فصل: سورة الأنبياء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن الكريم



.سورة الأنبياء:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (83):

{وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)}
جمع في هذا الدعاء بين حقيقة التوحيد، وإظهار الفقر والفاقة إلى ربه، ووجود طعم المحبة في التملق له، والإقرار له بصفة الرحمة، وأنه أرحم الراحمين.
والتوسل إليه بصفاته سبحانه، وشدة حاجته هو وفقره. ومتى وجد المبتلي هذا كشفت عنه بلواه. وقد جرب أنه من قالها سبع مرات ولا سيما مع هذه المعرفة كشف اللّه ضره.

.تفسير الآية رقم (107):

{وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (107)}
أصح القولين في هذه الآية: أنها على عمومها.
وفيها على هذا التقدير وجهان.
أحدهما: أن عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته. أما أتباعه: فنالوا بها كرامة الدنيا والآخرة.
وأما أعداؤه المحاربون له: فالذين عجل قتلهم وموتهم خير لهم لأن حياتهم زيادة لهم في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة. وهم قد كتب عليهم الشقاء، فتعجيل موتهم خير لهم من طول أعمارهم في الكفر.
وأما المعاهدون له: فعاشوا في الدنيا تحت ظله وعهده وذمته. وهم أقل شرا بذلك العهد من المحاربين له.
وأما المنافقون فحصل لهم بإظهار الايمان به حقن دمائهم وأموالهم وأهليهم واحترامها وجريان أحكام المسلمين عليهم في التوارث وغيرها.
وأما الأمم النائية عنه: فإن اللّه سبحانه رفع برسالته العذاب العام عن أهل الأرض، فأصاب كل العالمين النفع برسالته.
الوجه الثاني: أنه رحمة لكل أحد، لكن المؤمنون قبلوا هذه الرحمة فانتفعوا بها دنيا واخرى، والكفار ردوها، فلم يخرج بذلك عن أن يكون رحمة لهم، لكن لم يقبلوها، كما يقال: هذا دواء لهذا المرض. فإذا لم يستعمله لم يخرج عن أن يكون دواء لذلك المرض.

.سورة الحج:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

{يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)}
المرضع: من لها ولد ترضعه. والمرضعة: من ألقمت الثدي للرضيع.
وعلى هذا فقوله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} أبلغ من مرضع في هذا المقام. فإن المرأة قد تذهل عن الرضيع إذا كان غير مباشر للرضاعة. فإذا التقم الثدي واشتغلت برضاعه لم تذهل عنه إلا لأمر هو أعظم عندها من اشتغالها بالرضاع.
وتأمل رحمك اللّه السر البديع في عدوله سبحانه عن كل حامل إلى قوله: {ذاتِ حَمْلٍ} فإن الحامل قد تطلق على المهيأة للحمل، وعلى من هي في أول حملها ومباديه. فإذا قيل: ذات حمل لم يكن إلا لمن قد ظهر حملها وصلح للوضع كاملا، أو سقطا. كما يقال: ذات ولد.
فأتى في المرضعة بالتاء التي تحقق فعل الرضاعة دون التهيؤ لها.
وأتى في الحامل بالسبب الذي يحقق وجود الحمل وقبوله للوضع.
واللّه سبحانه وتعالى أعلم.

.تفسير الآيات (30- 31):

{ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (31)}
فتأمل هذا المثل ومطابقته لحال من أشرك باللّه. وتعلق بغيره.
ويجوز لك في هذا التشبيه أمران.
أحدهما: أن تجعله تشبيها مركبا. ويكون قد شبه من أشرك باللّه وعبد معه غيره برجل قد تسبب إلى هلاك نفسه هلاكا لا يرجى معه نجاة. فصور حاله بصورة حال من خرّ من السماء فاختطفته الطير في الهواء فتفرق مزعا في حواصلها، أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطارح البعيدة.
وعلى هذا لا تنظر إلى كل فرد من أفراد المشبه ومقابله من المشبه به.
الثاني: أن يكون من التشبيه المفرق، فيقابل كل واحد من أجزاء الممثل بالممثل به.
وعلى هذا فيكون قد شبه الايمان والتوحيد في علوه وسعته وشرفه بالسماء التي هي مصعده ومهبطه. فمنها هبط إلى الأرض وإليها يصعد منها.
وشبه تارك الايمان والتوحيد بالساقط من السماء إلى أسفل سافلين، من حيث التضييق الشديد والآلام المتراكمة. والطير التي تتخطف أعضاءه وتمزقه كل ممزق بالشياطين التي يرسلها سبحانه وتعالى عليه تؤزه أزّا وتزعجه وتدفعه إلى مظان هلاكه. فكل شيطان له مزعة من دينه وقلبه، كما أن لكل طير مزعة من لحمه وأعضائه والريح التي تهوى به في مكان سحيق: هو هواه الذي يحمله على إلقاء نفسه في أسفل مكان وأبعده من السماء.

.تفسير الآية رقم (73):

{يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)}
حقيق على كل عبد أن يستمع قلبه لهذا المثل، ويتدبره حق تدبره.
فإنه يقطع مواد الشرك من قلبه.
وذلك أن المعبود أقل درجاته أن يقدر على إيجاد ما ينفع عابده وإعدام ما يضره. والآلهة التي يعبدها المشركون من دون اللّه لن تقدر على خلق الذباب، ولو اجتمعوا كلهم لخلقه، فكيف بما هو أكبر منه، بل لا يقدرون على الانتصار من الذباب إذا سلبهم شيئا محا عليهم من طيب ونحوه، فيستنقذوه منه. فلا هم قادرون على خلق الذباب الذي هو من أضعف الحيوانات، ولا على الانتصار منه، واسترجاع ما سلبهم إياه. فلا أعجز من هذه الآلهة، ولا أضعف منها. فكيف يستحسن عاقل عبادتها من دون اللّه؟
وهذا المثل من أبلغ ما أنزله اللّه سبحانه في بطلان الشرك، وتجهيل أهله، وتقبيح عقولهم، والشهادة على أن الشيطان قد تلاعب بهم أعظم من تلاعب الصبيان بالكرة، حيث أعطوا الآلهة التي من بعض لوازمها القدرة على جميع المقدورات، ولإحاطة بجميع المعلومات، والغني عن جميع المخلوقات، وأن يصمد إلى الرب في جميع الحاجات، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، وإجابة الدعوات- فأعطوها الصور وتماثيل يمتنع عليها القدرة على أقل مخلوقات الإلة الحق، وأذلها وأصغرها وأحقرها. ولو اجتمعوا لذلك وتعاونوا عليه.
وأدل من ذلك على عجزهم وانتفاء آلهتهم: أن هذا الخلق الأقل الأذل والعاجز الضعيف لو اختطف منهم شيئا واستلبه فاجتمعوا على أن يستنقذوه منه لعجزوا عن ذلك ولم يقدروا عليه.
ثم سوى بين العابد والمعبود في الضعف والعجز بقوله: {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} قيل: الطالب والعابد، والمطلوب: المعبود، فهو عاجز متعلق بعاجز.
وقيل: هو تسوية بين السالب والمسلوب منه وهو تسوية بين الإله والذباب في الضعف والعجز.
وعلى هذا فقيل: الطالب الإله الباطل، والمطلوب الذباب يطلب منه، ما استلبه منه.
وقيل: الطالب الذباب، والمطلوب الإله فالذباب يطلب منه ما يأخذه مما عليه.
والصحيح: أن اللفظ يتناول الجميع، فضعف العابد والمعبود والمستسلب.
فمن جعل هذا إلها مع القوي العزيز، فما قدر اللّه حق قدره، ولا عرفه حق معرفته ولا عظمه حق تعظمه.

.سورة المؤمنون:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (10- 11):

{أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (11)}
والفردوس: اسم يقال على جميع الجنة. ويقال: على أفضلها وأعلاها، كأنه أحق بهذا الاسم من غيره من الجنات.
وأصل الفردوس: البستان، والفراديس البساتين.
قال كعب: هو البستان الذي فيه الأعناب.
وقال الليث: الفردوس جنة ذات كروم، يقال: كرم مفردس، أي معرش.
وقال الضحاك: هي الجنة الملتفة بالأشجار، وهو اختيار المبرد. وقال: الفردوس- فيما سمعت من كلام العرب-: الشجر الملتف، والأغلب عليه العنب، وجمعه الفراديس. قال: ولهذا سمي باب الفراديس بالشام. وأنشد لجرير:
فقلت للركب، إذ جد المسير بنا ** يا بعد ما بين أبواب الفراديس

وقال مجاهد: هذا البستان بالرومية. واختاره الزجاج. فقال: هو بالرومية، منقول إلى لغة العرب.
قال وحقيقته: أنه البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين.
قال حسان:
وإن ثواب اللّه كل مخلد ** جنان من الفردوس فيها يخلد

.تفسير الآية رقم (91):

{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)}
تأمل هذا البرهان الباهر بهذا اللفظ الوجيز البين. فإن الإله الحق لابد أن يكون خالقا فاعلا، يوصل إلى عابديه النفع، ويدفع عنهم الضر فلو كان معه سبحانه إله لكان له خلق وفعل، وحينئذ فلا يرضي شركة الإله الآخر معه، بل إن قدر على قهره والتفرد بالالهية دونه فعل، وإن لم يقدر على ذلك انفرد بخلقه، وذهب به، كما ينفرد ملوك الدنيا بعضهم عن بعض بمماليكهم، إذا لم يقدر المنفرد على قهر الآخر، والعلو عليه. فلا بد من أحد أمور ثلاثة: وإما أن يذهب كل إله بخلقه وسلطانه. وإما أن يعلو بعضهم على بعض. وإما أن يكونوا كلهم تحت قهر إله واحد، يتصرف فيهم ولا يتصرفون فيه، ويمتنع من حكمهم ولا يمتنعون من حكمه. فيكون وحده هو الإله الحق، وهم العبيد المبوبون المقهورون.
وانتظام أمر العالم العلوي والسفلي وارتباط بعضه ببعض، وجريانه على نظام محكم لا يختلف، ولا يفسد. من أدل دليل على أن مدبره واحد، لا إله غيره كما دل دليل التمانع على أن خالقه واحد، لا رب غيره.
فذلك تمانع في الفعل والإيجاد، وهذا تمانع في الغاية والألوهية.
فكما يستحيل أن يكون للعالم ربان خالقان متكافئان كذلك يستحيل أن يكون له إلهان معبودان.