فصل: تفسير الآيات رقم (29- 32)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الماوردي المسمى بـ «النكت والعيون» ***


تفسير الآيات رقم ‏[‏29- 32‏]‏

‏{‏فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ‏(‏29‏)‏ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ‏(‏30‏)‏ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ ‏(‏31‏)‏ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ‏(‏32‏)‏‏}‏

قوله‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ‏}‏ يعني العمل الذي شُرِطَ عليه‏.‏

‏{‏وَسَارَ بِأَهْلِهِ‏}‏ أي بزوجته‏.‏

‏{‏ءَانَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً‏}‏ أي رأى، وقد يعبر عن الرؤية بالعلم‏.‏

‏{‏قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُواْ إِنِّي ءَانَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي ءَاتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ‏}‏ يحتمل وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ بخبر الطريق الذي أراد قصده هل هو على صوبه أو منحرف عنه‏.‏

الثاني‏:‏ بخبر النار التي رأها هل هي لخير يأنس به أو لشر يحذره‏.‏

‏{‏أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ‏}‏ فيها أربعة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ الجذوة أصل الشجرة فيها نار، قاله قتادة‏.‏

الثاني‏:‏ أنها عود في بعضه نار وليس في بعضه نار، قاله الكلبي‏.‏

الثالث‏:‏ أنها عود فيه نار ليس له لهب، قاله زيد بن أسلم‏.‏

الرابع‏:‏ أنها شهاب من نار ذي لهب، قاله ابن عباس‏.‏ قال الشاعر‏:‏

وألقي على قبس من النار جذوة *** شديدٌ عليها حميها والتهابها‏.‏

‏{‏لَعلَّكُمْ تَصْطَلُونَ‏}‏ أي تستدفئون‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَمَّآ أَتَاهَا‏}‏ يعني النار أي قرب منها‏.‏

‏{‏نُودِيَ مِن شَاطِيءِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارََكَةِ‏}‏ وهي البقعة التي قال الله فيها لموسى ‏{‏اخلَعْ نَعْلَيكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طَوًى‏}‏‏.‏

واحتمل وصفها بالبركة وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ لأن الله كلم فيها موسى وخصه فيها بالرسالة‏.‏

الثاني‏:‏ أنها كانت من بقاع الخصب وبلاد الريف‏.‏

ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ‏}‏ فأحل الله كلامه في الشجرة حتى سمعه موسى منها، لأنه لا يستطيع أن يسمعه من الله وهذه أعلى منازل الأنبياء أن يسمعوا كلام الله من غير رسول مبلغ وكان الكلام مقصوراً على تعريفه بأنه الله رب العالمين إثباتاً لوحدانيته ونفياً لربوبية غيره، وصار بهذا الكلام من أصفياء الله من رسله لأنه لا يصير رسولاً إلا بعد أمره بالرسالة، والأمر بها إنما كان بعد هذا الكلام‏.‏

فإن قيل‏:‏ فكيف أضاف البركة إلى البقعة دون الشجرة والشجرة بالبركة أخص لأن الكلام عنها صدر ومنها سُمِعَ‏؟‏

قيل‏:‏ عنه جوابان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن الشجرة لما كانت في البقعة أضاف البركة إلى البقعة لدخول الشجرة فيها ولم يخص به الشجرة فتخرج البقعةوصار إضافتها إلى البقعة أعم‏.‏

الثاني‏:‏ أن البركة نفذت من الشجرة إلى البقعة فصارت البقعة بها مباركة فلذلك خصّها الله بذكر البركة، قاله ابن عباس، والشجرة هي العليق وهي العوسج‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية وإنما أمره بإلقاء عصاه في هذا الحال ليكون برهاناً عنده بأن الكلام الذي سمعه كلام الله ثم ليكون برهاناً له إلى من يرسل إليه من فرعون وملئه‏.‏

فإن قيل‏:‏ فإذا كانت برهاناً إليه وبرهاناً له فلم ولَّى منها هارباً‏؟‏

قيل لأمرين‏:‏

أحدهما‏:‏ رأى ما خالف العادة فخاف‏.‏

الثاني‏:‏ أنه يجوز أن يظن الأمر بإلقائها لأجل أذاها فولَّى هارباً حتى نودي فعلم‏.‏

‏{‏‏.‏‏.‏‏.‏ ولَمْ يُعَقِّبْ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ ولم يثبت، اشتقاقاً من العقب الذي يثبت القدم‏.‏

الثاني‏:‏ ولم يتأخر لسرعة مبادرته‏.‏

ويحتمل ثالثاً‏:‏ أي لم يلتفت إلى عقبه لشدة خوفه وسرعة هربه‏.‏

‏{‏يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مَنَ الآمِنِينَ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ الآمنين من الخوف‏.‏

الثاني‏:‏ من المرسلين لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ‏}‏ قال ابن بحر‏:‏ فصار على هذا التأويل رسولاً بهذا القول‏.‏ وعلى التأويل الأول يصير رسولاً بقوله‏:‏ ‏{‏فَذَانِكَ بُرْهَاناَنِ مِنَ رَبِّكَ إلَى فِرْعَونَ وَمَلإِئْهِ‏}‏ والبرهانان اليد والعصا‏.‏

وفي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ‏}‏ وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن الجناح الجيب جيب القميص وكان عليه مدرعة صوف‏.‏

الثاني‏:‏ أن الجيب جنب البدن‏.‏

‏{‏مِنَ الرَّهْبِ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن الرهب الكُمّ، قاله مورق‏.‏

الثاني‏:‏ أنه من الخوف‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏33- 37‏]‏

‏{‏قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ‏(‏33‏)‏ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ‏(‏34‏)‏ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ‏(‏35‏)‏ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ‏(‏36‏)‏ وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ‏(‏37‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏رِدْءاً‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ عوناً، قاله مجاهد‏.‏

الثاني‏:‏ زيادة، والردء الزيادة وهو قول مسلم بن جندب وأنشد قول الشاعر‏:‏

وأسمر خطيّاً كأن كعوبه *** نوى القسب قد أردى ذِراعاً على العشر

تفسير الآيات رقم ‏[‏38- 42‏]‏

‏{‏وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ‏(‏38‏)‏ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ‏(‏39‏)‏ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ‏(‏40‏)‏ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ ‏(‏41‏)‏ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ ‏(‏42‏)‏‏}‏

قوله‏:‏ ‏{‏وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ كان بينها وبين قوله ‏{‏أنا ربكم الأعلى‏}‏ أربعون سنة‏.‏

‏{‏فأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانَ عَلَى الطِّينِ‏}‏ قال قتادة‏:‏ هو أول من طبخ الآجر‏.‏

‏{‏فَاجْعَلَ لِّي صَرْحاً‏}‏ الصرح القصر العالي‏.‏ قال قتادة‏:‏ هو أول من صنع له الصرح‏.‏

‏{‏لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى‏}‏ الآية‏.‏ فحكى السدي أن فرعون صعد الصرح ورمى نشابه نحو السماء فرجعت إليه متلطخة دماً‏:‏ قد قتلت إِله موسى‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ‏}‏ قال قتادة‏:‏ بحر يقال له أساف من وراء مصر غرقهم الله فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً‏}‏ يعني فرعون وقومه، وفيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ زعماء يُتْبَعُونَ على الكفر‏.‏

الثاني‏:‏ أئمة يأتم بهم ذوو العبر ويتعظ بهم أهل البصائر‏.‏

‏{‏يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يدعون إلى عمل أهل النار‏.‏

الثاني‏:‏ يدعون إلى ما يوجب النار‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يعني خزياً وغضباً‏.‏

الثاني‏:‏ طرداً منها بالهلاك فيها‏.‏

‏{‏وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ‏}‏ فيه أربعة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ من المقبحين بسواد الوجوه وزرقة الأعين، قاله الكلبي‏.‏

الثاني‏:‏ من المشوهين بالعذاب، قاله مقاتل‏.‏

الثالث‏:‏ من المهلكين، قاله الأخفش وقطرب‏.‏

الرابع‏:‏ من المغلوبين، قاله ابن بحر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏43‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ‏(‏43‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ‏}‏ فيه قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنها ست من المثاني التي التي أنزلها الله على رسوله محمد صلىلله عليه وسلم، قاله ابن عباس ورواه مرفوعاً‏.‏

الثاني‏:‏ أنها التوراة، قاله قتادة‏.‏ قال يحيى بن سلام‏:‏ هو أول كتاب نزل فيه الفرائض والحدود والأحكام‏.‏

‏{‏مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى‏}‏ قال أبو سعيد الخدري‏:‏ ما أهلك الله أمة من الأمم ولا قرناً من القرون ولا قرية من القرى بعذاب من السماء ولا من الأرض منذ أنزل الله التوراة على وجه الأرض غير القرية التي مسخهم الله قردة، ألم تر إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابِ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى‏}‏‏.‏

ومعنى قوله‏:‏ ‏{‏بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ‏}‏ أي بينات‏.‏ ‏{‏وَهُدًى‏}‏ أي دلالة ‏{‏وَرَحْمَةً‏}‏ أي نعمة‏.‏

‏{‏لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ‏}‏ أي ليذكروا هذه النعمة فيقيموا على إيمانهم في الدنيا ويثقوا بثوابهم في الآخرة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏44- 47‏]‏

‏{‏وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ‏(‏44‏)‏ وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ‏(‏45‏)‏ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ‏(‏46‏)‏ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏47‏)‏‏}‏

قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا كُنتَ بِجَانِب الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا‏}‏ هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وما كنت يا محمد ‏{‏بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا‏}‏ وفيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ نودي يا أمة محمد استجبت لكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني، قاله أبو هريرة‏.‏

الثاني‏:‏ أنهم نودوا في أصلاب آبائهم أن يؤمنوا بك إذا بُعِثْتَ، قاله مقاتل‏.‏

‏{‏وَلَكِن رَّحْمَةَ مِّن رَّبِّكَ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن ما نودي به موسى من جانب الطور من ذكرك نعمة من ربك‏.‏

الثاني‏:‏ أن إرسالك نبياً إلى قومك نعمة من ربك‏.‏

‏{‏لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ‏}‏ يعني العرب‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏48- 51‏]‏

‏{‏فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ ‏(‏48‏)‏ قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏(‏49‏)‏ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ‏(‏50‏)‏ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ‏(‏51‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏‏.‏‏.‏‏.‏ قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا‏}‏ قرأ الكوفيون سحران، فمن قرأ ساحران ففيه ثلاثة أقاويل‏:‏

أحدها‏:‏ موسى ومحمد عليهما السلام، وهذا قول مشركي العرب، وبه قال ابن عباس والحسن‏.‏

الثاني‏:‏ موسى وهارون عليهما السلام وهذا قول اليهود لهما في ابتداء الرسالة، قاله ابن جبير ومجاهد وأبو زيد‏.‏

الثالث‏:‏ عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وهذا قول اليهود اليوم، وبه قال قتادة‏.‏

ومن قرأ سحران ففيه ثلاثة أقوال‏:‏

أحدها‏:‏ أنها التوارة والقرآن، قاله عاصم الجحدري والسدي‏.‏

الثاني‏:‏ التوراة والإنجيل، قاله إسماعيل وأبو مجلز‏.‏

الثالث‏:‏ الإنجيل والقرآن، قاله قتادة‏.‏

‏{‏قَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ‏}‏ يعني بما ذكره على اختلاف الأقاويل وفي قائل ذلك قولان‏:‏

إحداهما‏:‏ اليهود‏.‏

الثاني‏:‏ قريش‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمْ الْقَوْلَ‏}‏ فيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ معناه بيَّنا لهم القول، قاله السدي‏.‏

الثالث‏:‏ أتبعنا بعضه بعضاً، قاله علي بن عيسى‏.‏

وفي ‏{‏الْقَوْلَ‏}‏ وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن الخبر عن الدنيا والآخرة، قاله ابن زيد‏.‏

الثاني‏:‏ إخبارهم بمن أهلكنا من قوم نوح بكذا وقوم صالح بكذا وقوم هود بكذا‏.‏

‏{‏لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ‏}‏ فيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ يتذكرون محمداً فيؤمنوا به، قاله ابن عباس‏.‏

الثاني‏:‏ يتذكرون فيخافون أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم، قاله ابن عيسى‏.‏

الثالث‏:‏ لعلهم يتعظون بالقرآن عن عبادة الأوثان، حكاه النقاش‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏52- 55‏]‏

‏{‏الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ‏(‏52‏)‏ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آَمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ‏(‏53‏)‏ أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ‏(‏54‏)‏ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ‏(‏55‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ ءَآتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يعني الذين آتيناهم التوراة والإنجيل من قبل القرآن هم بالقرآن يؤمنون، قاله يحيى بن سلام‏.‏

الثاني‏:‏ الذي آتيناهم التوراة والإنجيل من قبل محمد هم بمحمد يؤمنون، قاله ابن شجرة‏.‏

وفيمن نزلت قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ نزلت في عبد الله بن سلام وتميم الداري والجارود العبدي وسلمان الفارسي أسلموا فنزلت فيهم هذه الآية والتي بعدها، قاله قتادة‏.‏

الثاني‏:‏ أنها نزلت في أربعين رجلاً من أهل الإنجيل كانوا مسلمين بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، اثنان وثلاثون رجلاً من الحبشة أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب وقت قدومه وثمانية قدموا من الشام‏.‏ منهم بحيراً وأبرهة والأشراف وعامر وأيمن وإدريس ونافع فأنزل الله فيهم هذه الآية، والتي بعدها إلى قوله ‏{‏أُوْلَئِكَ يُؤْتُوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ‏}‏ قال قتادة‏:‏ ‏[‏بإيمانهم‏]‏ بالكتاب الأول وإيمانهم بالكتاب الآخر‏.‏

وفي قوله بما صبروا ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ بما صبروا على الإيمان، قاله ابن شجرة‏.‏

الثاني‏:‏ على الأذى، قاله مجاهد‏.‏

الثالث‏:‏ على طاعة الله وصبروا عن معصية الله، قاله قتادة‏.‏

‏{‏‏.‏‏.‏‏.‏ وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ‏}‏ فيه خمسة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ يدفعون بالعمل الصالح ما تقدم من ذنب، قاله ابن شجرة‏.‏

الثاني‏:‏ يدفعون بالحلم جهل الجاهل، وهذا معنى قول يحيى بن سلام‏.‏

الثالث‏:‏ يدفعون بالسلام قبح اللقاء، وهذا معنى قول النقاش‏.‏

الرابع‏:‏ يدفعون بالمعروف المنكر، قاله ابن جبير‏.‏

الخامس‏:‏ يدفعون بالخير الشر، قاله ابن زيد‏.‏

ويحتمل سادساً‏:‏ يدفعون بالتوبة ما تقدم من المعصية‏.‏

‏{‏وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُفِقُونَ‏}‏ فيه ثلاثة تأويلات‏:‏

أحدها‏:‏ يؤتون الزكاة احتساباً، قاله ابن عباس‏.‏

الثاني‏:‏ نفقة الرجل على أهله وهذا قبل نزول الزكاة، قاله السدي‏.‏

الثالث‏:‏ يتصدقون من أكسابهم، قاله قتادة‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ‏}‏ فيه أربعة أقاويل‏:‏

أحدها‏:‏ أنهم قوم من اليهود أسلموا فكان اليهود يتلقونهم بالشتم والسب فيعرضون عنهم، قاله مجاهد‏.‏

الثاني‏:‏ أنهم قوم من اليهود أسلموا فكانوا إذا سمعوا ما غَيّره اليهود من التوراة وبدلوه من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وصفته أعرضوا عنه وكرهوا تبديله، قاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‏.‏

الثالث‏:‏ أنهم المؤمنون إذا سمعوا الشرك أعرضوا عنه، قاله الضحاك ومكحول‏.‏

الرابع‏:‏ أنهم أناس من أهل الكتاب لم يكونوا يهوداً ولا نصارى وكانوا على دين أنبياء الله وكانوا ينتظرون بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمعوا بظهوره بمكة قصدوه، فعرض عليهم القرآن وأسلمواْ‏.‏

وكان أبو جهل ومن معه من كفار قريش يلقونهم فيقولون لهم‏:‏ أفٍّ لكم من قوم منظور إليكم تبعتم غلاماً قد كرهه قومه وهم أعلم به منكم فإذا ذلك لهم أعرضوا عنهم، قاله الكلبي‏.‏

‏{‏قَالُواْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لنا ديننا ولكم دينكم، حكاه النقاش‏.‏

الثاني‏:‏ لنا حلمنا ولكم سفهكم‏.‏

‏{‏سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ‏}‏ رَدّوا خيراً واستكفوا شراً، وفيه تأويلان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا نجازي الجاهلين، قاله قتادة‏.‏

الثاني‏:‏ لا نتبع الجاهلين، قاله مقاتل‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏56- 57‏]‏

‏{‏إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ‏(‏56‏)‏ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏57‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ من أحببت هدايته‏.‏

الثاني‏:‏ من أحببته لقرابته، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والحسن‏:‏ نزلت في أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

وروى أبو هريرة أن النبي قال لعمه أبي طالب «قُل لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِندَ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ» فقال‏:‏ لولا أن تعيرني بها قريش لأقررت عينيك بها‏.‏

وروى مجاهد أنه قال‏:‏ يا ابن أخي ملة الأشياخ، فنزلت الآية تعني أبا طالب‏.‏

‏{‏وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ‏}‏ قاله قتادة‏:‏ يعني العباس‏.‏

‏{‏وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ‏}‏ قال مجاهد‏:‏ يعني بمن قدر له الهدى والضلالة‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَالُواْ إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ‏}‏ قيل إن هذه الآية نزلت في الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف القرشي قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنا لنعلم أن قولك حق ولكن يمنعنا أن نتبع الهدى معك ونؤمن بك مخافة أن يتخطفنا العرب من أرضنا يعني بمكة فإنما نحن أكلة رأس العرب ولا طاقة لنا بهم، فأجاب الله عما اعتل به فقال‏:‏

‏{‏أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً ءَامِناً‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه جعله آمناً بما طبع النفوس عليه من السكون إليه حتى لا ينفر منه الغزال والذئب والحمام والحدأة‏.‏

الثاني‏:‏ أنه جعله آمناً بالأمر الوارد من جهته بأمان من دخله ولاذ به، قاله يحيى بن سلام‏.‏

يقول كنتم آمنين في حرمي تأكلون وتعبدون غيري أفتخافون إذا عبدتموني وآمنتم بي‏.‏

‏{‏يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ‏}‏ أي تجمع إليه ثمرات كل أرض وبلد‏.‏ وحكى مجاهد أن كتاباً وجد عند المقام فيه‏:‏ إني أنا الله ذو بكة، وضعتها يوم خلقت الشمس والقمر، وحرمتها يوم خلقت السموات والأرض، وحففتها بسبعة أملاك حنفاء، يأتيها رزقها من ثلاثة سبل، مبارك لأهلها في الماء واللحم، أول من يحلها أهلها‏.‏

‏{‏رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا‏}‏ أي عطاء من عندنا‏.‏

‏{‏وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يعقلون، قاله الضحاك‏.‏

الثاني‏:‏ لا يتدبرون، قاله ابن شجرة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏58- 59‏]‏

‏{‏وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ‏(‏58‏)‏ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ‏(‏59‏)‏‏}‏

قوله‏:‏ ‏{‏بَطِرَتْ مَعَيشَتَهَا‏}‏ والبطر الطغيان بالنعمة‏.‏ وفيه وجهان‏:‏

أحدها‏:‏ يعني بطرت في معيشتها، قاله الزجاج‏.‏

الثاني‏:‏ أبطرتها معيشتها، قاله الفراء‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلَكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمَّهَا رَسُولاً‏}‏ فيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ في أوائلها، قاله الحسن‏.‏

الثاني‏:‏ في معظم القرى من سائر الدنيا، حكاه ابن عيسى‏.‏

الثالث‏:‏ أن أم القرى مكة، قاله قتادة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏60- 61‏]‏

‏{‏وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ ‏(‏60‏)‏ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ‏(‏61‏)‏‏}‏

قوله‏:‏ ‏{‏أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ‏}‏ فيه قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ هو حمزة بن عبد المطلب والوعد الحسن الجنة و‏{‏لاَقِيهِ‏}‏ دخولها، قاله السدي‏.‏

الثاني‏:‏ هو النبي صلى الله عليه وسلم والوعد الحسن النصر في الدنيا والجنة في الآخرة، قاله الضحاك‏.‏

‏{‏كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏ قال السدي والضحاك‏:‏ هو أبو جهل‏.‏

‏{‏ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ‏}‏ فيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ من المحضرين للجزاء، قاله ابن عباس‏.‏

الثاني‏:‏ من المحضرين في النار، قاله يحيى بن سلام‏.‏

الثالث‏:‏ من المحضرين‏:‏ المحمولين، قاله الكلبي‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏62- 67‏]‏

‏{‏وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ‏(‏62‏)‏ قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ‏(‏63‏)‏ وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ ‏(‏64‏)‏ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ‏(‏65‏)‏ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ ‏(‏66‏)‏ فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ‏(‏67‏)‏‏}‏

قوله‏:‏ ‏{‏فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَآءُ يَوْمَئِذٍ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ الحجج، قاله مجاهد‏.‏

الثاني‏:‏ الأخبار، قاله السدي‏.‏

‏{‏فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ‏}‏ فيه أربعة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ لا يسألون بالأنساب، قاله مجاهد‏.‏

الثاني‏:‏ لا يسأل بعضهم بعضاً أن يحتمل من ذنوبه، حكاه ابن عيسى‏.‏

الثالث‏:‏ لا يسأل بعضهم بعضاً عن حاله، حكاه ابن شجرة‏.‏

الرابع‏:‏ لا يسأل بعضهم بعضاً عن الحجة، وهذا قول الضحاك‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏68- 70‏]‏

‏{‏وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ‏(‏68‏)‏ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ‏(‏69‏)‏ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ‏(‏70‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ‏}‏ فيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ أن قوماً كانوا يجعلون خير أموالهم لأهليهم في الجاهلية فقال ‏{‏وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ‏}‏ من خلقه ‏{‏وَيَخْتَارُ‏}‏ من يشاء لطاعته، وهو معنى قول ابن عباس‏.‏

الثاني‏:‏ ‏{‏وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ‏}‏ من الخلق ‏{‏وَيَخْتَارُ‏}‏ من يشاء لنبوته، قاله يحيى بن سلام‏.‏

الثالث‏:‏ ‏{‏وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ‏}‏ النبي محمداً صلى الله عليه وسلم ‏{‏وَيَخْتَارُ‏}‏ الأنصار لدينه حكاه النقاش‏.‏

‏{‏مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ‏}‏ وفيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ معناه ويختار للمؤمنين ما كان لهم فيه الخيرة فيكون ذلك إثباتاً‏.‏

الثاني‏:‏ معناه ما كان للخلق على الله الخيرة، فيكون ذلك نفياً‏.‏ ومن قال بهذا فلهم في المقصود به وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه عنى بذلك قوماً من المشركين جعلوا لله ما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فنزل ذلك فيهم، قاله ابن شجرة‏.‏

الثاني‏:‏ أنها نزلت في الوليد بن المغيرة حين قال ما حكاه الله عنه في سورة الزخرف ‏{‏وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ‏}‏ الآية ‏[‏الزخرف‏:‏ 31‏]‏ يعني نفسه وعروة بن مسعود الثقفي فقال الله‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ‏}‏ أن يتخيروا على الله الأنبياء‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏71- 75‏]‏

‏{‏قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ ‏(‏71‏)‏ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ‏(‏72‏)‏ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏(‏73‏)‏ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ‏(‏74‏)‏ وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ‏(‏75‏)‏‏}‏

قوله‏:‏ ‏{‏وَنَزَعْنَا مِن كُلَّ أُمَّةٍ شَهِيداً‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أخرجنا من كل أمة رسولاً مبعوثاً إليها‏.‏

الثاني‏:‏ أحضرنا من كل أمة رسولاً يشهد عليها أن قد بلغ رسالة ربه إليها، قاله قتادة‏.‏

‏{‏فَقُلْنَا هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ حجتكم، قاله أبو العالية‏.‏

الثاني‏:‏ بينتكم، قاله قتادة‏.‏

‏{‏فَعَلِمُواْ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ‏}‏ فيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ أن العدل لله، قاله ابن جبير‏.‏

الثاني‏:‏ التوحيد لله، قاله السدي‏.‏

الثالث‏:‏ الحجة لله‏.‏

‏{‏وَضَلَّ عَنْهُم‏}‏ يعني في القيامة‏.‏

‏{‏مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ‏}‏ في الدنيا من الكذب‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏76- 77‏]‏

‏{‏إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ‏(‏76‏)‏ وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ‏(‏77‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ كان ابن عمه، قاله قتادة‏:‏ ابن عم موسى أخي أبيه وكان قطع البحر مع بني إسرائيل وكان يسمى‏:‏ المنور، من حسن صوته بالتوراة، ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري‏.‏

‏{‏فَبَغَى عَلَيْهِمْ‏}‏ فيه ستة أقاويل‏:‏

أحدها‏:‏ بغيه عليهم أنه كفر بالله، قاله الضحاك‏.‏

الثاني‏:‏ أنه زاد في طول ثيابه شبراً، قاله شهر بن حوشب‏.‏

الثالث‏:‏ أنه علا عليهم بكثرة ماله وولده، قاله قتادة‏.‏

الرابع‏:‏ أنه صنع بغياً، حين أمر الله موسى برجم الزاني فعمد قارون إلى امرأة بغي فأعطاها مالاً وحملها على أن ادعت عليه أنه زنى بها وقال‏:‏ فأنت قد زنيت‏.‏ وحضرت البغي فادّعت ذلك عليه فعظم على موسى ما قالت وأحلفها بالله الذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى إلاّ صدقت فقالت‏:‏ أشهد أنك بريء وأن قارون أعطاني مالاً وحملني على أن قلت وأنت الصادق وقارون الكاذب فكان هذا بغيه، قاله ابن عباس، قال السدي‏:‏ وكان اسم البغي شجرتا وبذلك لها قارون ألفي درهم‏.‏

الخامس‏:‏ أنه كان غلاماً لفرعون فتعدى على بني إسرائيل وظلمهم، قاله يحيى بن سلام‏.‏

السادس‏:‏ أنه نسب ما آتاه الله من الكنوز إلى نفسه بعلمه وحيلته، قاله ابن بحر‏.‏

‏{‏وَءَآتَيْنَهُ مِنَ الْكُنُوزِ‏}‏ فيه قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه أصاب كنزاً من كنوز يوسف عليه السلام، قاله عطاء‏.‏

الثاني‏:‏ أنه كان يعمل الكيمياء، قاله الوليد‏.‏

‏{‏مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ‏}‏ فيه أربعة أقاويل‏:‏

أحدها‏:‏ خزائنه، قاله السدي وأبو رزين‏.‏

الثاني‏:‏ أوعيته، قاله الضحاك‏.‏

الثالث‏:‏ مفاتيح خزائنه وكانت من جلود يحملها أربعون بغلاً‏.‏

الرابع‏:‏ أن مفاتيح الكنوز إحاطة علمه بها، حكاه ابن بحر لقول الله ‏{‏وَعِندَهُ مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 59‏]‏‏.‏

‏{‏لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ‏}‏ فيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ لتثقل العصبة، قاله ابن عباس وأبو صالح والسدي‏.‏

الثاني‏:‏ لتميل بالعصبة، قاله الربيع بن أنس مأخوذ من النأي وهو البعد قال الشاعر‏:‏

ينأوْن عنا وما تنأى مودتهم *** والقلب فيهم رهين حيثما كانوا

الثالث‏:‏ لتنوء به العصبة كما قال الشاعر‏:‏

إنّا وجدنا خلفَاً بئس الخلف *** عبداً إذا ما ناء بالحمل خضف

والعصبة الجماعة الذين يتعصب بعضهم لبعض واختلف في عددهم على سبعة أقاويل‏:‏

أحدها‏:‏ سبعون رجلاً، قاله أبو صالح‏.‏

الثاني‏:‏ أربعون رجلاً، قاله الحكم وقتادة والضحاك‏.‏

الثالث‏:‏ ما بين العشرة إلى الأربعين، قاله السدي‏.‏

الرابع‏:‏ ما بين العشرة إلى الخمسة عشر، قاله مجاهد‏.‏

الخامس‏:‏ ستة أو سبعة‏.‏ قاله ابن جبير‏.‏

السادس‏:‏ ما بين الثلاثة والتسعة وهم النفر، قاله عبد الرحمن بن زيد‏.‏

السابع‏:‏ عشرة لقول إخوة يوسف ‏{‏وَنَحْنُ عُصْبَةٌ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 8‏]‏ قاله الكلبي ومقاتل‏.‏

وزعم أبو عبيدة أن هذا من المقلوب تأويله‏:‏ إن العصبة لتنوء بالمفاتح‏.‏

‏{‏أوْلِي الْقُوَّةِ‏}‏ قال السدي أولي الشدة‏.‏

‏{‏إذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه قول المؤمنين منهم، قاله السدي‏.‏

الثاني‏:‏ قول موسى، قاله يحيى بن سلام‏.‏

‏{‏لاَ تَفْرَحْ إنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ‏}‏ فيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ لا تبغ إن الله لا يحب الباغين، قاله مجاهد‏.‏

الثاني‏:‏ لا تبخل إن الله لا يحب الباخلين، قاله ابن بحر‏.‏

الثالث‏:‏ لا تبطر إن الله لا يحب البطرين، قاله السدي، وقال الشاعر‏:‏

ولست بمفراحٍ إذا الدهر سَرَّني *** ولا جازعٍ من صرفه المتغلب

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ طلب الحلال في كسبه، قاله الحسن‏.‏

الثاني‏:‏ أنه الصدقة وصلة الرحم، قاله السدي‏.‏

ويحتمل ثالثاً‏:‏ وهو أعم أن يتقرب بنعم الله إليه، والمراد بالدار الآخرة الجنة‏.‏

‏{‏وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا‏}‏ فيه ثلاثة تأويلات‏.‏

أحدها‏:‏ لا تنس حظك من الدنيا أن تعمل فيها لآخرتك، قاله ابن عباس‏.‏

الثاني‏:‏ لا تنس استغناك بما أحل الله لك عما حرمه عليك، قاله قتادة‏.‏

الثالث‏:‏ لا تنس ما أنعم الله عليك أن تشكره عليه بالطاعة وهذا معنى قول ابن زيد‏.‏

الثاني‏:‏ وأحسن فيما افترض الله عليك كما أحسن في إنعامه عليك، وهذا معنى قول يحيى بن سلام‏.‏

الثالث‏:‏ أحسن في طلب الحلال كما أحسن إليك في الإحلال‏.‏

‏{‏وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ‏}‏ يحتمل وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ لا عمل فيها بالمعاصي‏.‏

الثاني‏:‏ لا تقطع‏.‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يحب أعمال المفسدين، قاله ابن عباس‏.‏

الثاني‏:‏ لا يقرب المفسدين، قاله ابن قتيبة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏78‏]‏

‏{‏قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ‏(‏78‏)‏‏}‏

قوله‏:‏ ‏{‏قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمِ عِنْدِي‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ فيه خمسة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ أي بقوتي وعلمي، قاله يحيى بن سلام‏.‏

الثاني‏:‏ علىخير وعلم عندي، قاله قتادة‏.‏

الثالث‏:‏ لرضا الله عني ومعرفته باستحقاقي، قاله ابن زيد‏.‏

الرابع‏:‏ على علم بوجه المكاسب، قاله ابن عيسى‏.‏

الخامس‏:‏ العلم بصنعة الكيمياء‏.‏

حكى النقاش أن موسى عليه السلام علّم قارون الثلث من صنعة الكيمياء، وعلم يوشع بن نون الثلث، وعلم ابني هارون الثلث فخدعهما قارون وكان على إيمانه حتى علم ما عندهما وعمل الكيمياء فكثرت أمواله‏.‏

وفي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏‏.‏‏.‏‏.‏ وَلاَ يُسأُلَ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ‏}‏ أربعة تأويلات‏:‏

أحدها‏:‏ يعذبون ولا يحاسبون، قاله قتادة‏.‏

الثاني‏:‏ لا يسألون عن إحصائها ويعطون صحائفها فيعرفون ويعترفون بها، قاله الربيع‏.‏

الثالث‏:‏ لأن الملائكة تعرفهم بسيماهم فلا تسأل عنهم، قاله مجاهد‏.‏

الرابع‏:‏ أنهم لا يُسألون سؤال استعتاب‏:‏ لمَ لَمْ يؤمنوا، قاله ابن بحر كما قال

‏{‏وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 57‏]‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏79- 80‏]‏

‏{‏فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ‏(‏79‏)‏ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ‏(‏80‏)‏‏}‏

قوله‏:‏ ‏{‏فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ‏}‏ فيه ثلاثة أقاويل‏:‏

أحدها‏:‏ في حشمه، قاله قتادة‏.‏

الثاني‏:‏ في تَبَعه في سبعين ألفاً عليهم المعصفرات وكان أول يوم رؤيت فيه المعصفرات قاله ابن زيد، قال أبو لبابة‏:‏ أول من صبغ بالسواد قارون‏.‏

الثالث‏:‏ خرج في جوارٍ بيض على بغال بيض بسروج من ذهب على قطف أرجوان، قاله السدي‏.‏

‏{‏قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونَ‏}‏ تمنوا ماله رغبة في الدنيا‏.‏

‏{‏إنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لذو درجة عظيمة، قاله الضحاك‏.‏

الثاني‏:‏ لذو جد عظيم، قاله السدي‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏81- 82‏]‏

‏{‏فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ‏(‏81‏)‏ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ‏(‏82‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ لما شكا موسى إلى الله أمْر قارون أمر الله الأرض أن تطيع موسى، ولما أقبل قارون وشيعته قال موسى‏:‏ يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى أعقابهم، ثم قال‏:‏ خذيهم فأخذتهم إلى أوساطهم ثم قال‏:‏ خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم، ثم قال‏:‏ خذيهم فخسف الله بهم وبدار قارون وكنوزه‏.‏ روى يزيد الرقاشي أن قارون لما أخذته الأرض إلى عنقه أخذ موسى نعليه فخفق بهما وجهه فقال قارون‏:‏ يا موسى ارحمني، قال الله تعالى ‏{‏يَا مُوسَى مَا أَشَدَّ قَلْبَكَ، دَعَاكَ عَبْدِي وَاسْتَرْحَمَكَ فَلَمْ تَرْحَمْهُ‏:‏ وَعِزَّتِي لَو دَعَانِي عَبْدِي لأَجَبْتُهُ‏}‏ روى سمرة بن جندب أنه يخسف بقارون وقومه في كل يوم بقدر قامة فلا يبلغ إلى الأرض السفلى إلى يوم القيامة‏.‏

قال مقاتل لما أمر موسى الأرض فابتلعته قال بنو إسرائيل‏:‏ إنما أهلكه ليرث ماله لأنه كان ابن عمه أخي أبيه فخسف الله بداره وبجميع أمواله بعد ثلاثة أيام‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنُّواْ مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ‏}‏ فيه ثمانية أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ معناه أو لا يعلم أن الله‏؟‏ رواه معمر عن قتادة‏.‏

الثاني‏:‏ أو لا يرى‏؟‏ رواه سعيد عن قتادة‏.‏

الثالث‏:‏ ‏{‏وَلكِنَّ اللَّهَ‏}‏ بلغة حمير، قاله الضحاك‏.‏

الرابع‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ اللَّهَ‏}‏ والياء، والكاف صلتان زائدتان، حكاه النقاش‏.‏

الخامس‏:‏ ‏{‏وَكَأَنَّ اللَّهَ‏}‏ والياء وحدها صلة زائدة‏.‏ وقال ابن عيسى بهذا التأويل غير أنه جعل الياء للتنبيه‏.‏

السادس‏:‏ معناه ويك أن الله ففصل بين الكاف والألف وجعل ويك بمعنى ويح فأبدل الحاء كافاً ومنه قول عنترة‏:‏

ولقد شفى نفسي وأبْرأ سقمها *** قيل الفوارس ويك عنتر أقدامِ

السابع‏:‏ ويلك إن الله فحذف اللام إيجازاً، حكاه ابن شجرة‏.‏

الثامن‏:‏ وي منفصلة على طريق التعجب ثم استأنف فقال كأن الله، قاله الخليل‏.‏

‏{‏يَبْسُطُ الرِّزْقُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ‏}‏ فيه ثلاثة تأويلات‏:‏

أحدها‏:‏ معنى يقدر أن يختار له، قاله ابن عباس‏.‏

الثاني‏:‏ ينظر له فإن كان الغنى خيراً له أغناه وإن كان الفقر خيراً له أفقره، قاله الحسن‏.‏

الثالث‏:‏ يضيق، وهذا معنى قول ابن زيد‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏83- 84‏]‏

‏{‏تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ‏(‏83‏)‏ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ‏(‏84‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ‏}‏ أي الجنة نجعلها‏.‏

‏{‏عُلُوّاً‏}‏ فيها ستة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ يعني بغياً، قاله ابن جبير‏.‏

الثاني‏:‏ تكبراً، قاله مسلم‏.‏

الثالث‏:‏ شرفاً وعزاً، قاله الحسن‏.‏

الرابع‏:‏ ظلماً، قاله الضحاك‏.‏

الخامس‏:‏ شركاً، قاله يحيى بن سلام‏.‏

السادس‏:‏ لا يجزعون من ذلها ولا يتنافسون على عزها، قاله أبو معاوية‏.‏

ويحتمل سابعاً أن يكون سلطاناً فيها على الناس‏.‏

‏{‏وَلاَ فَسَاداً‏}‏ فيه ثلاثة تأويلات‏:‏

أحدها‏:‏ أنه الأخذ بغير حق، قاله مسلم‏.‏

الثاني‏:‏ أنه العمل بالمعاصي، قاله عكرمة‏.‏

الثالث‏:‏ أنه قتل الأنبياء والمؤمنين، قاله يحيى بن سلام‏.‏

ويحتمل رابعاً‏:‏ أنه سوء السيرة‏.‏

‏{‏وَاْلعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ والثواب للمتقين، قاله يحيى بن سلام‏.‏

الثاني‏:‏ معناه والجنة للمتقين، قاله ابن شجرة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏85- 88‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ‏(‏85‏)‏ وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ ‏(‏86‏)‏ وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آَيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ‏(‏87‏)‏ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ‏(‏88‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ‏}‏ فيه خمسة تأويلات‏:‏

أحدها‏:‏ أنزل عليك القرآن، قاله يحيى ابن سلام والفراء‏.‏

الثاني‏:‏ أعطاكه، قاله مجاهد‏.‏

الثالث‏:‏ أوجب عليك العمل به، حكاه النقاش‏.‏

الرابع‏:‏ حمّلك تأديته وكلفك إبلاغه، حكاه ابن شجرة‏.‏

الخامس‏:‏ بينه على لسانك، قال ابن بحر‏.‏

ويحتمل سادساً‏:‏ أي قدر عليك إنزاله في أوقاته لأن الفرض التقدير‏.‏

‏{‏لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ‏}‏ فيه خمسة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ إلى مكة، قاله مجاهد والضحاك وابن جبير، والسدي‏.‏

الثاني‏:‏ إلى بيت المقدس، قاله نعيم القاري‏.‏

الثالث‏:‏ إلى الموت، قاله ابن عباس وعكرمة‏.‏

الرابع‏:‏ إلى يوم القيامة، قاله الحسن‏.‏

الخامس‏:‏ إلى الجنة، قاله أبو سعيد الخدري‏.‏

وقيل‏:‏ إن هذه الآية نزلت في الجحفة حين عسف به الطريق إليها فليست مكية ولا مدنية‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏‏.‏‏.‏‏.‏ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلاَّ وَجْهُهُ‏}‏ فيه ستة تأويلات‏:‏

أحدها‏:‏ معناه إلا هو، قاله الضحاك‏.‏

الثاني‏:‏ إلا ما أريد به وجهه، قاله سفيان الثوري‏.‏

الثالث‏:‏ إلا ملكه، حكاه محمد بن إسماعيل البخاري‏.‏

الرابع‏:‏ إلا العلماء فإن علمهم باق، قاله مجاهد‏.‏

الخامس‏:‏ إلا جاهه كما يقال لفلان وجه في الناس أي جاه، قاله أبو عبيدة‏.‏

السادس‏:‏ الوجه العمل ومنه قولهم‏:‏ من صلى بالليل حسن وجه بالنهار أي عمله‏.‏ وقال الشاعر‏:‏

أستغفر الله ذنباً لست محصيه *** رب العباد إليه الوجه والعمل

‏{‏لَهُ الْحُكْمُ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ القضاء في خلقه بما يشاء من أمره، قاله الضحاك وابن شجرة‏.‏

الثاني‏:‏ أن ليس لعباده أن يحكموا إلا بأمره، قاله ابن عيسى‏.‏

‏{‏وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‏}‏ يوم القيامة فيثيب المحسن ويعاقب المسيء، والله أعلم‏.‏

سورة العنكبوت

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 4‏]‏

‏{‏الم ‏(‏1‏)‏ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ‏(‏2‏)‏ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ‏(‏3‏)‏ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ‏(‏4‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الم‏.‏ أَحِسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوآ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ هذا لفظ استفهام أريد به التقرير والتوبيخ وفيه خمسة أقاويل‏:‏

أحدها‏:‏ معناه أظن الذين قالوا لا إله إلا الله أن يتركوا فلا يختبروا أصدقوا أم كذبوا‏.‏ قاله الحسن‏.‏

الثاني‏:‏ أظن المؤمنون ألا يؤمروا ولا ينهوا، قاله ابن بحر‏.‏

الثالث‏:‏ أظن المؤمنون ألا يؤذوا ويقتلوا‏.‏ قاله الربيع بن أنس‏.‏ وقال قتادة‏:‏ نزلت في أناس من أهل مكة خرجوا للهجرة فعرض لهم المشركون فرجعوا فنزلت فيهم فلما سمعها خرجوا فقتل منهم من قتل وخلص من خلص فنزل فيهم ‏{‏وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا‏}‏ الآية‏.‏

الرابع‏:‏ أنها نزلت في عمار بن ياسر ومن كان يعذب في الله بمكة، قاله عبيد بن عمير‏.‏ قال الضحاك‏:‏ نزلت في عباس بن أبي ربيعة أسلم وكان أخا أبي جهل لأمه أخذه وعذبه على إسلامه حتى تلفظ بكلمة الشرك مكرهاً‏.‏

الخامس‏:‏ نزلت في قوم أسلموا قبل فرض الجهاد والزكاة فلما فرضا شق عليهم فنزل ذلك فيهم، حكاه ابن أبي حاتم‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏‏.‏‏.‏‏.‏ وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ‏}‏ وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يسألون، قاله مجاهد‏.‏

الثاني‏:‏ لا يختبرون في أموالهم وأنفسهم بالصبر على أوامر الله وعن نواهيه‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ بما افترضه عليهم‏.‏

الثاني‏:‏ بما ابتلاهم به‏.‏

‏{‏فََيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُواْ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ فليظهرن الله لرسوله صدق الصادق، قاله ابن شجرة‏.‏

الثاني‏:‏ فليميزن الله الذين صدقوا من الكاذبين، قاله النقاش وذكر أن هذه الآية نزلت في مهجع مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أول قتيل من المسلمين يوم بدر قتله عامر ابن الحضرمي، ويقال إنه أول من يدعى إلى الجنة من شهداء المسلمين وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ مهجع

»‏.‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ‏}‏ قال قتادة‏:‏ الشرك وزعم أنهم اليهود‏.‏

‏{‏أَن يَسْبِقُونَا‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن يسبقوا ما كتبنا عليهم في محتوم القضاء‏.‏

الثاني‏:‏ أن يعجزونا حتى لا نقدر عليهم، وهو معنى قول مجاهد‏.‏

ويحتمل ثالثاً‏:‏ أن يفوتونا حتى لا ندركهم‏.‏

‏{‏سَآءَ مَا يَحْكُُمُونَ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ ساء ما يظنون، قاله ابن شجرة‏.‏

الثاني‏:‏ ساء ما يقضون لأنفسهم على أعدائهم، قاله النقاش‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏5- 7‏]‏

‏{‏مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ‏(‏5‏)‏ وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ‏(‏6‏)‏ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ‏(‏7‏)‏‏}‏

قوله‏:‏ ‏{‏مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ اللَّهِ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ من كان يخشى لقاء الله، قاله ابن جبير والسدي‏.‏

الثاني‏:‏ من كان يؤمل‏.‏

وفي ‏{‏لِقَآءَ اللَّهِ‏}‏ وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ ثواب الله، قاله ابن جبير‏.‏

الثاني‏:‏ البعث إليه، قاله يحيى بن سلام‏.‏

‏{‏فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ‏}‏ يعني الجزاء في القيامة فاستعدوا له‏.‏

‏{‏وَهُوَ السَّمِيعُ‏}‏ لمقالتكم‏.‏

‏{‏الْعَلِيمُ‏}‏ بمعتقدكم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏8- 9‏]‏

‏{‏وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ‏(‏8‏)‏ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ معناه ألزمناه أن يفعل بهما برّاً، قاله السدي‏.‏

الثاني‏:‏ أن ما وصيناه به من برهما حسناً‏.‏

‏{‏وَإِن جَاهَدَاكَ‏}‏ أي ألزماك‏.‏

‏{‏لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‏}‏ وفيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ ما ليس لك به حجة لأن الحجة طريق العلم‏.‏

الثاني‏:‏ أن تجعل لي شريكاً لأنه ليس لأحد بذلك من علم‏.‏

‏{‏فَلاَ تُطِعْهُمَا‏}‏ فأمر بطاعة الوالدين في الواجبات حتماً وفي المباحات ندباً ونهى عن طاعتهما في المحظورات جزماً، وقد جاء في الأثر‏.‏ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق‏.‏

‏{‏إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ‏}‏ يعني في القيامة‏.‏

‏{‏فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏ يعني في الدنيا من خير يستحق به الثواب وشر يستوجب به عقاب‏.‏

واختلفواْ في سبب نزولها وإن عم حكمها على قولين‏:‏

أحدهما‏:‏ نزلت في سعد بن أبي وقاص وقد حلفت أمّه عليه وأقسمت ألا تأكل طعاماً حتى يرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ قاله مصعب وسعد وقتادة‏.‏

الثاني‏:‏ أنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏10- 13‏]‏

‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ ‏(‏10‏)‏ وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ‏(‏11‏)‏ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ‏(‏12‏)‏ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ‏(‏13‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاَ مَّعَ أَثْقَالِهِمْ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنهم أعوان الظلمة‏.‏

الثاني‏:‏ أنهم أصحاب البدع إذا أُتبِعوا عليها‏.‏

الثالث‏:‏ أنهم محدِثو السنن الجائرة إذا عمل بها من بعدهم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏14- 15‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ‏(‏14‏)‏ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ ‏(‏15‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ‏}‏ روى قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «أَوَّلُ نَبِيٍ أُرْسِلَ نُوْحٌ» قال قتادة‏:‏ وبعث من الجزيرة‏.‏

‏{‏فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً‏}‏ فيه أربعة أقاويل‏:‏

أحدها‏:‏ أن هذا مبلغ عمره كله‏.‏ قال قتادة‏:‏ لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلاثمائة سنة ودعاهم ثلاثمائة سنة ولبث بعد الطوفان ثلاثمائة سنة وخمسين سنة‏.‏

فإن قيل فلم قال ‏{‏أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً‏}‏ ولم يقل تسعمائة وخمسين عاماً فعنه جوابان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن المقصود به تكثير العدد فكان ذكر الألف أفخم في اللفظ وأكثر في العدد‏.‏

الثاني‏:‏ ما روي أنه أعطي من العمر ألف سنة فوهب من عمره خمسين سنة لبعض ولده فلما حضرته الوفاة راجع في استكمال الألف فذكر الله ذلك تنبيهاً على أن النقيصة كانت من جهته، فهذا قول‏.‏

والقول الثاني‏:‏ أنه بعث لأربعين سنة من عمره ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً وعاش بعد الطوفان ستين عاماً فكان مبلغ عمره ألف سنة وخمسين سنة، قاله ابن عباس‏.‏

الثالث‏:‏ أنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً وعاش بعد ذلك سبعين سنة فكان مبلغ عمره ألف سنة وعشرين سنة، قاله كعب الأحبار‏.‏

والقول الرابع‏:‏ أنه بعث وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة ولبث في قومه داعياً ألف سنة إلا خمسين عاماً وعاش بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين عاماً فكان مبلغ عمره ألف سنة وستمائة وخمسين سنة‏.‏ قاله عون بن أبي شداد‏.‏

‏{‏فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ‏}‏ فيه ثلاثة أقاويل‏:‏

أحدها‏:‏ أن الطوفان المطر، قاله ابن عباس وابن جبير وقتادة والسدي‏.‏

الثاني‏:‏ أن الطوفان الغرق، قاله الضحاك‏.‏

الثالث‏:‏ أنه الموت، روته عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنه قول الشاعر‏:‏

أفناهم طوفان موت جارفٍ *** وقيل إن الطوفان كلُّ عامّ من الأذى‏.‏ وحكى إسماعيل بن عبد الله أن الطوفان كان في نيسان‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏16- 23‏]‏

‏{‏وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ‏(‏16‏)‏ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ‏(‏17‏)‏ وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ‏(‏18‏)‏ أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ‏(‏19‏)‏ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏20‏)‏ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ‏(‏21‏)‏ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ‏(‏22‏)‏ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏23‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ‏}‏ فيه خمسة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ يعذب من يشاء بالانقطاع إلى الدنيا، ويرحم من يشاء بالإعراض عنها‏.‏

الثاني‏:‏ يعذب من يشاء بالحرص، ويرحم من يشاء بالقناعة‏.‏

الثالث‏:‏ يعذب من يشاء بسوء الخلق، ويرحم من يشاء بحسن الخلق‏.‏

الرابع‏:‏ يعذب من يشاء ببغض الناس له، ويرحم من يشاء بحبهم له‏.‏

الخامس‏:‏ يعذب من يشاء بمتابعة البدعة، ويرحم من يشاء بملازمة السنة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏24- 27‏]‏

‏{‏فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ‏(‏24‏)‏ وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ‏(‏25‏)‏ فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏26‏)‏ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ‏(‏27‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَئَامَنَ لَهُ لُوطٌ‏}‏ قال ابن إسحاق‏:‏ آمن لوط بإبراهيم وكان ابن أخيه وآمنت به سارة وكانت بنت عمه‏.‏

‏{‏وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي‏}‏ يعني مهاجر عن الظالمين‏.‏

وفيما هاجر إليه قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه هاجر إلى حرّان، قاله كعب الأحبار‏.‏

الثاني‏:‏ أنه هاجر من كوثي وهو من سواد الكوفة إلى أرض الشام، قاله قتادة‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَءَاتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا‏}‏ فيه ستة أقاويل‏:‏

أحدها‏:‏ الذكر الحسن، قاله ابن عباس‏.‏

الثاني‏:‏ رضا أهل الأديان، قاله قتادة‏.‏

الثالث‏:‏ النية الصالحة التي اكتسب بها الأجر في الآخرة، قاله الحسن‏.‏

الرابع‏:‏ لسان صدق، قاله عكرمة‏.‏

الخامس‏:‏ ما أوتي في الدنيا من الأجر، رواه ابن برزة‏.‏

السادس‏:‏ الولد الصالح، حكاه ابن عيسى وقاله الكلبي حتى أن أكثر الأنبياء من ولده‏.‏

ويحتمل سابعاً‏:‏ أنه بقاء الصلاة عند قبره وليس ذلك لغيره من الأنبياء‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏28- 30‏]‏

‏{‏وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ‏(‏28‏)‏ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ‏(‏29‏)‏ قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ ‏(‏30‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ‏}‏ أي تنكحون الرجال‏.‏

‏{‏وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ‏}‏ فيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ أنه قطع الطريق على المسافر، قاله ابن زيد‏.‏

الثاني‏:‏ أنهم بإتيان الفاحشة من الرجال قطعوا الناس عن الأسفار حذراً من فعلهم الخبيث، حكاه ابن شجرة‏.‏

الثالث‏:‏ أنه قطع النسل للعدول عن النساء إلى الرجال، قال وهب‏:‏ استغنواْ عن النساء بالرجال‏.‏

‏{‏وَتَأْتُونَ فِي نَادِيِكُمُ الْمُنكَرَ‏}‏ أي في مجالسكم المنكر فيه أربعة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ هو أنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم، قالته عائشة رضي الله عنها‏.‏

الثاني‏:‏ أنهم كانوا يخذفون من يمر بهم ويسخرون منه روته أم هانئ عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

الثالث‏:‏ أنهم كانوا يجامعون الرجال في مجالسهم، رواه منصور عن مجاهد‏.‏

الرابع‏:‏ هو الصفير ولعب الحمام والجلاهق والسحاق وحل أزرار القيان في المجلس، رواه الحاكم عن مجاهد‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏31- 43‏]‏

‏{‏وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ ‏(‏31‏)‏ قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ‏(‏32‏)‏ وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ‏(‏33‏)‏ إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ‏(‏34‏)‏ وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ‏(‏35‏)‏ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآَخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ‏(‏36‏)‏ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ‏(‏37‏)‏ وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ‏(‏38‏)‏ وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ ‏(‏39‏)‏ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ‏(‏40‏)‏ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ‏(‏41‏)‏ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏42‏)‏ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ‏(‏43‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَآءَ‏}‏ يعني آلهة من الأصنام والأوثان عبدوها‏.‏

‏{‏كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً‏}‏ يعني أنهم عبدوا ما لا يغني عنهم شيئاً كبيت العنكبوت الذي لا يدفع شيئاً وهو من أبلغ الأمثال فيهم‏.‏

‏{‏وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ‏}‏ لأنه يستر الإبصار ولا يدفع الأيدي، وقد حكي عن يزيد بن ميسرة أن العنكبوت شيطان مسخها الله‏.‏

وقال عطاء‏:‏ نسجت العنكبوت مرتين مرة على داود، ومرة على النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وجمع العنكبوت عناكب وتصغيره عنيكب‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏44- 45‏]‏

‏{‏خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ‏(‏44‏)‏ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ‏(‏45‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏اتْلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏ يعني القرآن وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتلو ما أنزل منه على أمته‏.‏

‏{‏وَأَقِمِ الصَّلاَةَ‏}‏ فيه ثلاثة تأويلات‏:‏

أحدها‏:‏ أنه القرآن، قاله ابن عمر‏.‏

الثاني‏:‏ أنه الصلاة المفروضة‏.‏ قاله ابن عباس‏.‏

الثالث‏:‏ أن الصلاة هنا هي الدعاء ومعناه قم بالدعاء إلى أمر الله، قاله ابن بحر‏.‏

‏{‏إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ‏}‏ الفحشاء الزنى والمنكر الشرك، قاله ابن عباس‏.‏

ثم فيه ثلاثة أقاويل‏:‏

أحدها‏:‏ أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ما دام فيها، قاله الكلبي وابن زيد وحماد بن أبي سليمان‏.‏

الثاني‏:‏ تنهى عن الفحشاء والمنكر قبلها وبعدها روى طاووس عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «مَن لَّمْ تَنْهَهُ صَلاَتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمنكَرِ لَمْ يَزْدَدْ بِهَا مِنَ اللَّهِ إِلاَّ بُعْداً

» الثالث‏:‏ إن ما تدعوهم إليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قاله ابن زيد‏.‏

‏{‏وَلَذِكرُ اللَّهِ أَكْبَرُ‏}‏ فيه سبعة تأويلات‏:‏

أحدها‏:‏ ولذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه، قاله ابن عباس‏.‏

الثاني‏:‏ ولذكر الله أفضل من كل شيء، قاله سلمان‏.‏

الثالث‏:‏ ولذكر الله في الصلاة التي أنت فيها أكبر مما نهتك عنه الصلاة من الفحشاء والمنكر، قاله عبد الله بن عون‏.‏

الرابع‏:‏ ولذكر الله العبد في الصلاة أكبر من الصلاة، قاله أبو مالك‏.‏

الخامس‏:‏ ولذكر الله أكبر من أن تحويه أفهامكم وعقولكم‏.‏

السادس‏:‏ أكبر من قيامكم بطاعته‏.‏

السابع‏:‏ أكبر من أن يبقي على صاحبه عقاب الفحشاء والمنكر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

‏{‏وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ‏(‏46‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُجَادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلأَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏}‏ فيه ثلاثة تأويلات‏:‏

أحدها‏:‏ أن ‏{‏الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏}‏ قول لا إله إلا الله، قاله ابن عباس‏.‏

الثاني‏:‏ الكف عنهم عند بذل الجزية منهم وقتالهم إن أبوا، قاله مجاهد‏.‏

الثالث‏:‏ أنهم إن قالوا شراً فقولوا لهم خيراً، رواه ابن أبي نجيح‏.‏

ويحتمل تأويلاً رابعاً‏:‏ وهو أن يحتج لشريعة الإٍسلام ولا يذم ما تقدمها من الشرائع‏.‏

‏{‏إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمُ‏}‏ فيه أربعة أقاويل‏:‏

أحدها‏:‏ أنهم أهل الحرب، قاله مجاهد‏.‏

الثاني‏:‏ من منع الجزية منهم، رواه خصيف‏.‏

الثالث‏:‏ ظلموا بالإقامة على كفرهم بعد قيام الحجة عليهم، قاله ابن زيد‏.‏

الرابع‏:‏ ظلموا في جدالهم فأغلظوا لهم، قاله ابن عيسى‏.‏

واختلف في نسخ ذلك على قولين‏:‏

أحدهما‏:‏ أنها منسوخة؛ قاله قتادة‏.‏

الثاني‏:‏ أنها ثابتة‏.‏

‏{‏وَقُولُواْ ءَآمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلِيْكُمْ‏}‏ الآية، فروى سلمة عن أبي هريرة قال‏:‏ كان أهل الكتاب يقرأُون التوراة بالعبرانية فيفسرونها بالعربية لأهل الإٍسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لاَ تُصَدِّقُواْ أَهْلَ الكِتابِ وَلاَ تُكَذِّبُوهُم ‏{‏وَقُولُواْ ءَامَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ‏}‏ إلى قوله ‏{‏مُسْلِمُونَ‏}‏» أي مخلصون وفيه قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه يقوله لأهل الكتاب، قاله مجاهد‏.‏

الثاني‏:‏ يقوله لمن آمن، قاله السدي‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏47- 49‏]‏

‏{‏وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ ‏(‏47‏)‏ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ‏(‏48‏)‏ بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ‏(‏49‏)‏‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ‏}‏ فيه قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ معناه ‏{‏وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن‏}‏ قبل القرآن كتاباً من كتب الله المنزلة ولا تخطه أي تكتبه بيمينك فتعلم ما أنزل الله فيه حتى يشكوا في إخبارك عنه إنه من وحي الله سبحانه إليك وهو معنى قول يحيى بن سلام‏.‏

الثاني‏:‏ أنه كان أهل الكتاب يجدونه في كتبهم أن محمداً لا يخط بيمينه ولا يقرأ كتاباً فنزل ذلك فيهم ليدلهم على صحة نبوته، وهو معنى قول مجاهد‏.‏

‏{‏إِذَاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ‏}‏ فيهم ثلاثة أقاويل‏:‏

أحدها‏:‏ أنهم مشركو قريش، قاله مجاهد‏.‏

الثاني‏:‏ مشركو العرب أن يقولوا لو كان يقرأ قد تعلمه من غيره، قاله قتادة‏.‏

الثالث‏:‏ أنهم المكذبون من اليهود، قاله السدي‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏بَلْ هُوَ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ‏}‏ فيه قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه النبي صلى الله عليه وسلم في كونه أمياً لا يكتب ولا يقرأ ‏{‏ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ‏}‏ من أهل الكتاب لأنه منعوت في كتبهم بهذه الصفة، قاله الضحاك‏.‏

الثاني‏:‏ أنه القرآن ‏{‏ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ‏}‏ وهم النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون به، قاله الحسن‏.‏

قال الحسن‏:‏ أعطيت هذه الأمة الحفظ وكان من قبلها لا يقرأُون كتابهم إلا نظراً فإذا طبقوه لم يحفظوا ما فيه إلا النبيين‏.‏

وقال كعب في صفة هذه الأمة‏:‏ إنهم حلماء علماء كأنهم في الفقه أنبياء‏.‏

‏{‏وَمَا يَجْحَدُ بِئَايَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ المشركون‏.‏