فصل: مسألة (355): يكره صوم يوم الشَّكِّ.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق ***


مسألة ‏(‏355‏)‏‏:‏ يكره صوم يوم الشَّكِّ‏.‏

وقال أبو حنيفة ومالكٌ‏:‏ لا يكره‏.‏

وقد استدلَّ أصحابنا بالحديث المتقدِّم‏:‏ نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صوم ستَّة أيَّام‏.‏

- منها‏:‏ يوم الشَّكِّ-‏.‏

مسألة ‏(‏356‏)‏‏:‏ يجب صوم رمضان بشاهدٍ واحدٍ‏.‏

وقال مالكٌ وداود‏:‏ لا يجب‏.‏

وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ إن كان في السَّماء عِلَّةٌ قُبِل شاهدٌ واحدٌ، وإن لم يكن لم يُقبل إلا الجمُّ الغفير‏.‏

لنا أربعة أحاديث‏:‏ 1718- االأوَّل‏:‏ قال التِّرمذيَّ‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن إسماعيل ثنا محمَّد بن الصَّبَّاح ثنا الوليد بن أبي ثور عن سِمَاك عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال‏:‏ جاء أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال‏:‏ إنِّي رأيت الهلال‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏أتشهد أن لا إله إلا الله‏؟‏ وتشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله‏؟‏ ‏"‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏يا بلال، أذِّن في النَّاس أن يصوموا غدًا‏"‏‏.‏

فإن قيل‏:‏ هذا الحديث أرسله إسرائيل وحمَّاد بن سلمة عن عكرمة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قلنا‏:‏ قد اتَّفق الوليد بن أبي ثور وحازم بن إبراهيم وزائدة على رفع هذا الحديث، واختلف أصحاب سفيان بن عيينة عنه، ومن رفع فقد زاد، والزيادة من الثِّقة مقبولةٌ، والرَّاوي قد يسند ويرسل‏.‏

زْ‏:‏ 1719- قال محمَّد بن إسحاق بن خزيمة في ‏"‏ صحيحه ‏"‏‏:‏ ثنا محمَّد بن عثمان العجليُّ ثنا أبو أسامة ثنا زائدة ثنا سِماك بن حربٍ عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال‏:‏ جاء أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال‏:‏ أبصرت الهلال الليلة‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏أتشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّدًا عبده ورسوله‏"‏‏.‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏قم يا فلان، فأذِّن في النَّاس فليصوموا غدًا‏"‏‏.‏

قال ابن خزيمة‏:‏ ثناه موسى بن عبد الرَّحمن المَسْروقيُّ ثنا حسين بن عليٍّ الجُعْفيُّ عن زائدة بهذا الإسناد نحوه، قال‏:‏ وأمر بلالاً فأذَّن بالنَّاس‏.‏

1720- وقال أبو يعلى الموصليُّ‏:‏ ثنا أبو بكر- هو ابن أبي شيبة- ثنا حسين بن عليٍّ عن زائدة عن سِماك عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال‏:‏ جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ- صلم فقال‏:‏ أبصرت الهلال الليلة‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏تشهد أن لا إلى إلا الله وأنَّ محمَّدًا عبد‏"‏ ورسوله‏؟‏ ‏"‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏قم يا بلال، فناد في النَّاس فليصوموا غدًا‏"‏‏.‏

1721- وقال الطَّبرانيُّ‏:‏ ثنا يعقوب بن إسحاق ‏[‏المخرمِيُّ‏]‏ ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا حازم بن إبراهيم عن سِماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عبَّاس تال‏:‏ تمارى النَّاس في الهلال على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء أعرابيٌّ فشهد أنَّه رآه‏.‏

فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏تشهد أنَّ لا إله إلا الله وأنِّي رسول الله‏؟‏‏"‏‏.‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

فأمر النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلالاً فنادى أنَّ الصَّوم غدًا‏.‏

رواه أبو داود عن محمَّد بن بكَّار بن الرَّيَّان عن الوليد بن أبي ثورِ، وعن الحسن بن عليٍّ عن الحسين الجُعْفيِّ‏.‏

وعن موسى عن حمَّاد، عن سِماك بمعناه، ولم يذكر ابن عبَّاس‏.‏

ورواه البيهقيُّ عن الحاكم عن أحمد بن محمَّد بن سلمة العنزيِّ عن عثمان ابن سعيدٍ الدَّارميِّ عن موسى بن إسماعيل عن حمَّاد بن سلمة عن سِماك عن عكرمة عن ابن عبَّاس موصولاً‏.‏

قال أبو داود‏:‏ رواه جماعة عن سِماك عن عكرمة مرسلاً‏.‏

ورواه التِّرمذيُّ أيضًا عن أبي كريب عن الحسين الجُعْفيِّ عن زائدة‏.‏

وقال‏:‏ رواه الثَّوريُّ وغيره عن سماك عن عكرمة عن النَّبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً‏.‏

ورواه النَّسائيُّ‏:‏ عن محمَّد بن عبد العزيز بن أبي رِزْمة عن السِّيناني عن سفيان عن سِماك مسندًا‏.‏

وعن موسى بن عبد الرَّحمن عن حسين به‏.‏

وعن أحمد بن سليمان عن أبي داود، وعن محمَّد بن حاتم عن حِبَّان عن ابن المبارك، جميعًا عن سفيان عن سماك عن عكرمة مرسلاً‏.‏

وقال‏:‏ هذا أولى بالصَّواب من حديث الفضل بن موسى السِّينانيِّ، لأنَّ سِماك بن حرب كان رُبَّما لقِّن، فقيل له‏:‏ عن ابن عبَّاس؛ وابن المبارك أثبت في سفيان من الفضل؛ وسماك إذا انفرد بأصلٍ لم يكن حجَّةً، لأنَّه كان يلقَّن فيتلقَّن‏.‏

ورواه ابن ماجة عن عمرو بن عبد الله الأودي ومحمَّد بن إسماعيل الأحمسيِّ عن أبي أسامة عن زائدة‏.‏

ورواه ابن حِبَّان عن أبي يعلى‏.‏

قال الحافظ محمَّد بن عبد الواحد‏:‏ رواية زائدة وحازم بن إبراهيم العجليِّ ممَّا يقوِّي رواية الفضل السِّينانيِّ، وقد رأيتُ غير حديثٍ من حديث ‏"‏ الصَّحيح ‏"‏ يرويه ابن المبارك فيوقفه‏.‏

وقال البيهقيُّ بعد ذكر رواية الفضل بن موسى‏:‏ وكذلك روي عن أبي عاصم عن الثَّوريِّ موصولاً، ورواه غيرهما عن الثَّوريِّ مرسلاً‏.‏

والله أعلم O‏.‏

1722- الحديث الثَّاني‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا ابن صاعد ثنا إبراهيم بن عتيق ثنا مروان بن محمَّد الدِّمشقيُّ ثنا ابن وهبٍ ثنا يحيى بن عبد الله ابن سالمٍ عن أبي بكرٍ بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال‏:‏ تراءى النَّاس الهلال فأخبرتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنِّي رأيتُه، فصام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر النَّاس بالصِّيام‏.‏

قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ تفرَّد به مروان بن محمَّد عن ابن وهبٍ، وهو ثقةٌ‏.‏

ز‏:‏ وقد روى أبو داود هذا الحديث فقال‏:‏ 1723- حدَّثنا محمود بن خالدٍ وعبد الله بن عبد الرَّحمن السَّمرقنديُّ- وأنا لحديثه أتقن- قالا‏:‏ ثنا مروان- هو ابن محمَّد- عن عبد الله بن وهبٍ عن يحيى بن عبد الله بن سالمٍ عن أبي بكر بن نافعٍ عن أبيه عن ابن عمر قال‏:‏ تراءى النَّاس الهلال، فأخبرت رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنِّي رأيته، فصام وأمر النَّاس بصيامه‏.‏

ورواه أبو حاتم بن حِبَّان عن الحسن بن سفيان عن الدَّارميِّ عن مروان‏.‏

قال البيهقيُّ‏:‏ هذا الحديث يعدُّ في أفراد مروان بن محمَّد الدِّمشقيِّ، رواه عنه الرَّبيع بن سليمان، وقد اخبرناه أبو عبد الله الحافظ‏.‏

ثنا محمَّد بن صالح بن هانئ ثنا محمَّد بن إسماعيل بن مهران ثنا هارون بن ‏[‏سعيد‏]‏ الأيليُّ ثنا عبد الله بن وهبٍ أخبرني يحيى‏.‏

فذكره بمثله إلا أنَّه قال‏:‏ فصام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر النَّاس بالصِّيام O‏.‏

1724- الحديث الثَّالث‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدثنا محمَّد بن مخلد ثنا يحيى بن عيَّاش القطَّان ثنا حفص بن عمر الأبليُّ ثنا مِسْعَر بن كِدَام وأبو عوانة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس قال‏:‏ شهدت المدينة وبها ابن عمر وابن عبَّاس، فجاء رجلٌ إلى واليها، فشهد عنده على رؤية الهلال- هلال رمضان-، فسأل ابن عمر وابن عبَّاس عن شهادته، فأمراه أن يجيزها، وقالا‏:‏ إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجاز شهادة رجلٍ واحدٍ على رؤية هلال رمضان‏.‏

قالا‏:‏ وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يجيز شهادة الإفطار إلا بشهادة رجلين‏.‏

قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ تفرَّد به حفص بن عمر، وهو ضعيف الحديث‏.‏

قال المؤلِّف‏:‏ قلت‏:‏ وقال النَّسائيُّ‏:‏ ليس بثقةٍ‏.‏

وقال ابن حِبَّان‏:‏ لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد‏.‏

ز‏:‏ كلام النَّسائيِّ وابن حِبَّان في حفص بن عمر بن ميمون العدني الفَرْخ، وهو غير راوي هذا الحديث، راوي هذا الحديث هو حفص بن عمرو بن دينار الأُبليُّ، وهو ضعيفٌ بالاتفاق، ولم يخرِّج له أحدٌ من أصحاب ‏"‏ السُّنن‏"‏، وأمَّا الفَرْخ‏:‏ فروى له ابن ماجة، ووثَّقه بعضهم‏.‏

وقال البيهقيُّ في هذا الحديث- بعد أن رواه عن أبي نصر بن قتادة عن أبي أحمد الحسين بن عليٍّ التَّميميِّ عن ابن مخلد-‏:‏ وهذا ممَّا لا ينبغي أن يحتجَّ به O‏.‏

1725- الحديث الرَّابع‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يزيد أنا ورقاء عن عبد الأعلى الثَّعلبيِّ عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى قال‏:‏ كنت مع البراء بن عازبٍ وعمر بن الخطَّاب في البقيع ننظر إلى الهلال، فأقبل راكبٌ، فتلقاه عمر، فقال‏:‏ من أين جئت‏؟‏ قال‏:‏ من المغرب‏.‏

فقال‏:‏ أهللت‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قال عمر‏:‏ الله أكير، إنَّما يكفي المسلمن الرَّجل‏.‏

ز‏:‏ عبد الأعلى هو‏:‏ ابن عامر الثَّعلبيُّ، وقد تكلَّم فيه غير واحدٍ من الأئمة‏.‏

1726- وقال الشَّافعيُّ‏:‏ أنا عبد العزيز بن محمَّد الدَّراورديُّ عن محمَّد ابن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أمِّه فاطمة بنت حسين أنَّ رجلاً شهد عند عليٍّ رضي الله عنه على رؤية هلال رمضان، فصام- وأحسبه قال‏:‏ وأمر النَّاس أن يصوموا- وقال‏:‏ أصوم يومًا من شعبان أحبُّ إليَّ من أن أفطر يومًا من رمضان O‏.‏

احتجُّوا‏:‏ 1727- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا يوسف بن موسى ثنا سعيد بن سليمان ثنا عبَّاد بن العوَّام ثنا أبو مالك الأشجعيُّ ثنا حسين ابن الحارث الجَدلَيُّ أنَّ أمير مكَّة خطبنا فقال‏:‏ عهد إلينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نَنْسك، فإن لم نره وشهد شاهدا عدلٍ نسكنا بشاهديهما، فسألت الحسين بن الحارث‏:‏ من أمير مكَّة‏؟‏ فقال‏:‏ لا أدري‏.‏

ثمَّ لقيني بعدُ فقال‏:‏ هو الحارث ابن حاطب‏.‏

قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ هذا إسنادٌ متصلٌ صحيحٌ‏.‏

1728- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا أبو الأزهر ثنا يزيد بن هارون أنا الحجَّاج بن أرطاة عن الحسن بن الحارث قال‏:‏ سمعت عبد الرَّحمن بن زيد بن الخطَّاب يقول‏:‏ إنَّا صحبنا أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعلَّقنا منهم، وإنَّهم حدَّثونا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال‏:‏ ‏"‏صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فعدُّوا ثلاثين، فان شهد ذوا عدلٍ فصوموا وأفطروا وأنسكوا‏"‏‏.‏

والجواب‏:‏ أنَّا نقول‏:‏ ينطق الخبر، لأنَّه يقتضي أن تصوموا بشهادة ذوي عدلٍ، ودليله ينقي ذلك، ونصُّ خبرنا يعارض هذا الدَّليل، وهو أولى، لأنَّ النَّصَّ لا يسقط إلا بنصٍّ ينسخه، والدَّليل يسقط من غير نسخٍ، فصار كالقياس المعارض للنَّصِّ‏.‏

ز‏:‏ الحديث الأوَّل‏:‏ رواه أبو داود عن محمَّد بن عبد الرَّحيم أبي يحيى البزَّاز عن سعيد بن سليمان‏.‏

والحديث الثَّاني‏:‏ رواه الإمام أحمد بن حنبل عن يحيى بن أبي زائدة عن حجَّاج بن أرطاة عن حسين‏.‏

والحجَّاج‏:‏ فيه كلامٌ، لكن رواه النَّسائيُّ من غير ذكره، عن إبراهيم ابن يعقوب عن أبي عثمان سعيد بن شبيب- وكان شيخًا صالحًا- عن ابن أبي زائدة عن حسين بن الحارث الجَدَليِّ‏.‏

كذا رواه النَّسائيُّ، ولم يذكر في روايته الحجَّاج بن أرطاة بين يحيى بن زكريا بن أبي زائدة وبن حسين، وكأنَّه وهمٌ، والله أعلم‏.‏

وقال ابن أبي حاتم في سعيد بن شبيب‏:‏ سمع منه أبي بمصر وطرسوس، وروى عنه O‏.‏

مسألة ‏(‏357‏)‏‏:‏ إذا رأى الهلال أهل بلدٍ لزم جميع البلاد الصَّوم‏.‏

وقال الشَّافعيُّ‏:‏ لا يلزم إلا ما قاربه‏.‏

‏[‏دليلنا‏:‏ قوله عليه السَّلام‏:‏ ‏"‏فإن شهد ذوا عدلٍ فصوموا‏"‏‏.‏

وقد سبق بإسناده‏]‏‏.‏

احتجُّوا‏:‏ 1729- بما روى الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا سليمان بن داود الهاشميُّ أنا إسماعيل بن جعفر ثنا محمَّد بن أبي حرملة قال‏:‏ أخبرني كُريب أنَّ أمَّ الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشَّام، قال‏:‏ قدمت الشَّام فقضيت حاجتها، فاستُهِل عليَّ هلال رمضان وأنا بالشَّام، فتراءينا الهلال ليلة الجمعة، ثمَّ قدمت المدينة في آخر الشَّهر، فسألني ابن عبَّاس، ثمَّ ذكر الهلال فقال‏:‏ متى رأيتم الهلال‏؟‏ فقلت‏:‏ رأيناه ليلة الجمعة‏.‏

فقال‏:‏ أنت رأيته ليلة الجمعة‏؟‏ فقلت‏:‏ رآه النَّاس، وصاموا، وصام معاوية‏.‏

قال‏:‏ لكن رأيناه ليلة السَّبت، فلا نزال نصوم حتَّى نكمل ثلاثن يومًا أو نراه‏.‏

فقلت‏:‏ ألا تكتفي برؤية معاوية وصِيامه‏؟‏ قال‏:‏ لا، هكذا أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قال الِّترمذيُّ‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث رواه مسلمٌ في ‏"‏ صحيحه ‏"‏، وهو ظاهرٌ في الاستدلال، ولم يذكر المؤلِّف الجواب عنه‏.‏

وقد أجاب عنه أصحابنا بأن قالوا‏:‏ إنَّما يدلُّ على أنهم لا يفطرون بقول كريبٍ وحده، ونحن نقول به، وإنَّما محلُّ الخلاف‏:‏ ‏(‏وجوب قضاء اليوم الأوَّل‏)‏ وليس هو في الحديث O‏.‏

مسألة ‏(‏358‏)‏‏:‏ يجب على المطاوعة على الوطء في نهار رمضان كفَّارة الجماع‏.‏

وعنه‏:‏ لا يجب‏.‏

وعن الشَّافعيِّ كالرِّوايتن‏.‏

1730- قال الإمام أحمد بن حنبل‏:‏ حدَّثنا عبد الرَّزاق أخبرنا ابن جريج قال‏:‏ أخبرني ابن شهابٍ عن حميد بن عبد الرَّحمن أنَّ أبا هريرة حدَّثه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر رجلاً أفطر في رمضان أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعن أو يطعم ستين مسكينًا‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

وليس قولهم هذا بمعتمد، فإنَّهم لا يقولون‏:‏ إنَّ الكفَّارة تجب على كلِّ مفطرٍ، وإنَّما المراد بالإفطار في هذا الحديث‏:‏ الإفطار بالجماع- على ما سيأتي بيانه في مسألة الإفطار بالأكل-‏.‏

احتجُّوا‏:‏ بحديث الأعرابي‏:‏ 1731- قال أحمد‏:‏ ثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن حميد بن عبد الرَّحمن عن أبي هريرة قال‏:‏ جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال‏:‏ هلكتُ‏!‏ قال‏:‏ ‏"‏وما أهلكك‏؟‏‏!‏ ‏"‏ قال‏:‏ وقعت على امرأتي في رمضان‏!‏ قال‏:‏ ‏"‏أتجد رقبة‏؟‏‏"‏‏.‏

قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين‏؟‏‏"‏‏.‏

قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا‏؟‏‏"‏‏.‏

قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏اجلس‏"‏‏.‏

فأُتي النَّبيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعَرَق فيه تمرٌ- والعَرَق‏:‏ المكتل الضَّخم- فقال‏:‏ ‏"‏تصدَّق بهذا‏"‏‏.‏

فقال‏:‏ على أفقر منا‏؟‏‏!‏ ما بين لابتيها أفقر منا‏!‏ قال‏:‏ فضحك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال‏:‏ ‏"‏اطعمه أهلك‏"‏‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

وحجَّتهم أنَّه لم يأمر في حقِّ المرأة بشيءٍ‏.‏

وجواب هذا من عشرة أوجه‏:‏ أحدها‏:‏ أنَّه استدلالٌ بالعدم، والعدم لا صيغة له فيستدلُّ به‏.‏

والثَّاني‏:‏ أنَّه يحتمل أنه يكون قد ذكر حكمها ولم ينقل‏.‏

والثَّالث‏:‏ أنَّه إنَّما يجب البيان للسائل عن الحكم اللازم له، والمرأة لم تأته ولم تسأله، ولا سأله زوجها عنها، فلا يجب عليه البيان‏.‏

فإن قالوا‏:‏ فقد بيَّن ما لم يسأل عنه في حديث العسيف‏:‏ 1732- قال البخاريُّ‏:‏ ثنا عليُّ بن عبد الله ثنا سفيان قال‏:‏ حفظناه من الزُّهريِّ قال‏:‏ أخبرني عبيد الله أنَّه سمع أبا هريرة وزيد بن خالد قالا‏:‏ كنَّا عند النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقام رجلٌ فقال‏:‏ أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله‏.‏

فقام خصمه- وكان أفقه منه- فقال‏:‏ اقض بيننا بكتاب الله وأْذَنْ لي‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏قل‏"‏‏.‏

قال‏:‏ إنَّ ابني كان عسيفًا على هذا، فزنى بامرأته، فافتديت منه بمائة شاةٍ وخادمٍ، ثمَّ سألت رجالاً من أهل العلم فأخبروني أنَّ على ابني جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأته الرَّجم‏.‏

فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏والذي نفسي بيده لأقضينَّ بينكما بكتاب الله جلَّ ذكره، المائة شاة والخادم ردٌّ عليك، وعلى ابنك جلدُ مائةٍ وتغريب عامٍ، واغدُ يا أُنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها‏"‏‏.‏

فغدا عليها فاعترفت، فرجمها‏.‏

قلنا‏:‏ هذا تبرُّعٌ منه، وله أن يتبرَّع وأن لا يتبرَّع، كما سئل عن ماء البحر، فقال‏:‏ ‏"‏هو الطَّهور ماؤه، الحلُّ ميتته‏"‏‏.‏

ثمَّ الفرق بين حديث العسيف ومسألتنا من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنَّه أُخبر في حديث العسيف بما يوجب الحدَّ، والحدود حقٌّ لله عزَّ وجلَّ، يلزم الإمام استيفاؤها، والكفَّارة معاملة بين العبد وبين ربِّه، ولا نطر للإمام فيها‏.‏

والثَّاني‏:‏ أنَّ الحدَّ في قصة العسيف مختلفٌ، فإنَّ المرأة كانت محصنةً وحَدُّها الرَّجم، وكان الزَّاني غير محصنٍ وحدُّه الجلد، فلمَّا اختلف البيان احتاج إل شرحه، بخلاف مسألتنا فإنَّ الحكم لا يختلف، فكان البيان للرَّجل بيانًا لها، وصار هذا كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 25‏]‏، وألحقنا بها العبد في تنصيف الحدِّ، وهذا هو الجواب الرابع‏.‏

والخامس‏:‏ أنَّ سكوته لا يدلُّ على سقوط الوجوب، فإنَّه لم يذكر له القضاء، ولا الغسل‏.‏

والسَّادس‏:‏ أنَّه يجوز أن يكون سكت عنه لعارضٍ صرفه عن ذكره أو شغلٍ شغله‏.‏

والسَّابع‏:‏ يحتمل أن يكون قد علم أنَّها ممن لا تلزمه الكفَّارة، لكونها حائضًا أو مريضةً أو مجنونةً أو ذمِّيَّةً، فالخبر قضيَّةٌ في عينٍ فهي محتملة‏.‏

والثَّامن‏:‏ أنَّ الرسول- صعلم قبل قوله على نفسه بإقراره، ولم يقبل قوله عليها، كما في قضيَّة ماعز‏.‏

والتَّاسع‏:‏ أنَّه لمَّا أمره بعتق رقبة فذكر فقره وفقر أهل بيته أسقط عنه الكفَّارة لفقره، فلم يكن في ذكر كفَّارتها فائدة لفقرها‏.‏

والعاشر‏:‏ أنَّه قد روي في بعض ألفاظ هذا الحديث‏:‏ ‏(‏هلكتُ وأهلكتُ‏)‏‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏(‏وأهلكتُ‏)‏ تنبيهٌ على أنَّه أكرهها، ولولا ذلك لم يكن مهلكًا لها، والمكرهة لا كفَّارة عليها‏.‏

1733- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا عبيد بن محمَّد ابن خلف ثنا أبو ثور ثنا معلَّى بن منصور ثنا سفيان بن عيينة عن الزُّهريِّ أخبره حميد بن عبد الرَّحمن أنَّه سمع أبا هريرة يقول‏:‏ أتى رجلٌ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال‏:‏ هلكتُ وأهلكتُ‏!‏ قال‏:‏ ‏"‏ما أهلكك‏؟‏ ‏"‏ قال‏:‏ وقعت على أهلي‏.‏

فذكر الحديث‏.‏

فإن قالوا‏:‏ قد قال أبو سليمان الخطَّابيُّ‏:‏ المعلى بن منصور ليس بذاك في الحفظ قلنا‏:‏ ما ‏[‏عرفنا‏]‏ أحدًا طعن في المعلَّى، ثمَّ قد روي لنا من طريقٍ آخر‏:‏ 1734- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن عُزَيز قال‏:‏ حدَّثني سلامة بن روح عن عُقيل عن الزُّهريِّ عن حميد بن عبد الرَّحمن عن أبي هريرة قال‏:‏ بينا أنا جالسٌ عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاءه رجلٌ فقال‏:‏ هلكتُ وأهلكتُ‏.‏‏.‏‏.‏ فذكر الحديث‏.‏

إلا أنَّ سلامة‏:‏ فيه ضعفٌ‏.‏

ز‏:‏ الإسناد الأوَّل‏:‏ لا بأس به، ومعلَّى بن منصور‏:‏ محتجٌّ به في ‏"‏الصَّحيحين‏"‏‏.‏

والإسناد الثَّاني‏:‏ مقاربٌ، وسلامة‏:‏ متكلَّمٌ فيه، قال أبو حاتم الرَّازيُّ‏:‏ ليس بالقويِّ‏.‏

وقال أبو زرعة‏:‏ ضعيفٌ، منكر الحديث‏.‏

وذكره ابن حِبَّان في كتاب ‏"‏ الثِّقات ‏"‏ وقال‏:‏ مستقيم الحديث‏.‏

وقد ذكر البيهقيُّ هذه اللفظة وتكلَّم عليها، فقال‏:‏ باب رواية من روى في هذا الحديث لفظةً لا يرضاها أصحاب الحديث‏.‏

1735- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدَّثني أبو أحمد الحسن بن علي التَّميميُّ ثنا محمَّد بن المسيَّب الأَرْغِيانيُّ ثنا محمَّد بن ‏[‏عُقبة‏]‏ حدَّثني أبي، قال ابن المسيَّب‏:‏ وحدَّثني عبد السَّلام- يعني‏:‏ ابن عبد الحميد- أنا عمر والوليد، قالوا‏:‏ أنا الأوزاعيُّ حدَّثني الزُّهريُّ ثنا حميد بن عبد الرَّحمن بن عوف قال‏:‏ حدَّثني أبو هريرة قال‏:‏ بينا أنا عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ جاءه رجلٌ فقال‏:‏ يا رسول الله، هلكتُ وأهلكتُ‏!‏ قال‏:‏ ‏"‏ويحك‏!‏ وما شأنك‏؟‏ ‏"‏ قال‏:‏ وقعت على أهلي في رمضان‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏فأعتق رقبة‏"‏‏.‏

وذكر الحديث‏.‏

ضعَّف شيخنا أبو عبد الله الحافظ رحمه الله هذه اللفظة‏:‏ ‏(‏وأهلكتُ‏)‏ وحملها على أنَّها أدخلت على محمَّد بن المسيَّب الأَرْغِيانيِّ، فقد رواه أبو عليٍّ الحافظ عن محمَّد بن المسيَّب بالإسناد الأوَّل دون هذه اللفظة، ورواه العبَّاس عن محمَّد بن المسيِّب بالإسناد الأوَّل دون هذه اللفظة، ورواه العبَّاس بن الوليد عن عقبة بن علقمة دون هذه اللفظة، ورواه دحيم وغيره عن الوليد بن مسلم دونها، ورواه كافة أصحاب الأوزاعيِّ عن الأوزاعيِّ دونها، ولم يذكرها أحدٌ من أصحاب الزُّهريِّ عن الزُّهريِّ إلا ما روي عن أبي ثورٍ عن معلَّى بن منصور عن سفيان بن عيينة عن الزُّهريِّ‏.‏

وكان شيخنا يستدلُّ على كونها في تلك الرِّواية أيضًا خطأ بأنَّه نظر في كتاب ‏"‏ الصَّوم ‏"‏ تصنيف‏:‏ المعلَّى بن منصور- بخطٍّ مشهورٍ- فوجد فيه هذا الحديث دون هذه اللفظة، وأنَّ كافة أصحاب سفيان رووه عنه دونها، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏359‏)‏‏:‏ كَفَّارة الجماع على التَّرتيب‏.‏

وعنه‏:‏ أنَّها على التَّخيير، كقول مالك‏.‏

لنا‏:‏ حديث الأعرابيِّ المتقدِّم، وقوله‏:‏ ‏"‏أعتق رقبة‏"‏‏.‏

قال‏:‏ لا أجد‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏فصم‏"‏‏.‏

مسألة ‏(‏360‏)‏‏:‏ المتفرِّد برؤية الهلال إذا شمهد بالرُّؤية فردَّ الحاكم شهادته لزمه الصَّوم من غير خلاف، فإن أفطر بالجماع لزمته الكفَّارة‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لا كفَّارةْ لنا‏:‏ حديث الأعرابيِّ‏:‏ واقعت أهلي في رمضان‏.‏

وهذا كذا يقول‏.‏

احتجُّوا‏:‏ 1736/أ بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ثنا القاسم بن إسماعيل ثنا محمَّد بن إسحاق الصَّاغانيُّ ثنا محمَّد بن عمر ثنا داود بن خالد وثابت بن قيسٍ ومحمَّد بن مسلم جميعًا عن المَقْبريِّ عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون‏"‏‏.‏

وجوابه‏:‏ أنَّ محمَّد بن عمر هو‏:‏ الواقديُّ، وهو ضعيفٌ‏.‏

وقد رواه التِّرمذيُّ من طريقٍ آخر، وقال‏:‏ هو غريبٌ‏.‏

ثمَّ هو محمولٌ على من لم يره‏.‏

ز‏:‏ قول المؤلِّف‏:‏ ‏(‏لزمه الصَّوم من غير خلاف‏)‏ غير صحيحٍ، فإن حنبلاً روى عن أحمد أنَّه لا يلزمه الصَّوم، وهو قول عطاء وإسحاق وغيرهما؛ وذهب مالكٌ والشَّافعيُّ وأصحاب الرأي وغيرهم إلى وجوب الصَّوم على من رآه وحده‏.‏

وهذا الحديث الذي ذكره يدلُّ على عدم الوجوب، ولم يذكر المؤلِّف أحدًا قال بذلك، فيبقى قوله‏:‏ ‏(‏احتجُّوا‏)‏ لا معنى له‏!‏ ثمَّ حديث أبي هريرة الذي ذكره لم يتفرَّد به الواقديُّ‏:‏ 1736/ب- بل روى أبو داود والتِّرمذيُّ وابن ماجة من حديث أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏الفطر يوم كفطرون، والأضحى- يوم تضحُّون‏"‏‏.‏

وزاد التِّرمذيُّ في أوَّله‏:‏ ‏"‏الصَّوم يوم تصومون‏"‏‏.‏

وقال‏:‏ حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

1737- وروى التِّرمذيُّ أيضًا من حديث عائشة قالت‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏الفطر يوم يفطر النَّاس، والأضحى يوم يضحِّي النَّاس‏"‏‏.‏

وقال‏:‏ حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ O‏.‏

مسألة ‏(‏361‏)‏‏:‏ لا تجب الكفَّارة بالأكل والشُّرب‏.‏

وقال أبو حنيفة ومالكٌ‏:‏ تجب بالعمد‏.‏

احتجُّوا بأربعة أحاديث‏:‏ أحدها‏:‏ حديث أبي هريرة‏:‏ أنَّ رجلاً أفطر في رمضان، فأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعتق رقبة‏.‏

وقد سبق بإسناده‏.‏

1738- الحديث الثَّاني‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن إسحاق ثنا محمَّد بن عمر ثنا أبو بكر بن إسماعيل عن أبيه عن عامر بن سعد عن أبيه قال‏:‏ جاء رجلٌ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال‏:‏ أفطرت يومًا من رمضان متعمدًا‏!‏ قال‏:‏ ‏"‏أعتق رقبة، أو صم شهرين متتابعين، أو أطعم ستين مسكينًا‏"‏‏.‏

1739- الحديث الثَّالث‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا أبو سهل بن زياد ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا يحيى الحِمَّانيُّ ثنا هُشيم عن إسماعيل بن سالم عن مجاهد عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر الذي أفطر يومًا من رمضان بكفَّارة الظِّهار‏.‏

1740- الحديث الرَّابع‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشِّر ثنا أحمد بن سنان ثنا يزيد بن هارون ثنا أبو مَعْشر عن محمَّد بن كعبٍ القُرَظِيِّ عن أبي هريرة أنَّ رجلاً أكل في رمضان فأمره النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعتق رقبةً، أو يصوم شهرين، أو يطعم ستين مسكينًا‏.‏

والجواب‏:‏ أمَّا الحديث الأوَّل‏:‏ فهو حديث الأعرابيِّ الذي وتع على أهله، وإنَّما عبَّر بعض الرُّواة عن الجماع بالفطر، والحديث مبيَّنٌ في المسانيد‏.‏

قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ روى مالكٌ ويحيى بن سعيدٍ وابن جريجٍ وعبد الله بن أبي بكر وأبو أويس وفُليح بن سليمان وعمر بن عثمان المخزوميُّ ويزيد بن عياض وشبل بن عبَّاد والليث بن سعدٍ- من رواية أشهب بن عبد العزيز عنه- وابن عيينة- من رواية نُعيم بن حمَّاد عنه- وإبراهيم بن سعدٍ- من رواية عمَّار بن مطرٍ عنه- كلُّهم عن الزُّهريِّ أنَّ رجلاً أفطر‏.‏

وخالفهم كثر منهم عددًا، منهم‏:‏ عِرَاك بن مالك وعبيد الله بن عمر وإسماعيل بن أميَّة ومحمَّد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة ومعمر ويونس وعُقيل وعبد الرَّحمن بن خالد والأوزاعيُّ وشعيب بن أبي حمزة ومنصور بن المعتمر وسفيان بن عيينة وإبراهيم بن سعٍِ والليث بن سعدٍ وعبد الله بن عيسى ومحمَّد ابن إسحاق والنعمان بن راشد وحجَّاج بن أرطاة وصالح بن أبي الأخضر ومحمَّد ابن أبي حفصة وعبد الجبَّار بن عمر وإسحاق بن يحيى وهبَّار بن عقيلٍ وثابت ابن ثوبان وقُرَّة بن عبد الرَّحمن وزَمْعة بن صالحٍ وبحر السَّقا والوليد بن محمَّد وشعيب بن خالدٍ ونوح بن أبي مريم وغيرهم، كلُّهم رووا عن الزُّهريِّ هذا الحديث بهذا الإسناد، وأنَّ إفطار ذلك الرَّجل كان بجماعٍ‏.‏

وأمَّا الحديث الذي فيه أنَّه أمره بكفَّارة الظِّهار‏:‏ فيرويه يحيى الحِمَّانيُّ، قال أحمد‏:‏ كان يكذب جهارًا‏.‏

ئمَّ لا حجَّة فيه، لأنَّ جميع الألفاظ حكاية عن رجلٍ أفطر، ولم يذكر بماذا أفطر، فنحمله على الوطء بدليلنا‏.‏

وأمَّا اللفظ الذي فيه أنَّ رجلاً كل‏.‏

‏:‏ فيرويه أبو مَعْشر نَجيح، قال يحيى بن معين‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

ز‏:‏ قال البيهقيُّ‏:‏ رواية الجماعة عن الزُّهريِّ مقيَّدةٌ بالوطء ناقلةٌ للفظ صاحب الشَّرع- أولى بالقبول لزيادة حفظهم وأدائهم الحديث على وجهه، كيف وقد روى حمَّاد بن مسعدة هذا الحديث عن مالك عن الزُّهريِّ نحو رواية الجماعة‏؟‏‏!‏

1741- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الفضل بن إبراهيم ثنا أحمد بن سلمة ثنا عبد الرَّحمن بن بشر بن الحكم ثنا حمَّاد بن مسعدة عن مالكٍ عن ابن شهابٍ عن حميد بن عبد الرَّحمن عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في رجلٍ وقع على أهله في رمضان، قال‏:‏ ‏"‏أعتق رقبة‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ما أجدها‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏فصُم شهرين‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ما أستطيع‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏فأطعم ستين مسكينًا ‏"‏ O‏.‏

مسألة ‏(‏362‏)‏‏:‏ إذا كل ناسيًا لم يبطل صَومُه‏.‏

وقال مالك‏:‏ يبطل‏.‏

لنا حديثان‏:‏ 1742- الحديث الأوَّل‏:‏ قال أحمد‏:‏ ثنا يزيد بن هارون نا هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من نسي وهو صائمٌ فأكل أو شرب، فليتمَّ صومه، فإنَّما أطعمه الله وسقاه‏"‏‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

1743- طريقٌ آخر‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا عبيد الله بن عبد الصَّمد ابن المهتدي ثنا أحمد بن خليد الكنديُّ نا محمَّد بن عيسى بن الطَّبَّاع ثنا ابن عُليَّة عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إذا أكل الصَّائم ناسيًا، أو شرب ناسيًا، فإنَّما هو رزقٌ ساقه الله إليه، ولا قضاء عليه‏"‏‏.‏

قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ إسنادٌ صحيحٌ، كلُّهم ثقاتٌ‏.‏

1744- طريقٌ آخر‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا محمَّد بن محمود السراج ثنا محمَّد بن مرزوق البصريُّ ثنا محمَّد بن عبد الله الأنصاريُّ ثنا محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏من أفطر في شهر رمضان ناسيًا، فلا قضاء عليه ولا كفَّارة‏"‏‏.‏

قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ تفرَّد به ابن مرزوق- وهو ثقةٌ- عن الأنصاريِّ‏.‏

ز‏:‏ روى هذا الحديث الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ وقال‏:‏ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرجاه‏.‏

ولم يتفرَّد به ابن مرزوق عن الأنصاريِّ، بل رواه عنه غيره‏:‏ 1745- قال البيهقيُّ‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو عبد الرَّحمن محمَّد بن عبد الله التَّاجر نا أبو حاتم محمَّد بن إدريس ثنا محمَّد بن عبد الله الأنصاريُّ ثنا محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏من أقطر في رمضان ناسيًا، فلا قضاء عليه ولا كفَّارة‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وكذلك رواه محمَّد بن مرزوق البصريُّ عن الأنصاريِّ، وهو ممَّا تفرَّد به الأنصاريُّ عن محمَّد بن عمرو، وكلُّهم ثقاتٌ‏.‏

انتهى كلامه‏.‏

ومحمَّد بن عمرو‏:‏ صدوقٌ لكن تكلَّم فيه من قبل حفظه‏.‏

والمشهور في هذا الحديث هذا اللفظ المخرَّج في الصَّحيح، وهذا مرويٌّ بالمعنى، والله أعلم O‏.‏

1746- الحديث الثَّاني‏:‏ قال أحمد‏:‏ ثنا عبد الصَّمد ثنا بشَّار بن عبد الملك قال‏:‏ حدَّثتني أمُّ حكيم بنت دينار عن مولاتها أمِّ إسحاق أنَّها كانت عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتي بقصعةٍ من ثَرِيدٍ، فأكلت معه، ومعه ذو اليدين، فناولها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرْقًا فقال‏:‏ ‏"‏يا أمّ إسحاق أصيبي من هذا‏"‏‏.‏

قالت‏:‏ فذكرتُ أنِّي كنت صائمةً فبردت يدي، لا أقدِّمها ولا أؤخرِّها‏!‏ فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏مالك‏؟‏‏!‏ ‏"‏ قلت‏:‏ كنت صائمةً فنسيت‏!‏ فقال ذو اليدين‏:‏ الآن بعد ما شبعت‏!‏ فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏أتمي صومَكِ، فإنَّما هو رزقٌ ساقه الله إليك‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ غير مخرَّجٍ في ‏"‏ السُّنن‏"‏، وبعض رواته ليس بمشهورٍ، وبشَّار بن عبد الملك هو‏:‏ المزنيُّ، بصريٌّ، قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين‏:‏ بشَّار بن عبد الملك ضعيفٌ‏.‏

وقال أبو حاتم الرَّازيُّ‏:‏ روى عن جدَّتِه أمِّ حكيم بنت دينار، روى عنه موسى بن إسماعيل وعبد الصَّمد بن عبد الوارث‏.‏

وقال البخاريُّ في ‏"‏ التَّاريخ ‏"‏‏:‏ بشَّار بن عبد الملك يعدُّ في البصريين، قال لنا موسى بن إسماعيل‏:‏ ثنا بشَّار بن عبد الملك قال‏:‏ حدَّثتني أمُّ حكيم سمعت مولاتها أمَّ إسحاق الغنوية قالت‏:‏ هاجرت إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ O‏.‏

مسألة ‏(‏363‏)‏‏:‏ لا تكره القبلة للصائم إذا كان ممَّن لا تحرِّك شهوته‏.‏

وعنه‏:‏ تكره، كقول مالك‏.‏

لنا أربعة أحاديث‏:‏ 1747- الحديث الأوَّل‏:‏ قال أحمد‏:‏ ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت‏:‏ كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبِّل وهو صائمٌ‏.‏

1748- الحديث الثَّاني‏:‏ قال أحمد‏:‏ وثنا إسماعيل بن إبراهيم ثنا هشام الدَّستوائيُّ عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن زينب بنت أمِّ سلمة عن أمِّ سلمة أنَّها قالت‏:‏ كان رسول اللّه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبِّلها وهو صائمٌ‏.‏

الحديثان في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

1749- الحديث الثَّالث‏:‏ قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا حجَّاج ثنا ليث قال‏:‏ حدَّثني بكير عن عبد الملك بن سعيدٍ الأنصاريِّ عن جابر بن عبد الله عن عمر ابن الخطَّاب قال‏:‏ هششت يومًا فقبَّلت وأنا صائمٌ، فأتيت النَّبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت‏:‏ صنعت اليوم أمرًا عظيمًا‏!‏ قبَّلتُ وأنا صائمٌ‏!‏ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏أرأيت لو تمضمضت وأنت صائمٌ‏؟‏‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ لا بأس‏.‏

فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ففيم‏؟‏‏!‏‏"‏‏.‏

قال المؤلِّف‏:‏ ليثٌ ضعيفٌ‏.‏

ز‏:‏ كذا قال‏!‏ وهو وهمٌ ظاهرٌ، فإنَّ ليثًا هذا هو ابن سعدٍ الإمام، وليس بابن أبي سُليم المتكلَّم فيه‏.‏

قال شيخنا الإمام العلامة أبو العبَّاس‏:‏ ليث هذا هو‏:‏ الليث بن سعدٍ الإمام الجليل، لا يختلف في فضله ونبله وثقته وفقهه اثنان‏!‏ توهَّم المؤلِّف رحمه الله أنَّه ليث بن أبي سليم، وذاك مع حفظه قد ضُعِّف، وليس طبقة ليث بن سعدٍ طبقة ابن أبي سليم؛ فإنَّ ابن أبي سليم يروي عن عطاء ومجاهد وكبار التَّابعين‏.‏

وأحمد لا يروي عن واحدٍ عنه، وإنَّما يروي عن اثنين، والرُّواة عنه مثل‏:‏ سفيان وشعبة‏.‏

وبكير- محدِّث الليث- هو‏:‏ بكير بن عبد الله بن الأشج، رجلٌ مصريٌّ من بلد الليث بن سعد، لا يروي عنه الليث بن أبي سليم أبدًا ولا يمكن ذاك‏.‏

وإنَّما أُتي المصنِّف رحمه الله من حيث قيل‏:‏ ‏(‏ليث‏)‏- بحذف اللام-، وفي الغالب إنَّما تسقطان في ابن أبي سُليم وتثبتان في ابن سعدٍ، وما ذاك بضربة لازبٍ، فإنَّ حذفها في ابن سعدٍ كثيرٌ في ‏"‏ المسند‏"‏، انتهى كلام شيخنا رحمه الله‏.‏

وقد روى هذا الحديث أيضًا‏:‏ عبد بن حميد في ‏"‏ مسنده ‏"‏ عن أبي الوليد عن ليث‏.‏

ورواه أبو داود عن أحمد بن يونس وعيسى بن حمَّاد عن الليث‏.‏

ورواه النَّسائيُّ عن قتيبة عن ليث‏.‏

وقال‏:‏ هذا حديثٌ منكرٌ، وبكير مأمون، وعبد الملك بن سعيد روى عنه غير واحدٍ، ولا ندري ممَّن هذا‏؟‏‏!‏‏.‏

ورواه أبو حاتم بن حِبَّان البستيُّ عن الفضل بن الحبُاب الجُمحيِّ عن أبي الوليد عن ليث‏.‏

ورواه الهيثم بن كُليب الشَّاشيُّ من رواية شبابة عن الليث‏.‏

ورواه البيهقيُّ من رواية يحيى بن بُكيرٍ عن الليث‏.‏

ورواه الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ وقال‏:‏ على شرط الشَّيخين‏.‏

وليس كلما قال، فإنَّ عبد الملك بن سعيد بن سويد انفرد به مسلمٌ لكن هو صدوق‏.‏

وقد ضعَّف الإمام أحمد بن حنبل هذا الحديث، وقال‏:‏ هذا ريحٌ، ليس من هذا شيء‏.‏

وإنَّما ضعَّف الإمام أحمد هذا الحديث وأنكره النَّسائيُّ مع أنَّ رواته صادقون، لأنَّ الثَّابت عن عمر خلافه‏:‏ 1750- فروى عبد الرَّزَّاق عن معمر عن الزُّهريِّ عن ابن المسيَّب أنَّ عمر بن الخطَّاب كان ينهى عن القبلة للصائم، فقيل له‏:‏ إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقبِّل وهو صائم‏.‏

فقال‏:‏ من ذا له من الحفظ والعصمة ما لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏‏!‏‏.‏

وقد حمل أبو عمر بن عبد البرِّ قول عمر هذا على التَّنزيه، فقال‏:‏ لا أرى معنى حديث ابن المسيَّب في هذا الباب عن عمر إلا تنزهًا واحتياطًا منه، لأنَّه قد روي فيه عن عمر حديثٌ مرفوعٌ، ولا يجوز أن يكون عند عمر حديثٌ ويخالفه إلى غيره‏.‏

ثمَّ ذكر حديث الليث عن بكير O‏.‏

1751- الحديث الرَّابع‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ثنا عبد الله بن محمَّد بن عبد العزيز ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا أبو الأحوص عن زياد بن علاقة عن عمرو ابن ميمون عن عائشة قالت‏:‏ كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبِّل في شهر رمضان‏.‏

قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ هذا إسنادٌ صحيحٌ‏.‏

ز‏:‏ روى هذا الحديث مسلمٌ وأبو داود والتِّرمذيُّ وصحَّحه والنَّسائيُّ وابن ماجة من حديث أبي الأحوص‏.‏

ورواه مسلمٌ من حديث بهز بن أسد عن أبي بكر النهشليِّ عن زياد بن علاقة O‏.‏

أما حجُّتُهم‏:‏ 1752- فقال أحمد بن حنبل‏:‏ ثنا أبو نُعيم ثنا إسرائيل عن زيد بن جبير عن أبي يزيد ‏[‏الضِّنِّيِّ‏]‏ عن ميمونة بنت سعدٍ قالت‏:‏ سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رجلٍ قبَّل امرأته وهما صائمان‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏قد أفطرا‏"‏‏.‏

قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ هذا لا يثبت، وأبو يزيد ‏[‏الضِّنِّيُّ‏]‏ ليس بمعروفٍ‏.‏

ز‏:‏ رواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن الفضل بن دُكين، وهو غيرٍ ثابتٍ كما قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏.‏

1753- وقال البيهقيُّ‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا‏:‏ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الحميد الحارثيُّ نا أبو أسامة عن عمر بن حمزة ثنا سالم عن عبد الله بن عمر قال‏:‏ قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه‏:‏ رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فرأيته لا ينظرني‏!‏ فقلت‏:‏ يا رسول الله، ما شأني‏؟‏‏!‏ فالتفت إليَّ فقال‏:‏ ألسْتَ المقبِّل وأنت الصَّائم‏؟‏‏!‏ فوالذي نفسي بيده لا أقبِّل وأنا صائمٌ امرأةً ما بقيت‏.‏

قال البيهقيُّ‏:‏ تفرَّد به عمر بن حمزة، فإن صحَّ فعمر بن الخطَّاب رضي الله عنه كان قويًّا مما يتوهَّم تحريك القبلة شهوته، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏364‏)‏‏:‏ لا يكره السِّواك بعد الزَّوال للصائم، وهو قول أبي حنيفة ومالك‏.‏

وعنه‏:‏ يكره، كقول الشَّافعيِّ‏.‏

لنا‏:‏ 1754- ما روى التِّرمذيُّ‏:‏ ثنا محمَّد بن بشَّار ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال‏:‏ رأيتُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لا أُحصي يتسوك وهو صائمٌ‏.‏

ز‏:‏ رواه أبو داود والتِّرمذيُّ من حديث عاصم بن عبيد الله‏.‏

وقال التِّزمذيُّ‏:‏ حسنٌ‏.‏

وعاصمٌ‏:‏ قد تكلَّم فيه غير واحدٍ من الأئمة، كالإمام أحمد بن حنبل وابن معينٍ وابن سعدٍ والجُوْزجانيِّ وأبي حاتم الرَّازيِّ وابن خزيمة، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ مدنيٌّ، يترك وهو مغفَّل‏.‏

وقال العجليُّ‏:‏ لا بأس به‏.‏

وقال ابن عَدِيٍّ‏:‏ يكتب حديثه مع ضعفه O‏.‏

احتجُّوا بحديثين‏:‏ 1755- الحديث الأوَّل‏:‏ قال المؤلِّف‏:‏ أخبرنا به أبو منصور القزَّاز أنا أبو بكر أحمد بن عليٍّ الحافظ أنا الصَّيْمريُّ/ ثنا القاضي أبو بشر أحمد بن محمَّد الهرويُّ ثنا عبد الله بن جعفر بن إسحاق الموصليُّ ثنا إبراهيم بن ‏[‏سعيدٍ‏]‏ الجوهريُّ ثنا عبد الصَّمد بن النُّعمان ثنا كيسان أبو عمر القصَّاب عن يزيد بن بلال عن خبَّاب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال‏:‏ ‏"‏إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشيِّ، فإنَّه ليس من صائمٍ تيبس شفتاه بالعشيِّ إلا كانتا نورًا بين عينيه يوم القيامة‏"‏‏.‏

قال يحيى بن معين‏:‏ كيسان ضعيفٌ‏.‏

وقال ابن حِبَّان‏:‏ لا يحتجُّ بيزيد بن بلال‏.‏

وقد روي هذا عن عليِّ بن أبي طالب من كلامه‏.‏

ز‏:‏ 1756- قال البيهقيُّ‏:‏ أخبرنا محمَّد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب قال‏:‏ سمعت العبَّاس بن محمَّد يقول‏:‏ سمعت يحيى ابن معين يقول‏:‏ ثنا عليُّ بن ثابتٍ عن كيسان أبي عمر عن يزيد بن بلال- مولاه، وكان قد شهد مع عليٍّ صفين- عن عليٍّ رضي الله عنه قال‏:‏ لا يستاك الصَّائم بالعشيّ، ولكن بالليل، فإنَّ يبوس شفتي الصَّائم نورٌ بين عينيه يوم القيامة‏.‏

1757- قال‏:‏ وأخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا عليُّ بن عمر الحافظ ثنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل ثنا أبو خراسان محمَّد بن أحمد بن السَّكن ثنا عبد الصَّمد بن النُّعمان ثنا أبو عمر القصَّاب كيسان عن يزيد بن بلال عن عليٍّ قال‏:‏ إذا صمتم فاستاكوا بالغداة، ولا تستاكوا بالعشيِّ، فإنَّه ليس من صائمٍ تيْبس شفتاه بالعشيِّ إلا كانتا نورًا بين عينيه يوم القيامة‏.‏

قال عليُّ بن ‏[‏عمر‏]‏‏:‏ ثنا أبو عبيد ثنا أبو خراسان ثنا عبد الصَّمد ثنا كيسان أبو عمر عن عمرو بن عبد الرَّحمن عن خبَّاب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله‏.‏

قال عليٌّ‏:‏ كيسان أبو عمر ليس بالقويِّ، ومن بينه وبين عليٍّ غير معروفٍ‏.‏

وقال أبو حاتم بن حِبَّان‏:‏ يزيد بن بلال بن الحارث الفزاريُّ، من أهل الكوفة، يروي عن عليِّ بن أبي طالبٍ، روى عنه كيسان أبو عمر، منكر الحديث، يروي عن عليٍّ ما لا يشبه حديثه، لا يجوز الاحتجاح به إذ انفرد، وإن اعتبر به معتبرٌ فيما وافق الثِّقات من غير أن يحتجَّ به لم أر به بأسًا‏.‏

وقال الأزديُّ‏:‏ يزيد بن بلال‏:‏ منكر الحديث، لا يشتغل بحديثه‏.‏

1758- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا محمَّد بن إسحاق الخيَّاط ثنا أبو منصمور ثنا عمر بن قيسٍ عن عطاء عن أبي هريرة قال‏:‏ لك السِّواك إلى العصر، قإذا صلَّيت العصر فألقه، فإنِّي سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول‏:‏ ‏"‏خلوف فم الصَّائم أطيب عند الله من ريح المسك‏"‏‏.‏

هذا إسنادٌ غير قويٍّ، والله أعلم O‏.‏

1759- الحديث الثَّاني‏:‏ رواه إبراهيم بن بيطار الخوارزميُّ عن عاصم الأحول قال‏:‏ سألت أنس بن مالك، قلت‏:‏ أيستاك الصائم‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قلت‏:‏ برطب السِّواك ويابسه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قلت‏:‏ في أوَّل النَّهار وآخره‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قلت له‏:‏ عمَّن‏؟‏ قال‏:‏ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وهذا لا يصحُّ‏.‏

قال أبو حاتم بن حِبَّان‏:‏ هذا الحديث لا أصل له من حديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا من حديث أنس؛ وإبراهيم يروي عن عاصم المناكير التي لا يجوز الاحتجاج بها‏.‏

ز‏:‏ ذِكرُ هذا الحديث فيما احتجَّ به المخالف وهمٌ، فإنَّه يدلُّ على عدم الكراهة، والمخالف يقول بالكراهة، وفي الجملة هذا حديثٌ لا يجوز لأحدٍ أن يحتجَّ به، وإبراهيم- راويه-‏:‏ يقال له‏:‏ ابن بيطار، ويقال‏:‏ ابن عبد الرَّحمن، وهو غير محتجٍّ به‏.‏

1760- قال البيهقيُّ‏:‏ وأمَّا الحديث الذي أخبرنا أبو الحسن عليُّ بن الحسن بن فِهْر بمكَّة أنا عبد الله بن محمَّد الشَّافعيُّ ثنا أبو عليٍّ الحافظ عبد الله ابن محمَّد بن عليِّ بن جعفر بن ميمون البلخيُّ بمكَّة ثنا ابراهيم بن يوسف بن ميمون البلخيُّ ثنا أبو إسحاق الخوارزميُّ- قاضي خوارزم، قدم علينا أيَّام عليِّ ابن عيسى- قال‏:‏ سألت عاصمًا الأحول قلت‏:‏ أيستاك الصَّائم‏؟‏ فقال‏:‏ نعم‏.‏

قلت‏:‏ برطب السِّواك ويابسه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قلت‏:‏ أوَّل النَّهار وآخره‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قلت‏:‏ عمَّن‏؟‏ قال‏:‏ عن أنس بن مالك عن النَّبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

فهذا يتفرَّد به أبو إسحاق إبراهيم بن بيطار- ويقال‏:‏ إبراهيم بن عبد الرَّحمن- قاضي خوارزم، حدَّث ببلخ عن عاصم الأحول بالمناكير، لا يحتجُّ به، وقد روي عنه من وجهٍ آخر ليس فيه ذكر أوَّل النَّهار وآخره‏:‏ 1761- أخبرنا أبو سعد المالينيُّ أنا أبو أحمد بن عَدِيٍّ ثنا محمَّد بن أحمد بن مزدك البخاريُّ ثنا عبيد الله بن واصل ثنا محمَّد بن سلام أنا إبراهيم بن عبد الرَّحمن قال‏:‏ سألت عاصم الأحول عن السِّواك للصَّائم، فقال‏:‏ لا بأس به‏.‏

فقلت‏:‏ برطب السِّواك ويابسه‏؟‏ فقال‏:‏ أتراه أشدُّ رطوبةً من الماء‏؟‏‏!‏ قلت‏:‏ عمَّن‏؟‏ قال‏:‏ عن أنس بن مالك عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قال أبو أحمد‏:‏ إبراهيم هذا عامَّة أحاديثه غير محفوظةٍ‏.‏

1762- قال البيهقيُّ‏:‏ أخبرنا أبو زكريا ابن أبي إسحاق المزكيُّ أنا أبو عبد الله محمَّد بن يعقوب ثنا محمَّد بن عبد الوهَّاب أنا جعفر بن عون أنا مسعر عن أبي نَهيك الأسديِّ عن زياد بن حُدير قال‏:‏ مأ رأيت أحدًا أدأب سوكًا وهو صائمٌ من عمر‏!‏- أراه قال‏:‏ بعودٍ قد ذوى-‏.‏

قال أبو عبيدٍ‏:‏ يعني‏:‏ يبس‏.‏

1763- أخبرنا أبو الحسين بن بشران- ببغداد- أنا إسماعيل بن محمَّد الصَّفَّار ثنا سعدان بن نصر نا وكيع عن عبد الله بن نافع- مولى ابن عمر- عن أبيه عن ابن عمر أنَّه كان يستاك وهو صائمٌ O‏.‏

مسألة ‏(‏365‏)‏‏:‏ لا يكره الاغتسال للصَّائم في الحرِّ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يكره‏.‏

1764- قال أبو داود‏:‏ ثنا عبد الله بن مسلمة القَعْنَبِيُّ عن مالك عن سُمَيٍّ- مولى أبي بكرٍ- عن أبي بكر بن عبد الرَّحمن عن بعض أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ رأيتُ النَّبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصُبُّ على رأسه الماء وهو صائمٌ من العطش- أو‏:‏ من الحر-‏.‏

ز‏:‏ ورواه النَّسائيُّ عن قتيبة عن مالكٍ‏.‏

ورواته أئمة، وجهالة الصَّحابي لا تضرُّ‏.‏

1765- وقال البيهقيُّ‏:‏ أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكيُّ أنا أبو عبد الله محمَّد بن يعقوب أنا محمَّد بن عبد الوهَّاب أنا جعفر بن عون أنا ابن أبي ذئب عن المنذر بن أبي المنذر قال‏:‏ رأيت ابن عبَّاس رضي الله عنه يكرع في حياض زمزم وهو صائمٌ‏.‏

ومعنى يكرع‏:‏ يَغْطِس O‏.‏

مسألة ‏(‏366‏)‏‏:‏ إذا اكتحل بما يصل إلى جوفه أفطر‏.‏

وقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ‏:‏ لا يفطر‏.‏

1766- قال أبو داود‏:‏ حدَّثنا النُّفيليُّ ثنا عليُّ بن ثابتٍ قال‏:‏ حدَّثني عبد الرَّحمن بن النُّعمان بن معبد بن هَوذَة عن أبيه عن جدِّه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه أمر بالإثمد المُرَوَّح عند النَّوم، وقال‏:‏ ‏"‏ليتَّقه الصَّائم‏"‏‏.‏

قال أبو داود‏:‏ قال لي يحيى بن معين‏:‏ هذا حديثٌ منكرٌ‏.‏

وعبد الرَّحمن‏:‏ ضعيفٌ، وقال الرَّازي‏:‏ هو صدوقٌ‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث انفرد به أبو داود، ومعبد وابنه النُّعمان كالمجهولين، فإنَّه لا يعرف لهما إلا هذا الحديث‏.‏

وعبد الرَّحمن بن النُعمان‏:‏ قال اسحاق بن منصور عن يحيى بن معين‏:‏ هو ضعيفٌ‏.‏

وصدَّقه أبو حاتم كما ذكر المؤلِّف‏.‏

وقال البيهقيُّ‏:‏ وقد روى في النَّهي عن الكحل نهارًا وهو صائمٌ حديثٌ أخرجه البخاريُّ في ‏"‏ التَّاريخ ‏"‏‏:‏ 1767- أخبرناه أبو طاهر الفقيه أنا أبو بكر القطَّان ثنا أحمد بن يوسف ثنا أبو نعيم ثنا عبد الرَّحمن أبو النَّعمان الأنصاريُّ حدَّثني أبي عن جدِّي- قال‏:‏ وكان جدُّه أُتي به النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمسح على رأسه- فقال‏:‏ ‏"‏لا تكتحل بالنَّهار وأنت صائمٌ، اكتحل ليلاً، الإثمد يجلو البمر، وينبت الشّعر‏"‏‏.‏

قال البيهقيُّ‏:‏ عبد الرَّحمن هو‏:‏ ابن النُّعمان بن معبد بن هَوْذَة، أبو النُّعمان، ومعبد بن هَوْذَة الأنصاريُّ‏:‏ هو الذي له هذه الصُّحبة O‏.‏

احتجُّوا‏:‏

1768- بما روى التِّرمذيُّ‏:‏ ثنا عبد الأعلى بن واصلٍ ثنا الحسن بن عطيَّة ثنا أبو عاتكة عن أنس بن مالكٍ قال‏:‏ جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال‏:‏ اشتكت عيني‏!‏ أفأكتحل وأنا صائمٌ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم‏"‏‏.‏

قال التِّرمذيُّ‏:‏ إسناده ليس بالقويِّ، ولا يصحُّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الباب شيءٌ، وأبو عاتكة ضعيفٌ‏.‏

قال المؤلِّف‏:‏ اسم أبي عاتكة‏:‏ طريف بن سلمان، قال البخاريُّ‏:‏ منكر الحديث‏.‏

وقال النَّسائيُّ‏:‏ ليس بثقةٍ‏.‏

وقال الرَّازيُّ‏:‏ ذاهب الحديث‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث انفرد به التِّرمذيُّ، وإسناده واهٍ جدًّا‏.‏

وأبو عاتكة مجمعٌ على ضعفه، واسمه‏:‏ طريف بن سلمان- ويقال‏:‏ سلمان بن طريف-‏.‏

والحسن بن عطيَّة هو‏:‏ ابن نجيح القرشيُّ، أبو عليٍّ، الكوفيُّ، البزَّاز، صدَّقه أبو حاتم، وضعَّفه الأزديُّ؛ وهو في النُّسخ بكتاب ‏"‏ التحقيق ‏"‏‏:‏ ‏(‏الحسين‏)‏، وذلك وهمٌ‏.‏

وقد روى أبو داود في ‏"‏ سننه ‏"‏ عن أنس أنَّه كان يكتحل وهو صائمٌ، موقوفًا عليه‏:‏

1769- فقال‏:‏ حدَّثنا ‏[‏وهب‏]‏ بن بقيَّة أنا أبو معاوية عن عتبة أبي معاذ عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس بن مالك أنَّه كان يكتحل وهو صائمٌ‏.‏

وهذا إسنادٌ مقاربٌ‏.‏

وعُتبة أبو معاذ هو‏:‏ ابن حميد الضَّبيُّ البصريُّ، قال أحمد بن حنبل‏:‏ كتب من الحديث شيئًا كثيرًا‏.‏

قيل له‏:‏ كيف حديثه‏؟‏ قال‏:‏ ضعيفٌ ليس بالقويِّ‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ سألت أبي عنه فقال‏:‏ كان بصريُّ الأصل، وكان جوَّالة في طلب الحديث، وهو صالح الحديث‏.‏

1770- وقال البيهقيُّ‏:‏ وقد روي عن محمَّد بن عبيد الله بن أبي رافع- وليس بالقويِّ- عن أبيه عن جدِّه أنَّ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يكتحل بالإثمد وهو صائمٌ‏:‏ أخبرناه أبو سعدٍ المالينيُّ أنا أبو أحمد بن عَدِيٍّ الحافظ ثنا الفضل بن عبيد الله الأنطاكيُّ ثنا لُوَيْن ثنا حِبَّان بن عليٍّ عن محمَّد بن عبيد الله بن أبي رافع‏.‏

وكلذلك رواه مُعمَّر بن محمَّد عن أبيه بمعناه‏.‏

1771- ورواه سعيد بن أبي سعيد الزُّبيديِّ- صاحب بقيَّة- عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت‏:‏ ربَّما اكتحل النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو صائمٌ‏.‏

أخبرناه أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا‏:‏ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا محمَّد بن إسحاق الصَّغانيُّ ثنا أحمد بن أبي الطَّيِّب ثنا بقيَّة بن الوليد عن سعيد الزُّبيديِّ فذكره‏.‏

وسعيد الزُّبيديِّ‏:‏ من مجاهيل شيوخ بقيَّة، ينفرد بما لا يتابع عليه‏.‏

وروي عن أنس بن مالك مرفوعًا- بإسنادٍ ضعيفٍ بمرَّةٍ-‏:‏ أنَّه لم ير به بأسًا‏.‏

أراد البيهقيُّ بحديث أنس الحديث المتقدِّم، الذي رواه التِّرمذيُّ من طريق أبي عاتكة‏.‏

وقد روى حديث ‏[‏الزُّبيديِّ‏]‏‏:‏ ابنُ ماجة في ‏"‏ سننه ‏"‏ فقال‏:‏ 1772- حدَّثنا أبو التَّقيِّ هشام بن عبد الملك الحمصيُّ ثنا بقيَّة ثنا الزُّبيديُّ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت‏:‏ اكتحل النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو صائمٌ‏.‏

وقد ظنَّ بعض العلماء أنَّ الزُّبيديَّ في هذا الحديث هو‏:‏ محمَّد بن الوليد، الثِّقة الثَّبت، وذلك وهمٌ، وإنَّما هو سعيد بن أبي سعيد- كما صُرِّح به في رواية البيهقيِّ وغيره-، وليس هو بمجهولٍ- كما قاله ابن عَدِيٍّ والبيهقيُّ- بل هو سعيد بن عبد الجبَّار الزُّبيديُّ الحمصيُّ، وهو مشهورٌ لكنَّه مجمعٌ على ضعفه‏.‏

وأبو أحمد بن عَدِيٍّ فرَّق في كتابه بين ‏(‏سعيد بن أبي سعيد‏)‏ وبين ‏(‏ابن عبد الجبَّار‏)‏ وهما واحد، وروى هذا الحديث في ترجمة سعيد بن أبي سعيد الزُّبيديِّ، فرواه من رواية أبي التَّقِيِّ عن بقيَّة كرواية ابن ماجة، ورواه من رواية عبد الجبَّار بن عاصم عن بقيَّة فقال‏:‏ ‏(‏عن سعيد بن أبي سعيد الزُّبيديِّ‏)‏، ورواه من رواية كثير بن عُبيد عن بقيَّة فقال‏:‏ ‏(‏عن سعيد الزُّبيديِّ‏)‏‏.‏

ويظهر من هذا أنَّ بقيَّه سمَّى الزُّبيديَّ لبعض من رواه عنه دون بعض، أو سمَّاه لجميعهم ولكنَّ أبو التَّقيِّ الحمصيُّ لم ينسب الزُّبيديِّ، ليوهم أنَّه محمَّد بن الوليد الثَّقة المشهور، أو لأنَّه لو سمَّاه لبيَّن ضعف الحديث، والله أعلم‏.‏

والأظهر في الجملة أنَّ الكحل لا يفطِّر الصَّائم، لعدم الدَّليل الدَّال على ذلك، من نصٍّ أو قياسٍ صحيحين، والله الموفِّق للصواب O‏.‏