فصل: تفسير الآية رقم (61):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (61):

{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61)}
يقول تعالى: ومن المنافقين قوم يُؤذون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالكلام فيه ويقولون: {هُوَ أُذُنٌ} أي: من قال له شيئا صدقه، ومن حدثه فينا صدقه، فإذا جئنا وحلفنا له صدقنا. روي معناه عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. قال الله تعالى: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} أي: هو أذن خير، يعرف الصادق من الكاذب، {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي: ويصدق المؤمنين، {وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} أي: وهو حجة على الكافرين؛ ولهذا قال: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

.تفسير الآيات (62- 63):

{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)}
قال قتادة في قوله تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ} الآية، قال: ذكر لنا أن رجلا من المنافقين قال: والله إن هؤلاء لخيارنا وأشرافنا، وإن كان ما يقول محمد حقا، لهم شر من الحمير. قال: فسمعها رجل من المسلمين فقال: والله إن ما يقول محمد لحق، ولأنت أشر من الحمار. قال: فسعى بها الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأرسل إلى الرجل فدعاه فقال: «ما حملك على الذي قلت؟» فجعل يلتعن، ويحلف بالله ما قال ذلك. وجعل الرجل المسلم يقول: اللهم صدق الصادق وكذب الكاذب. فأنزل الله، عز وجل: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ}
وقوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا} أي: ألم يتحققوا ويعلموا أنه من حاد الله، أي: شاقه وحاربه وخالفه، وكان في حَدٍّ والله ورسوله في حدٍّ {فأن له نار جهنم خالدا فيها} أي: مهانًا معذبا، {ذلك الخزي العظيم} أي: وهذا هو الذل العظيم، والشقاء الكبير.

.تفسير الآية رقم (64):

{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنزلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64)}
قال مجاهد: يقولون القول بينهم، ثم يقولون: عسى الله ألا يفشي علينا سرنا هذا.
وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [المجادلة: 8]
وقال في هذه الآية: {قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون} أي: إن الله سينزل على رسوله ما يفضحكم به، ويبين له أمركم كما قال: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ} إلى قوله: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 29، 30]؛ ولهذا قال قتادة: كانت تسمى هذه السورة الفاضحة، فاضحة المنافقين.

.تفسير الآيات (65- 66):

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)}
قال أبو معشر المديني عن محمد بن كعب القُرَظي وغيره قالوا: قال رجل من المنافقين: ما أرى قُرّاءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء. فرُفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى رسول الله وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب. فقال: {أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون} إلى قوله: {مجرمين} وإن رجليه لتنسفان الحجارة وما يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متعلق بنسعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال عبد الله بن وهب: أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس ما رأيت مثل قُرائنا هؤلاء، أرغبَ بطونا، ولا أكذبَ ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء. فقال رجل في المسجد: كذبتَ، ولكنك منافق. لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن. قال عبد الله بن عمر: وأنا رأيته متعلقا بحَقَب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تَنكُبُه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}.
وقد رواه الليث، عن هشام بن سعد، بنحو من هذا.
وقال ابن إسحاق: وقد كان جماعة من المنافقين منهم وَديعة بن ثابت، أخو بني أمية بن زيد، من بني عمرو بن عوف، ورجل من أشجع حليف لبني سلمة يقال له: مُخَشّن بن حُميّر يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك، فقال بعضهم لبعض: أتحسبون جِلادَ بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا؟ والله لكأنا بكم غدا مُقَرّنين في الحبال، إرجافا وترهيبا للمؤمنين، فقال مُخَشّن بن حُمَيّر: والله لوددتُ أني أقاضى على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة، وإما نَنْفَلتُ أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم- فيما بلغني- لعمار بن ياسر: «أدرك القوم، فإنهم قد احترقوا، فسلهم عما قالوا، فإن أنكروا فقل: بلى، قلتم كذا وكذا». فانطلق إليهم عمار، فقال ذلك لهم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه، فقال وديعة بن ثابت، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على راحلته، فجعل يقول وهو آخذ بحَقَبها: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب، فأنزل الله، عز وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} فقال مُخَشّن بن حُمّير: يا رسول الله، قعد بي اسمي واسم أبي. فكان الذي عفى عنه في هذه الآية مُخَشّن بن حُمّير، فتسمى عبد الرحمن، وسأل الله أن يقتل شهيدا لا يعلم بمكانه، فقتل يوم اليمامة، فلم يوجد له أثر.
وقال قتادة: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} قال: فبينما النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وركب من المنافقين يسيرون بين يديه، فقالوا: يظن هذا أن يفتح قصور الروم وحصونها. هيهات هيهات. فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوا، فقال: «عَليَّ بهؤلاء النفر». فدعاهم، فقال: «قلتم كذا وكذا». فحلفوا ما كنا إلا نخوض ونلعب.
وقال عِكْرِمة في تفسير هذه الآية: كان رجل ممن إن شاء الله عفا عنه يقول: اللهم، إني أسمع آية أنا أعنَى بها، تقشعر منها الجلود، وتجيب منها القلوب، اللهم، فاجعل وفاتي قتلا في سبيلك، لا يقول أحد: أنا غسّلت، أنا كفنت، أنا دفنت، قال: فأصيب يوم اليمامة، فما أحد من المسلمين إلا وقد وجد غيره.
وقوله: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} أي: بهذا المقال الذي استهزأتم به {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً} أي: لا يُعْفى عن جميعكم، ولابد من عذاب بعضكم، {بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} أي: مجرمين بهذه المقالة الفاجرة الخاطئة.

.تفسير الآيات (67- 68):

{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)}
يقول تعالى منكرا على المنافقين الذين هم على خلاف صفات المؤمنين، ولما كان المؤمنون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، كان هؤلاء {يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} أي: عن الإنفاق في سبيل الله، {نَسُوا اللَّهَ} أي: نسوا ذكر الله، {فَنَسِيَهُمْ} أي: عاملهم معاملة من نسيهم، كقوله تعالى: {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الجاثية: 34] {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} أي: الخارجون عن طريق الحق، الداخلون في طريق الضلالة.
وقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ} أي: على هذا الصنيع الذي ذكر عنهم، {خَالِدِينَ فِيهَا} أي: ماكثين فيها مخلدين، هم والكفار، {هِيَ حَسْبُهُمْ} أي: كفايتهم في العذاب، {وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ} أي: طردهم وأبعدهم، {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ}.

.تفسير الآية رقم (69):

{كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69)}
يقول تعالى: أصاب هؤلاء من عذاب الله في الدنيا والآخرة كما أصاب من قبلهم، وقد كانوا أشد منهم قوة وأكثر أموالا وأولادا، {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ} قال الحسن البصري: بدينهم، {كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} أي: في الكذب والباطل، {أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} أي: بطلت مساعيهم، فلا ثواب لهم عليها لأنها فاسدة {فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}؛ لأنهم لم يحصل لهم عليها ثواب.
قال ابن جُرَيْج عن عُمَر بن عَطَاء، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس في قوله: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} الآية، قال ابن عباس: ما أشبه الليلة بالبارحة، {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} هؤلاء بنو إسرائيل، شبهنا بهم، لا أعلم إلا أنه قال: «والذي نفسي بيده، لتتبعنهم حتى لو دخل الرجل منهم جُحر ضَبٍّ لدخلتموه».
قال ابن جُرَيْج: وأخبرني زياد بن سعد، عن محمد بن زيد بن مهاجر، عن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لتتبعن سَنَن الذين من قبلكم، شبرا بشبر، وذراعا بذراع، وباعا بباع، حتى لو دخلوا جُحْر ضَبٍّ لدخلتموه». قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ أهل الكتاب؟ قال: «فَمَه».
وهكذا رواه أبو مَعْشَر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره وزاد: قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم القرآن. {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ} قال أبو هريرة: الخلاق: الدين. {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} قالوا: يا رسول الله، كما صنعت فارس والروم؟ قال: «فهل الناس إلا هم».
وهذا الحديث له شاهد في الصحيح.

.تفسير الآية رقم (70):

{أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)}
يقول تعالى واعظا لهؤلاء المنافقين المكذبين للرسل: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي: ألم تخبروا خبر من كان قبلكم من الأمم المكذبة للرسل {قَوْمِ نُوحٍ} وما أصابهم من الغرق العام لجميع أهل الأرض، إلا من آمن بعبده ورسوله نوح، عليه السلام، {وَعَادٍ} كيف أهلكوا بالريح العقيم، لما كذبوا هودا، عليه السلام، {وَثَمُودَ} كيف أخذتهم الصيحة لما كذبوا صالحا، عليه السلام، وعقروا الناقة، {وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ} كيف نصره الله عليهم وأيده بالمعجزات الظاهرة عليهم، وأهلك ملكهم النمروذ بن كنعان بن كوش الكنعاني لعنه الله، {وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ} وهم قوم شعيب، عليه السلام، وكيف أصابتهم الرجفة والصيحة وعذاب يوم الظلة، {وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} قوم لوط، وقد كانوا يسكنون في مدائن، وقال في الآية الأخرى: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} [النجم: 53] أي: الأمة المؤتفكة، وقيل: أم قراهم، وهي سدوم. والغرض: أن الله تعالى أهلكهم عن آخرهم بتكذيبهم نبي الله لوطا، عليه السلام، وإتيانهم الفاحشة التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين.
{أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} أي: بالحجج والدلائل القاطعات، {فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} أي: بإهلاكه إياهم؛ لأنه أقام عليهم الحجة بإرسال الرسل وإزاحة العلل {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} أي: بتكذيبهم الرسل ومخالفتهم الحق، فصاروا إلى ما صاروا إليه من العذاب والدمار.

.تفسير الآية رقم (71):

{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)}
لما ذكر الله تعالى صفات المنافقين الذميمة، عطف بذكر صفات المؤمنين المحمودة، فقال: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} أي: يتناصرون ويتعاضدون، كما جاء في الصحيح: «المؤمن للمؤمن كالبنان يشد بعضه بعضا» وشبك بين أصابعه وفي الصحيح أيضا: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر».
وقوله: {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} كما قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]
وقوله تعالى: {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} أي: يطيعون الله ويحسنون إلى خلقه، {وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أي: فيما أمر، وترك ما عنه زجر، {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} أي: سيرحم الله من اتصف بهذه الصفات، {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} أي: عزيز، من أطاعه أعزه، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، {حَكِيمٌ} في قسمته هذه الصفات لهؤلاء، وتخصيصه المنافقين بصفاتهم المتقدمة، فإن له الحكمة في جميع ما يفعله، تبارك وتعالى.