فصل: تفسير الآيات رقم (7- 8)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الماوردي المسمى بـ «النكت والعيون» ***


تفسير الآيات رقم ‏[‏7- 8‏]‏

‏{‏إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ‏(‏7‏)‏ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ‏(‏8‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏وإذا مس الإنسان ضُرٌّ دعا ربَّهُ منيباً إليه‏}‏ فيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ مخلصاً إليه، قاله الضحاك‏.‏

الثاني‏:‏ مستغيثاً به، قاله السدي‏.‏

الثالث‏:‏ مقبلاً عليه، قاله الكلبي وقطرب‏.‏

‏{‏ثم إذا خوّله منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ إذا أصابته نعمة ترك الدعاء، قاله الكلبي‏.‏

الثاني‏:‏ إذا أصابته نعمة ترك الدعاء، قاله الكلبي‏.‏

الثاني‏:‏ إذا أصابته عافية نَسي الضر‏.‏ والتخويل العطية العظيمة من هبة أو منحة، قال أبو النجم‏:‏

أعطى فلم يبخل ولم يبخلِ *** كوم الذّرى من خول المخوِّلِ

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ‏(‏9‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏أمَّن هو قانتٌ‏}‏ في الألف التي في ‏{‏أمّن‏}‏ وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنها ألف استفهام‏.‏

الثاني‏:‏ ألف نداء‏.‏

وفي قانت أربعة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ أنه المطيع، قاله ابن مسعود‏.‏

الثاني‏:‏ أنه الخاشع في صلاته، قاله ابن شهاب‏.‏

الثالث‏:‏ القائم في صلاته، قاله يحيى بن سلام‏.‏

الرابع‏:‏ أنه الداعي لربه‏.‏

‏{‏آناء الليل‏}‏ فيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ طرف الليل، قاله ابن عباس‏.‏

الثاني‏:‏ ساعات الليل، قاله الحسن‏.‏

الثالث‏:‏ ما بين المغرب والعشاء، قاله منصور‏.‏

‏{‏ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه‏}‏ قال السدي‏:‏ يحذر عذاب الآخرة ويرجوا نعيم الجنة‏.‏

وفيمن أريد به هذا الكلام خمسة أقاويل‏:‏

أحدها‏:‏ أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حكاه يحيى بن سلام‏.‏

الثاني‏:‏ أبو بكر، قاله ابن عباس في رواية الضحاك عنه‏.‏

الثالث‏:‏ عثمان بن عفان، قاله ابن عمر‏.‏

الرابع‏:‏ عمار بن ياسر وصهيب وأبو ذر وابن مسعود، قاله الكلبي‏.‏

الخامس‏:‏ أنه مرسل فيمن كان على هذه الحال قانتاً آناء الليل‏.‏

فمن زعم أن الألف الأولى استفهام أضمر في الكلام جواباً محذوفاً تقديره‏:‏ أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً كمن جعل لله أنداداً‏؟‏ قاله يحيى‏.‏ وقال ابن عيسى‏:‏ المحذوف من الجواب‏:‏ كمن ليس كذلك‏.‏

ومن زعم أن الألف للنداء لم يضمر جواباً محذوفاً، وجعل تقدير الكلام‏:‏ أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه‏.‏

‏{‏قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون‏}‏ فيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ هل يستوي الذين يعلمون هذا فيعملون به والذين لا يعلمون هذا فلا يعملون به، قاله قتادة‏.‏

الثاني‏:‏ أن الذين يعلمون هم المؤمنون يعلمون أنهم لاقو ربهم، والذين لا يعلمون هم المشركون الذين جعلوا لله أنداداً قاله يحيى‏.‏

الثالث‏:‏ ما قاله أبو جعفر محمد بن علي قال‏:‏ الذين يعلمون نحن، والذين لا يعلمون عدونا‏.‏

ويحتمل رابعاً‏:‏ أن الذين يعلمون هم الموقنون، والذين لا يعلمون هم المرتابون‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏10- 12‏]‏

‏{‏قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ‏(‏10‏)‏ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ‏(‏11‏)‏ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ‏(‏12‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنةٌ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ معناه، للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة في الآخرة، وهي الجنة‏.‏

الثاني‏:‏ للذين أحسنوا في الدنيا حسنة في الدنيا فيكون ذلك زائداً على ثواب الآخرة‏.‏

وفيما أريد بالحسنة التي لهم في الدنيا أربعة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ العافية والصحة، قاله السدي‏.‏

الثاني‏:‏ ما رزقهم الله من خير الدنيا، قاله يحيى بن سلام‏.‏

الثالث‏:‏ ما أعطاهم من طاعته في الدنيا وجنته في الآخرة، قاله الحسن‏.‏

الرابع‏:‏ الظفر والغنائم، حكاه النقاش‏.‏

ويحتمل خامساً‏:‏ إن الحسنة في الدنيا الثناء وفي الآخرة الجزاء‏.‏

‏{‏وأرض الله واسعة‏}‏ فيها قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ أرض الجنة رغبهم في سعتها، حكاه ابن عيسى‏.‏

الثاني‏:‏ هي أرض الهجرة، قاله عطاء‏.‏

ويحتمل ثالثاً‏:‏ أن يريد بسعة الأرض سعة الرزق لأنه يرزقهم من الأرض فيكون معناه‏.‏ ورزق الله واسع، وهو أشبه لأنه أخرج سعتها مخرج الامتنان بها‏.‏

‏{‏إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب‏}‏ فيه أربعة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ يعني بغير مَنٍّ عليهم ولا متابعة، قاله السدي‏.‏

الثاني‏:‏ لا يحسب لهم ثواب عملهم فقط ولكن يزدادون على ذلك، قاله ابن جريج‏.‏

الثالث‏:‏ لا يعطونه مقدراً لكن جزافاً‏.‏

الرابع‏:‏ واسعاً بغير تضييق قال الراجز‏:‏

يا هند سقاك بلا حسابه *** سقيا مليك حسن الربابة

وحكي عن علي كرم الله وجهه قال‏:‏ كل أجر يكال كيلاً ويوزن وزناً إلا أجر الصابرين فإنه يحثى حثواً‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏13- 16‏]‏

‏{‏قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ‏(‏13‏)‏ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي ‏(‏14‏)‏ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ‏(‏15‏)‏ لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ‏(‏16‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏قل إن الخاسرين الَّذِينَ خَسِروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة‏}‏ فيه ثلاثة تأويلات‏:‏

أحدها‏:‏ خسروا أنفسهم بإهلاكها في النار، وخسروا أهليهم بأن لا يجدوا في النار أهلاً، وقد كان لهم في الدنيا أهل، قاله مجاهد وابن زيد‏.‏

الثاني‏:‏ خسروا أنفسهم بما حرموها من الجنة وأهليهم من الحور العين الذين أعدوا ‏[‏لهم‏]‏ في الجنة، قاله الحسن وقتادة‏.‏

الثالث‏:‏ خسروا أنفسهم وأهليهم بأن صاروا هم بالكفر إلى النار، وصار أهلوهم بالإيمان إلى الجنة وهو محتمل‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏17- 20‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ ‏(‏17‏)‏ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ‏(‏18‏)‏ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ‏(‏19‏)‏ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ ‏(‏20‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها‏}‏ فيه قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن الطاغوت الشيطان، قاله مجاهد وابن زيد‏.‏

الثاني‏:‏ الأوثان، قاله الضحاك والسدي‏.‏

وفيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه اسم أعجمي مثل هاروت وماروت‏.‏

الثاني‏:‏ عربي مشتق من الطغيان‏.‏

‏{‏وأنابوا إلى الله‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أقبلوا الى الله، قاله قتادة‏.‏

الثاني‏:‏ استقاموا إلى الله، قاله الضحاك‏.‏

ويحتمل ثالثاً‏:‏ وأنابوا الى الله من ذنوبهم‏.‏

‏{‏لهم البشرى‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنها الجنة، قاله مقاتل ويحيى بن سلام‏.‏

الثاني‏:‏ بشرى الملائكة للمؤمنين، قاله الكلبي‏.‏

ويحتمل ثالثاً‏:‏ أنها البشرى عند المعاينة بما يشاهده من ثواب عمله‏.‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏فبشر عبادِ الذين يستمعون القول‏}‏ فيه قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن القول كتاب الله، قاله مقاتل ويحيى بن سلام‏.‏

الثاني‏:‏ أنهم لم يأتهم كتاب من الله ولكن يستمعون أقاويل الأمم، قاله ابن زيد‏.‏

‏{‏فيتبعون أحسنَه‏}‏ فيه خمسة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ طاعة الله، قاله قتادة‏.‏

الثاني‏:‏ لا إله إلا الله، قاله ابن زيد‏.‏

الثالث‏:‏ أحسن ما أمروا به، قاله السدي‏.‏

الرابع‏:‏ أنهم إذا سمعوا قول المسلمين وقول المشركين اتبعوا أحسنه وهو الإسلام، حكاه النقاش‏.‏

الخامس‏:‏ هو الرجل يسمع الحديث من الرجل فيحدث بأحسن ما يسمع منه، ويمسك عن أسوإه فلا يتحدث به، قاله ابن عباس‏.‏

ويحتمل سادساً‏:‏ أنهم يستمعون عزماً وترخيصاً فيأخذون بالعزم دون الرخص‏.‏

‏{‏أولئك الذين هداهم الله‏}‏ الآية‏.‏ قال عبد الرحمن بن زيد‏:‏ نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها في جاهليتهم، واتبعوا أحسن ما صار من العقول إليهم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏21- 22‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ‏(‏21‏)‏ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ‏(‏22‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏أفمن شرح الله صدره للإسلام‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ وسع صدره للإسلام حتى يثبت فيه، قاله ابن عباس والسدي‏.‏

الثاني‏:‏ وسع صدره بالإسلام بالفرح به والطمأنينة إليه، فعلى هذا لا يجوز أن يكون الشرح قبل الإسلام، وعلى الوجه الأول يجوز أن يكون الشرح قبل الإسلام‏.‏

‏{‏فهو على نور من ربه‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ على هدى من ربه، قاله السدي‏.‏

الثاني‏:‏ أنه كتاب الله الذي به يأخذ وإليه ينتهي، قاله قتادة‏.‏

وروى عمرو بن مرّة عن عبد الله بن سدر قال‏:‏ تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، فقالوا‏:‏ يا رسول الله ما هذا الشرح‏؟‏ فقال‏:‏ «نور يقذف به في القلب» قالوا‏:‏ يا رسول الله هل لذلك من أمارة‏؟‏ قال‏:‏ «نعم» قالوا‏:‏ ما هي‏؟‏ قال‏:‏ «الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت‏.‏

» وفي من نزلت فيه هذه الآية ثلاثة أقاويل‏:‏

أحدها‏:‏ في رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله الكلبي‏.‏

الثاني‏:‏ في عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حكاه النقاش‏.‏

الثالث‏:‏ في عمار بن ياسر، قاله مقاتل‏.‏

‏{‏فويل للقاسية قلوبُهم من ذِكر الله‏}‏ قيل أنه عنى أبا جهل وأتباعهُ من كفار قريش، وفي الكلام مضمر محذوف تقديره، فهو على نور من ربه كمن طبع الله على قلبه فويل للقاسية قلوبهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏23‏]‏

‏{‏اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ‏(‏23‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏الله نزّل أحسن الحديث‏}‏ يعني القرآن، ويحتمل تسميته حديثاً وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ لأنه كلام الله، والكلام يسمى حديثاً كما سمي كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً‏.‏

الثاني‏:‏ لأنه حديث التنزيل بعدما تقدمه من الكتب المنزلة على من تقدم من الأنبياء‏.‏

ويحتمل وصفه بأحسن الحديث وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ لفصاحته وإعجازه‏.‏

الثاني‏:‏ لأنه أكمل الكتب وأكثرها إحكاماً‏.‏

‏{‏كِتاباً متشابها‏}‏ فيه قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ يشبه بعضه بعضاً من الآي والحروف، قاله قتادة‏.‏

الثاني‏:‏ يشبه بعضه بعضاً في نوره وصدقه وعدله، قاله يحيى بن سلام‏.‏

ويحتمل ثالثاً‏:‏ يشبه كتب الله المنزلة على أنبيائه لما يتضمنه من أمر ونهي وترغيب وترهيب، وإن كان أعم وأعجز‏.‏ ثم وصفه فقال‏:‏

‏{‏مثاني‏}‏ وفيه سبعة تأويلات‏:‏

أحدها‏:‏ ثنى الله فيه القضاء، قاله الحسن وعكرمة‏.‏

الثاني‏:‏ ثنى الله فيه قصص الأنبياء، قاله ابن زيد‏.‏

الثالث‏:‏ ثنى الله فيه ذكر الجنة والنار، قاله سفيان‏.‏

الرابع‏:‏ لأن الآية تثنى بعد الآية، والسورة بعد السورة، قاله الكلبي‏.‏

الخامس‏:‏ يثنى في التلاوة فلا يمل لحسن مسموعه، قاله ابن عيسى‏.‏

السادس‏:‏ معناه يفسر بعضه بعضاً، قاله ابن عباس‏.‏

السابع‏:‏ أن المثاني اسم لأواخر الآي، فالقرآن اسم لجميعه، والسورة اسم لكل قطعة منه، والآية اسم لكل فصل من السورة، والمثاني اسم لآخر كل آية منه، قاله ابن بحر‏.‏

‏{‏تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله‏}‏ فيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ أنها تقشعر من وعيده وتلين من وعده، قال السدي‏.‏

الثاني‏:‏ أنها تقشعر من الخوف وتلين من الرجاء، قاله ابن عيسى‏.‏

الثالث‏:‏ تقشعر الجلود لإعظامه، وتلين عند تلاوته‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏24- 26‏]‏

‏{‏أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ‏(‏24‏)‏ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ‏(‏25‏)‏ فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ‏(‏26‏)‏‏}‏

‏{‏أفمن يتقي بوجهه سوءَ العذَاب يومَ القيامة‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن الكافر يسحب على وجهه إلى النار يوم القيامة‏.‏

الثاني‏:‏ لأن النار تبدأ بوجهه إذا دخلها‏.‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ من مأمنهم، قاله السدي‏.‏

الثاني‏:‏ فجأة، قاله يحيى‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏27- 31‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ‏(‏27‏)‏ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ‏(‏28‏)‏ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏29‏)‏ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ‏(‏30‏)‏ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ‏(‏31‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏قرآناً عربياً غير ذي عوج‏}‏ فيه ثلاثة تأويلات‏:‏

أحدها‏:‏ غير ذي لبس، قاله مجاهد‏.‏

الثاني‏:‏ غير مختلف، قاله الضحاك‏.‏

الثالث‏:‏ غير ذي شك، قاله السدي‏.‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏ضرب الله مثلاً رجلاً‏}‏ يعني الكافر‏.‏

‏{‏فيه شركاء‏}‏ أي يعبد أوثاناً شتى‏.‏

‏{‏متشاكسون‏}‏ فيه أربعة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ متنازعون، قاله قتادة‏.‏

الثاني‏:‏ مختلفون، قاله ابن زياد‏.‏

الثالث‏:‏ متعاسرون‏.‏

الرابع‏:‏ متظالمون مأخوذ من قولهم‏:‏ شكسني مالي أي ظلمني‏.‏

‏{‏ورَجُلاً سَلَماً لرجُلٍ‏}‏ يعني المؤمن سلماً لرجل أي مخلصاً لرجل، يعني أنه بإيمانه يعبد إلهاً واحداً‏.‏

‏{‏هل يستويان مثلاً‏}‏ أي هل يستوي حال العابد لله وحده وحال من يعبد آلهة غيره‏؟‏ فضرب لهما مثلاً بالعبدين اللذين يكون أحدهما لشركاء متشاكسين، لا يقدر أن يوفي كل واحد منهم حق خدمته، ويكون الآخر لسيد واحد يقدر أن يوفيه حق خدمته‏.‏

‏{‏الحمد لله‏}‏ يحتمل وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ على احتجاجه بالمثل الذي خَصم به المشركين‏.‏

الثاني‏:‏ على هدايته التي أعان بها المؤمنين‏.‏

‏{‏بل أكثرهم لا يعلمون‏}‏ يحتمل وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يعلمون المثل المضروب‏.‏

الثاني‏:‏ لا يعلمون بأن الله هو الإله المعبود‏.‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏إنك ميت وإنهم ميتون‏}‏ هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بموته وموتهم، فاحتمل خسمة أوجه‏:‏ أحدها‏:‏ أن يذكر ذلك تحذيراً من الآخرة‏.‏

الثاني‏:‏ أن يذكره حثاً على العمل‏.‏

الثالث‏:‏ أن يذكره توطئة للموت‏.‏

الرابع‏:‏ لئلا يختلفوا في موته كما اختلفت الأمم في غيره حتى إن عمر لما أنكر موته احتج أبو بكر بهذه الآية فأمسك‏.‏

الخامس‏:‏ ليعلمه أن الله تعالى قد سوى فيه بين خلقه مع تفاضلهم في غيره لتكثر فيه السلوى وتقل الحسرة‏.‏ ومعنى إنك ميت أي ستموت، يقال ميت بالتشديد للذي سيموت، وميت بالتخفيف لمن قد مات‏.‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون‏}‏ فيه أربعة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ في الدماء، قاله عكرمة‏.‏

الثاني‏:‏ في المداينة، قاله الربيع بن أنس‏.‏

الثالث‏:‏ في الإيمان والكفر، قاله ابن زيد، فمخاصمة المؤمنين تقريع، ومخاصمة الكافرين ندم‏.‏

الرابع‏:‏ ما قاله ابن عباس يخاصم الصادق الكاذب، والمظلوم الظالم، والمهتدي الضال، والضعيف المستكبر‏.‏ قال إبراهيم النخعي‏:‏ لما نزلت هذه الآية جعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون ما خصومتنا بيننا‏.‏

ويحتمل خامساً‏:‏ أن تخاصمهم هو تحاكمهم إلى الله تعالى فيما تغالبوا عليه في الدنيا من حقوقهم خاصة دون حقوق الله ليستوفيها من حسنات من وجبت عليه في حسنات من وجبت له‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏32- 35‏]‏

‏{‏فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ ‏(‏32‏)‏ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ‏(‏33‏)‏ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ‏(‏34‏)‏ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ‏(‏35‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏والذي جاء بالصدق‏}‏ الآية‏.‏ وفي الذي جاء بالصدق أربعة أقاويل‏:‏

أحدها‏:‏ أنه جبريل، قاله السدي‏.‏

الثاني‏:‏ محمد صلى الله عليه وسلم، قاله قتادة ومجاهد‏.‏

الثالث‏:‏ أنهم المؤمنون جاءوا بالصدق يوم القيامة، حكاه النقاش‏.‏

الرابع‏:‏ أنهم الأنبياء، قاله الربيع وكان يقرأ‏:‏ والذين جاءوا بالصدق وصدقوا به‏.‏

وفي ‏(‏الصدق‏)‏ قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه لا إله إلا الله، قاله ابن عباس‏.‏

الثاني‏:‏ القرآن، قاله مجاهد وقتادة‏.‏

ويحتمل ثالثاً‏:‏ أنه البعث والجزاء‏.‏

وفي الذي صدق به خمسة أقاويل‏:‏

أحدها‏:‏ أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس‏.‏

الثاني‏:‏ المؤمنون من هذه الأمة، قاله الضحاك‏.‏

الثالث‏:‏ أتباع الأنبياء كلهم، قاله الربيع‏.‏

الرابع‏:‏ أنه أبو بكر، رضي الله عنه حكاه الطبري عن علي رضي الله عنه، وذكره النقاش عن عون بن عبد الله‏.‏

الخامس‏:‏ أنه علي كرم الله وجهه، حكاه ليث عن مجاهد‏.‏

ويحتمل سادساً‏:‏ أنهم المؤمنون قبل فرض الجهاد من غير رغبة في غنم ولا رهبة من سيف‏.‏

‏{‏أولئك هم المتقون‏}‏ إنما جاز الجمع في ‏{‏هم المتقون‏}‏ و‏{‏الذي‏}‏ واحد في مخرج لفظه وجمع في معناه على طريق الجنس كقوله تعالى ‏{‏إن الإنسان لفي خسر‏}‏ قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عَمِلوا‏}‏ قبل الإيمان والتوبة، ووجه آخر‏:‏ أسوأ الذي عملوا من الصغائر لأنهم يتقون الكبائر‏.‏

‏{‏ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون‏}‏ أي يجزيهم بأجر أحسن الأعمال وهي الجنة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏36- 40‏]‏

‏{‏أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ‏(‏36‏)‏ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ ‏(‏37‏)‏ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ‏(‏38‏)‏ قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ‏(‏39‏)‏ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ ‏(‏40‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏أليس الله بكافٍ عبده‏}‏ في قراءة بعضهم، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم يكفيه الله المشركين، وقرأ الباقون ‏{‏عباده‏}‏ وهم الأنبياء‏.‏

‏{‏ويخوفونك بالذين من دونه‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنهم كانوا يخوفونه بأوثانهم يقولون تفعل بك وتفعل، قاله الكلبي، والسدي‏.‏

الثاني‏:‏ يخوفونه من أنفسهم بالوعيد والتهديد‏.‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏قل يا قوم اعملوا على مكانتكم‏}‏ فيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ على ناحيتكم، قاله الضحاك ومجاهد‏.‏

الثاني‏:‏ على تمكنكم، قاله ابن عيسى‏.‏

الثالث‏:‏ على شرككم، قاله يحيى‏.‏

‏{‏إني عامل‏}‏ على ما أنا عليه من الهدى‏.‏

‏{‏فسوف تعلمون‏}‏ وهذا وعيد‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏41- 42‏]‏

‏{‏إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ‏(‏41‏)‏ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ‏(‏42‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها‏}‏ فيه ثلاثة أقاويل‏:‏

أحدها‏:‏ أن الله عند توفي الأنفس يقبض أرواحها من أجسادها والتي لم تمت وهي في منامها يقبضها عن التصرف مع بقاء أرواحها في أجسادها‏.‏

‏{‏فيمسك التي قضى عليها الموت‏}‏ أنى تعود الأرواح إلى أجسادها‏.‏

‏{‏ويرسلُ الأخرى‏}‏ وهي النائمة فيطلقها باليقظة للتصرف إلى أجل موتها، قاله ابن عيسى‏.‏

الثاني‏:‏ ما حكاه ابن جريج عن ابن عباس أن لكل جسد نفساً وروحاً فيتوفى الله الأنفس في منامها بقبض أنفسها دون أرواحها حتى تتقلب بها وتتنفس، فيمسك التي قضى عليها الموت أن تعود النفس إلى جسدها ويقبض الموت روحها، ويرسل الأخرى وهي نفس النائم إلى جسدها حتىتجتمع مع روحها إلى أجل موتها‏.‏

الثالث‏:‏ قاله سعيد بن جبير إن الله تعالى يقبض أرواح الموتى إذا ماتوا وأرواح الأحياء إذا ناموا فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف فيمسك التي قضى عليها الموت فلا يعيدها ويرسل الأخرى فيعيدها‏.‏ قال علي رضي الله عنه‏:‏ فما رأته نفس النائم وهي في السماء قبل إرسالها إلى جسدها فهي الرؤيا الصادقة، وما رأته بعد إرسالها وقبل استقرارها في جسدها تلقيها الشياطين وتخيل إليها الأباطيل فهي الرؤيا الكاذبة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏43- 45‏]‏

‏{‏أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ ‏(‏43‏)‏ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ‏(‏44‏)‏ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ‏(‏45‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوبُ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ فيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ انقبضت، قاله المبرد‏.‏

الثاني‏:‏ نفرت‏.‏

الثالث‏:‏ استكبرت‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏46- 48‏]‏

‏{‏قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ‏(‏46‏)‏ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ‏(‏47‏)‏ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ‏(‏48‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏قل اللهم فاطر السموات والأرض‏}‏ أي خالقهما‏.‏

‏{‏عالمَ الغيب والشهادة‏}‏ يحتمل وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ السر والعلانية‏.‏

الثاني‏:‏ الدنيا والآخرة‏.‏

‏{‏أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون‏}‏ من الهدى والضلالة‏.‏

ويحتمل ثانياً‏:‏ من التحاكم إليه في الحقوق والمظالم‏.‏

قال ابن جبير، اني لأعرف موضع آية ما قرأها أحدٌ فسأل الله شيئاً إلا أعطاه، قوله ‏{‏قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون‏}‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏49- 52‏]‏

‏{‏فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏49‏)‏ قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ‏(‏50‏)‏ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ ‏(‏51‏)‏ أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ‏(‏52‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏فإذا مسّ الإنسان ضرٌّ دعانا‏}‏ قيل إنها نزلت في أبي حذيفة‏.‏ ابن المعيرة‏.‏

‏{‏ثم إذا خوّلناه نعمة منا قال إنما أوتيتُه على عِلمٍ‏}‏ فيه خسمة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ على علم برضاه عني، قاله ابن عيسى‏.‏

الثاني‏:‏ بعلمي، قاله مجاهد‏.‏

الثالث‏:‏ بعلم علمني الله إياه، قاله الحسن‏.‏

الرابع‏:‏ علمت أني سوف أصيبه‏:‏ حكاه النقاش‏.‏

الخامس‏:‏ على خبر عندي، قاله قتادة‏.‏

‏{‏بل هي فتنة‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ النعمة لأنه يمتحن بها‏.‏

الثاني‏:‏ المقالة التي اعتقدها لأنه يعاقب عليها‏.‏

‏{‏ولكن أكثرهم لا يعلمون‏}‏ البلوى من النعمى‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏53- 59‏]‏

‏{‏قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ‏(‏53‏)‏ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ‏(‏54‏)‏ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ‏(‏55‏)‏ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ‏(‏56‏)‏ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ‏(‏57‏)‏ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ‏(‏58‏)‏ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ‏(‏59‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏قُلْ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم‏}‏ أي أسرفوا على أنفسهم في الشرك‏.‏

ويحتمل ثانياً‏:‏ أسرفوا على أنفسهم في ارتكاب الذنوب مع ثبوت الإيمان والتزامه ‏{‏لا تقنطوا من رحمة الله‏}‏ أي لا تيأسوا من رحمته‏.‏

‏{‏إن الله يغفر الذنوب جميعاً‏}‏ فيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ يغفرها بالتوبة منها، قاله الحسن‏.‏

الثاني‏:‏ يغفرها بالعفو عنها إلا الشرك‏.‏

الثالث‏:‏ يغفر الصغائر باجتناب الكبائر‏.‏

‏{‏إنه هو الغفور الرحيم‏}‏ قيل نزلت هذه الآية والتي بعدها في وحشي قاتل حمزة، قاله الحسن والكلبي، وقال علي عليه السلام‏:‏ ما في القرآن آية أوسع منها‏.‏ وروى ثوبان قال‏:‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «ما أحب أن لي الدنيا وما عليها بهذه الآية

»‏.‏ قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم‏}‏ فيه خمسة تأويلات‏:‏

أحدها‏:‏ هو ما أمرهم الله به في الكتاب، قاله السدي‏.‏

الثاني‏:‏ أن يأخذوا ما أمر وينتهوا عما نهوا عنه، قاله الحسن‏.‏

الثالث‏:‏ هو الناسخ دون المنسوخ، حكاه ابن عيسى‏.‏

الرابع‏:‏ هو طاعة الله تعالى في الحرام والحلال قاله ابن زياد‏.‏

الخامس‏:‏ تأدية الفرائض، قاله زيد بن علي، ومعاني أكثرها متقاربة‏.‏

ويحتمل سادساً‏:‏ أنه الأخذ بالعزيمة دون الرخصة‏.‏ وجعله منزلاً عليهم لأنه منزل إليهم على نبيهم صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏أن تقول نفس يا حَسْرتَا‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ معناه لئلا تقول نفس‏.‏

الثاني‏:‏ أن لا تقول نفس، والألف التي في يا حسرتا بدل من ياء الإضافة ففعل ذلك في الاستغاثة لمدة الصوت بها‏.‏

‏{‏على ما فرطت في جنب الله‏}‏ فيه ستة تأويلات‏:‏

أحدها‏:‏ في مجانبة أمر الله، قاله مجاهد والسدي‏.‏

الثاني‏:‏ في ذات الله، قاله الحسن‏.‏

الثالث‏:‏ في ذكر الله، قاله السدي، وذكر الله هنا القرآن‏.‏

الرابع‏:‏ في ثواب الله من الجنة حكاه النقاش‏.‏

الخامس‏:‏ في الجانب المؤدي إلى رضا الله، والجنب والجانب سواء‏.‏

السادس‏:‏ في طلب القرب من الله ومنه قوله تعالى ‏{‏والصاحب بالجنب‏}‏ أي بالقرب‏.‏

‏{‏وإن كنت لمن الساخرين‏}‏ فيه وجهان‏:‏ أحدهما‏:‏ من المستهزئين في الدنيا بالقرآن، قاله النقاش‏.‏

الثاني‏:‏ بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين، قاله يحيى بن سلام‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏60- 66‏]‏

‏{‏وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ ‏(‏60‏)‏ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ‏(‏61‏)‏ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ‏(‏62‏)‏ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ‏(‏63‏)‏ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ‏(‏64‏)‏ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ‏(‏65‏)‏ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ‏(‏66‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم‏}‏ فيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ بنجاتهم من النار‏.‏

الثاني‏:‏ بما فازوا به من الطاعة‏.‏

الثالث‏:‏ بما ظفروا من الإدارة‏.‏

ويحتمل رابعاً‏:‏ بما سلكوا فيه مفاز، الطاعات الشاقة، مأخوذ من مفازة السفر‏.‏

‏{‏لا يمسهم السُّوءُ‏}‏ لبراءتهم منه‏.‏ ‏{‏ولا هم يحزنون‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يحزنون، بألا يخافوا سوء العذاب‏.‏

الثاني‏:‏ لا يحزنون على ما فاتهم من ثواب الدنيا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏67‏]‏

‏{‏وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ‏(‏67‏)‏‏}‏

‏{‏وما قدروا الله حق قدرِه‏}‏ فيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ وما عظموه حق عظمته إذ عبدوا الأوثان من دونه، قاله الحسن‏.‏

الثاني‏:‏ وما عظموه حق عظمته إذ دعوا إلى عبادة غيره، قاله السدي‏.‏

الثالث‏:‏ ما وصفوه حق صفته، قاله قطرب‏.‏

‏{‏والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن قبضه استبدالها بغيرها لقوله ‏{‏يوم تبدل الأرض‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏ 48‏]‏ وهو محتمل‏.‏

الثاني‏:‏ أي هي في مقدوره كالذي يقبض عليه القابض في قبضته‏.‏

‏{‏والسموات مطويات بيمينه‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ بقوته لأن اليمين القوة‏.‏

الثاني‏:‏ في ملكه كقوله ‏{‏وماملكت أيمانكم‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 36‏]‏‏.‏

ويحتمل طيها بيمينه وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ طيها يوم القيامة‏.‏ لقوله يوم نطوي السماء‏.‏

الثاني‏:‏ أنها في قبضته مع بقاء الدنيا كالشيء المطوي لاستيلائه عليها‏.‏

‏{‏سبحانه وتعالى عما يشركون‏}‏ روى صفوان بن سليم أن يهودياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا القاسم إن الله أنزل عليك ‏{‏والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه‏}‏ فأين يكون الخلق‏؟‏ قال «يكونون في الظلمة عند الجسر حتى ينجي الله من يشاء‏.‏» قال‏:‏ والذي أنزل التوراة على موسى ما على الأرض أحد يعلم هذا غيرى وغيرك‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏68- 70‏]‏

‏{‏وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ‏(‏68‏)‏ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ‏(‏69‏)‏ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ‏(‏70‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏ونفخ في الصُّور فصعق مَنْ في السموات ومن في الأرض‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن الصعق الغَشي، حكاه ابن عيسى‏.‏

الثاني‏:‏ وهو قول الجمهور أنه الموت وهذا عند النفخة الأولى‏.‏

‏{‏إلا من شاء الله‏}‏ فيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام‏.‏ وملك الموت يقبض أرواحهم بعد ذلك، قاله السدي ورواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

الثاني‏:‏ الشهداء، قاله سعيد بن جبير‏.‏

الثالث‏:‏ هو الله الواحد القهار، قاله الحسن‏.‏

‏{‏ثم نفخ فيه أخرى‏}‏ وهي النفخة الثانية للبعث‏.‏

‏{‏فإذا هم قيام ينظرون‏}‏ قيل قيام على أرجلهم ينظرون إلى البعث الذي وعدوا به‏.‏

ويحتمل وجهاً آخر ينظرون ما يؤمرون به‏.‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏وأشرقتِ الأرض‏}‏ إشراقها إضاءتها، يقال أشرقت الشمس إذا أضاءت، وشَرَقت إذا طلعت‏.‏

وفي قوله ‏{‏بِنُورِ رَبِّها‏}‏ وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ بعدله، قاله الحسن‏.‏

الثاني‏:‏ بنوره وفيه ثلاثة أقاويل‏:‏

أحدها‏:‏ أنه نور قدرته‏.‏

الثاني‏:‏ نور خلقه لإشراق أرضه‏.‏

الثالث‏:‏ أنه اليوم الذي يقضي فيه بين خلقه لأنه نهار لا ليل معه‏.‏

‏{‏ووضع الكتاب‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ الحساب، قاله السدي‏.‏

الثاني‏:‏ كتاب أعمالهم، قاله قتادة‏.‏

‏{‏وجيء بالنبين الشهداء‏}‏ فيهم قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنهم الشهداء الذين يشهدون على الأمم للأنبياء أنهم قد بلغوا، وأن الأمم قد كذبوا، قاله ابن عباس‏.‏

الثاني‏:‏ أنهم الذين استشهدوا في طاعة الله، قاله السدي‏.‏

‏{‏وقضي بينهم بالحق‏}‏ قال السدي بالعدل ‏{‏وهم لا يظلمون‏}‏ قال سعيد بن جبير لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏71- 72‏]‏

‏{‏وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ‏(‏71‏)‏ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ‏(‏72‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً‏}‏ فيه أربعة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ أفواجاً، قاله الحسن‏.‏

الثاني‏:‏ أمماً، قاله الكلبي‏.‏

الثالث‏:‏ جماعات، قاله السدي‏.‏ قال الأخفش جماعات متفرقة، بعضها إثر بعض واحدها زمرة‏.‏ قال خفاف بن ندبة‏:‏

كأن إخراجها في الصبح غادية *** من كل شائبةٍ في أنها زُمَر

الرابع‏:‏ دفعاً وزجراً بصوت كصوت المزمار، ومن قولهم مزامير داود‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏73- 74‏]‏

‏{‏وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ‏(‏73‏)‏ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ‏(‏74‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏سلام عليكم طبتم‏}‏ فيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ طبتم بطاعة الله قاله مجاهد‏.‏

الثاني‏:‏ طبتم بالعمل الصالح، قاله النقاش‏.‏

الثالث‏:‏ ما حكاه مقاتل أن على باب الجنة شجرة ينبع من ساقها عينان يشرب المؤمنون من إحداهما فتطهر أجوافهم فذلك قوله ‏{‏وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً‏}‏ ‏[‏الإنسان‏:‏ 21‏]‏ ثم يغتسلون من الأخرى فتطيب أبشارهم، فعندها يقول لهم خزنتها‏:‏

‏{‏سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين‏}‏ فإذا دخلوها قالوا ‏{‏الحمد لله الذي صدقنا وعده‏}‏‏.‏

وفي معنى طبتم ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ نعمتم، قاله الضحاك‏.‏

الثاني‏:‏ كرمتم، قاله ثعلب‏.‏

الثالث‏:‏ زكوتم، قاله الفراء وابن عيسى‏.‏

‏{‏وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده‏}‏ وعده في الدنيا بما نزل به القرآن، وفيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه وعده بالجنة في الآخرة ثواباً على الإيمان‏.‏

الثاني‏:‏ أنه وعده في الدنيا بظهور دينه على الأديان، وفي الآخرة بالجزاء على الإيمان‏.‏ ‏{‏وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاءُ‏}‏ وفي هذه الأرض قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ أرض الجنة، قاله أبو العالية وأبو صالح وقتادة والسدي وأكثر المفسرين‏.‏

الثاني‏:‏ أرض الدنيا‏.‏ فإن قيل إنها أرض الجنة ففي تسميتها ميراثاً وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لأنها صارت إليهم في آخر الأمر كالميراث‏.‏

الثاني‏:‏ لأنهم ورثوها من أهل النار، وتكون هذه الأرض من جملة الجزاء والثواب، والجنة في أرضها كالبلاد في أرض الدنيا لوقوع التشابه بينهما قضاء بالشاهد على الغائب‏.‏

‏{‏نتبوأ من الجنة حيث نشآء‏}‏ يعني منازلهم التي جوزوا بها، لأنهم مصروفون عن إرادة غيرها‏.‏

وفي تأويل قوله ‏{‏حيث نشاء‏}‏ وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ حيث نشاء من منزلة وعلو‏.‏

الثاني‏:‏ حيث نشاء من منازل ومنازه، فإن قيل إنها أرض الدنيا فهي من النعم دون الجزاء‏.‏

ويحتمل تأويله وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ أورثنا الأرض بجهادنا نتبوأ من الجنة حيث نشاء بثوابنا‏.‏

الثاني‏:‏ وأورثنا الأرض بطاعة أهلها لنا نتبوأ من الجنة حيث نشاء بطاعتنا له لأنهم أطاعوا فأطيعوا‏.‏

‏{‏فنعم أجر العاملين‏}‏ يحتمل وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ فنعم أجر العاملين في الدنيا الجنة في الآخرة‏.‏

الثاني‏:‏ فنعم أجر من أطاع أن يطاع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏75‏]‏

‏{‏وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏(‏75‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏وترى الملائكة حافين من حول العرش‏}‏ قال قتادة‏:‏ محدقين‏.‏

‏{‏يسبحون بحمد ربهم‏}‏ وتسبيحهم تلذذ لا تعبد‏.‏ وفي قوله‏.‏

‏{‏بحمد ربهم‏}‏ وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ بمعرفة ربهم، قاله الحسن‏.‏

الثاني‏:‏ يذكرون بأمر ربهم، قاله مقاتل‏.‏

‏{‏وقضي بينهم بالحق‏}‏ أي بالعدل وفيه قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ وقضي بينهم بعضهم لبعض‏.‏

الثاني‏:‏ بين الرسل والأمم، قاله الكلبي‏.‏

‏{‏وقيل الحمد لله رب العالمين‏}‏ وفي قائله قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه من قول الملائكة، فعلى هذا يكون حمدهم لله على عدله في قضائه‏.‏

الثاني‏:‏ أنه من قول المؤمنين‏.‏

فعلى هذا يحتمل حمدهم وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ على أن نجاهم مما صار إليه أهل النار‏.‏

الثاني‏:‏ على ما صاروا إليه من نعيم الجنة، فختم قضاؤه في الآخرة بالحمد كما افتتح خلق السموات والأرض بالحمد في قوله ‏{‏الحمد لله الذي خلق السموات وَالأَرضَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 1‏]‏ فتلزم الاقتداء به والأخذ بهديه في ابتداء كل أمر بحمده وخاتمه بحمده وبالله التوفيق‏.‏

سورة غافر

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 3‏]‏

‏{‏حم ‏(‏1‏)‏ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ‏(‏2‏)‏ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ‏(‏3‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏حم‏}‏ فيه خمسة أوجه‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه اسم من أسماء الله أقسم به، قاله ابن عباس‏.‏

الثاني‏:‏ أنه اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة‏.‏

الثالث‏:‏ أنها حروف مقطعة من اسم الله الذي هو الرحمن، قاله سعيد بن جبير وقال‏:‏ الر وحم ون هو الرحمن‏.‏

الرابع‏:‏ هو محمد صلى الله عليه وسلم، قاله جعفر بن محمد‏.‏

الخامس‏:‏ فواتح السور، قاله مجاهد قال شريح بن أوفى العبسي‏:‏

يذكرني حاميم والرمح شاجر *** فهلا تلا حاميم قبل التقدم

ويحتمل سادساً‏:‏ أن يكون معناه حُم أمر الله أي قرب، قال الشاعر‏:‏

قد حُمّ يومي فسر قوم *** قومٌ بهم غفلة ونوم

ومنه سميت الحمى لأنها تقرب منه المنية‏.‏

فعلى هذا يحتمل وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه يريد به قرب قيام الساعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «بعثت في آخرها ألفاً

» الثاني‏:‏ أنه يريد به قرب نصره لأوليائه وانتقامة من أعدائه يوم بدر‏.‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏غافر الذنب‏}‏ فيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ أنه غافره لمن استغفره، قاله النقاش‏.‏

الثاني‏:‏ ساتره على من يشاء، قاله سهل بن عبد الله‏.‏

‏{‏وقابل التوب‏}‏ يجوز أن يكون جمع توبة، ويجوز أن يكون مصدراً من تاب يتوب توباً، وقبوله للتوبة إسقاط الذنب بها مع إيجاب الثواب عليها‏.‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏ذي الطول‏}‏ فيه ستة تأويلات‏:‏

أحدها‏:‏ ذي النعم، قاله ابن عباس‏.‏

الثاني‏:‏ ذي القدرة، قاله ابن زيد‏.‏

الثالث‏:‏ ذي الغنى والسعة، قاله مجاهد‏.‏

الرابع‏:‏ ذي الخير، قاله زيد بن الأصم‏.‏

الخامس‏:‏ ذي المن، قاله عكرمة‏.‏

السادس‏:‏ ذي التفضيل، قاله محمد بن كعب‏.‏

والفرق بين المن والفضل أن المن عفو عن ذنب، والفضل إحسان غير مستحق والطول مأخوذ من الطول كأنه إنعامه على غيره وقيل لأنه طالت مدة إنعامه‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏4- 6‏]‏

‏{‏مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ ‏(‏4‏)‏ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ‏(‏5‏)‏ وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ‏(‏6‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ ما يماري فيها، قاله السدي‏.‏

الثاني‏:‏ ما يجحد بها، قاله يحيى بن سلام‏.‏

وفي الفرق بين المجادلة والمناظرة وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ ان المجادلة لا تكون إلا بين مبطلين أو مبطل ومحق، والمناظرة بين محقين‏.‏

الثاني‏:‏ أن المجادلة فتل الشخص عن مذهبه محقاً أو مبطلاً، والمناظرة التوصل إلى الحق في أي من الجهتين كان‏.‏

وقيل إنه أراد بذلك الحارث بن قيس السهمي وكان أحد المستهزئين‏.‏

‏{‏فلا يغررك تقلبهم في البلاد‏}‏ قال قتادة‏:‏ إقبالهم وإدبارهم وتقلبهم في أسفارهم، وفيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يغررك تقلبهم في الدنيا بغير عذاب، قاله يحيى‏.‏

الثاني‏:‏ لا يغررك تقلبهم في السعة والنعمة قاله مقاتل وقيل إن المسلمين قالوا نحن في جهد والكفار في السعة، فنزل ‏{‏فلا يغررك تقلبهم في البلاد‏}‏ حكاه النقاش وفيه حذف تقديره‏:‏ فلا يغررك تقلبهم في البلاد سالمين فسيؤخذون‏.‏

قولة عز وجل‏:‏ ‏{‏وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ ليحبسوه ويعذبوه، حكاه ابن قتيبة‏.‏

الثاني‏:‏ ليقتلوه، قاله قتادة والسدي‏.‏ والعرب تقول‏:‏ الأسير الأخيذ لأنه مأسور للقتل، وأنشد قطرب قول الشاعر‏:‏

فإما تأخذوني تقتلوني *** ومن يأخذ فليس إلى خلود

وفي وقت أخذهم لرسولهم قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ عند دعائه لهم‏.‏

الثاني‏:‏ عند نزول العذاب بهم‏.‏

‏{‏وجادلوا بالباطل ليُدْحضوا به الحقَّ‏}‏ قال يحيى بن سلام‏:‏ جادلوا الأنبياء بالشرك ليبطلوا به الإيمان‏.‏

‏{‏فأخذتهم‏}‏ قال السدي‏:‏ فعذبتهم‏.‏

‏{‏فكيف كان عقاب‏}‏ في هذا السؤال وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه سؤال عن صدق العقاب، قال مقاتل وجدوه حقاً‏.‏

الثاني‏:‏ عن صفته، قال قتادة‏:‏ شديد والله‏.‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏وكذلك حقت كلمة ربِّك على الذين كفروا‏}‏ أي كما حقت على أولئك حقت على هؤلاء‏.‏ وفي تأويلها وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ وكذلك وجب عذاب ربك‏.‏

الثاني‏:‏ وكذلك صدق وعد ربك‏.‏

‏{‏أنهم أصحاب النار‏}‏ جعلهم أصحابها لأنهم يلزمونها وتلزمهم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏7- 9‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ‏(‏7‏)‏ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏8‏)‏ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ‏(‏9‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏ربنا وسعت كل شَيْءٍ رحمة وعلماً‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ ملأت كل شيء رحمة وعلماً، أو رحمة عليه وعلماً به، وهو معنى قول يحيى بن سلام‏.‏

الثاني‏:‏ معناه‏:‏ وسعت رحمتك وعلمك كل شيء‏.‏

‏{‏فاغفر للذين تابوا‏}‏ قال يحيى‏:‏ من الشرك‏.‏

‏{‏واتبعوا سبيلك‏}‏ قال الإسلام لأنه سبيل إلى الجنة‏.‏

‏{‏وقهم عذاب الجحيم‏}‏ بالتوفيق لطاعتك‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏10- 14‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ ‏(‏10‏)‏ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ‏(‏11‏)‏ ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ‏(‏12‏)‏ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ ‏(‏13‏)‏ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ‏(‏14‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏إن الذين كفروا ينادَوْنَ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنهم ينادون يوم القيامة، قاله قتادة‏.‏

الثاني‏:‏ ينادون في النار، قاله السدي‏.‏

‏{‏لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعوْن إلى الإيمان فتكفرون‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لمقت الله بكم في الدنيا إذا دعيتم إلى الإيمان فكفرتم أكبر من مقتكم لأنفسكم في الآخرة حين عاينتم العذاب وعلمتم أنكم من أهل النار، قاله الحسن وقتادة‏.‏

الثاني‏:‏ معناه‏:‏ إن مقت الله لكم إذ عصيتموه أكبر من مقت بعضكم لبعض حين علمتم أنهم أضلوكم، حكاه ابن عيسى‏.‏

فإن قيل‏:‏ كيف يصح على الوجه الأول أن يمقتوا أنفسهم‏؟‏

ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنهم أحلوها بالذنوب محل الممقوت‏.‏

الثاني‏:‏ أنهم لما صاروا إلى حال زال عنهم الهوى وعلموا أن نفوسهم هي التي أوبقتهم في المعاصي مقتوها‏.‏

وفي اللام التي في ‏{‏لمقت الله‏}‏ وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنها لام الابتداء كقولهم لزيد أفضل من عمرو، قاله البصريون‏.‏

الثاني‏:‏ أنها لام اليمين تدخل على الحكاية وما ضارعها، قاله ثعلب‏.‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏قالوا ربّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين‏}‏ فيه ثلاثة تأويلات‏:‏

أحدها‏:‏ أنه خلقهم أمواتاً في أصلاب آبائهم، ثم أحياهم بإخراجهم ثم أماتهم عند انقضاء آجالهم، ثم أحياهم للبعث، فهما ميتتان إحداهما في أصلاب الرجال، الثانية في الدنيا، وحياتان‏:‏ إحداهما في الدنيا والثانية في الآخرة، قاله ابن مسعود وقتادة‏.‏

الثاني‏:‏ أن الله أحياهم حين أخذ عليهم الميثاق في ظهر آدم قوله ‏{‏وإذ أخذ رَبُكَ مِن ابني آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذرِيتَهُمْ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 171‏]‏ الآية‏.‏ ثم إن اللَّه أماتهم بعد أخذ الميثاق عليهم، ثم أحياهم حين أخرجهم، ثم أماتهم عند انقضاء آجالهم، ثم أحياهم للبعث فتكون حياتان وموتتان في الدنيا وحياة في الآخرة، قاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‏.‏

الثالث‏:‏ أن الله أحياهم حين خلقهم في الدنيا، ثم أماتهم فيها عند انقضاء أجالهم، ثم أحياهم في قبورهم للمساءلة، ثم أماتهم إلى وقت البعث‏.‏ ثم أحياهم للعبث، قاله السدي‏.‏

‏{‏فاعترفنا بذنوبنا‏}‏ أنكروا البعث في الدنيا وأن يحيوا بعد الموت، ثم اعترفوا في الآخرة بحياتين بعد موتتين‏.‏

‏{‏فهل إلى خروج مِن سبيل‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ فهل طريق نرجع فيها إلى الدنيا فنقر بالبعث، وهو معنى قول قتادة‏.‏

الثاني‏:‏ فهل عمل نخرج به من النار، ونتخلص به من العذاب‏؟‏ قاله الحسن‏.‏

وفي الكلام مضمر تقديره‏:‏ لا سبيل إلى الخروج‏.‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏ذلكم بأنه إذا دُعي الله وحده كفرتم‏}‏ أي كفرتم بتوحيد الله‏.‏

‏{‏وإن يُشرك به تؤمنوا‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ معناه تصدقوا من أشرك به، قاله النقاش‏.‏

الثاني‏:‏ تؤمنوا بالأوثان، قاله يحيى بن سلام‏.‏

‏{‏فالحكم لله‏}‏ يعني في مجازاة الكفار وعقاب العصاة‏.‏

‏{‏العلي الكبير‏}‏ إنما جاز وصفه بأنه علي ولم تجز صفته بأنه رفيع لأنها صفة قد تنقل من علو المكان إلى علو الشأن والرفيع لا يستعمل إلا في ارتفاع المكان‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏15- 17‏]‏

‏{‏رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ ‏(‏15‏)‏ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ‏(‏16‏)‏ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ‏(‏17‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏رفيع الدرجات‏}‏ فيه ثلاثة تأويلات‏:‏

أحدها‏:‏ رفع السموات السبع، قاله سعيد بن جبير والكلبي‏.‏

الثاني‏:‏ عظيم الصفات، قاله ابن زياد‏.‏

الثالث‏:‏ هو رفعه درجات أوليائه، قاله يحيى‏.‏

‏{‏ذو العرش‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن عرشه فوق سماواته، قاله سعيد بن جبير‏.‏

الثاني‏:‏ أنه رب العرش، قاله يحيى‏.‏

‏{‏يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده‏}‏ فيه ستة تأويلات‏:‏

أحدها‏:‏ أن الروح الوحي، قاله قتادة‏.‏

الثاني‏:‏ النبوة، قاله السدي‏.‏

الثالث‏:‏ القرآن، قاله ابن عباس‏.‏

الرابع‏:‏ الرحمة، حكاه إبراهيم الجوني‏.‏

الخامس‏:‏ أرواح عباده، لا ينزل ملك إلا ومعه منها روح، قاله مجاهد‏.‏

السادس‏:‏ جبريل يرسله الله بأمره، قاله الضحاك‏.‏

‏{‏لينذر يوم التلاق‏}‏ فيه قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ لينذر الله به يوم القيامة، قاله الحسن‏.‏

الثاني‏:‏ لينذر أنبياؤه يوم التلاق وهو يوم القيامة وفيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ لأنه يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض، قاله السدي وابن زيد‏.‏

الثاني‏:‏ لأنه يلتقي فيه الأولون والآخرون، وهو معنى قول ابن عباس‏.‏

الثالث‏:‏ يلتقي فيه الخلق والخالق، قاله قتادة‏.‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏يومَ هم بارزون‏}‏ يعني من قبورهم‏.‏

‏{‏لا يخفى على الله منهم شَيْءٌ‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه أبرزهم جميعاً لأنه لا يخفى على الله منهم شيء‏.‏

الثاني‏:‏ معناه يجازيهم من لا يخفى عليه من أعمالهم شيء‏.‏

‏{‏لمن الملك اليوم‏}‏ هذا قول الله، وفيه قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه قوله بين النفختين حين فني الخلائق وبقي الخالق فلا يرى- غير نفسه- مالكاً ولا مملوكاً‏:‏ لمن الملك اليوم فلا يجيبه لأن الخلق أموات، فيجيب نفسه فيقول‏:‏ ‏{‏لله الواحد القهار‏}‏ لأنه بقي وحده وقهر خلقه، قاله محمد بن كعب‏.‏

الثاني‏:‏ أن هذا من قول الله تعالى في القيامة حين لم يبق من يدَّعي ملكاً، أو يجعل له شريكاً‏.‏

وفي المجيب عن هذا السؤال قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن الله هو المجيب لنفسه وقد سكت الخلائق لقوله، فيقول‏:‏ لله الواحد القهار، قاله عطاء‏.‏

الثاني‏:‏ ان الخلائق كلهم يجيبه من المؤمنين‏.‏ والكافرين، فيقولون‏:‏ لله الواحد القهار، قاله ابن جريج‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏18- 20‏]‏

‏{‏وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ‏(‏18‏)‏ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ‏(‏19‏)‏ وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ‏(‏20‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏وأنذرهم يوم الآزفة‏}‏ فيه قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ يوم حضور المنية، قاله قطرب‏.‏

الثاني‏:‏ يوم القيامة وسميت الآزفة لدنوها، وكل آزف دانٍ، ومنه قوله تعالى ‏{‏أزفت الآزفة‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏ 57‏]‏ أي دنت القيامة‏.‏

‏{‏إذ القلوب لَدَى الحناجر‏}‏ فيه قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن القلوب هي النفوس بلغت الحناجر عند حضور المنية، وهذا قول من تأول يوم الآزفة بحضور المنية، قاله قتادة‏.‏ ووقفت في الحناجر من الخوف فهي لا تخرج ولا تعود في أمكنتها‏.‏

‏{‏كاظمين‏}‏ فيه أربعة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ مغمومون قاله الكلبي‏.‏

الثاني‏:‏ باكون، قاله ابن جريج‏.‏

الثالث‏:‏ ممسكون بحناجرهم، ماخوذ من كظم القربة وهو شد رأسها‏.‏

الرابع‏:‏ ساكتون، قاله قطرب، وأنشد قول الشماخ‏:‏

فظلت كأن الطير فوق رؤوسها *** صيامٌ تنائي الشمس وهي كظوم

‏{‏ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع‏}‏ في الحميم قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ انه القريب، قاله الحسن‏.‏

الثاني‏:‏ الشفيق، قاله مجاهد، ومعنى الكلام‏:‏ ما لهم من حميم ينفع ولا شفيع يطاع أي يجاب إلى الشفاعة، وسميت الإجابة طاعة لموافقتها إرادة المجاب‏.‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏يعلم خائنة الأعين‏}‏ فيه خمسة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ أنه الرمز بالعين، قاله السدي‏.‏

الثاني‏:‏ هي النظرة بعد النظرة، قاله سفيان‏.‏

الثالث‏:‏ مسارقة النظر، قاله ابن عباس‏.‏

الرابع‏:‏ النظر إلى ما نهى عنه، قاله مجاهد‏.‏

الخامس‏:‏ هو قول الإنسان ما رأيت وقد رأى، أو رأيت وما رأى، قاله الضحاك‏.‏

وفي تسميتها خائنة الأعين وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لأنها أخفى الإشارات فصارت بالاستخفاء كالخيانة‏.‏

الثاني‏:‏ لأنها باستراق النظر إلى المحظور خيانة‏.‏

‏{‏وما تُخفي الصدور‏}‏ فيه ثلاثة تأويلات‏:‏

أحدها‏:‏ الوسوسة، قاله السدي‏.‏

الثاني‏:‏ ما تضمره ‏[‏عندما ترى امرأة‏]‏ إذا أنت قدرت عليها أتزني بها أم لا، قاله ابن عباس‏.‏

الثالث‏:‏ ما يسره الإنسان من أمانة أو خيانة، وعبر عن القلوب بالصدور لأنها مواضع القلوب‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏21- 22‏]‏

‏{‏أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ ‏(‏21‏)‏ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ‏(‏22‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏‏.‏‏.‏‏.‏ كانوا هم أشدَّ منهم قوة‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يعني بطشاً، قاله يحيى‏.‏

الثاني‏:‏ قدرة، قاله ابن عيسى‏.‏

‏{‏وآثاراً في الأرض‏}‏ فيه خمسة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ أنها آثارهم من الملابس والأبنية، قاله يحيى‏.‏

الثاني‏:‏ خراب الأرضين وعمارتها، قاله مجاهد‏.‏

الثالث‏:‏ المشي فيها بأرجلهم، قاله ابن جريج‏.‏

الرابع‏:‏ بُعْد الغاية في الطلب، قاله الكلبي‏.‏

الخامس‏:‏ طول الأعمار، قاله مقاتل‏.‏

ويحتمل سادساً‏:‏ ما سنوا فيها من خير وشر‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏23- 27‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ ‏(‏23‏)‏ إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ‏(‏24‏)‏ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ‏(‏25‏)‏ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ‏(‏26‏)‏ وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ‏(‏27‏)‏‏}‏

قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏وقال فرعون ذروني أقتُل موسى‏}‏ فيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ معناه أشيروا عليّ بقتل موسى لأنهم قد كانوا أشاروا عليه بأن لا يقتله لأنه لو قتله منعوه، قاله ابن زياد‏.‏

الثاني‏:‏ ذروني أتولى قتله، لأنهم قالوا إن موسى ساحر إن قتلته هلكت لأنه لو أمر بقتله خالفوه‏.‏

الثالث‏:‏ أنه كان في قومه مؤمنون يمنعونه من قتله‏.‏ فسألهم تمكينه من قتله‏.‏

‏{‏وليدع ربه‏}‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ وليسأل ربه فإنه لا يجاب‏.‏

الثاني‏:‏ وليستعن به فإنه لا يعان‏.‏

‏{‏إني أخاف أن يبدِّل دينكم‏}‏ فيها وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يغير أمركم الذي أنتم عليه، قاله قتادة‏.‏

الثاني‏:‏ معناه هو أن يعمل بطاعة الله، رواه سعيد بن أبي عروبة‏.‏

الثالث‏:‏ محاربته لفرعون بمن آمن به، حكاه ابن عيسى‏.‏

الرابع‏:‏ هو أن يقتلوا أبناءكم ويستحيوا نساءكم إذا ظهروا عليكم كما كنتم تفعلون بهم، قاله ابن جريج‏.‏

ويحتمل خامساً‏:‏ أن يزول به ملككم لأنه ما تجدد دين إلا زال به ملك‏.‏