فصل: تفسير الآية رقم (235):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (235):

{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)}
{عَرَّضْتُم} الإشارة بالكلام إلى ما ليس له فيه ذكر، كقوله ما عليكِ أيمة، ورغب راغب فيك، ولعل الله أن يسوق إليكِ خيراً {خِطْبَةِ} طلب النكاح، والخُطْبة: الكلام الذي يتضمن الوعظ والإبلاغ {أَكْنَنتُمْ} سترتم. {سِرّاً} زنا، أو الجماع، أو قوله: (لا تفوتيني نفسك) أو نكاحها في العدة سِراً، أو أخذه ميثاقها أن لا تنكح غيره. {قَوْلاً مَّعْرُوفاً} هو التعريض. {وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ} على عقدة يريد التصريح {الْكِتَابُ أَجَلَهُ} فرض الكتاب، أو أراد بالكتاب الفرض تشبيهاً بكتاب الدَّين.

.تفسير الآية رقم (236):

{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)}
{أَوْ تَفْرِضُواْ} بمعنى (ولم تفرضوا) أو (فرضتم أو لم تفرضوا) فحذف فرضتم. {فَرِيضَةً} صداقاً، سمي بذلك، لأنه أوجبه على نفسه، وأصل الفرض الواجب {وَمَتِّعُوهُنَّ} بمال ينتفعن به بقدر نصف صداق المثل، أو يقدرها الحاكم باجتهاده، أو خادم ودون ذلك الوَرِق، ودون ذلك الكسوة وهي واجبة لكل مطلقة، أو لغير المدخول بها إذا لم يسمِّ لها صداقاً، أو لكل مطلقة إلا غير المدخول بها، أو هي مندوب إليها.

.تفسير الآية رقم (237):

{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)}
{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} فلكم استرجاعه، أو فهو لهن ليس عليكم غيره. {إِلآ أَن يَعْفُونَ} ليكون مرغباً للأزواج في خطبتها. {الَّذِى بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِكَاحِ} الولي، أو الزوج، أو أبو البكر. {وَأَن تَعْفُواْ} أيها الأزواج أو الأزواج والزوجات. {لِلتَّقْوَى} إلى اتقاء المعاصي، أو إلى أن يتقي كل واحد منهما ظلم الآخر.

.تفسير الآية رقم (238):

{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)}
{حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} بذكرها، أو تعجيلها. {الْوُسْطَى} خُصت بالذكر لانفرادها بالفضل، وهي العصر، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «حبسونا عن الصلاة الوسطى. صلاة العصر»، أو الظهرُ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصيلها بالهاجرة فلم يكن على الصحابة أشد منها فنزلت، لأن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين، أو المغرب لتوسط عددها، وأنها لا تقصر، أو الصبح، لقوله تعالى {وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ} ولا قنوت في غيرها، أو هي مبهمة في الخمس غير معينة ليكون أبلغ في المحافظة على جميعها. {قَانِتِينَ} القنوت من الدوام على أمر واحد، أو من الطاعة، أو من الدعاء يريد طائعين، أو ساكتين عن منهي الكلام، أو خاشعين عن العبث والتلفت، أو داعين، أو طول القيام، أو القراءة. رضي الله عنه.

.تفسير الآية رقم (239):

{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)}
{فَرِجَالاً} جمع راجل كقائم وقيام، ولا يغير الخوف عدد الصلاة عند الجمهور، وقال الحسن: (صلاة الخوف ركعة) وفي وجوب قضائها مذهبان {فَاذْكُرُواْ اللَّهَ} فصلوا كما علمكم، أو فاذكروه بحمده، والثناء عليه {كَمَا عَلَّمَكُم} من أمر دينكم {مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ}.

.تفسير الآية رقم (240):

{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240)}
{وَالَّذِينَ يُتَوفَّوْنَ} نسخت الوصية بآية المواريث، والحول بأربعة أشهر وعشر.

.تفسير الآية رقم (241):

{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)}
{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعُ} كل مطلقة، أو الثيب المجامعة، أو لما نزل {حَقّاً عَلَى المحسنين} [البقرة: 236] قال رجل: إن أحسنت فعلت وإن لم أرَ ذلك لم أفعل فنزل {حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} وخُصوا بالذكر تشريفاً.

.تفسير الآية رقم (243):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243)}
{أُلوُفٌ} مؤتلفو القلوب، أو ألوف في عددهم أربعة آلاف أو ثمانية آلاف أو بضعة وثلاثون ألفاً، أو أربعون ألفاً، والألوف تستعمل فيما زاد على عشرة آلاف. {حَذَرَ الْمَوْتِ} فروا من الجهاد، أو من الطاعون إلى أرض لا طاعون بها فلما خرجوا ماتوا، فمر بهم نبي فدعا أن يُحيوا فأُجيب. {فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُواْ} عبّر عن الإماتة بالقولن كما يقال: قالت السماء فمطرت، أو قال قولاً سمعته الملائكة، وإحياؤهم معجزة لذلك النبي.

.تفسير الآية رقم (245):

{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)}
{قَرْضاً حَسَناً} في الجهاد، أو أبواب البر. {أَضْعَافًا كَثِيرةً} سبعمائة ضعف، أو ما لا يعلمه إلا الله. {يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ} في الرزق، أو {يَقْبِضُ} الصدقات {وَيَبْصُطُ} الجزاء.

.تفسير الآية رقم (246):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)}
{الْمَلإِ} الأشراف. {لِنَبِىٍّ لَّهُمُ} سمويل، أو يوشع بن نون، أو سمعون، سمته أمه بذلك لأن الله تعالى سمع دعاءها فيه، طلبوا ذلك لقتال العمالقة، أو الجبارين الذي استذلوهم.

.تفسير الآية رقم (247):

{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)}
{طَالُوتَ} لم يكن من سبط النبوة ولا المملكة. {بَسْطَةً} زيادة في العلم، وعظماً في الجسم، كانا قبل الملك، أو زاده ذلك بعد الملك. {وَاسِعٌ} الفضل، أو موسع على خلقه، أو ذو سعة.

.تفسير الآية رقم (248):

{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)}
{سَكِينَةٌ} ريح هفافة لها جه كوجه الإنسان، أو طست ذهب من الجنة كان يغسل فيه قلوب الأنبياء، أو روح من الله تتكلم، أو ما تعرفونه من الآيات فتسكنون إليه، أو الرحمة، أو الوقار. {وَبَقِيَّةٌ} عصا موسى عليه الصلاة والسلام، ورضاض الألواح، أو العلم، أو التوراة، أو الجهاد في سبيل الله تعالى، أو التوراة وشيء من ثياب موسى عليه الصلاة والسلام، كان قدر التابوت ثلاثة أذرع في ذراعين {تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ} بين السماء والأرض يرونه عياناً، ويقال نزل آدم عليه الصلاة والسلام بالتابوت والركن. وكان التابوت بأيدي العمالقة غلبوا عليه بني إسرائيل، أو كان ببرية التيه خلفه بها يُوشع بن نون، وقيل إن التابوت وعصا موسى عليه الصلاة والسلام في بحيرة الطبرية، وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة.

.تفسير الآية رقم (249):

{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)}
{بِنَهَرْ} نهر بين الأردن وفلسطين، أو نهر فلسطين ابتلوا به لشكايتهم قلة الماء وخوف العطش. {مِنِّى} من أهل ولايتي. {غُرْفَةَ} الفعل والغُرفة اسم المغروف. {قَليلآً} ثلاثمائة وبضعة عشر عدة أهل بدر، ومن استكثر منه عطش. {جَاوَزَهُ} مع المؤمنين والكافرين ثم انخزلوا عن المؤمنين، وقالوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت، أو لم يجاوزه إلا مؤمن. {قَالُواْ لا طَاقَةَ} قاله الكفار المنخزلون، أو من قلّت نصرته من المؤمنين. {يَظُنُّونَ} يوقنون، أو يتوقعون {أَنَّهُم مُّلاَقُواْ اللَّهِ} بالقتل في تلك الواقعة. {مَعَ الصَّابِرِينَ} بالنصر والمعونة.

.تفسير الآية رقم (251):

{فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)}
{فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ} بنصر الله، أضاف الهزيمة إليهم تجاوزاً لأنهم بالإلجاء إليها صاروا سبباً لها. {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ} رماه بحجر بين عينيه فخرج من قفاه فقتل جماعة من عسكره، وكان نبياً قبل قتله لوقوع هذا الخارق على يديه، أو لم يكن نبياً، لأنه لا يجوز أن يولى على النبي من ليس بنبي. {الْمُلْكَ} السلطان. {وَالْحِكْمَةَ} النبوة. {وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} قيل صنعة الدروع، والتقدير في السرد. {دَفْعُ اللَّهِ} الهلاك عن البر الفاجر، أو يدفع باللطف للمؤمن وبالرعب في قلب الكافر. {لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ} لعم فسادها.

.تفسير الآية رقم (255):

{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)}
{الْحَىُّ} ذو الحياة، أو تسمى به لتصريفه الأمور وتقديره الأشياء، أو اسم تسمى به فيقبل تسليماً لأمره. {الْقَيُّومُ} القائم بتدبير الخلق، أو القائم على كل نفس بما كسبت فيجزيها بما علمه منها، أو القائم الموجود، أو العالم بالأمور، قام فلان بالكتاب إذا كان عالماً به، أو أخذ من الاستقامة. {سِنَةٌ} نعاس، والنعاس ما كان في العين، فإذا صار في القلب صار نوماً. {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} الدنيا {وَمَا خَلْفَهُمْ} الآخرة. {كُرْسِيُّهُ} علمه، أو العرش، أو سرير دون العرش، أو موضع القدمين، أو الملك وأصل الكرسي: العلم ومنه الكراسة، والعلماء كراس، لأنه يُعْتَمد عليهم كما قيل: أوتاد الأرض. {وَلا يَؤُدُهُ} لا يثقله إجماعاً، والضمير عائد إلى الله تعالى أو إلى الكرسي. {الْعَلِىُّ} بالاقتدار، ونفوذ السلطان، أو العلي: عن الأشباه والأمثال.

.تفسير الآية رقم (256):

{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)}
{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} في الكتابي إذا بذل الجزية، أو نسخت بفرض القتال، أو كانت المقلاة من الأنصار تنذر إن عاش لها ولد أن تهوّده رجاءً لطول عمره، وذلك قبل الإسلام، فلما أجلى الرسول صلى الله عليه وسلم بني النضير وفيهم أولاد الأنصار، قالت الأنصار كيف نصنع بأبنائنا فنزلت قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما {بِالطَّاغُوتِ} الشيطان، أو الساحر، أو الكاهن، أو الأصنام، أو مردة الإنس والجن، أو كل ذي طغيان على الله تعالى عبده مَنْ دُونه بقهر منه أو بطا عة إنساناً كان أو صنماً. {بِالْعُرْوَةِ} الإيمان بالله تعالى. {لا انفِصَامَ} لا انقطاع، أو لا انكسار، أصل الفصم الكسر.

.تفسير الآية رقم (257):

{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)}
{مِّنَ الظُّلُمَاتِ} الضلالة إلى الهدى. {مِّنَ النُّورِ إِلى الظُّلُمَاتِ} نزلت في مرتدين، أو في كافر أصلي، لأنهم بمنعهم من الإيمان كأنهم أخرجوهم منه.
{الَّذِى حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ} عليه الصلاة والسلام: النمرود بن كنعان أو من تجبر في الأرض وأدّعى الربوبية. {ءَاتَاهُ اللَّهُ الُمُلْكَ} الضمير لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، أو لنمرود. {أُحْىِ وَأُمِيتُ} أترك من لزمه القتل، وأقتل بغير سبب يوجب القتل. عارض اللفظ بمثله، وعدل عن اختلاف الفعلين، فلذلك عدل إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى حجة أخرى لظهور فساد ما عارض به، أو عدل عما شغب به إلى ما لا إشغاب فيه، استظهاراً عليه. {فَأًتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} لم يعارضه نمرود بأن يأتي بها ربه، لأن الله خذله بالصَّرفة عن ذلك، أو علم أنه لو طلب ذلك لفعل لما رآه من الآيات فخاف ازدياد الفضيحة. {فَبُهِتَ} تحيّر، أو انقطع.

.تفسير الآية رقم (259):

{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)}
{كَالِّذِى مَرَّ} عُزير، أو أرميا، أو الخضر. {قَرْيَةٍ} بيت المقدس لما خربه بختنصر، أو القرية التي خرج منها الألوف حذر الموت. {خَاوِيَةٌ} خراب، أو خالية من الخواء وهو الخلو، ومنه خوت الدار، والخواء الجوع لخلو البطن. {عُرُوشِهَا} العروش البناء. {يُحْىِ هَذِهِ اللَّهُ} بالعمارة {بَعْدَ مَوْتِهَا} بالخراب. {يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} قال ذلك، لأنه مات أول النهار، وعاش بعد المائة آخر النهار فقال: يوماً، ثم رأى بقية الشمس فقال: أو بعض يوم. {لَمْ يَتَسَنَّهْ} لم يأتِ عليه السنون فيتغير، أو لم يتغير بالأسن. {نُنِشزُهَا} نحييها، من نشر الثوب، لأن الميت كالثوب المطوي، لانقباضه عن التصرف فإذا عاش فقد انتشر بالتصرف. {نُنِشزُهَا} نرفع بعضها إلى بعض، النشز المكان المرتفع، نشزت المرأة لارتفاعها عن طاعة زوجها، قاله ملك، أو نبي، أو بعض المعمرين ممن شاهد موته وحياته.