فصل: تفسير السورة التي يذكر فيها الماعون

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم ***


تفسير السورة التي يذكر فيها الماعون

وهي مكية‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏1 - 7‏]‏

بسم الله الرحمن الرحيم

‏{‏أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ أرأيت -يا محمد- الذي يكذب بالدين‏؟‏ وهو‏:‏ المعاد والجزاء والثواب، ‏{‏فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ‏}‏ أي‏:‏ هو الذي يقهر اليتيم ويظلمه حقه، ولا يطعمه ولا يحسن إليه، ‏{‏وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ‏}‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏كَلا بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ‏}‏ ‏[‏الفجر‏:‏ 17، 18‏]‏ يعني‏:‏ الفقير الذي لا شيء له يقوم بأوده وكفايته‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏{‏فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ‏}‏ قال ابن عباس، وغيره‏:‏ يعني المنافقين، الذين يصلون في العلانية ولا يصلون في السر‏.‏

ولهذا قال‏:‏ ‏{‏لِلْمُصَلِّينَ‏}‏ أي‏:‏ الذين هم من أهل الصلاة وقد التزموا بها، ثم هم عنها ساهون، إما عن فعلها بالكلية، كما قاله ابن عباس، وإما عن فعلها في الوقت المقدر لها شرعا، فيخرجها عن وقتها بالكلية، كما قاله مسروق، وأبو الضحى‏.‏

وقال عطاء بن دينار‏:‏ والحمد لله الذي قال‏:‏ ‏{‏عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ‏}‏ ولم يقل‏:‏ في صلاتهم ساهون‏.‏

وإما عن وقتها الأول فيؤخرونها إلى آخره دائما أو غالبا‏.‏ وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به‏.‏ وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها، فاللفظ يشمل هذا كله، ولكن من اتصف بشيء من ذلك قسط من هذه الآية‏.‏ ومن اتصف بجميع ذلك، فقد تم نصيبه منها، وكمل له النفاق العملي‏.‏ كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يجلس يَرْقُب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا‏"‏ فهذا آخر صلاة العصر التي هي الوسطى، كما ثبت به النص إلى آخر وقتها، وهو وقت كراهة، ثم قام إليها فنقرها نقر الغراب، لم يطمئن ولا خشع فيها أيضا؛ ولهذا قال‏:‏ ‏"‏لا يذكر الله فيها إلا قليلا‏"‏‏.‏ ولعله إنما حمله على القيام إليها مراءاة الناس، لا ابتغاء وجهالله، فهو إذًا لم يصل بالكلية‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 142‏]‏‏.‏ وقال هاهنا‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ‏}‏ وقال الطبراني‏:‏ حدثنا يحيى بن عبد الله بن عبدويه البغدادي، حدثني أبي، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن يونس، عن الحسن، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إن في جهنم لواديا تستعيذ جهنم من ذلك الوادي في كل يوم أربعمائة مرة، أعد ذلك الوادي للمرائين من أمة محمد‏:‏ لحامل كتاب الله‏.‏ وللمصدق في غير ذات الله، وللحاج إلى بيت الله، وللخارج في سبيل الله‏"‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أبو نُعَيم، حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة قال‏:‏ كنا جلوسا عند أبي عبيدة فذكروا الرياء، فقال رجل يكنى بأبي يزيد‏:‏ سمعت عبد الله بن عمرو يقول‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من سَمَّع الناس بعمله، سَمَّع الله به سامعَ خلقه، وحَقَّره وصَغَّره‏"‏‏.‏

ورواه أيضا عن غُنْدَر ويحيى القطان، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن رجل، عن عبد الله ابن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره‏.‏

ومما يتعلق بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ‏}‏ أن من عمل عملا لله فاطلع عليه الناس، فأعجبه ذلك، أن هذا لا يعد رياء، والدليل على ذلك ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده‏:‏ حدثنا هارون بن معروف، حدثنا مخلد بن يزيد، حدثنا سعيد بن بشير، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال‏:‏ كنت أصلي، فدخل علي رجل، فأعجبني ذلك، فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ ‏"‏كتب لك أجران‏:‏ أجر السر، وأجر العلانية‏"‏‏.‏

قال أبو علي هارون بن معروف‏:‏ بلغني أن ابن المبارك قال‏:‏ نعم الحديثُ للمرائين‏.‏

وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وسعيد بن بشير متوسط، وروايته عن الأعمش عزيزة وقد رواه غيره عنه‏.‏

قال أبو يعلى أيضا‏:‏ حدثنا محمد بن المثنى بن موسى، حدثنا أبو داود، حدثنا أبو سِنان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رجل‏:‏ يا رسول الله، الرجل يعمل العمل يَسُرُّه، فإذا اطُّلعَ عليه أعجبه‏.‏ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏له أجران‏:‏ أجر السر وأجر العلانية‏"‏‏.‏

وقد رواه الترمذي عن محمد بن المثنى، وابن ماجة عن بُنْدَار، كلاهما عن أبي داود الطيالسي عن أبي سنان الشيباني - واسمه‏:‏ ضرار بن مرة‏.‏ ثم قال الترمذي‏:‏ غريب، وقد رواه الأعمش وغيره‏.‏ عن حبيب عن ‏[‏النبي صلى الله عليه وسلم‏]‏ مرسلا‏.‏

وقد قال أبو جعفر بن جرير‏:‏ حدثني أبو كُرَيْب، حدثنا معاوية بن هشام، عن شيبان النحوي عن جابر الجعفي، حدثني رجل، عن أبي برزة الأسلمي قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏الله أكبر، هذا خير لكم من أن لو أعطي كل رجل منكم مثل جميع الدنيا، هو الذي إن صلى لم يَرْجُ خير صلاته، وإن تركها لم يخف ربه‏"‏‏.‏ فيه جابر الجعفي، وهو ضعيف، وشيخه مبهم لم يُسَم، والله أعلم‏.‏

وقال ابن جرير أيضا‏:‏ حدثني زكريا بن أبان المصري، حدثنا عمرو بن طارق، حدثنا عِكْرمِة بن إبراهيم، حدثني عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص قال‏:‏ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها‏"‏‏.‏

وتأخير الصلاة عن وقتها يحتمل تركها بالكلية، أو صلاتها بعد وقتها شرعا، أو تأخيرها عن أول الوقت ‏[‏سهوا حتى ضاع‏]‏ الوقت‏.‏

وكذا رواه الحافظ أبو يعلى عن شيبان بن فَرُّوخ، عن عكرمة بن إبراهيم، به‏.‏ ثم رواه عن أبي الربيع، عن جابر، عن عاصم، عن مصعب، عن أبيه موقوفًا وهذا أصح إسنادًا، وقد ضعف البيهقي رفعه، وصحح وقفه، وكذلك الحاكم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ‏}‏ أي‏:‏ لا أحسنوا عبادة ربهم، ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم‏.‏ فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القُرُبات أولى وأولى‏.‏ وقد قال ابن أبي نجيح عن مجاهد‏:‏ قال علي‏:‏ الماعون‏:‏ الزكاة‏.‏ وكذا رواه السدي، عن أبي صالح، عن علي‏.‏ وكذا روي من غير وجه عن ابن عمر‏.‏ وبه يقول محمد بن الحنفية، وسعيد بن جبير، وعِكْرِمة، ومجاهد، وعطاء، وعطية العوفي، والزهري، والحسن، وقتادة، والضحاك، وابن زيد‏.‏

وقال الحسن البصري‏:‏ إن صلى راءى، وإن فاتته لم يأس عليها، ويمنع زكاة ماله وفي لفظ‏:‏ صدقة ماله‏.‏

وقال زيد بن أسلم‏:‏ هم المنافقون ظهرت الصلاة فصلوها، وضَمنَت الزكاة فمنعوها‏.‏

وقال الأعمش وشعبة، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار‏:‏ أن أبا العبيدين سأل عبد الله بن مسعود عن الماعون، فقال‏:‏ هو ما يتعاوره الناس بينهم من الفأس، والقدر، ‏[‏والدلو‏]‏‏.‏

‏[‏وقال المسعودي، عن سلمة بن كُهَيْل، عن أبي العُبَيدين‏:‏ أنه سُئِل ابنُ مسعود عن الماعون، فقال‏:‏ هو ما يتعاطاه الناس بينهم، من الفأس والقدر‏]‏ والدلو، وأشباه ذلك‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ حدثني محمد بن عبيد المحاربي، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي العُبَيدين وسعد بن عياض، عن عبد الله قال‏:‏ كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الماعون الدلو، والفأس، والقدر، لا يستغنى عنهن‏.‏

وحدثنا خلاد بن أسلم، أخبرنا النضر بن شُمَيْل، أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق قال‏:‏ سمعت سعد بن عياض يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثله‏.‏

وقال الأعمش، عن إبراهيم، عن الحارث بن سويد، عن عبد الله أنه سئل عن الماعون، فقال‏:‏ ما يتعاوره الناس بينهم‏:‏ الفأس والدلو وشبهه‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ حدثنا عمرو بن علي الفلاس، حدثنا أبو داود -هو الطيالسي- حدثنا أبو عَوانَة، عن عاصم بن بَهْدَلة، عن أبي وائل، عن عبد الله قال‏:‏ كنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم ونحن نقول‏:‏ الماعون‏:‏ منع الدلو وأشباه ذلك‏.‏

وقد رواه أبو داود والنسائي، عن قتيبة، عن أبي عوانة بإسناده، نحوه ولفظ النسائي عن عبد الله قال‏:‏ كل معروف صدقة، وكنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاريَّة الدلو والقدر‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبي، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله قال‏:‏ الماعون‏:‏ العَواري‏:‏ القدر، والميزان، والدلو‏.‏

وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ‏}‏ يعني‏:‏ متاع البيت‏.‏ وكذا قال مجاهد وإبراهيم النَّخعي، وسعيد بن جبير، وأبو مالك، وغير واحد‏:‏ إنها العاريَّة للأمتعة‏.‏

وقال ليث بن أبي سليم، عن مجاهد عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ‏}‏ قال‏:‏ لم يجئ أهلها بعد‏.‏وقال العوفي عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ‏}‏ قال‏:‏ اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قال‏:‏ يمنعون الزكاة‏.‏ ومنهم من قال‏:‏ يمنعون الطاعة‏.‏ ومنهم من قال‏:‏ يمنعون العارية‏.‏ رواه ابن جرير‏.‏ ثم روي عن يعقوب بن إبراهيم، عن ابن عُلَيَة، عن ليث بن أبي سليم، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي‏:‏ الماعون‏:‏ منع الناس الفأس، والقدر، والدلو‏.‏ وقال عكرمة‏:‏ رأس الماعون زكاة المال، وأدناه‏.‏ المنخل والدلو، والإبرة‏.‏ رواه ابن أبى حاتم‏.‏

وهذا الذي قاله عكرمة حسن؛ فإنه يشمل الأقوال كلها، وترجع كلها إلى شيء واحد‏.‏ وهو ترك المعاونة بمال أو منفعة‏.‏ ولهذا قال محمد بن كعب‏:‏ ‏{‏وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ‏}‏ قال‏:‏ المعروف‏.‏ ولهذا جاء في الحديث‏:‏ ‏"‏كل معروف صدقة‏"‏‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري‏:‏ ‏{‏وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ‏}‏ قال‏:‏ بلسان قريش‏:‏ المال‏.‏ وروى هاهنا حديثا غريبا عجيبا في إسناده ومتنه فقال‏:‏ حدثنا أبي، وأبو زُرْعَة قالا حدثنا قيس ابن حفص الدارمي، حدثنا دلهم بن دهثم العجلي، حدثنا عائذ بن ربيعة النَميري، حدثني قرة بن دعموص النميري‏:‏ أنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا‏:‏ يا رسول الله، ما تعهد إلينا‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لا تمنعون الماعون‏"‏‏.‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله، وما الماعون‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏في الحَجَر، وفي الحديدة، وفي الماء‏"‏‏.‏ قالوا‏:‏ فأي حديدة‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏قدوركم النحاس، وحديد الفأس الذي تمتهنون به‏"‏‏.‏ قالوا‏:‏ وما الحجر‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏قدوركم الحجارة‏"‏‏.‏ غريب جدا، ورفعه منكر، وفي إسناده من لا يعرف، والله أعلم‏.‏

وقد ذكر ابنُ الأثير في الصحابة ترجمة ‏"‏علي النميري‏"‏، فقال‏:‏ روى ابن قانع بسنده إلى عائذ ابن ربيعة بن قيس النميري، عن علي بن فلان النميري‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏المسلم أخو المسلم‏.‏ إذا لقيه حَيَّاه بالسلام، ويرد عليه ما هو خير منه، لا يمنع الماعون‏"‏‏.‏ قلت‏:‏ يا رسول الله، ما الماعون‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏الحَجَر، والحديد، وأشباه ذلك‏"‏‏.‏

آخر تفسير سورة ‏"‏الماعون‏"‏‏.‏

تفسير سورة الكوثر

وهي مدنية، وقيل‏:‏ مكية‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير الآيات رقم ‏[‏1 - 3‏]‏

‏{‏إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ‏}‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا محمد بن فضيل، عن المختار بن فُلْفُل، عن أنس بن مالك قال‏:‏ أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة، فرفع رأسه مبتسما، إما قال لهم وإما قالوا له‏:‏ لم ضحكت‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنه أنزلت عليَّ آنفا سورة‏"‏‏.‏ فقرأ‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم ‏{‏إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ‏}‏ حتى ختمها، قال‏:‏ ‏"‏هل تدرون ما الكوثر‏؟‏ ‏"‏، قالوا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏هو نهر أعطانيه ربي، عز وجل، في الجنة، عليه خير كثير، تردُ عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب، يُخْتَلَج العبد منهم فأقول‏:‏ يا رب، إنه من أمتي‏.‏ فيقال‏:‏ إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك‏"‏‏.‏ هكذا رواه الإمام أحمد بهذا الإسناد الثلاثي، وهذا السياق‏.‏

وقد ورد في صفة الحوض يوم القيامة أنه يَشْخَب فيه ميزابان من السماء عن نهر الكوثر، وأن عليه آنية عددَ نجوم السماء‏.‏ وقد روى هذا الحديث مسلم وأبو داود والنسائي، من طريق محمد بن فضيل، وعلي بن مُسْهِر، كلاهما عن المختار بن فُلْفُل، عن أنس‏.‏ ولفظ مسلم قال‏:‏ ‏"‏بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا في المسجد، إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسما، قلنا‏:‏ ما أضحكك يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أنزلت علي آنفا سورة‏"‏، فقرأ‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم ‏{‏إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ‏}‏ ثم قال‏:‏ ‏"‏أتدرون ما الكوثر‏؟‏‏"‏ قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فإنه نهر وَعَدنيه ربي، عز وجل، عليه خير كثير، هو حوض تَرِدُ عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم فَيختلجُ العبد منهم، فأقول‏:‏ رب إنه من أمتي‏.‏ فيقول‏:‏ إنك لا تدري ما أحدث بعدك‏"‏‏.‏

وقد استدل به كثير من القراء على أن هذه السورة مدنية، وكثير من الفقهاء على أن البسملة من السورة، وأنها منزلة معها‏.‏

فأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ‏}‏ فقد تقدم في هذا الحديث أنه نهر في الجنة‏.‏ وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى، عن أنس فقال‏:‏ حدثنا عفان، حدثنا حماد، أخبرنا ثابت،

عن أنس أنه قرأ هذه الآية ‏{‏إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ‏}‏ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أعطيتُ الكوثر، فإذا هو نهر يجري، ولم يُشق شقًا، وإذا حافتاه قباب اللؤلؤ، فضربت بيدي في تربته، فإذا مسكه ذَفَرة، وإذا حصاه اللؤلؤ‏"‏

وقال الإمام أحمد أيضا‏:‏ حدثنا محمد بن أبي عدي، عن حميد، عن أنس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏دخلت الجنة فإذا أنا بنهر، حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء، فإذا مسك أذفر‏.‏ قلت‏:‏ ما هذا يا جبريل‏؟‏ قال‏:‏ هذا الكوثر الذي أعطاكه الله، عز وجل‏"‏‏.‏ ورواه البخاري في صحيحه، ومسلم، من حديث شيبان بن عبد الرحمن، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال‏:‏ لما عُرجَ بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال‏:‏ ‏"‏أتيتُ على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقلت‏:‏ ما هذا يا جبريل‏؟‏ قال‏:‏ هذا الكوثر‏"‏‏.‏ وهذا لفظ البخاري رحمه الله‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ حدثنا الربيع، أخبرنا ابن وهب، عن سليمان بن هلال، عن شريك بن أبي نمر، قال‏:‏ سمعت أنس بن مالك يحدثنا قال‏:‏ لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم، مضى به جبريل في السماء الدنيا، فإذا هو بنهر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فذهب يُشمَ تُرَابه، فإذا هو مسك‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏يا جبريل، ما هذا النهر‏؟‏ قال‏:‏ هو الكوثر الذي خَبَأ لك ربك‏"‏‏.‏

وقد تقدم ‏[‏في‏]‏ حديث الإسراء في سورة ‏"‏سبحان‏"‏، من طريق شريك عن أنس ‏[‏عن النبي صلى الله عليه وسلم‏]‏ وهو مخرج في الصحيحين‏.‏

وقال سعيد، عن قتادة، عن أنس‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏بينا أنا أسير في الجنة إذ عرض لي نهر، حافتاه قباب اللؤلؤ مُجَوف، فقال الملك الذي معه‏:‏ أتدري ما هذا‏؟‏ هذا الكوثر الذي أعطاك الله‏.‏ وضرب بيده إلى أرضه، فأخرج من طينه المسك‏"‏ وكذا رواه سليمان بن طِرْخان، ومعمر وهَمَام وغيرهم، عن قتادة، به‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ حدثنا أحمد بن أبي سُرَيج حدثنا أبو أيوب العباسي، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثني محمد بن عبد الله، ابن أخي ابن شهاب، عن أبيه، عن أنس قال‏:‏ سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر، فقال‏:‏ ‏"‏هو نهر أعطانيه الله في الجنة، ترابه مسك، ‏[‏ماؤه‏]‏ أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، ترده طير أعناقها مثل أعناق الجُزُر‏"‏‏.‏ فقال أبو بكر‏:‏ يا رسول الله، إنها لناعمة‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أكلها أنعم منها‏"‏‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا أبو سلمة الخزاعي، حدثنا الليث، عن يزيد بن الهاد، عن عبد الوهاب، عن عبد الله بن مسلم بن شهاب، عن أنس، أن رجلا قال‏:‏ يا رسول الله، ما الكوثر‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نهر في الجنة أعطانيه ربي، لهو أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر‏"‏‏.‏ قال عمر‏:‏ يا رسول الله، إنها لناعمة‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أكلها أنعم منها يا عمر‏"‏‏.‏

رواه ابن جرير، من حديث الزهري، عن أخيه عبد الله، عن أنس‏:‏ أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر، فذكر مثله سواء‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عائشة قال‏:‏ سألتها عن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ‏}‏ قالت‏:‏ نهر ‏[‏عظيم‏]‏ أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم، شاطئاه عليه در مجوف، آنيته كعدد النجوم‏.‏ ثم قال البخاري‏:‏ رواه زكريا وأبو الأحوص ومطرف، عن أبي إسحاق‏.‏ ورواه أحمد والنسائي، من طريق مُطرّف، به‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ حدثنا أبو كُرَيب، حدثنا وَكِيع، عن سفيان، وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عائشة قالت‏:‏ الكوثر نهر في الجنة، شاطئاه در مُجَوف‏.‏ وقال إسرائيل‏:‏ نهر في الجنة عليه من الآنية عدد نجوم السماء‏.‏

وحدثنا ابن حُمَيد، حدثنا يعقوب القُمي عن حفص بن حميد، عن شَمِر بن عطية، عن شقيق أو مسروق قال‏:‏ قلت لعائشة‏:‏ يا أم المؤمنين، حدثيني عن الكوثر‏.‏ قالت‏:‏ نهر في بطنان الجنة‏.‏ قلت‏:‏ وما بطنان الجنة‏؟‏ قالت‏:‏ وسطها، حافتاه قصور اللؤلؤ والياقوت، ترابه المسك، وحصاؤه اللؤلؤ والياقوت‏.‏

وحدثنا أبو كريب، حدثنا وكيع، عن أبي جعفر الرازي، عن ابن أبي نجيح، عن عائشة قالت‏:‏ من أحب أن يسمع خرير الكوثر، فَلْيَجعل أصبعيه في أذنيه‏.‏

وهذا منقطع بين ابن أبي نجيح وعائشة، وفي بعض الروايات‏:‏ ‏"‏عن رجل، عنها‏"‏‏.‏ ومعنى هذا أنه يسمع نظير ذلك، لا أنه يسمعه نفسه، والله أعلم‏.‏

قال السهيلي‏:‏ ورواه الدارقطني مرفوعا، من طريق مالك بن مِغْوَل عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

ثم قال البخاري‏:‏ حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا هُشَيم، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال في الكوثر‏:‏ هو الخير الذي أعطاه الله إياه‏.‏ قال أبو بشر‏:‏ قلت لسعيد بن جبير‏:‏ فإن ناسًا يَزْعُمون أنه نهر في الجنة‏؟‏ فقال سعيد‏:‏ النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه‏.‏

ورواه أيضا من حديث هشيم، عن أبي بشر وعطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال‏:‏ الكوثر‏:‏ الخير الكثير‏.‏

‏[‏وقال الثوري، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال‏:‏ الكوثر‏:‏ الخير الكثير‏]‏‏.‏

وهذا التفسير يعم النهر وغيره؛ لأن الكوثر من الكثرة، وهو الخير الكثير، ومن ذلك النهر كما قال ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، ومحارب بن دِثَار، والحسن بن أبي الحسن البصري‏.‏ حتى قال مجاهد‏:‏ هو الخير الكثير في الدنيا والآخرة‏.‏ وقال عكرمة‏:‏ هو النبوة والقرآن، وثواب الآخرة‏.‏ وقد صح عن ابن عباس أنه فسره بالنهر أيضا، فقال ابن جرير‏:‏

حدثنا أبو كُرَيب، حدثنا عمر بن عبيد، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال‏:‏ الكوثر‏:‏ نهر في الجنة، حافتاه ذهب وفضة، يجري على الياقوت والدر، ماؤه أبيض من الثلج وأحلى من العسل‏.‏ وروى العوفي، عن ابن عباس، نحو ذلك‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ حدثني يعقوب، حدثنا هشيم، أخبرنا عطاء بن السائب، عن محارب بن دِثار، عن ابن عمر أنه قال‏:‏ الكوثر نهر في الجنة، حافتاه ذهب وفضة، يجري على الدروالياقوت، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل‏.‏

وكذا رواه الترمذي عن ابن حميد، عن جرير، عن عطاء بن السائب، به مثله موقوفا‏.‏ وقد روي مرفوعا فقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا علي بن حفص، حدثنا ورقاء قال‏.‏‏.‏‏.‏ وقال عطاء ‏[‏بن السائب‏]‏ عن محارب بن دِثار، عن ابن عمر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب، والماء يجري على اللؤلؤ، وماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل‏"‏‏.‏ وهكذا رواه الترمذي، وابن ماجة، وابن أبي حاتم، وابن جرير، من طريق محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، به مرفوعا وقال الترمذي‏:‏ حسن صحيح‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ حدثني يعقوب، حدثنا ابن عُليَّة، أخبرنا عطاء بن السائب قال‏:‏ قال لي محارب بن دثار‏:‏ ما قال سعيد بن جبير في الكوثر‏؟‏ قلت‏:‏ حَدثَنا عن ابن عباس أنه قال‏:‏ هو الخير الكثير‏.‏ فقال‏:‏ صدق، والله إنه للخير الكثير‏.‏ ولكن حدثنا ابن عمر قال‏:‏ لما نزلت‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ‏}‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الكوثر نهر في الجنة، حافتاه من ذهب، يجري على الدر والياقوت‏"‏‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ حدثني ابن البرقي، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير، أخبرني حَرَام بن عثمان، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أسامة بن زيد‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حمزة بن عبد المطلب يوما فلم يجده، فسأل امرأته عنه -وكانت من بني النجار- فقالت‏:‏ خرج يا نبي الله آنفا عامدًا نحوك، فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار، أولا تدخلُ يا رسول الله‏؟‏ فدخل، فقدمت إليه حيسا، فأكل منه، فقالت‏:‏ يا رسول الله، هنيئا لك ومريئا، لقد جئتَ وأنا أريد أن آتيك فأهْنيك وأمْريك؛ أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏أجل، وعرضه -يعني أرضه- ياقوت ومرجان، وزبرجد ولؤلؤ‏"‏‏.‏

حَرَام بن عثمان ضعيف‏.‏ ولكن هذا سياق حسن، وقد صح أصل هذا، بل قد تواتر من طريق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث، وكذلك أحاديث الحوض ‏[‏ولنذكرها هاهنا‏]‏‏.‏

وهكذا رُوي عن أنس، وأبي العالية، ومجاهد، وغير واحدٍ من السلف‏:‏ أن الكوثر‏:‏ نهر في الجنة‏.‏ وقال عطاء‏:‏ هو حوض في الجنة‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ‏}‏ أي‏:‏ كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة، ومن ذلك النهرُ الذي تقدم صفته -فأخلص لربك صلاتك المكتوبة والنافلة ونَحْرَك، فاعبده وحده لا شريك له، وانحر على اسمه وحده لا شريك له‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 162، 163‏]‏ قال ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، وعكرمة، والحسن‏:‏ يعني بذلك نحر البُدْن ونحوها‏.‏ وكذا قال قتادة، ومحمد بن كعب القرظي، والضحاك، والربيع، وعطاء الخراساني، والحكم، وإسماعيل بن أبي خالد، وغير واحد من السلف‏.‏ وهذا بخلاف ما كان المشركون عليه من السجود لغير الله، والذبح على غير اسمه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ‏}‏ الآية ‏[‏الأنعام‏:‏121‏]‏‏.‏

وقيل‏:‏ المراد بقوله‏:‏ ‏{‏وَانْحَرْ‏}‏ وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت النحر‏.‏ يروى هذا عن علي، ولا يصح‏.‏ وعن الشعبي مثله‏.‏ وعن أبي جعفر الباقر‏:‏ ‏{‏وَانْحَرْ‏}‏ يعني‏:‏ ارفع اليدين عند افتتاح الصلاة‏.‏

وقيل‏:‏ ‏{‏وَانْحَرْ‏}‏ أي‏:‏ استقبل بنحرك القبلة‏.‏ ذكر هذه الأقوال الثلاثة ابن جرير‏.‏

وقد روى ابن أبي حاتم هاهنا حديثا منكرا جدا فقال‏:‏ حدثنا وهب بن إبراهيم الفامي - سنة خمس وخمسين ومائتين- حدثنا إسرائيل بن حاتم المروزي، حدثنا مقاتل بن حيان، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي بن أبي طالب قال‏:‏ لما نزلت هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ‏}‏ قال رسول الله‏:‏ ‏"‏يا جبريل، ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي‏؟‏ ‏"‏ فقال‏:‏ ليست بنحيرة، ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة، ارفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، وإذا سجدت، فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين في السموات السبع، وإن لكل شيء زينة، وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة‏.‏

وهكذا رواه الحاكم في المستدرك، من حديث إسرائيل بن حاتم، به‏.‏

وعن عطاء الخراساني‏:‏ ‏{‏وَانْحَرْ‏}‏ أي‏:‏ ارفع صلبك بعد الركوع واعتدل، وأبرز نحرك، يعني به الاعتدال‏.‏ رواه ابن أبي حاتم‏.‏

‏[‏كل هذه الأقوال غريبة جدا‏]‏ والصحيح القول الأول، أن المراد بالنحر ذبح المناسك؛ ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العيد ثم ينحر نسكه ويقول‏:‏ ‏"‏من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب النسك‏.‏ ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له‏"‏‏.‏ فقام أبو بردة بن نيار فقال‏:‏ يا رسول الله، إني نَسكتُ شاتي قبل الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم يشتهى فيه اللحم‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏شاتك شاة لحم‏"‏‏.‏ قال‏:‏ فإن عندي عناقا هي أحب إليَّ من شاتين، أفتجزئ عني‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏تجزئك، ولا تجزئ أحدا بعدك‏"‏‏.‏

قال أبو جعفر بن جرير‏:‏ والصواب قول من قال‏:‏ معنى ذلك‏:‏ فاجعل صلاتك كلها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان؛ شكرًا له على ما أعطاك من الكرامة والخير، الذي لا كِفَاء له، وخصك به‏.‏

وهذا الذي قاله في غاية الحسن، وقد سبقه إلى هذا المعنى‏:‏ محمد بن كعب القرظي، وعطاء‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ‏}‏ أي‏:‏ إن مبغضك -يا محمد- ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين، هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع ذكْرُه‏.‏

قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة‏:‏ نزلت في العاص بن وائل‏.‏

وقال محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان قال‏:‏ كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له، فإذا هلك انقطع ذكره‏.‏ فأنزل الله هذه السورة‏.‏ وقال شَمِر بن عطية‏:‏ نزلت في عقبة بن أبي مُعَيط‏.‏

وقال ابن عباس أيضا، وعكرمة‏:‏ نزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من كفار قريش‏.‏

وقال البزار‏:‏ حدثنا زياد بن يحيى الحَسَّاني، حدثنا بن أبي عدي، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال‏:‏ قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش‏:‏ أنت سيدهم ألا ترى إلى هذا المُصَنْبر المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج، وأهل السدانة وأهل السقاية‏؟‏ فقال‏:‏ أنتم خير منه‏.‏ قال‏:‏ فنزلت‏:‏ ‏{‏إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ‏}‏ هكذا رواه البزار وهو إسناد صحيح‏.‏

وعن عطاء‏:‏ نزلت في أبي لهب، وذلك حين مات ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب أبو لهب إلى المشركين وقال‏:‏ بُتِرَ محمد الليلة‏.‏ فأنزل الله في ذلك‏:‏ ‏{‏إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ‏}‏

وعن ابن عباس‏:‏ نزلت في أبي جهل‏.‏ وعنه‏:‏ ‏{‏إِنَّ شَانِئَكَ‏}‏ يعني‏:‏ عدوك‏.‏ وهذا يَعُمُّ جميعَ من اتصفَ بذلك ممن ذكر، وغيرهم‏.‏وقال عكرمة‏:‏ الأبتر‏:‏ الفرد‏.‏ وقال السُّدِّي‏:‏ كانوا إذا مات ذكورُ الرجل قالوا‏:‏ بُتر‏.‏ فلما مات أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا‏:‏ بتر محمد‏.‏ فأنزل الله‏:‏ ‏{‏إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ‏}‏ وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر الذي إذا مات انقطع ذكره، فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه ينقطع ذكره، وحاشا وكلا بل قد أبقى الله ذكره على رءوس الأشهاد، وأوجب شرعه على رقاب العباد، مستمرا على دوام الآباد، إلى يوم الحشر والمعاد صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم التناد‏.‏ آخر تفسير سورة ‏"‏الكوثر‏"‏، ولله الحمد والمنة‏.‏

تفسير سورة قل يا أيها الكافرون

وهي مكية‏.‏

ثبت في صحيح مسلم، عن جابر‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بهذه السورة، وبـ ‏"‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ في ركعتي الطواف‏.‏

وفي صحيح مسلم، من حديث أبي هريرة‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بهما في ركعتي الفجر‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا وَكِيع، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مجاهد، عن ابن عمر‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعتين قبل الفجر والركعتين بعد المغرب، بضعا وعشرين مرة -أو‏:‏ بضع عشرة مرة- ‏"‏ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ‏"‏ و‏"‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏"‏‏.‏

وقال أحمد أيضا‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مجاهد، عن ابن عمر قال‏:‏ رمقت النبي صلى الله عليه وسلم أربعا وعشرين -أو‏:‏ خمسا وعشرين- مرة، يقرأ في الركعتين قبل الفجر، والركعتين بعد المغرب بـ ‏"‏ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ‏"‏ و‏"‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏"‏‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا أبو أحمد -هو محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري- حدثنا سفيان -هو الثوري- عن أبي إسحاق، عن مجاهد، عن ابن عمر قال‏:‏ رَمقتُ النبي صلى الله عليه وسلم شهرًا، وكان يقرأ في الركعتين قبل الفجر بــ ‏"‏ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ‏"‏ و‏"‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏"‏‏.‏

وكذا رواه الترمذي وابن ماجة، من حديث أبي أحمد الزبيري وأخرجه النسائي من وجه آخر، عن أبي إسحاق، به وقال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن‏.‏

وقد تقدم في الحديث أنها تعدل ربع القرآن، و‏"‏ إِذَا زُلْزِلَتِ ‏"‏ تعدل ربع القرآن‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا زهير، حدثنا أبو إسحاق، عن فروةَ ابن نَوفل -هو ابن معاوية- عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له‏:‏ ‏"‏هل لك في ربيبة لنا تكفلها‏؟‏ ‏"‏ قال‏:‏ أراها زينب‏.‏ قال‏:‏ ثم جاء فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عنها، قال‏:‏ ‏"‏ما فعلت الجارية‏؟‏ ‏"‏ قال‏:‏ تركتها عند أمها‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فمجيء ما جاء بك‏؟‏ ‏"‏ قال‏:‏ جئت لتعلمني شيئًا أقوله عند منامي‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏اقرأ‏:‏ ‏"‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ‏"‏ ثم نم على خاتمتها، فإنها براءة من الشرك‏"‏‏.‏ تفرد به أحمد‏.‏

وقال أبو القاسم الطبراني‏:‏ حدثنا أحمد بن عَمرو القطراني، حدثنا محمد بن الطفيل، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن جبلة بن حارثة -وهو أخو زيد بن حارثة- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذا أويت إلى فراشك فاقرأ‏:‏ ‏"‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ‏"‏ حتى تمر بآخرها، فإنها براءة من الشرك‏"‏ ‏[‏والله أعلم وهو حسبي ونعم الوكيل‏]‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا حجاج، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن فروة بن نوفل، عن الحارث بن جبلة قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله، علمني شيئا أقوله عند منامي‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏إذا أخذت مضجعَك من الليل فاقرأ‏:‏ ‏"‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ‏"‏ فإنها براءة من الشرك‏"‏‏.‏

وروى الطبراني من طريق شريك، عن جابر عن معقل الزبيدي، عن ‏[‏عباد أبي الأخضر عن خباب‏]‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه قرأ‏:‏ ‏"‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ‏"‏ حتى يختمها‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏1 - 6‏]‏

بسم الله الرحمن الرحيم

‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ‏}‏

هذه السورة سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون، وهي آمرة بالإخلاص فيه، فقوله‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ‏}‏ شمل كل كافر على وجه الأرض، ولكن المواجهين بهذا الخطاب هم كفارُ قريش‏.‏

وقيل‏:‏ إنهم من جهلهم دَعَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة أوثانهم سنة، ويعبدون معبوده سنة، فأنزل الله هذه السورة، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فيها أن يتبرأ من دينهم بالكلية، فقال‏:‏ ‏{‏لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ‏}‏ يعني‏:‏ من الأصنام والأنداد، ‏{‏وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ‏}‏ وهو الله وحده لا شريك له‏.‏ فـ ‏"‏ما‏"‏ هاهنا بمعنى ‏"‏من‏"‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏{‏وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ‏}‏ أي‏:‏ ولا أعبد عبادتكم، أي‏:‏ لا أسلكها ولا أقتدي بها، وإنما أعبد الله على الوجه الذي يحبه ويرضاه؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ‏}‏ أي‏:‏ لا تقتدون بأوامر الله وشرعه في عبادته، بل قد اخترعتم شيئًا من تلقاء أنفسكم، كما قال‏:‏ ‏{‏إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏ 23‏]‏ فتبرأ منهم في جميع ما هم فيه، فإن العابد لا بد له من معبود يعبده، وعبادةيسلكها إليه، فالرسول وأتباعه يعبدون الله بما شرعه؛ ولهذا كان كلمة الإسلام ‏"‏لا إله إلا الله محمد رسول الله‏"‏ أي‏:‏ لا معبود إلا الله ولا طريق إليه إلا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والمشركون يعبدون غير الله عبادة لم يأذن بها الله؛ ولهذا قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ‏}‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏41‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 55‏]‏‏.‏

وقال البخاري‏:‏ يقال‏:‏ ‏{‏لَكُمْ دِينَكُمْ‏}‏ الكفر، ‏{‏وَلِيَ دِينِ‏}‏ الإسلام‏.‏ ولم يقل‏:‏ ‏"‏ديني‏"‏ لأن الآيات بالنون، فحذف الياء، كما قال‏:‏ ‏{‏فَهُوَ يَهْدِينِ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 78‏]‏ و‏{‏يَشْفِينِ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏80‏]‏ وقال غيره‏:‏ لا أعبد ما تعبدون الآن، ولا أجيبكم فيما بقي من عمري، ولا أنتم عابدون ما أعبد، وهم الذين قال‏:‏ ‏{‏وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 64‏]‏‏.‏

انتهى ما ذكره‏.‏

ونقل ابن جرير عن بعض أهل العربية أن ذلك من باب التأكيد، كقوله‏:‏ ‏{‏فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا‏}‏ ‏[‏الشرح‏:‏ 5، 6‏]‏ وكقوله‏:‏ ‏{‏لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ‏}‏ ‏[‏التكاثر‏:‏ 6، 7‏]‏ وحكاه بعضهم -كابن الجوزي، وغيره- عن ابن قتيبة، فالله أعلم‏.‏ فهذه ثلاثة أقوال‏:‏ أولها ما ذكرناه أولا‏.‏ الثاني‏:‏ ما حكاه البخاري وغيره من المفسرين أن المراد‏:‏ ‏{‏لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ‏}‏ في الماضي، ‏{‏وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ‏}‏ في المستقبل‏.‏ الثالث‏:‏ أن ذلك تأكيد محض‏.‏

وثم قول رابع، نصره أبو العباس بن تَيمية في بعض كتبه، وهو أن المراد بقوله‏:‏ ‏{‏لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ‏}‏ نفى الفعل لأنها جملة فعلية، ‏{‏وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ‏}‏ نفى قبوله لذلك بالكلية؛ لأن النفي بالجملة الاسمية آكد فكأنه نفى الفعل، وكونه قابلا لذلك ومعناه نفي الوقوع ونفي الإمكان الشرعي أيضا‏.‏ وهو قول حسن أيضا، والله أعلم‏.‏

وقد استدل الإمام أبو عبد الله الشافعي وغيره بهذه الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ‏}‏ على أن الكفر كله ملة واحدة تورثه اليهود من النصارى، وبالعكس؛ إذا كان بينهما نسب أو سبب يتوارث به؛ لأن الأديان -ما عدا الإسلام- كلها كالشيء الواحد في البطلان‏.‏ وذهب أحمد بن حنبل ومن وافقه إلى عدم توريث النصارى من اليهود وبالعكس؛ لحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا يتوارث أهل ملتين شتى‏"‏‏.‏

آخر تفسير سورة ‏"‏قل يا أيها الكافرون‏"‏ ولله الحمد والمنة‏.‏

تفسير سورة إذا جاء نصر الله والفتح

وهي مدنية‏.‏

قد تقدم أنها تعدل ربع القرآن، و‏"‏ إِذَا زُلْزِلَتِ ‏"‏ تعدل ربع القرآن‏.‏

وقال النسائي‏:‏ أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا جعفر، عن أبي العُمَيس‏(‏ح‏)‏ وأخبرنا محمد بن سليمان، حدثنا جعفر بن عون، حدثنا أبو العُمَيس، عن عبد المجيد بن سهيل عن عُبَيد الله بن عبد الله بن عتبة قال‏:‏ قال لي ابن عباس‏:‏ يا ابن عتبة، أتعلم آخر سورة من القرآن نزلت ‏؟‏ قلت‏:‏ نعم، ‏"‏ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ‏"‏ قال‏:‏ صدقت‏.‏ وروى الحافظ أبو بكر البزار والبيهقي، من حديث موسى بن عبيدة الرّبذي عن صدقة بن يَسَار، عن ابن عمر قال‏:‏ أنزلت هذه السورة‏:‏ ‏"‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ‏"‏ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق، فعرف أنه الوداع، فأمر براحلته القصواء فَرحَلت، ثم قام فخطب الناس، فذكر خطبته المشهورة‏.‏

وقال الحافظ البيهقي‏:‏ أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار، حدثنا الأسفاطي، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا عباد بن العوام، عن هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال‏:‏ لما نزلت‏:‏ ‏"‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ‏"‏ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة وقال‏:‏ ‏"‏إنه قد نُعِيت إليّ نفسي‏"‏، فبكت ثم ضحكت، وقالت‏:‏ أخبرني أنه نُعيت إليه نفسُه فبكيت، ثم قال‏:‏ ‏"‏اصبري فإنك أول أهلي لحاقًا بي‏"‏ فضحكت‏.‏ وقد رواه النسائي -كما سيأتي- بدون ذكر فاطمة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏1 - 3‏]‏

بسم الله الرحمن الرحيم

‏{‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا‏}‏

قال البخاري‏:‏ حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عَوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال‏:‏ كان عمر يُدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وَجَد في نفسه، فقال‏:‏ لم يَْخل هذا معنا ولنا أبناء مثله‏؟‏ فقال عمر‏:‏ إنه ممن قد علمتم فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم، فما رُؤيتُ أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليُريهم فقال‏:‏ ما تقولون في قول الله، عز وجل‏:‏ ‏{‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ‏}‏‏؟‏ فقال بعضهم‏:‏ أمرنا أن نَحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفُتح علينا‏.‏ وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا، فقال لي‏:‏ أكذلك تقول يا ابن عباس‏؟‏ فقلت‏:‏ لا‏.‏ فقال‏:‏ ما تقول‏؟‏ فقلت‏:‏ هو أجلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له، قال‏:‏ ‏{‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ‏}‏ فذلك علامة أجلك، ‏{‏فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا‏}‏ فقال عمر بن الخطاب‏:‏ لا أعلم منها إلا ما تقول‏.‏ تفرد به البخاري‏.‏ وروى ابن جرير، عن محمد بن حُمَيد، عن مِهْران، عن الثوري، عن عاصم، عن أبي رَزِين، عن ابن عباس، فذكر مثل هذه القصة، أو نحوها‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا محمد بن فُضَيل، حدثنا عطاء، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال‏:‏ لما نزلت‏:‏ ‏{‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ‏}‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏نُعِيَت إليّ نفسي‏"‏‏.‏‏.‏ بأنه مقبوض في تلك السنة‏.‏ تفرد به أحمد‏.‏

وروى العوفي، عن ابن عباس، مثله‏.‏ وهكذا قال مجاهد، وأبو العالية، والضحاك، وغير واحد‏:‏ إنها أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نُعِي إليه‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ حدثني إسماعيل بن موسى، حدثنا الحسين بن عيسى الحنفي عن مَعْمَر، عن الزهري، عن أبي حازم، عن ابن عباس قال‏:‏ بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة إذ قال‏:‏ ‏"‏الله أكبر، الله أكبر‏!‏ جاء نصر الله والفتح، جاء أهل اليمن‏"‏‏.‏ قيل‏:‏ يا رسول الله، وما أهل اليمن‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏قوم رقيقة قلوبهم، لينة طباعهم، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية‏"‏

ثم رواه عن ابن عبد الأعلى، عن ابن ثور، عن معمر، عن عكرمة، مرسلا‏.‏

وقال الطبراني‏:‏ حدثنا زكريا بن يحيى، حدثنا أبو كامل الجَحْدَريّ، حدثنا أبو عَوَانة، عن هلال بن خَبَّاب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال‏:‏ لما نزلت‏:‏ ‏{‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ‏}‏ حتى ختم السورة، قال‏:‏ نُعِيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه حين نزلت، قال‏:‏ فأخذ بأشد ما كان قط اجتهادًا في أمر الآخرة‏.‏ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك‏:‏ ‏"‏جاء الفتحُ ونصر الله، وجاء أهل اليَمن‏"‏‏.‏ فقال رجل‏:‏ يا رسول الله، وما أهل اليمن‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏قوم رقيقة قلوبهم، لينة قلوبهم، الإيمان يمان، والفقه يَمان‏"‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا وَكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي رَزين، عن ابن عباس قال‏:‏ لما نزلت‏:‏ ‏{‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ‏}‏ علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد نُعِيت إليه نفسه، فقيل‏:‏ ‏{‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ‏}‏ السورة كلها‏.‏

حدثنا وَكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي رَزِين‏:‏ أن عمر سأل ابن عباس عن هذه الآية‏:‏ ‏{‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ‏}‏ قال‏:‏ لما نزلت نُعيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه

وقال الطبراني‏:‏ حدثنا إبراهيم بن أحمد بن عُمَر الوكيعي، حدثنا أبي، حدثنا جَعفر بن عون، عن أبي العُمَيس، عن أبي بكر بن أبي الجهم، عن عُبَيد الله بن عَبد الله بن عتبة، عن ابن عباس قال‏:‏ آخر سورة نزلت من القرآن جميعًا‏:‏ ‏{‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ‏}‏‏.‏

وقال الإمام أحمد أيضًا‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مُرّة، عن أبي البَختُري الطائي ، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ لما نزلت هذه السورة‏:‏ ‏{‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ‏}‏ قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها، فقال‏:‏ ‏"‏الناس حيز، وأنا وأصحابي حيز‏"‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏"‏لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية‏"‏‏.‏ فقال له مَرْوان‏:‏ كذبت -وعنده رافع بن خَديج، وزيد بن ثابت، قاعدان معه على السرير -فقال أبو سعيد‏:‏ لو شاء هذان لحدثاك، ولكن هذا يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه، وهذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة‏.‏ فرفع مروان عليه الدرة ليضربه، فلما رأيا ذلك قالا صدق‏.‏

تفرد به أحمد، وهذا الذي أنكره مروان على أبي سعيد ليس بمنكر، فقد ثبت من رواية ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح‏:‏ ‏"‏لا هجرة، ولكن جهاد ونية، ولكن إذا استنفرتم فانفروا‏"‏‏.‏ أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما‏.‏

فالذي فسر به بعض الصحابة من جلساء عمر، رضي الله عنهم أجمعين، مِنْ أنه قد أمرنا إذا فتح الله علينا المدائن والحصون أن نحمد الله ونشكره ونسبحه، يعني نصلي ونستغفره -معنى مليح صحيح، وقد ثبت له شاهد من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وقت الضحى ثماني ركعات، فقال قائلون‏:‏ هي صلاة الضحى‏.‏ وأجيبوا بأنه لم يكن يواظب عليها، فكيف صلاها ذلك اليوم وقد كان مسافرًا لم يَنْو الإقامة بمكة‏؟‏ ولهذا أقام فيها إلى آخر شهر رمضان قريبًا من تسعة عشر يومًا يقصر الصلاة ويُفطر هو وجميع الجيش، وكانوا نحوًا من عشرة آلاف‏.‏ قال هؤلاء‏:‏ وإنما كانت صلاة الفتح، قالوا‏:‏ فيستحب لأمير الجيش إذا فتح بلدًا أن يصلي فيه أول ما يدخله ثماني ركعات‏.‏وهكذا فعل سعد بن أبي وقاص يوم فتح المدائن، ثم قال بعضهم‏:‏ يصليها كلها بتسليمة واحدة‏.‏ والصحيح أنه يسلم من كل ركعتين، كما ورد في سنن أبي داود‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم يوم الفتح من كل ركعتين‏.‏ وأما ما فسر به ابن عباس وعمر، رضي الله عنهما، من أن هذه السورة نُعِي فيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه الكريمة، واعلم أنك إذا فتحت مكة -وهي قريتك التي أخرجتك- ودخل الناس في دين الله أفواجًا، فقد فرغ شغلنا بك في الدنيا، فتهيأ للقدوم علينا والوفود إلينا، فالآخرة خير لك من الدنيا، ولسوف يعطيك ربك فترضى، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا‏}‏‏.‏

قال النسائي‏:‏ أخبرنا عمرو بن منصور، حدثنا محمد بن محبوب، حدثنا أبو عوانة، عن هلال ابن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال‏:‏ لما نزلت‏:‏ ‏{‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ‏}‏ إلى آخر السورة، قال‏:‏ نُعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسُه حين أنزلت، فأخذ في أشدّ ما كان اجتهادًا في أمر الآخرة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك‏:‏ ‏"‏جاء الفتح، وجاء نصر الله، وجاء أهل اليمن‏"‏‏.‏ فقال رجل‏:‏ يا رسول الله، وما أهل اليمن‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏قوم رقيقة قلوبهم، لَيِّنة قلوبهم، الإيمان يَمانٍ، والحكمة يمانية، والفقه يمان‏"‏‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جَرير، عن منصور، عن أبي الضحَى، عن مسروق، عن عائشة قالت‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده‏:‏ ‏"‏سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي‏"‏ يتأول القرآن‏.‏ وأخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي، من حديث منصور، به‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا محمد بن أبي عدي، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق قال‏:‏ قالت عائشة‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر في آخر أمره من قول‏:‏ ‏"‏سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه‏"‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏"‏إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي، وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره، إنه كان توابا، فقد رأيتها‏:‏ ‏{‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا‏}‏ ورواه مسلم من طريق داود -وهو ابن أبي هند- به‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ حدثنا أبو السائب، حدثنا حفص، حدثنا عاصم، عن الشعبي، عن أم سلمة قالت‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد، ولا يذهب ولا يجيء، إلا قال‏:‏ ‏"‏سبحان الله وبحمده‏"‏‏.‏ فقلت‏:‏ يا رسول الله، إنك تكثر من سبحان الله وبحمده، لا تذهب ولا تجيء، ولا تقوم ولا تقعد إلا قلت‏:‏ سبحان الله وبحمده‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏إني أمرت بها‏"‏، فقال‏:‏‏{‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ‏}‏ إلى آخر السورة‏.‏

غريب، وقد كتبنا حديث كفارة المجلس من جميع طرقه وألفاظه في جزء مُفرد، فيكتب هاهنا‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا وَكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عُبَيدة، عن عبد الله قال‏:‏ لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ‏}‏ كان يكثر إذا قرأها -ورَكَعَ- أن يقول‏:‏ ‏"‏سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم‏"‏ ثلاثا‏.‏

تفرد به أحمد‏.‏ ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه، عن عمرو بن مُرّة، عن شعبة، عن أبي إسحاق، به‏.‏

والمراد بالفتح هاهنا فتح مكة قولا واحدًا، فإن أحياء العرب كانت تَتَلَوّم بإسلامها فتح مكة، يقولون‏:‏ إن ظهر على قومه فهو نبي‏.‏ فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجًا، فلم تمض سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيمانًا، ولم يبق في سائر قبائل العرب إلا مظهر للإسلام، ولله الحمد والمنة‏.‏ وقد روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن سلمة قال‏:‏ لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت الأحياء تَتَلَوّمُ بإسلامها فتح مكة، يقولون‏:‏ دعوه وقومه، فإن ظهر عليهم فهو نبي‏.‏ الحديث وقد حَرّرنا غزوة الفتح في كتابنا‏:‏ السيرة، فمن أراد فليراجعه هناك، ولله الحمد والمنة‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا أبو إسحاق، عن الأوزاعي، حدثني أبو عمار، حدثني جار لجابر بن عبد الله قال‏:‏ قدمت من سفر فجاءني جابر بن عبد الله، فسلم عليّ ، فجعلت أحدّثهُ عن افتراق الناس وما أحدثوا، فجعل جابر يبكي، ثم قال‏:‏ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏إن الناس دخلوا في دين الله أفواجًا، وسيخرجون منه أفواجًا‏"‏‏.‏

‏[‏آخر تفسير سورة ‏"‏إذا جاء نصر الله والفتح‏"‏ ولله الحمد والمنة‏]‏

تفسير سورة تبت

وهي مكية‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏1 - 5‏]‏

بسم الله الرحمن الرحيم

‏{‏تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ‏}‏

قال البخاري‏:‏ حدثنا محمد بن سلام، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مُرّة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء، فصعد الجبل فنادى‏:‏ ‏"‏يا صباحاه‏"‏‏.‏ فاجتمعت إليه قريش، فقال‏:‏ ‏"‏أرأيتم إن حَدثتكم أن العدوّ مُصبحكم أو مُمْسيكم، أكنتم تصدقوني‏؟‏‏"‏‏.‏ قالوا‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذاب شديد‏"‏‏.‏ فقال أبو لهب‏:‏ ألهذا جمعتنا‏؟‏ تبا لك‏.‏ فأنزل الله‏:‏ ‏{‏تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ‏}‏ إلى آخرها‏.‏

وفي رواية‏:‏ فقام ينفض يديه، وهو يقول‏:‏ تبا لك سائر اليوم‏.‏ ألهذا جمعتنا‏؟‏ فأنزل الله‏:‏ ‏{‏تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ‏}‏‏.‏

الأول دعاء عليه، والثاني خبر عنه‏.‏ فأبو لهب هذا هو أحد أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه‏:‏ عبد العُزّى بن عبد المطلب، وكنيته أبو عُتبة‏.‏ وإنما سمي ‏"‏أبا لهب‏"‏ لإشراق وجهه، وكان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والبغضة له، والازدراء به، والتنقص له ولدينه‏.‏‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا إبراهيم بن أبي العباس، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه قال‏:‏ أخبرني رجل -يقال له‏:‏ ربيعة بن عباد، من بني الديل، وكان جاهليًا فأسلم -قال‏:‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول‏:‏ ‏"‏يا أيها الناس، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا‏"‏ والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضيء الوجه أحولُ ذو غديرتين، يقول‏:‏ إنه صابئ كاذب‏.‏ يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه فقالوا‏:‏ هذا عمه أبو لهب‏.‏

ثم رواه عن سُرَيج، عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، فذكره -قال أبو الزناد‏:‏ قلت لربيعة‏:‏ كنت يومئذ صغيرًا‏؟‏ قال‏:‏ لا والله إني يومئذ لأعقل أني أزفر القربة‏.‏ تفرد به أحمد‏.‏

وقال محمد بن إسحاق‏:‏ حدثني حُسَين بن عبد الله بن عُبيد الله بن عباس قال‏:‏ سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول‏:‏ إني لمع أبي رجل شاب، أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع القبائل –ووراءه رجل أحول وضيء، ذو جُمَّة -يَقِفُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبيلة فيقول‏:‏ ‏"‏يا بني فلان، إني رسول الله إليكم، آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئا، وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفِّذَ عن الله ما بعثني به‏"‏‏.‏ وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه‏:‏ يا بني فلان، هذا يريد منكم أن تسلُخوا اللات والعزى، وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أُقَيْش، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له ولا تتبعوه‏.‏ فقلت لأبي‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ عمه أبو لهب‏.‏ رواه أحمد أيضا، والطبراني بهذا اللفظ‏.‏

فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ‏}‏ أي‏:‏ خسرت وخابت، وضل عمله وسعيه، ‏{‏وَتَبَّ‏}‏ أي‏:‏ وقد تب تحقق خسارته وهلاكه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ‏}‏ قال ابن عباس وغيره‏:‏ ‏{‏وَمَا كَسَبَ‏}‏ يعني‏:‏ ولده‏.‏ وَرُوي عن عائشة، ومجاهد، وعطاء، والحسن، وابن سيرين، مثله‏.‏

وذكر عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه إلى الإيمان، قال أبو لهب‏:‏ إذا كان ما يقول ابن أخي حقا، فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب بمالي وولدي، فأنزل الله‏:‏ ‏{‏مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ‏}‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ‏}‏ أي‏:‏ ذات شرر ولهيب وإحراق شديد‏.‏

‏{‏وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ‏}‏ وكانت زوجته من سادات نساء قريش، وهي‏:‏ أم جميل، واسمها أروى بنتُ حرب بن أمية، وهي أخت أبي سفيان‏.‏ وكانت عونًا لزوجها على كفره وجحوده وعناده؛ فلهذا تكون يوم القيامة عَونًا عليه في عذابه في نار جهنم‏.‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ‏}‏ يعني‏:‏ تحمل الحطب فتلقي على زوجها، ليزداد على ما هو فيه، وهي مُهَيَّأة لذلك مستعدة له‏.‏ ‏{‏فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ‏}‏ قال مجاهد، وعروة‏:‏ من مَسد النار‏.‏

وعن مجاهد، وعكرمة، والحسن، وقتادة، والثوري، والسدي‏:‏ ‏{‏حَمَّالَةَ الْحَطَبِ‏}‏ كانت تمشي بالنميمة، ‏[‏واختاره ابن جرير‏]‏‏.‏ وقال العوفي عن ابن عباس، وعطية الجدلي، والضحاك، وابن زيد‏:‏ كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختاره ابن جرير‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ وقيل‏:‏ كانت تعير النبي صلى الله عليه وسلم بالفقر، وكانت تحتطب، فعيرت بذلك‏.‏ كذا حكاه، ولم يعزه إلى أحد‏.‏ والصحيح الأول، والله أعلم‏.‏

قال سعيد بن المسيب‏:‏ كانت لها قلادة فاخرة فقالت‏:‏ لأنفقنها في عداوة محمد، يعني‏:‏ فأعقبها الله بها حبلا في جيدها من مسد النار‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا وكيع، عن سليم مولى الشعبي، عن الشعبي قال‏:‏ المسد‏:‏ الليف‏.‏

وقال عروة بن الزبير‏:‏ المسد‏:‏ سلسلة ذرعها سبعون ذراعًا‏.‏

وعن الثوري‏:‏ هو قلادة من نار، طولها سبعون ذراعًا‏.‏

وقال الجوهري‏:‏ المَسَدُ‏:‏ الليف‏.‏ والمَسَد أيضا‏:‏ حبل من ليف أو خوص، وقد يكون من جلود الإبل أو أوبارها، ومسدت الحبل أمسدُهُ مَسْدًا‏:‏ إذا أجْدتُ فَتله‏.‏

وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ‏}‏ أي‏:‏ طوق من حديد، ألا ترى أن العرب يسمون البَكْرة مَسَدًا‏؟‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبي وأبو زُرْعة قالا حدثنا عبد الله بن الزبير الحُمَيدي، حدثنا سُفيان، حدثنا الوليد بن كثير، عن ابن تدرس، عن أسماء بنت أبي بكر قالت‏:‏ لما نزلت‏:‏ ‏{‏تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ‏}‏ أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب، ولها ولولة، وفي يدها فهر، وهي تقول‏:‏

مُذَممًا أبَينَا ودينَه قَلَينا وَأمْرَه عَصَينا

ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال‏:‏ يا رسول الله، قد أقبلت وأنا أخاف عليك أن تراك‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنها لن تراني‏"‏‏.‏ وقرأ قرآنا اعتصم به، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 45‏]‏‏.‏ فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ يا أبا بكر، إني أخبرت أن صاحبك هجاني‏؟‏ قال‏:‏ لا ورب هذا البيت ما هجاك‏.‏ فولت وهي تقول‏:‏ قد علمت قريش أني ابنة سيدها‏.‏ قال‏:‏ وقال الوليد في حديثه أو غيره‏:‏ فعثَرَت أم جميل في مِرْطها وهي تطوف بالبيت، فقالت‏:‏ تَعس مُذَمَّم‏.‏ فقالت أم حكيم بنت عبد المطلب‏:‏ إني لحصانُ فما أكلَّم، وثَقَافُ فما أعلَّم، وكلنا من بني العم، وقريش بعد أعلم‏.‏

وقال الحافظ أبو بكر البزار‏:‏ حدثنا إبراهيم بن سعيد وأحمد بن إسحاق قالا حدثنا أبو أحمد، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال‏:‏ لما نزلت‏:‏ ‏{‏تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ‏}‏ جاءت امرأة أبي لهب ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، ومعه أبو بكر‏.‏ فقال له أبو بكر‏:‏ لو تَنَحَّيت لا تُؤذيك بشيء‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنه سَيُحال بيني وبينها‏"‏‏.‏ فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر فقالت‏:‏ يا أبا بكر، هجانا صاحبك‏.‏ فقال أبو بكر‏:‏ لا ورب هذه البنية ما نَطَق بالشعر ولا يتفوه به‏.‏ فقالت‏:‏ إنك لمصدق، فلما ولت قال أبو بكر، رضي الله عنه‏:‏ ما رأتك‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لا ما زال ملك يسترني حتى ولت‏"‏‏.‏

ثم قال البزار‏:‏ لا نعلمه يُروَى بأحسنَ من هذا الإسناد، عن أبي بكر، رضي الله عنه‏.‏

وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ‏}‏ أي‏:‏ في عنقها حبل في نار ‏[‏جهنم‏]‏ تُرفَع به إلى شفيرها، ثم يرمى بها إلى أسفلها، ثم كذلك دائما‏.‏

قال أبو الخطاب بن دَحْية في كتابه التنوير -وقد رَوَى ذلك- وعُبر بالمسد عن حبل الدلو، كما قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب ‏"‏النبات‏"‏‏:‏ كلّ مَسَد‏:‏ رشاء، وأنشد في ذلك‏:‏

وَبَكْرَةً ومِحْوَرًا صِرَارًا *** وَمَسَدًا مِنْ أبق مُغَارًا

قال‏:‏ والأبقُ‏:‏ القنَّبُ‏.‏

وقال الآخر‏:‏

يا مَسَدَ الخُوص تَعَوّذْ مني *** إنْ تَكُ لَدْنًا لَيّنا فإني

ما شئْتَ مِنْ أشْمَطَ مُقْسَئِنّ *** قال العلماء‏:‏ وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة، فإنه منذ نزل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ‏}‏ فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان، لم يقيض لهما أن يؤمنا، ولا واحد منهما لا ظاهرًا ولا باطنًا، لا مسرًا ولا معلنًا، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة على النبوة الظاهرة‏.‏

‏[‏آخر تفسير ‏"‏تبت‏"‏ ولله الحمد والمنة‏]‏

تفسير سورة الإخلاص

وهي مكية‏.‏

ذكر سبب نزولها وفضيلتها

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أبو سعد محمد بن مُيَسّر الصاغاني، حدثنا أبو جعفر الرازي، حدثنا الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعب‏:‏ أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا محمد، انسب لنا ربك، فأنزل الله‏:‏ ‏"‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُو لَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ‏"‏‏.‏ وكذا رواه الترمذي، وابن جرير، عن أحمد بن منيع -زاد ابن جرير‏:‏ ومحمود بن خِدَاش -عن أبي سعد محمد بن مُيَسّر به -زاد ابن جرير والترمذي- قال‏:‏ ‏"‏الصَّمَدُ ‏"‏ الذي لم يلد ولم يولد، لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله جل جلاله لا يموت ولا يورث، ‏"‏ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ‏"‏ ولم يكن له شبه ولا عدل، وليس كمثله شيء‏.‏ ورواه ابن أبي حاتم، من حديث أبي سعد محمد بن مُيَسّر، به‏.‏ ثم رواه الترمذي عن عبد ابن حميد، عن عبيد الله بن موسى، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، فذكره مرسلا ولم يذكر ‏"‏أخبرنا‏"‏‏.‏ ثم قال الترمذي‏:‏ هذا أصح من حديث أبي سعد‏.‏

حديث آخر في معناه‏:‏ قال الحافظ أبو يعلى الموصلي‏:‏ حدثنا سُرَيج بن يونس، حدثنا إسماعيل بن مجالد، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر‏:‏ أن أعرابيًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ انسب لنا ربك‏.‏ فأنزل الله، عز وجل‏:‏ ‏"‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ إلى آخرها‏.‏ إسناده مقارب‏.‏

وقد رواه ابن جرير عن محمد بن عوف، عن سُرَيج فذكره‏.‏ وقد أرسله غير واحد من السلف‏.‏

وروى عُبيد بن إسحاق العطار، عن قيس بن الربيع، عن عاصم، عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال‏:‏ قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ انسب لنا ربك، فنزلت هذه السورة‏:‏ ‏"‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ قال الطبراني‏:‏ رواه الفريابي وغيره، عن قيس، عن أبي عاصم، عن أبي وائل، مرسلا‏.‏

ثم رَوَى الطبراني من حديث عبد الرحمن بن عثمان الطائفي، عن الوازع بن نافع، عن أبي سلمة، عن أبي هُرَيرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لكل شيء نسبة، ونسبة الله‏:‏ ‏"‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ ‏"‏ والصمد ليس بأجوف‏]‏ ‏.‏

حديث آخر في فضلها‏:‏ قال البخاري‏:‏ حدثنا محمد -هو الذُهليّ- حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرنا عمرو، عن ابن أبي هلال‏:‏ أن أبا الرجال مُحمد بن عبد الرحمن حَدثه، عن أمه عَمْرَةَ بنت عبد الرحمن -وكانت في حِجْر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم- عن عائشة‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سَريَّة، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ ‏"‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ ‏"‏سلوه‏:‏ لأيّ شيء يصنع ذلك‏؟‏‏"‏‏.‏ فسألوه، فقال‏:‏ لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أخبروه أن الله تعالى يحبه‏"‏‏.‏

هكذا رواه في كتاب ‏"‏التوحيد‏"‏ ‏.‏ ومنهم من يسقط ذكر ‏"‏محمد الذّهلي‏"‏‏.‏ ويجعله من روايته عن أحمد بن صالح‏.‏ وقد رواه مسلم والنسائي أيضًا من حديث عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، به‏.‏

حديث آخر‏:‏ قال البخاري في كتاب الصلاة‏:‏ ‏"‏وقال عُبَيد الله عن ثابت، عن أنس قال‏:‏ كان رجل من الأنصار يَؤمَهم في مسجد قُبَاء، فكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح بـ ‏"‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ حتى يَفرُغ منها، ثم يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة‏.‏ فكلَّمه أصحابه فقالوا‏:‏ إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تُجزئُك حتى تقرأ بالأخرى، فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتَقرأ بأخرى‏.‏ فقال‏:‏ ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت، وإن كرهتم تركتكم‏.‏ وكانوا يَرَونَ أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يَؤمهم غيره‏.‏ فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر، فقال‏:‏ ‏"‏يا فلان، ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك، وما حملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة‏؟‏‏"‏‏.‏ قال‏:‏ إني أحبها‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏حُبك إياها أدخلك الجنة‏"‏‏.‏

هكذا رواه البخاري تعليقًا مجزومًا به‏.‏ وقد رواه أبو عيسى الترمذي في جامعه، عن البخاري، عن إسماعيل بن أبي أويس، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عُبَيد الله بن عمر، فذكر بإسناده مثله سواء‏.‏ ثم قال الترمذي‏:‏ غريب من حديث عبيد الله، عن ثابت‏.‏ قال‏:‏ وروىمُبَارك بن فَضالة، عن ثابت، عن أنس، أن رجلا قال‏:‏ يا رسول الله، إني أحب هذه السورة‏:‏ ‏"‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏إن حُبَّك إياها أدخلك الجنة‏"‏‏.‏

وهذا الذي علقه الترمذي قد رواه الإمام أحمد في مسنده متصلا فقال‏:‏ حدثنا أبو النضر، حدثنا مبارك بن فضالة، عن ثابت، عن أنس قال‏:‏ جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إني أحب هذه السورة‏:‏ ‏"‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏حبك إياها أدخلك الجنة‏"‏‏.‏

حديث في كونها تعدل ثلث القرآن‏:‏ قال البخاري‏:‏ حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صَعْصَعَة، عن أبيه، عن أبي سعيد‏.‏ أن رجلا سمع رَجُلا يقرأ‏:‏ ‏"‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالّها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرآن‏"‏‏.‏ زاد إسماعيل بن جعفر، عن مالك، عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن أبيه، عن أبي سعيد قال‏:‏ أخبرني أخي قتادة بن النعمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقد رواه البخاري أيضا عن عبد الله بن يوسف، والقَعْنَبِيّ‏.‏ ورواه أبو داود عن القعنبي، والنسائي عن قتيبة، كلهم عن مالك، به ‏.‏ وحديث قتادة بن النعمان أسنده النسائي من طريقين، عن إسماعيل بن جعفر، عن مالك، به‏.‏

حديث آخر‏:‏ قال البخاري‏:‏ حدثنا عُمَر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا إبراهيم والضحاك المَشْرِقيّ، عن أبي سعيد قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه‏:‏ ‏"‏أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة‏؟‏‏"‏‏.‏ فشق ذلك عليهم وقالوا‏:‏ أينا يُطيق ذلك يا رسول الله‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏الله الواحد الصمد ثلث القرآن‏"‏‏.‏ تفرد بإخراجه البخاري من حديث إبراهيم بن يزيد النَّخعي والضحاك بن شُرَحبيل الهمداني المشرقي، كلاهما عن أبي سعيد، قال القَرَبرِيّ‏:‏ سمعت أبا جعفر محمد بن أبي حاتم وراقُ أبي عبد الله قال‏:‏ قال أبو عبد الله البخاري‏:‏ عن إبراهيم مرسل، وعن الضحاك مسند‏.‏

حديث آخر‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لَهِيعَة، عن الحارث بن يزيد، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ بات قتادة بن النعمان يقرأ الليل كله بـ ‏"‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ ‏"‏والذي نفسي بيده، لَتَعدلُ نصف القرآن، أو ثلثه‏"‏‏.‏

حديث آخر‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا حُييّ بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي، عن عبد الله بن عمرو‏:‏ أن أبا أيوب الأنصاري كان في مجلس وهو يقول‏:‏ ألا يستطيع أحدكم أن يقوم بثلث القرآن كل ليلة‏؟‏ فقالوا‏:‏ وهل يستطيع ذلك أحد‏؟‏ قال‏:‏ فإن ‏"‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ ثلث القرآن‏.‏ قال‏:‏ فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسمع أبا أيوب، فقال‏:‏ ‏"‏صدق أبو أيوب‏"‏‏.‏

حديث آخر‏:‏ قال أبو عيسى الترمذي‏:‏ حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا يزيد بن كيسَان، أخبرني أبو حَازم، عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏احشُدوا، فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن‏"‏‏.‏ فحشد من حشد، ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقرأ‏:‏ ‏"‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ ثم دخل فقال بعضنا لبعض‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن‏"‏‏.‏ إني لأرى هذا خبرًا جاء من السماء، ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏إني قلت‏:‏ سأقرأ عليكم ثلث القرآن، ألا وإنها تعدل ثلث القرآن‏"‏‏.‏ وهكذا رواه مسلم في صحيحه، عن محمد بن بشار، به وقال الترمذي‏:‏ حسن صحيح غريب، واسم أبي حازم سلمان‏.‏

حديث آخر‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن زائدة بن قُدَامة، عن منصور، عن هلال بن يَساف، عن الربيع بن خُثَيم عن عمرو بن ميمون، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، عن امرأة من الأنصار، عن أبي أيوب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة‏؟‏ فإنه من قرأ‏:‏ ‏"‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ ‏"‏ في ليلة، فقد قرأ ليلتئذ ثلث القرآن‏"‏‏.‏

هذا حديث تُسَاعيّ الإسناد للإمام أحمد‏.‏ ورواه الترمذي والنسائي، كلاهما عن محمد بن بشار بندار -زاد الترمذي وقتيبة- كلاهما عن عبد الرحمن بن مهدي، به ‏.‏ فصار لهما عُشَاريا‏.‏ وفي رواية الترمذي‏:‏ ‏"‏عن امرأة أبى أيوب، عن أبي أيوب‏"‏، به ‏[‏وحسنه‏]‏‏.‏ ثم قال‏:‏ وفي الباب عن أبي الدرداء، وأبي سعيد، وقتادة بن النعمان، وأبي هريرة، وأنس، وابن عمر، وأبي مسعود‏.‏ وهذا حديث حسن، ولا نعلم أحدًا رَوَى هذا الحديث أحسن من رواية ‏"‏زائدة‏"‏‏.‏ وتابعه على روايته إسرائيل، والفضيل بن عياض‏.‏ وقد رَوَى شُعبةُ وغيرُ واحد من الثقات هذا الحديث عن منصور واضطربوا فيه‏.‏

حديث آخر‏:‏ قال أحمد‏:‏ حدثنا هُشَيْم، عن حُصَين، عن هلال بن يَسَاف، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، عن أبيّ بن كعب -أو‏:‏ رجل من الأنصار- قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من قرأ بـ ‏"‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ فكأنما قرأ بثلث القرآن‏"‏‏.‏ ورواه النسائي في ‏"‏اليوم والليلة‏"‏، من حديث هُشَيم، عن حُصَين، عن ابن أبي ليلى، به‏.‏ ولم يقع في روايته‏:‏ هلال بن يساف‏.‏

حديث آخر‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا وَكيع، عن سفيان، عن أبي قيس عن عمرو بن ميمون، عن أبي مسعود قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏‏"‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ تعدُل ثلث القرآن‏"‏‏.‏

وهكذا رواه ابن ماجة، عن علي بن محمد الطَّنافسي، عن وَكيع، به ‏.‏ ورواه النسائي في ‏"‏اليوم والليلة‏"‏ من طرق أخر، عن عمرو بن ميمون، مرفوعًا وموقوفًا‏.‏

حديث آخر‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا بَهْز، حدثنا بُكَير بن أبي السَّميط حدثنا قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن مَعْدَان بن أبي طلحة، عن أبي الدّرداء، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏أيعجزُ أحدُكم أن يَقرأ كلّ يوم ثلث القرآن‏؟‏‏"‏‏.‏ قالوا‏:‏ نعم يا رسول الله، نحن أضعفُ من ذلك وأعجز‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فإن الله جَزأ القرآن ثلاثة أجزاء، فـ ‏"‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ ثلث القرآن‏"‏‏.‏

ورواه مسلم والنسائي، من حديث قتادة، به‏.‏

حديث آخر‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أمية بن خالد، حدثنا محمد بن عبد الله بن مسلم -ابن أخي ابن شهاب -عن عمه الزهري، عن حُمَيد بن عبد الرحمن -هو ابن عوف- عن أمه -وهي‏:‏ أم كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعَيط -قالت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏‏"‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ تَعدلُ ثُلُثَ القرآن‏"‏‏.‏

وكذا رواه النسائي في ‏"‏اليوم والليلة‏"‏، عن عمرو بن علي، عن أمية بن خالد، به ‏.‏ ثم رواه من طريق مالك، عن الزهري، عن حُمَيد بن عبد الرحمن، قوله‏.‏ ورواه النسائي أيضا في ‏"‏اليوم والليلة‏"‏ من حديث محمد بن إسحاق، عن الحارث بن الفُضَيل الأنصاري، عن الزهري، عن حُمَيد بن عبد الرحمن‏:‏ أن نَفَرًا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حَدثوه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ تَعدلُ ثُلُثَ القرآن لمن صلى بها‏"‏‏.‏

حديث آخر في كون قراءتها توجب الجنة‏:‏ قال الإمام مالك بن أنس، عن عبيد الله بن عبد الرحمن، عن عُبيد بن حُنَين قال‏:‏ سمعت أبا هريرة يقول‏:‏ أقبلت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع رجلا يقرأ ‏"‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏وَجَبَتْ‏"‏‏.‏ قلت‏:‏ وما وَجَبت‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏الجنة‏"‏‏.‏ ورواه الترمذي والنسائي، من حديث مالك‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث مالك‏.‏ وتقدم حديث‏:‏ ‏"‏حُبّك إياها أدخلك الجنة‏"‏‏.‏

حديث في تكرار قراءتها‏:‏ قال الحافظ أبو يعلى الموصلي‏:‏ حدثنا قَطن بن نُسير، حدثنا عيسى ابن ميمون القرشي، حدثنا يزيد الرقاشي، عن أنس قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏أما يستطيع أحدكم أن يقرأ‏:‏ ‏"‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ ثلاث مرات في ليلة فإنها تعدلُ ثلث القرآن‏؟‏ ‏"‏ هذا إسناد ضعيف، وأجود منه حديث آخر، قال عبد الله بن الإمام أحمد‏:‏ حدثنا محمد بن أبي بكر المُقَدمي، حدثنا الضحاك بن مخلد، حدثنا ابن أبي ذئب، عن أسيدُ ابن أبي أسيد، عن معاذ بن عبد الله بن خُبيب، عن أبيه قال‏:‏ أصابنا طَش وظلمة، فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، فخرج فأخذ بيدي، فقال‏:‏ ‏"‏قل‏"‏‏.‏ فسكت‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏قل‏"‏‏.‏ قلت‏:‏ ما أقول‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏‏"‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثًا، تكفك كل يوم مرتين‏"‏‏.‏ ورواه أبو داود والترمذي والنسائي، من حديث ابن أبي ذئب، به ‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ حسن صحيح غريب من هذا الوجه‏.‏ وقد رواه النسائي من طريق أخرى، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب، عن أبيه، عن عقبة بن عامر، فذكره ‏[‏ولفظه‏:‏ ‏"‏يكفك كل شيء‏"‏‏]‏ ‏.‏

حديث آخر في ذلك‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا إسحاق بن عيسى، حدثنا ليث بن سعد، حدثني الخليل بن مرة، عن الأزهر بن عبد الله، عن تميم الداري قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من قال‏:‏ لا إله إلا الله واحدًا أحدًا صمدًا، لم يتخذ صاحبةً ولا ولدًا، ولم يكن له كفوا أحدا، عشر مرات، كُتِب له أربعون ألف ألف حسنة‏"‏‏.‏ تفرد به أحمد والخليل بن مُرّة‏:‏ ضعفه البخاري وغيره بمُرّة‏.‏

حديث آخر‏:‏ قال أحمد أيضا‏:‏ حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لَهِيعَة، حدثنا زَبَّان بن

فائد، عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏من قرأ ‏"‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ حتى يختمها، عشر مرات، بنى الله له قصرًا في الجنة‏"‏‏.‏ فقال عمر‏:‏ إذن نستكثر يا رسول الله‏.‏ فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الله أكثر وأطيب‏"‏‏.‏ تفرد به أحمد‏.‏

ورواه أبو محمد الدارمي في مسنده فقال‏:‏ حدثنا عبد الله بن يزيد، حدثنا حيوة، حدثنا أبو عقيل زهرة بن معبد- قال الدارمي‏:‏ وكان من الأبدال -أنه سمع سعيد بن المسيب يقول‏:‏ إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏من قرأ ‏"‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ عشر مرات، بنى الله له قصرًا في الجنة، ومن قرأها عشرين مرة بنى الله له قصرين في الجنة، ومن قرأها ثلاثين مرة بنى الله له ثلاثة قصور في الجنة‏"‏‏.‏ فقال عمر بن الخطاب‏:‏ إذا لتكثر قصورنا‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الله أوسع من ذلك‏"‏‏.‏ وهذا مرسل جيد‏.‏

حديث آخر‏:‏ قال الحافظ أبو يعلى‏:‏ حدثنا نصر بن علي، حدثني نوح بن قيس، أخبرني محمد العطار، أخبرتني أم كثير الأنصارية، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏من قرأ ‏"‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ خمسين مرة غُفرت له ‏.‏ ذنوب خمسين سنة‏"‏ إسناده ضعيف‏.‏

حديث آخر‏:‏ قال أبو يعلى‏:‏ حدثنا أبو الربيع، حدثنا حاتم بن ميمون، حدثنا ثابت، عن أنس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من قرأ في يوم‏:‏ ‏"‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ مائتي مرة، كتب الله له ألفًا وخمسمائة حسنة إلا أن يكون عليه دين‏"‏‏.‏ إسناده ضعيف، حاتم بن ميمون‏:‏ ضعفه البخاري وغيره‏.‏ ورواه الترمذي، عن محمد بن مرزوق البصري، عن حاتم بن ميمون، به‏.‏ ولفظه‏:‏ ‏"‏من قرأ كل يوم، مائتي مرة‏:‏ ‏"‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ محي عنه ذنوب خمسين سنة، إلا أن يكون عليه دَين‏"‏‏.‏

قال الترمذي‏:‏ وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏من أراد أن ينام على فراشه، فنام على يمينه، ثم قرأ‏:‏ ‏"‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ مائة مرة، فإذا كان يوم القيامة يقول له الرب، عز وجل‏:‏ يا عبدي، ادخُل على يمينك الجنة‏"‏‏.‏ ثم قال‏:‏ غريب من حديث ثابت، وقد رُوي من غير هذا الوجه، عنه‏.‏

وقال أبو بكر البزار‏:‏ حدثنا سهل بن بحر، حدثنا حَبّان بن أغلب، حدثنا أبي، حدثنا ثابت، عن أنس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من قرأ‏:‏ ‏"‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ مائتي مرة، حط الله عنه ذنوب مائتي سنة‏"‏‏.‏ ثم قال‏:‏ لا نعلم رواه عن ثابت إلا الحسن بن أبي جعفر، والأغلب بن

تميم، وهما متقاربان في سوء الحفظ‏.‏

حديث آخر في الدعاء بما تضمنته من الأسماء‏:‏ قال النسائي عند تفسيرها‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن خالد، حدثنا زيد بن الحباب، حدثني مالك بن مِغْول، حدثنا عبد الله بن بُرَيدة، عن أبيه‏:‏ أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا رجل يصلي، يدعو يقول‏:‏ اللهم، إني أسألك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏والذي نفسي بيده، لقد سأله باسمه الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب‏"‏‏.‏

وقد أخرجه بَقِيَّة أصحاب السنن من طُرُق، عن مالك بن مِغْول، عن عبد الله بن بُرَيدة، عن أبيه، به‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ حسن غريب‏.‏

حديث آخر في قراءتها عشر مرات بعد المكتوبة‏:‏ قال الحافظ أبو يعلى ‏[‏الموصلي‏]‏ ‏:‏ حدثنا عبد الأعلى، حدثنا بشر بن منصور، عن عمر بن نبهان عن أبي شداد، عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ثلاث من جاء بِهِنّ مع الإيمان دَخَل من أيّ أبواب الجنة شاء، وزُوّج من الحور العين حيث شاء‏:‏ من عفا عن قاتله، وأدى دينا خفيا، وقرأ في دبر كل صلاة مكتوبة عشر مرات‏:‏ ‏"‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏"‏‏.‏ قال‏:‏ فقال أبو بكر‏:‏ أو إحداهن يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أو إحداهن‏"‏

حديث في قراءتها عند دخول المنزل‏:‏ قال الحافظ أبو القاسم الطبراني‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الله بن بكر السراج العسكري، حدثنا محمد بن الفرج، حدثنا محمد بن الزبرقان، عن مروان بن سالم، عن أبي زُرْعَة بن عمرو بن جرير، عن جرير بن عبد الله قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من قرأ‏:‏ ‏"‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ حين يدخل منزله، نفت الفقر عن أهل ذلك المنزل والجيران‏"‏‏.‏ إسناده ضعيف‏.‏

حديث في الإكثار من قراءتها في سائر الأحوال‏:‏ قال الحافظ أبو يعلى‏:‏ حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي، حدثنا يزيد بن هارون، عن العلاء بن محمد الثقفي قال‏:‏ سمعت أنس بن مالك يقول‏:‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك، فطلعت الشمس بضياء وشعاع ونور لم نرها طلعت فيما مضى بمثله، فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا جبريل، ما لي أرى الشمس طلعت اليوم بضياء ونور وشعاع لم أرها طلعت بمثله فيما مضى‏؟‏‏"‏‏.‏ قال‏:‏ إن ذلك معاوية بن معاوية الليثي، مات بالمدينة اليوم، فبعث الله إليه سبعين ألف ملك يصلون عليه‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏وفيم ذلك‏؟‏ ‏"‏ قال‏:‏ كان يكثر قراءة‏:‏ ‏"‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ في الليل وفي النهار، وفي ممشاه وقيامه وقعوده، فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض فتصلي عليه‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم‏"‏‏.‏ فصلى عليه‏.‏ وكذا رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في ‏[‏كتاب‏]‏ دلائل النبوة‏"‏ من طريق يزيد بن هارون، عن العلاء أبي محمد -وهو متهم بالوضع -فالله أعلم‏.‏

طريق أخرى‏:‏ قال أبو يعلى‏:‏ حدثنا محمد بن إبراهيم الشامي أبو عبد الله، حدثنا عثمان بن الهيثم -مؤذن مسجد الجامع بالبصرة عندي- عن محمود أبي عبد الله عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أنس قال‏:‏ نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ مات معاوية بن معاوية الليثي، فتحب أن تصلي عليه‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم‏"‏‏.‏ فضرب بجناحه الأرض، فلم تبق شجرة ولا أكمة إلا تضعضعت، فرفع سريره فنظر إليه، فكبر عليه وخلفه صفان من الملائكة، في كل صف سبعون ألف ملك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يا جبريل، بم نال هذه المنزلة من الله تعالى‏؟‏‏"‏‏.‏ قال بحبه‏:‏ ‏"‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ وقراءته إياها ذاهبًا وجائيًا قائمًا وقاعدًا، وعلى كل حال‏.‏

ورواه البيهقي، من رواية عثمان بن الهيثم المؤذن، عن محبوب بن هلال، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أنس، فذكره‏.‏ وهذا هو الصواب ، ومحبوب بن هلال قال أبو حاتم الرازي‏:‏ ‏"‏ليس بالمشهور‏"‏ ‏.‏ وقد روي هذا من طرق أخر، تركناها اختصارًا، وكلها ضعيفة‏.‏

حديث آخر في فضلها مع المعوذتين‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أبو المغيرة، حدثنا معاذ بن رفاعة، حدثني علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن عقبة بن عامر قال‏:‏ لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فابتدأته فأخذتُ بيده، فقلت‏:‏ يا رسول الله، بم نجاة المؤمن‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏يا عقبة، احْرُسْ لسانك وليسعك بيتُك، وابْكِ على خطيئتك‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ثم لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فابتدأني فأخذ بيدي، فقال‏:‏ ‏"‏يا عقبة بن عامر، ألا أعلمك خير ثلاث سُوَر أنزلت في التوراة، والإنجيل، والزبور، والقرآن العظيم‏؟‏‏"‏‏.‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ بلى، جعلني الله فداك‏.‏ قال‏:‏ فأقرأني‏:‏ ‏"‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ و‏"‏ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ‏"‏ و‏"‏ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ‏"‏ ثم قال‏:‏ ‏"‏يا عقبة، لا تَنْسَهُن ولا تُبتْ ليلة حتى تقرأهن‏"‏‏.‏ قال‏:‏ فما نسيتهن منذ قال‏:‏ ‏"‏لا تنسهن‏"‏، وما بت ليلة قط حتى أقرأهن‏.‏ قال عقبة، ثم لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأته، فأخذت بيده، فقلت‏:‏ يا رسول الله، أخبرني بفواضل الأعمال‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏يا عقبة، صِلْ من قطعك، وأعْطِ من حَرَمَك، وأعرض عمن ظلمك‏"‏ روى الترمذي بعضه في ‏"‏الزهد‏"‏، من حديث عُبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد وقال‏:‏ هذا حديث حسن‏.‏ وقد رواه أحمد من طريق آخر‏:‏ حدثنا حسين بن محمد، حدثنا ابن عياش، عن أسيد بن عبد الرحمن الخَثْعَمي، عن فرْوَة بن مجاهد اللخمي، عن عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر مثله سواء‏.‏ تفرد به أحمد‏.‏

حديث آخر في الاستشفاء بهن‏:‏ قال البخاري‏:‏ حدثنا قتيبة، حدثنا المفضل، عن عُقَيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كُل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما فقرأ فيهما‏:‏ ‏"‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏"‏ و‏"‏ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ‏"‏ و‏"‏ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ‏"‏ ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات‏.‏ وهكذا رواه أهل السنن، من حديث عُقَيل، به‏.‏