فصل: تفسير الآية رقم (95):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (95):

{لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95)} نفى سبحانه التسوية بين المؤمنين القاعدين عن الجهاد وبين المجاهدين، ثم أخبر سبحانه عن تفضيل المجاهدين على القاعدين درجة، ثم أخبر أنه فضلهم عليهم درجات.
وقد أشكل فهم هذه الآية على طائفة من الناس، من جهة أن القاعدين الذين فضّل عليهم المجاهدون بدرجات، إن كانوا هم والقاعدون الذين فضّل عليهم أولو الضرر المجاهدون بدرجات: هم غير أولي الضرر. فيكون المجاهدون أفضل من القاعدين مطلقا. وعلى هذا فما وجه استثناء أولي الضرر من القاعدين، وهم لا يستوون والمجاهدون أصلا؟ فيكون حكم المستثنى والمستثنى منه واحدا.
فهذا وجه الإشكال.
ونحن نذكر ما يزيل الإشكال بحمد اللّه.
فنقول: اختلف القراء في إعراب {غير} فقرئ رفعا ونصبا وهما في السبعة، وقرئ بالجر في غير السبعة. وهي قراءة أبي حبوة.
فأما قراءة النصب فعلى الاستثناء، لأن {غير} يعرب في الاستثناء إعراب الاسم الواقع بعد إلا وهو النصب. هذا هو الصحيح.
وقالت طائفة: إعرابها نصب على الحال، أي لا يستوي القاعدون غير مضرورين، أي لا يستوون في حال صحتهم هم والمجاهدون، والاستثناء أصح، فإن {غير} لا تكاد تقع حالا في كلامهم إلا مضافة إلى نكرة، كقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وقوله عز وجل أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: «مرحبا بالوفد غير خزايا ولا ندامى».
فإن أضيفت إلى معرفة كانت تابعة لما قبلها. كقوله تعالى: {صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} ولو قلت: مرحبا بالوفد غير الخزايا ولا الندامى لجررت {غير} هذا هو المعروف من كلامهم.
والكلام في عدم تعريف {غير} بالإضافة، وحسن وقوعها إذ ذاك حالا له مقام آخر.
وأما بالرفع: فعلى النعت للقاعدين. هذا هو الصحيح.
وقال أبو إسحاق وغيره: هو خبر مبتدأ محذوف تقديره: الذين هم غير أولي الضرر.
والذي حمله على هذا: ظنه أن {غير} لا يقبل التعريف بالإضافة.
فلا تجزى صفة للمعرفة. وليس مع من ادعى ذلك حجة يعتمد عليها، سوى أن {غير} توغلت في الإبهام. فلا تتعرف بما يضاف إليه.
وجواب هذا: أنها إذا دخلت بين متقابلين لم يكن فيها إبهام لتعيينها ما تضاف إليه.
وأما قراءة الجر: ففيها وجهان أيضا.
أحدهما- وهو الصحيح- أنه نعت للمؤمنين.
والثاني- وهو قول المبرد- أنه بدل منه. بناء على أنه نكرة. فلا ينعت به المعرفة.
وعلى الأقوال كلها: فهو مفهم معنى الاستثناء، وأن نفي التسوية غير مسلط على ما أضيف إليه {غير}.
وقوله: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً} هو مبين لمعنى نفي المساواة.
قالوا: والمعنى: فضل اللّه المجاهدين على القاعدين من أولي الضرر درجة واحدة لامتيازهم عنهم بالجهاد بنفسهم ومالهم. ثم أخبر سبحانه أن الفريقين كليهما موعود بالحسنى، فقال: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى} أي المجاهد والقاعد المضرور لاشتراكهم في الإيمان.
قالوا: وفي هذا دليل على تفضيل الغني المنفق على الفقير. لأن اللّه أخبر أن المجاهد بماله ونفسه أفضل من القاعد، وقدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس. وأما الفقير فنفى عنه الحرج بقوله: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [9: 92].
فأين مقام من حكم له بالتفضيل إلى مقام من نفى عنه الحرج؟.
قالوا: فهذا حكم القاعد من أولي الضرر والمجاهد.
وأما القاعد من غير أولي الضرر:

.تفسير الآية رقم (96):

{دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (96)}
وقوله: {درجات} قيل: هو نصب على البدل من قوله: {أجرا عظيما} وقيل: تأكيد له، وإن كان بغير لفظه. لأنه هو هو في المعنى.
قال قتادة: كان يقال: الإسلام درجة، والهجرة في الإسلام درجة، والجهاد في الهجرة درجة، والقتل في الجهاد درجة.
وقال ابن زيد: الدرجات التي فضل اللّه بها المجاهد على القاعد سبع. وهي التي ذكرها اللّه تعالى في براءة، إذ يقول تعالى: {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [9: 120] فهذه خمس.
ثم قال: {وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ} [9: 121] فهاتان اثنتان.
وقيل: الدرجات سبعون درجة ما بين الدرجتين حضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة.
والصحيح: أن الدرجات هي المذكورة في حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري في صحيحه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال: «من آمن باللّه ورسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان. فإن حقا على اللّه أن يدخله الجنة، هاجر في سبيل اللّه أو جلس في أرضه التي ولد فيها. قالوا: يا رسول اللّه، أفلا نخبر الناس بذلك؟ قال: إن في الجنة مائة درجة أعدها اللّه للمجاهدين في سبيله. كل درجتين كما بين السماء والأرض. فإذا سألتم اللّه فاسألوه الفردوس. فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن. ومنه تفجر أنهار الجنة».
قالوا: وجعل سبحانه تعالى: التفضيل الأول بدرجة فقط، وجعله هاهنا بدرجات، ومغفرة ورحمة. وهذا يدل على أنه يفضل على غير أولي الضرر.
فهذا تقرير هذا القول وإيضاحه.
ولكن بقي أن يقال: إذا كان المجاهدون أفضل من القاعدين مطلقا لزم أن لا يستوي مجاهد وقاعد مطلقا، فلا يبقى في تقييد القاعدين بكونهم من غير أولي الضرر فائدة. فإنه لا يستوي المجاهدون والقاعدون من أولي الضرر أيضا.
وأيضا فإن القاعدين المذكورين في الآية الذين وقع التفضيل عليهم هم غير أولي الضرر، لا القاعدون الذين هم أولو الضرر. فإنهم لم يذكر حكمهم في الآية، بل استثناهم، وبين أن التفضيل على غيرهم. فاللام في القاعدين للعهد. والمعهود: هم غير أولي الضرر، لا المضرورون.
وأيضا فالقاعد من المجاهدين لضرورة تمنعه من الجهاد له مثل أجر المجاهد، كما ثبت عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل ما كان يعمل صحيحا مقيما».
وقال صلّى اللّه عليه وسلّم: «إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا وهم معكم. قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر».
وعلى هذا فالصواب أن يقال: الآية دلت على أن القاعدين من غير أولي الضرر عن الجهاد لا يستوون هم والمجاهدون، وسكت عن حكمهم بطريق منطوقها ولا يدل مفهومها على مساواتهم للمجاهدين، بل هذا النوع منقسم إلى معذورين من أهل الجهاد، غلبه عذره، وأقعده عنه، ونيته جازمة لم يتخلف عنها مقدورها وإنما أقعده العجز.
فهذا الذي تقتضيه أدلة الشرع أن له مثل أجر المجاهد. وهذا القسم لا يتناوله الحكم بنفي التسوية.
وأما الإركاس:

.تفسير الآية رقم (88):

{فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (88)}
قال الفراء: {أركسهم} ردهم إلى الكفر، وقال أبو عبيدة: يقال: أركست الشيء وركسته- لغتان- إذا رددته. والركس: قلب الشيء على رأسه، أو ردّ أوله على آخره. والارتكاس الارتداد.
قال أمية:
فأركسوا في حميم النار، إنهم ** كانوا عصاة، وقالوا الإفك والزورا

ومن هذا يقال للروث: الركس، لأنه رد إلى حال النجاسة. ولهذا المعنى سمي رجيعا والركس والنكس، والمركوس والمنكوس: بمعنى واحد.
قال الزجاج: أركسهم نكسهم وردهم. والمعنى: أنه ردهم إلى حكم الكفار من الذل والصغار. وأخبر سبحانه عن حكمه وقضائه فيهم وعدله، وإن إركاسه لهم كان بسبب كسبهم وأعمالهم، كما قال: {بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ} [83: 14] فهذا توحيده، وهذا عدله لا ما يقوله القدرية والمعطلة من أن التوحيد: إنكار الصفات والعدل والتكذيب بالقدر.

.تفسير الآية رقم (113):

{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)}
وقال تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [2: 269] وقال عن المسيح عليه السلام: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ} [3: 48].
الحكمة في كتاب اللّه نوعان: مفردة، ومقترنة بالكتاب. فالمفردة فسرت بالنبوة، وفسرت بعلم القرآن.
قال ابن عباس: هي علم القرآن ناسخه ومنسوخة، ومحكمة ومتشابهة، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله، وقال الضحاك: هي القرآن والفهم فيه.
وقال مجاهد: هي القرآن، والعلم والفقه، وفي رواية أخرى عنه: هي الإصابة في القول والفعل.
وقال النخعي: هي معاني الأشياء وفهمها.
وقال الحسن: الورع في دين اللّه، كأنه فسرها بثمرتها ومقتضاها.
وأما الحكمة المقرونة بالكتاب فهي السنة. كذلك قال الشافعي وغيره من الأئمة. وقيل: هي القضاء بالوحي، وتفسيرها بالسنة أعم وأشهر.
وأحسن ما قيل في الحكمة قول مجاهد ومالك: أنها معرفة الحق والعمل به، والإصابة في القول والعمل. وهذا لا يكون إلا بفهم القرآن والفقه في شرائع الإسلام، وحقائق الإيمان.

.سورة المائدة:

بسم اللّه الرحمن الرحيم