فصل: تفسير الآيات (6- 8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (6- 8):

{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِي إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)}.
يقول تعالى: فتول يا محمد عن هؤلاء الذين إذا رأوا آية يعرضون ويقولون: هذا سحر مستمر، أعرض عنهم وانتظرهم، {يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِي إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} أي: إلى شيء منكر فظيع، وهو موقف الحساب وما فيه من البلاء، بل والزلازل والأهوال، {خشَّعًا أَبْصَارُهُمْ} أي: ذليلة أبصارهم {يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ} وهي: القبور، {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} أي: كأنهم في انتشارهم وسرعة سيرهم إلى موقف الحساب إجابة للداعي {جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} في الآفاق؛ ولهذا قال: {مُهْطِعِينَ} أي: مسرعين {إِلَى الدَّاعِي}، لا يخالفون ولا يتأخرون، {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} أي: يوم شديد الهول عَبُوس قَمْطَرِير {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ. عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر: 9، 10].

.تفسير الآيات (9- 17):

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)}.
يقول تعالى: {كَذَّبَتْ} قبل قومك يا محمد {قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} أي: صرحوا له بالتكذيب واتهموه بالجنون، {وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ} قال مجاهد: {وَازْدُجِرَ} أي: استطير جنونا. وقيل: {وَازْدُجِرَ} أي: انتهروه وزجروه وأوعدوه: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} [الشعراء: 116]. قاله ابن زيد، وهذا متوجه حسن.
{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} أي: إني ضعيف عن هؤلاء وعن مقاومتهم {فَانْتَصِرْ} أنت لدينك. قال الله تعالى: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ}. قال السدي: هو الكثير {وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا} أي: نبعت جميعُ أرجاء الأرض، حتى التنانير التي هي محال النيران نبعت عيونا، {فَالْتَقَى الْمَاءُ} أي: من السماء ومن الأرض {عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} أي: أمر مقدر.
قال ابن جُرَيْج، عن ابن عباس: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} كثير، لم تمطر السماء قبل ذلك اليوم ولا بعده، ولا من السحاب؛ فتحت أبواب السماء بالماء من غير سحاب ذلك اليوم، فالتقى الماءان على أمر قد قدر.
وروى ابن أبي حاتم أن ابن الكُوَّاء سأل عليا عن المجرة فقال: هي شرج السماء، ومنها فتحت السماء بماء منهمر.
{وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ}: قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، والقرظي، وقتادة، وابن زيد: هي المسامير، واختاره ابن جرير، قال: وواحدها دسار، ويقال: دَسير، كما يقال: حبيك وحباك، والجمع حُبُك.
وقال مجاهد: الدسر: أضلاع السفينة.
وقال عكرمة والحسن: هو صدرها الذي يضرب به الموج.
وقال الضحاك: الدسر: طرفها وأصلها.
وقال العَوْفي عن ابن عباس: هو كلكلها.
وقوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} أي: بأمرنا بمرأى منا وتحت حفظنا وكلاءتنا {جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} أي جزاء لهم على كفرهم بالله وانتصارًا لنوح، عليه السلام.
وقوله: {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً} قال قتادة: أبقى الله سفينة نوح حتى أدركها أول هذه الأمة. والظاهر أن المراد من ذلك جنس السفن، كقوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} [يس: 41، 42].
وقال {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ. لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: 11، 12]؛ ولهذا قال ها هنا: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أي: فهل من يتذكر ويتعظ؟
قال الإمام أحمد: حدثنا حجاج، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن ابن مسعود، قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} فقال رجل: يا أبا عبد الرحمن، مُدَّكر أو مُذَّكر؟ قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مُدَّكِرٍ}
وهكذا رواه البخاري: حدثنا يحيى، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الأسود بن يزيد، عن عبد الله قال: قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم: {فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}
وروى البخاري أيضا من حديث شعبة، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عبد الله، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}.
وقال: حدثنا أبو نُعَيم، حدثنا زُهَيْر، عن أبي إسحاق؛ أنه سمع رجلا يسأل الأسود: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أو {مُذَّكِر}؟ قال: سمعت عبد الله يقرأ: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}. وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} دالا.
وقد أخرج مسلم هذا الحديث وأهل السنن إلا ابن ماجه، من حديث أبي إسحاق.
وقوله: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} أي: كيف كان عذابي لمن كفر بي وكذب رسلي ولم يتعظ بما جاءت به نُذُري، وكيف انتصرت لهم، وأخذت لهم بالثأر.
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} أي: سهلنا لفظه، ويسرنا معناه لمن أراده، ليتذكر الناس. كما قال: {كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ} [ص: 29]، وقال تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} [مريم: 97].
قال مجاهد: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} يعني: هَوّنّا قراءته.
وقال السدي: يسرنا تلاوته على الألسن.
وقال الضحاك عن ابن عباس: لولا أن الله يسره على لسان الآدميين، ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله، عز وجل.
قلت: ومن تيسيره، تعالى، على الناس تلاوة القرآن ما تَقدّم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف». وأوردنا الحديث بطرقه وألفاظه بما أغنى عن إعادته هاهنا، ولله الحمد والمنة.
وقوله: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أي: فهل من متذكر بهذا القرآن الذي قد يَسَّر الله حفظه ومعناه؟
وقال محمد بن كعب القرظي: فهل من منزجر عن المعاصي؟
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا الحسن بن رافع، حدثنا ضَمْرَة، عن ابن شَوْذَب، عن مَطَر- هو الوراق- في قوله تعالى: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} هل من طالب علم فَيُعَان عليه؟
وكذا علقه البخاري بصيغة الجزم، عن مطر الوراق وكذا رواه ابن جرير، وروي عن قتادة مثله.

.تفسير الآيات (18- 22):

{كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنزعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22)}.
يقول تعالى مخبرا عن عاد قوم هود: إنهم كذبوا رسولهم أيضا، كما صنع قوم نوح، وأنه تعالى أرسل {عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا}، وهي الباردة الشديدة البرد، {فِي يَوْمِ نَحْسٍ} أي: عليهم. قاله الضحاك، وقتادة، والسّدّي. {مُسْتَمِرٍّ} عليهم نحسه ودماره؛ لأنه يوم اتصل فيه عذابهم الدنيوي بالأخروي.
وقوله: {تَنزعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} وذلك أن الريح كانت تأتي أحدهم فترفعه حتى تغيبه عن الأبصار، ثم تنكسه على أم رأسه، فيسقط إلى الأرض، فتثلغ رأسه فيبقى جثة بلا رأس؛ ولهذا قال: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ. فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ. وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}.

.تفسير الآيات (23- 32):

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الأشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32)}.
وهذا إخبار عن ثمود أنهم كذبوا رسولهم صالحا، {فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ}، يقولون: لقد خبنا وخسرنا إن سلمنا كُلّنا قيادنا لواحد منا!
ثم تعجبوا من إلقاء الوحي عليه خاصة من دونهم، ثم رموه بالكذب فقالوا: {بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} أي: متجاوز في حد الكذب. قال الله تعالى: {سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الأشِرُ} وهذا تهديد لهم شديد ووعيد أكيد.
ثم قال تعالى: {إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ} أي: اختبارا لهم؛ أخرج الله لهم ناقة عظيمة عُشراء من صخرة صمَّاء طبق ما سألوا، لتكون حجة الله عليهم في تصديق صالح، عليه السلام، فيما جاءهم به.
ثم قال آمرا لعبده ورسوله صالح: {فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ} أي: انتظر ما يؤول إليه أمرهم، واصبر عليهم، فإن العاقبة لك والنصر لك في الدنيا والآخرة، {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} أي: يوم لهم ويوم للناقة؛ كقوله: {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155].
وقوله: {كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} قال مجاهد: إذا غابت حضروا الماء، وإذا جاءت حضروا اللبن.
ثم قال تعالى: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} قال المفسرون: هو عاقر الناقة، واسمه قُدّار بن سالف، وكان أشقى قومه. كقوله: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} [الشمس: 12]. {فَتَعَاطَى} أي: فَجَسر.
{فَعَقَرَ. فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} أي: فعاقبتهم، فكيف كان عقابي لهم على كفرهم بي وتكذيبهم رسولي؟ {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} أي: فبادوا عن آخرهم لم تبق منهم باقية، وخَمَدوا وهَمَدوا كما يهمد يَبِيس الزرع والنبات. قاله غير واحد من المفسرين. والمحتظر- قال السدي-: هو المرعى بالصحراء حين يبيس وتحرق ونسفته الريح.
وقال ابن زيد: كانت العرب يجعلون حِظَارًا على الإبل والمواشي من يَبِيس الشوك، فهو المراد من قوله: {كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ}.
وقال سعيد بن جُبَير: {كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ}: هو التراب المتناثر من الحائط. وهذا قول غريب، والأول أقوى، والله أعلم.

.تفسير الآيات (33- 40):

{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40)}.
يقول تعالى مخبرا عن قوم لوط كيف كذبوا رسولهم وخالفوه، وارتكبوا المكروه من إتيان الذكور، وهي الفاحشة التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين؛ ولهذا أهلكهم الله هلاكا لم يُهلكه أمةً من الأمم، فإنه تعالى أمر جبريل، عليه السلام، فحمل مدائنهم حتى وصل بها إلى عَنَان السماء، ثم قلبها عليهم وأرسلها، وأتبعت بحجارة من سجيل منضود؛ ولهذا قال هاهنا. {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا} وهي: الحجارة، {إِلا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} أي: خرجوا من آخر الليل فنجوا مما أصاب قومهم، ولم يؤمن بلوط من قومه أحد ولا رجل واحد حتى ولا امرأته، أصابها ما أصاب قومها، وخرج نبي الله لوط وبنات له من بين أظهرهم سالما لم يمسَسْه سوء؛ ولهذا قال تعالى: {كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ. وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا} أي: ولقد كان قبل حلول العذاب بهم قد أنذرهم بأس الله وعذابه، فما التفتوا إلى ذلك، ولا أصغوا إليه، بل شكوا فيه وتماروا به، {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ} وذلك ليلة ورَدَ عليه الملائكة: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل في صورة شباب مُرد حِسان محنَةً من الله بهم، فأضافهم لوط عليه السلام وبعثت امرأته العجوز السوءُ إلى قومها، فأعلمتهم بأضياف لوط، فأقبلوا يُهْرَعُونَ إليه من كل مكان، فأغلق لوط دونهم الباب، فجعلوا يحاولون كسر الباب، وذلك عشية، ولوط، عليه السلام، يدافعهم ويمانعهم دون أضيافه، ويقول لهم: {هَؤُلاءِ بَنَاتِي} يعني: نساءهم، {إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [الحجر: 71] {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} أي: ليس لنا فيهن أرَبٌ، {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود: 79] فلما اشتد الحال وأبوا إلا الدخول، خرج عليهم جبريل، عليه السلام، فضرب أعينهم بطرف جناحه، فانطمست أعينهم. يقال: إنها غارت من وجوههم.
وقيل: إنه لم تبق لهم عيون بالكلية، فرجعوا على أدبارهم يتحسسون بالحيطان، ويتوعدون لوطا، عليه السلام، إلى الصباح.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ} أي: لا محيد لهم عنه، ولا انفكاك لهم منه، {فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ. وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}.