فصل: تفسير الآيات (50- 56):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (50- 56):

{وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56)}.
يخبر تعالى عن خليله إبراهيم، عليه السلام، أنه آتاه رشده من قبل، أي: من صغره ألهمه الحق والحجة على قومه، كما قال تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} [الأنعام: 83]، وما يذكر من الأخبار عنه في إدخال أبيه له في السرب، وهو رضيع، وأنه خرج به بعد أيام، فنظر إلى الكوكب والمخلوقات، فتبصر فيها وما قصه كثير من المفسرين وغيرهم- فعامتها أحاديث بني إسرائيل، فما وافق منها الحق مما بأيدينا عن المعصوم قبلناه لموافقته الصحيح، وما خالف شيئًا من ذلك رددناه، وما ليس فيه موافقة ولا مخالفة لا نصدقه ولا نكذبه، بل نجعله وفقًا، وما كان من هذا الضرب منها فقد ترخص كثير من السلف في روايتها، وكثير من ذلك ما لا فائدة فيه، ولا حاصل له مما ينتفع به في الدين.
ولو كانت فيه فائدة تعود على المكلفين في دينهم لبينته هذه الشريعة الكاملة الشاملة. والذي نسلكه في هذا التفسير الإعراض عن كثير من الأحاديث الإسرائيلية، لما فيها من تضييع الزمان، ولما اشتمل عليه كثير منها من الكذب المروج عليهم، فإنهم لا تفرقة عندهم بين صحيحها وسقيمها كما حرره الأئمة الحفاظ المتقنون من هذه الأمة.
والمقصود هاهنا: أن الله تعالى أخبر أنه قد آتى إبراهيم رشده، من قبل، أي: من قبل ذلك، وقوله: {وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} أي: وكان أهلا لذلك.
ثم قال: {إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} هذا هو الرشد الذي أوتيه من صغره، الإنكار على قومه في عبادة الأصنام من دون الله، عز وجل، فقال: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} أي: معتكفون على عبادتها.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد الصباح، حدثنا أبو معاوية الضرير، حدثنا سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباته، قال: مر عليّ، على قوم يلعبون بالشطرنج، فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ لأن يمس أحدكم جمرًا حتى يطفأ خير له من أن يمسها.
{قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ}: لم يكن لهم حجة سوى صنيع آبائهم الضلال؛ ولهذا قال: {لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي: الكلام مع آبائكم الذين احتججتم بصنيعهم كالكلام معكم، فأنتم وهم في ضلال على غير الطريق المستقيم.
فلما سفه أحلامهم، وضلل آباءهم، واحتقر آلهتهم {قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاعِبِينَ} يقولون: هذا الكلام الصادر عنك تقوله لاعبًا أو محقًا فيه؟ فإنا لم نسمع به قبلك.
{قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ} أي: ربكم الذي لا إله غيره، هو الذي خلق السموات والأرض وما حوت من المخلوقات الذي ابتدأ خلقهن، وهو الخالق لجميع الأشياء {وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} أي: وأنا أشهد أنه لا إله غيره، ولا رب سواه.

.تفسير الآيات (57- 63):

{وَتَاللَّهِ لأكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63)}.
ثم أقسم الخليل قسمًا أسمعه بعض قومه ليكيدن أصنامهم، أي: ليحرصن على أذاهم وتكسيرهم بعد أن يولوا مدبرين أي: إلى عيدهم. وكان لهم عيد يخرجون إليه.
قال السدي: لما اقترب وقت ذلك العيد قال أبوه: يا بني، لو خرجت معنا إلى عيدنا لأعجبك ديننا! فخرج معهم، فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه إلى الأرض. وقال: إني سقيم، فجعلوا يمرون عليه وهو صريع، فيقولون: مه! فيقول: إني سقيم، فلما جاز عامتهم وبقي ضعفاؤهم قال: {تَاللَّهِ لأكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} فسمعه أولئك.
وقال أبو إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: لما خرج قوم إبراهيم، إلى عيدهم مروا عليه فقالوا: يا إبراهيم ألا تخرج معنا؟ قال: إني سقيم. وقد كان بالأمس قال: {تَاللَّهِ لأكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} فسمعه ناس منهم.
وقوله: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} أي: حطامًا كسرها كلها {إِلا كَبِيرًا لَهُمْ} يعني: إلا الصنم الكبير عندهم كما قال: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} [الصافات: 93].
وقوله: {لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} ذكروا أنه وضع القدوم في يد كبيرهم، لعلهم يعتقدون أنه هو الذي غَارَ لنفسه، وأنف أن تعبد معه هذه الأصنام الصغار، فكسرها.
{قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} أي: حين رجعوا وشاهدوا ما فعله الخليل بأصنامهم من الإهانة والإذلال الدال على عدم إلهيتها، وعلى سخافة عقول عابديها {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} أي: في صنيعه هذا.
{قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} أي: قال من سمعه يحلف أنه ليكيدنهم: {سَمِعْنَا فَتًى} أي: شابًا {يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}
قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن قابوس عن أبيه، عن ابن عباس قال: ما بعث الله نبيًا إلا شابًا، ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب، وتلا هذه الآية: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}.
وقوله: {قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ} أي: على رءوس الأشهاد في الملإ الأكبر بحضرة الناس كلهم، وكان هذا هو المقصود الأكبر لإبراهيم أن يتبين في هذا المحفل العظيم كثرة جهلهم وقلة عقلهم في عبادة هذه الأصنام التي لا تدفع عن نفسها ضرًا، ولا تملك لها نصرًا، فكيف يطلب منها شيء من ذلك؟.
{قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} يعني: الذي تركه لم يكسره {فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} وإنما أراد بهذا أن يبادروا من تلقاء أنفسهم، فيعترفوا أنهم لا ينطقون، فإن هذا لا يصدر عن هذا الصنم، لأنه جماد.
وفي الصحيحين من حديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن إبراهيم، عليه السلام، لم يكذب غير ثلاث: ثنتين في ذات الله، قوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}» وقوله {إِنِّي سَقِيمٌ} قال: «وبينا هو يسير في أرض جبار من الجبابرة ومعه سارة، إذ نزل منزلا فأتى الجبار رجل، فقال: إنه قد نزل بأرضك رجل معه امرأة أحسن الناس، فأرسل إليه فجاء، فقال: ما هذه المرأة منك؟ قال: هي أختي. قال: فاذهب فأرسل بها إليّ، فانطلق إلى سارة فقال: إن هذا الجبار سألني عنك فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني عنده، فإنك أختي في كتاب الله، وأنه ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك، فانطلق بها إبراهيم ثم قام يصلي. فلما أن دخلت عليه فرآها أهوى إليها، فتناولها، فأخذ أخذًا شديدًا، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت له فأرسل، فأهوى إليها، فتناولها فأخذ بمثلها أو أشد. ففعل ذلك الثالثة فأخذ، فذكر مثل المرتين الأوليين فقال ادعي الله فلا أضرك. فدعت، له فأرسل، ثم دعا أدنى حجابه، فقال: إنك لم تأتني بإنسان، وإنما أتيتني بشيطان، أخرجها وأعطها هاجر، فأخرجت وأعطيت هاجر، فأقبلت، فلما أحس إبراهيم بمجيئها انفتل من صلاته، قال: مَهْيَم؟ قالت: كفى الله كيد الكافر الفاجر، وأخدمني هاجر» قال محمد بن سيرين وكان: أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث قال: فتلك أمكم يا بني ماء السماء.

.تفسير الآيات (64- 67):

{فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (67)}.
يقول تعالى مخبرًا عن قوم إبراهيم حين قال لهم ما قال: {فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ} أي: بالملامة في عدم احترازهم وحراستهم لآلهتهم، فقالوا: {إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} أي: في ترككم لها مهملة لا حافظ عندها، {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ} أي: ثم أطرقوا في الأرض فقالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ} قال قتادة: أدركت القوم حيرة سوء فقالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ}.
وقال السدي: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ} أي: في الفتنة.
وقال ابن زيد: أي في الرأي.
وقول قتادة أظهر في المعنى؛ لأنهم إنما فعلوا ذلك حيرة وعجزًا؛ ولهذا قالوا له: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ}، فكيف تقول لنا: سلوهم إن كانوا ينطقون، وأنت تعلم أنها لا تنطق فعندها قال لهم إبراهيم لما اعترفوا بذلك: {أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ} أي: إذا كانت لا تنطق، وهي لا تضر ولا تنفع، فلم تعبدونها من دون الله.
{أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ}
أي: أفلا تتدبرون ما أنتم فيه من الضلال والكفر الغليظ، الذي لا يروج إلا على جاهل ظالم فاجر؟ فأقام عليهم الحجة، وألزمهم بها؛ ولهذا قال تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} الآية [الانعام: 83].

.تفسير الآيات (68- 70):

{قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأخْسَرِينَ (70)}.
لما دَحَضت حجتهم، وبان عجزهم، وظهر الحق، واندفع الباطل، عدلوا إلى استعمال جاه ملكهم، فقالوا: {حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} فجمعوا حطبًا كثيرًا جدًا- قال السدي: حتى إن كانت المرأة تمرض، فتنذر إن عوفيت أن تحمل حطبًا لحريق إبراهيم- ثم جعلوه في جَوْبة من الأرض، وأضرموها نارًا، فكان لها شرر عظيم ولهب مرتفع، لم توقد قط نار مثلها، وجعلوا إبراهيم، عليه السلام، في كفة المنجنيق بإشارة رجل من أعراب فارس من الأكراد- قال شُعَيب الجبائي: اسمه هيزن- فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، فلما ألقوه قال: «حسبي الله ونعم الوكيل»، كما رواه البخاري، عن ابن عباس أنه قال: «حسبي الله ونعم الوكيل» قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173].
وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا ابن هشام، حدثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي جعفر، عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما ألقي إبراهيم، عليه السلام، في النار قال: اللهم، إنك في السماء واحد، وأنا في الأرض واحد أعبدك».
ويروى أنه لما جعلوا يوثقونه قال: لا إله إلا أنت سبحانك لك الحمد، ولك الملك، لا شريك لك.
وقال شعيب الجبائي: كان عمره ست عشرة سنة. فالله أعلم.
وذكر بعض السلف أنه عرض له جبريل وهو في الهواء، فقال: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا وأما من الله فبلى.
وقال سعيد بن جبير- ويروى عن ابن عباس أيضًا- قال: لما أُلقيَ إبراهيم جعل خازن المطر يقول: متى أومر بالمطر فأرسله؟ قال: فكان أمر الله أسرع من أمره، قال الله: عز وجل {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} قال: لم يبق نار في الأرض إلا طفئت.
وقال كعب الأحبار: لم ينتفع أحد يومئذ بنار، ولم تحرق النار من إبراهيم سوى وثاقه.
وقال الثوري، عن الأعمش، عن شيخ، عن علي بن أبي طالب: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} قال: بَرَدَتْ عليه حتى كادت تقتله، حتى قيل: {وَسَلامًا}، قال: لا تضرِّيه.
وقال ابن عباس، وأبو العالية: لولا أن الله عز وجل قال: {وَسَلامًا} لآذى إبراهيم بَرْدُها.
وقال جُوَيبر، عن الضحاك: {كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} قال: صنعوا له حظيرة من حَطَب جَزْل، وأشعلوا فيه النار من كل جانب، فأصبح ولم يصِبه منها شيء حتى أخمدها الله- قال: ويذكرون أن جبريل كان معه يمسح وجهه من العرق، فلم يُصِبْه منها شيء غيرُ ذلك.
وقال السدي: كان معه فيها ملك الظل.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا مِهْران، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن المِنْهَال بن عمرو قال: أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار، فقال: كان فيها إما خمسين وإما أربعين، قال: ما كنت أيامًا وليالي قط أطيب عيشًا إذ كنت فيها، وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها.
وقال أبو زُرْعَة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة قال: إن أحسن شيء قال أبو إبراهيم- لما رفع عنه الطبق وهو في النار، وجده يرش جبينه- قال عند ذلك: نعْمَ الربّ ربك يا إبراهيم.
وقال قتادة: لم يأت يومئذ دابة إلا أطفأت عنه النار، إلا الوَزَغ- وقال الزهري: أمر النبي صلى الله عليه وسلم: بقتله وسماه فويسقًا.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب، حدثني عمي، حدثنا جرير بن حازم، أن نافعًا حدثه قال: حدثتني مولاة الفاكه بن المغيرة المخزومي قالت: دخلت على عائشة فرأيت في بيتها رمحا. فقلت: يا أم المؤمنين، ما تصنعين بهذا الرمح؟ فقالت: نقتل به هذه الأوزاغ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن إبراهيم حين ألقي في النار، لم يكن في الأرض دابة إلا تطفئ النار، غير الوَزَغ، فإنه كان ينفخ على إبراهيم»، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله.
وقوله: {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأخْسَرِينَ} أي: المغلوبين الأسفلين؛ لأنهم أرادوا بنبي الله كيدا، فكادهم الله ونجاه من النار، فغلبوا هنالك.
وقال عطية العوفي: لما ألقِيَ إبراهيم في النار، جاء ملكهم لينظر إليه فطارت شرارة فوقعت على إبهامه، فأحرقته مثل الصوفة.