فصل: الكلام وما يتألف منه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ***


الكلام وما يتألف منه‏:‏

إنما بدأ بتعريف الكلام؛ لأنه هو المقصود في الحقيقة، إذ به يقع التفاهم، وإنما قال ‏"‏وما يتألف‏"‏‏,‏ ولم يقل‏:‏ وما يتركب؛ لأن التأليف كما قيل أخص إذ هو تركيب وزيادة، وهو وقوع الألفة بين الجزءين‏,‏ والضمير المرفوع في يتألف عائد على ما‏,‏ والمعنى هذا باب شرح الكلام‏.‏ والمجرور بمن عائد على ما‏.‏ والمعنى هذا باب شرح الكلام وشرح الشيء الذي يتألف الكلام منه، وهو الكلم‏,‏ ولكنه حذف الباب والشرح وأقام المضاف إليه مقام المحذوف اختصارا ‏"‏ثم قال‏"‏‏:‏

كلامنا لفظ مفيد كاستقم‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

هذا تعريف ‏"‏الكلام‏"‏ في اصطلاح النحويين، فلذلك قيده بإضافته إلى الضمير‏,‏ وقوله‏:‏ ‏"‏لفظ‏"‏ جنس للحد، وهو صوت المعتمد على ‏"‏مقطع من اللسان‏"‏

وخرج بتصدير الحد به ما يطلق عليه كلام في اللغة وليس بلفظ‏,‏ وهو خمسة أشياء‏:‏

الخط، والإشارة، وما يفهم من حال الشيء، وحديث النفس، والتكلم‏.‏

وقوله ‏"‏مفيد‏"‏ فصل أخرج به ما يطلق عليه لفظ، وليس بكلام في الاصطلاح لكونه غير مفيد‏.‏

وذلك خمسة أشياء‏:‏ الكلمة، نحو ‏"‏زيد‏"‏، والمركب تركيبا تقييديا نحو ‏"‏غلام زيد‏"‏ أو تركيبا إسناديا لا يجهل ‏"‏كالنار حارة‏"‏ أو لم يقصد ككلام النائم، أو قصد لغيره لا لذاته كالجملة الموصول بها، فلا يسمى شيء من ذلك كلاما في الاصطلاح لكونه غير مفيد الإفادة الاصطلاحية‏,‏ وهي إفهام معنى يحسن السكوت عليه‏.‏

وقوله ‏"‏كاستقم‏"‏ تمثيل للكلام الاصطلاحي بعد تمام حده‏,‏ لا تتميم للحد خلافا للشارح، وقد نص في شرح الكافية على أن في الاقتصار على مفيد كفاية‏.‏

فإن قلت‏:‏ إذا كان في الاقتصار على مفيد كفاية، لكونه مغنيا عن بقية القيود فما باله ذكرها في التسهيل، حيث قال‏:‏ والكلام، ما تضمن من الكلام إسنادا مفيدا مقصودا لذاته‏؟‏

قلت كأنه أخذ ‏"‏المفيد‏"‏ في حد التسهيل بالمعنى الأعم لا بمعنى الاصطلاح، فلذلك احتاج إلى ذكرها أو أراد أن ينص فيه على ما يفهم من قيد الإفادة بطريق الالتزام‏.‏

فإن قلت‏:‏ هل الأولى تصدير الحد باللفظ كما فعل هنا أو بالقول كما فعل في الكافية‏؟‏

قلت‏:‏ تصديره بالقول ‏"‏أولى‏"‏؛ لأنه أخص، إذ لا يقع على المهمل بخلاف اللفظ فإنه يقع على المستعمل والمهمل، وقد صرح بذلك في شرح التسهيل‏.‏

وذهب بعضهم إلى أن اللفظ والقول مترادفان يجوز إطلاقهما على المهمل، وعلى هذا قيل‏:‏ إن اللفظ أولى من القول؛ لأن القول يطلق على الرأي‏,‏ والاعتقاد إطلاقا متعارفا ‏"‏وشاع ذلك‏"‏ حتى صار كأنه حقيقة عرفية، واللفظ ليس كذلك‏.‏

وأورد أن اللفظ جمع لفظة فلا يصح جعله جنسا‏.‏

وأجيب بأن اللفظ مصدر ‏"‏صالح‏"‏ للقليل والكثير، والتاء في ‏"‏لفظة‏"‏ ‏"‏للتنصيص‏"‏ على الوحدة، وليس اللفظ بجمع، وإنما يقال ‏"‏ذلك‏"‏ فيما ليس بمصدر كالكلم والنبق‏.‏

واعترض بأنه لا يصح كون اللفظ هنا مصدرا؛ لأن المصدر ‏"‏هو‏"‏ فعل الشخص، وفعل الشخص ليس هو الكلام بل الكلام متعلقه‏.‏

‏"‏فزيد قائم‏"‏ مثلا هو الكلام‏,‏ ولفظك إذا عنيت به المصدر يتعلق بهذه الجملة‏.‏

والجواب أن اللفظ هنا مصدر أطلق على المفعول به‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ لم يشترط كثير من النحويين في الكلام سوى التركيب الإسنادي، فمتى حصل ‏"‏الإسناد‏"‏ كان كلاما، ولم يشترطوا الإفادة ولا القصد، فالكلام عندهم ما تضمن كلمتين بالإسناد‏.‏ قال في شرح التسهيل‏:‏ وقد صرح سيبويه في مواضع كثيرة من كتابه بما يدل على أن الكلام لا يطلق حقيقة إلا على الجمل المفيدة‏.‏

الثاني‏:‏ لم يشترط ابن طلحة في الكلام التركيب فزعم أن الكلمة الواحدة وجودا وتقديرا قد تكون كلاما إذا قامت مقام الكلام ‏"‏كنعم‏"‏ و‏"‏لا‏"‏ في الجواب‏.‏

والصحيح أن الكلام هو الجملة المقدرة ‏"‏بعدهما‏"‏ لا واحدة منهما‏.‏

الثالث‏:‏ قال في شرح التسهيل‏:‏ وزاد بعض العلماء في حد الكلام ‏"‏أن يكون‏"‏ من ناطق واحدا احترازا من أن يصطلح رجلان على أن يذكر أحدهما فعلا أو مبتدأ ويذكر الآخر فاعل ذلك الفعل ‏"‏أو جزء‏"‏ ذلك المبتدأ؛ لأن الكلام ‏"‏عمل‏"‏ واحد فلا يكون عامله إلا واحدا‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏وللمستغني‏"‏ عن هذه الزيادة جوابان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن يقول‏:‏ لا نسلم أن مجموع النطقين ليس بكلام بل هو كلام وليس اتحاد الناطق معتبرا كما لم يكن اتحاد الكاتب معتبرا في كون الخط خطا‏.‏

والثاني‏:‏ أن يقال كل واحد من المصطلحين إنما اقتصر على كلمة واحدة اتكالا على نطق الآخر بالأخرى، فمعناها مستحضر في ذهنه فكل واحد من المصطلحين متكلم بكلام كما يكون قول القائل لقوم رأوا شبحا زيد‏.‏ أي‏:‏ المرئي زيد‏.‏ ا‏.‏ هـ مختصرا‏.‏

وأقول‏:‏ ‏"‏إن‏"‏ صدور الكلام من ‏"‏ناطقين‏"‏ غير مقصور؛ لأن الكلام مشتمل على الإسناد لا يتصور ‏"‏صدوره‏"‏ إلا من واحد، وكل واحد من المصطلحين متكلم بكلام كما أجاب به ثانيا‏.‏

وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ واسم وفعل ثم حرف الكلم

بيان‏:‏ يتألف ‏"‏منه‏"‏ الكلام ‏"‏أي‏:‏ الكلم الذي يتألف منه الكلام‏"‏ اسم وفعل وحرف لا رابع لها‏.‏ ودليل الحصر أن الكلمة إن لم تكن ركنا للإسناد فهي الحرف وإن كانت ركنا له، فإن قبلته بطرفيه فهي الاسم وإلا فهي الفعل‏.‏

وأول من قسم الكلم ‏"‏إلى‏"‏ هذه القسمة وسماها بهذه ‏"‏الأسماء‏"‏ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والنحويون مجمعون على أن أقسام الكلم ثلاثة‏:‏ إلا من ‏"‏لا‏"‏ يعتد بخلافه‏,‏ واعلم أن الكلم اسم جنس

جمعي وأقل ما يتناول ثلاث كلمات، وبينه وبين الكلام عموم من وجه وخصوص من وجه، فالكلام أعم من جهة أنه يتناول المركب من الكلمتين فصاعدا، وأخص من جهة أنه لا يتناول غير المفيد، والكلم أعم من جهة أنه يتناول المفيد وغير المفيد، وأخص من جهة أنه لا يتناول المركب من ‏"‏كلمتين كما سبق‏"‏‏.‏ فإن قلت‏:‏ مقتضى قوله‏:‏ ‏"‏اسم وفعل ثم حرف الكلم‏"‏ أن ‏"‏الكلم مخصوص‏"‏ بما تركب من اسم وفعل وحرف‏.‏ وليس كذلك بل يطلق على ثلاث كلمات فصاعدا من ثلاثة أجناس نحو‏:‏ ‏"‏إن زيدا ذهب‏"‏ أو من جنسين نحو‏:‏ ‏"‏إن زيدا ذاهب‏"‏ أو من جنس واحد نحو ‏"‏غلام زيد ذاهب‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ المعنى بالكلام ‏"‏ههنا‏"‏ الأجناس الثلاثة، أعني الكلمة التي يراد بها جنس الأسماء والكلمة التي يراد بها جنس الأفعال والكلمة التي يراد بها جنس الحروف‏.‏ والكلم ‏"‏بهذا‏"‏ الاعتبار لا يقع إلا على الثلاثة المذكورة، ولا يتصور فيه غير ذلك‏.‏

وأما إطلاق الكلم على ما ذكر من المثل ونحوها فصحيح باعتبار الآحادي لأن الكلمة كما تطلق ويقصد بها جنس الاسم أو الفعل أو الحرف تطلق ويقصد بها ‏"‏آحاد الأسماء‏"‏ والأفعال والحروف‏.‏

فإذا قيل‏:‏ في نحو ‏"‏إن زيدا ذهب‏"‏ هذا كلم‏.‏

فواحد الكلم هنا كلمة يراد بها الشخص لا الجنس فتأمله‏.‏

وأورد على ‏"‏الناظم‏"‏ أنه قسم الكلم إلى غير أقسامه؛ لأن الاسم والفعل والحرف أقسام للكلمة لا أقسام للكلم، وأقسام الكلم أسماء وأفعال وحروف؛ لأن علامة صحة القسمة جواز إطلاق اسم المقسوم على كل واحد من الأقسام‏.‏

والجواب‏:‏ أن هذا من تقسيم الكل إلى ‏"‏أجزائه‏"‏ وإنما يلزم صدق اسم المقسوم على كل من الأقسام في تقسيم الكلي إلى جزئياته والناظم لم يقصد ذلك‏.‏

وأورد عليه أيضا أن إدخال ‏"‏ثم‏"‏ في قوله ‏"‏ثم حرف‏"‏ ليس بجيد؛ لأن ثم للتراخي وإذا قسمنا شيئا إلى أشياء فنسبة كل واحد من الأقسام إلى الشيء المقسم نسبة واحدة‏,‏ والجوب‏:‏ أن ثم في قوله‏:‏ ‏"‏ثم حرف‏"‏ يحوز أن يكون استعملها بمعنى الواو؛ ‏"‏لأنها المعهودة في مثل ذلك‏"‏، ويجوز أن تكون على بابها للتنبيه على تراخي مرتبة الحرف عن الاسم والفعل، لكونه فضلة، وكل منهما يكون عمدة‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏واحده كلمة‏"‏‏.‏

الضمير للكلم أي‏:‏ واحد الكلم كلمة، فكل من الاسم والفعل والحرف كلمة ‏"‏وجد بها‏"‏ لفظ بالفعل أو بالقوة دل بالوضع على معنى مفرد، وتطلق في الاصطلاح مجازا على أحد جزءي العلم المضاف نحو‏:‏ ‏"‏امرئ القيس‏"‏

‏"‏فمجموعهما‏"‏ كلمة حقيقية، وكل منهما كلمة مجازا ‏"‏والكلم اسم جنس يتميز واحده بالتاء‏"‏‏,‏ وفيه لغتان التذكير والتأنيث فقال واحده على الأولى، وقال ابن معط في ألفيته واحدها على الثانية‏.‏

وفي الكلم ثلاث لغات في نظائره نحو ‏"‏كَبِد‏"‏‏,‏ وقوله ‏"‏والقول عم‏"‏ يعني عم الكلمة والكلام والكلم، فيطلق على كل ‏"‏واحد‏"‏ من الثلاثة قول حقيقة، ويطلق مجازا على الرأي والإشارة وما يفهم من حال الشيء وهو أخص من اللفظ؛ ‏"‏لأنه لا يطلق‏"‏ على المهمل‏,‏ خلافا لمن جعلهما مترادفين، وقد سبق ذكره‏.‏

وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ كلمة بها كلام قد يؤم

بيان لأن الكلمة قد يقصد بها في اللغة ما يقصد بالكلام، فتطلق على اللفظ المفيد كقولهم ‏"‏كلمة الشهادة‏"‏ هو مجاز مهمل في عرف النحويين‏.‏

فقيل‏:‏ هو من ‏"‏تسمية الشيء باسم بعضه‏"‏‏.‏

وقيل‏:‏ إن أجزاء الكلام لما ارتبط بعضها ببعض حصلت له بذلك وحدة فشابه بذلك الكلمة‏,‏ فأطلق عليه كلمة‏.‏

ولما ذكر أن ‏"‏الكلم‏"‏ ثلاث، شرع في بيان ما يميز كل واحد منها عن أخويه‏.‏

ما يميز الاسم‏:‏

فقال‏:‏

بالجر والتنوين والندا وأل‏.‏‏.‏‏.‏ ومسند للاسم تمييز حصل

فذكر للاسم خمس علامات‏:‏

الأولى‏:‏ الجر وهو يشمل الجر بالحرف نحو ‏"‏بزيد‏"‏ وبالمضاف نحو ‏"‏غلام زيد‏"‏ ولا جر بغيرها خلافا لمن زاد التبعية‏.‏

وقد ‏"‏ظهر أن ذكر‏"‏ الجر أولى من ‏"‏ذكر‏"‏ حرف الجر‏.‏

والثانية‏:‏ التنوين وهو مصدر نونت الكلمة، ثم غلب حتى صار اسما للنون الساكنة التي تلحق الآخر لفظا وتسقط خطا وهو عند سيبويه والجمهور خمسة أقسام‏:‏ تمكين وتنكير وعوض ومقابلة وترنم، وزاد الأخفش سادسا

وهو الغالي وأنكره السيرافي والزجاج، وقيل‏:‏ هو قسم الترنم‏.‏

فتنوين التمكين نحو ‏"‏زيد، رجل‏"‏ وهو اللاحق للاسم المعرف المنصرف إشعارا ببقائه على أصالته‏.‏

وتنوين التنكير نحو ‏"‏صه‏"‏ إذا أردت سكوتا ما، ونحو ‏"‏سيبويه‏"‏ لغير معين، وهو اللاحق بعض المبنيات فرقا بين نكرتها ومعرفتها، ويطرد فيما آخره ‏"‏ويه‏"‏‏.‏

وتنوين العوض ضربان‏:‏ عوض عن حرف نحو جوار وغواش وبعيل تصغير بعلي، فالتنوين فيهما عوض ‏"‏عن‏"‏ الياء المحذوفة على

‏"‏الصحيح‏"‏ وعوض ‏"‏من المضاف إليه‏"‏ إما جملة نحو‏:‏ ‏"‏يومئذ‏"‏ وإما مفرد نحو‏:‏ ‏"‏كل وبعض‏"‏ على رأيٍ‏.‏

وتنوين المقابلة نحو ‏"‏مسلمات‏"‏ وهو اللاحق لما جمع بألف وتاء مزيدتين سمي بذلك؛ لأنه قابل النون في جمع المذكر السالم وليس بتنوين الصرف خلافا للرَّبَعي بدليل ثبوته بعد التسمية كما ثبت النون في نحو ‏"‏عرفات‏"‏ وهذه الأربعة من خواص الاسم؛ لأنها لمعان لا تليق ‏"‏لغيره‏"‏‏.‏

وتنوين الترنم‏,‏ وهو اللاحق للروي المطلق عوضا من مدة الإطلاق في لغة تميم وقيس كقوله‏:‏

أقلي اللوم عاذل والعتابن‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

وقولهم‏:‏ تنوين الترنم‏,‏ قال المصنف‏:‏ هو على حذف مضاف‏,‏ أي تنوين ذي ترنم وإنما هو عوض من الترنم؛ لأن الترنم مد الصوت بمدة تجانس ‏"‏حرف‏"‏ الروي، وهذا القسم يشترك فيه الاسم والفعل والحرف‏.‏

فمثاله في قول العجاج‏:‏

يا صاح ما هاج العيون الذرفن

وفي الفعل‏:‏

من طلل كالأتحمى أنهجن

وفي الحروف قول النابغة‏:‏

أزف الترحل غير أن ركابنا‏.‏‏.‏‏.‏ لما تزل برحالنا وكأن قدن

والغالي هو اللاحق للروي المقيد وهو كتنوين الترنم في عدم الاختصاص بالاسم‏,‏ فمثاله في الاسم قول رؤبة‏:‏

وقاتم الأعماق خاوي المخترِقْنْ

أصله المخترق فزاد التنوين وكسر الحرف الذي قبله لالتقاء الساكنين‏,‏ وفي الفعل قول امرئ القيس‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ويعدُو عَلى المرء ما يأتمِرْنْ

أي ما يأتمر، وفي الحرف‏:‏

قالت بنات العم يا سلمى وإنن‏.‏‏.‏‏.‏ كان فقيرا معدما قالت وإنن

أي‏:‏ وإن‏.‏

وزاد بعضهم في أقسام التنوين ‏"‏قسما سابعا، وهو تنوين الاضطرار‏"‏‏.‏

كقول الشاعر‏:‏

سلام الله يا مطر عليها‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

ولم يعن ‏"‏المصنف‏"‏ إلا الأربعة الأول‏.‏

فإن قلت‏:‏ فقد أطلق في موضع التقييد‏.‏

قلت‏:‏ فقد أجيب بأن ‏"‏أل‏"‏ في قوله‏:‏ والتنوين، للعهد، فلم يشتمل غير المختص بالاسم‏.‏

وفيه نظر، إذ لا معهود يصرف ‏"‏اللفظ‏"‏ إليه عند من تذكر له علامات الأسماء، وإن جعلت ‏"‏أل‏"‏ جنسية فقد يقال لم يعتبر الترنم والغالي لقلتهما واختصاصهما بالشعر‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن تسمية ما يلحق الروي تنوينا مجاز، وإنما هو نون بدليل أنه يثبت وقفا ‏"‏ويحذف وصلا بخلاف التنوين‏"‏‏.‏

فالتنوين على هذا من خواص الاسم في جميع وجوهه‏.‏

وقال أبو الحجاج يوسف بن معزوز‏:‏ ظاهر قول سيبويه في الذي يسمونه تنوين الترنم أنه ليس بتنوين وإنما هو نون تتبع الآخر عوضا عن المدة‏.‏

الثالثة‏:‏ النداء وهو الدعاء بيا أو إحدى أخواتها، وهو من خواص الاسم، لأن المنادى مفعول به، والمفعول به لا يكون إلا اسما لأنه مخبر عن المعنى‏.‏

وقال في شرح التسهيل‏:‏ وإنما اختص الاسم بالنداء، لأنه مفعول به في المعنى والمفعولية لا تليق بغير الاسم، واعترض قوله في المعنى لأن ظاهره أنه ليس مفعولا صريحا من جهة اللفظ، وقد سبقه أبو موسى إلى هذه العبارة، وهذه مسألة خلاف، ومذهب سيبويه وجمهور البصريين أن المنادى مفعول من جهة اللفظ والمعنى‏.‏

الرابعة‏:‏ ‏"‏أل‏"‏ ويعني بها حرف التعريف وهو من خواص الاسم، إذ لا حظ لغيره ‏"‏فيه‏"‏‏.‏

وأما ‏"‏أل‏"‏ الموصولة فإنها قد تدخل على الفعل عند المصنف وبعض الكوفيين اختيارا وعند الجمهور اضطرارا كقوله‏:‏

ما أنت بالحكم الترضى حكومته‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

فكان ينبغي الاحتراز عنها‏.‏

فإن قلت‏:‏ هل الأولى أن يعبر عن حرف التعريف بأل أو بالألف واللام ‏"‏أو باللام‏"‏‏؟‏‏.‏

قلت‏:‏ لهم في حرف التعريف ثلاثة مذاهب‏:‏ أحدها أنه ثنائي وهمزته همزة قطع وصلت لكثرة الاستعمال، ولا يحسن على المذهب إلا التعبير ‏"‏بأل‏"‏ وهو مذهب الخليل واختيار الناظم‏.‏

قال ابن جني‏:‏ وقد حكي عن الخليل أنه كان يسميها ‏"‏أل‏"‏ ولم يكن يسميها ‏"‏الألف واللام‏"‏‏.‏

والثاني‏:‏ أنه ثنائي وهمزته همزة وصل زائدة، وهي مع زيادتها معتد بها كالاعتداد بهمزة استمع ونحوه، حيث لا يعد رباعيا، وهو مذهب سيبويه فيما نقله في التسهيل وشرحه‏.‏

وعلى هذا المذهب يجوز أن يعبر ‏"‏بأل‏"‏ نظرا إلى أن الهمزة كمتعد بها في الوضع وهو أقيس، وأن يعبر عنها ‏"‏بالألف واللام‏"‏ نظرا إلى أن الهمزة زائدة وقد استعمل سيبويه في كتابه العبارتين‏.‏

والثالث‏:‏ أنه اللام وحدها، وإليه ذهب أكثر المتأخرين، ونسبه بعضهم إلى سيبويه، ولا يحسن على هذا المذهب إلا التعبير باللام، وللكلام على هذه المذاهب موضع غير هذا‏.‏

الخامسة‏:‏ المسند وهو مفعل من أسند فهو لفظ صالح لأن يكون مفعولا به ومصدرا واسم زمان واسم مكان ولا جائز أن يراد به هنا الزمان والمكان إذ لا وجه لإرادتهما‏.‏

ويحتمل أن يريد به المفعول به، وهو ظاهر عبارته، وهو صحيح؛ لأن المسند من خواص الأسماء وذلك أن المسند في الاصطلاح المشهور هو المحكوم به والمسند إليه هو المحكوم عليه، فكأنه قال‏:‏ ويتميز الاسم بمسند أي‏:‏ بمحكوم به نحو ‏"‏قام زيد‏"‏ و‏"‏زيد قائم‏"‏ فزيد في المثالين له مسند ‏"‏أي محكوم به‏"‏‏,‏ وهو الفعل في المثال الأول والخبر في المثال الثاني، وذلك من علامات اسميته، ويحتمل أن يريد به المصدر أعني الإسناد، وهو نسبة شيء إلى شيء على جهة الاستقلال وبه جزم الشارح ولكن لا يصح على إطلاقه؛ لأن الفعل ‏"‏يشارك‏"‏ الاسم في الإسناد، فإن كلا منهما ‏"‏يسند‏"‏‏,‏ وإنما ينحصر الاسم بالإسناد إليه ‏"‏فإنه‏"‏ أجيب بما ذكر الشارح من أنه ‏"‏أراد الإسناد إليه‏"‏، فحذف صلته اعتمادا على ‏"‏التوقيف‏"‏ وفيه نظر، لأن الاعتماد على التوقيف لا يحسن في مقام التعريف‏.‏

وإن أجيب بأن اللام في قوله ‏"‏للاسم‏"‏ متعلقة بمسند وهي بمعنى إلى كما وقع في بعض نسخ الشرح فهو ظاهر البعد‏.‏

وأورد على الناظم أنه أطلق الإسناد، وهو قسمان‏:‏ معنوي، ولفظي‏.‏ فالمعنوي هو الخاص بالأسماء ‏"‏واللفظي‏"‏ مشترك يوجد في الاسم والفعل والحرف نحو ‏"‏زيد‏"‏ ثلاثي و‏"‏ضرب‏"‏ فعل ماض و‏"‏من‏"‏ حرف جر‏.‏

قلت‏:‏ التحقيق أن القسمين كليهما من خواص الأسماء ولا يسند إلى الفعل والحرف إلا محكوما باسميتهما‏.‏

فإذا قلت‏:‏ ‏"‏ضرب‏"‏ فعل ماض‏.‏ فضرب في هذا التركيب اسم مسماه ‏"‏لفظ ضرب‏"‏ الدال على الحدث والزمان، وكيف يتصور أن يحكم عليه في المثال المذكور ونحوه بأنه باق على فعليته، وهو لا يشعر بحدث ولا زمان ولا يقتضي فاعلا ويحكم على موضعه بالرفع على الابتداء‏.‏

فإن قلت‏:‏ فقد ذكر في شرح التسهيل أن الإسناد اللفظي صالح للاسم والفعل والحرف والجملة ‏"‏ولذلك‏"‏ قال في حد الاسم‏:‏ كلمة يسند ما لمعناها ‏"‏لنفسها أو لنظيرتها‏"‏ فيقيد الإسناد بالمعنى لأنه خاص بالأسماء بخلاف الإسناد باعتبار مجرد اللفظ، فإنه عام، وإذا كان قائلا بذلك لزمه الإيراد المذكور‏.‏

قلت‏:‏ لا إشكال في أن الإسناد باعتبار اللفظ صالح للفظ الاسم ‏"‏وللفظ الفعل‏"‏ وللفظ الحرف، وللفظ الجملة‏.‏ ‏"‏وهذا ‏"‏لا ينافي‏"‏ اختصاصه بالأسماء لأنا نحكم على ‏"‏هذه‏"‏ الألفاظ المسند إليها بأنها أسماء وإن كانت لفظ فعل أو حرف‏.‏

فقوله‏:‏ إن الإسناد اللفظي صالح للاسم والفعل والحرف والجملة، صحيح بهذا الاعتبار، وقد صرح في الكافية باسمية ما أخبر عن لفظه حيث قال‏:‏

وإن نسبت لأداة حكما‏.‏‏.‏‏.‏ فابن أو أعرب واجعلنها اسما

فإن قلت‏:‏ إذا كان الإسناد مطلقا من خواص الأسماء فلم قيد الإسناد في حد الاسم باعتبار المعنى‏؟‏

قلت‏:‏ كأنه لما رأى اللفظي لا يتميز به لفظ الاسم من غيره، اقتصر على المعنوي؛ لأنه هو الذي يحصل به التمييز‏.‏

ألا ترى أنك إذا قلت‏:‏ زيد ثلاثي، دل هذا الإسناد على اسمية ‏"‏زيد‏"‏ المراد به لفظ ‏"‏زيد‏"‏ الدال على الشخص‏.‏

كما أنك إذا قلت‏:‏ ضرب مبني على الفتح‏.‏ دل هذا الإسناد على اسمية ضرب المراد به لفظ ضرب الدال على الحدث والزمان ولم يدل على ‏"‏اسمية ضرب الدال على‏"‏ الحدث والزمان‏.‏ فتأمله‏.‏

ما يميز الفعل‏:‏

ولما ذكر ما يتميز به الاسم، شرع في ذكر ما يتميز به الفعل فقال‏:‏

بتا فعلت وأتت ويا افعلي‏.‏‏.‏‏.‏ ونون أقبلن فعل ينجلي

فذكر للفعل أربع علامات‏:‏

الأولى‏:‏ ‏"‏تا‏"‏ فعلت، وهي تاء ضمير المخاطب نحو ‏"‏تباركت يا رحمن‏"‏ وفي حكمها تاء ضمير المتكلم والمخاطبة، وهذه التاء في جميع أحوالها مختصة بالفعل الموضوع ‏"‏للمضي‏"‏، ولو كان مستقبل المعنى نحو ‏"‏إن قمت قمت‏"‏‏.‏

الثاني‏:‏ ‏"‏تا‏"‏ أتت وهي تاء التأنيث الساكنة، وهي مثل تاء الفاعل في الاختصاص بالفعل الموضوع للمضي، وتلحقه متصرفا وغير متصرف نحو ‏"‏أتت‏"‏ و‏"‏نعمت‏"‏‏.‏

قال في شرح التسهيل‏:‏ ما لم يكن أفعل في التعجب، ولو قال ما لم ‏"‏يكن‏"‏ يلزم تذكير فاعله لكان أولى، ليشمل أفعل التعجب وغيره نحو‏:‏ ما عدا‏,‏ وما خلا‏,‏ وحاشا، ليس في الاستثناء‏:‏ فإن تحركت التاء بحركة إعراب فهي من خواص الأسماء نحو ‏"‏رحمة‏"‏ وإن تحركت بحركة بناء فتكون في الحرف نحو ‏"‏لات‏"‏ وفي الاسم نحو ‏"‏لا قوة إلا بالله‏"‏ ولا اعتداد بحركة النقل ولا بحركة التقاء الساكنين لعروضهما‏.‏

تنبيه‏:‏ قال في شرح الكافية‏:‏ وقد انفردت يعني تاء التأنيث الساكنة ‏"‏بلحاقها‏"‏ نعم وبئس كما انفردت تاء الفاعل ‏"‏بلحاقها‏"‏ تباركت‏.‏

والثالثة‏:‏ يا افعلي وهي ياء المخاطبة وهي اسم مضمر عند سيبويه‏,‏ والجمهور‏.‏ وحرف عند الأخفش والمازني، ويشترك في إلحاقها المضارع والأمر نحو ‏"‏أنت تفعلين وافعلي‏"‏‏.‏

والرابعة‏:‏ نون أقبلن، وهي نون التوكيد الشديدة، وهي مختصة بالفعل، وكذلك الخفيفة نحو‏:‏ ‏{‏لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ‏}‏ وتلحق الأمر بلا شرط والمضارع بشرط مذكور في بابه وقد تلحق الماضي ‏"‏وضعا‏"‏ المستقبل معنى كقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏فإما أدرَكَن واحد منكم الدجال‏"‏‏.‏

وقول الشاعر‏:‏

دامن سعدك إن رحمت متيما

وشذ لحاقها اسم الفاعل في قوله‏:‏

أقائلن احضروا الشهودا

وفي قوله‏:‏

يا ليت شعري عنكم حنيفا‏.‏‏.‏‏.‏ أشاهرن بعدنا السيوفا

أنشدها ابن جني‏:‏

فإن قلت‏:‏ فليست نون التوكيد إذن من خواص الفعل لدخولها على اسم الفاعل‏.‏

قلت‏:‏ دخولها على اسم الفاعل مما لا يلتفت إليه لندوره‏.‏

ما يميز الحرف‏:‏

ولما ذكر ما يتميز به الاسم والفعل قال‏:‏

سواهما الحرف كهل وفي ولم

فكل ما لا يقبل شيئا من علامات الاسم ولا من علامات الفعل فهو حرف فترك العلامة علامة له، ثم مثله بثلاثة أحرف، تنبيها على أن الحرف ثلاثة أنواع‏:‏ مشترك بين الاسم والفعل نحو ‏"‏هل‏"‏ ومختص بالاسم نحو ‏"‏في‏"‏ ومختص بالفعل نحو ‏"‏لم‏"‏‏.‏

علامات الأفعال‏:‏

ولما كان الفعل ينقسم باعتبار صيغته ثلاثة أقسام‏:‏ ماض وأمر ومضارع أخذ يذكر لما يتميز به كل واحد منها عن الآخرين فقال‏:‏

فعل مضارع يلي لم كيشم

أي‏:‏ ‏"‏علامة‏"‏ الفعل المضارع قبله، ‏"‏لأن‏"‏ يلي ‏"‏لم‏"‏ أي ينفي بها كقولك ‏"‏في ‏"‏يشم‏"‏ ‏"‏لم يشم‏"‏ وهو مضارع شمت الطيب، ونحو ‏"‏أشمه‏"‏ -بكسر العين- في الماضي وفتحها في المضارع والعامة يفتحون عين الماضي، ويضمون عين المضارع‏.‏

قال ابن درستويه‏:‏ وهو خطأ وليس كما قيل،

بل هو لغة حكاها الفراء وابن الأعرابي ويعقوب وغيرهم‏.‏

ثم ذكر علامة الماضي فقال‏:‏

وماضي الأفعال بالتا مِزْ

أي ميز الفعل بالتاء المتقدم ‏"‏ذكرها‏"‏ وهي تاء التأنيث الساكنة، ويحتمل أن يريد مجموع التاءين أي‏:‏ تاء فعلت وتاء أتت؛ لأن كلتيهما مختصة بالفعل الماضي، ‏"‏ومز‏"‏ أمر من مازه‏.‏ يقال مزته ‏"‏فامتاز‏"‏ وميزته فتميز‏.‏

ثم ذكر علامة الأمر فقال‏:‏

وسم بالنون فعل الأمر إن أمر فهم

أي وعلم فعل الأمر بالنون المتقدمة وهي نون التوكيد، لا مطلقا، بل يشترط أن يفهم من اللفظ معنى الأمر، فعلامة الأمر إذن مجموع شيئين‏:‏ قبول النون وإفهام معنى الأمر، نحو ‏"‏أقبل‏"‏ فإنه يقبل النون، ويفهم الأمر‏.‏ فهو فعل أمر، فإن

قبل اللفظ النون، ولم يفهم الأمر فهو فعل مضارع نحو ‏"‏هل تفعلن‏"‏ أو فعل تعجب نحو ‏"‏أحسنن بزيد‏"‏، فإن لفظه ‏"‏لفظ‏"‏ الأمر وليس بأمر في المعنى على الأصح‏.‏

وتوكيد فعل التعجب بنون التوكيد نادر‏,‏ وإن دل اللفظ على معنى الأمر ولم يقبل نون التوكيد فهو ‏"‏اسم‏"‏ إما ‏"‏مصدر‏"‏ نحو ‏"‏صبرا بني عبد الدار‏"‏ وإما اسم فعل، وإلى هذا أشار بقوله‏:‏

والأمر إن لم يك للنون محل‏.‏‏.‏‏.‏ فيه هو اسم نحو صه وحيهل

‏"‏فصه‏"‏ بمعنى اسكت وكلاهما ‏"‏يفهم منه معنى الأمر‏"‏ ولكن اسكت يقبل ‏"‏نون التوكيد‏"‏ فهو فعل أمر وصه لا يقبلها‏,‏ فهو اسم فعل‏.‏ وحيهل بمعنى أقبل أو أقدم أو عجل تقول ‏"‏حيهل على زيد‏"‏ أي‏:‏ أقبل ‏"‏وحيهل زيدا‏"‏ أي‏:‏ قدم ‏"‏وحيهل بزيد‏"‏ أي‏:‏ عجل، ومنه ‏"‏إذا ذكر الصالحون فحيهل بعمر‏"‏‏.‏

فقد تساوت حيهل وأقبل وقدم وعجل، في إفهام معنى الأمر، ولكن هذه الثلاثة تقبل النون فهي أفعال، وحيهل لا تقبلها، فهي اسم فعل ‏"‏بمعنى الماضي‏"‏‏.‏

ثم اعلم أن علامة المضارع وهي ‏"‏لم‏"‏ فارقة بينه وبين اسم الفعل الذي بمعناه نحو ‏"‏أف‏"‏ و‏"‏أتضجر‏"‏ فإنهما بمعنى ‏"‏المضارع‏"‏ ولكن ‏"‏أف‏"‏ لا تقبل ‏"‏لم‏"‏ و‏"‏أتضجر‏"‏ تقبلها، وكذلك علامة الماضي وهو التاء فارقة بينه وبين اسم الفعل الذي بمعناه نحو ‏"‏هيهات‏"‏ ‏"‏وبعد‏"‏ فإنهما بمعنى ‏"‏الماضي‏"‏ ولكن هيهات لا تقبل تاء التأنيث وبعد تقبلها، وهذا واضح‏.‏

المعرب والمبني‏:‏

المعرب مشتق من الإعراب، والمبني مشتق من البناء فوجب لذلك أن يقدم بين الإعراب والبناء فالإعراب في اللغة مصدر أعرب، أي‏:‏ أبان أو أجال أو حسن ‏"‏أو غير أو أزال‏"‏ عرب الشيء وهو فساده، أو تكلم بالعربية‏.‏ فهذه ستة معان‏.‏

وأما في الاصطلاح ففيه مذهبان‏:‏ أحدهما أنه لفظي وهو اختيار المصنف ونسبه إلى المحققين، وحده في التسهيل بقوله‏:‏ الإعراب ما جيء به لبيان مقتضى العامل من الحركة أو حرف أو سكون أو حذف‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

والثاني‏:‏ أنه معنوي، والحركات إنما هي دلائل عليه‏,‏ وهو قول سيبويه واختيار الأعلم وكثير من المتأخرين، وحدوه بقولهم‏:‏ الإعراب تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظا أو تقديرا، والمذهب الأول أقرب إلى الصواب‏.‏

والبناء في اللغة‏:‏ وضع شيء على شيء ‏"‏على صفة‏"‏ يراد بها الثبوت‏.‏

وأما في الاصطلاح‏:‏ فقد حده في التسهيل بقوله‏:‏ ما جيء به لا لبيان مقتضى العامل من شبه الإعراب، وليس حكاية أو اتباعا أو نقلا ‏"‏أو تخلصا من سكونين‏"‏ فعلى هذا هو لفظي‏.‏

وقيل‏:‏ هو لزوم آخر الكلمة حركة أو سكونا لغير عامل ولا اعتلال‏,‏ فعلى هذا هو معنوي ثم قال‏:‏

والاسم منه معرب ومبني‏.‏‏.‏‏.‏ لشبه من الحروف مدني

يعني أن الاسم قسمان‏:‏ قسم معرب وقسم مبني، ولا واسطة بينهما، وذهب قوم إلى أن الأسماء قبل التركيب موقوفة، لا معربة ولا مبنية، واختاره ابن عصفور، ومذهب الناظم أنها مبنية وسيأتي سبب بنائها‏.‏

فإن قلت‏:‏ قوله ‏"‏منه معرب ومبني‏"‏ لا يفهم الحصر‏.‏

قلت‏:‏ لما ذكر أن المبني هو ما أشبه الحرف وأن المعرب هو ما لم يشبه الحرف ‏"‏عرفه‏"‏ أنه لا واسطة بينهما‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ بدأ الناظم بالمعرب ‏"‏لأن الأصل في الاسم الإعراب‏"‏، وما بني منه فلسبب ‏"‏أخرجه‏"‏ عن أصله‏.‏

الثاني‏:‏ مذهب الجمهور، أن الإعراب إنما جيء به في الاسم ليدل على المعاني المعتَوِرة عليه كقولهم‏:‏ ‏"‏ما أحسن زيد‏"‏ بالرفع في النفي وبالنصب في التعجب وبالجر في الاستفهام، فلولا الإعراب لالتبست هذه المعاني ولا كذلك الأفعال لأن صيغة الفعل تختلف، لاختلاف معانيه، فلذلك كان الإعراب في الاسم أصلا وفي الفعل فرعا‏.‏ كما سيأتي بيانه‏.‏

وذهب قطرب إلى أن الإعراب لم يدخل ليفرق بين المعاني، وإنما دخل ليفرق بين الوصل والوقف‏.‏

الثالث‏:‏ لما كان الإعراب في الاسم أصلا لم يحتج إلى بيان سببه‏.‏

ولما كان البناء في الاسم على خلاف الأصل احتاج إلى بيان سببه‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏لشبه من الحروف مدني‏"‏ يعني أن سبب بناء الاسم، إنما هو شبهه بالحرف، وأما شبه الفعل فليس سببا للبناء عنده بل هو سبب منع الصرف، وكون سبب البناء هو شبه الحرف وحده هو ظاهر مذهب سيبويه‏.‏

ثم إن شبه الحرف إنما يقتضي بناء الاسم إذا لم يعارضه معارض يقتضي إعرابه، فإن عارضه ‏"‏معارض‏"‏ مقتض للإعراب ألغي شبه الحرف وأعرب الاسم ترجيحا لمقتضى الإعراب فإنه داعية للأصل‏.‏

وإلى ذلك أشار بقوله‏:‏ ‏"‏مدني‏"‏ أي‏:‏ مقرب، فإن الشبه لا يكون مقربا للاسم من الحرف إلا إذا لم يعارضه معارض، فإن عارضه ما يمنع البناء لم يكن حينئذ مقربا، مثال ذلك ‏"‏أي‏"‏ فإنها تكون موصولة وشرطية واستفهامية، وهي في هذه الأحوال مشابهة للحرف كأخواتها، ولكن عارض شبهها للحرف لزومها للإضافة، وكونها بمعنى ‏"‏كل‏"‏ مع النكرة وبمعنى ‏"‏بعض‏"‏ مع المعرفة فأعربت‏.‏

ثم اعلم أن شبه الحرف خمسة أنواع‏:‏ وضعي ومعنوي واستعمالي وافتقاري وإهمالي‏.‏

وقد نبه على الوضعي بقوله‏:‏

كالشبه الوضعي في اسمي جئتنا

المراد بالشبه الوضعي‏:‏ كون الاسم على حرف واحد أو حرفين في الوضع ‏"‏كاسمى جئتنا‏"‏ وهما التاء ونا فإنهما اسمان بدليل صحة الإسناد إليهما، وهما مبنيان لأن ‏"‏التاء‏"‏ على حرف واحد في الوضع و‏"‏نا‏"‏ على حرفين في الوضع‏,‏ فشابها بذلك الحرف، لأن أصل الحرف، أن يوضع على حرف هجاء أو ‏"‏على‏"‏ حرفي هجاء‏.‏

وأصل الاسم أن يوضع على ثلاثة أحرف فصاعدا، فما وضع من الأسماء على أقل من ثلاثة فقد شابه وضعه ‏"‏وضع‏"‏ الحرف، فاستحق البناء، وأما ما وضع على أكثر من حرفين ثم طرأ عليه حذف نحو، يد ودم، فهو معرب، لأن له ثالثا في الوضع‏.‏

ونبه على المعنوي بقوله‏:‏

والمعنوي في متى وفي هنا

المراد بالشبه المعنوي‏:‏ أن يتضمن الاسم معنى من معاني الحروف فيصير مؤديا لمعنى الحرف‏.‏

وذلك ضربان‏:‏ أحدهما أن يتضمن معنى حرف مستعمل نحو ‏"‏متى‏"‏ فإنه مضمن معنى الاستفهام ‏"‏إذا وقع استفهاما ومعنى الشرط إذا وقع شرطا ولكل من الاستفهام والشرط حرف مستعمل‏,‏ فحرف الاستفهام الهمزة وحرف الشرط إن‏"‏‏.‏

والثاني‏:‏ أن يتضمن معنى من معاني الحروف التي لا تليق بغيرها وإن لم يكن لذلك المعنى حرف مستعمل نحو ‏"‏هنا‏"‏ فإنه اسم إشارة إلى المكان فبني لتضمنه معنى الإشارة؛ لأنه كالتشبيه والتنبيه والخطاب وغير ذلك من معاني الحروف‏,‏ ولم يوضع للإشارة حرف يدل عليها‏.‏

وإلى ‏"‏هذين‏"‏ الضربين أشار الناظم ‏"‏بمثالين‏"‏‏.‏

ونبه على الاستعمالي بقوله‏:‏

وكنيابة عن الفعل بلا تأثر

وحقيقته‏:‏ أن يكون الاسم نائبا عن الفعل، أي عاملا عمله، ويكون مع ذلك غير متأثر بالعوامل لا لفظا ولا محلا، والمراد بذلك أسماء الأفعال نحو ‏"‏دراك‏"‏ و‏"‏نزال‏"‏ فإنها تلزم النيابة عن أفعالها فتعمل عمله ولا تتأثر بالعوامل‏,‏ فبنيت لشبهها بالحروف العاملة عمل الفعل‏,‏ أعني إن وأخواتها، فإنها تعمل عمل الفعل ولا تتأثر بالعوامل فلما استعملت أسماء الأفعال استعمال هذه الحروف بنيت‏.‏

تنبيه‏:‏

ما ذكر من أن أسماء الأفعال لا تتأثر بالعوامل لا لفظا ولا محلا هو مذهب أبي الحسن الأخفش ومن وافقه وعليه بنى الناظم ونسبه في الإيضاح إلى الجمهور، وسيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى‏.‏

واحترز بقوله ‏"‏بلا تأثر‏"‏ من المصدر الواقع بدلا من فعله كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَضَرْبُ الرِّقَابِ‏}‏ فإنه ينوب عن الفعل ويتأثر ‏"‏بالعامل‏"‏ فأعرب لعدم مشابهته الحرف، وكذلك اسم الفاعل ونحوه مما يعمل ‏"‏عمل الفعل‏"‏ ويتأثر‏.‏

ونبه على الافتقاري بقوله‏:‏ ‏"‏وكافتقار أصلا‏"‏‏.‏

وحقيقته‏:‏ أن يكون الاسم مفتقرا إلى اللزوم ‏"‏كافتقار‏"‏ ‏"‏الذي‏"‏ ونحوها من الموصولات إلى جملة فإن لم يكن الافتقار لازما كافتقار النكرة الموصوفة بجملة إلى صفتها لم يكن سببا للبناء لأنه ليس بلازم‏:‏ وإلى هذا أشار بقوله‏:‏ ‏"‏أصلا‏"‏‏.‏

وأما الشبه الإهمالي‏:‏ فهو أن يكون الاسم غير عامل ولا معمول، كالحروف المهملة، ومثل ذلك الأسماء قبل التركيب‏,‏ كفواتح السور، فإنها مبنية لشبهها بالحروف المهملة في أنها لا عاملة ولا معمولة‏.‏

هذا مذهب الناظم‏,‏ خلافا لمن قال إنها موقوفة، ولمن قال‏:‏ إنها معربة حكما‏.‏

فإن قلت‏:‏ قد أخل بهذا النوع الخامس فلم يذكره‏.‏

قلت‏:‏ قد أشار إليه بكاف التشبيه في قوله‏:‏ ‏"‏كالشبه الوضعي‏"‏ فإنها مشعرة بعدم الحصر ثم قال‏:‏

ومعرب الأسماء ما قد سلما‏.‏‏.‏‏.‏ من شبه الحرف كأرض وسما

يعني أن المعرب من الأسماء هو ما سلم من شبه الحرف المؤثر‏.‏

ومن هنا علم انحصار الاسم في القسمين‏:‏ ثم مثل المعرب بمثالين وهو ‏"‏سما‏"‏ ‏"‏وهو إحدى‏"‏ لغات الاسم الستة‏.‏

ونبه بذلك على أن من المعرب ما يظهر إعرابه نحو ‏"‏أرض وما يقدر إعرابه نحو‏"‏ سما‏.‏

ثم انتقل إلى الفعل فقال‏:‏

وفعل أمر ومضي بنيا‏.‏‏.‏‏.‏ وأعربوا مضارعا إن عربا

يعني أن الفعل أيضا على قسمين‏:‏ مبني ومعرب، وأصله البناء ‏"‏فجاء‏"‏ الأمر والماضي على وفق الأصل‏.‏

فأما المضارع فإنه أعرب لشبهه بالاسم في الإبهام والتخصيص ودخول لام الابتداء‏.‏

وقيل‏:‏ لمشابهته في الأولين فقط‏.‏ وأما لام الابتداء ‏"‏فإنها‏"‏ دخلت بعد استحقاق الإعراب لتخصيص المضارع بالحال، كما خصصته السين ونحوها بالاستقبال‏.‏

وزاد بعضهم في وجوه الشبه جريانه على حركات اسم الفاعل وسكناته والذي ذهب إليه المصنف أن المضارع إنما أعرب لمشابهته بالاسم في أن كلا منهما يعرض له بعد التركيب معان تتعاقب على صيغة واحدة كقولك‏:‏ ‏"‏لا تأكل السمك وتشرب اللبن‏"‏ بجزم تشرب إذا أريد النهي عن كل ‏"‏واحد‏"‏ منهما‏,‏ وبنصبه إذا أريد النهي عن الجمع بينهما‏,‏ وبرفعه إذا أريد النهي عن الأول فقط ويكون الثاني مستأنفا‏.‏

فلما كان الاسم والفعل شريكين في قبول المعاني بصيغة واحدة اشتركا في الإعراب، لكن الاسم ليس له ما يغنيه عن الإعراب؛ لأن معانيه مقصورة عليه، والمضارع قد يغنيه ‏"‏عن الإعراب‏"‏ تقدير اسم مكانه‏.‏

فلهذا جعل ‏"‏في‏"‏، الاسم أصلا ‏"‏وفي‏"‏ الفعل المضارع فرعا، وهذا معنى ما ذكره في شرح التسهيل‏.‏ قال‏:‏ والجمع بما ذكرته بينهما أولى من الجمع بينهما بالإبهام والتخصيص، ودخول لام الابتداء ومجاراة اسم الفاعل في الحركة والسكون؛ لأن المشابهة بهذه الأمور بمعزل عما جيء الإعراب بخلاف المشابهة التي اعتبرتها‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ ذهب الكوفيون إلى أن الإعراب أصل في الأفعال كما أنه أصل في الأسماء‏.‏ واستدلوا ‏"‏على ذلك‏"‏ بأن اللبس الذي أوجب الإعراب في الأسماء موجود في الأفعال في بعض المواضع نحو‏:‏ ‏"‏لا تأكل السمك وتشرب اللبن‏"‏ كما تقدم‏.‏

وأجاب البصريون بأن النصب في ‏"‏وتشرب‏"‏ بأن مضمرة، والجزم على إرادة ‏"‏لا‏"‏ والرفع على القطع‏.‏

فلو أظهرت العوامل المضمرة لكانت دالة على المعاني، ولم يحتج إلى الإعراب‏:‏ وليس كذلك ‏"‏ما أحسن زيدا‏"‏ لأن الرافع والناصب ‏"‏والجار‏"‏ هو أحسن‏.‏

وتقدم ما ذكره المصنف من أن المضارع قد يغنيه عن الإعراب تقدير اسم مكانه كقولك‏:‏ ‏"‏لا تُعْنَ بالجفاء وتمدح عمرا‏"‏ فإنه محتمل للمعاني الثلاثة المتقدمة في‏:‏ لا تأكل السمك وتشرب اللبن‏.‏ ويغني عن الإعراب في ذلك وضع ‏"‏اسم‏"‏ مكان كل واحد من المجزوم والمنصوب والمرفوع نحو‏:‏ أن تقول ‏"‏لا تعن بالجفاء، ومدح عمرو‏"‏ ‏"‏لا تعن بالجفاء مادحا عمرا‏"‏ ‏"‏و‏"‏ لا تعن بالجفاء ولك مدح عمرو‏.‏

وحكي عن بعض المتأخرين، أن الفعل أحق بالإعراب من الاسم؛ لأنه وجد فيه بغير سبب فهو بذاته بخلاف الاسم فهو ‏"‏له‏"‏ لا لذاته، فهو فرع، وهذا قول ضعيف‏.‏

الثاني‏:‏ قد أشاروا إلى علة إعراب الفعل المضارع بتسميته مضارعا والمضارعة المشابهة‏.‏

قال بعضهم‏:‏ المضارعة من لفظ الضرع، فإنه وضع مع الاسم ضرعا واحدا‏.‏ وزعم ابن عصفور أن المضارعة مقلوبة من ‏"‏المراضعة‏"‏‏.‏ ولا ضرورة تدعو إلى ادعاء القلب؛ لأن البناء كامل التصاريف‏.‏

والثالث‏:‏ لم يتعرض في النظم لما ‏"‏يبنى‏"‏ عليه الأمر والماضي، وأما الأمر، فإنه يبنى على ما يجزم به لو كان مضارعا، فإن كان صحيح الآخر بني على السكون، وإن كان معتل الآخر، أو ما يرفع بالنون حذف آخره‏.‏

وأما الماضي فإنه يبنى على الفتح ما لم يتصل به ضمير مرفوع لمتكلم أو مخاطب أو جمع مؤنث ‏"‏غائبا‏"‏ فيسكن آخره، فإن اتصل به واو الجمع ضم آخره، وإنما بني على حركة لشبهه بالمعرف‏,‏ أعني المضارع في وقوعه صفة وصلة وشرطا ‏"‏وحالا‏"‏ ونحو ذلك‏,‏ فكان له بذلك مزية على الأمر‏,‏ وإنما خص بالفتحة طلبا للخفة وسكن آخره عند اتصال الضمير المرفوع كراهة لتوالي أربع حركات في شيئين هما كشيء واحد؛ لأن الفاعل كجزء من فعله‏.‏

وقال في شرح التسهيل‏:‏ إنما سببه تمييز الفاعل من المفعول في نحو‏:‏ ‏"‏أكرمنا وأكرمنا‏"‏ ثم سلك بالمتصل بالتاء والنون هذا السبيل لمساوتهما ‏"‏لنا‏"‏ في الرفع والاتصال وعدم الاعتلال، وضعف قول الجمهور فيما يوقف عليه في كلامه‏.‏

الرابع‏:‏ أجمعوا على أن الماضي مبني، وأما الأمر فمذهب البصريين، أنه مبني كما تقدم‏.‏

وذهب الكوفيون إلى أنه معرب مجزوم بلام الأمر المقدرة وهو عندهما مقتطع من المضارع‏,‏ ثم أشار إلى أن إعراب المضارع مشروط بألا يتصل به نون التوكيد ولا ‏"‏نون‏"‏ الإناث بقوله‏:‏

من نون توكيد مباشر ومن‏.‏‏.‏‏.‏ نون إناث كيَرُعْنَ من فتن

المراد بالمباشر المتصل بالفعل من غير حاجز بينهما، فإذ اتصل بالمضارع نون التوكيد المباشر بني على الفتح نحو ‏"‏هل تذهبن‏"‏ واحترز من غير المباشر وهو‏:‏ ما فصل بينه وبين الفعل ألف اثنين أو واو جماعة أو ياء مخاطبة لفظا أو تقديرا نحو ‏"‏هل‏"‏ يفعلان، و‏"‏هل‏"‏ تفعلُن وهل تفعلِن‏.‏

حذفت الواو ‏"‏والألف‏"‏ والياء لالتقاء الساكنين وبقيت الضمة والكسرة دليلا على ما حذف‏.‏

فهذا ونحوه معرب؛ لأن النون لم تباشره‏.‏

والضابط‏:‏ أن ما كان رفعه بالضمة إذا أكد بنون التوكيد بني لتركيبه معها، وما كان رفعه بالنون إذا أكد ‏"‏بنون التوكيد‏"‏ لم يبن لعدم التركيب؛ لأن العرب لا تركب ثلاثة أشياء‏.‏

تنبيه‏:‏

ما ذهب إليه الناظم من التفصيل في نون التوكيد بين المباشر وغيره هو المشهور والمتصور، وذهب الأخفش وطائفة إلى البناء مطلقا، وذهب قوم إلى الإعراب مطلقا‏.‏

وأما نون الإناث فلا تكون إلا مباشرة، فلذلك أطلق لعدم الحاجة إلى التقييد والفعل معها مبني على السكون نحو‏:‏ ‏"‏يرعن من فتن‏"‏ أي يفزعن، والروع‏:‏ ‏"‏الفزع‏"‏‏.‏

وفي سبب بنائه مع نون الإناث خلاف‏,‏ ومذهب سيبويه أنه مبني حملا على الماضي المتصل بها وصححه في شرح التسهيل‏.‏

تنبيه‏:‏

قال في شرح الكافية‏:‏ وأما المتصل بنون الإناث فمبني بلا خلاف وليس كذلك‏,‏ بل ذهب قوم إلى أنه معرب لوجود سبب الإعراب فيه، ومنهم ابن درستويه، وابن طلحة، والسهيلي والإعراب عندهم مقدر منع ظهوره ما عرض فيه من الشبه بالماضي‏.‏

ثم انتقل إلى الحرف فقال‏:‏

وكل حرف مستحق للبنا

هذا أمر مجمع عليه، إذ ليس فيه مقتضى الإعراب قالوا‏:‏ لأن الحرف لا يتصرف ‏"‏ولا يتعاقب‏"‏ عليه في المعاني ما يحتاج ‏"‏به‏"‏ إلى الإعراب‏.‏

واعترض‏:‏ بأن من الحروف ما يكون لمعان كثيرة نحو ‏"‏من‏"‏‏.‏

وأجيب‏:‏ بأن الحرف‏:‏ إنما جيء به في الأصل ليدل على معنى واحد ليس غيره‏.‏

وقوله‏:‏

والأصل في المبني أن يسكنا

يعني أن الأصل في كل مبني من الاسم والفعل والحرف، أن يبنى على السكون؛ لأنه أخف فلا يعدل عنه إلا لسبب؛ لأن الأصل عدم الحركة فوجب استصحابه ما لم يمنع منه مانع فيعدل إلى الحركة‏.‏

ثم قال‏:‏

ومنه ذو فتح وذو كسر وضم

أي‏:‏ ومن المبني صاحب فتح وصاحب كسر وصاحب ضم، فعلم بذلك أن المبني على أربعة أقسام، وأن أنواع البناء أربعة‏:‏ ضم وكسر وفتح ووقف وهو السكون‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ قد تقرر أن الأصل في المبني أن يسكن فما بني ‏"‏منه‏"‏ على حركة فلسبب ترك الأصل لأجله‏.‏

وأسباب البناء على حركة خمسة‏:‏ الأول التقاء الساكنين نحو‏:‏ ‏"‏أمس‏"‏‏.‏

والثاني‏:‏ كون الكلمة على حرف واحد كبعض المضمرات‏.‏

والثالث‏:‏ كون الكلمة عرضة لأن ‏"‏يبدأ‏"‏ بها كلام الابتداء ‏"‏وياء الجر‏"‏‏.‏

والرابع‏:‏ كون الكلمة لها أصل في ‏"‏التمكن‏"‏ نحو ‏"‏أول‏"‏‏.‏

والخامس‏:‏ الشبه بالمعرب نحو ‏"‏ضرب‏"‏ ‏"‏فإنه‏"‏ شابه المضارع فبني على الفتح كما سبق‏.‏

الثاني‏:‏ لتخصيص المبني ببعض الحركات أسباب، فأسباب الفتحة ستة‏:‏

الأول‏:‏ مجرد طلب التخفيف نحو ‏"‏أين‏"‏‏.‏

الثاني‏:‏ شبه محلها ‏"‏بما اكتنف‏"‏ هاء التأنيث نحو ‏"‏بعلبك‏"‏‏.‏

الثالث‏:‏ مجاورة الألف نحو ‏"‏أيان‏"‏‏.‏

الرابع‏:‏ كونها حركة ‏"‏الأصل‏"‏ نحو‏:‏ ‏"‏يا مضار‏"‏ ‏"‏ترخيم‏"‏ مضار اسم مفعول‏.‏

والخامس‏:‏ الفرق بين معنى أداة واحدة نحو‏:‏ ‏"‏يالزيد لعمرو‏"‏‏.‏

والسادس‏:‏ الإتباع‏.‏

وأسباب الكسرة سبعة‏:‏

الأول‏:‏ التقاء الساكنين نحو ‏"‏أمس‏"‏‏.‏

والثاني‏:‏ مجانسة العمل نحو ‏"‏ياء‏"‏ الجر ولامه‏.‏

والثالث‏:‏ الحمل على المقابل نحو‏:‏ لام الأمر، فإنها كسرت حملا على لام الجر؛ لأنها في الأفعال نظيرتها في الأسماء‏.‏

والرابع‏:‏ الإشعار بالتأنيث نحو ‏"‏أنتِ‏"‏‏.‏

والخامس‏:‏ كونها حركة الأصل نحو ‏"‏يا مضار‏"‏ ترخيم مضار اسم فاعل‏.‏

والسادس‏:‏ الفرق بين أداتين نحو لام الجر‏.‏ كسرت فرقا بينها وبين لام الابتداء في نحو‏:‏ ‏"‏لموسى عبد‏"‏‏.‏

والسابع‏:‏ الإتباع‏.‏

وأسباب الضمة ستة‏:‏

الأول‏:‏ أن تكون في الكلمة كالواو في نظيرتها ‏"‏كنحن‏"‏، فإن نظيرتها ‏"‏هو‏"‏‏.‏

الثاني‏:‏ شبه المبني بما هي فيه كذلك نحو‏:‏ اخشوا ‏"‏القوم‏"‏‏.‏

والثالث‏:‏ ألا يكون للكلمة حال الإعراب نحو ‏"‏قبل وبعد‏"‏‏.‏

والرابع‏:‏ شبه المبني بما لا يكون له الضم حال الإعراب نحو ‏"‏يا زيدُ‏"‏‏.‏

والخامس‏:‏ كونها حركة الأصل نحو ‏"‏يا تحاج‏"‏ ترخيم ‏"‏تحاجج‏"‏ مصدر تحاج‏.‏ إذا سمي به‏.‏

والسادس‏:‏ الإتباع‏.‏

واعلم أن ما حرك لغير التقاء الساكنين فحقه الفتح لخفته، لا يعدل عنه غالبا إلا لسبب من الأسباب المذكورة، وما خرج عن هذا فهو شاذ‏.‏

الثالث‏:‏ قد فهم مما سبق أن الاسم إذا بني على السكون، ففيه سؤال واحد، لم بني‏؟‏ ولا يقال‏:‏ لم سكن‏؟‏ لأنه الأصل‏.‏

وإذا بني على الحركة، ففيه ثلاثة أسئلة‏:‏

لم بني‏؟‏ ولم حرك‏؟‏ ولم كانت الحركة كذا‏؟‏

وأما الفعل والحرف، فإن بنيا على السكون فلا سؤال فيهما، وإن بنيا على حركة فسؤالان‏:‏

لم حركا‏؟‏ ولم كانت الحركة كذا‏.‏

وقوله‏:‏

كأين أمس حيث والساكن كم

تمثيل لأنواع المبني ‏"‏فأين‏"‏ مثال لما بني على الفتح، وهو اسم لدخول حرف الجر عليه‏,‏ وبني لتضمنه معنى الهمزة في الاستفهام، ومعنى أن الشرطية في الشرط، ‏"‏وحرك لالتقاء الساكنين‏"‏ وفتح تخفيفا للكسرة‏.‏ وجيرِ وأمس مثال لما بني على الكسر، وهو اسم لدخول حرف الجر وحرف التعريف عليه في نحو ‏"‏بالأمس‏"‏ ولصحة الإسناد إليه، وبني عند أهل الحجاز لتضمنه معنى حرف التعريف؛ لأنه معرفة بغير أداة ظاهرة، وحرك لالتقاء الساكنين وكسر على أصل التقائهما‏.‏

وقال السهيلي‏:‏ من كسر ‏"‏أمس‏"‏ في كل حال فإنما ‏"‏شبه بما‏"‏ سمي بالفعل، وفيه ضمير محكي ‏"‏نحو‏"‏ من هذا، عن الكسائي ‏"‏وحيث‏"‏ مثال لما بني على الضم، وهو اسم لدخول ‏"‏من‏"‏ عليه في نحو‏:‏ ‏{‏وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ‏}‏ وبني عند غير فقعس، لافتقاره إلى جملة افتقارا لازما‏,‏ وضم على أشهر اللغات، لشبهه بالغايات، ووجه الشبه ‏"‏أنها كانت‏"‏ مستحقة للإضافة إلى المفرد كسائر أخواتها، فمنعت ‏"‏من‏"‏ ذلك‏.‏ كما منعت ‏"‏قبل وبعد‏"‏ الإضافة‏.‏

وذهب الزجاج إلى أن ‏"‏حيث‏"‏ موصولة وليست مضافة فهي بمنزلة ‏"‏الذي‏"‏‏,‏ و‏"‏كم‏"‏ مثال لما بني على السكون وهو اسم لدخول حرف الجر عليه، وبني لشبهه بالحرف في الوضع أو لتضمن ‏"‏كم‏"‏ الاستفهامية معنى الهمزة والخبرية معنى ‏"‏رب‏"‏ التي للتكثير‏.‏

وقيل في سبب بناء ‏"‏كم‏"‏ الخبرية غير هذا‏,‏ مما يذكر في باب ‏"‏كم‏"‏‏.‏

ولما ذكر أنواع البناء أخذ يذكر أنواع الإعراب، وهي أربعة‏:‏ الرفع والنصب والجر والجزم‏.‏

وعن المازني أن الجزم ليس بإعراب، وهذه ثلاثة أقسام‏:‏

قسم يشترك فيه المعربان‏:‏ الاسم المتمكن والفعل المضارع، وهو الرفع والنصب، تقول ‏"‏زيدٌ يهابُ‏"‏ و‏"‏إن زيدًا لن يهابَ‏"‏‏.‏

وقسم يختص بالاسم وهو الجر‏:‏ ‏"‏مررتُ بزيد‏"‏‏.‏

وقسم يختص بالفعل وهو الجزم نحو ‏"‏لم يهبْ‏"‏‏.‏

وإلى هذا أشار بقوله‏:‏

والرفع والنصب اجعلن إعرابا

إلى آخره، وهو واضح‏.‏

‏"‏وإنما اختص الجر بالاسم؛ لأن كل مجرور مخبر عنه من جهة المعنى ولا يخبر إلا عن الاسم‏"‏‏,‏ وإنما اختص الجزم بالفعل، ليكون فيه كالعوض من الجر في الاسم‏.‏

وقيل غير ذلك‏,‏ مما لا فائدة في ذكره هنا‏.‏

وقد أشار بقوله‏:‏ ‏"‏كما قد خصص‏"‏ إلى علة تخصيص الفعل بالجزم ثم قال‏:‏

فارفع بضم وانصبن فتحا وجر‏.‏‏.‏‏.‏ كسرا كذكر الله عبده يسر

واجزم بتسكين‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

يعني‏:‏ أن أصل الإعراب أن يكون بالحركات والسكون، فأصل الرفع أن يكون بضمة‏.‏ وأصل النصب أن يكون بفتحة، وأصل الجر أن يكون بكسرة، وأصل الجزم أن يكون بالسكون، إذ لا حظ له في الحركات، فكان حظه حذفها‏.‏

وقد مثل الرفع والنصب والجر ‏"‏ذكرُ اللهِ عبدَهُ يسُرّ‏"‏‏.‏

ثم قال‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وغير ما ذكر‏.‏‏.‏‏.‏ ينوب‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

فأشار إلى أن الإعراب بغير ما ذكر من الحركات والسكون ‏"‏نائب‏"‏ عن المذكور فينوب عن ‏"‏الضمة‏"‏ الواو والألف والنون، وعن الفتحة الألف والياء والكسرة وحذف النون‏.‏

وعن الكسرة الياء والفتحة، وعن السكون حذف الحرف‏.‏

فللرفع أربع علامات، وللنصب خمس علامات، وللجر ثلاث علامات، وللجزم علامتان‏.‏

فهذه أربع عشرة علامة‏:‏ أربعة أصول، وعشرة تنوب عن تلك الأصول‏,‏ وسنذكر مواضع النيابة مفصلة إن شاء الله تعالى‏.‏

ثم مثل ما أعرب بغير ما ذكر عن طريق النيابة بقوله‏:‏ ‏"‏نحو جا أخو بني نمر‏"‏ ‏"‏فأخو‏"‏ مرفوع بالواو نيابة عن الضمة، و‏"‏بني‏"‏ مجرور بالياء نيابة عن الكسرة‏.‏

واعلم أن الغالب في الاسم، إما حركة، وفي الفعل إما حرف وإما حذف‏,‏ فنيابة الحرف عن الحركة في الاسم تكون في ثلاثة مواضع‏:‏

الأسماء الستة، والمثنى، والمجموع على حده‏.‏

إعراب الأسماء الستة‏:‏

فبدأ بالأسماء الستة؛ لأن المفرد سابق ‏"‏على المثنى‏"‏ والمجموع فقال‏:‏

وارفع بواو وانصبن بالألف‏.‏‏.‏‏.‏ واجرر بياء ما من الأسما أصف

أي الذي سأصفه لك من ‏"‏الأسماء‏"‏ يعين الأسماء الستة‏.‏

واعلم أن في إعراب هذه الأسماء الستة عشرة مذاهب قد ذكرتها في غير هذا المختصر وأقواها مذهبان‏:‏ أنا أذكرهما‏.‏

الأول مذهب سيبويه، والفارسي، وجمهور البصريين، أنها معربة بحركات مقدرة في الحروف واتبع ‏"‏فيها‏"‏ ما قبل الآخر للآخر‏.‏

فإذا قلت‏:‏ ‏"‏قام أبو زيد‏"‏ فأصله أبو زيد‏.‏ ثم اتبعت حركة ‏"‏الباء‏"‏ لحركة الواو فصار أبو زيد، فاستثقلت الضمة على الواو فحذفت‏.‏

وإذا قلت‏:‏ ‏"‏رأيت أبا زيد‏"‏ فأصله أبو زيد‏.‏ فقيل‏:‏ تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا‏,‏ وقيل‏:‏ ذهبت حركة الباء ثم حركت إتباعا لحركة الواو، ثم انقلبت الواو ألفا‏.‏

قيل‏:‏ وهذا أولى ‏"‏ليتوافق النصب مع الرفع‏"‏‏,‏ والجر في الإتباع‏.‏

وإذا قلت‏:‏ ‏"‏مررتُ بأبي زيد‏"‏ فأصله بأبَوِ زيد‏,‏ فأتبعت حركة الباء بحركة الواو فصار بأبُوِ زيد‏,‏ فاستثقلت الكسرة على الواو فحذفت كما حذفت الضمة، ثم قلبت الواو ياء لسكونها بعد كسرة كما قلبت في نحو ‏"‏ميزان‏"‏‏.‏

هذا ‏"‏تقدير‏"‏ المذهب الأول‏.‏ وذكر في التسهيل أنه الأصح‏.‏

والثاني‏:‏ مذهب قطرات والزيادي‏,‏ والزجاجي من البصريين، وهشام من الكوفيين في أحد ‏"‏قوليه‏"‏ ومن وافقهم أن إعراب هذه ‏"‏الأسماء‏"‏ بالأحرف المذكورة‏.‏

قال في شرح التسهيل‏:‏ وهذا أسهل المذاهب وأبعدها عن التكلف‏.‏

قلت‏:‏ ولكنه مستلزم للخروج عن الأصل، إذ أصل الإعراب أن يكون بالحركات ولعدم النظير، إذ ليس في المفردات ما يعرب بالحروف غير هذه الأسماء، ولبقاء ‏"‏فيك‏"‏ و‏"‏ذي مال‏"‏ على حرف واحد؛ لأن الإعراب زائد فلا يوجد ذلك في المعربات إلا شذوذا بخلاف المذهب الأول‏.‏

فإن قلت‏:‏ ظاهر كلامه هنا موافقة قطرب ومن ذكر معه في أن إعراب هذه الأسماء بالحروف‏.‏

قلت‏:‏ يحتمل أن يكون وافق القائل بذلك هنا، ويحتمل أن يكون تسامح في جعله الإعراب بالأحرف، لكون الحركات هنا لا تظهر والحروف مفيدة ما تفيد

الحركات لو ظهرت، وأراد ‏"‏بذلك‏"‏ التقريب على المبتدئ، كما فعل كثير من المصنفين مع اعترافهم بصحة مذهب سيبويه‏.‏

ويؤيد حمله على التسامح نصه في التسهيل على أن إعرابها بالحركات هو الأصح وقوله‏:‏

من ذاك ذو إن صحبة أبانا

شرع في ذكر الأسماء الستة، وبدأ ‏"‏بذو‏"‏ لأنها لا تفارق الإعراب بالأحرف ‏"‏وقيد إعرابها بأن تبين‏"‏ معنى الصحبة احترازا من ‏"‏ذو‏"‏ الموصولة في لغة طيئ فإنها مبنية على ‏"‏الأعرف‏"‏‏.‏

وقوله‏:‏

والفم حيث الميم منه بانا

يعني أن ‏"‏الفم‏"‏ من الأسماء التي تعرب بالأحرف إن بانت منه الميم أي‏:‏ زالت وفارقت فتقول ‏"‏هذا فوك‏.‏ ورأيت فاك‏.‏ ونظرت إلى فيك‏"‏ وإن كان بالميم ففيه عشر لغات‏:‏

نقصه، وقصره، وتضعيفه، كل منها مع فتح الفاء أو كسرها أو ضمها، فهذه تسعة، والعاشرة، إتباع فائه لميمه وأفصحها ‏"‏فتح‏"‏ فائه منقوصا‏.‏

وقوله‏:‏

أب أخ حم كذاك‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

أي‏:‏ ترفع بالواو وتنصب بالألف وتجر بالياء، والحم‏:‏ هو أبو الزوج ونحوه من أقاربه وقد يطلق على أقارب الزوجة‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏وهن‏"‏ أي كذلك، وأخره ‏"‏لوقوع‏"‏ الخلاف فيه، فإن الفراء أنكر إعرابه بالأحرف وهو محجوج بنقل سيبويه، وأيضا فإن إعرابه بالأحرف قليل‏,‏ والأحسن فيه التزام النقص، وهو حذف لامه، وجعل الإعراب على عينه ‏"‏كيد‏"‏ ومنه قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏"‏من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهَنِ أبيه، ولا تكنوا‏"‏ وإلى هذا أشار بقوله‏:‏

والنقص في هذا الأخير أحسن

أي‏:‏ أحسن من الإعراب ‏"‏بالأحرف‏"‏ وجرت عادة ‏"‏كثير‏"‏ من النحويين أن ‏"‏يذكروا‏"‏ ‏"‏الهن‏"‏ مع هذه الأسماء منبهين على قلة إعرابه بالأحرف، فيوهم ذلك ‏"‏مساواته‏"‏ لَهُنَّ‏.‏

قال في شرح التسهيل‏:‏ ومن لم ينبه على قلته فليس بمصيب، وإن حظي من الفضل بأوفر نصيب‏.‏

والهن‏:‏ كناية عن اسم جنس، قال في الصحاح كلمة كناية ‏"‏ومعناها‏"‏ شيء‏.‏

فتقول‏:‏ ‏"‏هذا هنك‏"‏ أي‏:‏ شيئك‏.‏ وقال ابن الدهان‏:‏ هو كناية عما ‏"‏يقلل‏"‏ وكثرة الكناية به عن الفرج‏.‏

ثم قال‏:‏

وفي أب وتالييه يندر

أي‏:‏ يندر التزام النقص في ‏"‏أب‏"‏ وتالييه‏.‏ وهما‏:‏ أخ وحم‏.‏

ومنه قوله‏:‏

بأبه اقتدى عدى في الكرم‏.‏‏.‏‏.‏ ومن يشابه أبه فما ظلم

فالوجه الراجح في ‏"‏هن‏"‏ هو المرجوح في ‏"‏أب‏"‏ وتالييه‏.‏

وأنكر بعضهم نقص ‏"‏حم‏"‏ وقد حكاه الفراء، وحكى أبو زيد نقص أخ‏.‏ ثم ذكر لغة ثالثة في أب وتالييه فقال‏:‏

وقصرها من نقصهن أشهر

يعني أن القصر في ‏"‏أب‏"‏ وتالييه، وهو التزام الألف مطلقا، وجعل الإعراب بالحركات المقدرة ‏"‏في الألف‏"‏ أشهر من النقص فيها‏.‏

أما قصر الحم فكثير، ومن قصر الأب قول الراجز‏:‏

إن أباها وأبا أباها‏.‏‏.‏‏.‏ قد بلغا في لمجد غايتاها

ومن قصر الأخ قولهم‏:‏ ‏"‏مكره أخاك لا بطل‏"‏‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ قد اتضح بما ذكر في هذه الأرجوزة أن الأسماء الستة على ثلاثة أقسام‏:‏

قسم ليس فيه إلا لغة واحدة وهو الإعراب بالأحرف، وذلك ‏"‏ذو‏"‏ بمعنى صاحب و‏"‏فم‏"‏ بلا ميم‏.‏

وقسم فيه لغتان‏:‏ النقص ثم الإعراب بالأحرف وهو ‏"‏هن‏"‏‏.‏

وقسم فيه ثلاث لغات‏:‏ الإعراب بالأحرف ثم القصر ثم النقص، وهو‏:‏ ‏"‏أب وأخ وحم‏"‏‏.‏

الثاني‏:‏ زاد في التسهيل في ‏"‏أب‏"‏ التشديد فيكون فيه أربع لغات، وفي ‏"‏أخ‏"‏ التشديد، و‏"‏أخو‏"‏ بإسكان الخاء، فيكون فيه خمس لغات، وفي حم حموا كقرو، وحمئا كقرء وحمأ كخطأ‏.‏

فيكون فيه ست ‏"‏لغات‏"‏‏,‏‏.‏

الثالث‏:‏ مذهب سيبويه أن ‏"‏ذو‏"‏ بمعنى صاحب وزنها فعل بالتحريك، ولامها ياء‏.‏

ومذهب الخليل أن وزنها فَعْل -بالإسكان- ولامها واو، فهي من باب قوة‏.‏

وقال ابن كيسان‏:‏ محتمل للوجهين جميعا‏.‏

وفوك‏:‏ وزنه عند الخليل وسيبويه فَعْل -بفتح الفاء وإسكان العين- وأصله فوه ولامه هاء‏.‏

وذهب الفراء إلى ‏"‏أن‏"‏ وزنه فُعل بضم الفاء‏.‏

وأب وأخ وحم وهن وزنها عند البصريين فَعَل -بالتحريك- ‏"‏ولاماتها‏"‏ واو بدليل تثنيتها بالواو‏.‏

وذهب بعضهم إلى أن لام ‏"‏حم‏"‏ ياء من الحماية؛ لأن أحماء المرأة يحمونها وهو مردود بقولهم في التثنية حموان، وفي إحدى لغاته حمو‏.‏

وذهب الفراء إلى أن وزن ‏"‏أب وأخ وحم‏"‏ فعل -بالإسكان- ورد عليه بسماع ‏"‏قصرها‏"‏ وبجمعها على أفعال‏.‏

وأما ‏"‏هَنٌ‏"‏ فقال بعضهم لا أعرف ما يدل على أن أصله التحريك، واستدل الشارح على ذلك بقولهم‏:‏ ‏"‏هنة وهنوات‏"‏ وقد استدل ‏"‏به‏"‏ بعض شراح

الجزولية واعترض ابن إياز بأن فتحة النون في ‏"‏هنة‏"‏ تحتمل أن تكون لها التأنيث، وفي ‏"‏هنوات‏"‏ لكونه مثل ‏"‏جفنات‏"‏ ففتح لجمعه بالألف والتاء، وإن كانت العين ساكنة في الواحد، وقد حكى بعضهم في جمعه ‏"‏أهناء‏"‏ فبه ‏"‏يستدل‏"‏ على أن وزنه فَعَل بالتحريك‏.‏ وهذا موضع اختصار‏.‏

ثم أشار إلى شرط إعراب هذه الأسماء بالأحرف المذكورة فقال‏:‏

وشرط ذا الإعراب أن يضفن لا‏.‏‏.‏‏.‏ لليا كجا أخو أبيك ذا اعتلا

فاحترز‏:‏ مما لم يضف منها نحو ‏"‏أب‏"‏ فإنه يعرب بحركات ظاهرة، وكلها تفرد إلا ‏"‏ذو‏"‏ فإنها ملازمة للإضافة‏.‏

وإذا أفرد ‏"‏فوك‏"‏ عوض من واوه ميم، وقد ثبتت الميم في الإضافة كقوله‏:‏

يصبح ظمآن وفي البحر فمه

ولا تختص بالضرورة خلافا لأبي عليّ، ولقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏"‏لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك‏"‏‏.‏

واحترز مما أضيف منها إلى ياء المتكلم، فإنه يعرب بحركات مقدرة ‏"‏نحو‏"‏‏:‏ ‏"‏هذا أخي‏"‏ وكلها تضاف إلى الياء إلا ‏"‏ذو‏"‏ فإنها لا تضاف إلى مضمر، وإنما تضاف إلى اسم جنس ظاهر غير صفة وما خالف ذلك فهو نادر‏.‏

ويشترط في إعراب هذه الأسماء بالأحرف مع الشرطين المذكورين شرطان آخران‏:‏

أن تكون مفردة، فإن ثنيت أو جمعت أعربت إعراب المثنى والمجموع وأن تكون مكبرة، فإن صغرت أعربت بالحركات‏.‏

فإن قلت‏:‏ فقد أهمل هذين الشرطين‏.‏

قلت‏:‏ قد علق الحكم على ما لفظ به، وقد لفظ بها مفردة مكبرة، فاكتفي بذلك‏.‏

ثم مثل ما أضيف إلى غير الياء بقوله‏:‏ ‏"‏جاء أخو أبيك ذَا اعتلا‏"‏ وهو واضح‏.‏

إعراب المثنى‏:‏

ثم انتقل إلى الموضع الثاني من مواضع نيابة ‏"‏الحرف عن الحركة‏"‏ فقال‏:‏

بالألف ارفع المثنى وكلا

المثنى‏:‏ هو الاسم الدال على اثنين في زيادة في آخره ‏"‏صالحة‏"‏ للتجريد وعطف مثله عليه كقولك‏:‏ ‏"‏زيدان ورجلان‏"‏ فإنه يصلح فيهما ذلك نحو ‏"‏زيد وزيد ورجل ورجل‏"‏‏.‏

وللتثنية ثمانية شروط‏:‏

الأول‏:‏ الإفراد، فلا يجوز تثنية المثنى والمجموع على حدة ولا الجمع الذي لا نظير له في الآحاد اتفاقا، وأما غيره من جموع التكسير فظاهر كلام المصنف جواز تثنيته‏.‏

وقال غيره‏:‏ إن تثنية الجمع واسم الجنس غير مقيسة‏.‏

الثاني‏:‏ الإعراب‏,‏ فلا يثنى المبني، وأما قولهم‏:‏ ‏"‏منان ومنَيْن‏"‏ فليست الزيادة فيهما للتثنية بل للحكاية يدل على ذلك ‏"‏حذفهما‏"‏ وصلا، وأما ‏"‏يا زيدان ولا رجلين‏"‏ فإنما ثني قبل البناء، وأما ‏"‏هذان واللذان‏"‏ ونحوهما فصيغ وضعت للمثنى‏,‏ ‏"‏وليست‏"‏ من المثنى الحقيقي عند المحققين‏.‏

الثالث‏:‏ عدم التركيب‏,‏ فلا يثنى المركب تركيب إسناد اتفاقا‏,‏ وكذا ما في حكمه كأنما مسمى به، واختلف في تثنية المركب تركيب مزج نحو‏:‏ ‏"‏بعلبك وسيبويه‏"‏ وصحح أكثرهم المنع لشبهه بالمحكي ولعدم السماع‏.‏

وأما الأعلام المضافة نحو‏:‏ ‏"‏أبي بكر‏"‏ فيستغنى فيها بتثنية المضاف ‏"‏وجمعه‏"‏ عن تثنية المضاف إليه وجمعه، وأجاز الكوفيون تثنيتهما ‏"‏معا‏"‏ وجمعهما ‏"‏معا‏"‏ فتقول‏:‏ ‏"‏أبَوا البكرين وآباء البكرين‏"‏‏.‏

الرابع‏:‏ التنكير‏.‏ فلا يثنى العلم باقيا على علميته‏,‏ بل إذا أريد تثنيته قدر تنكيره، ولذلك لا تثنى الكنايات عن الأعلام نحو ‏"‏فلان وفلانة‏"‏ فإنها لا تقبل التنكير‏.‏

الخامس‏:‏ أن يكون قابلا لمعنى التثنية‏.‏ فلا تثنى الأسماء الواقعة على ما لا ثاني له في الوجود ‏"‏كشمس وقمر‏"‏ إذا قصدت الحقيقة‏.‏

السادس‏:‏ اتفاق اللفظ، وأما نحو‏:‏ ‏"‏القمرين‏"‏ في الشمس والقمر فمن باب التغليب‏.‏

السابع‏:‏ اتفاق المعنى‏,‏ فلا يجوز تثنية المشترك والحقيقة والمجاز‏,‏ هذا مذهب أكثر المتأخرين‏.‏ قال في شرح التسهيل‏:‏ والأصح الجواز، وممن صرح بجواز ذلك أبو بكر بن الأنباري‏.‏

الثامن‏:‏ ألا يستغنى بتثنية غيره عن تثنيته نحو‏:‏ ‏"‏سواء‏"‏ فإن أكثرهم لا يثنيه استغناء بتثنية سي فقالوا‏:‏ ‏"‏سيان‏"‏ ولم يقولوا‏:‏ ‏"‏سواءان‏"‏ على أن أبا زيد حكاه عن العرب‏.‏

وما أعرب إعراب المثنى وهو مخالف لمعناه بقصد التكثير نحو‏:‏ ‏{‏ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ‏}‏‏.‏

أو الإفراد نحو‏:‏ ‏"‏البحرين‏"‏ أو موافق له ولم يصلح للتجريد نحو‏:‏ ‏"‏اثنين واثنتين‏"‏‏.‏

أو صلح للتجريد وعطف مباينه عليه لا عطف مثله نحو‏:‏ ‏"‏القمرين‏"‏ في الشمس والقمر، و‏"‏العمرين‏"‏ في أبي بكر وعمر‏.‏ فهو ملحق بالمثنى‏.‏

وقد أشار في النظم إلى أربعة ألفاظ الحقت بالمثنى فأعربت إعرابه، وليست من المثنى حقيقة وهي ‏"‏كلا، وكلتا، واثنان، واثنتان‏"‏‏.‏

أما ‏"‏كلا وكلتا‏"‏ فهما اسمان ‏"‏مفردا اللفظ مثنيا المعنى‏"‏ بدليل الإخبار عنهما بالإفراد تارة مراعاة للفظ وبالتثنية تارة مراعاة للمعنى وقد اجتمع الأمران في قوله‏:‏

كلاهما حين جد الجري بينهما‏.‏‏.‏‏.‏ قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي

وقيل‏:‏ هذا البيت قيل في ابنة جرير وبعلها تندرا‏.‏

ولكونهما مفردي اللفظ مثنى المعنى، أعربا إعراب المفرد في موضع ‏"‏وأعربا‏"‏ إعراب المثنى في موضع‏.‏ فأعربا مع الظاهر إعراب ‏"‏المفرد‏"‏ المقصور بحركات مقدرة، ومع المضمر إعراب المثنى بالألف رفعا وبالياء جرا ونصبا‏.‏

ولما كان الإعراب بالحروف فرعا عن الإعراب بالحركات، والإضافة إلى المضمر فرعا عن الإضافة إلى المظهر، جعل الفرع مع الفرع والأصل مع الأصل ‏"‏تحصيلا لكمال المناسبة‏"‏‏.‏

وإلى هذا أشار بقوله‏:‏

إذا بمضر مضاف وصلا

أي‏:‏ إذا وصل ‏"‏كلا‏"‏ بمضمر حال كونه مضافا إلى ذلك المضمر، فمضافا حال من الضمير المستكن في وصل وهو ضمير ‏"‏كلا‏"‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏كلتا كذاك‏"‏ يعني مثل ‏"‏كلا‏"‏ في أن إعرابها إعراب المثنى مشروط بالإضافة إلى الضمير‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ حكى الفراء ‏"‏كلا وكلتا‏"‏ ثلاث لغات‏:‏

الأولى‏:‏ أن يعربا مع الظاهر إعراب المقصور ومع المضمر إعراب المثنى كما ‏"‏تقدم‏"‏‏.‏

والثانية‏:‏ أن يعربا إعراب المثنى مع الظاهر والمضمر ونسبها إلى كنانة‏.‏

والثالثة‏:‏ أن يعربا إعراب المقصور مع النوعين أيضا وجعل من ذلك قول بعضهم‏:‏ ‏"‏كلاهما وتمرا‏"‏‏,‏ بالألف‏.‏

الثاني‏:‏ ما تقدم من أن ‏"‏كلا وكلتا‏"‏ ‏"‏مفردا اللفظ مثنيا المعنى‏"‏ هو مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أنهما من قبيل المثنى لفظا ومعنى‏.‏

ويرده أمور منها الإخبار عنهما بالمفرد في الكلام الفصيح كما تقدم‏.‏

وزعم البغداديون‏:‏ أن ‏"‏كلتا‏"‏ قد نطق لها بمفرد في قول الراجز‏:‏

في كلت رجليها سلامى واحدة‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

وليس بصحيح، بل أراد ‏"‏في كلتا‏"‏ فحذف الألف للضرورة‏.‏

الثالث‏:‏ ‏"‏كلا‏"‏ عند البصريين فعل نحو معي ‏"‏وألفها‏"‏ عن واو بدليل إبدالها ‏"‏تا‏"‏ في ‏"‏كلتا‏"‏ وقيل عن ياء لقول سيبويه‏:‏ إنه لو سمي بها وثنيت لانقلبت ياء، ووزن ‏"‏كلتا‏"‏ فعلى كذكرى وألفها للتأنيث والتاء بدل ‏"‏من‏"‏ لام الكلمة، وهو إما واو وهو اختيار ابن جني أو ياء وهو اختيار أبي عليّ، وذهب الجرمي إلى أن التاء زائدة للتأنيث وهو ضعيف، لأن تاء التأنيث لا تقع حشوا ولا بعد ساكن غير الألف‏.‏

الرابع‏:‏ المنقول عن البصريين أن قلب ألف كلا وكلتا مع المضمر ‏"‏ياء‏"‏ ليس هو للعامل وإنما هو بالحمل على ‏"‏لدى وعلى‏"‏ وذلك لأنهما ملازمان للإضافة فأشبها في النصب ‏"‏لدى‏"‏ وأشبها في الجر ‏"‏على‏"‏ ففعلوا ‏"‏بكلا وكلتا‏"‏ في النصب والجر، ما فعلوا بلدى وعلى فقلبوا ألفها ياء، إذا أضيفا إلى مضمر،

ولم يقلبوها إذا أضيفا إلى ظاهر كما أن ألف ‏"‏لدى وعلى‏"‏ لا تقلب مع الظاهر‏.‏

وأما الرفع فبقيت الألف مع الظاهر والمضمر؛ لأنها لم تشبه في الرفع ما تنقلب ألفه‏.‏

قال الخليل‏:‏ ومن لا يقلب ألف ‏"‏لدى وعلى‏"‏ إذا أضيفا إلى المضمر، يقول‏:‏ ‏"‏رأيت كلاهما أو مررت بكلاهما‏"‏ فيجعلهما من المضمر على حالهما مع الظاهر، وضعف الناظم ‏"‏إعراب‏"‏ هذا المذهب، وجعل ‏"‏إعرابها‏"‏ بالحرفين كالمثنى، واستدل بلغة كنانة‏.‏

وأما ‏"‏اثنان واثنتان‏"‏ فيعربان إعراب المثنى بلا شرط، ولذلك شبههما بما هو مثنى حقيقة لئلا يتوهم أنهما مثل ‏"‏كلا وكلتا‏"‏ في اشتراط الإضافة إلى المضمر‏.‏

فقال‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ اثنان واثنتان‏.‏‏.‏‏.‏ كابنين وابنتين يجريان

أي‏:‏ يجريان مجرى ابنين وابنتين بلا شرط، ثم قال‏:‏

وتخلف اليا في جميعها الألف‏.‏‏.‏‏.‏ جرا ونصبا‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

يعني أن الياء تخلف الألف‏.‏ أي‏:‏ تحل محلها في جميع ما تقدم وهو المثنى والألفاظ الملحقة به جرا ونصبا نحو‏:‏ ‏"‏مررت بالزيدين، ورأيت الزيدين‏"‏‏.‏

وقدم الجر لأن النصب محمول عليه في الياء التي هي أخت الكسرة، وإنما حمل عليه لاشتراكهما في أن كلا منهما فضلة، ولهذا لم يحمل على الرفع؛ لأنه عمدة وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ بعد فتح قد ألف

سبب فتح ما قبل هذه الياء الإشعار بأنها خلقت الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ في المثنى وما ألحق به لغة أخرى وهو لزوم الألف رفعا ونصبا وجرا، وهي لغة بني الحارث بن كعب وقبائل أخر‏,‏ وأنكرها المبرد وهو محجوج بنقل الأئمة ‏"‏وهو‏"‏ أحسن ما خرج عليه قراءة‏:‏ ‏{‏إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ‏}‏‏.‏

الثاني‏:‏ مذهب الناظم أن إعراب المثنى والمجموع على حدة بالحروف كما هو ظاهر كلامه في النظم، وصرح بذلك في التسهيل‏,‏ وهو مذهب قطرب وطائفة من المتأخرين‏,‏ ونسب إلى الزيادي والزجاجي‏.‏ قيل‏:‏ وهو مذهب الكوفيين‏.‏

وذهب سيبويه ومن تبعه إلى أن الإعراب مقدر في الألف والياء فتقدر في الألف الضمة، وفي الياء الفتحة والكسرة، فإعراب المثنى عندهم بالحركات‏.‏ وفي إعراب المثنى مذاهب لا نطول بذكرها‏.‏

المجموع على حد المثنى‏:‏

ثم انتقل إلى الموضع الثالث من مواضع النيابة وهو المجموع على حد المثنى فقال‏:‏

وارفع بواو وبيا اجرر وانصب‏.‏‏.‏‏.‏ سالم جمع عامر ومذنب

لما كان الجمع على قسمين‏:‏ جمع تكسير‏,‏ وهو ما تغير فيه بناء واحده لفظا أو تقديرا‏,‏

وجمع سلامة‏,‏ وهو خلافه‏.‏

احترز عن جمع التكسير بقوله‏:‏ ‏"‏سالم جمع‏"‏‏.‏

ثم السالم قسمان‏:‏ مذكر ومؤنث‏.‏

فاحترز عن المؤنث بإضافة الجمع إلى المذكر‏,‏ أعني ‏"‏عامرا ومذنبا‏"‏ فالذي يرفع بالواو وينصب ويجر بالياء هو جمع المذكر السالم‏.‏

وهو قسمان‏:‏ اسم، وصفة‏.‏

فالاسم لا يجمع هذا الجمع إلا بأربعة شروط‏:‏ الذكورية والعلمية والعقل والخلو من تاء التأنيث المغايرة لما في نحو‏:‏ ‏"‏عدة وثبة‏"‏ علمين‏.‏

والصفة لا تجمع هذا الجمع إلا بأربعة ‏"‏شروط‏"‏‏:‏ الذكورية والعقل والخلو من تاء التأنيث وقبول تاء التأنيث عند قصد معناه‏.‏

‏"‏واحترزت‏"‏ بهذا الأخير من فعلان فعلى نحو‏:‏ سكران وأفعل فعلاء نحو أحمر، وما اشترك فيه المذكر والمؤنث نحو‏:‏ ‏"‏صبور‏"‏ فلا يجمع شيء من ذلك بالواو والنون لعدم قبوله لتاء التأنيث‏.‏

فمثال الاسم ‏"‏الذي‏"‏ اجتمعت فيه الشروط ‏"‏عامر‏"‏ فتقول‏:‏ ‏"‏جاء العامريون ورأيت العامريين ومررت بالعامريين‏"‏‏.‏

ومثال الصفة التي اجتمعت فيها الشروط ‏"‏مذنب‏"‏ فتقول‏:‏ ‏"‏جاء المذنبون ورأيت المذنبين ومررت بالمذنبين‏"‏‏.‏

وقد اكتفى الناظم بالمثالين عن ذكر هذه الشروط طلبا للاختصار‏,‏ وأشار للقياس عليهما بقوله‏:‏ ‏"‏وشبه ذين‏"‏‏.‏

فشبه عامر كل اسم مذكر ‏"‏علم‏"‏ عاقل خال من تاء التأنيث، وشبه مذنب‏:‏ كل وصف مذكر عاقل خال من تاء التأنيث‏:‏ قابل لتاء التأنيث‏.‏

فإن قلت‏:‏ قد زاد في التسهيل في شروط الاسم شرطين آخرين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن يكون غير مركب تركيب إسناد أو مزج‏.‏

والآخر‏:‏ أن يكون غير معرب بحرفين فلم ترك ذكرهما‏؟‏

قلت‏:‏ هذان شرطان لصحة مطلق الجمع ولا خصوصية لهما بهذا الجمع ‏"‏المذكور‏"‏‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ لم يشترط الكوفيون الخلو من تاء التأنيث‏,‏ فأجازوا جمع ‏"‏طلحة‏"‏ بالواو والنون، ولا قبول الصفة لتاء التأنيث مستدلين بقول الشاعر‏:‏

منا الذي هو ما إن طر شاربه‏.‏‏.‏‏.‏ والعانسون ومنا المرد والشيب

فجمع عانسا ‏"‏بالواو والنون‏"‏ وهو من الصفات المشتركة‏.‏

ولا حجة في البيت لشذوذه‏.‏

الثاني‏:‏ ما جعل علما من الثلاثي المعوض من ‏"‏فائه‏"‏ تاء التأنيث كعدة أو من لامه كثبة فإنه يجوز جمعه بالواو والنون وبالألف والتاء، ما لم يكسر قبل العلمية كشفة‏,‏ فيلزم تكسيره أو يعتل ثانيه ‏"‏كدية‏"‏ فيلزم جمعه بالألف والتاء‏.‏

وإلى هذا أشار في التسهيل بتقييده التاء بالمغايرة لما في ‏"‏عدة وثبة‏"‏ علمين‏.‏

الثالث‏:‏ اعلم أن التصغير قائم مقام الوصف، فلذلك لو صغر نحو‏:‏

‏"‏رجل وغلام‏"‏ جمع الواو والنون مع أنه ليس بعلم ولا صفة، وذلك لكون التصغير وصفا في المعنى‏.‏

ثم أشار إلى ما ألحق بهذا فأعرب إعرابه بقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وبه عشرونا‏.‏‏.‏‏.‏ وبابه ألحق والأهلونا

أولوا وعالمونا عليونا‏.‏‏.‏‏.‏ وأرضون شذ والسنونا

وهو أربعة أقسام‏:‏ اسم جمع وجمع تكسير، وجمع تصحيح لم يستوف الشروط، ومفرد هو جمع في الأصل‏.‏

فالأول‏:‏ عشرون وبابه‏.‏ ونعني ببابه سائر العقود إلى التسعين‏.‏

و‏"‏أولو‏"‏ و‏"‏عالمون‏"‏ فهذه كلها أسماء جموع ألحقت بجمع المذكر السالم في إعرابه؛ لأن هذه لا واحد لها من لفظها، وليس ‏"‏العالمون‏"‏ جمع عالم لأن العالم عام والعالمون خاص بمن يعقل، وإنما هو اسم جمع‏.‏ قاله المصنف‏.‏

والثاني‏:‏ أرضون وسنون وبابه ‏"‏فهذه‏"‏ جموع تكسير لتغير واحدها‏.‏ أعربت إعراب جمع لمذكر السالم‏.‏

الثالث‏:‏ أهلون‏,‏ فإنه جمع أهل وأهل، فهو مستوفي الشروط إذ هو ليس علما ولا صفة‏.‏ فأهلون جمع تصحيح لم يستوف الشروط‏.‏

وجعل بعضهم ‏"‏أرضين وسنين‏"‏ من هذا النوع‏.‏

والرابع‏:‏ عليون‏,‏ وهو اسم لأعلى الجنة‏.‏ كأنه في الأصل فعلى من العلو‏,‏ فجمع جمع من يعقل وسمي به، وفي تمثيله بهذه الألفاظ تنبيه على نظائرها‏,‏ وباب سنين ‏"‏الذي‏"‏ أشار له بقوله ‏"‏وبابه‏"‏ هو ما عوض من لامه هاء التأنيث ولم يكسر فهذا النوع شاع فيه جمع بالواو والنون رفعا وبالياء والنون جرا ونصبا، وهو ثلاثة أنواع‏:‏

مفتوح الفاء نحو‏:‏ ‏"‏سنة‏"‏‏.‏

ومكسور الفاء نحو‏:‏ ‏"‏مائة‏"‏‏.‏

ومضموم الفاء نحو‏:‏ ‏"‏ثبة‏"‏ وهي الجماعة‏.‏

فلام ‏"‏سنة‏"‏ واو أو هاء على اللغتين‏,‏ ولام ‏"‏مائة‏"‏ ياء، ولام ‏"‏ثبة‏"‏ واو، وقيل‏:‏ ياء من ثبيت أي جمعت‏,‏ وأما الثبة التي هي وسط الحوض فمحذوفة العين

من ‏"‏ثاب يثوب‏"‏ إذا رجع، وقيل‏:‏ بل محذوفة اللام أيضا من ثبيت‏,‏ فما كان مفتوح الفاء كسرت فاؤه نحو‏:‏ ‏"‏سنين‏"‏، وقد حكي ضم ‏"‏سينه‏"‏، وما كان مكسور الفاء لم يغير ‏"‏نحو‏"‏ ‏"‏مئين‏"‏، وما كان مضموم الفاء فوجهان الكسر والضم نحو‏:‏ ‏"‏ثيين‏"‏ فإن كسر استغني عن هذا الاستعمال نحو‏:‏ ‏"‏شفة‏"‏ إلا ما ندر‏.‏

وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ومثل حين قد يرد‏.‏‏.‏‏.‏ ذا الباب‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

يعني أن باب سنين قد يستعمل مثل حين فجعل إعرابه بالحركات على النون منونة ولا تسقطها الإضافة وتلزم الياء فتقول‏:‏ ‏"‏هذه سنين وصحبته سنينا ‏"‏وما رأيته‏"‏ منذ سنين‏"‏ وفي الحديث، في رواية‏:‏ ‏"‏اللهم اجعلها عليهم سنينًا كسنين يوسف‏"‏، ومنه قول الشاعر‏:‏

دعاني من نجد فإن سنينه‏.‏‏.‏‏.‏ لعبن بنا شيبا وشيبتنا مردا

ومن أصحاب هذه اللغة من يسقط التنوين‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏وهو عند قوم يطرد‏"‏‏.‏

يعني أن إجراء سنين وبابه مجرى حين يطرد عند قوم من العرب، وقد يستعمله غيرهم على وجه الشذوذ كما في الحديث المذكور‏.‏

وإنما اختص هذا النوع بهذه المعاملة لخلوه من شروط جمع التصحيح وشبهه بالتكسير في عدم سلامة نظم واحده‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ونون مجموع‏"‏ نحو‏:‏ ‏"‏الزينين والمسلمين‏"‏‏.‏

‏"‏وما به التحق‏"‏ نحو ‏"‏عشرين‏"‏ وما ذكر معه ‏"‏فافتح‏"‏ أي‏:‏ فلزمه الفتح للفرق بينه وبين نون التثنية‏.‏

‏"‏وقل من بكسره نطق‏"‏ يعني في الضرورة وليس بلغة‏.‏

ومنه قول الشاعر‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وأنكرنا زعانف آخرين

وقول الآخر‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وقد جاوزت حد الأربعين

وقال في شرح التسهيل‏:‏ ويجوز أن يكون كسر نون الجمع وما ألحق به لغة‏.‏

وقوله ‏"‏ونون ما ثني‏"‏ نحو‏:‏ ‏"‏الزيدين‏"‏ ‏"‏والملحق به‏"‏ نحو‏:‏ ‏"‏اثنين‏"‏ ‏"‏بعكس ذاك استعملوه‏"‏‏.‏ أي‏:‏ بعكس نون الجمع فينكسر لالتقاء الساكنين وقل من نطق بفتحه، إلا أن فتح نون المثنى لغة حكاها الكسائي والفراء ولكنهما حكياها مع الياء لا مع الألف وأجازها بعضهم مع الألف، واستدل بقول الراجز‏:‏

أعرف منها الجيد والعينانا‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

وحكى الشيباني أن ضم نون المثنى لغة‏,‏ يعني إذا كان بالألف، وحكي عن العرب ‏"‏هما خليلان‏"‏‏.‏

ولما فرغ من نيابة الحرف عن الحركة انتقل إلى نيابة الحركة ‏"‏عن‏"‏ حركة أخرى، وذلك في موضعين‏:‏

الأول‏:‏ جمع المؤنث السالم، فإنه ينصب بالكسرة نيابة عن الفتحة فحمل نصبه على جره كما حمل نصب المذكر السالم على جره، وضابطه‏:‏ ما جمع بألف وتاء مزيدتين‏.‏

وإليه أشار بقوله‏:‏

وما بتا وألف قد جمعا‏.‏‏.‏‏.‏ يكسر في الجر وفي النصب معا

فإن قلت‏:‏ لِمَ لَمْ يقيد الألف والتاء بكونهما زائدتين‏؟‏

قلت‏:‏ تعليق الباء بقوله جمع يغني عن ‏"‏التقييد‏"‏، إذ المراد ما دل على جمعيته بألف وتاء‏.‏ ‏"‏ونحو أبيات‏"‏ مما تاؤه أصلية وقضاة مما ألفه منقلبة عن أصل لم يدل على جمعيته بالألف والتاء‏.‏

فإن قلت‏:‏ لم لم يذكر علامة رفعه‏؟‏

قلت‏:‏ لأنه بالضمة على الأصل‏.‏

ثم ذكر ما ألحق بجمع المؤنث السالم فقال‏:‏

كذا أولات والذي اسما قد جعل‏.‏‏.‏‏.‏ كاذرعات فيه ذا أيضا قبل

يعني‏:‏ أن أولات يكسر في جره ونصبه كالجمع المذكور، وهو اسم جمع؛ لأنه لا واحد له من لفظه فهو في المؤنث نظير أولو في المذكر‏.‏

وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ والذي اسما قد جعل

يعني‏:‏ أن ما كان مجموعا بألف وتاء ثم سمي به فجعل اسما مفردا، فإنه يعرب بعد التسمية على اللغة الفصحى بما كان يعرب به قبلها، فيكسر في الجر والنصب وينون‏.‏

وقد مثله بأذرعات ‏"‏وهو بالذال المعجمة‏"‏ اسم موضع فتقول‏:‏ ‏"‏رأيت أذرعات ومررت بأذرعات‏"‏ فيستوي جره ونصبه ونحوه ‏"‏عرفات‏"‏‏.‏

ومن العرب من يمنعه التنوين ويجره وينصبه بالكسرة كما سبق ‏"‏ومنهم‏"‏ من يمنعه الصرف فيجره وينصبه بالفتحة ولا ينون‏.‏

فإن قلت‏:‏ لم نون أذرعات وعرفات ونحوهما على اللغة الفصحى، وحقهما منع الصرف للتأنيث والعلمية‏؟‏

قلت‏:‏ ليس تنوينهما للصرف؛ وإنما هو تنوين المقابلة وقد تقدم بيانه‏.‏

فإن قلت‏:‏ قد ذكر حكم المجموع بالألف والتاء -إذا سمي به- فما حكم المثنى والمجموع على حدة إذا سمي بأحدهما‏؟‏

قلت‏:‏ أما المثنى ففيه لغتان‏:‏

الأولى‏:‏ أن يعرب بعد التسمية بما كان يعرب به قبلها‏.‏

والثانية‏:‏ أن يجعل مثل‏:‏ ‏"‏عمران‏"‏ في التزام الألف وإعرابه على النون إعراب ما لا ينصرف‏.‏

وأما المجموع على حدة ففيه أربعة أوجه‏:‏

الأول‏:‏ أن يعرب بعد التسمية بما كان يعرب به قبلها‏.‏

والثاني‏:‏ أن يجعل ‏"‏كغسلين‏"‏ في التزام الياء وجعل الإعراب ‏"‏على‏"‏ نون مصروفا، ولم يذكر سيبويه غير هذين الوجهين‏.‏

والثالث‏:‏ أن يجعل ‏"‏كهارون‏"‏ في التزام الواو وجعل الإعراب على النون غير مصروف للعلمية وشبه العجمة‏.‏

والرابع‏:‏ التزام الواو وفتح النون مطلقا، ذكره السيرافي، وزعم أن ذلك صحيح من لسان العرب‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ جعل المثنى ‏"‏كعمران‏"‏ والمجموع ‏"‏كغسلين‏"‏ أو ‏"‏هارون‏"‏ مشروط ألا يتجاوزا سبعة أحرف‏,‏ فإن تجاوزا السبعة لم يعربا بالحركات‏,‏ وقد تنبه على ذلك في التسهيل‏.‏

الثاني‏:‏ ما تقدم من أن المثنى إذا جعل بعد التسمية ‏"‏كعمران‏"‏ يمنع الصرف، قيده ابن جني بغير ‏"‏ذان وتان‏"‏ مسمى بهما، فإنهما يصرفان إذ الألف ‏"‏هنا‏"‏ لم تقع وقع الألف الزائدة‏.‏ وفي حواشي مبرمان منع صرف ‏"‏ذان‏"‏ قال‏:‏ لأن في آخره زيادتين‏.‏

والموضع الثاني من ‏"‏موضعي‏"‏ نيابة الحركة عن حركة أخرى‏.‏ ما لا ينصرف وهو كل اسم شابه الفعل من كونه فرعا من وجهين كما سيتحقق في موضعه‏.‏

فهذا يجر بالفتحة نيابة عن الكسرة، فحمل جره على نصبه؛ لأنه لما شابه الفعل منع التنوين والجر بالكسرة‏.‏

وإلى هذا أشار بقوله‏:‏

وجر بالفتحة ما لا ينصرف

فشمل ذلك‏:‏ المفرد والجمع المكسر نحو‏:‏ ‏"‏مررت بأحمد، وصليت في مساجد‏"‏‏.‏

وسكت عن رفعه ونصبه، ‏"‏لأنهما الأصل‏"‏‏.‏

وقوله‏:‏

ما لم يضف أو يك بعد أل ‏"‏ردف‏"‏

يعني‏:‏ فإنه يجر حينئذ بالكسرة نحو‏:‏ ‏"‏مررت بأحسن القوم وبالأحسن‏"‏‏.‏

وشمل قوله‏:‏ ‏"‏أل‏"‏ المعرفة كما مثل، والموصولة نحو‏:‏

ما أنت باليقظان ناظره إذا‏.‏‏.‏‏.‏ نسيت بما تهواه ذكر العواقب

والزائد نحو‏:‏

رأيت الوليد بن اليزيد مباركا‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

وقال في التسهيل‏:‏ ما لم يصحب الألف واللام أو بدلهما يعني الألف والميم في لغة أهل اليمن كقول الشاعر‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ تبيت بليل أمأرمد اعتاد أولقا

وقوله ‏"‏رَدِف‏"‏ معناه تبع‏.‏

فإن قلت‏:‏ إذا أضيف ما لا ينصرف أو دخلته ‏"‏أل‏"‏ ‏"‏و‏"‏ الجر بالكسرة فهل يسمى منصرفا‏؟‏

قلت‏:‏ فيه خلاف مشهور‏.‏

والتحقيق‏:‏ أنه إن زالت إحدى علتيه بالإضافة أو ‏"‏أل‏"‏ فمنصرف نحو ‏"‏مررت بأحمدِكم‏"‏ وإلا فغير منصرف نحو‏:‏ ‏"‏مررت بأحسَنِكم‏"‏‏.‏

ولبيان ذلك موضع هو أليق به، المفهوم من قوة كلامه في النظم أنه باق على منع صرفه‏.‏

ولما فرغ من مواضع النيابة في الأسماء أخذ يذكر مواضع النيابة في الأفعال‏,‏ وقد تقدم أن النائب في الفعل شيئان‏:‏ الحرف والحذف‏.‏

فالحرف هو النون تنوب عن الضمة، والحذف حذف النون وحروف العلة، ‏"‏فحذف النون ينوب عن الفتحة والسكون‏"‏ وحذف حروف العلة ينوب عن السكون‏.‏

وبدأ بمواضع النون فقال‏:‏

واجعل لنحو يفعلان النونا‏.‏‏.‏‏.‏ رفعا وتدعين وتسألونا

فنحو ‏"‏يفعلان‏"‏ هو كل فعل اتصل به ألف اثنين مخاطبين أو غائبين نحو‏:‏ ‏"‏أنتما تفعلان‏"‏ وهما يفعلان سواء كان ضميرا كما مثل به، أو حرفا نحو ‏"‏يفعلان الزيدين‏"‏ في لغة طيئ وأزد شنوءة‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏رفعا‏"‏ هو مفعول ثان لقوله‏:‏ ‏"‏واجعل‏"‏ أي‏:‏ صيِّر، وهو تصريح ‏"‏بأن الرفع بالنون‏"‏ كما هو مذهب الجمهور خلافا لمن زعم أن الإعراب في هذه الأمثلة بحركات مقدرة على لام الفعل‏.‏

وقوله ‏"‏وتدعين‏"‏ أي‏:‏ ونحو ‏"‏تدعين‏"‏ وهو كل فعل اتصل به ياء ‏"‏المخاطبة‏"‏‏.‏

وقوله ‏"‏وتسألون‏"‏ أي نحو ‏"‏تسألون‏"‏‏,‏ وهو كل فعل اتصل به واو جمع مخاطبين أو غائبين، نحو‏:‏ ‏"‏أنتم تفعلون وهم يفعلون‏"‏ وسواء أكانت ضميرا كما مثل به أو حرفا نحو‏:‏ ‏"‏يفعلون الزيدون‏"‏ في اللغة المشار إليها‏.‏

وقوله‏:‏

وحذفها للجزم والنصب سمه

أي‏:‏ وحذف النون علامة للجزم والنصب كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا‏}‏‏.‏

وقد مثل بقوله‏:‏

كلم تكوني لترومي مظلمه

‏"‏فتكوني‏"‏ مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون ‏"‏وترومي‏"‏ منصوب بأن مضمرة بعد لام الجحود وعلامة نصبه حذف النون أيضا‏.‏

وبدأ بالجزم؛ لأن النصب محمول على الجزم في علامته، فإن الجزم أحق بالحذف فحمل النصب عليه كما حصل على الجر في الأسماء‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏مظلمه‏"‏ يجوز فيه فتح اللام وكسرها، والفتح هو القياس‏.‏

إعراب المعتل من الأسماء والأفعال‏:‏

ولما أنهى القول في ‏"‏بيان‏"‏ إعراب الصحيح من الأسماء والأفعال، شرع في إعراب المعتل من الأسماء والأفعال‏,‏ فقال‏:‏

وسم معتلا من الأسماء ما‏.‏‏.‏‏.‏ كالمصطفى والمرتقي مكارما

فأشار بالمثال الأول إلى كل اسم حرف إعرابه ألف لازمة‏,‏ وبالثاني إلى كل اسم حرف إعرابه ‏"‏ياء لازمة قبلها كسرة‏"‏‏.‏

فكلا النوعين يسمى معتلا وليس في الأسماء ما حرف إعرابه واو لازمة قبلها ضمة‏.‏

‏"‏ثم أشار‏"‏ إلى أن هذين النوعين وإن اشتركا في الاعتلال، فإن لكل ‏"‏واحد‏"‏ اسما خاصا وحكما غير حكم الآخر فقال‏:‏

فالأول الإعراب فيه قدرا‏.‏‏.‏‏.‏ جميعه وهو الذي قد قصرا

يعني بالألف ما حرف إعرابه ألف لازمة كالمصطفى ‏"‏وإنما‏"‏ قدر فيه الإعراب جميعه أعني الرفع والنصب والجر، لتعذر تحريك الألف‏.‏

فإذا قلت‏:‏ ‏"‏جاء الفتى‏"‏ فعلامة رفعه ضمة مقدرة في الألف تعذرا‏.‏

وإذا قلت‏:‏ ‏"‏رأيت الفتى‏"‏ فعلامة نصبه فتحة مقدرة في الألف تعذرا‏.‏

وإذا قلت‏:‏ ‏"‏مررت بالفتى‏"‏ فعلامة جره كسرة مقدرة في الألف تعذرا‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏وهو الذي قد قصرا‏"‏ إشارة إلى أن هذا النوع يسمى في الاصطلاح مقصورا؛ لأنه منع المد، ويقابله الممدود، ولذلك لا يسمى نحو ‏"‏يسعى‏"‏ مقصورا إذ ليس في الفعل ممدود‏.‏

وقيل‏:‏ سمي مقصورا؛ لأنه قصر عن ظهور الحركات، والقصر المنع‏.‏

‏"‏والثان منقوص‏"‏ يعني بالثاني‏:‏ ما حرف إعرابه ياء لازمة تلي كسرة كالمرتقي‏.‏

وسمي منقوصا؛ لأنه تحذف لامه للتنوين نحو ‏"‏داع ومرتق‏"‏‏.‏

وقيل لأنه نقص ‏"‏فيه‏"‏ بعض الحركات وظهر فيه بعضها‏.‏

ونصبه ظهر نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ‏}‏‏.‏

ذلك لخفة الفتحة‏.‏

ورفعه ينوى نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ‏}‏ فعلامة رفعه ضمة مقدرة في الياء استثقالا لا تعذرا لإمكان النطق بها، وقد ظهر في الضرورة كقول الشاعر‏:‏

وعن الفرزدق شر العروق‏.‏‏.‏‏.‏ خبيث الثرى كابي الأزند

وقوله‏:‏ كذا أيضا يجر‏.‏ أي‏:‏ يجر بالكسرة ‏"‏منوية‏"‏ كما رفع بضمة ‏"‏منوية‏"‏ لثقل الضمة والكسرة على الياء كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ‏}‏ فعلامة جره كسرة مقدرة في الياء استثقالا‏,‏ لا ‏"‏تعذرا‏"‏ لإمكان النطق بها كقول جرير‏:‏

فيوما يوافين الهوى غير ماضيٍ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

ثم انتقل إلى المعتل من ‏"‏الأفعال‏"‏ فقال‏:‏

وأي فعل آخر منه ألف‏.‏‏.‏‏.‏ أو واو أو ياء فمعتلا عرف

أي‏:‏ شرطية وبعدها ‏"‏كان‏"‏ التامة مقدرة وآخر منه مبتدأ وألف خبره والجملة خبر كان‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏فمعتلا عرف‏"‏ جواب الشرط، ويحتمل أن تكون ‏"‏كان‏"‏ المقدرة ناقصة وآخر اسمها وألف خبرها ووقف عليه بحذف التنوين على لغة ربيعة‏.‏

ويجوز أن تكون ‏"‏أي‏"‏ موصولة على مذهب من أجاز إضافتها إلى النكرة‏.‏

وحاصل البيت‏:‏ أن كل فعل آخره ألف نحو‏:‏ ‏"‏يخشى‏"‏ أو واو نحو‏:‏ ‏"‏يدعو‏"‏ أو ياء نحو‏:‏ ‏"‏يرمي‏"‏ فهو معتل قد عرف بهذا الاسم، ولا يقال منقوص ولا مقصور ‏"‏إلا في الأسماء‏"‏‏.‏

وقوله‏:‏

فالألف انو فيه غير الجزم

يعني بغير الجزم الرفع والنصب نحو‏:‏ ‏"‏زيد يسعى‏,‏ ولن يسعى‏"‏ فعلامة رفعه ضمة مقدرة وعلامة نصبه فتحة مقدرة‏.‏

وكل ما قدر في الألف فهو على سبيل التعذر، وإنما استثني الجزم؛ لأنه يظهر بحذف الألف كما سيأتي‏.‏

وقوله‏:‏

وأبدِ نصب ما كيدعو يرمي

أي ‏"‏ويظهر‏"‏ نصب المعتل بالواو ‏"‏كيدعو‏"‏ والمعتل بالياء ‏"‏كيرمي‏"‏ فتقول‏:‏ ‏"‏لن يدعو‏,‏ ولن يرمي‏"‏ لخفة الفتحة‏.‏

وقوله‏:‏

والرفع فيهما انو‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

يعني‏:‏ في المعتل بالواو والياء نحو‏:‏ ‏"‏زيد يدعو ويرمي‏"‏ فعلامة رفعهما ضمة مقدرة في الواو والياء استثقالا كما سبق في المنقوص‏.‏

وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ واحذف جازما‏.‏‏.‏‏.‏ ثلاثهن‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

يعني‏:‏ الألف، والواو، والياء، تحذف الثلاثة للجازم نحو‏:‏ ‏"‏لم يخش ولم يرم ولم يغز‏"‏‏.‏

والتحقيق‏:‏ أن الحذف عند الجازم، لأنه فرع، إذا كان حرف العلة بدلا من همزة نحو‏:‏ ‏"‏يقرأ‏"‏ فإن قدر دخول الجازم قبل الإبدال وجب إقراره وإن قدر دخوله بعد الإبدال فقد ذكر ابن عصفور فيه وجهين‏:‏ الإثبات والحذف، ومنع بعضهم الحذف‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏تقض حكما لازما‏"‏ يعني في غير ضرورة الشعر، وأما في الضرورة فقد تثبت هذه الأحرف ويقدر الجزم‏.‏ كقول الشاعر‏:‏

ألم يأتيك والأنباء تنمي‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

وكقول الآخر‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ لم تهجو ولم تدع

وقول الآخر‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ولا ترضَّاها ولا تملَّق

ومنع بعضهم إثبات الألف وهو اختيار ابن عصفور‏.‏

وسبب هذا الخلاف، اختلافهم فيما حذفه الجازم، فقيل‏:‏ الضمة المنوية فعلى هذا لا فرق بين الألف وأختيها، وقيل‏:‏ الضمة الظاهرة‏.‏ لفظ بها ضرورة ثم حذفت، فعلى هذا لا يجوز في الألف، إذ لا يمكن فيها ذلك‏.‏

وقد ذهب قوم إلى أن هذه الحروف الثابتة إشباع وقد حذفت الحروف الأصلية للجازم، وقد ورد في الضرورة أيضا تقدير نصب الياء والواو -مثال الياء- قول الشاعر‏:‏

ما أقدر الله أن يدني على شحط‏.‏‏.‏‏.‏ من داره الحزن ممن داره صول

ومثال الواو قوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ أبى الله أن أسمو بأم ولا أب

وقد ورد أيضا في الضرورة إظهار رفعهما مثال الياء‏.‏ قوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ تساوي عنزي غير خمس دراهم

ومثال الواو قوله‏:‏

إذا قلت عل القلب يسلو قيضت‏.‏‏.‏‏.‏ هواجس لا تنفك تغريه بالوجد

وربما قدر في ‏"‏السعة‏"‏ نصب الياء كقراءة بعضهم ‏{‏مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ‏}‏ وجزمها كقراءة قنبل ‏{‏إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ‏}‏ ونصب الواو كقراءة بعضهم ‏{‏إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي‏}‏‏.‏

وبسط الكلام على ذلك لا يليق بهذا المختصر‏.‏ والله أعلم‏.‏