فصل: تفسير الآية رقم (25):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (25):

{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25)}
فتأمل جلالة المبشّر ومنزلته وصدقه، وعظمته وعظمة من أرسله إليك بهذه البشارة، وقد بشرك به، وضمنه لك، وجعله أسهل شيء عليك وأيسره، وجمع سبحانه في هذه البشارة بين نعيم البدن بالجنات، وما فيها من الأنهار والثمار، ونعيم النفس بالأزواج المطهرة، نعيم القلب، وقرة العين بمعرفة دوام هذا العيش أبد الآباد، وعدم انقطاعه.
والأزواج جمع زوج. والمرأة زوج للرجل، وهو زوجها. هذا هو الأفصح، وهو لغة قريش. وبها نزل القرآن كقوله: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [2: 35] ومن العرب من يقول: زوجة، وهو نادر، لا يكادون يقولونه.
وأما المطهرة فإن جرى صفة على الواحد، فيجري صفة على جمع التكثير إجراء له مجرى جماعة، كقوله تعالى: {وَمَساكِنَ طَيِّبَةً} [61: 125] وقولهم: قوى ظاهرة، ونظائره.
والمطهرة من طهرت من الحيض والبول والنفائس والغائط والمخاط والبصاق وكل قذر، وكل أذى يكون من نساء الدنيا، فطهر مع ذلك باطنها من الأخلاق السيئة، والصفات المذمومة، وطهر لسانها من الفحش والبذاء، وطهر طرفها من أن تطمح إلى غير زوجها، وطهرت أثوابها من أن يعرض لها دنس أو وسخ.
قال عبد اللّه بن المبارك: حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: {وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ} من القذرة وقال: «من الحيض والغائط والنخامة والبصاق».
وقال عبد اللّه بن مسعود وعبد اللّه بن عباس مطهرة: لا يحضن ولا يحدثن ولا يتنجسن وقال ابن عباس أيضا مطهرة من القذر والأذى، لا يبلن، ولا يتغوطن، ولا يمذين، ولا يمنين، ولا يحضن، ولا يبصقن، ولا يتنخمن، ولا يلدن وقال قتادة: مطهرة من الإثم والأذى، طهرهن اللّه سبحانه من كل بول وغائط وقذر ومأثم وقال عبد الرحمن بن زيد: المطهرة: التي لا يحيض، وأزواج الدنيا لسن بمطهرات، ألا تراهن يدمين، ويتركن الصلاة والصيام؟
قال: وكذلك خلقت حواء، حتى عصت، فلما عصت قال اللّه لها: إني خَلَقْتُكَ، وسأدميك كما أدميت هذه الشجرة.

.تفسير الآية رقم (30):

{وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30)}
فالرب تعالى كان يعلم ما في قلب إبليس من الكفر والكبر والحسد ما لا يعلمه الملائكة. فلما أمرهم بالسجود ظهر ما في قلوب الملائكة من الطاعة والمحبة، والخشية والانقياد، فبادروا إلى الامتثال، وظهر ما في قلب عدوه من الكبر والغش والحسد. فأبى واستكبر وكان من الكافرين.
فصل:
وأما الأزواج فجمع زوج. وقد يقال الزوجة. والأول أفصح. وبها جاء القرآن.
قال تعالى لآدم: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} وقال تعالى في حق زكريا: {وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ} [21: 90].
ومن الثاني: قول ابن عباس في عائشة رضي اللّه عنها: إنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة.
وقال الفرزدق:
وإن الذي يبغي ليفسد زوجتي ** كساع إلى أسد الشّرى يستبينها

وقد جمع على زوجات. وهذا إنما هو جمع زوجة، وإلا فجمع زوج أزواج قال تعالى: {هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ} [36: 56] وقال تعالى: {أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [43: 7] وقد وقع في القرآن الإخبار عن أهل الإيمان بلفظ الزوج مفردا وجمعا. كما تقدم وقال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ} [33: 6] وقال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ} [33: 28] والإخبار عن أهل الشرك لفظ (المرأة) قال تعالى: {تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} إلى قوله: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِها} وقال تعالى في فرعون: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} [66: 10] فلما كان هو المشرك وهي مؤمنة لم يسمها زوجا لها.
وقال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ} [66: 11] فلما كانتا مشركتين أوقع عليهما اسم (المرأة) وقال في حق آدم: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} وقال للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم: {إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ} [33: 50] وقال في حق المؤمنين: {وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ} [2: 25].
قالت طائفة، منهم السهيلي وغيره: إنما لم يقل في حق هؤلاء الأزواج. لأنهن لسن بأزواج لرجالهن في الآخرة. ولأن التزويج حلية شرعية، وهو من أمر الدين، فجرد الكافرة منه، كما جرد منه امرأة نوح وامرأة لوط.
ثم أورد السهيلي على نفسه قول زكريا: {وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً} [19: 5] وقوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ} [51: 29].
وأجاب: بأن ذكر المرأة أليق في هذه المواضع، لأنه في سياق ذكر الحمل والولادة. فذكر المرأة أولى به. لأن الصفة- التي هي الأنوثة- هي المقتضية للحمل والوضع، لا من حيث كانت زوجا.
قلت: ولو قيل: إن السر في ذكر المؤمنين ونسائهم بلفظ الأزواج أن هذا اللفظ مشعر بالمشاكلة والمجانسة والاقتران، كما هو المفهوم من لفظه لكان أولى. فإن الزوجين هما الشيئان المتشابهان المتشاكلان، والمتساويان. ومنه قوله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ} [37: 22] قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: أزواجهم: أشباههم ونظراؤهم وقاله الإمام أحمد أيضا، ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [81: 7] أي قرن بين كل شكل وشكله في النعيم والعذاب.
قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في هذه الآية الصالح مع الصالح في الجنة، والفاجر مع الفاجر في النار وقاله الحسن وقتادة والأكثرون وقيل: زوجت أنفس المؤمنين بالحور العين، وأنفس الكافرين بالشياطين. وهو راجع إلى القول الأول.
وقال تعالى: {ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ} [6: 143] ثم فسرها بقوله: {مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ} فجعل الزوجين هما الفردان من نوع واحد. ومنه قولهم زوجا خف، وزوجا حمام ونحوه. ولا ريب ان اللّه سبحانه قطع المشابهة والمشاكلة بين الكفار والمؤمنين قال تعالى: {لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ} [59: 20] وقال تعالى في حق مؤمن أهل الكتاب وكافرهم: {لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ} [3: 113]- الآية وقطع سبحانه المقارنة بينهما في أحكام الدنيا، فلا يتوارثان ولا يتناكحان، ولا يتولى أحدهما صاحبه. فكما انقطعت الصلة بينهما في المعنى انقطعت في الإسم.
فأضاف فيهما المرأة بلفظ الأنوثة المجرد، دون لفظ المشاكلة والمشابهة.
فتأمل هذا المعنى تجده أشد مطابقة لألفاظ القرآن ومعانيه. ولهذا وقع على المسلمة امرأة الكافر، وعلى الكافرة امرأة المؤمن: لفظ المرأة دون لفظ الزوجة تحقيقا لهذا المعنى، واللّه أعلم.
وهذا أولى من قول من قال: إنما سمى صاحبة أبي لهب امرأته، ولم يقل لها زوجته لأن أنكحة الكفار لا يثيب لها حكم الصحة، بخلاف أنكحة أهل الإسلام.
فإن هذا باطل بإطلاق اسم المرأة على امرأة نوح وامرأة لوط، مع صحة ذلك النكاح.
وتأمل هذا المعنى في آية المواريث، وتعليقه سبحانه التوارث فيها بلفظ الزوجة دون المرأة كما في قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ} [4: 12] إيذانا بأن هذا التوارث إنما وقع بالزوجية المقتضية للتشاكل والتناسب، والمؤمن والكافر لا تشاكل بينهما ولا تناسب. فلا يقع بينهما التوارث. وأسرار مفردات القرآن ومركباته فوق عقول العالمين.

.تفسير الآية رقم (36):

{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (36)}
قد ظن الزمخشري أن قوله: {اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً} خطاب لآدم وحواء خاصة، وعبر عنهما بالجمع لاستتباعهما ذرياتهما. قال: والدليل عليه قوله تعالى: {قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [70: 123] قال: ويدل على ذلك قوله: {فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ} وما هو إلا حكم يعم الناس كلهم، ومعنى قوله: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} ما عليه الناس من التعادي والتباغي وتضليل بعضهم بعضا.
وهذا الذي اختاره أضعف الأقوال في الآية. فإن العداوة التي ذكرها اللّه تعالى إنما هي بين آدم وإبليس وذريتهما، كما قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [35: 6] وهو سبحانه قد أكد أمر العداوة بين الشيطان والإنسان، وأعاد وأبدى ذكرها في القرآن لشدة الحاجة إلى التحرز من هذا العدو. وأما آدم وزوجه فإنه إنما أخبر في كتابه أنه خلقها له ليسكن إليها وجعل بينهما مودة ورحمة. فالمودة والرحمة بين الرجل وامرأته والعداوة بين الشيطان والإنسان. وقد تقدم ذكر آدم وزوجه وإبليس، وهم ثلاثة، فلما ذا يعود الضمير على بعض المذكور، مع منافرته لطريق الكلام دون جميعه؟ مع أن اللفظ والمعنى يقتضيه. فلم يصنع الزمخشري شيئا.
وأما قوله تعالى في سورة طه: {قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [20: 123] فهذا خطاب لآدم وحواء. وقد جعل بعضهم لبعض عدوا، فالضمير في قوله: {اهْبِطا مِنْها} إما أن يرجع إلى آدم وزوجته، وإما أن يرجع إلى آدم وإبليس، ولم يذكر الزوجة لأنها تبع له.
وعلى هذا فالعداوة المذكورة للمخاطبين بالإهباط، وهما آدم وإبليس، فالأمر ظاهر.
وأما الأول- وهو رجوعه إلى آدم وزوجه- فتكون الآية قد اشتملت على أمرين: أحدهما: أمره تعالى لآدم وزوجه بالهبوط.
والثاني: إخباره بالعداوة بين آدم وزوجه، وبين إبليس. ولهذا أتى بضمير الجمع في الثاني، دون الأول. ولا بد أن يكون إبليس داخلا في حكم هذه العداوة قطعا. كما قال تعالى: {إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ} وقال لذريته: {إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [20: 117].
وتأمل كيف اتفقت المواضع التي فيها ذكر العداوة على ضمير الجمع، دون التثنية وأما الإهباط: فتارة يذكر بلفظ الجمع، وتارة بلفظ التثنية. وتارة بلفظ الإفراد، كقوله في سورة الأعراف: {قالَ اهْبِطُوا} وكذلك في سورة ص، وهذا لإبليس وحده. وحيث ورد بصيغة الجمع، فهو لآدم وزوجه وإبليس، إذ مدار القصة عليهم. وحيث ورد بلفظ التثنية، فإما أن يكون لآدم وزوجه إذ هما اللذان باشرا الأكل من الشجرة وأقدما على المعصية. وإما أن يكون لآدم وإبليس، إذ هما أبوا الثقلين، وأصلا الذرية. فذكر حالهما ومآل أمرهما، ليكون عظة وعبرة لأولادهما. وقد حكيت القولين في ذلك.
والذي يوضح أن الضمير في قوله: {اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً} لآدم وإبليس: أن اللّه سبحانه لما ذكر المعصية أفرد بها آدم، دون زوجه.
فقال: {وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً} وهذا يدل على أن المخاطب بالإهباط هو آدم وإبليس الذي زين له المعصية. ودخلت الزوجة تبعا. فإن المقصود إخبار اللّه تعالى الثقلين بما جرى على أبويهما من شؤم المعصية ومخالفة الأمر، فذكر أبويهما أبلغ في حصول هذا المعنى من ذكر أبوي الإنسان فقط. وقد أخبر سبحانه عن الزوجة بأنها أكلت مع آدم، وأخبر أنه أهبطه وأخرجه من الجنة بتلك الأكلة. فعلم أن حكم الزوجة كذلك، وأنها صارت إلى ما صار إليه آدم.
وكان تجريد العناية إلى ذكر حال أبوي الثقلين أولى من تجريدها إلى ذكر أبي الإنس وأمهم، فتأمله.
وبالجملة. فقوله: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} ظاهر في الجمع، فلا يسوغ حمله على الاثنين في قوله: {اهْبِطا} من غير موجب.