فصل: تفسير الآيات (61- 63):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (61- 63):

{جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلا سَلامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63)}.
يقول تعالى: الجنات التي يدخلها التائبون من ذنوبهم، هي {جَنَّاتِ عَدْنٍ} أي: إقامة {الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ} بظهر الغيب، أي: هي من الغيب الذي يؤمنون به وما رأوه؛ وذلك لشدة إيقانهم وقوة إيمانهم.
وقوله: {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} تأكيد لحصول ذلك وثبوته واستقراره؛ فإن الله لا يخلف الميعاد ولا يبدله، كقوله: {كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولا} [المزمل: 18] أي: كائنا لا محالة.
وقوله هاهنا: {مَأْتِيًّا} أي: العباد صائرون إليه، وسيأتونه.
ومنهم من قال: {مَأْتِيًّا} بمعنى: آتيا؛ لأن كل ما أتاك فقد أتيته، كما تقول العرب: أتت عليّ خمسون سنة، وأتيت على خمسين سنة، كلاهما بمعنى واحد.
وقوله: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا} أي: هذه الجنات ليس فيها كلام ساقط تافه لا معنى له، كما قد يوجد في الدنيا.
وقوله: {إِلا سَلامًا} استثناء منقطع، كقوله: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا} [الواقعة: 25، 26].
وقوله: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} أي: في مثل وقت البُكُرات ووقت العَشيّات، لا أن هناك ليلا أو نهارًا ولكنهم في أوقات تتعاقب، يعرفون مضيها بأضواء وأنوار، كما قال الإمام أحمد:
حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معْمَر، عن هَمَّام، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول زُمْرَة تلج الجنة صُورهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصُقون فيها، ولا يتمخطون فيها، ولا يَتَغَوّطون، آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة، ومجامرهم الألْوّة، ورَشْحُهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان، يرى مُخّ ساقيهما من وراء اللحم؛ من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشيًّا».
أخرجاه في الصحيحين من حديث معمر به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني الحارث بن فضيل الأنصاري، عن محمود بن لبيد الأنصاري، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشهداء على بارق نهر بباب الجنة، في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيًّا» تفرد به أحمد من هذا الوجه.
وقال الضحاك، عن ابن عباس: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} قال: مقادير الليل والنهار.
وقال ابن جرير: حدثنا علي بن سهم، حدثنا الوليد بن مسلم قال: سألت زهير بن محمد، عن قول الله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} قال: ليس في الجنة ليل، هم في نور أبدًا، ولهم مقدار الليل والنهار، يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب، وبفتح الأبواب.
وبهذا الإسناد عن الوليد بن مسلم، عن خُلَيْد، عن الحسن البصري، وذكر أبواب الجنة، فقال: أبواب يُرى ظاهرها من باطنها، فتكلم وتكلم، فَتُهَمْهِم انفتحي انغلقي، فتفعل.
وقال قتادة في قوله: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}: فيها ساعتان: بكرة وعشي: ليس ثم ليل ولا نهار، وإنما هو ضوء ونور.
وقال مجاهد ليس فيها بكرة ولا عشي، ولكن يُؤتون به على ما كانوا يشتهون في الدنيا.
وقال الحسن، وقتادة، وغيرهما: كانت العرب، الأنْعَم فيهم، من يتغدّى ويتعشى، ونزل القرآن على ما في أنفسهم من النعيم، فقال تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}
وقال ابن مهدي، عن حماد بن زيد، عن هشام، عن الحسن: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} قال: البكور يرد على العشي، والعشي يرد على البكور، ليس فيها ليل.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا سليم بن منصور بن عمار، حدثني أبي، حدثنا محمد بن زياد قاضي أهل شَمْشَاط عن عبد الله بن جرير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من غداة من غدوات الجنة، وكل الجنة غدوات، إلا أنه يزف إلى ولي الله فيها زوجة من الحور العين، أدناهن التي خلقت من الزعفران».
قال أبو محمد: هذا حديث منكر.
وقوله تعالى {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} أي: هذه الجنة التي وصفنا بهذه الصفات العظيمة هي التي نورثها عبادنا المتقين، وهم المطيعون لله- عز وجل- في السراء والضراء، والكاظمون الغيظ والعافون عن الناس، وكما قال تعالى في أول سورة المؤمنين: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} إلى أن قال: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 1- 11]

.تفسير الآيات (64- 65):

{وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)}.
قال الإمام أحمد: حدثنا يَعْلى ووكيع قالا حدثنا عمر بن ذَرّ، عن أبيه، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: «ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟» قال: فنزلت {وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ} إلى آخر الآية.
انفرد بإخراجه البخاري، فرواه عند تفسير هذه الآية عن أبي نعيم، عن عمر بن ذر به.
ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير، من حديث عمر بن ذر به وعندهما زيادة في آخر الحديث، فكان ذلك الجواب لمحمد صلى الله عليه وسلم.
وقال العَوْفي عن ابن عباس: احتبس جبريل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وحَزَن، فأتاه جبريل وقال: يا محمد، {وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}
وقال مجاهد: لبث جبريل عن محمد صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة ليلة، ويقولون قُلِيَ فلما جاءه قال: يا جبريل لقد رِثْتَ عليّ حتى ظن المشركون كل ظن. فنزلت: {وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} قال: وهذه الآية كالتي في الضحى.
وكذلك قال الضحاك بن مُزَاحم، وقتادة، والسدي، وغير واحد: إنها نزلت في احتباس جبريل.
وقال الحكم بن أبان، عن عكرمة قال: أبطأ جبريل النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يومًا، ثم نزل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نزلت حتى اشتقت إليك» فقال له جبريل: بل أنا كنت إليك أشوق، ولكني مأمور، فأوحِيَ إلى جبريل أن قل له: {وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ} الآية. رواه ابن أبي حاتم، رحمه الله، وهو غريب.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن مجاهد قال: أبطأت الرسلُ على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه جبريل فقال له: ما حبسك يا جبريل؟ فقال له جبريل: وكيف نأتيكم وأنتم لا تقصون أظفاركم، ولا تُنْقُون براجمكم، ولا تأخذون شواربكم، ولا تستاكون؟ ثم قرأ: {وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ} إلى آخر الآية.
وقد قال الطبراني: حدثنا أبو عامر النحوي، حدثنا محمد بن إبراهيم الصوري، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي حدثنا إسماعيل بن عياش، أخبرني ثعلبة بن مسلم، عن أبي كعب مولى ابن عباس، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن جبريل أبطأ عليه، فذكر ذلك له فقال: وكيف وأنتم لا تَسْتَنّون، ولا تُقَلّمُون أظفاركم، ولا تقصون شواربكم، ولا تُنْقُون رواجبكم.
وهكذا رواه الإمام أحمد، عن أبي اليمان، عن إسماعيل بن عياش، به نحوه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا سَيَّار، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا المغيرة بن حبيب- ختن مالك بن دينار- حدثني شيخ من أهل المدينة، عن أم سلمة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أصلحي لنا المجلس، فإنه ينزل ملك إلى الأرض، لم ينزل إليها قط».
وقوله: {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} قيل: المراد ما بين أيدينا: أمر الدنيا، وما خلفنا: أمر الآخرة، {وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} ما بين النفختين. هذا قول أبي العالية، وعكرمة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، في رواية عنهما، والسدي، والربيع بن أنس.
وقيل: {مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} ما نستقبل من أمر الآخرة، {وَمَا خَلْفَنَا} أي: ما مضى من الدنيا، {وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} أي: ما بين الدنيا والآخرة. يروى نحوه عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، والضحاك، وقتادة، وابن جريج، والثوري. واختاره ابن جرير أيضًا، والله أعلم.
وقوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} قال مجاهد والسُّدِّيّ معناه: ما نسيك ربك.
وقد تقدم عنه أن هذه الآية كقوله: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 1- 3]
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يزيد بن محمد بن عبد الصمد الدمشقي، حدثنا محمد بن عثمان- يعني أبا الجماهر- حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا عاصم بن رجاء بن حيوة، عن أبيه، عن أبي الدرداء يرفعه قال: «ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئا» ثم تلا هذه الآية: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}
وقوله: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} أي: خالق ذلك ومدبره، والحاكم فيه والمتصرف الذي لا معقب لحكمه، {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}: قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: هل تعلم للرب مثلا أو شبها.
وكذلك قال مجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، وابن جريج وغيرهم.
وقال عكرمة، عن ابن عباس: ليس أحد يسمى الرحمن غيره تبارك وتعالى، وتقدس اسمه.

.تفسير الآيات (66- 70):

{وَيَقُولُ الإنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلا يَذْكُرُ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنزعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70)}.
يخبر تعالى عن الإنسان أنه يتعجب ويستبعد إعادته بعد موته، كما قال تعالى: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [الرعد: 5]، وقال: {أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 77- 79]، وقال هاهنا: {وَيَقُولُ الإنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلا يَذْكُرُ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} يستدل، تعالى، بالبداءة على الإعادة، يعني أنه، تعالى قد خلق الإنسان ولم يك شيئًا، أفلا يعيده وقد صار شيئًا، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27]، وفي الصحيح: «يقول الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني، وآذاني ابن آدم ولم يكن له أن يؤذيني، أما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من آخره، وأما أذاه إياي فقوله: إن لي ولدًا، وأنا الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد».
وقوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} أقسم الرب، تبارك وتعالى، بنفسه الكريمة، أنه لابد أن يحشرهم جميعًا وشياطينهم الذين كانوا يعبدون من دون الله، {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا}.
قال العَوْفي، عن ابن عباس: يعني: قعودا كقوله: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} [الجاثية: 28].
وقال السدي في قوله: {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا}: يعني: قيامًا، وروي عن مرة، عن ابن مسعود مثله.
وقوله: {ثُمَّ لَنَنزعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ} يعني: من كل أمة قاله مجاهد، {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا}.
قال الثوري، عن علي بن الأقمر، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود قال: يحبس الأول على الآخر، حتى إذا تكاملت العدة، أتاهم جميعًا، ثم بدأ بالأكابر، فالأكابر جرما، وهو قوله: {ثُمَّ لَنَنزعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا}.
وقال قتادة: {ثُمَّ لَنَنزعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} قال: ثم لننزعن من أهل كل دين قادتهم ورؤساءهم في الشر.
وكذا قال ابن جريج، وغير واحد من السلف. وهذا كقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} [الأعراف: 38، 39]
وقوله: {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا} ثم هاهنا لعطف الخبر على الخبر، والمراد أنه تعالى أعلم بمن يستحق من العباد أن يصلى بنار جهنم ويخلَّد فيها، وبمن يستحق تضعيف العذاب، كما قال في الآية المتقدمة: {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ}