه سَلامي

ذكر ذلك الهمداني في كتاب ‏"‏الإكليل‏"‏‏.‏

واختلفوا في قحطان على ثلاثة أقوال‏:‏

أحدها‏:‏ أنه من سلالة إرم بن سام بن نوح، واختلفوا في كيفية اتصال نسبه به على ثلاث طرائق‏.‏

والثاني‏:‏ أنه من سلالة عَابَر، وهو هود، عليه الصلاة والسلام، واختلفوا في كيفية اتصال نسبه به على ثلاث طرائق أيضًا‏.‏

والثالث‏:‏ أنه من سلالة إسماعيل بن إبراهيم الخليل، عليهما السلام، واختلفوا في كيفية اتصال نسبه به على ثلاث طرائق أيضا‏.‏ وقد ذكر ذلك مستقصى الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر النَّمري، رحمه الله، في كتابه ‏[‏المسمى‏]‏ ‏:‏ ‏"‏الإنباه على ذكر أصول القبائل الرواة‏"‏‏.‏

ومعنى قوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏كان رجلا من العرب‏"‏ يعني‏:‏ العرب العاربة الذين كانوا قبل الخليل، عليه السلام، من سلالة سام بن نوح‏.‏ وعلى القول الثالث‏:‏ كان من سلالة الخليل، عليه السلام، وليس هذا بالمشهور عندهم، والله أعلم‏.‏ ولكن في صحيح البخاري‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بنفر من ‏"‏أسلَمَ‏"‏ ينتضلون، فقال‏:‏ ‏"‏ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميا‏"‏ ‏.‏ فأسلم قبيلة من الأنصار، والأنصار أوسها وخزرجها من غسان من عرب اليمن من سبأ، نزلوا بيثرب لما تفرقت سبأ في البلاد، حين بعث الله عليهم سيل العرم، ونزلت طائفة منهم بالشام، وإنما قيل لهم‏:‏ غَسَّان بماء نزلوا عليه قيلَ‏:‏ باليمن‏.‏ وقيل‏:‏ إنه قريب من المُشَلَّل، كما قال حسان بن ثابت‏:‏

إمَّا سَألت فَإنَّا مَعْشَرٌ نُجُبٌ *** الأزْدُ نِسْبَتُنَا، والماء غَسَّان

ومعنى قوله‏:‏ ‏"‏ولد له عشرة من العرب‏"‏ أي‏:‏ كان من نسله هؤلاء العشرة الذين يرجعإليهم أصول القبائل من عرب اليمن، لا أنهم ولدوا من صلبه، بل منهم من بينه وبينه الأبوان والثلاثة والأقل والأكثر، كما هو مقرر مبين في مواضعه من كتب النسب‏.‏

ومعنى قوله‏:‏ ‏"‏فتيامن منهم ستة، وتشاءم منهم أربعة‏"‏ أي‏:‏ بعد ما أرسل الله عليهم سيل العرم، منهم مَنْ أقام ببلادهم، ومنهم مَنْ نزح عنها إلى غيرها، وكان من أمر السد أنه كان الماء يأتيهم من بين جبلين وتجتمع إليه أيضا سيول أمطارهم وأوديتهم، فعَمَدَ ملوكهم الأقادم، فبنوا بينهما سدًا عظيما محكما حتى ارتفع الماء، وحُكمَ على حافات ذينك الجبلين، فغرسوا الأشجار واستغلوا الثمار في غاية ما يكون من الكثرة والحسن، كما ذكر غير واحد من السلف، منهم قتادة‏:‏ أن المرأة كانت تمشي تحت الأشجار وعلى رأسها مكتل أو زنبيل، وهو الذي تخترف فيه الثمار، فيتساقط من الأشجار في ذلك ما يملؤه من غير أن يحتاج إلى كلفة ولا قُطَّاف، لكثرته ونضجه واستوائه، وكان هذا السد بمأرب‏:‏ بلدة بينها وبين صنعاء ثلاث مراحل، ويعرف بسد مأرب‏.‏

وذكر آخرون أنه لم يكن ببلدهم شيء من الذباب ولا البعوض ولا البراغيث، ولا شيء من الهوام، وذلك لاعتدال الهواء وصحة المزاج وعناية الله بهم، ليوحدوه ويعبدوه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ‏}‏، ثم فسرها بقوله‏:‏ ‏{‏جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ‏}‏ أي‏:‏ من ناحيتي الجبلين والبلدة بين ذلك، ‏{‏كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ‏}‏ أي‏:‏ غفور لكم إن استمررتم على التوحيد‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏فَأَعْرَضُوا‏}‏ أي‏:‏ عن توحيد الله وعبادته وشكره على ما أنعم به عليهم، وعدلوا إلى عبادة الشمس، كما قال هدهد سليمان‏:‏ ‏{‏وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ‏.‏ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ‏.‏ وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏ 22، 24‏]‏‏.‏

وقال محمد بن إسحاق، عن وهب بن مُنَبّه‏:‏ بعث الله إليهم ثلاثة عشر نبيا‏.‏

وقال السُّدِّي‏:‏ أرسل الله إليهم اثني عشر ألف نبي، والله أعلم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ‏}‏‏:‏ قيل‏:‏ المراد بالعرم المياه‏.‏ وقيل‏:‏ الوادي‏.‏ وقيل‏:‏ الجُرَذ‏.‏ وقيل‏:‏ الماء الغزير‏.‏ فيكون من باب إضافة الاسم إلى صفته، مثل‏:‏ ‏"‏مسجد الجامع‏"‏‏.‏ و‏"‏سعيد كُرْز‏"‏ حكى ذلك السهيلي‏.‏

وذكر غير واحد منهم ابن عباس، ووهب بن منبه، وقتادة، والضحاك؛ أن الله، عز وجل، لما أراد عقوبتهم بإرسال العرم عليهم، بعث على السد دابة من الأرض، يقال لها‏:‏ ‏"‏الجُرَذ‏"‏ نقبته- قال وهب بن منبه‏:‏ وقد كانوا يجدون في كتبهم أن سبب خراب هذا السد هو الجُرَذ فكانوا يرصدون عنده السنانير برهة من الزمان، فلما جاء القدر غلبت الفأر السنانير، وولجت إلى السَّدّ فنقبته، فانهار عليهم‏.‏

وقال قتادة وغيره‏:‏ الجُرَذ‏:‏ هو الخَلْد، نقبت أسافله حتى إذا ضَعف ووَهَى، وجاءت أيام السيول، صَدمَ الماءُ البناءَ فسقط، فانساب الماء في أسفل الوادي، وخرّبَ ما بين يديه من الأبنية والأشجار وغير ذلك، ونضب الماء عن الأشجار التي في الجبلين عن يمين وشمال، فيبست وتحطمت، وتبدلت تلك الأشجار المثمرة الأنيقة النضرة، كما قال الله وتعالى‏:‏ ‏{‏وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ‏}‏‏.‏

قال ابن عباس، ومجاهد، وعِكْرِمة، وعطاء الخُرَاساني، والحسن، وقتادة، والسُّدِّي‏:‏ وهو الأراك، وأكلة البَرير‏.‏

‏{‏وَأَثْل‏}‏‏:‏ قال العوفي، عن ابن عباس‏:‏ هو الطَّرْفاء‏.‏

وقال غيره‏:‏ هو شجر يشبه الطرفاء‏.‏ وقيل‏:‏ هو السّمُر‏.‏ فالله أعلم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ‏}‏‏:‏ لما كان أجودَ هذه الأشجار المبدل بها هو السّدْر قال‏:‏ ‏{‏وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ‏}‏، فهذا الذي صار أمر تَيْنك الجنتين إليه، بعد الثمار النضيجة والمناظر الحسنة، والظلال العميقة والأنهار الجارية، تبدلت إلى شجر الأراك والطرفاء والسّدْر ذي الشوك الكثير والثمر القليل‏.‏ وذلك بسبب كفرهم وشركهم بالله، وتكذيبهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ‏}‏ أي‏:‏ عاقبناهم بكفرهم‏.‏

قال مجاهد‏:‏ ولا يعاقب إلا الكفور‏.‏

وقال الحسن البصري‏:‏ صدق الله العظيم‏.‏ لا يعاقب بمثل فعله إلا الكفور‏.‏ وقال طاوس‏:‏ لا يناقش إلا الكفور‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أبو عمر بن النحاس الرملي، حدثنا حجاج بن محمد، حدثنا أبو البيداء، عن هشام بن صالح التغلبي ، عن ابن خيرة- وكان من أصحاب علي، رضي الله عنه- قال‏:‏ جزاء المعصية الوهن في العبادة، والضيق في المعيشة، والتعسر في اللذة‏.‏ قيل‏:‏ وما التعسر في اللذة‏؟‏ قال‏:‏ لا يصادف لذة حلالا إلا جاءه مَنْ يُنَغِّصه إياها‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏18- 19‏]‏

‏{‏وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ‏}‏‏.‏

يذكر تعالى ما كانوا فيه من الغِبْطة والنعمة، والعيش الهني الرغيد، والبلاد الرخية، والأماكن الآمنة، والقرى المتواصلة المتقاربة، بعضها من بعض، مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها، بحيث إن مسافرهم لا يحتاج إلى حَمل زاد ولا ماء، بل حيث نزل وجد ماء وثمرا، ويَقيل في قرية ويبيت في أخرى، بمقدار ما يحتاجون إليه في سيرهم؛ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا‏}‏، قال وهب بن منبه‏:‏ هي قرى بصنعاء‏.‏ وكذا قال أبو مالك‏.‏

وقال مجاهد، والحسن، وسعيد بن جبير، ومالك عن زيد بن أسلم، وقتادة، والضحاك، والسُّدِّي، وابن زيد وغيرهم‏:‏ يعني‏:‏ قرى الشام‏.‏ يعنون أنهم كانوا يسيرون من اليمن إلى الشام في قرى ظاهرة متواصلة‏.‏

وقال العوفي، عن ابن عباس‏:‏ القرى التي باركنا فيها‏:‏ بيت المقدس‏.‏

وقال العوفي، عنه أيضا‏:‏ هي قرى عربية بين المدينة والشام‏.‏

‏{‏قُرًى ظَاهِرَةً‏}‏ أي‏:‏ بينة واضحة، يعرفها المسافرون، يَقيلون في واحدة، ويبيتون في أخرى؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ‏}‏ أي‏:‏ جعلناها بحسب ما يحتاج المسافرون إليه، ‏{‏سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ‏}‏ أي‏:‏ الأمن حاصل لهم في سيرهم ليلا ونهارا‏.‏

‏{‏فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ‏}‏، وقرأ آخرون‏:‏ ‏"‏بعد بين أسفارنا ‏"‏، وذلك أنهم بَطروا هذه النعمة- كما قاله ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وغير واحد- وأحبوا مفاوز ومهامه يحتاجون في قطعها إلى الزاد والرواحل والسير في الحَرُور والمخاوف، كما طلب بنو إسرائيل من موسى أن يخرج الله لهم مما تنبت الأرض، من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها، مع أنهم كانوا في عيش رغيد في مَنّ وسلوى وما يشتهون من مآكل ومشارب وملابس مرتفعة؛ ولهذا قال لهم‏:‏ ‏{‏أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 61‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 58‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 112‏]‏‏.‏ وقال في حق هؤلاء‏:‏ ‏{‏وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ‏}‏ أي‏:‏ بكفرهم، ‏{‏فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ‏}‏ أي‏:‏ جعلناهم حديثا للناس، وَسمَرًا يتحدثون به من خبرهم، وكيف مكر الله بهم، وفرق شملهم بعد الاجتماع والألفة والعيش الهنيء تفرقوا في البلاد هاهنا وهاهنا؛ ولهذا تقول العرب في القوم إذا تفرقوا‏:‏ ‏"‏تفرقوا أيدي سبأ‏"‏ ‏"‏وأيادي سبأ‏"‏ و‏"‏تفرقوا شَذَرَ مَذَرَ‏"‏‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان، حدثنا إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، سمعت أبي يقول‏:‏ سمعت عكرمة يحدث بحديث أهل سبأ، قال‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ ‏[‏عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ‏]‏‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ‏}‏ وكانت فيهم كهنة، وكانت الشياطين يسترقون السمع، فأخبروا الكهنة بشيء من أخبار السماء، فكان فيهم رجل كاهن شريف كثير المال، وإنه خُبّر أن زوال أمرهم قد دنا، وأن العذاب قد أظلهم ‏.‏ فلم يدر كيف يصنع؛ لأنه كان له مال كثير من عقار، فقال لرجل من بنيه- وهو أعزهم أخوالا- ‏:‏ إذا كان غدا وأمرتك بأمر فلا تفعل، فإذا انتهرتك فانتهرني، فإذا تناولتك فالطمني‏.‏ فقال‏:‏ يا أبت، لا تفعل، إن هذا أمر عظيم، وأمر شديد، قال‏:‏ يا بني، قد حدث أمر لا بد منه‏.‏ فلم يزل به حتى وافاه على ذلك‏.‏ فلما أصبحوا واجتمع الناس، قال‏:‏ يا بني، افعل كذا وكذا‏.‏ فأبى، فانتهره أبوه، فأجابه، فلم يزل ذلك بينهما حتى تناوله أبوه، فوثب على أبيه فلطمه، فقال‏:‏ ابني يلطمني‏؟‏ عَلَيّ بالشفرة‏.‏ قالوا‏:‏ وما تصنع بالشفرة‏؟‏ قال‏:‏ أذبحه‏.‏ قالوا‏:‏ تذبح ابنك‏.‏ الطمه أو اصنع ما بدا لك‏.‏ قال‏:‏ فأبى، قال‏:‏ فأرسلوا إلى أخواله فأعلموهم ذلك، فجاء أخواله فقالوا‏:‏ خذ منا ما بدا لك‏.‏ فأبى إلا أن يذبحه‏.‏ قالوا‏:‏ فلتموتن قبل أن تذبحه‏.‏ قال‏:‏ فإذا كان الحديث هكذا فإني لا أرى أن أقيم ببلد يحال بيني وبين ولدي فيه، اشتروا مني دوري، اشتروا مني أرضي، فلم يزل حتى باع دوره وأرضيه وعقاره، فلما صار الثمن في يده وأحرزه، قال‏:‏ أي قوم، إن العذاب قد أظلكم، وزوال أمركم قد دنا، فمن أراد منكم دارا جديدا، وجملا شديدا، وسفرا بعيدا، فليلحق بعمان‏.‏ ومن أراد منكم الخَمْر والخَمير والعَصير- وكلمة، قال إبراهيم‏:‏ لم أحفظها- فليلحق ببصْرَى، ومن أراد الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل، المقيمات في الضحل، فليلحق بيثرب ذات نخل‏.‏ فأطاعه قومه فخرج أهل عمان إلى عمان‏.‏ وخرجت غسان إلى بصرى‏.‏ وخرجت الأوس والخزرج وبنو عثمان إلى يثرب ذات النخل‏.‏ قال‏:‏ فأتوا على بطن مر فقال بنو عثمان‏:‏ هذا مكان صالح، لا نبغي به بدلا‏.‏ فأقاموا به، فسموا لذلك خزاعة، لأنهم انخزعوا من أصحابهم، واستقامت الأوس والخزرج حتى نزلوا المدينة، وتوجه أهل عمان إلى عمان، وتوجهت غسان إلى بصرى‏.‏

هذا أثر غريب عجيب، وهذا الكاهن هو عمرو بن عامر أحد رؤساء اليمن وكبراء سبأ وكهانهم‏.‏

وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار في أول السيرة ما كان من أمر عمرو بن عامر الذي كان أول من خرج من بلاد اليمن، بسبب استشعاره بإرسال العَرم فقال‏:‏ وكان سبب خروج عمرو بن عامر من اليمن- فيما حدثني أبو زيد الأنصاري- ‏:‏ أنه رأى جرذًا يَحفر في سد مأرب، الذي كان يحبس عنهم الماء فيصرفونه حيث شاؤوا من أرضهم‏.‏ فعلم أنه لا بقاء للسد على ذلك، فاعتزم على النَّقُلة عن اليمن فكاد قومه، فأمر أصغر أولاده إذا أغلظ له ولطمه أن يقوم إليه فيلطمه، ففعل ابنه ما أمره به، فقال عمرو‏:‏ لا أقيم ببلد لَطَم وجهي فيها أصغر ولدي‏.‏ وعرض أمواله، فقال أشراف من أشراف اليمن‏:‏ اغتنموا غَضْبَةَ عمرو‏.‏ فاشتروا منه أمواله، وانتقل هو في ولده وولد ولده‏.‏ وقالت الأزد‏:‏ لا نتخلف عن عمرو بن عامر‏.‏ فباعوا أموالهم، وخرجوا معه فساروا حتى نزلوا بلاد ‏"‏عك‏"‏ مجتازين يرتادون البلدان، فحاربتهم عك، وكانت حربهم سجَالا‏.‏ ففي ذلك يقول عباس بن مرداس السلمي‏:‏

وَعَكَ بنُ عَدنَانَ الذين تَغَلَّبُوا *** بِغَسَّانَ، حتى طُرّدُوا كُلّ مَطْرَد

وهذا البيت من قصيدة له‏.‏

قال‏:‏ ثم ارتحلوا عنهم فتفرقوا في البلاد، فنزل آل جَفْنَة بن عمرو بن عامر الشام، ونزلت الأوس والخزرج يثرب، ونزلت خزاعة مَرّا‏.‏ ونزلت أزد السراة السراة، ونزلت أزد عُمَان عُمان، ثم أرسل الله على السد السيل فهدمَه، وفي ذلك أنزل الله عز وجل هذه الآيات‏.‏

وقد ذكر السدي قصة عمرو بن عامر بنحو مما ذكر محمد بن إسحاق، إلا أنه قال‏:‏ ‏"‏فأمر ابن أخيه‏"‏، مكان ‏"‏ابنه‏"‏، إلى قوله‏:‏ ‏"‏فباع ماله وارتحل بأهله، فتفرقوا‏"‏‏.‏ رواه ابن أبي حاتم‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ حدثنا ابن حميد، أخبرنا ‏[‏سلمة‏]‏ ، عن ابن إسحاق قال‏:‏ يزعمون أن عمرو بن عامر- وهو عم القوم- كان كاهنًا، فرأى في كهانته أن قومه سَيمَزّقون ويباعَدُ بين أسفارهم‏.‏ فقال لهم‏:‏ إني قد علمت أنكم ستمزقون، فمن كان منكم ذا هَمٍّ بعيد وجمل شديد، ومَزَاد جَديد- فليلحق بكاس أو كرود‏.‏ قال‏:‏ فكانت وادعة بن عمرو‏.‏ ومَنْ كان منكم ذا هَمّ مُدْن، وأمر دَعْن، فليلحق بأرض شَنْ‏.‏ فكانت عوف بن عمرو، وهم الذين يقال لهم‏:‏ بارق‏.‏ ومَنْ كان منكم يريد عيشا آنيا، وحرما آمنا، فليلحق بالأرزين‏.‏ فكانت خزاعة‏.‏ ومَنْ كان منكم يريد الراسيات في الوحل، المطعمات في المحل، فليلحق بيثرب ذات النخل‏.‏ فكانت الأوس والخزرج، وهما هذان الحيان من الأنصار‏.‏ ومَنْ كان منكم يريد خمرا وخَميرا، وذهبا وحريرا، وملكا وتأميرا، فليلحق بكُوثي وبُصرى، فكانت غسانَ بنو جَفنة ملوكُ الشام‏.‏ ومَنْ كان منهم بالعراق‏.‏ قال ابن إسحاق‏:‏ وقد سمعت بعض أهل العلم يقول‏:‏ إنما قالت هذه المقالة طريفةُ امرأة عمرو بن عامر، وكانت كاهنة، فرأت في كهانتها ذلك، فالله أعلم أيّ ذلك كان‏.‏

وقال سعيد، عن قتادة، عن الشعبي‏:‏ أما غسان فلحقوا بالشام، وأما الأنصار فلحقوا بيثرب، وأما خزاعة فلحقوا بتهامة، وأما الأزد فلحقوا بعمان، فمزقهم الله كل ممزق‏.‏ رواه ابن أبي حاتم وابن جرير‏.‏

ثم قال محمد بن إسحاق‏:‏ حدثني أبو عبيدة قال‏:‏ قال الأعشى- أعشى بني قيس بن ثعلبة- واسمه‏:‏ ميمون بن قيس‏:‏

وَفي ذَاكَ للمُؤتَسي أسْوَةٌ *** ومَأربُ عَفّى عَلَيها العَرم

رُخَام بَنَتْهُ لَهُمْ حِمْيرُ *** إذا جاءَ مَوَارهُ لم يَرم

فَأرْوَى الزُّرُوعَ وَأعنَابَها *** عَلَى سَعَة مَاؤهُمْ إذْ قُسِم

فَصَارُوا أيَادي مَا يَقْدرُو *** نَ منْه عَلَى شُرب طِفْل فُطِم

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ‏}‏ أي‏:‏ إن في هذا الذي حل بهؤلاء من النقمة والعذاب، وتبديل النعمة وتحويل العافية، عقوبةَ على ما ارتكبوه من الكفر والآثام- لعبرةً وَدَلالةً لكل عبد صبار على المصائب، شكور على النعم‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الرحمن وعبد الرزاق المعني، قالا أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن العَيْزَار بن حُرَيث عن عمر بن سعد، عن أبيه- هو سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏عجبت من قضاء الله تعالى للمؤمن، إن أصابه خير حَمدَ رَبَّه وشكر، وإن أصابته مصيبة حَمِد ربه وصَبَر، يؤجر المؤمن في كل شيء، حتى في اللقمة يرفعها إلى في امرأته‏"‏‏.‏

وقد رواه النسائي في ‏"‏اليوم والليلة‏"‏، من حديث أبي إسحاق السَّبِيعي، به- وهو حديث عزيز- من رواية عمر بن سعد، عن أبيه‏.‏ ولكن له شاهد في الصحيحين من حديث أبي هريرة‏:‏ ‏"‏عجبًا للمؤمن لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرا ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له‏.‏ وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن‏"‏‏.‏

قال عبد‏:‏ حدثنا يونس، عن شيبان، عن قتادة ‏{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ‏}‏ قال‏:‏ كان مطرّف يقول‏:‏ نعم العبد الصبار الشكور، الذي إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏20- 21‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ‏}‏‏.‏

لما ذكر ‏[‏الله‏]‏ تعالى قصة سبأ وما كان من أمرهم في اتباعهم الهوى والشيطان، أخبر عنهم وعن أمثالهم ممن اتبع إبليس والهوى، وخالف الرشاد والهدى، فقال‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ‏}‏‏.‏

قال ابن عباس وغيره‏:‏ هذه الآية كقوله تعالى إخبارًا عن إبليس حين امتنع من السجود لآدم، ثم قال‏:‏ ‏{‏أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 62‏]‏، ثم قال‏:‏‏}‏ ‏{‏ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 17‏]‏ والآيات في هذا كثيرة‏.‏

وقال الحسن البصري‏:‏ لما أهبط الله آدم من الجنة ومعه حواء، هبط إبليس فَرحا بما أصاب منهما، وقال‏:‏ إذا أصبت من الأبوين ما أصبت، فالذرية أضعف وأضعف‏.‏ وكان ذلك ظنًّا من إبليس، فأنزل الله عز وجل‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ فقال عند ذلك إبليس‏:‏ ‏"‏لا أفارق ابن آدم ما دام فيه الروح، أعدُه وأُمَنّيه وأخدعه‏"‏‏.‏ فقال الله‏:‏ ‏"‏وعزتي لا أحجب عنه التوبة ما لم يُغَرغِر بالموت، ولا يدعوني إلا أجبته، ولا يسألني إلا أعطيته، ولا يستغفرني إلا غفرت له‏"‏‏.‏ رواه ابن أبي حاتم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ أي من حجة‏.‏

وقال الحسن البصري‏:‏ والله ما ضربهم بعصا، ولا أكرههم على شيء، وما كان إلا غرورا وأماني دعاهم إليها فأجابوه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ‏}‏ أي‏:‏ إنما سلطناه عليهم ليظهرَ أمر مَنْ هو مؤمن بالآخرة وقيامها والحساب فيها والجزاء، فيُحسِنَ عبادة ربه عز وجل في الدنيا، ممن هو منها في شك‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ‏}‏ أي‏:‏ ومع حفظه ضَلّ من ضَلّ من اتباع إبليس، وبحفظه وكلاءته سَلِم مَنْ سلم من المؤمنين أتباع الرسل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22- 23‏]‏

‏{‏قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ‏}‏‏.‏

بَيَّن تعالى أنه الإله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لا نظير له ولا شريك له، بل هو المستقل بالأمر وحده، من غير مشارك ولا منازع ولا معارض، فقال‏:‏ ‏{‏قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ من الآلهة التي عبدت من دونه ‏{‏لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ‏}‏، كما قال تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 13‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ‏}‏ أي‏:‏ لا يملكون شيئا استقلالا ولا على سبيل الشركة، ‏{‏وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ‏}‏ أي‏:‏ وليس لله من هذه الأنداد من ظهير يستظهر به في الأمور، بلالخلق كلهم فقراء إليه، عبيد لديه‏.‏

قال قتادة في قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ‏}‏، من عون يعينه بشيء‏.‏

وقال‏:‏ ‏{‏وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ‏}‏ أي‏:‏ لعظمته ‏[‏وجلاله‏]‏ وكبريائه لا يجترئ أحد أن يشفع عنده تعالى في شيء إلا بعد إذنه له في الشفاعة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏255‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ ‏[‏وَيَرْضَى‏]‏‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏ 26‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 28‏]‏‏.‏

ولهذا ثبت في الصحيحين ، من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو سيد ولد آدم، وأكبر شفيع عند الله- ‏:‏ أنه حين يقوم المقام المحمود ليشفع في الخلق كلّهم أن يأتي ربّهم لفصل القضاء، قال‏:‏ ‏"‏فأسجد لله فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ويفتح علي بمحامد لا أحصيها الآن، ثم يقال‏:‏ يا محمد، ارفع رأسك، وقل يُسمع، وسل تُعْطَه واشفع تشفع‏"‏ الحديث بتمامه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ‏}‏‏.‏ وهذا أيضا مقام رفيع في العظمة‏.‏ وهو أنه تعالى إذا تكلم بالوحي، سمع أهل السموات كلامه، أرْعدوا من الهيبة حتى يلحقهم مثل الغشي‏.‏ قاله ابن مسعود ومسروق، وغيرهما‏.‏

‏{‏حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِم‏}‏ أي‏:‏ زال الفزع عنها‏.‏ قال ابن عباس، وابن عمر وأبو عبد الرحمن السلمي والشعبي، وإبراهيم النَّخَعيّ، والضحاك والحسن، وقتادة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِم‏}‏ يقول‏:‏ جُلِّى عن قلوبهم، وقرأ بعض السلف- وجاء مرفوعا- ‏:‏ ‏"‏‏[‏حَتَّى‏]‏ إذَا فرغ‏"‏ بالغين المعجمة، ويرجع إلى الأول‏.‏

فإذا كان كذلك يسأل بعضهم بعضا‏:‏ ماذا قال ربكم‏؟‏ فيخبر بذلك حملة العرش للذين يلونهم، ثم الذين يلونهم لمن تحتهم، حتى ينتهي الخبر إلى أهل السماء الدنيا؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏قَالُوا الْحَقّ‏}‏ أي‏:‏ أخبروا بما قال من غير زيادة ولا نقصان، ‏{‏وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ‏}‏‏.‏

وقال آخرون‏:‏ بل معنى قوله‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ‏}‏ يعني‏:‏ المشركين عند الاحتضار، ويوم القيامة إذا استيقظوا مما كانوا فيه من الغفلة في الدنيا، ورجعت إليهم عقولهم يوم القيامة، قالوا‏:‏ ماذا قال ربكم‏؟‏ فقيل لهم‏:‏ الحق وأخبروا به مما كانوا عنه لاهين في الدنيا‏.‏

قال ابن أبي نجيح، عن مجاهد‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ‏}‏‏:‏ كشف عنها الغطاء يوم القيامة‏.‏

وقال الحسن‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ‏}‏ يعني‏:‏ ما فيها من الشك والتكذيب‏.‏ وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ‏}‏ يعني‏:‏ ما فيها من الشك، قال‏:‏ فزع الشيطان عن قلوبهم وفارقهم وأمانيهم وما كان يضلهم، ‏{‏قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ‏}‏ قال‏:‏ وهذا في بني آدم، هذا عند الموت، أقروا حين لا ينفعهم الإقرار‏.‏

وقد اختار ابن جرير القول الأول‏:‏ أن الضمير عائد على الملائكة‏.‏ هذا هو الحق الذي لا مرية فيه، لصحة الأحاديث فيه والآثار، ولنذكر منها طرفا يدل على غيره‏:‏

قال البخاري عند تفسير هذه الآية الكريمة في صحيحه‏:‏ حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو، سمعت عِكْرِمة، سمعت أبا هُرَيرة يقول‏:‏ إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذا قضى الله الأمرَ في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خُضعانًا لقوله، كأنه سلسلة على صفوانَ، فإذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا‏:‏ ماذا قال ربكم‏؟‏ قالوا للذي قال‏:‏ الحقّ، وهو العلي الكبير فيسمعها مُسْتَرق السمع، ومسترق السمع- هكذا بعضه فوق بعض- ووصف سفيان بيده- فحَرّفها وبَدّد بين أصابعه- فيسمع الكلمة، فيلقيها إلى مَنْ تحته، ثم يلقيها الآخر إلى مَنْ تحته، حتى يلقيَها على لسان الساحر أو الكاهن، فَربما أدركه الشّهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كَذْبَة، فيقال‏:‏ أليس قد قال لنا يومَ كذا وكذا‏:‏ كذا وكذا‏؟‏ فيصدّق بتلك الكلمة التي سُمعت من السماء‏.‏

انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم من هذا الوجه‏.‏ وقد رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، من حديث سفيان بن عيينة، به‏.‏

حديث آخر‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر وعبد الرزاق‏:‏ أخبرنا مَعْمَر، أخبرنا الزهري، عن علي بن الحسين، عن ابن عباس قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏[‏جالسًا‏]‏ في نفر من أصحابه- قال عبد الرزاق‏:‏ ‏"‏من الأنصار‏"‏- فرُميَ بنجم فاستنار، ‏[‏قال‏]‏ ‏:‏ ‏"‏ما كنتم تقولون إذا كان مثلُ هذا في الجاهلية‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ كنا نقول يُولَد عظيم، أو يموت عظيم- قلت للزهري‏:‏ أكان يرمى بها في الجاهلية‏؟‏ قال‏:‏ نعم، ولكن غُلّظت حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا، تبارك وتعالى، إذا قضى أمرا سبح حَمَلةُ العرش ‏[‏ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح هذه الدنيا، ثم يستخبر أهل السماء الذين يَلُونَ حملة العرش، فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش‏]‏‏:‏ ماذا قال ربكم‏؟‏ فيخبرونهم، ويخبر أهل كل سماء سماء؛ حتى ينتهي الخبر إلى هذه السماء، وتخطف الجن السمع فيرمون، فما جاؤوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يفرقون فيه ويزيدون‏.‏

هكذا رواه الإمام أحمد‏.‏ وقد أخرجه مسلم في صحيحه، من حديث صالح بن كَيْسَان، والأوزاعي، ويونس ومَعْقِل بن عبيد الله ، أربعتهم عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن ابن عباس عن رجل من الأنصار، به ‏.‏ ورواه وقال يونس‏:‏ عن رجال من الأنصار ، وكذا رواه النسائي في ‏"‏التفسير‏"‏ من حديث الزبيدي، عن الزهري، به ‏.‏ ورواه الترمذي فيه عن الحُسَين بن حريث؛ عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن عُبَيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن رجل من الأنصار، رضي الله عنه ، والله أعلم‏.‏

حديث آخر‏:‏ قال ابن أبى حاتم‏:‏ حدثنا محمد بن عوف وأحمد بن منصور بن سيار الرمادي- والسياق لمحمد بن عوف- قالا حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا الوليد- هو ابن مسلم- عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن عبد الله بن أبي زكرياء، عن رجاء بن حيوة، عن النواس بن سَمْعان قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذا أراد الله أن يوحي بأمره تكلم بالوحي، فإذا تكلم أخذت السموات منه رجفة- أو قال‏:‏ رعدة- شديدة؛ من خوف الله، فإذا سمع بذلك أهل السموات صعقوا وخروا لله سجدا، فيكون أول مَنْ يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد، فيمضي به جبريل على الملائكة، كلما مَرّ بسماء سماء سأله ملائكتها‏:‏ ماذا قال ربنا يا جبريل‏؟‏ فيقول‏:‏ قال‏:‏ الحقّ، وهو العلي الكبير‏.‏ فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل، فينتهي جبريل بالوحي حيث أمره الله من السماء والأرض‏"‏‏.‏

وكذا رواه ابن جرير وابن خُزَيمة، عن زكريا بن أبان المصري، عن نعيم بن حماد، به‏.‏

قال ابن أبي حاتم‏:‏ سمعت أبي يقول‏:‏ ليس هذا الحديث بالشام عن الوليد بن مسلم، رحمه الله‏.‏

وقد روى ابن أبي حاتم من حديث العَوفي، عن ابن عباس- وعن قتادة‏:‏ أنهما فسرا هذه الآية بابتداء إيحاء الله سبحانه إلى محمد صلى الله عليه وسلم بعد الفترة التي كانت بينه وبين عيسى، ولا شك أن هذا أولى ما دخل في هذه الآية‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏24- 27‏]‏

‏{‏قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}‏‏.‏

يقول تعالى مقررًا تفرُّدَه بالخلق والرزق ، وانفراده بالإلهية أيضا، فكما كانوا يعترفون بأنه لا يرزقهم من السماء والأرض- أي‏:‏ بما ينزل من المطر وينبت من الزرع- إلا الله، فكذلك فليعلموا أنه لا إله غيره‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ‏}‏‏:‏ هذا من باب اللف والنشر، أي‏:‏ واحد من الفريقين مبطل، والآخر محق، لا سبيل إلى أن تكونوا أنتم ونحن على الهدى أو على الضلال، بل واحد منا مصيب، ونحن قد أقمنا البرهان على التوحيد، فدل على بطلان ما أنتم عليه من الشرك بالله؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ‏}‏‏.‏

قال قتادة‏:‏ قد قال ذلك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم للمشركين‏:‏ والله ما نحن وإياكم على أمر واحد، إن أحد الفريقين لمهتد‏.‏

وقال عِكْرِمة وزياد بن أبي مريم‏:‏ معناه‏:‏ إنا نحن لعلى هدى، وإنكم لفي ضلال مبين‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ‏}‏‏:‏ معناه التبري منهم، أي‏:‏ لستم منا ولا نحن منكم، بل ندعوكم إلى الله وإلى توحيده وإفراد العبادة له، فإن أجبتم فأنتم منا ونحن منكم، وإن كذبتم فنحن برآء منكم وأنتم بُرآء منا، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 41‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ‏.‏ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ‏.‏ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ‏.‏ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ‏.‏ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ‏.‏ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ‏}‏ ‏[‏سورة الكافرون‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا‏}‏ أي‏:‏ يوم القيامة، يجمع ‏[‏بين‏]‏ الخلائق في صعيد واحد، ثم يفتح بيننا بالحق، أي‏:‏ يحكم بيننا بالعدل، فيجزي كل عامل بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر‏.‏ وستعلمون يومئذ لمن العزة والنصرة والسعادة الأبدية، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ‏.‏ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ‏.‏ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 14- 16‏]‏؛ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ‏}‏ أي‏:‏ الحاكم العادل العالم بحقائق الأمور‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ‏}‏ أي‏:‏ أروني هذه الآلهة التي جعلتموها لله أندادا وصيَّرتموها له عدْلا‏.‏ ‏{‏كَلا‏}‏ أي‏:‏ ليس له نظير ولا نَديد، ولا شريك ولا عديل، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏بَلْ هُوَ اللَّهُ‏}‏‏:‏أي‏:‏ الواحد الأحد الذي لا شريك له ‏{‏الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}‏ أي‏:‏ ذو العزة التي قد قهر بها كل شيء، وَغَلَبت كل شيء، الحكيم في أفعاله وأقواله، وشرعه وقدره، تعالى وتقدس‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏28- 30‏]‏

‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ‏}‏‏.‏

يقول تعالى لعبده ورسوله محمد، صلوات الله وسلامه عليه ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ‏}‏‏:‏ أي‏:‏ إلا إلى جميع الخلق من المكلفين، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 158‏]‏، ‏{‏تَبَارَكَ الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 1‏]‏‏.‏ ‏{‏بَشِيرًا وَنَذِيرًا‏}‏ أي تبشر مَنْ أطاعك بالجنة، وتنذر مَنْ عصاك بالنار‏.‏

‏{‏وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏}‏، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 103‏]‏، ‏{‏وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 116‏]‏‏.‏

قال محمد بن كعب في قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ‏}‏ يعني‏:‏ إلى الناس عامة‏.‏

وقال قتادة في هذه الآية‏:‏ أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى العرب والعجم، فأكرمُهم على الله أطوعهم لله عز وجل‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبو عبد الله الظهراني، حدثنا حفص بن عمر العَدَني، حدثنا الحكم- يعني‏:‏ ابن أبان- عن عِكْرِمة قال‏:‏ سمعت ابن عباس يقول‏:‏ إن الله فضل محمدًا صلى الله عليه وسلم على أهل السماء وعلى الأنبياء‏.‏ قالوا‏:‏ يا بن عباس، فيم فضله الله على الأنبياء‏؟‏ قال‏:‏ إن الله قال‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ‏}‏، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ‏}‏، فأرسله الله إلى الجن والإنس‏.‏

وهذا الذي قاله ابن عباس قد ثبت في الصحيحين رَفْعهُ عن جابر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي‏:‏ نصرت بالرعب مسيرة شهر‏.‏ وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل‏.‏ وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي‏.‏ وأعطيت الشفاعة‏.‏ وكان النبي يبعث إلى قومه، وبعثت إلى الناس عامة‏"‏‏.‏

وفي الصحيح أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏بعثت إلى الأسود والأحمر‏"‏‏:‏ قال مجاهد‏.‏ يعني‏:‏ الجن والإنس‏.‏ وقال غيره‏:‏ يعني‏:‏ العرب والعجم‏.‏ والكل صحيح‏.‏

ثم قال تعالى مخبرا عن الكفار في استبعادهم قيام الساعة‏:‏ ‏{‏وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ‏}‏ الآية ‏[‏الشورى‏:‏ 18‏]‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏{‏قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ‏}‏ أي‏:‏ لكم ميعاد مؤجل معدود محرر، لا يزداد ولا ينتقص، فإذا جاء فلا يؤخر ساعة ولا يقدم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ‏}‏ ‏[‏نوح‏:‏ 4‏]‏، وقال ‏{‏وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلا لأجَلٍ مَعْدُودٍ‏.‏ يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 104، 105‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏31- 33‏]‏

‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ‏{‏قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

يخبر تعالى عن تمادي الكفار في طغيانهم وعنادهم وإصرارهم على عدم الإيمان بالقرآن وما أخبر به من أمر المعاد؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ‏}‏‏.‏ قال الله تعالى متهددا لهم ومتوعدا، ومخبرا عن مواقفهم الذليلة بين يديه في حال تخاصمهم وتحاجهم‏:‏ ‏{‏يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا‏}‏ منهم وهم الأتباع ‏{‏لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا‏}‏ وهم قادتهم وسادتهم‏:‏ ‏{‏لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ‏}‏ أي‏:‏ لولا أنتم تصدونا، لكنا اتبعنا الرسل وآمنا بما جاؤونا به‏.‏ فقال لهم القادة والسادة، وهم الذين استكبروا‏:‏ ‏{‏أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ نحن ما فعلنا بكم أكثر من أنَّا دعوناكم فاتبعتمونا من غير دليل ولا برهان، وخالفتم الأدلة والبراهين والحجج التي جاءت بها الأنبياء، لشهوتكم واختياركم لذلك؛ ولهذا قالوا‏:‏ ‏{‏بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ‏.‏ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَار‏}‏ أي‏:‏ بل كنتم تمكرون بنا ليلا ونهارا، وتَغُرّونا وتُمَنّونا، وتخبرونا أنا على هدى وأنا على شيء، فإذا جميع ذلك باطل وكَذبٌ ومَيْن‏.‏

قال قتادة، وابن زيد‏:‏ ‏{‏بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ‏}‏ يقول‏:‏ بل مكرهم بالليل والنهار‏.‏ وكذا قال مالك، عن زيد بن أسلم‏:‏ مكرهم بالليل والنهار‏.‏

‏{‏إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا‏}‏ أي نظراء وآلهة معه، وتقيموا لنا شُبَهًا وأشياءَ من المحال تضلونا بها ‏{‏وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ‏}‏ أي‏:‏ الجميع من السادة والأتباع، كُلٌّ نَدم على ما سَلَف منه‏.‏

‏{‏وَجَعَلْنَا الأغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏‏:‏ وهي السلاسل التي تجمع أيديهم مع أعناقهم، ‏{‏هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏ أي‏:‏ إنما نجازيكم بأعمالكم، كُلٌّ بحسبه، للقادة عذاب بحسبهم، وللأتباع بحسبهم ‏{‏قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 38‏]‏‏.‏

قال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبي، حدثنا فَرْوَة بن أبي المغراء، حدثنا محمد بن سليمان بن الأصبهاني، عن أبي سنان ضرار بن صُرَد، عن عبد الله بن أبي الهُذَيل ، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن جهنم لما سيق إليها أهلها تَلَقَّاهم لهبها، ثم لَفَحَتْهُم لفحةً فلم يبق لحم إلا سقط على العرقوب‏"‏‏.‏

وحدثنا أبي، حدثنا أحمد بن أبي الحواري، حدثنا الطيب أبو الحسن، عن الحسن بن يحيى الخُشَني قال‏:‏ ما في جهنم دار ولا مغار ولا غل ولا سلسلة ولا قيد، إلا اسم صاحبها عليه مكتوب‏.‏ قال‏:‏ فحدثته أبا سليمان- يعني‏:‏ الداراني، رحمة الله عليه- فبكى ثم قال‏:‏ ويحك‏.‏ فكيف به لو جمع هذا كله عليه، فجعل القيد في رجليه، والغُلّ في يديه والسلسلة في عنقه، ثم أدخل النار وأدخل المغار‏؟‏‏!‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏34- 39‏]‏

‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ‏}‏‏.‏

يقول تعالى مسليا لنبيه، وآمرا له بالتأسي بمن قبله من الرسل، ومخبره بأنه ما بعث نبيا في قرية إلا كذبه مترفوها، واتبعه ضعفاؤهم، كما قال قوم نوح‏:‏ ‏{‏أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأرْذَلُونَ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 111‏]‏، ‏{‏وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 27‏]‏، وقال الكبراء من قوم صالح‏:‏ ‏{‏لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ‏.‏ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 75، 76‏]‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 53‏]‏‏؟‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 122‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا ‏[‏فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ‏}‏‏]‏‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 16‏]‏‏.‏ وقال هاهنا‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ‏}‏ أي‏:‏ نبي أو رسول ‏{‏إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا‏}‏، وهم أولو النعمة والحشمة والثروة والرياسة‏.‏

قال قتادة‏:‏ هم جَبَابرتهم وقادتهم ورؤوسهم في الشر‏.‏ ‏{‏إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونََ‏}‏ أي‏:‏ لا نؤمن به ولا نتبعه‏.‏

قال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا علي بن الحسين، حدثنا هارون بن إسحاق، حدثنا محمد بن عبد الوهاب عن سفيان عن عاصم، عن أبي رَزِين قال‏:‏ كان رجلان شريكان خرج أحدهما إلى الساحل وبقي الآخر، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى صاحبه يسأله‏:‏ ما فعل‏؟‏ فكتب إليه أنه لم يتبعه أحد من قريش، إنما اتبعه أراذل الناس ومساكينهم‏.‏ قال‏:‏ فترك تجارته ثم أتى صاحبه فقال‏:‏ دلني عليه- قال‏:‏ وكان يقرأ الكتب، أو بعض الكتب- قال‏:‏ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إلام تدعو‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏إلى كذا وكذا‏"‏‏.‏ قال‏:‏ أشهد أنك رسول الله‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏وما علمك بذلك‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ إنه لم يبعث نبي إلا اتبعه رُذَالة الناس ومساكينهم‏.‏ قال‏:‏ فنزلت هذه الآية ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ‏}‏‏]‏الآيات‏]‏ ، قال‏:‏ فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن الله قد أنزل تصديق ما قلت‏"‏‏.‏

وهكذا قال هرقل لأبي سفيان حين سأله عن تلك المسائل، قال فيها‏:‏ وسألتك‏:‏ أضعفاء الناس اتبعه أم أشرافهم فزعمت‏:‏ بل ضعفاؤهم، وهم أتباع الرسل‏.‏

وقوله تعالى إخبارا عن المترفين المكذبين‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينََ‏}‏ أي‏:‏ افتخروا بكثرة الأموال والأولاد، واعتقدوا أن ذلك دليل على محبة الله لهم واعتنائه بهم، وأنه ما كان ليعطيهم هذا في الدنيا، ثم يعذبهم في الآخرة، وهيهات لهم ذلك‏.‏ قال الله‏:‏ ‏{‏أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ‏.‏ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏ 55، 56‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 55‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا‏.‏ وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا‏.‏ وَبَنِينَ شُهُودًا‏.‏ وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا‏.‏ ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ‏.‏ كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا‏.‏ سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا‏.‏‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏ 11- 17‏]‏‏.‏

وقد أخبر الله عن صاحب تينك الجنتين‏:‏ أنه كان ذا مال وولد وثمر، ثم لم تُغن عنه شيئا، بل سُلب ذلك كله في الدنيا قبل الآخرة؛ ولهذا قال تعالى هاهنا‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ‏}‏ أي‏:‏ يعطي المال لمن يحب ومَنْ لا يحب، فيفقر مَنْ يشاء ويغني مَنْ يشاء، وله الحكمة التامة البالغة، والحجة الدامغة القاطعة ‏{‏وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونََ‏}‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏{‏وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى‏}‏ أي‏:‏ ليست هذه دليلا على محبتنا لكم، ولا اعتنائنا بكم‏.‏

قال الإمام أحمد، رحمه الله‏:‏ حدثنا كَثير، حدثنا جعفر، حدثنا يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم‏"‏‏.‏ ‏[‏و‏]‏ رواه مسلم وابن ماجة، من حديث كثير بن هشام، عن جعفر بن بُرْقَان، به‏.‏

ولهذا قال‏:‏ ‏{‏إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا‏}‏ أي‏:‏ إنما يقربكم عندنا زلفى الإيمان والعمل الصالح، ‏{‏فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا‏}‏ أي‏:‏ تضاعف لهم الحسنة بعشرة أمثالها، إلى سبعمائة ضعف ‏{‏وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ‏}‏ أي‏:‏ في منازل الجنة العالية آمنون من كل بأس وخوف وأذى، ومن كل شر يُحْذَر منه‏.‏

قال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبي، حدثنا فَرْوَة بن أبي المغراء الكندي، حدثنا القاسم وعلي بن مُسْهِر، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي، رضي الله عنه، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن في الجنة لَغرفا ترى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها‏"‏‏.‏ فقال أعرابي‏:‏ لمن هي‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لمن طيب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، ‏[‏وصلى بالليل والناس نيام‏]‏‏"‏ ‏.‏

‏{‏وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ‏}‏ أي‏:‏ يسعون في الصد عن سبيل الله، واتباع الرسل والتصديق بآياته، ‏{‏أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ‏}‏ أي‏:‏ جميعهم مَجْزيون بأعمالهم فيها بحسبهم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ‏}‏ أي‏:‏ بحسب مَا لَه في ذلك من الحكمة، يبسط على هذا من المال كثيرا، ويضيق على هذا ويقتر على هذا رزقه جدًا، وله في ذلك من الحكمة ما لا يدركها غيره، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 21‏]‏ أي‏:‏ كما هم متفاوتون في الدنيا‏:‏ هذا فقير مدقع، وهذا غني مُوَسَّع عليه، فكذلك هم في الآخرة‏:‏ هذا في الغُرفات في أعلى الدرجات، وهذا في الغَمرَات في أسفل الدركات‏.‏ وأطيب الناس في الدنيا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏قد أفلح مَنْ أسلم ورُزق كَفَافا، وقَنَّعه الله بما آتاه‏"‏‏.‏ رواه مسلم من حديث ابن عَمْرو‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ‏}‏ أي‏:‏ مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم، فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب، كما ثبت في الحديث ‏:‏ يقول الله تعالى‏:‏ أنْفق أنْفق عليك‏"‏ ‏.‏ وفي الحديث‏:‏ أن ملكين يَصيحان كل يوم، يقول أحدهما‏:‏ ‏"‏اللهم أعط مُمْسِكا تَلَفًا‏"‏، ويقول الآخر‏:‏ ‏"‏اللهم أعط منفقا خَلَفًا‏"‏ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرش إقلالا‏"‏‏.‏

وقال ابن أبي حاتم عن يزيد بن عبد العزيز الطلاس، حدثنا هُشَيْم عن الكوثر بن حكيم، عن مكحول قال‏:‏ بلغني عن حذيفة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ألا إن بعدكم زمان عضوض، يعض الموسر على ما في يده حذار الإنفاق‏"‏‏.‏ ثم تلا هذه الآية‏:‏ ‏{‏وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينََ‏}‏‏.‏

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي‏:‏ حدثنا روح بن حاتم، حدثنا هُشَيم، عن الكوثر بن حكيم عن مكحول قال‏:‏ بلغني عن حذيفة أنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ألا إن بعد زمانكم هذا زمان عضوض، يعض الموسر على ما في يديه حذار الإنفاق‏"‏، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينََ‏}‏، وَيَنْهَل شرار الخلق يبايعون كل مضطر، ألا إن بيع المضطرين حرام،‏[‏ألا إن بيع المضطرين حرام‏]‏ المسلم أخو المسلم‏.‏ لا يظلمه ولا يخذله، إن كان عندك معروف، فَعُد به على أخيك، وإلا فلا تَزده هلاكا إلى هلاكه‏"‏‏.‏

هذا حديث غريب من هذا الوجه، وفي إسناده ضعف‏.‏

وقال سفيان الثوري، عن أبي يونس الحسن بن يزيد قال‏:‏ قال مجاهد‏:‏ لا يتأولن أحدكم هذه الآية‏:‏ ‏{‏وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهَ‏}‏‏:‏ إذا كان عند أحدكم ما يقيمه فليقصد فيه، فإن الرزق مقسوم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏40- 45‏]‏

‏{‏وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ وَمَا آَتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آَتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ‏}‏‏.‏

يخبر تعالى أنه يقرع المشركين يوم القيامة على رؤوس الخلائق، فيسأل الملائكة الذين كان المشركون يزعمون أنهم يعبدون الأنداد التي هي على صورة الملائكة ليقربوهم إلى الله زلفى، فيقول للملائكة‏:‏ ‏{‏أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ‏}‏‏؟‏ أي‏:‏ أنتم أمرتم هؤلاء بعبادتكم‏؟‏ كما قال في سورة الفرقان‏:‏ ‏{‏أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 17‏]‏، وكما يقول لعيسى‏:‏ ‏{‏أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 116‏]‏‏.‏ وهكذا تقول الملائكة‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَكَ‏}‏ أي‏:‏ تعاليتَ وتقدست عن أن يكون معك إله ‏{‏أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ نحن عبيدك ونبرأ إليك من هؤلاء، ‏{‏بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ‏}‏ يعنون‏:‏ الشياطين؛ لأنهم هم الذين يزينون لهم عبادة الأوثان ويضلونهم ، ‏{‏أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ‏}‏، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ‏}‏ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 117‏]‏‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلا ضَرًّا‏}‏ أي‏:‏ لا يقع لكم نفع ممن كنتم ترجون نفعه اليوم من الأنداد والأوثان، التي ادخرتم عبادتها لشدائدكم وكُرَبكم، اليوم لا يملكون لكم نفعا ولا ضرا، ‏{‏وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا‏}‏- وهم المشركون- ‏{‏ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ‏}‏ أي‏:‏ يقال لهم ذلك، تقريعا وتوبيخا‏.‏

‏{‏وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ‏}‏‏.‏

يخبر تعالى عن الكفار أنهم يستحقون منه العقوبة والأليم من العذاب؛ لأنهم كانوا إذا تتلى عليهم آياته بينات يسمعونها غَضَّةً طرية من لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ‏{‏قَالُوا مَا هَذَا إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ‏}‏، يعنون أن دين آبائهم هو الحق، وأن ما جاءهم به الرسول عندهم باطل- عليهم وعلى آبائهم لعائن الله- ‏{‏وَقَالُوا مَا هَذَا إِلا إِفْكٌ مُفْتَرًى‏}‏ يعنون‏:‏ القرآن، ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ‏}‏‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ‏}‏ أي‏:‏ ما أنزل الله على العرب من كتاب قبل القرآن، وما أرسل إليهم نبيًا قبل محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كانوا يَوَدّون ذلك ويقولون‏:‏ لو جاءنا نذير أو أنزل علينا كتاب، لكنا أهدى من غيرنا، فلما مَنَّ الله عليهم بذلك كذبوه وعاندوه وجحدوه‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏{‏وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ من الأمم، ‏{‏وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ أي من القوة في الدنيا‏.‏ وكذلك قال قتادة، والسدّي، وابن زيد‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏ 26‏]‏، ‏{‏أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 82‏]‏، أي‏:‏ وما دفع ذلك عنهم عذاب الله ولا رده، بل دمر الله عليهم لما كذبوا رسله؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ‏}‏ أي‏:‏ فكيف كان نكالي وعقابي وانتصاري لرسلي‏؟‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

‏{‏قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ‏}‏‏.‏

يقول تعالى‏:‏ قل يا محمد لهؤلاء الكافرين الزاعمين أنك مجنون‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ‏}‏ أي‏:‏ إنما آمركم بواحدة، وهي‏:‏ ‏{‏أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ‏}‏ أي‏:‏ تقوموا قياما خالصًا لله، من غير هوى ولا عصبية، فيسأل بعضكم بعضا‏:‏ هل بمحمد من جنون‏؟‏ فينصح بعضكم بعضا، ‏{‏ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا‏}‏ أي‏:‏ ينظر الرجل لنفسه في أمر محمد صلى الله عليه وسلم، ويسأل غيره من الناس عن شأنه إن أشكل عليه، ويتفكر في ذلك؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ‏}‏‏.‏

هذا معنى ما ذكره مجاهد، ومحمد بن كعب، والسُّدِّيّ، وقتادة، وغيرهم، وهذا هو المراد من الآية‏.‏

فأما الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول‏:‏ ‏"‏أعطيت ثلاثا لم يعطهن مَن قبلي ولا فخر‏:‏ أحلت لي الغنائم، ولم تحل لمن قبلي، كانوا قبلي يجمعون غنائمهم فيحرقونها‏.‏ وبُعثت إلى كل أحمر وأسود، وكان كل نبي يبعث إلى قومه، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، أتيمم بالصعيد، وأصلي حيث أدركتني الصلاة، قال الله‏:‏ ‏{‏أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى‏}‏ وأعنت بالرعب مسيرة شهر بين يدي‏"‏- فهو حديث ضعيف الإسناد، وتفسير الآية بالقيام في الصلاة في جماعة وفرادى بعيد، ولعله مقحم في الحديث من بعض الرواة، فإن أصله ثابت في الصحاح وغيرها والله أعلم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ‏}‏‏:‏ قال البخاري عندها‏:‏

حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا محمد بن خَازم، حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرَّة، عن سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس قال‏:‏ صَعدَ النبي صلى الله عليه وسلم الصفا ذات يوم، فقال‏:‏ ‏"‏يا صباحاه‏"‏‏.‏ فاجتمعت إليه قريش، فقالوا‏:‏ ما لك‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يُصَبّحكم أو يُمَسّيكم، أما كنتم تصدقوني‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ بلى‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد‏"‏‏.‏ فقال أبو لهب‏:‏ تبا لك‏!‏ ألهذا جمعتنا‏؟‏ فأنزل الله‏:‏ ‏{‏تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ‏}‏ ‏[‏المسد‏]‏‏.‏

وقد تقدم عند قوله‏:‏ ‏{‏وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 214‏]‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أبو نعيم، حدثنا بشير بن المهاجر، حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال‏:‏ خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فنادى ثلاث مرات فقال‏:‏ ‏"‏أيها الناس، أتدرون ما مثلي ومثلكم‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏إنما مثلي ومثلكم مثلُ قوم خافوا عدوا يأتيهم، فبعثوا رجلا يتراءى لهم، فبينما هو كذلك أبصر العدو، فأقبل لينذرهم وخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه، فأهوى بثوبه‏:‏ أيها الناس، أوتيتم‏.‏ أيها الناس، أوتيتم- ثلاث مرات‏"‏‏.‏

وبهذا الإسناد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏بعثت أنا والساعة جميعًا، إن كادت لتسبقني‏"‏‏.‏ تفرد به الإمام أحمد في مسنده‏.‏

‏{‏قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلامُ الْغُيُوبِ‏}‏‏.‏