فصل: تفسير الآية رقم (198):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (198):

{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)}
{فَضْلاً} كانت ذو المجاز وعكاظ متجراً في الجاهلية فلما جاء الإسلام تركوا ذلك حتى نزلت {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ}. {أَفَضْتُم} أسرعتم، أو رجعتم من حيث بدأتم. {عَرَفَاتٍ} جمع عرفة، أو اسم واحد وإن كان بلفظ جمع، قاله الزجاج سميت به، لأن آدم عليه الصلاة والسلام عرف بها حواء بعد هبوطهما، أو عرفها عند رؤيتها إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما تقدم له من وصفها، أو لتعريف جبريل عليه الصلاة والسلام مناسكهم، أو لعلو الناس على جبالها، لأن ما علا عرفة وعرفات، ومنه عرف الديك. {الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} سمي به لأن الدعاء فيه والمقام من معالم الحج.

.تفسير الآية رقم (199):

{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)}
{أَفَاضَ النَّاسُ} إبراهيم عليه الصلاة والسلام عبّر عن الواحد بلفظ الجمع، كقوله: {الذين قَالَ لَهُمُ الناس} [آل عمران: 173] يعني نُعيم بن مسعود، أو أمر قريشا أن يفيضوا من حيث أفاض الناس وهم العرب كانوا يقفون بعرفة، لأن قريشاً كانوا يقفون بمزدلفة، ويقولون نحن أهل الحرم فلا نخرج منه فنزلت {وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ} من ذنوبكم، أو من مخالفتكم في الوقوف والإفاضة.

.تفسير الآية رقم (200):

{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200)}
{مَّنَاسِكَكُمْ} الذبائح، أو ما أُمرتم به في الحج، والمناسك المتعبدات. {فاذْكُرُواْ اللَّهَ} بالتكبير أيام منى، أو بجميع ما سُّن من الأدعية بمواطن الحج كلها. {كَذِكْرِكُمْ ءَابَآءَكُمْ} كانوا إذا فرغوا من الحج جلسوا بمنى وافتخروا بمناقب آبائهم فنزلت، أو كذكر: الصغير لأبيه إذا قال: يا بابا، أو كان أحدهم يقول: اللهم إن أبي كان عظيم الجفنة عظيم القبة كثير المال فاعطني مثل ما أعطيته فلا يذكر غير أبيه.

.تفسير الآية رقم (201):

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)}
{حَسَنَةً} العافية في الدنيا الآخرة، أو نعيمهما قاله: الأكثر، أو المال في الدنيا والجنة في الآخرة، أو العلم والعمل في الدنيا والجنة في الآخرة.

.تفسير الآية رقم (203):

{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)}
{مَّعْدُودَاتٍ} أيام منى إجماعاً وإن شرك بعضهم بين بعضها وبين الأيام المعلومات. {تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ} النَّفْر الأول. {وَمَن تَأَخَّرَ} النَّفْر الثاني. {فَلآ إِثْمَ عَلَيْهِ} في تعجله ولا تأخره، أو يغفر لكل واحد منهما، أو لا إثم عليه إن أتقى فيما بقي من عمره، أو لا إثم عليه إن اتقى قتل الصيد في الثالث من أيام التشريق، أو إن اتقى ما نُهِي عنه غُفر له ما تقدم من ذنبه. {وَاذْكُرُواْ اللَّهَ} بالتكبير في الأيام المعدودات من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق، أو من الفجر يوم عرفة إلى العصر يوم النحر، أو من الظهر يوم النحر إلى بعد العصر آخر أيام التشريق، أو بعد صلاة الصبح من آخر التشريق.

.تفسير الآية رقم (204):

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204)}
{يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ} من الجميل والخير، أو من حب الرسول صلى الله عليه وسلم والرغبة في دينه. {وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ} يقول اللهم اشهد عليَّ به، أو في قلبه ما يشهد الله أنه بخلافه، أو يستشهد الله على صحة ما في قلبه والله يعلم أنه بخلافه. {أَلَدُّ} الألد: الشديد الخصومة. {الْخِصَامِ} مصدر، أو جمع خصيم أي ذو جدال، أو كذاب، أو شديد القسوة في المعصية، أو غير مستقيم الخصومة. نزلت في الأخنس بن شَرِيق، أو هي صفة للمنافقين.

.تفسير الآية رقم (205):

{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)}
{تَوَلَّى} تصرف، أو غضب. {لِيُفْسِدَ فِيهَا} بالكفر، أو الظلم. {وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} بالقتل والسبي، أو بالإضلال المفضي إلى القتل والسبي.

.تفسير الآية رقم (206):

{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)}
{أَخَذتْهُ الْعِزَّةُ} دعته إلى فعل الإثم، أو يعز نفسه أن يقولها للإثم المانع منها.

.تفسير الآية رقم (207):

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)}
{يَشْرِى} يبتع، نزلت فيمن أمر بمعروف ونهى عن منكر فقتل، أو في صهيب اشترى نفسه من المشركين بجميع ماله ولحق بالمسلمين، وقال الحسن: العمل الذي باع به نفسه الجهاد.

.تفسير الآية رقم (208):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)}
{السِّلْمِ} والسَّلم واحد أو بالكسر الإسلام، وبالفتح المسالمة. ادخلوا في الإسلام، أو الطاعة. {كَآفَّةً} عائد إلى الطاعة، أو إلى تأكد الداخل فيها. {مُّبِينٌ} أبان عداوته بامتناعه من السجود، أو بقوله: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} [الإسراء: 62] أُمر بها المسلمون أن يدخلوا في شرائع الإسلام كلها، أو في أهل الكتاب آمنوا بمن سلف من الأنبياء، فأُمروا بالدخول في الإسلام، أو نزلت في ابن سلام وجماعة من اليهود لما قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: (السبت يوم كنا نعظمه ونَسْبُت فيه، والتوراة كتاب الله تعالى فدعنا فلنقم بها بالليل).

.تفسير الآية رقم (209):

{فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)}
{زَلَلْتُم} عصيتم أو كفرتم، أو ضللتم. {الْبَيِّنَاتِ} القرآن أو الحجج، أو محمد صلى الله عليه وسلم، أو الإسلام.

.تفسير الآية رقم (210):

{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)}
{فِى ظُلَلٍ} بظلل، أوأمرُ الله تعالى في ظلل.

.تفسير الآية رقم (211):

{سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211)}
{سَلْ بَنِى إِسْرَآءِيلَ} توبيخاً لهم، أراد علماءهم، أو أنبياهم، أو جميعهم. {ءَايَةٍ بَيِّنَةٍ} فلق البحر، وتظليل الغمام وغيرهما. {نِعْمَةَ اللَّهِ} العلم برسوله صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآية رقم (212):

{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212)}
{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} زينها الله بخلق الشهوات فيها، أو زينها الشيطان، أو المُغوي من الثقلين. {وَيَسْخَرُونَ} من ضعفاء المسلمين، يوهمونهم أنهم على حق، والمراد بذلك علماء اليهود، أو مشركو العرب. {وَالَّذِينَ اتَّقَوْاْ} فوق الكفار. {بِغَيْرِ حِسَابٍ} عبّر بذلك عن سعة ملكه الذي لا يفنيه عطاء ولا يقدر بحساب، أو هو دائم لا يفنى، أو رزق الدنيا بغير حساب لأنه يعم المؤمن والكافر، ولا يُعطى المؤمن على قدر إيمانه، أو رزق المؤمن في الآخرة لا يحاسب عليه، أو التفضل بغير حساب، والجزاء بالحساب، أو كفايتهم بغير حساب ولا تضييق.

.تفسير الآية رقم (213):

{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)}
{أُمَّةً وَاحِدَةً} على الكفر، أو على الحق، أو آدم عليه الصلاة والسلام كان إمام ذريته فبعث الله تعالى النبيين في ولده. أو يوم الذر لما خرجوا من صلب آدم أقروا بالعبودية ثم اختلفوا، وهم عشرة قرون كانوا بين آدم ونوح على الحق ثم اختلفوا.

.تفسير الآية رقم (215):

{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)}
{مَاذَا يُنفِقُونَ} سألوا عن أموالهم اين يضعونها فنزلت، أو نزلت في إيجاب نفقة الأهل والصدقة ثم نسخت بالزكاة.

.تفسير الآية رقم (216):

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)}
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} أراد به الصحابة رضي الله تعالى عنهم خاصة، أو الناس عامة إلى حصول الكفاية، أو هو فرض متعين على كل مسلم أبداً، قاله ابن المسيب. {كُرْهٌ لَّكُمْ} الكُره: إدخال المشقة على النفس من غيره إكراه أحد، والكَره: إدخال المشقة بإكراه غيره، كره: ذو كره، أو مكروه لكم فأقام المصدر مقامه. مكروه قبل الأمر به وأما بعده فلا، أو كره الطباع قبل الأمر وبعده. {وَعَسَى} بمعنى (قد)، أو طمع المشفق مع دخول الشك، {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً} من القتال، {وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} بالظفر والغنيمة والأجر والثواب، {وَعَسَى أَن تُحِبًّواْ شَيْئاً} من ترك القتال، {وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ} بظهور عدوكم، ونقصان أجوركم، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ} مصلحتكم، {وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ}.

.تفسير الآية رقم (217):

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)}
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} خرج عبد الله بن جحش بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم في سبعة نفر فلقوا ابن الحضرمي في عِير فَقُتل ابنُ الحضرمي وأسروا آخر، وغنموا العير، وذلك أول ليلة من رجب، فلامه الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون فنزلت فسأله المشركون عن ذلك ليعيّروه ويستحلوا قتاله فيه، قاله الأكثرون. أو سأله المسلمون ليعرفوا حكمه، سألوا عن القتال في الشهر الحرام، فأخبرهم أن الصد عن سبيله وإخراج أهل الحرم والفتنة أكبر من القتل في الشهر، أو سألوا عن القتل في الحرم والشهر الحرام فأخبرهم بأن الصد والإخراج والفتنة أكبر من القتل في الحرم والشهر الحرام، وتحريم ذلك محكم عند عطاء، منسوخ على الأصح، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم غزا هوازن وثقيفاً، وأرسل أبا عامر إلى أوطاس في بعض الأشهر الحرم، وبايع على قتال قريش بيعة الرضوان في ذي القعدة. {حَبِطَتْ} أصل الحبوط: الفساد، فإذا بطل العمل قيل حبط لفساده.

.تفسير الآية رقم (218):

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)}
{إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ} قال قوم من المسلمين في سرية أبن جحش: (إن لم يكونوا أصابوا وزراً فليس لهم في سفرهم أجر). فنزلت {هَاجَرُواْ} دورهم كراهة المقام مع المشركين. {وَجَاهَدُواْ} جهد فلاناً كذا: إذا أكربه وشق عليه {سَبِيلِ اللَّهِ} طريقه وهي دينه. {يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} إنما رجوها لأنهم لا يدرون الخواتيم، أو لأنهم لم يتيقنوا آداء كل ما وجب عليهم.

.تفسير الآية رقم (219):

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)}
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} الخمر: ما خامر العقل فيستره، والميسر: القمار. {إِثْمٌ كَبِيرٌ} سكر الشارب وإيذاؤه الناس؛ وإثم الميسر بالظلم ومنع الحق، أو إثم الخمر: زوال العقل حتى لا يعرف خالقه، وإثم الميسر: صده عن ذكر الله وعن الصلاة، وإيقاع العداوة والبغضاء. {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} منافع أثمانها، وربح تجارتها، والالتذاذ بشربها.
ونشربها فتتركنا ملوكا ** وأُسداً ما ينهنهنا اللقاء

ومنافع الميسر: كسب المال بغير كد، أو ما كانوا يصيبون به من أنصباء الجزور. {وَإِثْمُهُمَآ} بعد التحريم {أُكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} قبل التحريم، أو كلاهما قبل التحريم. {الْعَفْوَ} ما فضل عن الأهل، أو ما لا يبين على من أنفقه أو تصدق به، أو الوسط من غير إسراف ولا إقتار، أو أخذ ما آتوه من قليل أو كثير، أو الصدقة عن ظهر غنى، أو الصدقة المفروضة، وهي محكمة، أو نُسخت بالزكاة، وحُرمت الخمر بهذه الآية، أو بآية (المائدة) على قول الأكثر.

.تفسير الآية رقم (220):

{فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)}
{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} لما نزل {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ} [الأسراء: 34] و{إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْماً} [النساء: 10] تحرجوا من خلط طعامهم بأطعمة اليتامى فعزلوا أطعمة اليتامى حتى ربما فسدت عليهم، فنزلت {وَإِن تُخَالِطُوهُمْ} في الطعام والشراب، والسكنى، والدابة، واستخدام العبيد. {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ} الذي يخلط ماله بمال اليتيم، ليفسد مال اليتيم. والمصلح: الذي يريد بذلك إصلاح مال اليتيم. {لأَعْنَتَكُمْ} لشدد عليكم، أو يجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقاً {عَزيزٌ} في سلطانه قادر على الإعنات. {حَكِيمٌ} في تدبيره بترك الإعنات.