فصل: تفسير الآية رقم (79):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (79):

{لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79)}
والصحيح في الآية: أن المراد به: الصحف التي بأيدي الملائكة لوجوه عديدة.
منها: أنه وصفه بأنه مكنون، والمكنون المستور عن العيون، وهذا إنما هو في الصحف التي بأيدي الملائكة.
ومنها: أنه قال: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} وهم الملائكة ولو أراد المؤمنين المتوضئين لقال: لا يمسه إلا المتطهرون، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [2: 251] فالملائكة مطهرون، والمؤمنون والمتوضئون متطهرون.
ومنها: أن هذا إخبار، ولو كان نهيا لقال: لا يمسسه، بالجزم.
والأصل في الخبر، أن يكون خبرا صورة ومعنى.
ومنها: أن هذا رد على من قال. إن الشيطان جاء بهذا القرآن، فأخبر تعالى أنه في كتاب مكنون لا تناله الشياطين، ولا وصول لها إليه، كما قال تعالى في آية الشعراء: {وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} [26: 210- 212] وأنما تناله الأرواح المطهرة، وهم الملائكة.
ومنها: أن هذا نظير الآية التي في سورة عبس به: {مَنْ شاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ} [80: 12- 16] قال مالك في موطئه: أحسن ما سمعت في تفسير قوله: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} أنها مثل هذه الآية في سورة عبس.
ومنها: أن الآية مكية، في سورة مكية، تتضمن تقرير التوحيد، والنبوة والمعاد، وإثبات الصانع، والرد على الكفار، وهذا المعنى أليق بالمقصود من فرع عملي، وهو حكم مس المحدث المصحف.
ومنها: أنه لو أريد به الكتاب الذي بأيدي الناس لم يكن في الإقسام على ذلك بهذا القسم العظيم كثير فائدة، ومن المعلوم أن كل كلام فهو قابل لأن يكون في كتاب، حقا أو باطلا، بخلاف ما إذا وقع القسم على أنه في كتاب مصون مستور عن العيون عند اللّه، لا يصل إليه شيطان، ولا ينال منه، ولا يمسه إلا الأرواح الطاهرة الزكية.
فهذا المعنى أليق وأجل بالآية بلا شك.
فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس اللّه روحه يقول: لكن تدل هذه الآية وإشارتها على أنه لا يمس المصحف إلا طاهر. لأنه إذا كانت تلك الصحف لا يمسها إلا المطهرون، لكرامتها على اللّه. فهذه الصحف أولى أن لا يمسها إلا طاهر.

.سورة الحديد:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (27):

{ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (27)} {رهبانية} منصوب بابتدعوها على الإشتغال، إما بنفس الفعل المذكور، على قول الكوفيين. وإما بمقدر محذوف، مفسر بهذا المذكور، على قول البصريين. أي وابتدعوا رهبانية. وليس منصوبا بوقوع الجعل عليه. فالوقف التام عند قوله: {ورحمة} ثم يبتدئ: {وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها} أي لم نشرعها لهم، ولم نكتبها عليهم، بل هم ابتدعوها من عند أنفسهم.
وفي نصب قوله: {إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ} ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه مفعول له، أي لم نكتبها عليها إلا ابتغاء رضوان اللّه.
وهذا فاسد. فإنه لم يكتبها عليهم سبحانه. كيف وقد أخبر أنهم هم الذين ابتدعوها فهي مبتدعة غير مكتوبة.
وأيضا فإن المفعول لأجله يجب أن يكون علة الفاعل المذكور معه فيتحد السبب والغاية. نحو: قمت إكراما. فالقائم هو المكرم، وفعل الفاعل المعلل هاهنا: هو الكتابة، وابتغاء رضوان اللّه: فعلهم لا فعل اللّه.
فلا يصلح أن يكون علة لفعل لاختلاف الفاعل.
وقيل: هو بدل من مفعول {كتبناها} أي ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان اللّه. وهو فاسد أيضا، إذ ليس رضوان اللّه عين الرهبانية. فيكون بدل الشيء من الشيء، ولا بعضها. فيكون بدل بعض من كل، ولا أحدهما مشتمل على الآخر، فيكون بدل اشتمال. وليس ببدل غلط.
فالصواب: أنه منصوب نصب الاستثناء المنقطع، أي: لم يفعلوها ولم يبتدعوها إلا لطلب رضوان اللّه.
ودل على هذا قوله: {ابتدعوها} ثم ذكر الحامل لهم والباعث على ابتداع هذه الرهبانية، وأنه طلب رضوان اللّه، ثم ذمهم بترك رعايتها. إذ من التزم للّه شيئا لم يلزمه اللّه إياه من أنواع القرب، لزمه رعايته وإقامته، حتى ألزم كثير من الفقهاء من شرع في طاعة مستحبة بإتمامها، وجعلوا التزامها بالشروع، كالتزامها بالنذر، كما قال أبو حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه. وهو إجماع، أو كالإجماع في أحد النسكين.
قالوا: والالتزام بالشروع أقوى من الالتزام بالقول. فكما يجب عليه رعاية ما التزمه بالنذر وفاء، يجب عليه رعاية ما التزمه بالفعل إتماما. وليس هذا موضع استقصاء هذه المسألة.
والقصد: أن اللّه سبحانه وتعالى ذم من لم يرع قربة ابتدعها للّه تعالى حق رعايتها. فكيف بمن لم يرع قربة شرعها اللّه لعباده، وأذن بها، وحث عليها؟.

.تفسير الآية رقم (28):

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)} في قوله: {تمشون به} إعلام بأن تصرفهم، وتقبلهم الذي ينفعهم: إنما هو بالنور، وأن مشيهم بغير النور غير مجد عليهم. ولا نافع لهم، بل ضرره أكثر من نفعه.
وفيه: أن أهل النور هم أهل المشي في الناس، ومن سواهم أهل الزّمانة والانقطاع. فلا مشي لقلوبهم، ولا لأحوالهم، ولا لأقوالهم، ولا لأقدامهم إلى الطاعات. وكذلك لا تمشي على الصراط إذا مشت بأهل الأنوار أقدامهم.
وفي قوله: {تمشون به} نكتة بديعة. وهي: أنهم يمشون على الصراط بأنوارهم، كما يمشون بها بين الناس في الدنيا. ومن لا نور له فإنه لا يستطيع أن ينقل قدما عن قدم على الصراط، فلا يستطيع المشي أحوج ما يكون إليه.

.سورة المجادلة:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (2):

{الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)}
إن قيل: فما تقولون في قول المظاهر: أنت عليّ كظهر أمي: هل هو إنشاء أو إخبار؟ فإن قلتم: إنشاء كان باطلا من وجوه.
أحدها: أن الإنشاء لا يقبل التصديق والتكذيب. واللّه سبحانه قد كذبهم هنا في ثلاثة مواضع.
أحدها: في قوله: {ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ} فنفي ما أثبتوه. وهذا حقيقة التكذيب. ومن طلق امرأته، لا يحسن أن يقال: ما هي مطلقته والثاني: في قوله: {إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ} والإنشاء لا يكون منكرا من القول، وإنما يكون المنكر هو الخبر.
والثاني: أنه سماه {زورا} والزور: هو الكذب.
وإذا كذبهم اللّه دل على أن الظهار إخبار لا إنشاء.
الثالث: أن الظهار محرم، وليس جهة تحريمه إلّا كونه كذبا.
والدليل على تحريمه: خمسة أشياء.
أحدها: وصفه بالمنكر. والثاني وصفه بالزور. والثالث: أنه شرع فيه الكفارة. ولو كان مباحا لم يكن فيه كفارة. والرابع: أن اللّه قال: {ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ} والوعظ إنما يكون في غير المباحات. والخامس: قوله: {وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} والعفو والمغفرة: إنما يكونان عن الذنب.
وإن قلتم: هو إخبار، فهو باطل من وجوه.
أحدها: أن الظهار كان طلاقا في الجاهلية فجعله اللّه في الإسلام تحريما تزيله الكفارة. وهذا متفق عليه بين أهل العلم. ولو كان خبرا لم يوجب التحريم. فإنه إن كان صدقا فظاهر. وإن كان كذبا: فأبعد له من أن يترتب عليه التحريم.
والثاني: أنه لفظ الظهار يوجب حكمه الشرعي بنفسه، وهو التحريم.
وهذا حقيقة الإنشاء، بخلاف الخبر. فإنه لا يوجب حكمه بنفسه. فسلب كونه إنشاء مع ثبوت حقيقة الإنشاء فيه: جمع بين النقيضين.
والثالث: أن إفادة قوله: أنت علي كظهر أمي: للتحريم، كإفادة قوله: أنت حرة، وأنت طالق. وبعتك ورهنتك، وتزوجتك، ونحوها لأحكامها. فكيف يقولون: هذه إنشاءات دون الظهار؟ وما الفرق؟
قيل: أما الفقهاء فيقولون: الظهار إنشاء. ونازعهم بعض المتأخرين في ذلك. وقال: الصواب أنه إخبار.
وأجاب عما احتجوا به من كونه إنشاء.
قال: أما قولهم: كان طلاقا في الجاهلية: فهذا لا يقتضي أنهم كانوا يثبتون به الطلاق، بل يقتضي أنهم كانوا يزيلون به العصمة عند النطق به.
فجاز أن يكون زوالها لكونه إنشاء، كما زعمتم، أو لكونه كذبا، وجرت عادتهم أن من أخبر بهذا الكذب زالت عصمة نكاحه. وهذا كما التزموا تحريم الناقة إذا جاءت بعشرة من الولد. ونحو ذلك.
قال: وأما قولكم: إنه يوجب التحريم المؤقت. وهذا حقيقة الإنشاء، لا الإخبار- فلا نسلم أن ثم تحريما البتة- والذي دل عليه القرآن: وجوب تقديم الكفارة على الوطء، كتقديم الطهارة على الصلاة. فإذا قال الشارع: لا تصل حتى تتطهر: ولا يدل ذلك على تحريم الصلاة عليه، بل ذلك نوع ترتيب.
سلمنا أن الظهار ترتب عليه تحريم، لكن التحريم عقب الشيء قد يكون لاقتضاء اللفظ له، ودلالته عليه. وهذا هو الإنشاء. وقد يكون عقوبة محضة، كترتيب حرمان الإرث على القتل.
وليس القتل إنشاء للتحريم، وكترتيب التعزير على الكذب، وإسقاط العدالة به. فهذا ترتيب بالوضع الشرعي، لا بدلالة اللفظ.
وحقيقة الإنشاء: أن يكون ذلك اللفظ وضع لذلك الحكم. ويدل عليه، كصيغ العقود. فسببية القول أعم من كونه سببا بالإنشاء أو بغيره.
فكل إنشاء سبب، وليس كل سبب إنشاء. فالسببية أعم. فلا يستدل بمطلقها على الإنشاء. فإن الأعم لا يستلزم الأخص. فظهر الفرق بين ترتب التحريم على الطلاق، وترتبه على الظهار.
قال: وأما قولكم: إنه كالتكلم بالطلاق والعتاق والبيع ونحوها، فقياس في الأسباب. فلا نقبله. ولو سلمناه نص القرآن يدفعه.
وهذه الاعتراضات عليهم باطلة.
وأما قوله: إن كونه طلاقا في الجاهلية فلا يقتضي أنهم كانوا يثبتون به الطلاق إلخ فكلام باطل قطعا. فإنهم لم يكونوا يقصدون الإخبار بالكذب ليترتب عليه التحريم، بل كانوا إذا أرادوا الطلاق أتوا بلفظ الظهار إرادة للطلاق. ولم يكونوا عند أنفسهم كاذبين ولا مخبرين. وإنما كانوا منشئين للطلاق به. ولهذا كان هذا ثابتا في أول الإسلام. حتى نسخه اللّه بالكفارة في قصة خولة بنت ثعلبة وكانت تحت عبادة بن الصامت. فقال لها أنت علي كظهر أمي. فأتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسألته عن ذلك. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «حرمت عليه. فقالت: يا رسول اللّه، والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر الطلاق، وإنه أبو ولدي. وأحب الناس إلي. فقال: حرمت عليه. فقالت: أشكو إلى اللّه فاقتي وحدتي. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما أراك إلا قد حرمت عليه. ولم أومر في شأنك بشيء. فجعلت تراجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وإذا قال لها: حرمت عليه. هتفت وقالت: أشكو إلى اللّه فاقتي وشدة حالي، وأن لي صبية صغارا، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا. وجعلت ترفع رأسها إلى السماء، وتقول: اللهم إني أشكوا إليك. وكان هذا أول ظهار في الإسلام. فنزل الوحي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلما قضي الوحي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ادعي زوجك، فتلا عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما} [58: 1- 4]» الآيات.
فهذا يدل على أن الظهار كان إنشاء للتحريم الحاصل بالطلاق في أول الإسلام، ثم نسخ ذلك بالطلاق. وبهذا يبطل ما نظر به من تحريم الناقة عند ولادها عشرة أبطن ونحوه. فإنه ليس هناك لفظ إنشاء يقتضي التحريم، بل هو شرع منهم لهذا التحريم عند هذا السبب.
وأما قوله: إنا لا نسلم أنه يوجب تحريما: فكلام باطل. فإنه لا نزاع بين الفقهاء أن الظهار يقتضي تحريما تزيله الكفارة. فلو وطئها قبل التكفير أثم بالإجماع المعروف من الدين. والتحريم المؤقت هنا كالتحريم بالإحرام، وبالصيام وبالحيض.
وأما تنظيره بالصلاة مع الطهر ففاسد. فإن اللّه أوجب على المصلي أن يصلي صلاة بطهر. فإذا لم يأت بالطهر ترك ما أوجب اللّه عليه، فأستحق الإثم. وأما المظاهر فإنه حرم على نفسه امرأته وشبّهها بمن تحرم عليه.
فمنعه اللّه من قربانها حتى يكفر. فهنا تحريم مستند إلى كفارة. وفي الصلاة لا تجزئ منه بغير طهر. لأنها صلاة غير مشروعة أصلا.
وقوله: التحريم عقب الشيء قد يكون لاقتضاء اللفظ له، وقد يكون عقوبة إلخ.
جوابه: أنهما غير متنافيين في الظهار، فإنه حرام، وتحرم المرأة به تحريما مؤقتا حتى يكفر. وهذا لا يمنع كون اللفظ إنشاء، كجمع الثلاث عند من يوقعها، والطلاق في الحيض، فإنه يحرم ويعقبه التحريم. وقد قلتم: إن طلاق السكران يقع عقوبة له، مع أنه لم يقصد إنشاء سبب تطلق به امرأته اتفاقا. فكون التحريم عقوبة لا ينفي أن يستند إلى أسبابها التي تكون إنشاءات لها.
وقوله: السببية أعم من الإنشاء.
جوابه: أن السبب نوعان. فعل وقول، فمتى كان قولا لم يكن إلا إنشاء. فإن أردتم بالعموم: أن سببية القول أعم من كونها إنشاء وإخبارا فممنوع. وإن أردتم أن مطلق السببية أعم من كونها سببية بالفعل وبالقول.
فمسلم. ولا يفيدكم شيئا.
وفصل الخطاب: أن قوله: أنت علي كظهر أمي: يتضمن إنشاء وإخبارا. فهو إنشاء من حيث قصد التحريم بهذا اللفظ، وإخبار من حيث تشبيهها بظهر أمه ولهذا جعله اللّه منكرا من القول زورا. فهو منكر باعتبار الإنشاء، وزور باعتبار الإخبار.
وأما قوله: إن المنكر هو الخبر الكاذب من النّكر. والنكر أعم منه.
فالإنكار في الإنشاء والإخبار. فإنه ضد المعروف. فما لم يؤذن فيه من الإنشاء فهو منكر. وما لم يكن صدقا من الأخبار فهو زور.