فصل: سورة الطور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن الكريم



.سورة الطور:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (21):

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (21)}
روي قيس عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إن اللّه ليرفع ذرية المؤمن إليه في درجته، وإن كانوا دونه في العمل لتقرّ بهم عينه، ثم قرأ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [52: 21] قال: ما نقصنا الآباء مما أعطينا البنين».
وذكر ابن مردويه في تفسيره من حديث شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس- قال شريك: أظنه حكاه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده؟ فيقال: إنهم لم يبلغوا درجتك، أو عملك. فيقول يا رب قد عملت لي ولهم، فيؤمر بالإلحاق بهم»، ثم تلا ابن عباس: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ} إلى آخر الآية.
وقد اختلف المفسرون في الذرية في هذه الآية، هل المراد بها الصغار أو الكبار أو النوعان؟ على ثلاثة أقوال. واختلافهم مبني على أن قوله: {بإيمان} حال من الذرية التابعين أو المؤمنين المتبوعين. فقالت طائفة: المعنى والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم في إيمانهم فأتوا من الإيمان بمثل ما أتوا به ألحقناهم بهم في الدرجات. قالوا: ويدل على هذا قراءة من قرأ: {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} فجعل الفعل في الاتباع لهم. قالوا: وقد أطلق اللّه سبحانه الذرية على الكبار، كما قال: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ} وقال: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ} وقال: {وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} وهذا قول لكبار العقلاء. قالوا: ويدل على ذلك ما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس يرفعه: «إن اللّه يرفع ذرية المؤمن إلى درجته وإن كانوا دونه في العمل، لتقرّ بهم عينه» فهذا يدل على أنهم دخوا بأعمالهم، ولكن لم يكن لهم أعمال يبلغوا بها درجة آبائهم. فبلّغهم إياها، وإن تقاصر عملهم عنها. قالوا: وأيضا فالإيمان هو القول والعمل والنية. وهذا إنما يمكن من الكبار، وعلى هذا فيكون المعنى: أن اللّه سبحانه يجمع ذرية المؤمن إليه إذا أتوا من الإيمان بمثل إيمانه، إذ هذا حقيقة التبعية، وإن كانوا دونه في الإيمان، رفعهم اللّه إلى درجته إقرارا لعينه، وتكميلا لنعيمه. وهذا كما أن زوجات النبي صلّى اللّه عليه وسلّم معه في الدرجة تبعا، وإن لم يبلغوا تلك الدرجة بأعمالهن.
وقالت طائفة أخرى: الذرية هاهنا الصغار. والمعنى: والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم في إيمان الآباء. والذرية تتبع الآباء. وإن كانوا صغارا في الإيمان وأحكامه من الميراث، والدية والصلاة عليهم، والدفن في قبور المسلمين، وغير ذلك، إلّا فيما كان من أحكام البالغين.
ويكون قوله: {بإيمان} على هذا في موضع نصب على الحال من المفعولين، أي وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان الآباء.
قالوا: يدل على صحة هذا القول: أن البالغين لهم حكم أنفسهم في الثواب والعقاب، فإنهم مستقلون بأنفسهم، ليسوا تابعين للآباء في شيء من أحكام الدنيا، ولا أحكام الثواب والعقاب، لاستقلالهم بأنفسهم. ولو كان المراد بالذرية البالغين لكان أولاد الصحابة البالغون كلهم في درجة آبائهم، ولكان أولاد التابعين البالغون كلهم في درجة آبائهم، وهلم جرا إلى يوم القيامة. فيكون الآخرون في درجة السابقين.
قالوا: ويدل عليه أيضا: أنه سبحانه جعلهم معهم تبعا في الدرجة.
كما جعلهم تبعا معهم في الإيمان. ولو كانوا بالغين لم يكن إيمانهم تبعا، بل إيمان استقلال.
قالوا: ويدل عليه أن اللّه سبحانه جعل المنازل في الجنة بحسب الأعمال. في حق المستقلين. وأما الأتباع فإن اللّه سبحانه يرفعهم إلى درجة أهليهم. وإن لم يكن لهم أعمال. كما تقدم.
وأيضا فالحور العين والخدم في درجة أهليهم، وإن لم يكن لهم عمل، بخلاف المكلفين البالغين. فإنهم يرفعون إلى حيث بلغت بهم أعمالهم.
وقالت فرقة، منهم الواحدي: الوجه أن تحمل الذرية على الصغار والكبار. لأن الكبير يتبع الأب بإيمان نفسه، والصغير يتبع الأب بإيمان الأب.
قالوا: والذرية تقع على الصغير والكبير، والواحد والكثير، والإبن والأب، كما قال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [36: 41] أي آباءهم. والإيمان يقع على الإيمان التبعي وعلى الاختياري الكسبي. فمن وقوعه على التبعي قوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [4: 92] فلو أعتق صغيرا جاز.
قالوا: وأقوال السلف تدل على هذا.
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: إن اللّه يرفع ذرية المؤمنين في درجتهم. وإن كانوا دونهم في العمل، لتقرّ بهم عيونهم. ثم قرأ هذه الآية.
وقال ابن مسعود في هذه الآية: الرجل يكون له القدم، ويكون له الذرية، فيدخل الجنة، فيرفعون إليه، لتقرّ بهم عينه، وإن لم يبلغوا ذلك.
وقال أبو مجلز: يجمعهم اللّه له، كما كان يحب أن يجتمعوا في الدنيا.
وقال الشعبي أدخل اللّه الذرية بعمل الآباء الجنة.
وقال الكلبي عن ابن عباس: إن كان الآباء أرفع درجة من الأبناء رفع اللّه الأبناء إلى الآباء. وإن كان الأبناء أرفع درجة من الآباء رفع اللّه الآباء إلى الأبناء.
وقال إبراهيم: أعطوا مثل أجور آبائهم ولم ينقص الآباء من أجورهم شيئا.
قال: ويدل على صحة هذا القول: أن القراءتين كالآيتين، فمن قرأ: {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} فهذا في حق البالغين الذين تصح نسبة الفعل إليهم، كما قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ} [9: 100] ومن قرأ: {وأتبعناهم ذرياتهم} [52: 21] فهذا في حق الصغار الذين أتبعهم اللّه إياهم في الإيمان حكما. فدلت القراءتان على النوعين.
قلت: واختصاص الذرية هاهنا بالصغار أظهر، لئلا يلزم استواء المتأخرين والسابقين في الدرجات. ولا يلزم مثل هذا في الصغار، فإن أطفال كل رجل وذريته معه في درجته. واللّه أعلم.

.سورة النجم:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (8):

{ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (8)}
كأن الشيخ فهم من الآية: أن الذي دنا فتدلى، فكان من محمد صلّى اللّه عليه وسلّم قاب قوسين أو أدني- هو اللّه عز وجل. وهذا، وإن كان قد قاله جماعة من المفسرين- فالصحيح: أن ذلك هو جبريل عليه السلام. فهو الموصوف بما ذكر من أول السورة إلى قوله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى} [53: 13، 14] هكذا فسره النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في الحديث الصحيح.
قالت عائشة رضي اللّه عنها: «سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن هذه الآية؟ فقال: ذاك جبريل، لم أره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين».
ولفظ القرآن لا يدل على غير ذلك من وجوه.
أحدها: أنه قال: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى} وهذا جبريل الذي وصفه بالقوة في سورة التكوير فقال: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [81: 19، 20].
الثاني: أنه قال: {ذو مرة} أي حسن الخلق، وهو الكريم في سورة التكوير.
الثالث: أنه قال: {فاستوى وهو بالأفق الأعلى} وهو ناحية السماء العليا. وهذا استواء جبريل بالأفق. وأما استواء الرب جل جلاله فعلى عرشه.
الرابع: أنه قال: {ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى} فهذا دنو جبريل وتدليه إلى الأرض، حيث كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وأما الدنو والتدلي في حديث المعراج فرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فوق السموات. فهناك دنا الجبار جل جلاله منه وتدلى. فالدنو والتدلي في الحديث غير الدنو والتدلي في الآية. وإن اتفقا في اللفظ.
الخامس: أنه قال: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى} والمرئي عند السدرة هو جبرئيل قطعا. وبهذا فسره النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال لعائشة: «ذاك جبريل».
السادس: أن مفسر الضمير في قوله: {ولقد رآه} وقوله: {ثم دنا فتدلى} وقوله: {فاستوى} وقوله: {وهو بالأفق الأعلى} واحدة. فلا يجوز أن يخالف بين المفسر والمفسّر من غير دليل.
السابع: أنه سبحانه ذكر في هذه السورة الرسولين الكريمين: الملكي، والبشري. ونزّه البشري عن الضلال والغواية، والملكي عن أن يكون شيطانا قبيحا ضعيفا، بل هو قوي كريم حسن الخلق. وهذا نظير المذكور في سورة التكوير سواء.
الثامن: أنه أخبر هناك: انه رآه بالأفق المبين، وهاهنا: أنه رآه بالأفق الأعلى. وهو واحد وصف بصفتين، فهو مبين وأعلى. فإن الشيء كلما علا بان وظهر.
التاسع: أنه قال: {ذو مرّة} والمرة: الخلق الحسن المحكم.
فأخبر عن حسن خلق الذي علم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، ثم ساق الخبر كله عنه نسقا واحدا العاشر: أنه لو كان خبرا عن الرب تعالى لكان القرآن قد دل على أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رأى ربه سبحانه مرتين: مرة بالأفق، ومرة عند السدرة.
ومعلوم أن الأمر لو كان كذلك لم يقل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لأبي ذر وقد سأله: هل رأيت ربك- قال: «نور، أنّى أراه؟» فكيف يخبر القرآن أنه رآه مرتين، ثم يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أنى أراه» وهذا أبلغ من قوله: «لم أره» لأنه مع النفي يقتضي الإخبار عن عدم الرؤية فقط. وهذا يتضمن النفي وطرقا من الإنكار على السائل، كما إذا قال لرجل: هل كان كيت وكيت؟ فيقول: كيف يكون ذلك؟ الحادي عشر: أنه لم يتقدم للرب جل جلاله ذكر يعود الضمير عليه في قوله: {ثم دنا فتدلى} والذي يعود الضمير عليه لا يصلح له، وإنما هو لعبده.
الثاني عشر: أنه كيف يعود الضمير إلى ما لم يذكر، ويترك عوده إلى المذكور، مع كونه أولى به؟
الثالث عشر: أنه قد تقدم ذكر {صاحبكم} وأعاد عليه الضمائر التي تليق به. ثم ذكر بعده شديد القوى. ذا المرة. وأعاد عليه الضمائر التي تليق به. والخبر كله عن هذين المفسّرين، وهما الرسول الملكي، والرسول البشري.
الرابع عشر: أنه سبحانه أخبر أن هذا الذي دنا فتدلّى: كان بالأفق الأعلى وهو أفق السماء، بل هو تحتها، وقد دنا من الأرض، فتدلى من رسول رب العالمين صلّى اللّه عليه وسلّم، ودنو الرب تعالى وتدليه على ما في حديث شريك: كان من فوق العرش، لا إلى الأرض.
الخامس عشر: أنهم لم يماروه صلوات اللّه وسلامه عليه على رؤية ربه، ولا أخبرهم بها لتقع مماراتهم له عليها. وإنما ماروه على رؤية ما أخبرهم من الآيات التي أراه اللّه إياه. ولو أخبرهم برؤية الرب تعالى لكانت مماراتهم له عليهم أعظم من مماراتهم على رؤية المخلوقات.
السادس عشر: أنه سبحانه قرر صحة ما رآه. وأن مماراتهم له على ذلك باطلة بقوله: {لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى} ولو كان المرئي هو الرب سبحانه وتعالى والمماراة على ذلك منهم: لكان تقرير تلك الرؤية أولى، والمقام إليها أحوج. واللّه أعلم.