فصل: تفسير الآية رقم (72):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (72):

{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)}
{فَادَّارَءْتُمْ} تدافعتم واختلفتم. {تَكْتُمُونَ} تسرون من القتل.

.تفسير الآية رقم (73):

{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)}
{بِبَعْضِهَا} بفخذها، أو ذنبها، أو عظم من عظامها، أو بعض آرابها، أو البعضة التي بين الكتفين. فلما حيي القتيل قال: قتلني ابن أخي، ثم مات فحلف بنو أخيه بالله ما قتلناه.

.تفسير الآية رقم (74):

{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)}
{قَسَتْ قُلُوبُكُم} في ابن أخي الميت لما أنكر قتله بعد سماعه منه، أو في جملة بني إسرائيل قست قلوبهم من بعد جميع الآيات التي أظهرها الله تعالى على موسى. {أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} أو ها هنا وفيما أشبهه للإبهام على المخاطب. أبو الأسود الدؤلي:
أحب محمداً حباً شديداً ** وعباساً وحمزة أو علياً

فلما قيل له في ذلك استشهد بقوله تعالى: {وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً}، أو تكون بمعنى (الواو) قال جرير:
نال الخلافة أو كانت له قدراً ** كما أتى ربه موسى على قدر

أو تكون بمعنى (بلى) أو تكون لإباحة التشبيه بكل واحد منهما. أو هي كالحجارة أو أشد قسوة عندكم. {يَهْبِطُ} هبوطه تفيؤ ظلاله أو هو لجلالة الله سبحانه أو يُرى كأنه هابط خاشع لعظم أمر الله تعالى.
لما أتى خبرُ الزبير تواضعت ** سورُ المدينة والجبالُ الخشعُ

أو كل حجر تردى من رأس جبل فمن خشية الله تعالى، أو يعطي بعض الجبال المعرفة فيعقل طاعة الله تعالى وقد حن الجذع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وسَلِّم عليه حجرٌ بمكة.

.تفسير الآية رقم (75):

{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}
{يُحَرِّفُونَهُ} نزلت فيمن حرّف التوراة فحرّم حلالها وأحل حرامها. أو في السبعين سمعوا كلام الله تعالى ثم حرّفوه لقومهم.

.تفسير الآية رقم (76):

{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)}
{فَتَحَ اللَّهُ} ذكركم الله تعالى به، أو أنزله في التوراة من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو قول بني قريظة للرسول صلى الله عليه وسلم لما قال لهم: (يا إخوة القردة) من حدثك بهذا، أو أسلم منهم ناس، ثم نافقوا وحدثوا العرب بما عُذبوا به، فقال بعضهم لبعض {أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} أي بما قضى وحكم، والفتح: القضاء والحكم.

.تفسير الآية رقم (78):

{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)}
{أُمِّيُّونَ} قوم لم يصدقوا رسولاً، ولا كُتباً وكتبوا كتاباً بأيديهم وقالوا لجهالهم هذا من عند الله، والأظهر أن الأمي هو الذي لا يقرأ ولا يكتب، نسب إلى أصل ما عليه الأمَّة من أنها لا تكتب ابتداء، أو أنه على ما ولدته أمه، أو نسب إلى أمه، لأن المرأة لا تكتب غالباً. {أمَانِىَّ} تلاوة، أو كذباً، أو أحاديث، أو يتمنون على الله تعالى ما ليس لهم.

.تفسير الآية رقم (79):

{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)}
{فَوَيْلٌ} عذاب، أو تقبيح، أو حزن، أو وادٍ في النار، أو جبل فيها أو وادٍ من صديد في أصلها. {يَكْتُبُونَ} يغيرون ما في التوراة من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم {بِأَيْدِيهِمْ} تحقيق للإضافة إليهم، أو من تلقاء أنفسهم. {ثَمَناً قَلِيلاً} حراماً، أو {مَتَاعُ الدنيا قَلِيلٌ} [النساء: 77].

.تفسير الآية رقم (80):

{وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)}
{مَّعْدُودَةً} سبعة أيام، زعموا أن عمر الدنيا سبعة آلاف وأنهم يعذبون على كل ألف يوماً واحداً من أيام الآخرة، وهو ألف سنة من أيام الدنيا، أو أربعون يوماً التي عبدوا فيه العجل، أو زعموا أن في التوراة أن مسيرة ما بين طرفي جهنم أربعون سنة يسيرون كل سنة في يوم فإذا انقطع السير هلكت النار وانقطع عذابهم فتلك أربعون.

.تفسير الآية رقم (81):

{بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)}
{بَلَى} إيجاب للنفي: إذا قال مالي عليك شيء فقال بلى كان رداً لقوله وتقديره (بلى لي عليك). {سَيِّئَةً} شركاً، أو ذنوباً وعد عليها بالنار. {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} مات عليها، أو سدت عليه مسالك النجاة.

.تفسير الآية رقم (84):

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84)}
{لا تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ} لا تقتلون أنفسكم لا يقتل بعضكم بعضاً أو لا تقتلوا أحداً فيقتص منكم به، فتكونوا قاتلين لأنفسكم بالتسبب، والنفس من النفاسة، لأنها أنفس ما في الإنسان. {دِيَارِكُمْ} الخليل: كل موضع حله قوم فهو دار وإن لم يكن فيه أبنية، أو الدار موضع فيه أبنية المقام.

.تفسير الآية رقم (85):

{ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)}
{تَظَاهَرُونَ} تتعاونون. {الإِثْمِ} الفعل الذي يستحق عليه الذم. {العدوان} مجاوزة الحق، أو الإفراط في الظلم. {أُسَارَى} أَسري جمع أسير، وأُساري جمع أَسرى، أو الأُساري: الذين في الوثاق، والأَسرى: الذين في اليد وإن لم يكونوا في وَثاق، قاله ابن العلاء.

.تفسير الآية رقم (87):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)}
{وَقَفَّيْنَا} أتبعنا، التقفية: الإتباع. {الْبَيِّنَاتِ} الحجج، أو الإنجيل أو إحياء الموتى، وخلق الطير، وإبراء الأسقام. {بِرُوحِ الْقُدُسِ} الاسم الذي كان يحيي به الموتى، أو جبريل عليه السلام على الأظهر سمي به، لأنه كالروح للبدن يحيا بما يأتي به من الوحي، أو لأن الغالب على جسده الروحانية، أو لأنه وجد قوله: {كن} من غير ولادة القدس: البركة، أو الطهر لبراءته من الذنوب، والقدس والقدوس واحد.

.تفسير الآية رقم (88):

{وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)}
{غُلْفُ} في أغطية لا تفقه، أو هي أعية للعلم. {لَّعَنَهُمُ} طردهم وأبعدهم. {فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ} قليلاً من يؤمن منهم، لأن من آمن من المشركين أكثر ممن آمن من أهل الكتاب، أو لا يؤمنون إلا بالقليل من كتابهم، و(ما) صلة.

.تفسير الآية رقم (89):

{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)}
{كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ} القرآن. {مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ} من التوراة والإنجيل أنه من عند الله تعالى، أو مصدق لما فيهما من الأخبار {يَسْتَفْتِحُونَ} يستنصرون.

.تفسير الآية رقم (90):

{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)}
{اشْتَرَوُاْ} باعوا {بَغْياً} حسداً، والبغي: شدة الطلب للتطاول، أصله الطلب، الزانية بغي، لطلبها الزنا. {بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} الاول: كفرهم بعيسى صلى الله عليه وسلم، والثاني كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم أو الأول: قولهم: عزير ابن الله، ويد الله مغلولة، وتبديلهم الكتاب، والثاني: كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو عبّر بذلك عن لزوم الغضب لهم. {مَهِينٌ} مذل، عذاب الكافر مهين، لأنه لا يمحص دينه بخلاف عذاب المؤمن، لأنه محمص لدينه.

.تفسير الآية رقم (91):

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)}
{بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ} القرآن. {بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا} التوارة {بِمَا وَرَآءَهُ} بما بعده. {مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ} من التوراة، وكتب الله تعالى يصدق بعضها بعضاً. {فَلِمَ تَقْتُلُونَ} فَلِمَ قتلتم، أو فَلِمَ ترضون بقتلهم.

.تفسير الآية رقم (93):

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)}
{وَاسْمَعُواْ} اعملوا بما سمعتم، أو اقبلوا ما سمعتم، سمع الله لمن حمده قبل حمده. {سَمِعْنَا} قولك {وَعَصَيْنَا} أمرك، قالوه سراً، أو فعلوا ما دل عليه، ولم يقولوه فقام فعلهم مقام قولهم:
امتلأ الحوض وقال: قطني ** مهلاً رويداً قد ملأتُ بطني

{وَأُشْرِبُواْ فِى قُلُوبِهِمُ} حب العجل. أو بَرَده موسى عليه الصلاة والسلام وألقاه في اليم فمن شرب ممن أحب العجل ظهرت سُحَالة الذهب على شفتيه.

.تفسير الآية رقم (94):

{قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94)}
{مِّن دُونِ النَّاسِ} كلهم، أو محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لو تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار» فلم يتمنوه علماً منهم أنهم لم تمنوه لماتوا كما قال: أو صرفوا عن إظهار تمنيه آية للرسول صلى الله عليه سلم.

.تفسير الآية رقم (96):

{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)}
{وَلَتَجِدَنَّهُمْ} اليهود. و{الَّذِينَ أَشْرَكُواْ} المجوس. {يَوَدُّ} أحد المجوس {لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} {بِمُزَحْزِحِهِ} بمباعده.

.تفسير الآية رقم (97):

{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97)}
{عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ} نزلت لما قال ابن صوريا للرسول صلى الله عليه وسلم: أي ملك يأتيك بما يقول الله تعالى قال: «جبريل عليه السلام» قال: ذاك عدونا ينزل بالقتال والشدة، وميكائيل يأتي باليسر والرخاء. فلو كان هو الذي يأتيك آمناً بك فنزلت. وجبر: عبد، وميكا: عُبيد، وأيل: هو الله تعالى، وهما عبد الله وعُبيد الله، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ولم يخالف فيه أحد، وخُصا بالذكر وإن دخلا في عموم الملائكة تشريفاً وتكريماً، أو نص عليهما لأنهم يزعمون أنهم ليسوا بأعداء الله تعالى ولملائكته أجمع بل هم أعداء لجبريل وحده فأبطل مثل هذا التأويل بذكر جبريل عليه السلام.

.تفسير الآية رقم (98):

{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)}
{عَدُوٌ لِّلْكَافِرِينَ} لم يقل عدو لهم لجواز انتقالهم عن العداوة بالإيمان.

.تفسير الآية رقم (102):

{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)}
{مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ} نزلت، لأن كاتب سليمان (آصف بن برخيا) واطأ نفراً من الجن على أن دفنوا كتاب سحر تحت كرسي سليمان عليه الصلاة والسلام ثم أخرجوه بعد موت سليمان عليه الصلاة والسلام وقالوا: هذا سحر سليمان، فبرأه الله تعالى من ذلك، أو استرقت الشياطين السمع، واستخرجت السحر، فاطلع عليه سليمان عليه الصلاة والسلام فنزعه منهم ودفنه تحت كرسيه، فلم يقدر الشياطين أن يدنوا إلى الكرسي في حياته، فلما مات قالت: للإنس: إن العلم الذي سخر به سليمان الريح والجن تحت كرسيه فأخرجوه، وقالوا: كان ساحراً، ولم يكن نبياً، فتعلموه وعلموه، فبرأه الله تعالى من ذلك. {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ} بنسبتهم سليمان عليه الصلاة والسلام إلى السحر (أو بما استخرجوه من السحر) {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} بإلقائه في قلوبهم (أو بدلالتهم عليه حتى أخرجوه). {وَمَآ أُنزِلَ} (ما) بمعنى الذي، أو نافيه. {الْمَلَكَيْنِ} بالكسر علجان من علوج بابل، والقراءة المشهورة بالفتح، زعمت سحرة اليهود أن جبريل وميكائيل أُنزل السحر على لسانهما إلى سليمان عليه الصلاة والسلام فأكذبهم الله، والتقدير: وما كفر سليمان وما أنزل على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس {بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} وهم رجلان ببابل، أو هاروت وماروت ملكان أُهبطا إلى الأرض في زمن إدريس عليه الصلاة والسلام فلما عصيا لم يقدرا على الرقي إلى السماء فكانا يعلمان السحر. {السِّحْرَ} خدع ومعانٍ تحول الإنسان حماراً وتُقلَب بها الأعيان وتنشأ بها الأجسام، أو هو تخييل ولا يقدر الساحر على قلب الأعيان ولا إنشاء الأجسام، قال الله تعالى {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى} [طه: 66]، ولما سحر الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولم يكن فعله قال الشافعي رضي الله تعالى عنه (الساحر يوسوس ويمرض ويقتل)، إذ التخيل بدو الوسوسة، والوسوسة بدو المرض، والمرض بدو التلف. {بِبَابِلَ} الكوفة وسوادها، سميت بذلك لتبلبل الألسن بها، أو من نصيبين إلى رأس عين، أو جبل نهاوند. {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ} على هاروت وماروت أن لا يعلما أحداً حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر بما تتعلمه من السحر. {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا} من هاروت وماروت، أو من السحر والكفر أو من الشياطين والملكين السحر من الشياطين، وما يفرق بين الزوجين من الملكين. {بِإِذْنِ} ما يضرون بالسحر أحداً {إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} بأمره، أو بعلمه. {مَا يَضُرُّهُمْ} في الآخرة {وَلا يَنفَعُهُمْ} في الدنيا، {مِنْ خَلاقٍ} لا نصيب لمن اشترى السحر، أو لا جهة له، أو الخلاق: الدين. {شَرَوْاْ} باعوا {بِهِ أَنفُسَهُمْ} من السحر والكفر بفعله وتعليمه، أو من إضافتهم السحر إلى سليمان عليه الصلاة والسلام.