فصل: تفسير الآية رقم (88):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (88):

{وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (88)}
قد اختلف في معنى قولهم: {قُلُوبُنا غُلْفٌ}.
فقالت طائفة: المعنى قلوبنا أوعية للحكمة والعلم. فما بالها لا تفهم عنك ما أتيت به؟ أو لا تحتاج إليك؟ وعلى هذا فيكون {غلف} جمع غلاف. والصحيح: قول أكثر المفسرين: إن المعنى قلوبنا لا تفقهه، ولا تفهم ما تقول. وعلى هذا فهو جمع أغلف، كأحمر وحمر.
قال أبو عبيدة: كل شيء في غلاف فهو أغلف، كما يقال: سيف أغلف، وقوس أغلف، ورجل أغلف، غير مختون.
وقال ابن عباس وقتادة: على قلوبنا غشاوة، فهي في أوعية، فلا تعي ولا تفقه ما تقول.
هذا هو الصواب في معنى الآية لتكرر نظائره في القرآن. كقولهم: {قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ} [41: 5] وقوله تعالى: {كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي} [18: 102] ونظائر ذلك.
وأما قول من قال: هي أوعية للحكمة، فليس في اللفظ ما يدل عليه البتة. وليس له في القرآن نظير يحمل عليه، ولا يقال مثل هذا اللفظ في مدح الإنسان نفسه بالعلم والحكمة، فأين وجدتم في الاستعمال قول القائل: قلبي غلاف، وقلوب المؤمنين العالمين غلف، أي أوعية للعلم.
والغلاف قد يكون وعاء للجيد والرديء. فلا يلزم من كون القلب غلافا أن يكون داخله العلم والحكمة. وهذا ظاهر جدا.
فإن قيل: فالإضراب: {بل} على هذا القول الذي قويتموه، ما معناه؟.
أما على القول الآخر فظاهر، أي ليست قلوبكم محلا للعلم والحكمة، بل مطبوع عليها.
قيل: وجه الإضراب في غاية الظهور. وهو انهم احتجوا بأن اللّه لم يفتح لهم الطريق إلى فهم ما جاء به الرسول ومعرفته، بل جعل قلوبهم داخلة في غلف فلا تفقهه. فكيف تقوم به عليهم الحجة؟ وكأنهم ادعوا أنّ قلوبهم خلقت في غلف، فهم معذورون في عدم الإيمان. فأكذبهم اللّه وقال: {بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ} وفي الآية الأخرى: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ} [4: 154] فأخبر سبحانه أن الطبع والإبعاد عن توفيقه وفضله إنما كان بكفرهم الذي اختاروه لأنفسهم، وآثروه على الإيمان. فعاقبهم عليه بالطبع واللعنة.
والمعنى: لم يخلق قلوبهم غلفا لا تعي ولا تفقه، ثم أمرهم بالإيمان، وهم لا يفقهونه، بل اكتسبوا أعمالا عاقبناهم عليها بالطبع على القلوب والختم عليها.

.تفسير الآية رقم (94):

{قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (94)}
هذه الآية فيها للناس كلام معروف.
قالوا: إنها معجزة للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم، أعجز بها اليهود، ودعاهم إلى تمني الموت، وأخبر أنهم لا يتمنونه أبدا. وهذا علم من أعلام نبوته صلّى اللّه عليه وسلّم، إذ لا يمكن الاطلاع على بواطنهم إلا بإخبار عالم الغيب، ولن ينطق اللّه ألسنتهم بتمنيه أبدا.
وقالت طائفة: لما ادعت اليهود أن لهم الدار الآخرة عند اللّه خالصة من دون الناس. وأنهم أبناؤه وأحباؤه وأهل كرامته. كذبهم اللّه في دعواهم.
وقال: إن كنتم صادقين فتمنوا الموت، لتصلوا إلى الجنة دار النعيم. فإن الحبيب يتمنى لقاء حبيبه. ثم أخبر سبحانه أنهم لا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم من الأوزار والذنوب الحائلة بينهم وبين ما قالوه. فقال: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}.
وقالت طائفة، منهم محمد بن إسحاق وغيره: هذه من جنس آية المباهلة. وأنهم لما عاندوا، ودفعوا الهدى عيانا، وكتموا الحق دعاهم إلى أمر يحكم بينهم وبينه. وهو أن يدعوا بالموت على الكاذب المفتري، والتمني: سؤال ودعاء، فتمنوا الموت: أي سلوه، وادعوا به على المبطل الكاذب المفتري.
وعلى هذا: فليس المراد تمنوه لأنفسكم خاصة، كما قاله أصحاب القولين الأولين بل ادعوا بالموت وتمنوه للمبطل. وهذا أبلغ في إقامة الحجة، وبرهان الصدق، وأسلم من أن يعارضوا بقولهم: فتمنوه أنتم أيضا إن كنتم محقين في دعواكم: أنكم أهل الجنة، لتقدموا على ثواب اللّه وكرامته، وكانوا أحرص شيء على معارضته. فلو فهموا منه ما ذكره أولئك لعارضوه بمثله.
وأيضا فإنا نشاهد كثيرا منهم يتمنى الموت لفقره وبلائه. وشدة حاله، ويدعو به، وهذا بخلاف تمنيه والدعاء به على الفرقة الكاذبة فإن هذا لا يكون أبدا، ولا وقع من أحد منهم في حياة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم البتة. وذلك لعلمهم بصحة نبوته وصدقه، وكفرهم به حسدا وبغيا، فلا يتمنونه أبدا، لعلمهم أنهم هم الكاذبون. وهذا القول الذي نختاره. واللّه أعلم بما أراد من كتابه.

.تفسير الآية رقم (137):

{فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)}
والجواب من أوجه:
الأول: أن المراد به التبكيت، والمعنى: حصلوا دينا آخر مثله، وهو لا يمكن.
الثاني: أن كلمة (مثل) صلة.
الثالث: أنكم آمنتم بالفرقان من غير تصحيف ولا تحريف. فإن آمنوا بالتوراة من غير تصحيف ولا تحريف فقد اهتدوا.
الرابع: أن المراد إن آمنوا بمثل ما صرتم به مؤمنين.
روى ابن جرير أن ابن عباس قال: قولوا آمنا باللّه فإن آمنوا بالذي آمنتم به.
قال عبد الجبار: ولا يجوز ترك القراءة المتواترة.

.تفسير الآية رقم (165):

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (165)}
أخبر تعالى أن من أحب من دون اللّه شيئا كما يحب اللّه تعالى، فهو ممن اتخذ من دون اللّه أندادا فهذا ندّ في المحبة، لا في الخلق والربوبية.
فإن أحدا من أهل الأرض لم يثبت هذا الند. بخلاف ند المحبة. فإن أكثر أهل الأرض قد اتخذوا من دون اللّه أندادا في الحب والتعظيم.
ثم قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} وفي تقدير الآية قولان:
أحدهما: والذين آمنوا أشد حبا للّه من أصحاب الأنداد لأندادهم، وآلهتهم التي يحبونها، ويعظمونها من دون اللّه.
والثاني: والذين آمنوا أشد حبا للّه من محبة المشركين الأنداد للّه. فإن محبة المؤمنين خالصة ومحبة أصحاب الأنداد قد ذهبت أندادهم بقسط منها.
والمحبة الخالصة أشد من المحبة المشركة.
والقولان مرتبان على القولين في قوله تعالى: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} فإن فيها قولان.
أحدهما: يحبونهم كما يحبون اللّه. فيكون قد أثبت لهم محبة للّه، ولكنها محبة يشركون فيها مع اللّه أندادا.
والثاني: أن المعنى يحبون أندادهم، كما يحب المؤمنون اللّه، ثم بين أن محبة المؤمنين للّه أشد من محبة أصحاب الأنداد لأندادهم.
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللّه يرجح القول الأول، ويقول: إنما ذموا بأن شرّكوا بين اللّه وبين أندادهم في المحبة ولم يخلصوها للّه، كمحبة المؤمنين له. وهذه التسوية المذكورة في قوله تعالى حكاية عنهم، وهم في النار: أنهم يقولون لآلهتهم وأندادهم، وهي محضرة معهم في العذاب: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ} [26: 97، 98] ومعلوم أنهم لم يسوهم برب العالمين في الخلق والربوبية، وإنما سووهم به في المحبة والتعظيم.
هذا حال قلب المؤمن: توحيد اللّه وذكر رسوله مكتوبان فيه، لا يتطرق إليهما محو ولا إزالة. ولما كانت كثرة ذكر الشيء موجبة لدوام محبته، ونسيانه سببا لزوال محبته أو ضعفه. وكان اللّه سبحانه هو المستحق من عباده نهاية الحب مع نهاية التعظيم، بل الشرك الذي لا يغفره اللّه لعبده: هو أن يشرك به في الحب والتعظيم، فيحب غيره ويعظم من المخلوقات غيره كما يحب اللّه تعالى ويعظمه قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [2: 165] فأخبر سبحانه أن المشرك يحب الند كما يحب اللّه تعالى، وأن المؤمن أشد حبا للّه من كل شيء.
وقال أهل النار في النار: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ} [26: 97، 98] ومن المعلوم: أنهم إنما سووهم به سبحانه في الحب والتأليه والعبادة، وإلا فلم يقل أحد قط: إن الصنم أو غيره من الأنداد مساو لرب العالمين في صفاته وفي أفعاله، وفي خلق السموات والأرض، وفي خلق عابده أيضا. وإنما كانت التسوية في المحبة والعبادة.
وأيضا من هؤلاء وأسوأ حالا من سوّى كل شيء باللّه سبحانه في الوجود، وجعله وجود كل موجود، كامل أو ناقص، فإذا كان اللّه قد حكم بالضلال والشقاء لمن سوّى بينه وبين الأصنام في الحب، مع اعتقاد تفاوت ما بين اللّه وبين خلقه في الذات والأوصاف والأفعال، فكيف بمن سوّى اللّه بالموجودات في جميع ذلك، بل كيف بمن جعل ربه كل هذه الموجودات؟
وزعم أن من عبد حجرا أو شجرا، أو حيوانا فما عبد غير اللّه في كل معبود.

.تفسير الآية رقم (171):

{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171)}
تضمن هذا المثل: ناعقا، أي مصوتا بالغنم وغيرها، ومنعوقا به.
وهو الدواب.
فقيل: الناعق العابد، وهو الداعي للصنم، والصنم: هو المنعوق به المدعو، وأن حال الكافر في دعائه كحال من ينعق بما لا يسمعه. هذا قول طائفة. منهم عبد الرحمن بن زيد وغيره.
واستشكل صاحب الكشاف وجماعة معه هذا القول، وقالوا قوله: {إِلَّا دُعاءً وَنِداءً} لا يساعد عليه. لأن الأصنام لا تسمع دعاء ولا نداء.
وقد أجيب عن هذا الاستشكال بثلاثة أجوبة.
أحدها: أن {إلّا} زائدة. والمعنى بما لا يسمع دعاء ونداء.
قالوا: وقد ذكر ذلك الأصمعي في قول الشاعر:
حراجيج ما تنفك إلا مناخة

أي ما تنفك مناخة. وهذا جواب فاسد. فإن {إلا} لا تزاد في الكلام المثبت.
الجواب الثاني: أن التشبيه وقع في مطلق الدعاء، لا في خصوصيات المدعو.
الجواب الثالث: أن المعنى: أن مثل هؤلاء في دعائهم آلهتهم التي لا تفقه دعاءهم كمثل الناعق بغنمه فلا ينتفع من نعيقه بشيء، غير أنه هو في دعاء ونداء. وكذلك المشرك ليس من دعائه وعبادته وليه الميت إلا العناء.
وقيل: المعنى: ومثل الذين كفروا كالبهائم التي لا تفقه مما يقول الراعي أكثر من الصوت. فإن الراعي هو داعي الكفار، والكفار هم البهائم المنعوق بها.
قال سيبويه: المعنى: ومثلك يا محمد ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به.
وعلى قوله: فيكون المعنى: مثل الذين كفروا وداعيهم كمثل الغنم والناعق بها.
ولك أن تجعل هذا من التشبيه المركب، وأن تجعله من التشبيه المفرق.
فإن جعلته من المركب كان تشبيها للكفار- في عدم فقههم وانتفاعهم- بالغنم التي ينعق بها الراعي، فلا تفقه من قوله شيئا غير الصوت المجرد، الذي هو الدعاء والنداء.
وإن جعلته من التشبيه المفرق، فالذين كفروا بمنزلة البهائم، ودعاء داعيهم إلى الطريق والهدى بمنزلة البهائم التي ينعق بها ودعاؤهم إلى الهدى بمنزلة النعق، وإدراكهم مجرد الدعاء والنداء كإدراك البهائم مجرد صوت الناعق.