فصل: تفسير الآيات (41- 44):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (41- 44):

{وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)}
يقول تعالى: ودلالة لهم أيضًا على قدرته تعالى: تسخيره البحر ليحمل السفن، فمن ذلك- بل أوله- سفينة نوح، عليه السلام، التي أنجاه الله تعالى فيها بمن معه من المؤمنين، الذين لم يبق على وجه الأرض من ذرية آدم غيرهم؛ ولهذا قال: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ} أي: آباءهم، {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} أي: في السفينة الموقرة المملوءة من الأمتعة والحيوانات، التي أمره الله أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين.
قال ابن عباس: المشحون: المُوقَر.
وكذا قال سعيد بن جبير، والشعبي، وقتادة، والضحاك والسدي.
وقال الضحاك، وقتادة، وابن زيد: وهي سفينة نوح، عليه السلام.
وقوله: {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ}: قال العَوْفي، عن ابن عباس: يعني بذلك: الإبل، فإنها سفن البر يحملون عليها ويركبونها.
وكذا قال عكرمة، ومجاهد، والحسن، وقتادة- في رواية- عبد الله بن شَداد، وغيرهم.
وقال السدي- في رواية-: هي الأنعام.
وقال ابن جرير: حدثنا الفضل بن الصباح، حدثنا محمد بن فضيل، عن عطاء، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال: تدرون ما {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ}؟ قلنا: لا. قال: هي السفن، جعلت من بعد سفينة نوح على مثلها.
وكذا قال غير واحد وأبو مالك، والضحاك، وقتادة، وأبو صالح، والسدي أيضًا: المراد بقوله: {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ}: أي السفن.
ويُقَوِّي هذا المذهب في المعنى قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: 11، 12].
وقوله: {وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ} يعني: الذين في السفن، {فَلا صَرِيخَ لَهُمْ} أي: فلا مغيث لهم مما هم فيه، {وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ} أي: مما أصابهم. {إِلا رَحْمَةً مِنَّا} وهذا استثناء منقطع، تقديره: ولكن برحمتنا نسيركم في البر والبحر، ونُسَلِّمكم إلى أجل مسمى؛ ولهذا قال: {وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} أي: إلى وقت معلوم عند الله.

.تفسير الآيات (45- 47):

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47)}
يقول تعالى مخبرًا عن تمادي المشركين في غيهم وضلالهم، وعدم اكتراثهم بذنوبهم التي أسلفوها، وما هم يستقبلون بين أيديهم يوم القيامة: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ} قال مجاهد: من الذنوب.
وقال غيره بالعكس، {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أي: لعل الله باتقائكم ذلك يرحمكم ويؤمنكم من عذابه. وتقدير كلامه: أنهم لا يجيبون إلى ذلك ويعرضون عنه. واكتفى عن ذلك بقوله: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ} أي: على التوحيد وصدق الرسل {إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} أي: لا يتأملونها ولا ينتفعون بها.
وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} أي: وإذا أمروا بالإنفاق مما رزقهم الله على الفقراء والمحاويج من المسلمين {قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا} أي: عن الذين آمنوا من الفقراء، أي: قالوا لمن أمرهم من المؤمنين بالإنفاق محاجين لهم فيما أمروهم به: {أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} أي: وهؤلاء الذين أمرتمونا بالإنفاق عليهم، لو شاء الله لأغناهم ولأطعمهم من رزقه، فنحن نوافق مشيئة الله فيهم، {إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي: في أمركم لنا بذلك.
قال ابن جرير: ويحتمل أن يكون من قول الله للكفار حين ناظروا المسلمين وردوا عليهم، فقال لهم: {إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}، وفي هذا نظر.

.تفسير الآيات (48- 50):

{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)}
يخبر تعالى عن استبعاد الكفرة لقيام الساعة في قولهم: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}؟ {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا} [الشورى: 18]، قال الله تعالى: {مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} أي: ما ينتظرون إلا صيحة واحدة، وهذه- والله أعلم- نفخة الفزع، ينفخ في الصور نفخة الفزع، والناس في أسواقهم ومعايشهم يختصمون ويتشاجرون على عادتهم، فبينما هم كذلك إذ أمر الله تعالى إسرافيل فنفخ في الصور نفخة يُطَوِّلُها ويَمُدُّها، فلا يبقى أحد على وجه الأرض إلا أصغى ليتًا، ورفع ليتًا- وهي صفحة العنق- يتسمع الصوت من قبل السماء. ثم يساق الموجودون من الناس إلى محشر القيامة بالنار، تحيط بهم من جوانبهم؛ ولهذا قال: {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} أي: على ما يملكونه، الأمر أهم من ذلك، {وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ}.
وقد وردت هاهنا آثار وأحاديث ذكرناها في موضع آخر ثم يكون بعد هذا نفخة الصعق، التي تموت بها الأحياء كلهم ما عدا الحي القيوم، ثم بعد ذلك نفخة البعث.

.تفسير الآيات (51- 54):

{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)}
هذه هي النفخة الثالثة، وهي نفخة البعث والنشور للقيام من الأجداث والقبور؛ ولهذا قال: {فَإِذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} والنَّسلان هو: المشي السريع، كما قال تعالى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج: 43].
{قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}؟ يعنون: من قبورهم التي كانوا يعتقدون في الدار الدنيا أنهم لا يبعثون منها، فلما عاينوا ما كذبوه في محشرهم {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}، وهذا لا ينفي عذابهم في قبورهم؛ لأنه بالنسبة إلى ما بعده في الشدة كالرقاد.
وقال أُبَيّ بن كعب، ومجاهد، والحسن، وقتادة: ينامون نومة قبل البعث.
قال قتادة: وذلك بين النفختين.
فلذلك يقولون: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}، فإذا قالوا ذلك أجابهم المؤمنون- قاله غير واحد من السلف-: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}.
وقال الحسن: إنما يجيبهم بذلك الملائكة.
ولا منافاة إذ الجمع ممكن، والله أعلم.
وقال عبد الرحمن بن زيد: الجميع من قول الكفار: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}.
نقله ابن جرير، واختار الأول، وهو أصح، وذلك كقوله تعالى في الصافات: {وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [الصافات: 20، 21]، وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الروم: 55، 56].
وقوله: {إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}، كقوله: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات: 13، 14].
وقال تعالى: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} [النحل: 77]، وقال: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا} [الإسراء: 52].
أي: إنما نأمرهم أمرًا واحدًا، فإذا الجميع محضرون، {فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} أي: من عملها، {وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}

.تفسير الآيات (55- 58):

{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)}
يخبر تعالى عن أهل الجنة: أنهم يوم القيامة إذا ارتحلوا من العَرَصات فنزلوا في روضات الجنات: أنهم {فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} أي: في شغل عن غيرهم، بما هم فيه من النعيم المقيم، والفوز العظيم.
قال الحسن البصري: وإسماعيل بن أبي خالد: {فِي شُغُلٍ} عما فيه أهل النار من العذاب.
وقال مجاهد: {فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} أي: في نعيم معجبون، أي: به.
وكذا قال قتادة.
وقال ابن عباس: {فَاكِهُونَ} أي فرحون.
قال عبد الله بن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن المُسَيّب، وعِكْرِمَة، والحسن، وقتادة، والأعمش، وسليمان التيمي، والأوزاعي في قوله: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} قالوا: شغلهم افتضاض الأبكار.
وقال ابن عباس- في رواية عنه-: {فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} أي بسماع الأوتار.
وقال أبو حاتم: لعله غلط من المستمع، وإنما هو افتضاض الأبكار.
وقوله: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ} قال مجاهد: وحلائلهم {فِي ظِلالٍ} أي: في ظلال الأشجار {عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُونَ}.
قال ابن عباس، ومجاهد وعكرمة، ومحمد بن كعب، والحسن، وقتادة، والسُّدِّيّ، وخُصَيْف: {الأرَائِكِ} هي السرر تحت الحجال.
قلت: نظيره في الدنيا هذه التخوت تحت البشاخين، والله أعلم.
وقوله: {لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ} أي: من جميع أنواعها، {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} أي: مهما طلبوا وجدوا من جميع أصناف الملاذ.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف الحمصي، حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار، حدثنا محمد بن مهاجر، عن الضحاك المَعَافري، عن سليمان بن موسى، حدثني كُرَيْب؛ أنه سمع أسامة بن زيد يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا هل مُشَمِّر إلى الجنة؟ فإن الجنة لا خَطر لها هي- ورب الكعبة- نور كلها يتلألأ وريحانة تهتز، وقصر مَشيد، ونهر مُطَّرد، وثمرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة، ومقام في أبد، في دار سلامة، وفاكهة خضرة وحَبْرَة ونعمة، ومحلة عالية بَهيَّة». قالوا: نعم يا رسول الله، نحن المشمرون لها. قال: «قولوا: إن شاء الله». قال القوم: إن شاء الله.
وكذا رواه ابن ماجه في كتاب (الزهد) من سننه، من حديث الوليد بن مسلم، عن محمد بن مُهَاجر، به.
وقوله: {سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} قال ابن جريج: قال ابن عباس في قوله: {سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} فإن الله نفسه سلام على أهل الجنة.
وهذا الذي قاله ابن عباس كقوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب: 44]
وقد روى ابن أبي حاتم هاهنا حديثا، وفي إسناده نظر، فإنه قال: حدثنا موسى بن يوسف، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، حدثنا أبو عاصم العَبَّاداني، حدثنا الفضل الرَّقاشيّ، عن محمد بن المُنْكَدِر، عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينا أهل الجنة في نعيمهم، إذ سطع لهم نور، فرفعوا رؤوسهم، فإذا الرب تعالى قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة. فذلك قوله: {سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ}». قال: «فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه، حتى يحتجب عنهم، ويبقى نوره وبركته عليهم وفي ديارهم».
ورواه ابن ماجه في كتاب (السنة) من سننه، عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، به.
وقال ابن جرير: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، حدثنا حَرْمَلة، عن سليمان بن حُمَيد قال: سمعت محمد بن كعب القُرَظِي يحدّث عن عمر بن عبد العزيز قال: إذا فرغ الله من أهل الجنة والنار، أقبل في ظُلَل من الغمام والملائكة، قال: فيسلم على أهل الجنة، فيردون عليه السلام- قال القرظي: وهذا في كتاب الله {سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ}- فيقول: سلوني. فيقولون: ماذا نسألك أيْ ربّ؟ قال: بلى سلوني. قالوا: نسألك- أيْ رب- رضاك. قال: رضائي أحلكم دار كرامتي. قالوا: يا رب، فما الذي نسألك، فوعزتك وجلالك وارتفاع مكانك، لو قسمت علينا رزق الثقلين لأطعمناهم ولأسقيناهم ولألبسناهم ولأخدمناهم، لا ينقصنا ذلك شيئًا. قال: إن لديَّ مزيدًا. قال فيفعل ذلك بهم في درجهم، حتى يستوي في مجلسه. قال: ثم تأتيهم التحف من الله، عز وجل، تحملها إليهم الملائكة. ثم ذكر نحوه.
وهذا أثر غريب، أورده ابن جرير من طرق.