فصل: تفسير الآية رقم (34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (34):

{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)}
يقول تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} أي: الرجل قَيّم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجَّت {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة؛ ولهذَا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك المُلْك الأعظم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لن يُفلِح قومٌ وَلَّوا أمْرَهُم امرأة». رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه وكذا منصب القضاء وغير ذلك.
{وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} أي: من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهنَّ في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه، وله الفضل عليها والإفضال، فناسب أن يكون قَيّما عليها، كما قال الله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} الآية [البقرة: 228].
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} يعني: أمراء عليها أي تطيعه فيما أمرها به من طاعته، وطاعتُه: أن تكون محسنة إلى أهله حافظة لماله.
وكذا قال مقاتل، والسدي، والضحاك.
وقال الحسن البصري: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستعديه على زوجها أنه لَطَمَها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القِصَاص»، فأنزل الله عز وجل: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} الآية، فرجعت بغير قصاص.
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، من طرق، عنه. وكذلك أرسل هذا الخبر قتادة، وابن جُرَيج والسدي، أورد ذلك كله ابن جرير. وقد أسنده ابن مردويه من وجه آخر فقال:
حدثنا أحمد بن علي النسائي، حدثنا محمد بن عبد الله الهاشمي، حدثنا محمد بن محمد الأشعث، حدثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد، حدثني أبي، عن جدي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي قال: أتى النبي رجل من الأنصار بامرأة له، فقالت: يا رسول الله، إن زوجها فلان بن فلان الأنصاري، وإنه ضربها فأثر في وجهها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليْسَ ذَلِكَ لَه». فأنزل الله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي: قوامون على النساء في الأدب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَرَدْتُ أمْرًا وأرَادَ الله غَيْرَه».
وقال الشعبي في هذه الآية: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} قال: الصداق الذي أعطاها، ألا ترى أنه لو قَذَفَها لاعنَها، ولو قذفته جُلِدت.
وقوله: {فَالصَّالِحَاتُ} أي: من النساء {قانِتَاتٌ} قال ابن عباس وغير واحد: يعني مطيعات لأزواجهن {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ}.
قال السدي وغيره: أي تحفظ زوجها في غيبته في نفسها وماله.
وقوله: {بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} أي: المحفوظ من حفظه.
قال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثنا أبو صالح، حدثنا أبو مَعْشَر، حدثنا سعيد بن أبي سعيد الْمقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خَيرُ النساءِ امرأةٌ إذا نَظَرْتَ إليها سَرَّتْكَ وإذا أمَرْتَها أطاعتكَ وإذا غِبْتَ عنها حَفِظتْكَ في نَفْسِها ومالِكَ». قال: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} إلى آخرها.
ورواه ابن أبي حاتم، عن يونس بن حبيب، عن أبي داود الطيالسي، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، به مثله سواء.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لَهِيعة، عن عُبيد الله بن أبي جعفر: أن ابن قارظ أخبره: أن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صَلَّت المرأة خَمسها، وصامت شهرها وحفظت فَرْجَها؛ وأطاعت زوجها قِيلَ لها: ادخُلِي الجنة من أيِّ أبواب الجنة شِئْتِ».
تفرد به أحمد من طريق عبد الله بن قارظ عن عبد الرحمن بن عوف.
وقوله تعالى {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} أي: والنساء اللاتي تتخوفون أن ينشزن على أزواجهن. والنشوز: هو الارتفاع، فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها، التاركة لأمره، المُعْرِضَة عنه، المُبْغِضَة له. فمتى ظهر له منها أمارات النشوز فليعظْها وليخوّفها عقابَ الله في عصيانه فإن الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته، وحرم عليها معصيته لما له عليها من الفضل والإفضال. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كُنْتُ آمرًا أحدًا أن يَسْجد لأحد لأمرتُ المرأة أن تَسْجُدَ لزوجها، من عِظَم حَقِّه عليها» وروى البخاري، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دَعَا الرَّجُلُ امرَأتَهُ إلى فِرَاشِه فأبَتْ عليه، لَعَنَتْهَا الملائكة حتى تُصْبِح» ورواه مسلم، ولفظه: «إذا باتت المرأة هَاجرة فِراش زَوْجِها، لعنتها الملائكة حتى تُصبِح»؛ ولهذا قال تعالى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ}.
وقوله: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: الهجران هو أن لا يجامعها، ويضاجعها على فراشها ويوليها ظهره.
وكذا قال غير واحد، وزاد آخرون- منهم: السدي، والضحاك، وعكرمة، وابن عباس في رواية-: ولا يكلمها مع ذلك ولا يحدثها.
وقال علي بن أبي طلحة أيضا، عن ابن عباس: يعظها، فإن هي قبلت وإلا هجرها في المضجع، ولا يكلمها من غير أن يذر نكاحها، وذلك عليها شديد.
وقال مجاهد، والشعبي، وإبراهيم، ومحمد بن كعب، ومِقْسم، وقتادة: الهجر: هو أن لا يضاجعها.
وقد قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن علي بن زيد، عن أبي حرّة الرقاشي، عن عمه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فَإِن خِفْتُمْ نُشُوزَهُنَّ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ» قال حماد:
يعني النكاح.
وفي السنن والمسند عن معاوية بن حيدة القشيري أنه قال: يا رسول الله، ما حق امرأة أحدنا؟ قال: «أن تُطعمها إذا طَعِمْتَ، وتكسوها إذا اكْتَسَيْتَ، ولا تَضْرِب الوَجْهَ ولا تُقَبِّح، ولا تَهْجُر إلا في البَيْتِ».
وقوله: {وَاضْرِبُوهُنَّ} أي: إذا لم يَرْتَدِعْن بالموعظة ولا بالهجران، فلكم أن تضربوهن ضربا غير مبرح، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال في حجة الوداع: «واتَّقُوا اللهَ في النِّساءِ، فإنهن عندكم عَوَانٌ، ولكم عليهن ألا يُوطِئْنَ فُرُشكم أحدا تكرهونه، فإن فَعَلْن فاضربوهن ضَرْبا غير مُبَرِّح، ولهن رزْقُهنَّ وكِسْوتهن بالمعروف».
وكذا قال ابن عباس وغير واحد: ضربا غير مبرح. قال الحسن البصري: يعني غير مؤثر. قال الفقهاء: هو ألا يكسر فيها عضوا ولا يؤثر فيها شيئا.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يهجرها في المضجع، فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضرب ضربا غير مبرح، ولا تكسر لها عظما، فإن أقبلت وإلا فقد حَل لك منها الفدية.
وقال سفيان بن عُيَينة، عن الزهري، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن إياس بن عبد الله بن أبي ذُباب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَضْرِبوا إماءَ اللهِ». فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذئِرَت النساء على أزواجهن. فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أطافَ بآل محمد نِسَاءٌ كثير يَشْكُونَ أزواجهن، ليس أولئك بخياركم». رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود- يعني أبا داود الطيالسي- حدثنا أبو عوانة، عن داود الأوْدِيِّ، عن عبد الرحمن المُسْلي عن الأشعث بن قيس، قال ضفْتُ عمر، فتناول امرأته فضربها، وقال: يا أشعث، احفظ عني ثلاثا حَفظتهن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تَسألِ الرَّجُلَ فِيمَ ضَرَبَ امرَأَتَهُ، ولا تَنَم إلا على وِتْر.... ونسي الثالثة.
وكذا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، من حديث عبد الرحمن بن مهدي، عن أبي عوانة، عن داود الأوديّ، به.
وقوله: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا} أي: فإذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريد منها، مما أباحه الله له منها، فلا سبيل له عليها بعد ذلك، وليس له ضربها ولا هجرانها.
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليهن وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن.

.تفسير الآية رقم (35):

{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)}
ذكرتعالى الحال الأول، وهو إذا كان النفور والنشوز من الزوجة، ثم ذكر الحال الثاني وهو: إذا كان النفور من الزوجين فقال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}
قال الفقهاء: إذا وقع الشقاق بين الزوجين، أسكنهما الحاكم إلى جنب ثقة، ينظر في أمرهما، ويمنع الظالم منهما من الظلم، فإن تفاقم أمرهما وطالت خصومتهما، بعث الحاكم ثقة من أهل المرأة، وثقة من قوم الرجل، ليجتمعا وينظرا في أمرهما، ويفعلا ما فيه المصلحة مما يريانه من التفريق أو التوفيق وتَشَوف الشارع إلى التوفيق؛ ولهذا قال: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أمر الله عز وجل، أن يبعثوا رجلا صالحًا من أهل الرجل، ورجلا مثله من أهل المرأة، فينظران أيهما المسيء، فإن كان الرجل هو المسيء، حجبوا عنه امرأته وقصروه على النفقة، وإن كانت المرأة هي المسيئة، قصروها على زوجها ومنعوها النفقة. فإن اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا، فأمرهما جائز. فإن رأيا أن يجمعا، فرضي أحد الزوجين وكره ذلك الآخر، ثم مات أحدهما، فإن الذي رضي يرث الذي كره ولا يرث الكاره الراضي. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا مَعْمَر، عن ابن طاوس، عن عكرمة بن خالد، عن ابن عباس قال: بعثت أنا ومعاوية حكمين، قال معمر: بلغني أن عثمان بعثهما، وقال لهما: إن رأيتما أن تُجْمَعا جُمِعْتُما، وإن رأيتما أن تُفَرَّقا فُرَّقْتما.
وقال: أنبأنا ابن جريج، حدثني ابن أبي مليكة، أن عَقيل بن أبي طالب تَزَوَّج فاطمة بنت عتبة بن ربيعة فقالت: تصير إليَّ وأنفق عليك. فكان إذا دخل عليها قالت: أين عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة؟ قال: على يسارك في النار إذا دخلت. فشدت عليها ثيابها فجاءت عثمان، فذكرت له ذلك فضحك وأرسل ابن عباس ومعاوية، فقال ابن عباس: لأفرِّقَن بينهما. فقال معاوية: ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف. فأتياهما فوجداهما قد أغلقا عليهما أبوابهما فرجعا.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا مَعْمَر، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة قال: شهدت عليا وجاءته امرأة وزوجها، مع كل واحد منهما فِئَام من الناس، فأخرج هؤلاء حكما وهؤلاء حكما، فقال علي للحَكَمَين: أتدريان ما عليكما؟ إن عليكما؟ إن رأيتما أن تجمعا، جمعتما. فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله لي وعَليّ.
وقال الزوج: أما الفرقة فلا. فقال علي: كذبت، والله لا تبرح حتى ترضى بكتاب الله، عز وجل، لك وعليك.
رواه ابن أبي حاتم، ورواه ابن جرير، عن يعقوب، عن ابن علية، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن علي، مثله.
ورواه من وجه آخر، عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن علي، به.
وهذا مذهب جمهور العلماء: أن الحكمين إليهما الجمع والتفرقة، حتى قال إبراهيم النخعي: إن شاء الحكمان أن يفرقا بينهما بطلقة أو بطلقتين أو ثلاث فعلا. وهو رواية عن مالك.
وقال الحسن البصري: الحكمان يحكمان في الجمع ولا يحكمان في التفريق، وكذا قال قتادة، وزيد بن أسلم. وبه قال أحمد بن حنبل، وأبو ثور، وداود، ومأخذهم قوله تعالى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} ولم يذكر التفريق.
وأما إذا كانا وكيلين من جهة الزوجين، فإنه يُنَفَّذُ حكمهما في الجمع والتفرقة بلا خلاف.
وقد اختلف الأئمة في الحكمين: هل هما منصوبان من عند الحاكم، فيحكمان وإن لم يرض الزوجان، أو هما وكيلان من جهة الزوجين؟ على قولين: فالجمهور على الأول؛ لقوله تعالى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} فسماهما حكمين، ومن شأن الحكم أن يحكم بغير رضا المحكوم عليه، وهذا ظاهر الآية، والجديدُ من مذهب الشافعي، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.
الثاني منهما، بقول علي، رضي الله عنه، للزوج- حين قال: أما الفرقة فلا- قال: كذبت، حتى تقر بما أقرت به، قالوا: فلو كانا حاكمين لما افتقر إلى إقرار الزوج، والله أعلم.
قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر: وأجمع العلماء على أن الحكمين- إذا اختلف قولهما- فلا عبرة بقول الآخر، وأجمعوا على أن قولهما نافذ في الجمع وإن لم يوكلهما الزوجان، واختلفوا: هل ينفذ قولهما في التفرقة؟ ثم حكي عن الجمهور أنه ينفذ قولهما فيها أيضا.